حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك
محمد بن مصطفى الخضري الشافعي
شرح ابن عقيل من اهم الشروحات على الفية ابن مالك في النحو حيث شرحها شرحا" وافيا" وبين المسائل التي تضمنتها، وجاء بالشواهد العربية الثيرة على ذلك، وهذه حاشية على شرح ابن عقيل حيث وضع فيها المحشي تعليقات هامة وزاد في ايضاح المسائل النحوية وايراد اقوال علماء النحو وزاد في ايراد الشواهد القرآنية والشعرية وغيرها من اقوال العرب.
تعريف بالمؤلف
هو محمد بن مصطفى بن حسن الخضري؛ فقيه شافعي, عالم بالعربية, مولده ووفاته في دمياط (مصر) دخل الأزهر, فمرض وصمت أذناه, فعاد إلى بلده, واشتغل بالعلوم الشرعية والفلسفية واستخرج طريقة لمخاطبته بأحرف إشارية بالأصابع, فتعلمها منه أصحابه فكانوا يخاطبونه بها من مؤلفاته: - حاشية على شرح ابن عقيل. - شرح اللمعة في حل الكواكب السيارة السبعة. - شرح زاد المسافر لابن المجدي. - سواد العين. - حكمة العين. - مبادئ في علم التفسير. - أصول الفقه. - حاشية على شرح الملوي على السمرقندية.
مقدمة المؤلف
تعلموا العربية وعلموها الناس(1/1)
نحمدك اللَّهمّ يا من تفضّل على من نحا نحوه بتواتر خلاصة نعمه الكافية، وقابل بإحسانه داء التّقصير عن أداء شكره بترادُفِ أنواع منَنِهِ الشّافية، حمداً تنجرُّ إليه كمالات المحامد غيرَ مخفوضةٍ، وتسكن لديه الآمال جازمة بأنّ عزَّ المزيد بدوامة وثيقة غير منقوضة ونسألك اللَّهمّ أن تشرح صدورنا بأنوار هدايتك فهي أعظم مطلوب، وتبعدنا عن مساوىء الأفعال النَّاقصة، وتسعدنا بمحاسن أفعال القلوب، ونشهد أن لا إله إلاَّ أنت وحدك لا شريك لك في صفاتٍ ولا أفعالٍ، بل أنت الفاعل المختار لكل مفعولٍ من الكائنات والأحوال، ونشهد أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا محمداً عبدك ورسولك، المبعوثُ من خلاصة معدَ ولباب عدنانَ، الذي أنزلت عليه القرآن بلسانٍ عربيَ مبين، لا يُخْلَقُ جديده، ولا يمل ترديده على مدى الأزمان، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه المشتغلين بسُنته بلا تنازع في العمل، وأنصاره المنصرفين لإعلاء كلمة الله من غير وقف ولا بدل، ما أيقن ذو تمييز بأن لشأنهم التَّكبير ولشائنيهم التَّصغير، وما علم ذو إدراك بأنهم جمع السَّلامة ومخالفوهم جموع التكسير.
---(1/2)
(أما بعد) فيقول العبد الفقير إلى رحمة ربِّه الغني محمّد الخضري الشَّافعي عامله الله بلطفه الخفيّ وبرِّه الحفيِّ: إنَّ شرح العلاّمة ابن عقيل لألفية الإمام ابن مالك رحمهما الله تعالى من أجلِّ ما كُتِبَ عليها قدراً، وأشهرها في الخافقين ذِكراً لسهولته على الطّالب، وقرب مأخذه للرَّاغب، ولإخلاص مؤلفه عمَّ نفعه وحسن عند الكل وقعه. وطالما كنت أؤمل عليه حاشية تجمع منه شوارده وتمكِّن من اقتناص أوابدِهِ رائدَه، وتتمم منه مع المتن المفاد، وتبين منهما للطالب المراد، فيما نعني عجز القصور عن ارتقاء تلك القصور، وأنَّى لمثلي بمعانقة هاتيك الحور، ومع ذلك أَذكر قول من قال، وأحسن في المقال: إنَّ أعراضَ المؤلفين أغراضٌ لسهام ألسنةِ الحساد وحقائب تصانيفهم معرضة لأَيدي النظارة تنتهب فوائدها ثم ترميها بالكساد لا سيما في زمان بدل نعيمه بؤساً وعُدَّ جيدُه منحوساً قد ملأ الحسد من أهله جميع الجسد، وقادهم الغرور بحبل من مسد فكأنَّما عناهم من قال:
1 ــــ إن يَسْمَعُوا سُبَّةً طَاروا بِها فَرَحاً
مِنِّي وَمَا يَسْمَعُوا مِن صَالِح دَفَنُوا
صُمٌّ إذا سَمِعُوا خيراً ذُكِرْتُ بِهِ
وَإنْ ذُكِرتُ بِسوءٍ عِندَهُمْ أَذَنُوا
أو من قال:
إنْ يَعْلَمُوا الخيرَ أَخْفَوهُ وإنْ عَلِموا
شرّاً أذاعوا وإن لمْ يعلَمُوا كَذَبُوا
فهم يجادلون في الحق بعد ما تبين، وترى نفوسهم الموت من قبوله أهون، فالعاقل بينهم مذموم ومهجور، والمعجب برأيه معزوز ومنصور. إلا أني أعود فأقول: عدمُ المبالاة بذلك أحرى، والتأليف ربما انتفع به فأجرى لصاحبه أجراً، وأتعلل بقول البدر الدماميني: هَبْ أنَّ كلاً بذل في مُطَاوَعةِ الهوى مقدورَه والتهبَ حسداً ليطفىء نور البدرِ وَيَأْبَى الله إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}
(التوبة:32)
---
هل هي إلا منحة أهداها الحاسد من حيث لا يشعر، وفعلة ظن أنها تطوي جميل الذكر فإذا هي له تنشر كما قال القائل:(1/3)
وَإذَا أراد الله نَشْرَ فَضِيلَةٍ
طُوِيَتْ أتاحَ لَهَا لِسَانَ حَسُودِ
وما زال هذا الخاطر يقوى ويتردد، وينطلق تارة ويتقيد، حتى أذن الله بإنجاز التوفيق، ومنّ من فضله بالتسديد إلى سواء الطريق، فنلت بفضل الله ما كنت ترجَّيت، وأتى جمعه فوق ما كنت له تصديت، فجاءت بعون الله حاشية لا كالحواشي، أعيذها بالله الحفيظ من كل حاسد وواش. ومع ذلك لست أبرئها من كلِّ عيب، ولا أصفها بضبط يرفع القلم عن إصلاح ما عسى يكون فيه لبس أو ريبٌ، كيف وأن الخطأ والنسيان كالصفة الذاتية للإنسان. إلا أن ما قل سقطه وحسن نمطه كان حقيقاً عند ذوي الإنصاف بالقبول وإقالة العثرات، وعدم الإصغاء لقول غبيّ جهول لا همَّ له إلا إذاعة الهفوات، وبالله أعتضد، ومن فيض أفضاله أستمد وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وواصلة للفوز لديه بجنات النعيم، وأن ينفع بها من تلقَّاها بالقبول، ويبلغنا وقارئها من الخير أجلَّ المأمول، إنَّه أكرم مسؤول على الدوام، وأحقُّ مَنْ يرتجى منه حسن الختام. قوله:
(بسْم الله الرَّحمن الرَّحِيمِ) قد أهمل التكلم عليها غالب من كتب هنا، لكن نريد أن نذكر طرفاً مما يتعلق بها تبركًا بخدمتها واستجلاباً لمزيد بركتها، فنقول، ونبرأ إلى الله من القوة والحول:
---(1/4)
اعلم أنَّ البسملة مصدر قياسي لبَسْمَلَ كدَحْرَجَ دحرجةً إذا قال: بسم الله على ما في الصحاح وغيره، أو إذا كتبها على ما في تهذيب الأزهري فهي بمعنى القول أو الكتابة، لكن أطلقوها على نفس بسم الله الرحمن الرحيم مجازاً من إطلاق المصدر على المفعول لعلاقة اللزوم. ثم صارت حقيقة عرفية، وهي من باب النحت، وهو أن يختصر من كلمتين فأكثر كلمة واحدة، ولا يشترط فيه حفظ الكلمة الأولى بتمامها بالاستقراء خلافاً لبعضهم، ولا الأخذ من كل الكلمات، ولا موافقة الحركات، والسَّكنات، كما يعلم من شواهده. نعم كلامهم يُفْهِم اعتبار ترتيب الحروف. ولذا عُدَّ ما وقع للشهاب الخفاجي في شفاء الغليل من طبلق بتقديم الباء على اللام إذ قال: أطال الله بقاءك سبق قلم والقياس طلبق والنحت مع كثرته عن العرب غير قياسي كما صرح به الشمني، ونقل عن فقه اللغة لابن فارس قياسيته، ومن المسموع سَمْعَلَ إذا قال: السلام عليكم. وحَوْقَلَ بتقديم القاف إذا قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، وقيل بتقديم اللام، وهلَّلَ تهليلاً وهيلَلَ هيللةً، إذا قال: لا إله إلا الله وياء هيلل للإلحاق بدحرج، ومنه في القرآن وَإذَا القُبُورُ بُعْثِرتْ}
(الانفطار:4)
قال الزمخشري: هو منحوت من بعث وأُثِيرَ، أي بُعِثَ موتاها وأثير ترابها، ومن المولَّد الفَذْلَكَةُ من قولهم: فَذْلَكَ العدد كذا وكذا والبَلْكَفَةُ التي أخذها الزمخشري من قول أهل السنة: إنّ الله تعالى يرى بلا كيف وَرَدَّ عليهم بناء على زعمه الفاسد بقوله:
قَدْ شَبَّهُوهُ بخلْقِهِ فتَخوَّفُوا
شَنعَ الوَرَى فَتَستَّروا بالبَلْكَفَهْ
قيل: ومن المولَّد بَسْمَلَ لأنه لم يسمع من فصحاء العرب. قال الشهاب الخفاجي: والمشهور خلافه وقد أثبتها كثير من أهل اللغة كابن السكيت والمطرزي ووردت في قول عمر بن أبي ربيعة:
2 ــــ لقد بَسْمَلَت ليلى غَداةَ لَقِيتُهَا
---
فَيَا حَبَّذا ذَاكَ الحَدِيثُ المُبسْمَلُ(1/5)
وقد استعمل كثير لا سيما الأعاجم النحت في الخط فقط والنطق به على أصله، ككتابة حينئذ حاءً مفردة ورحمه الله رح، وممنوع مم، وإلى آخره تارة الخ، وتارة ا هـ، و صلى الله عليه وسلّم صلعم، وعليه السلام عم، إلى غير ذلك. لكن الأولى ترك نحو الأخيرين، وإن أكثرَ منه الأعاجمُ. ثم إنّ الباء أصلية على المشهور، ومعناها الاستعانة أو المصاحبة على وجه التبرُّك، واستؤنس لهذا كما في تفسير البلقيني بحديث: (بسم الله الَّذي لا يَضُرُّ مَعَ اسمِهِ شَيْءٌ) فإن لفظ مع ظاهر في إرادة المصاحبة من الباء، وليس المراد أن المصاحبة معناها التبرك لوضوح بطلانه، إذ لا تبرك في نحو: رَجَعَ بِخُفِّيْ حُنَيْنٍ مما مثلوها به، بل هي مجرد الملابسة، إلا أنها بمعونة المقام تحمل على الملابسة التبركية. فتقديرهم أبدأ متبركاً ليس بياناً لمتعلق الباء بل تصوير للمعنى، وبيان لصفة تلك الملابسة، فإن لها أحوالاً شتى. فإن قلت: التبرك في بسملة الأكل ونحوه عائد للفعل المشروع فيه حتى إذا لم يبدأ بها كان ناقصاً، وقليل البركة، وهذا غير ممكن في بسملة القرآن. أجيب بأن المراد به دفع الوسوسة عن القارىء، مع إجزال ثوابه كما قاله ابن عبد السلام: وقيل: الباء زائدة فاسم مرفوع بالابتداء تقديراً لا محلاً لأن الإعراب المحلي للمبنيات ولا ضرر في اجتماع إعرابين على الكلمة لاختلافهما باللفظ والتقدير، والخبر محذوف؛ اسم أو فعل، والتقدير: اسم الله مبدوء به، أو أبدأ به بداءة قوية أي بحسن نية وإخلاص، وأخذنا ذلك من كون الحرف الزائد يدل على التأكيد كما ذكره الرضي، وإلا كان عبثاً لا يقع من العرب. وقولهم: الزائد لا معنى له أي غير التأكيد، ومن الغريب كونها للقسم فيحتاج إلى تقديره مقسم عليه، وعلى المشهور من التفاسير والأعاريب. ووجه بقلة المحذوف لأنه عليه كلمتان وعلى مقابلة ثلاث: المبتدأ والمضاف إليه والخبر، وبكثرة التصريح
---(1/6)
بالمتعلق فعلاً كما في آية: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}
(العلق:1)
وحديث: «باسْمِكَ رَبِّي وَضَعْتُ جَنْبِي وباسْمِكَ اللَّهُمَّ أَرْفَعُهُ» وبأن الجملة عليه مضارعية تفيد بواسطة غلبة الاستعمال التجدد الاستمراري وهو أنسب بالمقام من الدَّوام المفاد بالاسمية.
قلت: وتخصيص المضارع بالتقدير ليس لمجرد أنه الواقع في عبارة الكوفيين، مع جواز غيره كما وقع في رسالة البسملة، بل لعدم صحة غيره، لأن قائل البسملة لم يخبر عن شيء صدر منه حتى يصح الماضي على حقيقته، ولم يطلب شيئاً في المستقبل حتى يصح الأمر، مع أن أمر الشخص نفسه خلاف الظاهر، بل مخبر عما هو مُلْتَبِسٌ به من البدء بالبسملة أول فعله الشارع فيه أو منشىء للتبرك بهذا اللفظ، فلا يناسبه إلا المضارع فتدبر. واختار الزمخشري وتبعه المتأخرون تقديره فعلاً مؤخراً خاصاً أي مناسباً لما بدىء بالبسملة. أما الفعل فلِمَا مر، وأما تأخيره فللاهتمام باسمه تعالى، وليفيد الحصر فإن تقديم المعمول قد يفيده، وليكون اسمه تعالى مقدماً ذكراً كتقدم مسماه وجوداً، ولا يرد تقديم الباء ولفظ اسم عليه لأنَّ الباء وسيلة لذكره على وجه يؤذن بالبدئية. فهي من تتمة ذكره على الوجه المطلوب، ولفظ اسم دال على اسمه تعالى لا أجنبي. وبهذا يندفع ما يقال: البدء بالبسملة مع اشتمالها على الباء ولفظ اسم لا يحقق البدء باسم الله الوارد في الحديث. كما أفاده السيد في حواشي الكشاف على أن هذا لا يرد إلا على رواية لا يبدأ فيه باسم الله بباء واحدة كما لا يخفى.
وأما كونه خاصاً فلرعاية حق خصوصية المقام، ولإشعار ما بعد البَسْمَلَةِ به.
فإن قلت: الذابح مثلاً إذا ذكر البَسْمَلَةَ يريد التَّيَمُّنَ بالقرآن، فتقديره أذبح لا يناسب القرآن، وتقديره أقرأ لا يناسب فعله، وهذا مما يؤيد تقديره عاماً كابدأ.
---(1/7)
فالجواب كما في الشهاب على البيضاوي: أنَّ هذا كالاقتباس منقول من لفظ القرآن إلى معنى آخر، كما نبه عليه علماء البديع وقدره البصريون اسماً كابتدائي، لكن الأولى تقديره خاصاً مؤخراً لمَا مَرَّ. وهو إما مبتدأ وبسم ظرف لغو متعلق به، وإن كان يمتنع إعمال المصدر محذوفاً أو مؤخراً لأن محله في غير الظرف لتوسعهم فيه على التحقيق نحو: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} (الصافات: 102) مع أنه يمكن جعله من حذف العامل لا عمل المحذوف والخبر محذوف، والأصل: تأليفي بسم الله الرحمن الرحيم حاصل، وإمّا خبر لمحذوف أيضاً وبسم ظرف مستقر متعلق به، والأصل: تأليفي حاصل بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما كان هذا مستقراً دون الأول لأن المستقر هو ما متعلقه عام، أي بمعنى الكون والحصول المطلق ولا يكون إلا واجب الحذف، واللَّغو ما متعلقه خاص ذكر أو حذف لدليل، فعلى كلا الاحتمالين المبتدأ وخبره محذوفان، إلا أن حذف المتعلق واجب على الثاني لعمومه دون الأول، كقول الكوفيين: لأنه خاص. ولو قدر من مادة الابتداء لما مر، فيكون لغواً ولك أن تجعل المتعلق اسم فاعل خبراً لمحذوف تقديره: أنا بادىء. فراراً مما ورد على المصدر، ومحل المجرور نصب على المفعولية بالمتعلق المحذوف على جميع الاحتمالات، ولا محل لمجموع الجار والمجرور على ما سيأتي تحقيقه في الابتداء.
---(1/8)
تنبيه: ما ذكر من لغوية الظَّرف على تعلقه بالفعل أو بالمبتدأ ليس على إطلاقه. فإن الجمهور كما في الشهاب على البيضاوي على أن الظرف مستقرّ مع باء المصاحبة، ولغو مع باء الاستعانة، لأن مدخولها سبب للفعل متعلق به بواسطة الباء من غير اعتبار معنى فعل آخر عامل في الظرف، وجوَّز الرضي وغيره اللغوية على الأول أيضاً، وينبغي حملهما على ما قاله الليثي إذا قصد بباء المصاحبة مجرد كون معمول الفعل مصاحباً لمجرورها زمن تعلقه به من غير مشاركة في معنى العامل. فمستقر في موضع الحال وإن قصد مشاركته فيه فلغوٌ، ويبينه: اشْتَرِ الَفَرَسَ بِسَرْجِهِ. فعلى الاحتمال الأول يكون المعنى مصطحباً بسرجه فلم يتسلط عليه الشراء، وعلى الثاني يكون مشريًا أيضاً بخلاف نحو: نمت بالعمامة فإنه لا يحتمل اللغوية. وكذا ما نحن فيه إذ لم يقصد إيقاع التأليف ونحوه على اسمه تعالى. فالمقصود مجرد المصاحبة من غير مشاركة في معنى العامل. فالظرف مستقر، لكن لا يظهر ذلك في بسملة القارىء عند الشافعي إذ القصد إيقاع القراءة عليها، فهي مشاركة في العامل فيكون الظرف فيها لغواً فتدبر، وعلى كونه مستقراً ففي جعله متعلقاً بالفعل مسامحة، لأنه متعلق بحال من فاعله هي قيد له، فهو تعلق معنوي لا صناعي، وتقدير تلك الحال متبركاً لا يخرجه عن الاستقرار؛ لأن خصوصها بحسب المقام والقرينة، وإلا فحقها ملتبساً كما مر. وقد ذكر الدماميني أن نحو: زيد على الفرس. لا يخرج عن الاستقرار بتقدير راكب، لأن خصوصه ليس إلا من القرينة لا أصلي.
بقي أن محذوفات القرآن كمتعلق البسملة لا يصح كونها قرآناً، لأن ألفاظها غير منزلة، ولا متعبد بها، ولا معجزة كما هو شأن القرآن. مع أن معناه يتوقف عليها فيلزم احتياجه إلى كلام البشر وهو نقص.
---(1/9)
والجواب كما في الشهاب: أن معناها مما يدل عليه لفظ الكتاب التزاماً للزومها في متعارف اللسان. فهي من المعاني القرآنية المرادة له تعالى. وأما ألفاظها فليست قرآناً لأنها معدومة لاقتضاء البلاغة حذفها، ومنها ما لا يتلفظ به أصلاً كالضمائر المستترة فاحفظه فإنه من مَقْصُورَاتِ الخِيَامِ. ثم إن أريد بالجلالة مدلولها فإضافة اسم إليها حقيقية لامية للاستغراق إن أريد كل اسم من أسمائه تعالى، أو للجنس إن أريد جنس أسمائه تعالى. أي الجنس في ضمن بعض الأفراد لا من حيث هو إذ لا يمكن النطق به حتى يقع ابتداء، أو للعهد إن أريد اسم مخصوص. قال الشنواني: والاستغراق هنا أولى. وإن قلنا بأولوية الجنس في الحمد لأن القصد هنا التبرك بذكر أفراد الاسم كلها، والاستغراقية بمنزلة قضايا متعددة بعدد الأفراد بخلاف الجنس. والمقصود هنا إثبات اختصاص الأفراد، وإثبات الجنس إثبات لها بطريق البرهان، إذ لو كان فرد منها لغيره لما اختص به الجنس لتحققه في ذلك الفرد ا هـ.
---(1/10)
فإن قلت: يلزم من إثبات الإفراد إثبات الجنس أيضاً. إذ لا يتحقق إلا في فرد فهما متلازمان فلا مرجَّح له. قلت: يرجحه كون الأفراد غير مضبوطة لعدم تناهيها. فجعل اختصاص الجنس دليلاً عليها أنسب من العكس، ليستدل به على ما سيوجد منها. وإن أريد من الجلالة لفظها فالإضافة للبيان، ووصفها حينئذ بالرحمن الرحيم، إما من قبيل الاستخدام بأن يرجع الضمير المستتر فيهما لها بمعنى الذات، أو مجاز عقلي من إسناد ما للمدلول للدال، وإنما لم يقل حينئذ بالله مبالغة في التعظيم والأدب كقولهم: سلام على مجلسك العالي أو حضرتك الشريفة، أي عليك. والرحمن الرحيم اشتهر فيهما بحسب الإعراب تسعة أوجه يمتنع منها جر الرحيم، مع نصب الرحمن، أو رفعه، لأن النعت التَّابع أشد ارتباطاً بالمنعوت، فلا يؤخر عن المقطوع كما قاله ابن أبي الربيع، ولأن في الإتباع بعد القطع رجوعاً إلى الشيء بعد الانصراف عنه. فمنع لذلك لاعتراض الجملة بين الصفة والموصوف لوقوعه في نحو: وَإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ}
(الواقعة:76)
---(1/11)
وجعل الرحمن نعتاً مبني على أنه صفة مشبهة. أما على قول الأعلم وابن مالك: إنه علم لكثرة وقوعه في القرآن متبوعاً لا تابعاً فيعرب بدلاً من الجلالة، والرحيم نعت له لا للجلالة، إذ لا يتقدم البدل على النعت. فعلى الأول يكون مجروراً بما جر منعوته على الصحيح، وعلى الثاني بعامل مقدر لما تقرر أن العامل في التابع هو العامل في المتبوع إلا البدل فعلى نية تكرار العامل، وعلى القطع فالجملة مستأنفة استئنافاً بيانياً جواباً لسؤال مقصود به التلذذ، وتعظيم شأن المسؤول عنه، لا التعيين لأن المولى تعالى لا يجهل، وليست حالاً من الجلالة، وإن كانت الجمل بعد المعارف أحوالاً لأن الحالية تفيد تقييد البدء باسم الله تعالى بحالة الرحمة، وهي وإن كانت حالاً لازمة لكن الملاحظ عدم التقييد بوصف. وحاصل صور البَسْمَلَةِ أن تضرب أربعة العموم والخصوص، والتقدم والتأخر في سبعة، كون الظرف متعلقاً بالفعل، أو بحال من فاعله، أو بالمبتدأ المصدر، أو بحال من فاعله، أو بخبر، أو باسم الفاعل، أو بحال من فاعله، كما تقدم تفصيله، فصور المتعلق ثمانية وعشرون، ويضم لذلك احتمال القسمية والزيادة بوجهيها، ويضرب الحاصل وهو أحد وثلاثون في تسعة، الرحمن الرحيم تبلغ مائتين وتسعة وسبعين صورة. فإن نظر إلى احتمالات الإضافة الأربعة زادت الصور ثم تتكاثر جداً بالنظر لمعاني الباء من الاستعانة، أو المصاحبة، أو التعدية، أو غيرها، فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم.
فائدة: قال الشيخ أبو العباس البوني رحمه الله تعالى: الرّحمن الرحيم من أذكار المضطرين، لأنه يسرع لهم تنفيسَ الكَرَبِ، وفَتْحَ أبواب الفَرَجِ. وقال ابن عربي: من داوم على ذكره لا يشقى أبداً. وإنما اختير هذان الوصفان في الابتداء للإشارة الواضحة التامة إلى غلبة جانب الرحمة وسبقها لطفاً بالعباد قال تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ}
(الأعراف:156)
---(1/12)
وفي الحديث: «إِنَّ الله كَتَبَ فِي كِتَابٍ فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ العَرْشِ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي» نسأل الله سبحانه وتعالى أن يدخلنا ميدان رحمته في الدنيا والآخرة بجاه سيد المرسلين آمين يا رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
قوله: (قالَ مُحَمَّدٌ) فيه التفاتٌ من التكلم إلى الغيبة عند الجمهور إنْ روعي متعلق البسملة المقدر بنحو: أؤلف وإلا فعند السكاكي فقط لاكتفائه بمخالفة التعبير. مقتضى الظاهر أن كونه حكاية عن نفسه يقتضي أن يقول: قلت لا قال، وأتى بجملة الحكاية ترغيباً في كتابه بتعيين مؤلفه المشهور بالجلالة في العلم ليكون أدعى لقبوله، والاجتهاد في تحصيله فيثاب مؤلفه. وهكذا مدح الكتاب، وتبيين محاسنه إذ المجهول مرغوب عنه، وقد قيل: لو لم يصف الطبيب دواء للمريض ما انتفع به. ومن ثم كان مما يتأكد على المؤلف تسمية نفسه وكتابه، وبهذا القصد يضمحل الرياء خصوصًا مع الأمن منه كما هو حال المصنف، والماضي في كلامه بمعنى المضارع بقرينة قوله: وأستعين، المُقْتَضَى تَقَدُّمُ الخطبة على التأليف، وكون المعنى أستعين الله في إظهار ألفية، أو النفع بها خلاف الظاهر. فشبه القول المستقبل بالماضي والجامع؛ إما مطلق الحصول لأن مقوله حاصل في ذهنه كحصول الماضي في الخارج، أو تحققه نظراً لما قوي عنده من تحقق وجوده في الخارج كتحقق الماضي، ثم اشتق منه، قال بمعنى يقول فهو استعارة مصرحة تبعية، أو مجاز مرسل تبعي علاقته الأول وأصل قال قول بالفتح لا بالضم، وإلا كان لازماً ولمجيء وصفه على فاعل، ومصدره على فعل بالفتح مع أن قياس المضموم في الأول ما سيأتي في قوله:
وفعل أولى وفعيل بفعل
وفي الثاني قوله:
فَعُولَةٌ فَعَّالَةٌ لِفَعَلاَ
---(1/13)
ولا بالكسر وإلا كان مضارعه يُقَالُ كيُخَافُ، ولا بالسكون لأن الماضي الثلاثي لا يكون ثانيه ساكناً بالأصالة لئلا يلتقي ساكنان في نحو: ضربت. وليست الألف أصلية لأنها لا تكون غير منقلبة إلا في حرف أو شبهه، ولا بدلاً عن ياء لوجود الواو مكانها في المصدر وغيره، وإذا أسند إلى الضميرِ ضُمَّتْ قافه للدلالة على أن عينه واو، وإنما لم يضموا نحو: خفت ونمت مع أنه واو كقلت إيثاراً لتبيين حركة العين على تبيين ذاتها؛ لأن الحركة أهم لاختلاف الهيئة بها وذلك غير ممكن في قلت لأن فاءه مفتوحة بالأصالة كالعين، وأصل مضارعه يقول كينصر نقلت ضمة الواو إلى ما قبلها لثقلها عليها، وإن كان ما قبلها ساكناً للزومها، ولم تثقل على نحو دلو لتغيرها بالعوامل مع أن الاسم أخف من الفعل والقول إذا كان بمعنى التلفظ لا ينصب إلا الحمل كقلت: جاء زيد، أو مفرداً في معناها، كقلت: قصيدة أو شعراً أو مفرداً قصد لفظه نحو: يُقَالُ لَهُ إبراهيم}
(الأنبياء:60)
أو مفرداً مسمَّاه لفظ كقلت كلمة أي لفظ رجل مثلاً. وقال الأمير في حواشٍ للشذور: الأسهَلُ أن يقال القول إنما يتوجه للفظ جملة كان أو غيرها فقلت جاء زيد معناه قلت هذا اللفظ فإنه توجه للمعنى كان بمعنى الاعتقاد كقلت بأن النية واجبة، وإن كان اللفظ مسماه لفظاً توجه للدال أو المدلول كقلت كلمة أو قصيدة يحتمل قلت هذا اللفظ، أو قلت معناه وهو لفظ رجل مثلاً، أو اللفظ المنظوم، ومن هنا يظهر أن اسم الفعل ليس موضوعاً للفظ الفعل، وإلا لصح: قلت صه على معنى قلت اسكت، وقد يقال: إنما لم يصح ذلك لأن مدلوله لفظ الفعل باعتبار دلالته على معناه. ولذلك كان كلاماً تاماً كما سيأتي بخلاف نحو القصيدة فإن مدلولها اللفظ الموزون من حيث كونه لفظاً منطوقاً به والله أعلم.
---(1/14)
قوله (مُحَمَّدٌ)، هو اسم الناظم لأنه الإمام أبو عبد الله محمد جمال الدين بن عبد الله بن مالك، نسب لجده لشهرته به، الطائي نسباً الشافعي مذهباً الجيَّاني منشأً نسبة إلى جَيَّان بفتح الجيم، وشد المثناة التحتية مدينة بالأندلس بفتح الهمزة والدال، وحكى ضمهما الدمشقي إقامة، ووفاة، لاثني عشرة ليلة خلت من شعبان عام اثنين وسبعين بتقديم السين على الموحدة، وستمائة، وهو ابن خمس وسبعين سنة. كان رحمه الله تعالى إماماً في العربية، وغيرها مع كثرة العبادة والعفَّةِ، ومع ذلك قَلِيلُ الحظِّ في التعليم. قيل: كان يخرج على باب مدرسته. ويقول: هل من راغب في علم الحديث، أو التفسير، أو كذا أو كذا، قد أخلصتها من ذمتي فإذا لم يجب قال: خرجت من آفة الكتمان. وكفاه شرفاً أن ممن أخذ عنه الإمام النووي رضي الله تعالى عنهما. ويقال إنَّهُ عناه بقوله في المتن: ورجل من الكرام عندنا. ومن مشايخه ابن يعيش شارح المفصل، وتلميذه ابن عمرون. ويقال إنه جلس عند أبي علي الشلوبين بضعة عشر يوماً، ونقل التبريزي في أواخر شرح الحاجبية أنه جلس في حلقة ابن الحاجب، واستفاد منه. قال الدماميني: ولم أقف عليه لغيره، ولا أدري من أين أخذه. ومن تصانيفه: الإعلام بمثلث الكلام كتاب بديع في بابه، والتوضيح في إعراب أشياء من مشكلات البخاري أبان فيه عن اطلاع واسع، وقصيدته الطائية في الفرق بين الضاد والظاء وشرحها، وغير ذلك. قال ابن رشد ونظم رجزاً في النحو عظيم الفائدة تستعمله المشارقة، ثم نثره في كتابه المسمى بالفوائد النحوية والمقاصد المحوية، ثم صنف كتابه المسمى بتسهيل الفوائد وتكميل المقاصد تسهيلاً لذلك الكتاب وتكميلاً، وإنه لاسم طابق مسماه وعلم وافق معناه غير أنه في بعض الأبواب يقصر عن معتاده، ويترك ما ارتهن في إيراده، فسبحان المنفرد بالكمال قال الدماميني: وقد قرظ سعد الدين بن العربي الصوفي رحمه الله تعالى الكتاب المسمى بالفوائد النحوية فقال:(1/15)
---
إنَّ الإمَامَ جمالَ الدِّينِ فَضَّلَهُ
إلهُهُ ولِنَشْرِ الْعِلمِ أَهَّلَهُ
أَملى كِتاباً لَه يُسْمَى الفَوائدَ لَمْ
يَزلْ مُفيداً لِذِي لبَ تَأَملَهُ
وَكُلُّ فَائِدَةٍ في النَّحوِ يجمعُها
إنَّ الفَوَائِدَ جَمْعٌ لاَ نَظيرَ لَهُ
فظن الصلاح الصفدي أنّ هذا تقريظ لتسهيل الفوائد لا للفوائد نفسه. فقد جاء في التورية في كتابه المسمى بفض الختام عن التورية والاستخدام، بأنه ذكر المضاف إليه وترك المضاف الذي هو العمدة، ولولا ذلك لكان في غاية الحسن. وقد علمت اندفاع ذلك وإنما نشأ هذا الوهم من عزة ذلك الكتاب ا هـ.
قوله: (هُوَ ابنُ مَالِكْ) جملة معترضة بين القول ومقوله لتمييزه عمن شاركه في اسمه، وتجويز كونها استئنافاً بيانياً لا يخرجها عن الاعتراض فلا محل لها. وقيل: حال من محمد فمحلها نصب، وقيل: نعتٌ تابع له، بتقدير تنكيره، فمحلها رفع وقيل: نعت مقطوع فنرجع للحال والاستئناف، لكن رد هذا بأنَّ شرط القطع تعين المنعوت بدون النعت، وبأنه يجب حذف عامل النعت المقطوع. ورد بأنه يكفي التعين ادعاء ومحل وجوب الحذف كما ذكره الأشموني في النعت؛ إذا كان النعت لمدح أو ذم أو ترحم لا للتخصيص أو التوضيح كما هنا. ومقتضى ذلك أن النعت المقطوع يكون للتخصيص، وفيه مقال سيأتي هناك إن شاء الله تعالى.
---(1/16)
قوله: (أحْمَدُ رَبِّي) قال المعرب وتبعه أكثر الحواشي: كان مقتضى الظاهر أن يقول: يحمد بالغيبة. لكنه التفت منها إلى التكلم تفنناً فأبطله الصَّبَّان؛ بأن هذا حكاية للفظ الواقع منه لأنه مقول القول، فهو موافق للظاهر لأنه عبر عن نفسه بطريق التكلم ا هـ. وهو ظاهر على ما مشى عليه الأشموني، من جعل الجملة مقول القول. لكنه لا يرد على المعرب لذكره جواز كونها حالاً من محمد، ومقول القول الكلام وما يتألف منه الخ. والالتفات على هذا ظاهر فاللائق الحمل عليه دون الأول لظهور بطلانه، والظاهر أن هذه الحال مقارنة بناء على أن المقارنة في كل شيء يحسبه كما يأتي في (مُصَلِّيًا)، أو يؤول قال بِنُوَى القول فتدبر واختار الجملة المضارعية لإشعارها بالتجدد الاستمراري، أي إشعارها السامع بأن المتكلم سيحمده مرة بعد أخرى على الاستمرار فيفيد أنه تعالى أهلٌ لأن يجدد حمده دائماً، وذلك حمد مستمر، وقصد بذلك الموافقة بين الحمد والمحمود عليه، وهو التربية المأخوذة من رب لتعليقه الحمد به، فكما أن تربيته لنا بأنواع النعم لا تزال تتجدد، كذلك نحمده بمحامدَ لا تزال تتجدد، فالمضارعية أنسب بالمقام من الاسمية والماضوية لأن الأولى، وإن أفادت الدوام المناسب للذات والصفات، لا تفيد التجدد المناسب للنعم. والثانية، وإن أفادت التجدد، أي الوجود بعد العدم، لا تفيد الدوام. قال المعرب: واختار هذه المادة المشتملة على الحاء الحلقية، والميم الشفوية، والدال اللسانية، في ثنائه على رب البرية كي لا يخلو محل عن ذلك بالكلية ا هـ.
---(1/17)
قوله: ( الله) بالنصب بدل من رب أو عطف بيان ورجع سم الأول بأنه على نية تكرار العامل، فيكون حامدًا مرتين. ولا يعارض ذلك كون المبدل منه في نية الطرح لأنه أغلبي أو أن طرحه بالنسبة للعامل أي إنّ عامله مطروح ليس عاملاً في البدل أو باعتبار حكم العامل، أي إنَّ الحكم المفاد بالعامل لم يقصد به إلا البدل، فلا ينافي قصد المبدل منه لشيء آخر كعود الضمير في نحو: أكلت الرغيف. ولا يخفى أن هذا لا ينفع هنا لأنه يروج الاعتراض ولا يدفعه فتأمل أو معنى ذلك كما قاله الدماميني: إنّ البدل مستقل بنفسه لا متمم لمتبوعه كالبيان والنعت.
قوله: (خير مَالِكِ) أفعل تفضيل من الخير بالفتح مصدر خارَ يخير خيراً إذا صار خيراً بشد الياء أي متلبساً بالخير أو من الخير بالكسر كالقيل وهو الشرف والكرم وأصله أخير حذفت همزته تخفيفاً لكثرة استعماله كشر والأولى جعله منصوباً بنحو: أمدح. محذوفاً لا أعني لما نقله الدماميني عن المحققين: إن النعت المقطوع لا يقدر بأعني إلا في نعت التخصيص وهو هنا للمدح، ولم يجعل حالاً لازمة من الجلالة لإيهامه تقييد الحمد ببعض الصفات، ولا بَدَلاً لقلة بدلية المشتق. بل مقتضى كلام ابن هشام منعها مع مخالفته لمذهب الجمهور إن جعل بدلاً ثانياً من رب لمنعهم تعدد البدل، أو من الله لمنعهم إلا بدالاً من البدل في غير بَدَل البداء لما فيه من التهافت حيث يكون مقصوداً غير مقصود، وإن أجيب عنه بأن ذلك لا يضر لكونه باعتبارين: إما بدل البداء فلا يمتنع إبداله من البدل، وفي البيت الجناس التام اللفظيّ والخطيّ، إن كتب مالك الأول بالألف كما هو جيد في مالك العلم وقد رسم بها في المصحف قوله تعالى: وَنَادَوا يا مَالِكُ}
(الزخرف: 77)
فإن حذفت كما هو الأكثر فيه كان لفظياً فقط، لأن مالك الثاني لكونه صفة يجب رسم ألفه لعدم كثرته كالعلم ولا يرد حذفها خطاً من مَالِكِ يَوْمِ الدِّين}
(الفاتحة: 3،4)
---(1/18)
مع قراءته بالألف لأن المصحف العثماني سنة متبعة. قال الأشموني: وجملة أحْمَدُ ربي إلخ محلها نصب بالقول والجمل بعدها معطوفة عليها، أي فكل جملة في محل نصب. وقال السندوبي: أحمد ربي إلى آخر الكتاب في محل نصب بالقول، فكل جملة لا محل لها لأنها جزء مقول كالزاي من زيد ولا تنافي لإمكان حمل الأول على ملاحظة العاطف من الحكاية لا من المحكي. فكل جملة مقول مستقل والثاني بالعكس فمجموع الجمل مقول أفاده الصبان والثاني ملحظ من ألغز بقوله:
حاجَيْتُكُمْ مَعْشَرَ جَمْع نبلا
المعْرِبينَ مفْرَداً وجُمَلا:
مَا أَلْفُ بَيْتٍ غَيْرَ شَطْرٍ نُصِبَتْ
بِوَتدٍ مِنْها رَقِيتُم لِلْعُلاَ؟
قوله: (مصلّياً) حال منوية من فاعل أحْمَدُ كما في الأشموني أي أحمد ربي كوني ناوياً لصلاة كقوله تعالى: فادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}
(الزمر: 73)
أي مقدرين الخلود وقوله تعالى: لَتَدْخُلَنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ}
(الفتح: 27)
الآية بالنسبة للحلق والتقصير. فلا يرد أن مورد الصلاة وهو اللسان مشتغل بالحمد فلا تتأتى الحالية، وفيه أن المطلوب إيجاد الصلاة بالفعل لا نية إيجادها. فالأوجه أنها حال مقارنة والمقارنة في كل شيء بحسبه، فمقارنة الألفاظ وقوعها متصلة وأما قول زكريا: المعنى: أحمَدُ بلساني وأصلّي بقلبي فهي مقارنة تحقيقاً فاعترضه سم بأن الصلاة بالقلب بلا تلفظ لا ثواب فيها. بقي أن مصلياً اسم مفرد لا يحصل به المقصود من إنشاء الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقول سم إنَّه في قوة جملة إنشائية يرد عليه امتناع وقوع الانشاء حالاً، إلا أن يجعل على تقدير القول أي أحمد ربي حال كوني قائلاً: اللهم صل على الرسول الخ ويصح تأويله بجملة خبرية بناء على أن المقصود بالصلاة مجرد تعظيمه صلى الله عليه وسلّم وهو حاصل بالإخبار بها كما قاله: يس}
(يس: 1)
---(1/19)
أي أحمَدُ ربيَ حال كوني أصلّي أي أخبر بأني أطلب الصلاة عليه، أو بأن الله قد صلى عليه، لكن الأصح أن المقصود منها الدعاء لا مجرد التعظيم، لأن المختارَ أنه ينتفع بصلاتنا عليه بالترقي في أعالي الدرجات، وتوارد أنواع الكمالات، وما من كمال إلا وعند الله أعظم منه، لكن الأدب أن لا يرى الشخص ذلك بل يقصد التقرب بالصلاة، وانتفاعه هو بثوابها، إذ المنة له صلى الله عليه وسلّم علينا لا لنا عليه ولم يذكر السلام جرياً على عدم كراهة الأفراد بل إذا صلى في مجلس وسلم في آخر ولو بعد مدة كان آتياً بالمطلوب من آية: يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّموا تَسْلِيمًا}
(الأحزاب: 56)
كما اختاره الحافظ ابن حجر.
قوله: (على النَّبِيِّ) اشتهر أن المهموز من النبأ وهو الخبر لأنه مخبر أو مخبر عن الله والمشدد من النبوة وهي الرفعة لأنه مرفوع الرتبة، أو رافع رتبة من تبعه، فهو على كليهما فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، ولا يتعين ذلك بل يجوز كون المهموز من النِّبْءِ بسكون الموحدة، وهو الارتفاع كما في القاموس فيكون كالمشدد، ويجوز كون المشدد مخفف المهموز فيكون معناه أفاده الصَّبان وعلى كونه من النبوة فأصله نبيو اجتعت الواو والياء الخ.
قوله: (المُصْطَفى) أصله مُصْتَفُو بوزن مفتعل من الصفو، وهو الخلوص من الكدر، والمراد هنا المختار قلبت تاء الافتعال طاء لوقوعها بعد حرف الإطباق وهو الصاد كما سيأتي في قول المصنف:
طَاتَا افْتِعَالٍ رُدّ إِثْرَ مُطْبَقِ
وقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.
---(1/20)
قوله: (وآله) الأولى تفسيرهم بمطلق الأتباع أي أمةِ الإجابة عموماً لا بأقاربه فقط، لئلا يلزمه إهمال الصحب، ولا بالأتقياء لأنه مقام دعاء يطلب فيه التعميم. ففيه تورية حيث لم يرد المعنى القريب لآله صلى الله عليه وسلّم، وهم أهل بيته وأقاربه، بل أراد البعيد وهو مطلق الأتباع بقرينة مقام الدعاء. فإن للآل في القاموس نحو اثني عشر معنى، منها ما ذكر ووصفهُم بالمستكملين لا يُعَيِّنُ الأتقياء كما قيل لِصَدَقةٍ بشرف الإيمان لا خصوص العمل الصالح لا سيما أنْ جعلت السين والتاء للطلب، وعلى هذا فهو وصف لازم أما على القيل المتقدم فمخصص. وكذا إن أريد بالأتباع أمة الدعوى فتأمل هذا. والذي اختاره العلامة الصَّبان أن تفسر الآل في مقام الدعاء بما يناسب المدعو به لا بالأتباع مطلقاً ففي نحو: اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الذين أذهبت عنهم الرجس وطهرتهم تطهيراً يحمل على أهل بيته، ونحو: اللّهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وآله هُداةِ الأمة ومصابيح الظلمة يُحْمَلُ على العلماء، ونحو اللَّهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد وآله الذين ملأتَ قلوبهم بأنوارك، وكشفت لهم حجب أسرارك. يحمل على الأتقياء ونحو: اللَّهمَّ صلِّ وسلم على سيدنا محمد وآله فقط أو وآله سكان جنتك يُحْمَلُ على الأتباع.
وبقي ما إذا كانت العبارة محتملة للتعميم والتخصيص كعبارة المصنف، اللَّهمَّ صلِّ وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الفائزين بالعمل الصالح. والظاهر أن الأَولَى حَمْلُها على العموم والله أعلم.
---(1/21)
قوله: (المُسْتَكْمِلينَ) السين والتاء إما للطلب أي الطالبين كمال الشرف زيادة على ما حصل لهم، أو زائدتان أي الكاملين. فالشَّرف بفتح الشين مفعول به على الأول، ومشبه به على الثاني، كالحسن الوجه أو منصوب بنزع الخافض، أي في الشرف بناء على المرجوح من أنه قياسي، أو أنه توسع فيه فأجري مجرى القياسي لكثرة ما سمع منه، ويصح ضبطه بضم الشين جمع شريف فيكون صفة ثانية للتأكيد، ومعمول المستكملين محذوف إيذاناً بالعموم أي جميع أنواع الشَّرف، لكن هذا يمنع أن يراد بالآل جميع الأمة، وكذا إن جعلت أل في الشرف بالفتح للاستغراق فيفوت التعميم في مقام الدعاء مع أنه مطلوب، فالأولى جعلها جنسية لذلك، إلا أن يحمل على المبالغة بجعل من حاز شرف الإيمان كأنه حاز جميع الشرف لأنه أصل أنواعه فتأمل.
قوله: (وأَسْتَعِينُ الله) أي أطلب منه الإعانة أي الإقدار على الفعل لا المشاركة فيه ليحصل لاستحالتها عليه تعالى فاستعار الإعانة للإقدار لأنه بصورتها من حيث حصول المقدور بين قدرتين؛ قدرة الله تعالى إيجاداً، وقدرة العبد كسباً بلا تأثير، ولم يقدم المفعول ليفيد الحصر مع صحة الوزن عليه أيضاً اهتماماً بالاستعانة المطلوبة كما قيل في: اقْرَأ بِاسْمِ ربِّكَ}
(العلق: 1)
وأصله أَسْتَعْوِن نقلت كسرة الواو إلى الساكن قبلها فقلبت ياء لكسر ما قبلها.
---(1/22)
قوله: (في أَلفِيَّه) أي في نظم قصيدة ألف بيت من كامل الرجز، أو ألفين إن جعلت من مشطوره. وعلى هذا لم يقل في ألفينية بالتثنية؛ لأن علم التثنية يحذف للنسب وإن التبس بالنسبة للمفرد لأنهم لا يبالون به كما سيأتي، ثم يحتمل أنْ لُفِظَ في استعارة تبعية لمعنى على التي تتعدى بها الاستعانة على حد في جذوع النخل، أو أنه ضِمْنَ أستعينُ معنى فعل يتعدى بفي كأرجو تضميناً نحوياً، وهو إشراب الكلمة معنى كلمة أخرى لتفيد المعنيين، فتفيد الاستعانة بلفظها والترجِّي بتعديتها بفي، والأول أَوْلَى لأن التجوُّز في الحرف أخف من الفعل مع أنه مختلف في قياسيته، أو تضميناً بيانياً؛ وهو تقدير حال تناسب الحرف أي راجياً وهذا مقيس اتفاقاً لأنه من حذف العامل لدليل لكن. قال ابن كمال باشا: التضمين البياني هو عين النحوي، وإنما توهم السعد ومن تبعه الفرق بينهما من تقدير الكشاف خارجين في قوله تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِيَن يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}
(النور: 63)
مع أنه بيان للمعنى المضمن لا تقدير عامل محذوف، ا هـ وإنما قدرنا أرجو دون أستخير كما في الأشموني لما ورد عليه أنّ الاستخارة للمتردد والمصنف جازم.
قوله: (مَقَاصِد النَّحْوِ) أي جلُّ مقاصده لا كلها، ليوافق قوله في آخر الكتاب نظماً على جل المهمات الخ، وإنما لم يصرف ما هناك إلى ما هنا مع أنه الأولى لكونه في محل الحاجة؛ لأن هذا هو الموافق للواقع لتركه باب القسم والساكنين وغيرهما من المقاصد، أو يقال ما هنا في حيز الرجاء للكل، وما سيأتي أخبار بما تيسر له فلا تنافي. وللنحو لغةً ستة معانٍ: القصد والجهة، كَنَحَوتُ نَحْوَ البَيْتِ، والمِثْلُ: كزيدٌ نحوَ عمْرو والمقدارُ: كعندي نحَو ألفٍ، والقَسَمُ: كهذا على خمسة أنحاء، والبعض كَأَكلْتُ نحو السمكة، وأظهرها وأكثرها الأول وللإمام الداودي:
لِلنَّحْوِ سَبْعُ مَعَانٍ قَدْ أَتَتْ لُغَةً
---
جمَعْتُها ضِمْنَ بَيْتٍ مُفْرَدٍ كَمُلا(1/23)
قَصْدٌ وَمِثْلٌ ومِقْدَارٌ وَنَاحِيَةٌ
نَوْعٌ وبَعْضٌ وَحَرْفٌ فَاحْفَظِ المثَلا
وفي الاصطلاح يطلق على ما يعم الصرف تارة، وعلى ما يقابله أخرى، ويعرِّف على الأول بأنه علم بأصول مستنبطة من كلام العرب يعرف بها أحكام الكلمات العربية حال إفرادها؛ كالإعلال والإدغام والحذف والإبدال، وحال تركيبها كالإعراب والبناء وما يتبعهما من بيان شروطٍ لِنَحْوِ النَّواسخ، وحذف العائد وكسر إِنَّ أو فتحها، ونحو ذلك وعلى الثاني، يخص بأحوال التركيب والمراد هنا الأول فهو مرادف لعلم العربية حيث غلب استعماله في هذين فقط، وإن كان في الأصل يعم اثني عشر علماً: اللغة، والصرف، والاشتقاق، والنحو، والمعاني، والبيان، والخط، والعروض، والقافية، وقرض الشعر، وهو الإتيان بالكلام الموزون المقفى، وإنشاء الخطب والرسائل، والتاريخ، وهو معرفة أخبار الأمم السابقة؛ وتقلبات الزمن بمن مضى لتحصل مَلَكَةُ التجارب، والتحرر من مكايد الدهر، ومنه المحاضرات وهي نُقَلٌ نادرة، أو شعر يوافق الحال الراهنة لأنها ثمرته. وأما البديع فذيل لا قِسْمٌ برأسه، وكذا الوضع، وموضوعه الكلمات العربية من حيث يبحث عن أحوالها السابقة، وغايته وفائدته التحرز عن الخطأ والاستعانة على فهم كلام الله ورسوله، وشرفه بشرف فائدته، وواضعه أبو الأسود الدؤلي بأمر الإمام علي كرَّم الله وجهه، وذلك أن العرب لفطرتهم على الفصاحة، كان النطق بالإعراب سجية فيهم من غير تَطَبُّعٍ كما قال:
3 ــــ وَلَسْتُ بِنحْويَ يْلُوكُ لِسَانَهُ
وَلَكِنْ سَليْقيٌّ أَقُولُ فَأُعْرِبُ
---(1/24)
فلما كَثُرَ الإسلام، وتألفت القلوب اختلط العجم والعرب بالمعاشرة والمناكحة فتولد اللحن والإمالة في غير محلها حتى كادت العربية أن تتلاشى فرسم الإمام علي لأبي الأسود منه أبواباً. منها: باب أن والإضافة والإمالة وقال له: نَحِّ هذا النَّحْوَ، ثم سمع أبو الأسود رجلاً يقرأ: إنَّ الله بَريءٌ مِنَ المُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}
(التوبة: 3)
بالجر فوضع باب العطف والنعت، ثم إنَّ ابنته قالت له يوماً: ما أَحَسْنُ السَّمَاءِ على الاستفهام فقال لها: أي بُنَيَّةُ نجومها فقالت: إنما أتعجب من حسنها فقال: قولي ما أَحْسَنَ السَّمَاءَ وافتحي فاك. فوضع باب التعجب والاستفهام، وكان يراجع الإمام في ذلك إلى أن حصل له ما فيه الكفاية، ثم أخذه عن أبي الأسود نفر منهم ميمون الأقرن وغيره، ثم خلفهم جماعة منهم أبو عمرو بن العلاء، ثم بعدهم الخليل ثم سيبويه والكسائي، ثم صار الناس فريقين، بصري وكوفي، وما زالوا يتداولونه ويُحْكِمُونَ تدوينه إلى الآن فجزاهم الله الجنة.
قوله: (بها محويه) أي فيها من ظرفية المدلول في الدال لأن الألفية اسم للألفاظ المخصوصة الدالة على المعاني المخصوصة، والمقاصد هي تلك المعاني أو أن الباء سببية وصلة محوية محذوفة. أي محوية لمتعاطيها بسببها، وأصلها محووية كمفعولة قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء، وأدغمت فيها وكسرت الواو للمناسبة.
قوله: (تُقَرِّبُ الأَقْصَى) فيه مجاز عقلي من الإسناد للسبب العادي إذ المُقَرِّب حقيقةً هو الله تعالى، والأقصى بمعنى القاصي أي البعيد. فأفعل التفضيل على غير بابه كما قاله ابن الناظم ليدل على تقريب البعيد، وإلا بَعُدَ بالمطابقة لأن البعد يطلق على القليل والكثير، وما قيل إنه يلزم من تقريب الأَبْعَدِ تقريب البعيد، رد بأنه قد يهتم بالأبعد لشدة خفائه دون البعيد.
---(1/25)
قوله: (بِلَفْظٍ مُوجَزِ) الباء بمعنى مع كما في الأشموني لا سببية لأن المعهود سبباً للتقريب هو البسط لا الإيجاز، لكن قال السيوطي: لابدع في كون الإيجاز سبباً للفهم كما في: رأيت عبد الله وأكرمته، دونَ وأكرمت عبد الله، ففي السببية غاية المدح للمصنف حيث قدر على توضيح المعاني بألفاظ موجزة.
قوله: (وَتَبْسُطُ البَذْلَ) أي توسع العطاء، يعني تكثر إفادة المعاني، ففيه استعارة إما تمثيلية بأن تشبه حال الألفية في كثرة إفادتها المعاني بسرعة عند سماعها بحال الكريم في كثرة إعطائه ووفائه بما يعد ويستعار الكلام الدال على المشبه به، وهو حالة الكريم للمشبه، أو مصرحة بأن تشبه إفادتها المعاني ببذل المال، والوعد ترشيح أو مكنية بأن تشبه الألفية في النفس بكريم وبسط البذل تخييل، وإنجاز الوعد ترشيح لا العكس لأن البسط أقوى اختصاصاً بالكريم من انجاز الوعد وأسبق في الذكر، فاللائق جعله هو التخييل سواء جرينا على طريقة السمرقندي من أن التخييل هو الأقوى اختصاصاً، أو على قول العصام إنَّه الأسبق ذكراً وما سواه ترشيح.
قوله: (بوَعْدٍ مُنْجَزٍ) أي مُوفَى سريعاً، وبين مُوجَزٍ وَمُنْجَزٍ الجناس اللاحق لاختلافهما بحرفين متباعِدَي المخرج، والباء سببية، أو بمعنى مع وقيد بالوعد مع أن الإعطاء بدونه أبلغ، لأن فهم المعاني لا يحصل بمجرد وجودها بل لا بد من الالتفات إليها، وتصوّر ألفاظها فكأنها لتُهَيِّئَهَا للفهم منها، وتوقف الفهم على الالتفات إليها تعد وعداً ناجزاً أفاده سم.
قوله: (وَتَقْتَضِي) إما بمعنى تطلب من الله أو من قارئها، أو منهما ففيه مجاز عقلي إذ الطالب ناظِمُها بسببها، أو بمعنى تستلزم الرضا لاشتمالها على المحاسن فلا مجاز.
---(1/26)
قوله: (رضا) بكسر الراء وسُخُطٍ بضم فسكون مصدران سماعيان لرضى، وسخط كفرح والقياس كالفرح، وفائدة قوله: بغير سخط الإشارة إلى أنها تطلب رضاً محضاً لا يشوبه السخط ولا من وجه على حد، ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم.
قوله: (فَائِقَةً) حال من فاعل تقتضي، أو خبرٌ لمحذوف، أو نعت لألفية على حدِّ: وَهذا كِتَابٌ أَنْزَلْناهُ مُبَارَكٌ}
(ص: 29)
من النعت بالمفرد بعد الجملة، وإن كان الغالب العكس، ومن يوجبه وإن أمكنه جعل (مبارَكٌ) خبراً ثانياً لهذا، أو خبراً لمحذوف كيف يصنع في نحو: بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أذلةً}
(المائدة: 54).
وقد فاقت هذه ألفية ابن معطي(1) لفظاً لأنها من بحر واحد، وتلك من السريع والرجز، ومعنًى لأنها أكثر أحكاماً منها كما قاله سم وللجلال السيوطي(2) ألفية زاد فيها على هذه كثيراً، وقال في أولها: فائقة ألفية ابن مالك وللأجْهُورِيّ المالكي ألفية زاد فيها على السيوطي وقال: فائقة ألفية السيوطي فسبحان المنفرد بالكمال الذي لا يُدانى.
قوله: (يسبق) متعلق بكل من حائز ومستوجب، والباء سببية أي بسبب سبقه عليَّ في الزمن والإفادة، وفي تقديم المعمول إشارة إلى أنه لم يفضل عليه إلا بالسبق، وجوز سم جعله خبراً آخر عن هو أي وهو ملتبس بسبق ففيه إشارة إلى فضيلة السبق، ثم أشار إلى فضيلة أخرى بقوله: حائز تفضيلاً. توفي ابن معطي سَلْخَ ذي القعدة سنة ثمان وعشرين وستمائة وعمره خمس أو أربع وستون سنة، ودفن بقرب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
قوله: (تَفْضِيلاً) إما مصدر فضلته على غيره حكمت له بالفضل أو صيرته فاضلاً، والمراد به الفضل نفسه من إطلاق المسبب على السبب، أو مصدر المبني للمجهول أي كونه مفضلاً فلا يقال: التفضيل صفة الفاعل فكيف يحوزه ابن معطي؟.
---(1/27)
قوله: (الجَمِيلا) إما منصوب بنزع الخافض أي بالجميل أو على أنه صفة لثنائي، أو بالنيابة عن المفعول المطلق أي ثَنائي الثناءَ الجميلَ فحذف المصدر وأناب عنه صفته وعلى كل فهو صفة كاشفة، أو مخصصة بناءً على خلف الجمهور وابن عبد السلام في تفسير الثناء.
قوله: (بهباتٍ وَافِرَه) أي عَطِيَّاتٍ تامة، ولم يقل وافرات مع أن الأفصح المطابقة في جمع القلة مطلقاً جبراً لقلته، وفي جمع الكثرة للعاقل لشرفه لأن هبات، وإن كان جمع قلة، لأن جمعي السلامة منها عند سيبويه لكنه مستعمل في الكثرة معنى بقرينةِ مقام الدُّعاءِ، والأفصح في الكثرة لغير العاقل الإفراد، وأعلم أن القلة والكثرة إنما يعتبران في نكرات الجموع. أما معارفها فصالحة لهما كما صرح به غير واحد من المحققين. والصحيح أن مبدأ الجمعين ثلاثة ومنتهى القلة عشرة، ولا منتهى للكثرة.
قوله: (لي وَلَهُ) إما متعلقان بيقضي بمعنى يحكم ويقدر، أو بمحذوف صفة لهبات، وإما في درجات فيمتنع فيه الأول لأن المراد بالدرجات مراتب السعادة الأخروية، وهي ليست ظرفاً للحكم لأنه أزلي؛ بل محكوم بها ومقدرة وهي نفس الهبات إن جعلت في بمعنى من البيانية، فإن جعلت بمعنى مع خصت الدرجات بالحسية والهبات بغيرها. فإن قلت: يلزم على تعلق لي وله بيقضي الفصل به بين هبات وصفته وهي في درجات قلت: لا يضر لأنه ليس أجنبياً محضاً بل هو معمول لعامل الموصوف نحو: سُبْحانَ الله عَمَّا يَصفُونَ عَالِمِ الغَيْبِ}
(المؤمنون: 91،92)
كما سيأتي. وخص درجات الآخرة بالذكر لأنها المهم عند العاقل، ولأن الدعاء لابن معطي بعد موته إنما يتأتى في الآخرة. وبدأ بنفسه لحديث أبي داود: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذا دعا بدأ بنفسه (حديث أبي داود). وقال تعالى حكاية عن نوح: رَبِّ اغْفِرْ لِيْ وَلِوَالِدَيَّ}
(نوح: 28)
وعن موسى: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي}
(الأعراف: 151)
---(1/28)
لكن فاتَهُ التعميم المطلوب أيضاً، لأنه من أسباب الإجابة كما في كتاب الأدعية لشيخ الإسلام. وكان يوفى به ويسلم من إفراد وصف جمع القلة لو قال كما في الأشموني:
والله يَقْضِي بِالرِّضا وَالرَّحْمهْ
لي وَلَهُ وَلِجَمِيعِ الأُمَّهْ
والله سبحانه وتعالى أعلم. اللهم إنّك وليّ التوفيق، وبيدك الهداية إلى أقوم طريق، فوفقنا لما تحبه وترضاه، وَقِنَا من مَنَّكَ وكرمك كل شيء نتوقاه، آمين يا رب العالمين وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الكَلاَمُ وَمَا يَتَأَلَّفُ مِنهُ
هذه الترجمة كسائر التراجم خبر لمحذوف. لكن فيها حذف مضافين أي هذا باب شرح الكلام، وشرح ما يتألف منه اختصر لوضوحه على حد: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ}
(طه: 96)
أي من أثر حافر فرس الرسول، والأَوْلى أنه اختصر على التدريج بأن حذف المبتدأ ثم خبره وهو باب، وأنيب عنه شرح المضاف إليه، ثم شرح وأنيب عنه الكلام، وقيل دفعةٌ لأنه أقل عملاً. فالكلام، على هذا، إما نائب عن الخبر وحده، أو عنه مع المضاف إليه، ورفع لشرف الرفع على الجر ولأنه إعراب المضاف المقصود بالذات. وأما المبتدأ فمقدر على كل حال لم ينب عنه شيء ويجوز كونها مبتدأ حذف خبره. أي باب الكلام هذا الآتي أو مفعول لمحذوف أي خذ لا هاك كما قيل لأن اسم الفعل لا يعمل محذوفاً وما واقعة على الكلمات الثلاث التي يتألف منها الكلام وقد شرحها بذكر أسمائها وعلاماتها كما شرح الكلام بتعريفه، وذكر الضمير المجرور مراعاة للفظ ما، والضمير في يتألف عائد للكلام فهو صلة جرت على غير ما هي له ولم يبرز لأمن اللَّبْسِ عند الكوفيين، وإن أوجبه البصريون مطلقاً بل قيل: محل الخلاف في ضمير الوصف. أما الفعل، كما هنا، فيجوز فيه عدم الإبراز مع أمن اللبس قولاً واحداً، لكن في الهمع والتصريح أن الفعل كالوصف في الخلاف المذكور أفاده الصَّبَّان.
---(1/29)
قوله: (كاسْتَقِمْ) إن جُعِلَ من تتمة التعريف فهو في محل رفع صفة ثانية للفظ لا لمفيد. لأن النعت لا ينعت مع وجود المنعوت؛ أي لفظ كائن كاستقم، أو في محل نصب إما لمفعولٍ مفيد المحذوف على حذف مضاف؛ أي مفيد فائدة كفائدة استقم. وعلى هذا حل الشارح أو نائب عن المفعول المطلق كذلك أي مفيد إفادة كإفادة استقم، وإن جعل مثالاً بعد تمام الحد فهو خبر لمحذوف أي وذلك كاستقم. وعلى كل فالكاف داخلة على استقم لقصد لفظه فلا حاجة لتقدير كقولك: استقم على أن حذف المجرور وإدخال الكاف على معموله لا يصح في مثل ذلك كما سيأتي في الموصول.
قوله: (واسْمٌ الخ) خبر مقدم، والكلم مبتدأ مؤخر. أي الكلم اسم وفعل وحرف أي منقسم إليها واعترض بأنه ليس من تقسيم الكلي إلى جزئياته لأن المقسم، وهو الكلم، لا يصدق على قسم بمفرده بل على ثلاثة ألفاظ فصاعداً ولا من تقسيم الكل إلى أجزائه، لأنها لو كانت أجزاءه، لانعدم بانعدام بعضها مع أنه يتحقق بثلاثة ألفاظ، وإن كانت من نوع واحد.
---(1/30)
الجواب: إما باختيار الثاني والمراد بيان أجزائه في الجملة، أي التي يتركب من مجموعها لا من جميعها كما قاله سم. أو ما يسمى أجزاء في العرف وإن لم تتوقف عليها الماهية كَشَعْرُ زَيْدٍ وَظُفْرُهُ، أو باختيار الأول والتقسيم إما باعتبار أن الكلم اسم جنس يصدق بحسب وضعه على القليل والكثير كما سيأتي، فيصدق على كل قسم أنه كلم بحسب الوضع دون الاستعمال كما قرره الجوهري أو باعتبار واحده، وهو لفظ كلمة، كما قاله الأشموني فكأنه قال واحد الكلم اسم الخ. ولا شك أن لفظ كلمة يصدق على كل من الثلاثة باعتبار مفهومه لاذاته. وأشار الشارح كالتوضيح إلى أن في الكلام تقديماً وتأخيراً وحذفاً والأصل الكلم واحده كلمة وهي اسم، الخ. فجملة واحدة كلمة خبر الكلم واسم الخ خبر لمحذوف يعود لكلمة المراد لفظها لكن باعتبار مفهومها؛ لأنه المنقسم إلى الثلاثة ففيه استخدام وهذا كله على أن الكلم اسم جنس جمعي يفرق بينه وبين واحدة بالتاء فيصدق على ثلاثة ألفاظ فصاعداً. وقال ابن هشام في بعض تعاليقه: الظاهر أنه أراد أولاً بيان انحصار جميع الكلمات العربية في الثلاثة، كقول سيبويه: هذا باب علم ما الكلم في العربية؟ الكلم اسم وفعل وحرف. فكأنه قال: الكلمات التي يتألف منها الكلام هذه الثلاثة لا غيرها، أي فالكلم جمع بمعنى الكلمات المعهودة عند النحاة، ويكون العطف مُلاَحظاً قبل الإخبار، ثم أراد بقوله: واحده كلمة بيان أن المسمى في الاصطلاح كلمة هو أحد هذه الثلاثة لا غيرها من الألفاظ المهملة ا هـ. وهذا الوجه أولى لخلوه عن التكلفات المارة وعليه فتذكير الضمير في واحدِهِ لتأولها بالمذكور فلا حاجة إلى الاستخدام بعَوْدِ الضمير إلى الكلم بمعناه الاصطلاحي.
---(1/31)
قوله: (ثُمَّ حَرْفٌ) أتى بثم إشارة إلى انحطاط رتبة الحرف عن قَسِيمَيْهِ، وتركها في الفعل لضيق النظم، ولا يكفي في بيان رتبها في الشرف ترتيبها في الذكر لأن المؤخر قد يكون أشرف نحو: لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الجَنَّةِ}
(الحشر: 20)
. قوله: (وَاحِدُهُ كَلِمَةٌ) أي واحدُ معنى الكلم أي جزء ما صدق عليه الكلم وهو أحد الثلاثة ألفاظ فأكثر يسمى كلمة كما أفاده سم ويحتمل أن المعنى واحده إلى مفرده الاصطلاحي هو لفظ كلمة، وهذا على أن المراد به اسم الجنس الجمعي، أما على أنه جمع بمعنى الكلمات، فقد مر بيانه في كلام ابن هشام.
قوله: (عَمَّ) هو كغيره من الألفاظ المشددة الموقوف عليها في الشعر يجب تخفيفها لصحة الوزن، وهو إما فعل ماض بمعنى شَمَلَ، أو اسمُ فاعل أصله عامٌّ حذفت ألفه تخفيفاً كَبَرٌّ في بارَ، أو للضرورة، أو هو أفعل تفضيل حذفت همزته للضرورة. والأول أحسن لفظاً لخلوه عن تكلف الحذف، والأخير أحسن معنًى لإفادته أن القول يعمُّ جميعها ومجموعها، إذ أفعل التفضيل يقتضي المشاركة وزيادةً؛ فينفرد عن كل واحد في آخر منها وعن الجميع في نحو: غُلاَمُ زيدٍ كما سيبين، وأما الفعل فلا يفيد ما ذكر إلا بتقدير عَمَّ الثلاثةَ وغيرها.
---(1/32)
قوله: (وَكِلْمَةٌ) مبتدأ سوَّغَهُ قصد لفظها، لأنه المحكوم عليه هنا لا التنويع كما في المكودي لأنه إنما يسوغ ما قصد معناه لا لفظه، وبها متعلق بيَؤُمُّ، وكلام مبتدأ ثانٍ سوغه كونه نائب فاعل في المعنى كما قاله العرب، وهو يستعمل هذا المسوغ كثيراً، ويبعد أنه من غير سند فما قيل إنهم لم يذكروه في المسوغات مردود، وأما جعل المسوغ إرادة الحقيقة، فَيَرُدُّهُ أن الكلمة لم يقصد بها حقيقة الكلام بل ما صدق عليه أنه لفظ مفيد. إلا أن يراد الحقيقة في ضمن الأفراد، وفيه ما سيأتي في قوله: فعل ينجلي وجملة قد يؤم بمعنى يقصد خبر الثاني، والجملة خبر الأول، وقد فصل بين المبتدأ الأول وخبره بمعمول خبر الثاني، وهو بها للضرورة.
---(1/33)
قوله: (عبارة) أي مُعَبَّرٌ به عن اللفظ، وهو في اللغة: مصدرُ لَفَظْتُ الشَّيْءَ من باب ضَرَبَ إذا طَرَحْتُهُ مُطْلَقاً، أو من الفم خاصةً لكن صرح في الأساس بأنَّ لَفَظَتِ الرّحَى الدَّقيقَ مَجَازٌ، وفي عرف النحاة: صوتٌ مُعتَمِدٌ على مخرج من مخارج الفم محقق كاللسان، أو مقدر كالجوف، وسمي ذلك لفظاً لأنه هواء مرمي من داخل الرئة إلى خارجها. فهو مصدر أريد به المفعول كالخلق بمعنى المخلوق، وهذا التعريف لِلَّفْظِ أولى من قولهم صوت مشتمل على بعض الحروف لأنه يرد على ما هو على حرف واحد كواو العطف. إذ الشيء لا يشتمل على نفسه، وإن أجيب عنه بأنه من اشتمال العام، وهو الصَّوت، على الخاص، وهو بعض الحروف إذ الحرف مجموع الصوت وكيفيته، وهي الاعتماد على المقطع على ما اختاره السعد في المقاصد لا الصوت فقط، ولا الكيفية فقط، فإن قيل: وجود اللفظ محال لتوقفه على الحرف المتوقف على الحركة لامتناع النطق بالساكن، والحركة متوقفة على الحرف لأنه صفة له قائمة به وأنه دور. قلنا: هو على أن الحركة مع الحرف دَوْرُ مَعِيَ لا سَبْقِيَ فلا يضر والحق أنها بعده، وإنما لشدة المقاربة تتوهم المقارنة، ثم اللفظ له أفراد محققة هي ما يمكن النطق بها بالفعل كزيد أو بالقوة كالمحذوفات من نحو مبتدأ أو خبر لتيسر النطق بها صراحة. وكذا كلامه تعالى قبل تلفظنا به من الألفاظ المحققة بالقوة لذلك. وأما كلام الملائكة والجن فإن ثبت أن النحاة إنما يتكلمون على ما يتلفظ به البشر دون غيرهم فهي كذلك وإلا فهي محققة بالفعل، وإلى الأول يشير قول الشنواني: المراد باللفظ في تعريف الكلام جنسُ ما يتلفظ به لتدخل كلمات الله والملائكة والجن ا هـ. وأما كلامه تعالى النفسي فليس بحرف ولا صوت، وله أفرادٌ مقدرة وهي ما لا يمكن النطق بها أصلاً، وهي الضمائر المستترة إذ لم يوضع لها ألفاظ حتى ينطق بها، وإنما عبروا عنها باستعارة لفظ المنفصل تصويراً لمعناها وتدريباً(1/34)
---
للمتعلم؛ كما قال الرضي وأما تقسيمها إلى مستتر وجوباً وجوازاً فإنما هي تفرقةٌ اصطلاحية، ولا مشاحة في الاصطلاح، وإطلاق اللفظ عليها حقيقي كما قاله الروداني لا مجاز لأنهم أجروا عليها أحكام الألفاظ المحققة من الإسناد إليها، وتوكيدها والعطف عليها.
قوله: (فَائِدَةٌ يَحْسُنُ السُّكُوتُ علَيْهَا) أُخِذَ هذا القيد من قوله: كاستقم كما سيصرح به، وفيه ما سيأتي والمراد سكوت المتكلم على الأصح، وبحسنه عَدَّ السامعُ إياه حسناً بأن لا يحتاج في استفادة المعنى إلى لفظ آخر لكونه مشتملاً على المحكوم به وعليه. والمراد بتلك الفائدة النسبة بين الشيئين إيجاباً كانت أو سلباً، وإن كانت معلومة للمخاطب كما اختاره أبو حيان.
قوله: (فاللَّفْظُ جِنْسٌ) لم يخرج به الدَّوَالُّ الأربع، لأن شأن الجنس الإدخال وما لم يتناوله يقال خرج عنه لا به، وبعضهم أخرجها به نظراً لأن بين الجنس وفصله العموم الوجهي فيخرج بكل ما دخل في الآخر. والدَّوالُّ هي الكتابة والإشارة، والعقد بالأصابع الدالة على أعداد مخصوصة، والنَّصْبُ كغرف، وهي العلامات المنصوبة كالمحراب للقبلة جمع نصبة كعقدة، أما النُّصُبُ بضمتين فالأصنامُ.
قوله: (وبعض الكلم) أي بعض ما يصدق عليه الكلم، فإنه يصدق بالمفيد وغيره من كل مركب من ثلاثة ألفاظ فأكثر كما سيأتي.
قوله: (وَهُوَ) أي بعض الكلم الذي خرج ما تركب الخ.
---(1/35)
قوله: (إلاّ من اسْمَينِ) ظاهرِهُ الحصرُ، وهو قول ابن الحاجب وَوَجَّهَ السيدُ بأن الإسناد نسبة فلا يقوم إلا بشيئين: مسندٍ، ومسندٍ إليه وهما إما كلمتان، أو ما يجري مجراهما. وما عداهما من الكلمات التي تذكر خارجة عن حقيقة الكلام عارضة لها. واعتمد ابن هشام أن ذلك أقل ما يتركب منه. وفضله في شرح القطر بأن صور تراكيب الكلام ستة: اسمان فعل واسم كما مثل، ومن الثاني المنادى. فإن يا نائبة عن أدعو وما بعدها فُضْلَةٌ لأنه مفعول به. فعل واسمان نحو: كان زيد قائماً. فعل وثلاثة أسماء: كعلمت زيداً قائماً. فعل وأربعة أسماء: كأعلمت زيداً عمراً قائماً. السادسة: جملتان كجملة القسم وجوابه، والشرط وجوابه ا هـ. وبقي عليه المركب من اسم وجملة نحو: زيد أبوه قائم، وعلى هذا فالحصر إضافي بالنسبة للتراكيب الممنوعة كفعلين، أو فعل وحرف مثلاً.
قوله: (كَزَيْدٌ قَائِمٌ) اعترض بأن الوصف مع مرفوعه اسمان، وبأن التنوين من حروف المعاني، فالأولى التمثيل بذا أحْمَدُ، وَرُدَّ الأول بأن الوصف مع مرفوعه المستتر في حكم المفرد؛ لعدم بروزه في تثنية ولا جمع وأما نحو: قائمان وقائمون فالألف والواو فيه حرفا تثنية وجمع، والضمير مستتر بخلافهما مع الفعل، والثاني بأن التنوين ليس بكلمة اتفاقاً لعدم استقلاله كألف المفاعلة، وياء التصغير والنسب، ولذا زاد في التسهيل قَيْدَ الاستقلال في حد الكلمة لإخراج هذه.
قوله: (كقام زيد) أظهر الفاعل لأن الماضي مع الضمير المستتر لا يسمى كلاماً على الأصح، إذ لا تحصل الفائدة من الفعل إلا إذا كان الضمير واجب الاستتار كما في التصريح. وناقشه يس بأن قام في جواب: هل قام زيد. كلام قطعاً فكيف يشترط وجوب الاستتار؟ ا هـ ويمكن حمله على غير الواقع جواباً مما لم يعلم فيه مرجع الضمير.
---(1/36)
قوله: (فاسْتَغْنَى بِالْمِثَال الخ) أي فالمثالُ تتميمٌ للحَدِّ، وفيه أن المفيد مع عرف النحاة لا يطلق إلا على ما يحسن السكوت عليه، وأما المفيد فائدة ما كَغُلامُ زَيْدٍ، فيسمى مفهماً لا مفيداً. فلا حاجة للاحتراز عنه كما حرره ابن هشام، ومن ثم جعله سم وغيره لمجرد التمثيل لتمام الحد بدونه. ولم يذكر التركيب مع أنه لم يشذ عن اشتراطه إلا ابن دُحْيَة. ولا القصد مع أن الجمهور ومنهم س والمصنف في التسهيل على اشتراطه ليخرج كلام النائم والسَّاهي ومحاكاة الطيور نظراً إلى أن الإفادة تستلزمهما إذ ليس لنا مفيد غير مركب. وحسن سكوت المتكلم يستدعي قصده لما تكلم به، لكن فيه أن دلالة الالتزام مهجورة في التعاريف، فالأولى جعل المثال تتميماً من حيث إغناؤه عنهما كما فعل ابن الناظم، لا لما قاله الشارح وإن كان تمثيلاً من جهة الإيضاح وزاد في التسهيل كونه مقصوداً لذاته لنخرج جملة الصلة والصفة، والحال، والخبر لأن إسنادها لم يقصد لذاته بل لتوضيح الموصول مثلاً لكن يغني عنه المفيد لأن هذه لم تفد لنقص إسنادها بتوقفها على ما هي قيد له. قال الشاطبي: ولا بد من قيد الوضع العربي ليخرج كلام الأعاجم. إذ مدار بحث النحاة على التفرقة بين كلام العرب وغيرهم. وقد يكون قوله: كاستقم إشارة إلى هذا القيد. ا هـ والأصح أنه لا يشترط اتحاد المتكلم إذ المتفقان على أن يقول: أحدهما قام والآخر زيد كلُّ منهما متكلم بكلام تام وإنما اكتفى بإحدى الكلمتين لتصريح الآخر بالأخرى، واختار أبو حيان وغيره عدم اشتراط القصد، ولا تُجَدَّدُ الفائدة والله أعلم.
---(1/37)
قوله: (ليعلم أن التعريف الخ) رد بأنه معلوم من الخُطْبَةِ. وقد يجاب بأنه نبه عليه أيضاً في أول مسائل الفن زيادة في البيان ليكتفي به في كل مسألة وقع التخالف فيها، أو أن فائدة الإضافة الإشارة إلى اختلاف الاصطلاحات في تعريف الكلام لا مجرد أنه في النحو. فمحط تعليل الشارح قوله: لا في اصطلاح اللغويين وقيل: فائدتها الإشارة إلى أنه من مُجْتَهِدي النُّحَاةِ.
قوله: (في اللُّغةِ) هي ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم. قال الأمير في حواشي الشذور وذلك لا يظهر في نحو قولهم: في كذا لغتان. ولغة تميم إهمال ما لا يتكلف كأن يقال: في هذه المادة لفظان موضوعان كلٌّ بهيئة مخصوصة، ولفظ تميم الموضوع عندهم ما المهملة. فالأحسن أن تفسر باستعمال الألفاظ حتى يكون المعنى في كذا الاستعمالان. واستعمال تميم إهمال ما ويؤيد ذلك أن اللغة مصدر لَغَى إذا لُهِجَ بالكلام، وإطلاق المصدر على الاستعمال أنسب من الألفاظ المستعملة، ويكون معنى قولهم: كتب اللغة كتب بيان استعمال الألفاظ في معانيها ا هـ. قلت وهذا أيضاً لا يظهر في نحو قولهم: واضع اللغة هو الله تعالى، أو البشر إذ الموضوع إنما هو الألفاظ لا استعمالها. فالأحسن أن لا يقتصر على أحدهما بل تفسر في كل مقام بما يناسبه. والصحيح أن واضعها هو الله تعالى لا البشر.وعرفها الخلق إما بوحي كما روي أن الله عَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا}
(البقرة: 31)
الموضوعة بكل لغة، وعلمها آدم لأولاده فلما افترقوا في البلاد تفرقت اللغات، أو بخلق علم ضروري في أناس بمعنى اللفظ وقيل بالوقف لعدم القاطع. ومحل الخلاف أسماء الأجناس أما أسماء الله تعالى والملائكة فواضعها الله اتفاقاً. وأعلام الأشخاص واضعها البشر اتفاقاً كما قاله ابن الهمام في تحريره.
---(1/38)
قوله: (اسْمٌ لِكُلِّ الخ) مثله في مختار الصحاح كما في ابن الميت، ومقتضاه، أنه يشمل المهمل لكن يخالفه قول المصباح: إنه عبارة عن أصوات متتابعة لمعنى مفهوم.m وقول القاموس: إنه عبارة عن القول، وما كان مكتفياً بنفسه أي كالخط، والإشارة إلا أن يحمل قوله أو غير مفيد على فائدة الكلام النحوي فلا ينافي اختصاصه بالمستعمل، وإطلاقه على نحو الخط مجاز وإن ذكره القاموس لأنه لا يفرق بين الحقيقة والمجاز، ويطلق حقيقة على الحدث وهو التكلم كقوله:
4 ــــ قَالُوا كَلاَمُكَ هِنْداً وَهْيَ مُصْغِيَةٌ
يَشْفِيكَ قُلْتُ صَحِيح ذَاكَ لَوْ كانَا(2)
وهو اسم مصدر لِكَلِم وعلى المعنى القائم بالنفس قال الأخطل:
5 ــــ إنَّ الكَلاَمَ لَفِي الفُؤَادِ وَإِنَّمَا
جُعِلَ اللِّسانُ على الفُؤَادِ دَليلا(3)
والأصح أنه حقيقة أيضاً.
قوله: (وَالْكَلِمُ اسْمُ جِنْسٍ الخ) أعلم أن اسم الجنس مطلقاً؛ موضوع للماهية من حيث هي، ثم إن صدق على القليل والكثير كماء وضرب سمي إفرادياً، وإن دل على أكثر من اثنين وفرق بينه وبين واحده بالتاء بأن يتفقا في الهيئة، والحروف ما عداها كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ أو بالياء كَرُوم وَرُومِيَ سمي جمعيًّاً، والفرق بينه وبين مشابهه من الجمع كَتَخِم وتَخِمَة، أن الغالب في ضميره التذكير مراعاة للفظه، وفي الجمع التأنيث وكونه جمعيًّا إنما هو بحسب الاستعمال، فلا ينافي وضعه للماهية من حيث هي كما قاله الرضي وبقي ما يصدق على واحد لا بعينه. كأَسَدٍ وسماه بعضهم أحادياً إذا علمت ذلك. فالكلم اسم جنس جمعي لا إفرادي كما قيل لعدم صدقه على القليل، ولا جمع لغلبة تذكيره نحو: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكَلِمُ الطَّيِّبُ}
(فاطر: 10)
يْحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ}
(المائدة: 13)
---(1/39)
ولا اسم جمع لتميز واحده منه بالتاء واسم الجمع لا واحد له من لفظه كَقَوْم وَرَهطٌ وَإبِلٌ ونساء وطائفةٌ وجماعةٌ، أو له واحد لا كذلك مع كونه ليس من أوزان الجموع كَصَحْبٌ وَرَكْبٌ، أو منها مع إجراء أحكام المفرد عليه كتصغيره والنسب إلى لفظه كما جعلوا رِكَابَ اسم جمع لِرُكُوبَةٍ لأنهم نسبوا إلى لفظه، والجموع لا ينسب إليها. قوله: (وَاحِدُهُ كَلِمَةٌ الخ) فيه إشارة للإعراب المارَّ.
قوله: (لأنَّها إِنْ دَلَّتْ الخ) دليل لانحصارها في الثلاثة، والنحويون مجمِعون على هذا إلا من لا يعتد بخلافه في اسم الفعل. وقول الفراء في كلا ليست اسماً ولا فعلاً ولا حرفاً إنما هو تردد من أيها هي لتعارض الأدلة عنده لا أنها خارجة عنها. والأصح أنها حرف، وترد للزجر إذا تقدمها ما يزجر عنه نحو: كلا إنها كلمة، وللجواب كأي إذا تلاها قسم نحو: كَلاَّ وَاْلقَمَرِ}
(المدثر: 32)
والاستفتاح كألا إذا خلت عن ذلك نحو: كَلاّ إِنَّ الإنْسَانَ لَيَطْغَى}
(العلق: 6)
انظر المغني وحواشيه. قوله: (فِي نَفْسِهَا) خرج به الحرف وفي إما سببية في المواضع الثلاثة أي دلت بسبب نفسها لاستقلالها، والحرف بسبب انضمام غيره لعدم استقلاله فله معنى في نفسه لكن لا يستقل بإفادته، وهو مذهب البيانيين ولذلك أجروا فيه الاستعارة التبعية، أو ظرفية مجازاً باعتبار فهم السامع المعنى من اللفظ فكأنه كامن فيه، وعلى هذا فلا معنى للحرف أصلاً، وإنما يدل على معنى غيره وهو المشهور عند النحاة.
---(1/40)
قوله: (غَيْرُ مُقترِنَةٍ الخ) خرج به الفعل لا نحو: أمس، والآن فإن مدلوله نفس الزمان لا إنه مقترن به. والمراد غير مقترنة بأحد الأزمنة وضعاً لا بمطلق زمن لئلا يخرج نحو: الصَّبُوحُ وهو: الشرب أول النهار، والغَبُوقُ وهو: الشربُ آخره، والقِيلُ وهو: الشرب وسطه، فإن معناها مقترن بمطلق زمن كالصباح ولا يعلم أهو ماض أم غيره. أما الفعل فيقترن وضعاً بأحد الأزمنة على التعيين، وكون المضارع للحال والاستقبال لا يضر لأنه لم يوضع إلا لأحدهما. ووضع للآخر بوضع ثانٍ، فلذا يحصل فيه اللبس. ودخل بقولنا وضعاً الوصف كاسمي الفاعل والمفعول فإن كونه حقيقة في الحال ليس من وضعه، بل بطريق اللزوم من حيث إنَّ الحدث المدلول له لا بد له من زمن. ولا يكون حاصلاً حقيقة إلا في حال إطلاقه. وأما اسم الفعل فمدلوله لفظ الفعل عند الجمهور، ولا زمن فيه أصلاً وخرج به نحو: عسى، وليس، ونعم، وفعل التعجب لاقترانها به وضعاً. ولذا يثبت لها آثار الفعلية فتلحقها التاء، وترفع الفاعل لكن لما خرجت إلى معنى الإنشاء، أو النفي تجردت عنه ولا يخرج العلم المنقول من فعل كأحمد لأنه لم يقترن بالزمان في وضع العلمية، وأما وضعه الأصلي، فقد انسلخ عنه فتدبر.
---(1/41)
قوله: (فِي غَيْرِهَا) اعترض بشموله الأسماء الموصولة، وضمير الغائب والكاف الاسمية، وكم الخبرية، وأسماء الاستفهام والشرط، لأن كلاً منها دالٌّ على معنًى في غيره. وأجاب الرضي: بأن الموصول والضمير معناهما شيء مبهم، وهو مستقل في نفسه، وإنما يحتاج للصلة، والمرجع لكشف إبهامهما لا لدلالتهما عليه. والكاف الاسمية معناها: المثل، وهو معنى مستقل بخلاف الحرفية، فمعناها المشابهة الحاصلة في الغير، وكذا كم الخبرية معناها: شيء كثير لا الكثرة التي هي معنى رُبَّ. وأما اسم الاستفهام والشرط، فكل منهما يدل على معنى في نفسه، وعلى معنى في غيره نحو: أَيُّهُمْ ضَرَبَ، وَأَيُّهُمْ تَضْرِبُ أَضْرِبُ. فإن معنى الاستفهام متعلق بمضمون الكلام، ومعنى الشرط موجود في الشرط والجزاء. وأي في الموضعين دالة على ذات وهي معنى مستقل فسلم الحد ا هـ نكت.
قوله: (المَوْضُوعُ لِمَعْنَى مُفْرَدٍ) ظاهر إطلاقه، واقتصاره في المُحْتَرِزِ على المهمل أن اللفظ يسمى كلمة بمجرد وضعه وإن لم يستعمل فانظره.
قوله: (أَخْرَجَ الكَلاَمُ) أي والكلم أيضاً وكذا المركب الإضافي فليس بكلمة، كما إنه ليس كلاماً، ولا كَلِماً بل قول مركب. أما العلم الإضافي، فمجموع الجزئين كلمة حقيقة، وكل منهما كلمة اصطلاحية.
---
قوله: (يَعُمُّ الجَميعُ) أي عموماً مطلقاً. لأنه اللفظ الموضوع مفرداً كان أم لا، مفيداً أم لا، فينفرد عن كل واحد في آخر منها. وعن الجميع في نحو: غُلاَمُ زَيْدٍ، ولا ينفرد واحد منها عنه. فعلى هذا، يشترط في كل منها الوضع فلا يسمى المهمل كلاماً ولا كلماً ولا كلمة، كما لا يسمى قولاً وحينئذ كان الأولى للمصنف أخذ القول جنساً في تعريف الكلام لكونه أقرب من اللفظ والجواب، بأن القول لما شاع استعماله في الرأي والاعتقاد، صار كالمشترك المهجور في التعاريف. رد بأن محل هجره مع عدم القرينة والمقام هنا قرينة ظاهرة في إرادة اللفظ فهو أولى من الجنس البعيد.(1/42)
قوله: (قَدْ يُقْصَدُ بِهَا الكَلاَمُ) أي مجازاً مرسلاً عند النحاة، واللغويين أيضاً كما صرح به الشنواني على القطر من إطلاق الجزء على الكل. وهذا المجاز مهمل في عرف النحاة البتة. ومن ثم اعترض على المصنف في ذكره حتى قيل: إنّه من عيوب الألفية التي لا دواء لها. لكنه ذكره تبرعاً تنبيهاً على كثرته في نفسه وإن لم يستعمل عندهم. وقرر بعضهم أن المراد بالكلمة ما صدقها لا لفظاً، أي بعض ما يسمى كلمة يراد به الكلام وذلك البعض كأحرف النداء النائبة عن أدعو، وأحرف الجواب النائبة عنه كنعم في جواب: هَلْ قَامَ زَيْدٌ؛ فلا مجاز أصلاً، وهو في غاية الحسن.
قوله: (وقَدْ يَجْتَمِعُ الكَلاَمُ وَالكَلِمُ الخ) فبينهما العموم الوجهي، وأما الكلمة فتباينهما.
قوله: (إِنْ قَامَ زَيْدٌ) يلغز بذلك فيقال أي قول: إنْ نقص زادَ، وإن زاد نقص، أي إن نقص لفظه زاد معناه وعكسه.
---
قوله: (بِالجَرِّ) إما متعلق بحصل، وللاسم خبر أو عكسه، والتمييز مبتدأ سوغه الوصف بحصل، أي التمييز تمييز الحاصل بالجر الخ كائن للاسم، أو الحاصل للاسم كائن بالجر. وفيهما تقديم معمول الصفة على الموصوف، ومنعه البصريون لأن الصفة لا تتقدم. فكذا فرعها إلا في الضرورة، وسهله هنا معها كونه ظرفاً. قال الإسقاطي وجوزه الكوفيون، والزمخشري اختياراً، وخرج عليه: وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَولاً بَليغاً}
(النساء: 63)(1/43)
بناء على تعليق في بليغاً، أو أن تمييز مبتدأ وبالجر متعلق به وهو الذي سوغه، وحصل خبر، وللاسم متعلق به أو عكسه، أي التمييز بالجر، حصل للاسم، أو التمييز للاسم حصل بالجر. وفيهما تقديم معمول المصدر عليه، ويسهله كونه ظرفاً وتقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ وهو ممنوع؛ لأن الخبر الفعلي لا يتقدم. فكذا فرعه لكن جاز هنا للضرورة مع توسعهم في الظروف على أن الأصح جوازه مطلقاً لأن المنع في الخبر لئلا يوهم كون المبتدأ فاعلاً. وذلك منتفٍ مع معموله أفاده الصَّبَّان وغيره. وقد يقال في تقديم المعمول: الفصل بينه وبين عامله بالمبتدأ، وهو أجنبي لأنه ليس من معمولات الخبر. وقد صرحوا في باب الاشتغال بمنع النصب في: زَيْدٌ أَنْتَ تَضْرِبُهُ. للفصل المذكور كما سيأتي، فكيف يسوغ هذا الأصح مع ذلك إلا أن يقال صاحب هذا القول لا يعتبر الفصل المذكور، لكونه ليس أجنبياً محضاً لعمله في الخبر مع أن الفعل قوي العمل، أو أنه لا يمنع الفصل إلا مع تأخر الأجنبي والمعمول عن العامل لا مع تقدمها. فتأمل فإنَّ فيه دقة وأعاريبُ البيت تنيف على السبعين.
---(1/44)
قوله: (عَلاَمَاتُ الاسْمِ) أي بعضها، ولم يستوفهما كما يرشد إليه قول الشارح فمنها ومنها دون أولها، وثانيها إذ بقي منها الإضافة، وعود الضمير إليه كعوده على أل الموصولة في: أَفْلَحَ المُتَّقِي رَبَّهُ والجمع، والتصغير وإبدال اسم صريح منه، نحو: كَيْفَ أنْتَ أَصَحِيحٌ أَمْ سَقِيمٌ؟ وموافقة ثابت الاسمية في لفظه كنزال الموافق للفظ حذام الثابت الاسمية، أو في معناه كَقَطُّ وعِوَضُ وحَيْثُ فإنها بمعنى الزمن الماضي، والمستقبل، والمكان وغير ذلك. والفرق بين العلامة والتعريف أنها تطَّرد ولا تنعكس، أي يلزم من وجودها الوجود، ولا يلزم من عدمها العدم. فالمغلب فيها جانب السبب لأنها توافقه في شق الوجود لا الشرط لمخالفتها له في الشقين. وأما التعريف فيجب اطِّراده وانعكاسه إلا عند من جوز التعريف بالأعم أو الأخص. فإن قلت: سيأتي أن الكلمة إذا لم تقبل هذه العلامات لم تكن اسماً فقد لزم من عدمها العدم. فكيف تكون علامة؟ قلت: لزوم العدم ليس من حيث كونها علامة، بل لأنه لما انحصرت العلامات كلها كانت مساوية للازمها. وهو المعلم والملزوم المساوي يلزم من عدمه العدم، كالإنسان وقابل الكتابة، أما على كل علامة بخصوصها فملزوم أخص فلا يلزم من عدمها العدم فتدبر.
قوله: (فمِنْها الجَرُّ) عرفوه على أن الإعراب لفظي بالكسرة التي يحدثها عامل الجر، وفيه قصور لعدم تناوله ما ينوب عنها إلا بذكره، ودور لأخذ المعرف في التعريف. وأجيب: بأن الجر ذكر لبيان العامل. لا لأنه جزء من التعريف فلو حذف ما ضر، أو هو تعريف لفظي، وعلى أنه معنوي بأنه تغيير مخصوص علامته الكسرة وما ناب عنها.
---(1/45)
قوله: (الجَرُّ بالحَرْفِ والإضافَةِ والتَّبَعِيَّةِ) الصحيح أن الجار هو المضاف لا الإضافة، وأن العامل في التابع ليس التبعية بل هو عامل المتبوع من حرف، أو مضاف إذ لا عامل للجر غيرهما حتى في المجاورة، والتوهم كما حققه ابن هشام في شرح اللمحة، ولم يذكر الشارح هذين لندرتهما. قال الجلال: ومذهب الناظم أنّ المضاف إليه مجرور بالحرف المقدر فذكر الحرف شامل له إلا أن يراعى مذهب غيره.
قوله: (لأَنَّ هذا لا يَتَنَاوَلُ الخ) عورِضَ بأن الحرف يتناول المبنيات، وَعَنْ، وَعَلى، والكاف الاسميات. إذ يستدل على اسميتها به لا بالجر لعدم ظهوره. ففي كل ما ليس في الآخر نعم الحرف يدخل على غير الاسم ظاهراً. كعَجِبْتُ مِنْ أَنْ قُمْتَ فيوقع المبتدىء في الخطأ والجر. وإن كان كذلك في نحوِ: يَومَ يَنْفَعُ. لكنه ليس ظاهراً في الفعل حتى يوقع في الخطأ بخلاف الحرف، وقد يراد بالجر الظاهر والمقدر والمحلى، فلا يخرج ما ذكره.
قوله: (وَمِنْهَا التَّنْوينُ) استشكل عده علامة. بأن معرفة أقسامه الآتية فرع عن معرفة الاسم، إذ لا يعرف كونه للتمكين مثلاً إلا إذا عرف أن مدخوله اسم مُعْرَبٌ منصرف. فكيف يكون علامة له؟ وأجيب بأن المستدل به مطلق النون الآتية لا خصوص الأقسام، وهو لغة: مصدر نوّنت أي صوَّت، أو أدخلت نوناً على الكلمة. نقل اصطلاحاً إلى نفس النون المدخلة أعني النون الساكنة الزائدة التي تلحق الآخر وصلاً لا خطاً ووقفاً. فهو من إطلاق المصدر، إما على آلته لأن النون يحصل بها التصويت لكونها حرفاً أغن، أو على المفعول فخرج بالساكنة النون الأولى من ضيفن. وأما الثانية فتنوين، وبالزائدة نون إذن سواء كتبت ألفاً وهو الصحيح، أو نوناً لعدم زيادتها وبلحوق الآخر نون انكسر ومنكسر. وكذا نون إذن لأنها نفس الآخر لا لاحقة له. وقوله وصلاً لبيان الواقع كما قاله: يس}
(يس: 1)
---(1/46)
وبلا خطاً الخ تنويه الترنم، والغالي الآتيان في الشرح لثبوتهما خطاً ووقفاً، وحدفهما وصلاً وإنما يطلق عليهما التنوين مجازاً للمشابهة الصورية. لا يقال يخرج به أيضاً تنوين المنصوب لأنه يثبت في الخط ألفاً لأنا نقول: المنفي ثبوت النون بنفسها لا مع بدلها. فإن قلت حينئذ: تدخل النون الخفيفة في نحو: لَنَسْفَعاً}
(العلق: 15)
لأنها ترسم ألفاً. عند الكوفيين فتكون كتنوين المنصوب سواء أجيب بأن هذا التعريف على مذهب البصريين من كتابتها نوناً فهي خارجة بقيد لا خطاً. كما خرج به التي في فعل الجماعة والمخاطبة لأنه تكتب نوناً اتفاقاً. ومن يراعي مذهب الكوفيين يزيد قيد لغير توكيد لإخراجها، وحذف بعضهم قيد السكون والزيادة لأن ما خرج بهما يخرج بما بعدهما.
قوله: (تَنْوينُ التَّمْكِينِ) ويسمى تنوين التمكن والأمكنية لدلالته على تمكن الاسم في باب الاسمية، وعدم مشابهته الحرف والفعل وتنوين الصرف؛ لصرفه عن تلك المشابهة.
قوله: (وهو اللاحق للأسماء المعربة) أي المنصرفة معرفة كانت أو نكرة. ولذا مثل برجل رداً على من جعله للتنكير لبقائه مع زوال التنكير إذا سمي به، ودعوى أنه زال وخلفه تنوين التمكين تعسف. وجوز الرضي كونه تمكيناً لكون الاسم منصرفاً وتنكيراً لكونه نكرة، وبعد التسمية يتمحض للتمكين لكن يعكر عليه أن تنوين التنكير مخصوص بالمبنيات كما في الشرح، إلا أن يمنع ذلك فتدبر.
قوله: (لِلأَسْمَاءِ المَبْنِيَّةِ) أي لبعضها، وهو العلم المختوم بويه، واسم الفعل، واسم الصوت، وهو في الأول قياسي، وفي الأخيرين سماعي. فما سمع منوناً وغير منون كصه ومه، وحيهل جاز فيه الأمران. وما سمع منوناً فقط، كواهاً بمعنى أتعجب، وويهاً بمعنى أغر فلا يجوز تركه. وما سمع غير منون كنزالِ فلا يجوز تنوينه.
قوله: (وسيبويه آخَرَ) أي رجل آخر مسمى بهذا الاسم فهو نكرة لتنوينه.
---(1/47)
قوله: (لجَمْعِ المُؤَنَّثِ) المراد به ما جمع بألف وتاء مزيدتين؛ وإن لم يكن مؤنثاً ولا سالماً.
قوله: (لأَنَّه في مقابلةِ النُّونِ) معنى ذلك كما قاله الرضي أن كلاً من هذا التنوين، ونون الجمع قائم مقام تنوين المفرد في الدلالة على تمام الاسم. ولا يُرَدُّ أَنَّ مفرد هذا الجمع قد لا ينون كَفَاطِمَةَ، لأن تنوين ما لا ينصرف مقدر فهو قائم مقامه. وكذا يقال في جمع المذكر الذي لا ينون مفرده كإبراهيمون، والدليل على أنه للمقابلة لا للتنكير ثبوته في المعربات. ولا للتمكين ثبوته فيما لا ينصرف منه، وهو ما سمي به مؤنث (كَأَذْرُعَاتٍ) وتنوين التمكين لا يجامع منع الصرف. وفيه ما قاله الصبان إنّ من ينون المسمى به ينظر إلى ما قبل العلمية فلا يعتبر الاجتماع المذكور، كما أن من يمنعه الصرف ينظر إلى ما بعدها، ومن يجره بالكسرة ولا ينونه يعتبر الحالتين. ولذا أسقط صاحب اللب هذا القسم، ووجهه شارحه بدخوله في التمكين.
قوله: (وَتَنْوِينُ العِوَضِ) إضافة بيانية، ويقال: تنوين التعويض بإضافة المسبب إلى سببه.
قوله: (وَأَتَى بِالتَّنْوِينِ عِوَضاً عَنْهُ) أي وكسرت. إذ على أصل التخلص من الساكنين لا كسرة إعراب بالإضافة خلافاً للأخفش، لبقاء افتقارها إلى الجملة معنى. ولا يضر حذفها لفظاً كحذف الصلة لدليل كقوله:
6 ــــ نَحْنُ الأُلى فاجْمَعْ جمُو
عَكَ ثُمَّ وَجِّهْهُمْ إِليْنَا
أي الأُلى عرفوا بالشجاعة. ولقيام التنوين مقامها فكأنها مذكورة. ولو سلم ففيها سبب آخر وهو الشبة الوضعي، وإضافة حين إليها من إضافة الأعم للأخص كَشَجَرِ أَرَاكٍ وفاقاً للدماميني، لأن الحين مطلق زمن وإذ زمن مقيد بما تضاف إليه، ومثلها يومئذ.
---
قوله: (وَهُوَ اللاَّحِقُ لِكُلِّ) أي ولبعض قال في التصريح والتحقيق: أنه تنوين صرف يذهب مع الإضافة، ويثبت مع عدمها. ا هـ. ويمكن الجمع بأنه للتمكين لصرف مدخوله مع كونه عوضاً عن المضاف إليه.(1/48)
قوله: (لِجَوارِ) جمع جارية تطلق على السفينة والشمس لجريهما في البحر، والفلك، وعلى نعمة الله لجريها على عباده، وعلى فتية النساء كما في القاموس أي لجريها في حاجتها مثلاً فهي في الأصل صفة، ثم جرت مجرى الأسماء، وغلبت في الأخير. وظاهر القاموس إطلاقها على المرأة، وإن كانت حرة، وهو كثير في استعمال العرب فتخصيصها بالأمة عرفٌ طارىء منشؤه حديث: «لاَ يَقُلْ أَحدُكُم عَبْدِي وَلا أَمَتِي فَإنَّ العَبْدَ وَالأمَة لله وَلْيَقُلْ غُلاَمي وَجَارِيَتي». أو كما قال صلى الله عليه وسلّم.
---
قوله: (ونحوهما) أي من كل اسم منقوص منع الصرف جمعاً كما مثل. أو مفرداً كَأُعَيَّمَ تصغير أعمى فإنه ممنوع من الصرف للوصفية، ووزن الفعل لأنه كادَّحْرَجَ وابَّيْطَرَ. وكون تنوينه عوضاً عن حرف هو مذهب سيبويه، والجمهور.والراجح بناؤه على تقدم الإعلال لتعلقه بجوهر الكلمة، على منع الصرف الذي هو حال من أحوالها، فالأصل جواري وأعيمي بتنوين الصرف حذفت ضمة الرفع وكسرة الجر لثقلهما على الياء ثم الياء لالتقاء الساكنين، ثم التنوين لوجود صيغة الجمع في الأول. ووزن الفعل في الثاني تقديراً؛ لأن الياء لحذفها لعلة كالثابتة، ولذا يقدر عليها الإعراب لا على ما قبلها، فلما زال التنوين خيف من رجوع الياء لزوال مانعها وهو التنوين فعوضوا عنها تنويناً لينقطع طمع رجوعها. وبعضهم بناه على تقدم منع الصرف، فأصله جواري بلا تنوين حذفت الضمة لثقلها على الياء. وكذا فتحة الجر لنيابتها عن ثقيل ثم الياء للتخفيف، وعوض عنها التنوين وإنما لم يراعِ جره بالفتحة على الأول. كهذا لأنه لا يمنعه إلا بعد الإعلال. ومذهب المبرد(2) والزجاج(3) أنه عوض عن حركة الياء بناء على تقديم منع الصرف، ثم حذفت الياء لالتقائها ساكنة مع تنوين العوض، وبقي مذهب رابع للأخفش وهو أنه تنوين صرف لزوال صيغة مفاعل، ونحوها بحذف الياء فصار كليان وسلام، وعلى هذا قراءة: وِلَهُ الجَوَارِ}(1/49)
(الرحمن:24)
بضم الراء(4).
قوله: (رَفْعاً وَجَرّاً) وأما النصب، فيظهر على الياء لخفته.
قوله: (يَلْحَقُ القَوافِي) أي في لغة تميم وقيس بدلاً عن حرف المد. والقافية آخر البيت، وهي من الحرف المحرك قبل أول ساكنين يقعان في الآخر إلى انتهاء البيت على الصحيح.
قوله: (المُطْلَقَةُ بِحرْفِ عِلَّةٍ) أي التي أطلقت عن السكون فتحركت، وامتد بها الصوت بسبب حرف علة يقع في آخرها.
---
قوله: (أَقِلِّي اللَّوْمَ) قائلُه جريرٌ وأقلي بكسر اللام أمر للمؤنثة. واللَّوْمَ بفتح اللام العذل والتعنيف. وعاذل منادى مرخم عاذلة وأصبت بفتح الهمزة، وضم التاء أي إن نطقت بالصَّواب فلا تنكريه بل قولي لقد الخ، أو بكسر التاء أي إن أردت أنت النطق بالصواب بدل اللوم فقولي، وجواب الشرط محذوف يفسره قولي ولقد أصابن مقول القول. والشاهد في العتابن واصابن إذ أصلهما: العتابا وأصابا عوض التنوين عن المد، وقصد الشاهد على الثاني لكونه هو القافية مردود بأن البيت المقفى ينزل كل من شطريه منزلة البيت الكامل كما بين في العروض.
قوله: (لِتَرْكِ التَّرَنُّمِ) أي لأن هذه النون قطعت مد الصوت بالروي الذي هو الترنم، فتسميتهما بذلك على حذف مضاف. وقيل لأن الترنم يحصل بالنون نفسها لكونها حرفاً أغن وليس الترنم خصوص المد المذكور.(1/50)
قوله: (أَزِفَ التَّرَحُّلُ الخ) ساقط في نسخ وقائله زياد بن معاذ الشهير بالنابغة لنبغه بالشعر بغتة بعد تعذره عليه. وأزف بالزاي والفاء وروي: أفد بالفاء والدال المهملة، وكلاهما بوزن فهم، وبمعنى قرب.l والترحل أي الرحيل فاعله. والركاب اسم جمع للإبل التي يسار عليها واحدها راحلة، ولا واحد لها من لفظها كما في الصحاح. وقيل واحده ركوبة كما مر، ولما نافية وتزل بضم الزاي مضارع زال التامة بمعنى تذهب. والرحال جمع رحل وهو مسكن الرجل ومنزله، ولعل المُراد بها الخِيَم التي تحمل على الإبل، أو أن الباء بمعنى من. وكأن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف أي وكأنها قد زالت وذهبت. والاستثناء منقطع أي قرب الرحيل لكن ركابنا لم تذهب مع عزمنا عليه. والشاهد في قدن حيث أبدلت النون من الياء إذ أصله قدي بكسر الدال وإشباعها للروي، وفيه شاهد آخر وهو حذف الفعل بعد قد.
---
قوله: (الغَالِي) من الغلو وهو الزيادة، ومجاوزة الحد لأنه زائد على الوزن في آخر البيت للترنم بالنون أو ليؤذن بالوقف، إذ الشعر المسكن آخره للوزن لا يدري أفيه واقف أنت أم واصل، فهو كالخزء بمعجمتين وهو زيادة أربعة أحرف فأقل في أوله.
قوله: (المُقَيِّدَةُ) أي التي يكون رويها حرفاً صحيحاً ساكناً.
قوله: (وَقَاتِمِ الأَعْمَاقِ الخ) قَالَهُ رَؤْبَةُ بنُ العَجَّاجِ وَبَعْدَهُ:
7 ــــ مُشْتَبَهِ الأَعْلامِ لَمَّاعِ الْخَفَقْنْ(1/51)
أي ورُبَّ مكان قاتم الأعماق أي مظلم النواحي من القتام، وهو الغبار. والأعماق ما بعد من أطراف المفازَة مستعار من عمق البئر، والخاوي الخالي والمخترق بفتح الراء الطريق الواسع لأن المار يخترقه. ومشتبه الأعلام أي مختلط العلامات، ولماع الخفقن أي شديد لمعان البرق من قولهم خفق البرق خفقاً، وخبر مجرور رب محذوف أي قطعته مثلاً كما في العيني وقيل: مذكور بعد في القصيدة والشاهد إدخال النون بعد القاف الساكنة للوزن، فيحتاج لتحريكها تخلصاً من السكونين. قال في التصريح. والمشهور كسر ما قبله كصه ويؤمئذ، واختار ابن الحاجب الفتح حملاً على ما قبل نون التوكيد الخفيفة. قال الموضح: وسمعت بعض العصريين يسكن ما قبله، ويقول: الساكنان يجتمعان في الوقف، وهذا خلاف ما أجمعوا عليه. ا هـ ولا يبعد أن يخص هذا الخلاف بالمبني أصالة كالحرف، أما الاسم والفعل المعربان فيحركان بما يقتضيه الإعراب كالكسر هنا، والضم في البيت الآتي فتأمل.
---
قوله: (وَظَاهِرُ كَلاَمِ المُصَنَّفِ الخ) قد علمت أن تسميتهما تنويناً مجاز، فلا تشملها عبارته لأن الشيء إذا أطلق إنما ينصرف لحقيقته. وبقي من الأقسام التنوين للحكاية، كأن تسمي رجلاً بعاقلة فيمنع الصرف للعلمية والتأنيث اللفظي، وتنوينه حينئذ لحكاية أصله، وللضرورة. وهو قسمان: تنوين ما لا ينصرف والمنادى المفرد في الشعر، وللتناسب كقراءة: سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاَ}
(الإنسان:4)
وللشذوذ في هؤلاء؛ وجعل ابن هشام الحكاية والضرورة مبيحين للصرف ولإعراب المنادى. ويمكن مثله في التناسب لكن خالفه الدماميني، وجعلها أقساماً مستقلة غير الصرف. وأما الشاذ فاختار المصنف أنه كنون ضيفن. كثر به اللفظ وليس بتنوين وقد جمعها المصنف بقوله:
أَقْسَامُ تَنْوِينِهِم عَشْرٌ عَلَيْكَ بِهَا
فَإِنَّ تَقْسِيمَهَا مِنْ خَيرِ مَا حرِزا
مَكْنٌ وعوض وَقَابِل وَالمُنْكَرَ زِدْ
رَنَّمْ أو احْكِ اضطرّرْ غالِ وَمَا همزا(1/52)
قيل أشار باضطرَّرْ للضروري بقسميه، وبما همز للشاذ. وقوله زد تكملة ولا يبعد أنه أشار للتناسب فتدبره.
قوله: (يَخْتَصُّ بِهِ) الباء داخلة على المقصور، فالتنوين مقصور على الاسم لأن معانيه الأربعة لا توجد في غيره.
قوله: (فيَكُونَانِ فِي الاسْمِ) ذكر الشارح مثال الترنم في الثلاثة، والغالي في الاسم، ومثاله في الفعل كقوله:
8 ــــ أَحَارِ بنَ عَمْروٍ كَأَنّي خمَرْنْ
وَيَعْدُو على المَرْءِ ما يأْتَمِرْن
وفي الحروف:
9 ــــ قَالَتْ بَنَاتُ العَمِّ يَا سَلْمَى وإنْنْ
كَانَ فَقِيراً مُعْدَماً قَالَتْ وإنْنْ
---
قوله: (النِّدَاءُ) هو بضم النون وكسرها مع المد والقصر، وكلها سماعية ما عدا الكسر مع المد لأنه مصدر نادى، ومصدر فاعل الفعال. وحقيقته طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها. وإنما اختص بالاسم لأن المنادى مفعول به، وهو لا يكون إلا اسماً. وأما دخول يا على الحرف في نحو: يَا لَيْتَ قَوْمِيَ يَعْلَمُونَ}
(يس:26)
«يا رب كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة». وعلى الفعل في قراءة الكسائي ألا يا اسجدوا} بتخفيف إلا فلمجرد التنبيه، ولا يلزم ذكر المنبه بل تكفي ملاحظته عقلاً. وقيل: المنادى محذوف تقديره يا هؤلاء مثلاً.
قوله: (وِالأَلِفُ والّلامُ) أي المعرّفة كالرجل، أو الزائدة كالحارثِ وطلب النفس دون الموصولة لدخولها على المضارع اختياراً عند الناظم، والاستفهامية لدخولها على الماضي في نحو أل فعلت بمعنى هل فعلت.
قوله: (والإِسْنَادُ إِلَيْهِ) قال ابن هشام: هو أنفع العلامات لأنه دل على اسمية نحو الضمائر كتاء ضربت. وما الاستفهامية في نحو: الحَاقَةُ مَا الحَاقَةُ}
(الحاقة:1)
والموصولة في نحو: إِنَّمَا صَنَعوا كَيْدُ سَاحِرٍ}
(طه:69)(1/53)
إن قدر العائد أي صنعوه. وإلا فهي حرف مصدري أي إن صنعهم وفيه علامة أخرى، وهي عود الضمير إليها، وليست إنما أداة حصر، لأنه كان يجب نصب كيد بصنعوا مع أنه خبر إن. فإن قلت قد ورد الإسناد إلى الفعل في نحو: (تَسْمَعُ بالمَعِيدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ) وقوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ يُرِيَكُمُ البَرْقَ}.
(الروم:24)
---
وقولهم زعموا مطية الكذب، وإلى الحرف نحو: من حرف جر. أجيب بأن الإسناد في الأخيرين لقصد اللفظ، وهو اسم قطعاً فإن الكلمة إذا أريد لفظها كانت اسماً له. ومدلولها اللفظ الواقع في التراكيب. فإذا قيل: ضرب: فعل ماض. فالحكم بالفعلية ليس على اللفظ الذي في هذا التركيب وإلا لنافى كونه اسماً مسنداً إليه، بل على مدلوله الواقع في نحو: ضَرَبَ زَيْدٌ، وكذا من حرف جر وأما نحو ضرب ثلاثي فيصح كون الحكم على هذا اللفظ بخصوصه. أو على مدلوله الذي في ضرب عمرو مثلاً. والمشهور تسمية هذا الإسناد لفظياً؛ لأن الحكم فيه على اللفظ لكن يصح تسميته معنوياً أيضاً، لأن المحكوم عليه مدلول اللفظ كما سيأتي إيضاحه آخر الباب. وأما تسمع ويريكم فمسبوكان بمصدر مع أن محذوفة، وقد روي أن تسمع على الأصل، وحذف أن مع رفع الفعل كما هنا قياسي، وقيل سماعي. وأما مع نصبه بإضمارها كما روي به تسمع فشاذ في مثله لعدم مقتضى الإضمار لكن سهله وجودها فيما بعده كما في قوله:
10 ــــ ألاَ أَيُّهذا الزَّاجِرِي أَحْضُرَ الوَغى
وأنْ أشْهَدَ اللَّذاتِ هَلْ أَنْتَ مُخلِدِي
بنصب أحضر وقيل يريكم صفة لمبتدأ محذوف أي آية يريكم بها البرق لا أنه المبتدأ كما في قوله:
11 ــــ وَمَا الدَّهرُ إلاّ تَارَتَانِ فَمِنْهُمَا
أَمُوتُ وَأُخْرى أبْتغي العَيْشَ أَكْدحُ(1/54)
على رواية رفع أموت أي منهما تارة أموت فيها وأكدح مضارع من الكدح وهو التعب حال من فاعل أبتغي، وأجيب أيضاً بأن الفعل قد يراد به جزء معناه المستقل. وهو الحدث فيكون اسماً كالمصدر، ويعامل معاملة الأسماء؛ أي من غير حاجة إلى حذف أن أو إضمارها فيسند إليه كالمثال والآية، ويكون في محل جر بالإضافة. كَهذا يَوْمٌ يَنْفَعُ}
(المائدة:119)
---
ونحو ذلك. ويرد هذا الجواب قول الشنواني إن قلت: لمَ أطبقوا على تأويله مع صدوره عمن يوثق بعربيته، وهلا قالوا إنه فعل وقع مبتدأ؟ قلت: لإجماعهم على أن الحدث المدلول عليه بالفعل لا يكون إلا مسنداً أبداً، فجعله مسنداً إليه خرق لإجماعهم ا هـ. وأما يوم ينفع فمن مواضع سبك الجملة بلا سابك لإضافة اسم الزمان إليها. ومنها باب التسوية فتدبر.
قوله: (وَاسْتَعْمَلَ المُصَنِّفُ أل الخ) مقتضاه أن التعبير بالألف واللام هو الأصل، وهو مبني على أن المعرف اللام وحدها، والهمزة زائدة للوصل؛ إما على كونه الهمزة أصلية وصلت لكثرة الاستعمال فاللائق التعبير بأل لأن ثنائي الوضع ينطق بمسماه لا باسمه، بخلاف الأحادي. وإما على كون الهمزة زائدة معتداً بها في الوضع فيعبر بأل نظراً للاعتداد بها وهو الأقيس، وبالألف واللام نظراً لزيادتها، وقد استعمل سيبويه العبارتين أفاده المرادي، وأل في كلامه بقطع الهمزة لأنها اسم لقصد لفظها وحق الاسم قطع همزته إلا ما استثني.(1/55)
قوله: (واسْتَعْمَلَ مُسْنَدَ الخ) أي فأقام المفعول مقام المصدر، وحذف صلته وهي إليه اعتماداً على التوقيف. كما قاله ابن الناظم. ولم يجعل للاسم صلته لئلا يلزم جهل من له التمييز، ولا متنازعاً فيه لأن المصنف لا يراه في المعمول المتوسط كالمتقدم. لكن جعله اسم مفعول أولى من هذا التكلف، أي من علامات اسمية الكلمة أن يوجد معها مسند فتكون هي مسنداً إليها. ولو صحت المصدرية لكان هو بنفسه مصدراً. إلا أنه من إقامة المفعول مقامه لأن الزائد على الثلاثة يأتي مصدره وزمانه ومكانه بلفظ مفعوله. ولذا أجيز في قوله تعالى: رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكاً}
(المؤمنون:29)
كون منزلاً مفعولاً مطلقاً أو حالاً أو ظرفاً.
---(1/56)
قوله: (بتا فعلت) اعلم أن ما كان من حروف الهجاء مختوماً بألف يجوز قصره ومده إجماعاً، كما في الهمع لكن تتعين هنا قصرتا للضرورة. وهي مضافة إلى فعلت بفتح التاء كما هو الرواية، ويجوز غيره وأتت معطوف عليها بتقدير مضاف أي وبتاء أتت، وأما عطفه على فعلت فيوهم اتحاد التاءين مع أنهما نوعان متباينان. إلا أن يجعل من استعمال المشترك وهو تا في معنييه أفاده ابن قاسم. وفعل مبتدأ خبره ينجلي، وبتا متعلق به، وقدم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ للضرورة على ما مر.قال الأشموني: ومسوغ الإبتداء بفعل قصد الجنس كتمرة خير من جرادة. وفيه أن العلامات لا تميز إلا ما في الخارج والجنس، وهو الماهية الذهنية لا يوجد خارجاً على التحقيق، ولا في ضمن الفرد. ولو قلنا بهذا، وكان المراد الجنس في ضمن بعض الأفراد، لكان حاصله أن المتميز هو الإفراد، لأن الحكم على شيء باعتبار شيء آخر حكم على الشيء الآخر. فإذاً، لا دخل للجنس في التسويغ بخلاف: تَمْرَةٌ خَيْرٌ مِنْ جَرَادَةٍ. لأن الحكم بالخيرية إنما هو على الجنس من حيث هو، فالأحسن أن المسوغ التنويع لأنه نوع من الكلمة. ولعل هذا مراد المعرب بجعله المسوّغ كونه قسيماً للمعرفة أعني الاسم والحرف. فقوله للمعرفة بيان للواقع لا شرط في التسويغ كما يعلم بما يأتي. وقيل المسوغ. خروجه مخرج الجواب لمن قال أفعل ينجلي بشيء أو كونه فاعلاً في المعنى.
---(1/57)
قوله: (وَالمُرَادُ بهَا تَاءُ الفَاعِلُ الخ) أي لا خصوص المفتوحة مثلاً ففيه مجاز مرسل، أو كناية من ذكر الملزوم وهو فعلت، وإرادة لازمة وهو الفاعل فكأنه قال بتاء الفاعل، وكذا قوله يا افعلي ونون أقبلن. والمراد بالفاعل من أسند إليه فعل على جهة القيام به، أو الوقوع منه ثبوتاً أو نفياً لا الفاعل اللغوي. وهو من أوجد الفعل لئلا تخرج تاء نحو: مت، وما ضربت، ولا الاصطلاحي لئلا تخرج تاء كان وأخواتها ويلزم الدور بأخذه في تعريف الفعل ثم أخذ الفعل في تعريفه بأنه الاسم المسند إليه فعل. ولا ترد التاء في نحو: ما ضرب إلا أنت لأنها ليست تاء الفاعل بل الدال عليه. أما مجموع أنت لا التاء وحدها أو أن فقط والتاء حرف خطاب على الصحيح.
قوله: (السَّاكِنَةُ) أي أصالةً، وإن تحركت لعارض، نحو: قَالَتُ أمَّةٌ} بنقل ضمة الهمزة إلى التاء في قراءة ورش وقَالَتِ امْرَأَةُ العَزِيزِ}
(يوسف:51)
بكسرها للساكنين و قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}
(فصلت:11)
بفتحها للألف وإنما اختصت الساكنة بالفعل ليعتدل ثقله بخفة السكون.
قوله: (فَقَلِيلٌ) أي فلا ترد لأن القليل لا حكم له. وأجيب أيضاً بأنها لتأنيث اللفظ، والمراد هنا تأنيث الفاعل.
قوله: (يَاءُ الفَاعِلَةِ) أي ولو مع المضارع لا خصوص الأمر كما مر. وبهذه الياء مع الدلالة على الطلب يعلم أن كلاً من هات وتعالى فعلا أمر لا اسمان له، فهما مبنيان على حذف الياء والألف كارم واخش.
قوله: (نون التوكيد) ودخولها في اسم الفاعل شاذ كما سيأتي فلا يرد.
تنبيه: بقي مما ذكره من علامات الفعل لم الآتية، ومثلها باقي الجوازم وزاد في التسهيل اتصاله بضمير الرفع البارز ولزومه مع ياء المتكلم نون الوقاية. وبهذه تعرف فعلية التعجب أفعل التعجب، وزاد ابن الحاجب: قد، والسين، وسوف، وابن فلاح في مغنيه: النواصب، ولو، وأحرف المضارعة. ا هـ نكت.
---(1/58)
قوله: (سواهما) خبر مقدم لا مبتدأ، لأن الحرف هو المحدث عنه وهي بمعنى غير. ورفعها مقدر على الألف بناء على الراجح من خروجها عن الظرفية، أما على أنها في محل نصب على الظرفية الاعتبارية دائماً فتتعلق بمحذوف هو الخبر. كما سيتضح في الاستثناء قيل: لا فائدة لهذه الجملة لأنه علم من قوله، واسم وفعل الخ. إن كلاً منها غير الآخرين ورد بأنه على حذف مضافين أي سوى قابلي علاماتهما ففيه إشارة إلى أن علامة الحرف عدم القبول، وهذا لم يعلم مما تقدم وقيل: هي تمهيد لتقسيمه إلى الثلاثة أقسام.
قوله: (فِعْلٌ مُضَارعٌ الخ) شروع في تقسيم الفعل، وعلامات كل قسم بعد ذكر العلامات مجملة، وبدأ بالمضارع لشرفه بمضارعة الاسم، والاتفاق على إعرابه، وثنَّى بالماضي للاتفاق على بنائه، وختم بالأمر للاختلاف في وجوده فإنه عند الكوفيين من المضارع لا قسم برأسه.
قوله: (كَيَشَمٌّ) خبر لمحذوف؛ أي وذلك كيشم بفتح الشين مضارع شَمَمْتُ الطَّيبَ من باب فَرِحَ على الأفصح لا علم كما قيل لأنه لا يوافقه في المصدر، وحكاه الفراء(3)، وغيره من باب نصر والأولى تتعين هنا دفعاً لسناد التوجيه، وهو اختلاف حركة ما قبل الروي المقيد، وترك شد ميميه للضرورة. ويجوز كونه مضارع: شَامَ البَرْقَ يَشَامُهُ، إذا رآه حذفت ألفه حكاية لحالة جزمه.
قوله: (وماضي الأفعال) أي الماضي منها مفعول مقدم لِمِزْ أمر من مازهُ يميزُه، كباعه يبيعه بمعنى ميزه. وبالتاء متعلق به وأل فيها للعهد الذكري، أي التاء المتقدمة بنوعيها استعمالاً للمشترك في معنييه لا للجنس لئلا تدخل تاء الأسماء.
---(1/59)
قوله: (وَسِمْ) بكسر السين أمر من وَسَمَهُ يَسِمُهُ، كوعده يعده إذا علمه بشد اللام وبالنون متعلق به، وفعل الأمر مفعوله، وأمر نائب فاعل لمحذوفه يفسره فهم لأن أداة الشرط لا يليها إلا الفعل. والمراد به الأمر اللغوي، وهو الطلب فلا دور في جعله علامة فعل الأمر الاصطلاحي. وجواب الشرط محذوف وجوباً أي فسمه بالنون لا جوازاً كما قيل لما نص عليه في المغني أنه يجب حذف الجواب إن تقدم على الشرط، أو اكتنفه ما يدل عليه أي مع كونه فعل الشرط ماضياً نحو: هو ظالم إن فعل وإنّا إِنْ شَاءَ الله لَمُهْتَدونَ}
(البقرة:70)
.
قوله: (والأمر) مبتدأ خبره هو اسم، وجواب الشرط محذوف دل عليه الخبر. ومن جعل هو اسم جواباً حذفت فاؤه للضرورة، فقد سها عن قاعدة متى تقدم المبتدأ على الشرط؟ فإن اقترن مع بعدهما بالفاء أو صلح لمباشرة الأداة كان جواباً، والخبر محذوفاً وإلا كان خبراً، والجواب محذوفاً كما هنا أفاده الحفني وغيره قبل الصبان، والمتجه كما في المغني أن الخبر في الحالة الأولى هو مجموع الشرط، وجوابه لا محذوف ثم هذه القاعدة محمولة على السعة لجواز حذف الفاء للضرورة. وقد جوز صاحب المغني في قول ابن معطي:
اللِّفْظُ إِنْ يُفِدْ هُوَ الكَلاَمُ
---(1/60)
أن يكون هو الكلام جواباً حذفت فاؤه للضرورة وجملة الشرط؛ وجوابه خبر اللفظ. وأن يكون خبراً والجواب محذوفاً فكذا يجوز مثله هنا ولا سهو، ا هـ. قلت والله أعلم بيت ابن معطي تلزمه الضرورة على كل حال، إذ جملة هو الكلام إن جعلت جواباً كان فيه ضرورة حذف الفاء، أو خبراً كان فيه ضرورة حذف الجواب إذ شرط حذفه اختياراً مضي فعل الشرط لفظاً، أو معنًى كما سيأتي فلا مرجح لأحدهما، وحذف الجواب هنا اختياري لمضي شرطه معنىً. فكيف يعدل عنه إلى الاضطراري؟ فما قاله الحفني هو المتعين، فلا تكن أسير التقليد وبالله التوفيق والمراد الأمر اللغوي، وهو الطلب لا فعل الأمر لئلا ينافيه الحكم عليه بأنه اسم، وفيه حذف مضاف، أي ودال الأمر أي الدال عليه بنفسه، فخرجت لام الأمر لأن دلالة الحرف بغيره.
قوله: (مَحَلُّ) مصدر ميمي بمعنى الحدث أي حلول أو بمعنى المكان؛ وهو أولى لاحتياج الأول لتقدير مضاف أي قبول حلول، وفيه متعلق به، وإن كان اسم المكان لا يعمل لأن الظرف تكفيه رائحة الفعل، وللنون خبر كان أو عكسه، وهو أظهر على جعل محل مصدراً.
قوله: (نَحْوَ صَهْ الخ) الأولى التمثيل بنَزَالٍ، ودَرَاكٍ لأن اسمية ما ذكر معلومة من التنوين.
قوله: (وَحَيَّهَل) فيها ثلاث لغات سكون اللام وفتحها بلا تنوين، ومنونة، وكلام الناظم يحتمل الأولين، وكذا الثالث على لغة ربيعة من الوقف على المنصوب المنون بالسكون.
---(1/61)
قوله: (بخلوّه من علامات) أي من قبول شيء منها فعلامته عدم القبول،ولا يرد أن العدم لا يصلح علامة للوجودي كما صرحوا به لأنه في العدم المطلق، وهذا مقيد وكون بعض العلامات المجعول عدمها علامة له حروفاً لا يوجب الدور لأن جعلها علامات ليس بعنوان حرفيتها، بل بعنوان كونها ألفاظاً معينة، وهذا التعريف لما يسمى كلمة بقرينة أن الحرف من أقسامها فلا تدخل فيه الجملة، وإن كانت لا تقبل العلامات لأنها لا تسمى كلمة في الاصطلاح. بقي أن يقال: إن أريد بالعلامات التي لا يقبلها الحروف التسع المذكورة هنا فقط، دخل فيه ما ليس منه إذ لنا ألفاظ لا تقبلها، وليست حروفاً كقط وعوض ونزال ودراك. وإن أريد المذكورة هنا غيرها كان فيه حوالة على مجهول ويجاب باختيار الأول، ويكون تعريفاً بالأعم، وأجازه المتقدمون لإفادة التمييز في بعض الأفراد. فهو أخف من جهل الجميع، وسهله الاعتماد على التوقيف الذي لا يستغني عنه المبتدىء؛ على أن المراد بقبول العلامات ما يعم قبول اللفظ لها بنفسه، أو بمرادفه أو بمعنى معناه، وقط وعوض، يقبلان الإسناد إليهما بمرادفهما، وهو الزمن الماضي والمستقبل، فإن قولك: ما فعلته قط في قوة قولك الزمن الماضي ما فعلت فيه، ونزال تقبلها إما بمرادفها، وهو المصدر بناء على أن مدلول اسم الفعل الحدث أو بمعنى معناها بناء على أن مدلوله لفظ الفعل فتدبر.
قوله: (فَأَشَارَ بِهَلْ إِلى غَيْرِ المُخْتَصِّ) هي في الأصل تختص بالفعل لكونها بمعنى قد، كما هي في هَلْ أَتَى عَلى الإِنْسَانِ حِينٌ}
(الإنسان:1)
---(1/62)
ولما عرض لها إفادة الاستفهام تطفُّلاً على الهمزة دخلت على الجملتين مثلها، لكن مع وجود الفعل في الكلام لا تدخل على الاسم، وإن كان معمولاً لفعل مضمر بل لا بد من معانقتها له لفظاً عند سيبويه. فلا يجوز: هل زيد أخرج، ولا: هل زيد رأيته. وبالأولى: هل زيداً رأيت بلا ضمير، وذلك لأنها إذا لم تر الفعل في حيزها تسلت عنه ذاهلة، وإلا حنت إليه لسابق الإلفة، ولم ترضَ إلا بمعانقته لفظاً. واكتفى الكسائي بوليها الفعل المضمر فأجاز الأولين دون الثالث.
قوله: (وَكُلُّ مِنْهُمَا إلخ) وبهاتين التاءين ردَّ على من زعم من البصريين حرفية ليس حملاً على النافية، وعلى من زعم من الكوفيين حرفية عسى حملاً على لعل، وبالثانية رد على من زعم من الكوفيين اسمية نعم وبئس مستدلاً بدخول الجار عليهما، في نحو: ما هي بنعم الولد لأن قبول التاء نص في الفعلية. وأما الجار فداخل على مقدر أي ما هي بولد مَقُولٌ فيه نِعْمَ الوَلَدُ كما سيأتي في بابه.
قوله: (تَبَارَكَتْ إِلى قَوْلِهِ نِعَمَتِ المَرْأَةُ) فيه إشارة إلى ما صرح به في شرح الكافية من تاء الفاعل تنفرد في تبارك كتاء التأنيث في نعم وبئس، لكن في البجائي على الآجرومية أنه يقال: تباركت أسماء الله ورد التصريح له بأن اللغة لا تثبت بالقياس، يرد بأن القياس نقل اسم المعنى إلى معنى آخر لجامع بينهما وهذا ليس كذلك، بل إدخال علامة في فعل يصلح لها أفاده الصبان. قلت والله أعلم: لعل المصنف راعى أن معنى تبارك التنزيه البليغ الذي لا يليق بغيره تعالى، فمنع التاء لامتناع التأنيث في جانبه تعالى، ولما لاحظ البجائي أن ذلك التنزيه يكون لأسمائه وصفاته أيضاً.g أجازها باعتبار الجملة فتأمله فإنه نفيس جداً وبه يُرَدُّ ما في التصريح.
---(1/63)
قوله: (فَإِنْ دَلَّتِ الكَلِمَةُ الخ) مثله إن دلت على معنى المضارع ولم تقبل لم فهي اسم فعل مضارع: كأوه، وأف، أي أتوجع وأتضجر وإن دلت على الماضي، ولم تقبل التاء لذاتها فهي اسم فعل ماض، كهيهات، وشتان أي بعد وافترق فإن لم تقبلها لعارض فلا يضر كفعلي التعجب، والاستثناء وحبذا في المدح لعروض ذلك من استعمالها كالأمثال التي لا تغيَّر. قال ابن غازي: ولو شاء التصريح بالثلاثة لقال:
وَمَا يَكُنْ مِنْها لِذِي غَيْرِ محَلْ
فَاسْمٌ كَهَيْهاتَ وَوَيْ وحَيَّهَلْ
أي وما يكن من الكلمات الدالة على معاني الأفعال غير محل لهذه العلامات فاسم الخ.
قوله: (وإِنْ كانَتْ صَهْ بِمَعْنَى اسْكُتْ) أي مدلولها لفظ اسكت بناءً على أن مدلول اسم الفعل لفظ الفعل لا معناه وهو الراجح، وبيانه أن كل لفظ مستعمل اسماً كان أو غيره له وضعان؛ وضع قصدي به يدل على معناه. كدلالة زيد على الذات المخصوصة ودلالة ضرب على الحدث والزمان، ووضع تبعي به يدل على لفظه الواقع في التراكيب فيكون علماً عليه، ولكون هذا الوضع تبعياً لا يصير به اللفظ مشتركاً ولا يفهم منه معنى مسماه. وقد اتفق لبعض الأفعال أنْ وُضع لها وضعاً قصدياً أسماء أخر غير ألفاظها تطلق؛ ويراد بها ألفاظ الأفعال لكن من حيث دلالتها على معانيها وسموها أسماء الأفعال، فصه مثلاً مدلوله لفظ اسكت باعتبار دلالته على طلب السكوت بخلاف اسكت، إذا قصد لفظه فإنه يكون مدلوله لفظ أسكت الواقع في التراكيب من حيث كونه لفظاً مركباً من س ك ت. لا باعتبار معناه ولهذا كان اسم الفعل كلاماً تاماً بخلاف هذا. كذا حققه التفتازاني في حواشي الكشاف والله أعلم.
المُعْرَبُ وَالمَبْنِيُّ
أي من الاسم والفعل، ومن قصره على الاسم وجعل قوله:
وَفِعْلُ أَمْرٍ وَمُضِيَ بُنِيَا
---(1/64)
الخ استطرادياً فقد تعسف وأل فيهما اسم موصول يظهر إعرابها على الوصف صلتها بطريق العارية منها لكونها بصورة الحرف، والوصف نفسه لا محل له لكونه صلة في معنى الجملة. وهذا قبل جعلهما ترجمة أما بعده فهي معرفة لانسلاخ مدخولها عن الوصفية وصيرورته. كالاسم الجامد وكذا يقال فيما شابهه، كالموصول والمفعول المطلق، وأخرهما عن شرح الكلام لتقدمه عليهما تعقلاً كتقدم الجسم على العرض القائم به، وإن كانت العرب لم تنطق به، ولم تعرفه خالياً عن الإعراب، وقدمها على الإعراب الآتي في قوله: والرفع والنصب الخ مع أن المشتق فرع المصدر. قيل: لتقدم المحل على الحال، وقيل: لأنه لم يبينهما من حيث اتصافهما بالإعراب والبناء بالفعل، بل من حيث قبولهما، وبيان سبب القبول كشبه الحرف وعدمه. وذلك لا يتوقف على بيان المشتق منه، لأن من عرف قابل الإعراب وغير قابله توجه إلى معرفته فبين أولاً القابل ثم المقبول، أفاده سم. والإعراب لغةً له معان: كالإبانة والتحسين والإزالة واصطلاحاً ما سيأتي في المتن، ويطلق أيضاً على تطبيق الكلام على قواعد العربية كما نص عليه الدماميني على المغني وغيره. ومنه قولهم: أعرب جاء زيد. وهذا الإطلاق اصطلاحي أيضاً، لأن العرب لم تكن تعرف تلك القواعد، ولا تطبق الكلام عليها وإنما تطبق به مطابقاً لها سجية، أفاده الأمير.
قوله: (والاسْم منه مُعْرَبٌ) مذهب الزمخشري في من التبعيضية أنها اسم بمعنى بعض فهي مبتدأ ثان ومعرب، خبره أو هي جار ومجرور خبر لمعرب، والجملة على كلِّ خبر الاسم. وقوله: ومبني أي ومنه مبني. فإعرابه كذلك والاسم منحصر فيهما على الصحيح الذي عليه الناظم، وإن كانت عبارته لا تفيد الحصر كما لا تفيد الواسطة خلافاً لمن توهمه. لأن قوله: ومبني ليس معطوفاً على معرب حتى يكون مجموعهما بعض الاسم. وهناك بعض آخر بل هو من عطف الجمل أي بعضه كذا وبعضه كذا، فهو على حد فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ}(1/65)
---
(البقرة:253)
نعم يستفاد الحصر من قوله: ومعرب الأسماء الخ بعد جعله البناء لشبه الحرف. فلتحمل عبارته هنا عليه بقرينة ذلك بأن يقال وبعضه الآخر مبني كما قدره الأشموني، ولا عبرة بمن جعل المضاف لياء المتكلم واسطة، وسماه خصياً لأن إعرابه مقدر. وقول ابن عصفور: إن الأسماء قبل التركيب لا معربة ولا مبنية ليس قولاً بالواسطة؛ لإمكان حمله على أن المراد غير معربة بالفعل فيوافق قول الزمخشري في الأعداد المسرودة إنها معربة حكماً. أي قابلة له إذا ركبت لسلامتها من شبه الحرف، وتأثرها بالعوامل إذا دخلت عليها. وذهب الناظم إلى بنائها لشبهها الآن بالحروف المهملة في كونها لا عاملة ولا معمولة. وكذا الخلاف في فواتح السور على أنها من المتشابه، أما إن جعلت أسماء للسور أو للقرآن مثلاً فليست من هذا القبيل؛ بل هي مبتدأ أو خبر أو مفعولة لمحذوف، أو مجرورة بحرف قسم مقدر. وما كان منها مفرداً نحوص، أو موازن مفرد كحم موازن قابيل يقدر إعرابه لحكايته قبل العلمية، أو يعرب لفظاً في غير القرآن كقولك: قرأت وما عدا ياسيناً وما عدا ذلك نحو: ألم يتعين فيه الأول كذا في البيضاوي وحواشيه.
قوله: (مُقَرِّبٌ مِنَ الحُروفِ) أي بأن يكون قوياً بخلاف ما عارضه شيء من خواص الأسماء. فلا يقتضي البناء لضعفه كما أعربت أي مع شبهها الحرف موصولة، أو غيرها لمعارضته بلزومها الإضافة لفظاً، أو تقديراً إلا بعض الموصولة كما سيأتي. وإنما بنيت لدن مع لزومها الإضافة لفظاً وهو أقوى لأن إضافتها إما لمفرد، أو جملة فخرجت عن أصل الإضافة من الإفراد فلم تقوَ على المعارضة، كما قاله ابن هشام وقال ابن الأنباري(4): إنما أعربت أي تنبيهاً على أن أصل المبني الإعراب، كما صح بعض ما يجب إعلاله تنبيهاً على أن أصله التصحيح. وعلى هذا لا ترد لَدُنْ.
---(1/66)
قوله: (مُنْحَصِرَةٌ عِنْدَ المُصَنِّفِ) أي كما يفيده قوله لشبه الخ مع قوله: ومعرب الأسماء الخ كما قرره الشارح وهذا هو المختار، وعليه ابن جني(5) والزجاجي(6) وغيرهم خلافاً لمن يجعل بناء اسم الفعل لشبه الفعل، ونحو: حذام لشبه شبه الفعل. وهو نزال والمنادى لوقوعه موقع الضمير، واسم لا للتركيب إذ كل هذه ترجع لشبه الحرف مباشرة كاسم الفعل الآتي في المتن، وكاسم لا فإنه بني لتضمنه معنى من الاستغراقية لا للتركيب كما سيأتي. أو بواسطة كحذام فإنه أشبه مشبه الحرف، وهو نزال وزناً وعدلاً وتعريفاً، وقيل لتضمنه معنى هاء التأنيث فهو من الشبه المعنوي بلا واسطة، وكالمنادى فإنه أشبه ضمير أدعوك إفراداً، وتعريفاً وخطاباً وهو مشبه لفظاً ومعنىً لكاف الخطاب في نحو ذلك. وجعل ابن الناظم بناء المنادى لتضمنه معنى كاف الخطاب، فهو من الأول لا يقال من أسباب البناء الإضافة لمبني وهي ليست من شبه الحرف؛ لأن هذا بناء جائز والكلام في الواجب.
قوله: (أبي علي الفَارِسِيِّ) مات سنة سبع وسبعين وثلاثمائة كما في المزهر.
قوله: (في شِبْهِ الحَرْفِ) أي مشابهه. وقوله أو تضمن معناه، أي معنى الحرف، وهذا هو الشبه المعنوي فهو إما من عطف الخاص على العام، أو المغاير إن خص الشبه الأول بما عدا المعنوي، فأو تنويعية. فهو في المعنى عين مذهب الناظم لكن لما خالفه في اللفظ بعطف التضمن على الشبه. عبر الشارح بالقرب أفاده السجاعي.
قوله: (سِيبَويْه) هو إمام النحو، واسمه عمرو، ومعنى سيب بالفارسية التفاح، ومعنى ويه رائحته، وإضافة العجم مقلوبة. لقب بذلك لأنه كان يشم منه رائحة التفاح، أو لشبهه به في اللطافة. مات في أواخر المائة الثانية، وعمره ينيف على الثلاثين أو الأربعين.
---(1/67)
قوله: (كالشَّبَهِ الوَضْعِيّ الخ) قال أبو حيان: لم أقف عل هذا الشبه إلا لهذا الرجل يعني الناظم ورد بأنه ثقة، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، واعترض بأنه لو سمي بباء أضرب مثلاً أعربت مع همزة الوصل عند سيبويه، ومع ما قبلها عند غيره فيقال أب أو رب. فلو أوجب الشبه الوضعي البناء؛ لكانت هذه الباء أولى به ورد بأن المعتبر وضع أصل اللغة بخلاف باب التسمية فيعرب ما سمي به. ولو كان حرفاً نحو يا كعن لشرفها، وعروض وضعها. ولذا عبر بالوضعي دون اللفظي وإن كان هو الأنسب بمقابلة المعنوي.
قوله: (في اسْمَيْ جِئْتَنَا) بإضافة اسمي إلى جئتنا لأن المقصود لفظه، ولا يرد أن التاء ونا حينئذ بمنزلة الزاي من زيد لا اسمان، لأن المراد في اسمي مسمى هذا اللفظ. وهو جئتنا المستعمل في معناه. ولا حاجة إلى تقدير قولك: جئتنا لأنه لا يغني عن قصد اللفظ فتدبر. والإضافة على معنى من، وإن لم يصح الإخبار بالثاني عن الأول كما هو ضابطها، لأن محل ذلك إذا كان المضاف إليه جنساً للمضاف كباب ساج كما قاله الروداني. والأظهر كونها بمعنى في.
قوله: (وَكَنِيَابَةٍ) أي، وكشبه نيابة أي فيها كما يفيد عطفه على كالشبه الوضعي. وكذا يقال في وكافتقار. وقوله بلا تأثر نعت نيابة أي كائنة بغير تأثر بالعوامل، فلا بمعنى غير نقل إعرابها لما بعدها عارية لكونها بصورة الحرف، وتأثر مضاف إليه وجره مقدر لحركة العارية. والمراد بعدم التأثر عدم قبوله أثر العامل، وهو الإعراب بحسب الوضع. فالمعنى: يبنى الاسم لنيابته عن الفعل مع عدم قبول الإعراب بحسب وضعه لا بحسب لفظه. لأن ذلك متأخر عن البناء لا سبب له. ويغني عن هذا القيد في إخراج المصدر الآتي جعل ألف أصلاً للتنثية، لأن نيابة المصدر عارضة في بعض التراكيب لا أصلية كاسم الفعل.
---(1/68)
قوله: (في الوَضْع) أصل وضع الحرف كونه على حرف أو حرفي هجاء فما زاد فعلى خلاف الأصل، وأصل وضع الاسم ثلاثة فأكثر فما نقص فقد شابه الحرف في وضعه، واستحق حكمه. وهو البناء، ولم يعرب الحرف الذي أشبه الاسم في وضعه على ثلاثة كسوف، أو أربعة كلعلَّ أو خمسة كلكن لأن هذا الوضع لا يخص الاسم، بل هو للفعل المبني أيضاً. ولعدم احتياجه إليه بخلاف المضارع أعرب لشبه الاسم لاحتياجه في تمييز معانيه التركيبية إلى الإعراب كما سيأتي، وأيضاً هو أضعف أقسام الكلمة إذ ليس مقصوداً لذاته بل لربط معاني الأفعال بالأسماء، ولا يستقل بالمفهومية فلا يقوى بالشبه على اكتساب حكم الاسم. وأما الاسم فكان وضعه على الكمال متحلياً بأشرف الحلال، فلما تشبه بالدون انحط عن رتبته، وسقط من العيون. وإنما اكتفى في بناء الاسم بشبه واحد دون منعه الصرف لشدة تباعد ما بينه وبين الحرف، فيقوى انحطاطه عن حكم الاسم بالشبه الواحد. وأما الفعل فإنه وإن كان نوعاً آخر، لكنه أقرب إليه من الحرف لاتفاقهما في استقلال معناهما. فالشبه الواحد به لا يخرجه عن حكم الاسمية من الصرف فتدبر.
قوله: (أَوْ عَلَى حَرْفَيْنِ) أي ثانيهما لين كما أشار إليه بنا؛ أما مع صحة الثاني فلا يختص بالحرف لوجوده في الاسم المعرب كمع بناء على أنها ثنائية لا أصلها معي، وكقد الاسمية على لغة إعرابها وإن كان الغالب بنائها. فإطلاق الوضع على حرفين غير سديد كما قاله أبو إسحاق الشاطبي شارح المتن. وهو غير أبي القاسم المقري.
قوله: (فِي كَوْنِهِ عَلَى حَرْفٍ الخ) في سببية.
---
قوله: (شَبَّهَهُ لَهُ فِي المَعْنَى) أي بأن يتضمن الاسم معنى جزئياً غير مستقل؛ حقه أن يؤدى بالحرف زيادة على معناه المستقل. بمعنى أنه خلف الحرف في إفادة ذلك، وقطع عنه النظر لا أنه ملاحظ في نظم الكلام، وقدر اختصاراً كتضمن الظرف معنى في. والتمييز معنى من، فإن هذا التضمن لا يقتضي البناء.(1/69)
قوله: (مَعْنًى مِنَ المَعَانِي) أي الجزئية غير المستقلة لكونها لا تتعقل إلا بين شيئين. فإن هذه هي معاني الحروف.
قوله: (حَرْفاً مُقُدَّراً) كذا قال أبو حيان، وتابعه جميع الشراح قال السيوطي: وطالما فحصت عن نظير لها في ذلك حتى رأيت في بحر أبي حيان أن بناء لدن لدلالتها على الملاصقة، والقرب زيادة على الظرفية المفادة بعند. وهذا معنى جزئي حقه الحرف، ولم يضعوه وذكر ابن الصائغ أن ما التعجبية كذلك؛ لأنه لم يوضع للتعجب حرف إلا أن الشبه الوضعي ظاهر فيها، ولا يرد على الأول إن أل العهدية حرف موضوع للإشارة إلى معهود ذهني. لأن الكلام في الإشارة الحسية باليد، ونحوها وهي غير الذهنية كما هو ظاهر، لكن نقل ابن فلاح عن أبي علي أن بناء أسماء الإشارة لتضمنها معنى أل.
قوله: (فِي النِّيَابَةِ عَنِ الفِعْلِ) هذا هو الشبه الاستعمالي، وهو أن يكون الاسم عاملاً غير معمول كالحرف.
قوله: (فِي كَوْنِهِ يَعْمَلُ) أي في الفاعل دائماً، وفي المفعول إن كان متعدياً كمثاله.
قوله: (وَلاَ يَعْمَلُ فِيهِ غَيْرُهُ) الأولى أن يقول: ولا يدخل عليه عامل أصلاً أي إذا كان مستعملاً في معناه. وأما قول زهير:
12 ـــــ وَلَنِعْمَ حَشْوُ الدِّرْعِ أَنْتَ إذَا
دُعِيَتْ نِزَالُ وَلُجَّ فِي الذُّعْرِ
حيث جعل نزال نائب فاعل دعيت فلقصد لفظه أي دعيت هذه الكلمة، وهي تقال عند طلب النزول للحروب.
---
قوله: (لاَ مَحَلَّ لَهَا) هو قول الأخفش، وهو الصحيح، وعند سيبويه، والجمهور في محل نصب بأفعال مضمرة، وعند آخرين مرفوعة بالابتداء، أغنى مرفوعها عن الخبر. فإن قلت: ما علة البناء على هذين؟ قلت: يرجع لما في النكت عن ابن جني أنها بنيت لتضمن أكثرها معنى لام الأمر، وحمل الباقي عليه.(1/70)
قوله: (في الافْتِقَارِ) أي إلى الجملة كما في شرح الكافية فخرج نحو: سبحان، وعند، وكلا وكلتا، مما لزم الإضافة إلى المفرد فإن هذا الافتقار لا يقتضي البناء، ولا يرد ما قيل في أسماء الجهات أنها بنيت عند حذف المضاف إليه. ونية معناه لافتقارها إليه مع أنه مفرد لأن بناءها عارض يكفيه أدنى افتقار. والكلام في الأصلي ولم تُبْنَ عند نية لفظه، أو ذكره لأن اللفظ المنويَّ كالثابت، وظهور الإضافة يعارض الافتقار فلا يؤثر البناء. ولذلك لم تُبْن عند وكل ونحوهما مما لزم الإضافة، أو عوضها وهو التنوين كذا قيل. والأظهر أن علة بنائها شبهها بأحرف الجواب في الاستغناء بها عما بعدها، أو شبهها الحرف في الجمود حيث تلزم الظرفية، أو شبهها فالافتقار إلى الجملة على إطلاقه. وقوله: اللازم تفسير لقول المتن أصلاً. وخرج به نحو النكرة الموصوفة بجملة فإن افتقارها إليها عارض لا يلزم في غير تركيبها.
قوله: (كالأَسْمَاءِ المَوْصُولَةِ) وكإذ وإذا وحيث فإنها لا تفارق الإضافة إلى الجملة، إلا إلى عوضها وهو التنوين، ولم تعارض إضافتها شبه الحرف لأن الإضافة للجملة كلا إضافة إذ هي في الحقيقة إلى مصادر الجمل فكأن المضاف إليه محذوف. ومر في التنوين خلاف الأخفش في إذ.
قوله: (إلى الصِّلَةِ) أي وهي إما جملة، أو ما قام مقامها كالوصف المشتق في أل الموصولة.
قوله: (فِي مُلاَزَمَةِ الافْتِقَارِ) أي لأنه موضوع لربط معاني الأفعال، وشبهها بالأسماء فلا يفهم معناه إلا بجملة يقع فيها فهو مفتقر إليها أبداً.
---(1/71)
قوله: (فِي سِتَّةِ أَبْوَابٍ الخ) وهي متفرقة على وجوه الشبه الأربعة المذكورة فالمضمرات للشبه الوضعي في أكثرها، وحمل الباقي عليه كما في التسهيل وأسماء الشرط، والاستفهام، والإشارة للشبه المعنوي، والموصولات، ونحوها للافتقاري، وأسماء الأفعال للاستعمالي. وزاد في شرح الكافية الشبه الإهمالي أي كون الاسم لا عاملاً، ولا معمولاً كالحروف المهملة ومثله بالأسماء قبل التركيب، ونحوها ومر ما فيه نعم هو ظاهر في أسماء الأصوات إذ لا تعمل، ولا يعمل فيها غيرها أصلاً. وذكر في التسهيل من وجوه بناء المضمرات الشبه الجمودي أي عدم التصرف في لفظها لوجه من الوجوه كالحرف. ولهذا الشبه بنيت أسماء الجهات في قول مر وبني الآن لعدم التصرف فيه بتثنية ولا غيرها بخلاف حين، ووقت. ويمكن إدراج هذين في الاستعمالي كما أدرج ابن هشام فيه الافتقاري، وعدهما نوعاً واحداً في سائر كتبه، وفسره بلزوم الاسم طريقة من طرائق الحروف لا خصوص ما مر، وهذا كله بناء أصلي. ومثله باب حذام فيما يظهر. وأما العارض فكالمنادى واسم لا، وأسماء الجهات، وقد علمتها، والمركب العددي، وبناؤه لتصمنه معنى العطف مع وقوع الجزء الأول منه موقع ما قبل تاء التأنيث، والعلم المختوم بويه تغليباً لعجزه الذي هو من أسماء الأصوات. وهذا البناء كله واجب، وأما الجائز، فمن أسبابه ما سيأتي في الإضافة من إضافة الاسم المبهم إلى مبني، والظرف إلى الجملة. وعد بعضهم منه الشبه اللفظي كما بنيت حاشا الاسمية لشبهها بلفظ الحرفية كما في شرح التسهيل للمصنف، ومثلها عن، وعلى، وقد الاسميات.
---(1/72)
قوله: (وَمُعْرَبُ الأَسْمَاءِ الخ) بدأ في الترجمة بالمعرب لشرفه وفي التعريف بالمبني لحصر أفراده كما علمت، والمعرب غير محصور. وما قيل إنه آخر المعرب لأن علته عدمية رد بأن السلامة من الشبه ليست علة الإعراب بل شرطه وإنما علته توارد المعاني عليه كما سيأتي، وهو وجودي قال يس والإضافة على معنى من لأن بين المتضايفين عموماً وجهياً ا هـ. ويرد عليه ما مر عن الروداني من أن شرطها إذا كان الثاني جنساً للأول صحة حمله عليه، والحمل لا يصح هنا لاختلافهما إفراداً وجمعاً إلا أن يقال: هذا الاختلاف لا ينظر إليه لعروضه، ولإمكان جعل أل جنسية فتبطل معنى الجمع، وأما جعله من إضافة الصفة للموصوف فيرد بأنها غير قياسية.
قوله: (ما قد سلما) ما واقعة على اسم بدليل ما قبلها فلا يرد أن التعريف يشمل الحرف إذ الشيء لا يشبه نفسه. وإنما صرح بهذا مع انفهامه من تعريف المبني إشارة إلى حصر الاسم فيهما، وإلى حصر علة البناء في شبه الحرف وتوطئة لتقسيمه إلى ظاهر الاعراب ومقدره.
قوله: (مِنْ شبَهِ الحَرْفِ) أي من شبهه الحرف الشبه المعهود وهو المدني بأن لم يعارضه شيء من خواص الأسماء فلا ترد أي ونحوها.
قوله: (خِلاَفُ المَبْنَي) أي ضده لا الخلاف الاصطلاحي لأن الخلافين قد يجتمعان كالقيام، والبياض بخلاف الضدين كما هنا. وقوله: والمعرب الخ في نسخ بالفاء وهي الصواب.
قوله: (سِتُّ لُغَاتٍ الخ) واللفظ الثاني بلغتيه يظهر إعرابه على الميم كدم، والثالث مقصور كفتى وهو الذي في المتن، وأوصلها بعضهم إلى ثمانية عشر نظمها بقوله
سِمٌ سَمَةٌ وَاسْمٌ سماةٌ كذا سماً
سماءٌ بتثليثٍ لأول كلها
قوله: (إلى مُتَمَكِن) إن في باب الإسمية بإعرابه، وأمكن أي زائد التمكن بالتنوين، وهو من مكن الثلاثي لأن أفعل التفضيل لا يصاغ من غيره.
---(1/73)
قوله: (وَمضى) إن عطف على أمر، فمجرور لا غيره، وألف بنيا للإطلاق لأن ضميره لجنس الفعل في ضمن نوعيه وإن عطف على فعل بتقدير مضاف أي، وفعل مضى فهو إما باق على جره بعد حذف المضاف المماثل للمذكور، أو مرفوع بإقامته مقامه أو بجعله بمعنى ماض. فألف بنياً للتثنية وهو مصدر مضى فأصله مضويّ، كقعود لقعد أبدلت الواو ياء، وأدغمت، وكسر ما قبلها للمناسبة.
قوله: (وَأَعْرَبُوا) أي العرب أي نطقوا به معرباً أو النحاة أي حكموا بإعرابه.
قوله: (إِن عَرِيا) هو هنا كفرح بمعنى خلا ويأتي كغزا يغزو، وبمعنى نزل كقوله:
13 ــــ وَإِنِّي لَتَعرُوني لِذِكْراكِ هَزَّةٌ
قوله: (نونُ إِنَاثٍ) أُولى من نون النسوة لأن هذه لا تشمل غير العاقل، والمراد الموضوعة لذلك. وإن استعملت في الذكور مجازاً كقوله:
14 ــــ يِمُرُّونَ بالدّهْنَا خِفَافاً عِيَابُهُمْ
وَيَرْجعْنَ من دارِينَ بُجْرَ الحَقَائِبِ
قوله: (كَيَرُعْنَ) خبر لمحذوف أي وهي كنون يرعن مضارع راعه من باب قال إذا أخافه، والنون فاعله. ومن فتن مفعوله، والجملة مجرورة بالكاف لقصد لفظها، أو بالمضاف المحذوف. ولا حاجة لتقدير كقولك، لأنه لا يغني عن إرادة اللفظ كما مر، وأصله يَرْوُعْنَ كيقتلن نقلت حركة الواو إلى الراء، ثم حذفت لالتقائها ساكنة مع العين المسكنة لأجل النون.
---(1/74)
قوله: (فَالأَصْلُ فِي الأَفْعَالِ البِنَاءُ) وإنما أعرب المضارع لشبهه الاسم في أنَّ كلاً منهما يتوارد عليه معان تركيبية لولا الإعراب لالتبست. فالمتواردة على الاسم كالفاعلية، والمفعولية، والإضافة في: ما أَحْسَنَ زَيْداً وعلى الفعل كالنهي عن كلا الفعلين، أو عن أولهما فقط، أو عن مصاحبتهما في نحو: لا تعن بالجفا، وتمدح عمراً. ولما كان الاسم لا يغني عنه في إفادة معانيه غيره كان الإعراب أصلاً فيه بخلاف المضارع يغني عنه وضع اسم مكانه كأن يقال في النهي عن كليهما، ومدح عمرو بالجر وعن الأول فقط، ولك مدح عمرو، وعن المصاحبة مادحاً عمراً فكان إعرابه فرعاً بطريق الحمل على الاسم، هذا ما اختاره في التسهيل في علة إعرابه، ورد ما عداه لكنه عُورِضَ بأن الماضي يقبل المعاني التركيبية أيضاً نحو: ما صام زيد، واعتكف. يحتمل: ما صام، وما اعتكف وما صام، وقد اعتكف أي معتكفاً وما صام، ولكن اعتكف فلو كانت علة الإعراب توارد المعاني لأعرب هذا أيضاً. وأجيب بأنه نادر. ولك أن تقول: هذه المعاني لا يتوقف تمييزها في الماضي على الإعراب لإمكان تمييزها معه بالأدوات الدالّة عليها كما سمعته، ولا كذلك المضارع لأنها لا تميز مع وجوده بغير الإعراب كما هو جلي فتدبر. وبعد فالعمدة في هذه الأحكام السماع، وهذه حكم تلتمس بعد الوقوع لا تحتمل هذا البحث والتدقيق.
قوله: (وَذَهَبَ الكُوفِيّونَ الخ) أي لتوارد المعاني على كلَ فليس أحدهما أولى بالأصالة، ورد بأنه يغني عن إعراب المضارع وضع الاسم مكانه كما مر.
قوله: (ابن العلج) بكسر العين، والبسيط اسم كتاب له.
---(1/75)
قوله: (أصل في الأفعال) أي لوجوده فيها بلا سبب بخلاف الأسماء، وهو باطل لما علمت أن سبب إعرابهما توارد المعاني قيل: إنما جمع الأفعال في المواضع الثلاثة نظراً لإفراد المضارع، وليس بشيء لأن القول بأصالة الإعراب، وفرعيته لم ينظر فيه لنوع مخصوص، بل يعم جميعها فإذا علمت أصالته، أو فرعيته فما أتى منها على أصله لا يسأل عنه، وما خالفه سئل عنه فتدبر.
قوله: (وهو مبني على الفتح) لا يسأل عن بنائه لأنه الأصل بل عن كونه لم يسكن على أصل المبني، وذلك لأنه أشبه المعرب، وهو المضارع في وقوعه صفة، وصلة وخبراً وحالاً، وشرطاً، والأصل في المعرب الحركة لما يأتي ولا يرد الواقع، كذلك هو الجملة لأن الفعل هو المقصود منها وخص بالفتحة لتعادل خفتها ثقل الفعل، وظاهر إطلاق الشارح أنه مبني على الفتح حتى مع واو الجماعة كضربوا، ومع ضمير الرفع المتحرك كضربت، وانطلقْنَا واستبقْنَا، وهو الصحيح ففتح الأول مقدر لمناسبة الواو، وأما فتح نحو: غَزوا وقضوا ففتح بنية، وبناؤه مقدر على الحرف المحذوف إذ أصله غَزووا وقَضيوا، قلبت اللام ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت للساكنين، وبقي ما قبلها على فتحه. وهكذا كل فعل لامه ألف إذا اتصلت به واو الجماعة. وأما الثاني، فقد فتحه كراهة توالي أربع حركات في الثلاثي وبعض الخماسي كانطلقت مع أنه ككلمة واحدة، وحمل الرباعي، والسداسي، وبعض الخماسي كتعظمت عليه. وإنما حمل الكثير على القليل لأن فيه دفع المحذور بخلاف عكسه، واعترض بأن نحو شجرة فيه ذلك التوالي، ولم يكرهوه. ولو كانت تاؤه في تقدير الانفصال دون تاء الفاعل كما قيل للزم التحكم إذ كل منهما لا غنى عنه. ولوجب في نحو: قلنسوة قلب الواو ياء، والضمة كسرة لرفضهم الواو المتطرفة بعد ضمة، ومن ثم اختار بعضهم أن ذلك السكون لتمييز الفاعل من المفعول في نحو: أكرمنا بسكون الميم، وفتحها، وحملت التاء ونون النسوة
---(1/76)
على نا لأن كلاً منهما ضمير رفع متصل متحرك، وخص الفاعل بالسكون لشدة احتياج الفعل إليه فخفف فيه. وأما نحو ضربا مما اتصل به ألف الاثنين ففتحته أصلية لا لمناسبة الألف لسبق البناء عليها بخلاف نحو: غلامي في الجر فإن كسره لمناسبة الياء لا للإعراب لسبق الإضافة على دخول العامل فتدبر.
قوله: (وَهُوَ مَبْنِيٌّ عِنْدَ البصْرِيينَ) أي على ما يجزم به مضارعه لو كان يجزم من سكون في صحيح الآخر ملفوظ كأضرب، أو مقدر كرد، واضرب الرجل، أو حذف نون في الأفعال الخمسة، أو حرف علة في المعتل. ومنه: هات وتعال إذ لو كان لهما مضارع لجزم بذلك، ولا برد أمر الواحد المؤكد، وأمر الإناث حيث يبنيان كمضارعهما على الفتح والسكون لأجل النونين صحيحين كانا، أو معتلَّين لا على ما يجزم به المضارع لإمكان أن يقدر بناؤهما على سكون، أو حذف منعه تلك النون. ولا يقال: المضارع معهما مبني لا معرب لأنه يثبت له محل الجزم والنصب كما قاله غير واحد، أو يقال لو كان معرباً ولو قيل باستثناء هذين من حكم الأمر لقيام المانع بهما لم يبعد فتدبر.
فائدة: قد يحذف حرف العلة من الأمر المعتل فلا يبقى منه إلا حرف واحد نحو: إِ، من الوَأيِ كالوعد لفظاً ومعنى. وأصله أَوْئَى حذفت واوه كما تحذف من المضارع المبدوء بالياء نحو: يوئى لوقوعها بين عدوتيها الياء والكسرة، ثم همزة الوصل لتحرك ما بعدها ثم بني على حذف آخره كما يجزم المضارع فبقي منه حرف واحد وهو عين الكلمة. وهكذا كل فعل معتل الفاء واللام، وقد جمعها المصنف مبيناً كيفية إسنادها للواحد المذكر ثم المثنى مطلقاً ثم الجمع المذكر ثم الواحدة ثم جمعها فقال:
إِنِّي أَقُولُ لِمنْ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ
قِ المُسْتَجِيرَ قِيَاهُ قُوهُ قِي قِين
وإنْ صَرَفت لِوَالٍ شغل آخر قل
لِ شغل هذا لِياه لوه لي لين
وإِنْ وَشَى ثَوْبَ غَيري قْلْتُ في ضَجرٍ
---
شِ الثَّوْبِ وَيْكَ شَياهُ شوه شي شين(1/77)
وَقُلْ لِقَاتِلِ إِنْسَانٍ عَلَى خَطَإ
دِ مَنْ قَتَلتَ دِياه دوهُ دي دين
وإن هموا لم يروا رأيي أقول لَهمْ
ر الرأيُ ويكَ رَياه روه ري رين
وإن هموا لم يَعوا قولي أقولُ لهم
ع القولَ منى عياه عوهُ عي عين
وإن أمرْتَ بوأي للمحب فقُلْ
إِ مَنْ تحب إياهُ إوهُ إي إين
وإن أردتَ الونى وهو الفتورُ فَقُلْ
نِ يا خليلي نِياهُ نوهُ ني نين
وإن أبى أن يفي بالعهدِ قلتَ لهُ
ف يا فلانُ فِياهُ فوه في فين
وقل لساكن قلبي أنْ سِواكَ بِهِ
ج القلبَ منّي جِياهُ جوهُ جِي جِينُ
فهذه عشرة أفعال كلها بالكسر إلاّ رَ فيفتح في جميع أمثلته لفتح عين مضارعه وكلها متعدية إلا ن فلازم لأنه بمعنى تأن، فالهاء في نياه هاء المصدر لا المفعول به وإذا وقع قبل ا ساكن صحيح جاز تخفيف الهمزة بنقل حركتها إلى ما قبلها فلا يبقى من الفعل إلا حركة نحو: قل بالخير يا زيد، بكسر اللام قل فعلا أمر من القول، والوأيُ. وبهذا ألغز الدماميني من مجزوّ الرجز:
أَقُولُ يَا أَسْمَاءُ قُو
لِي ثُمَّ يَا زَيْدُ قُلِ
وذاك جملتان والثاني ثلاث جمل أي جملة النداء، وجملة القول، وجملة الأمر من الوأي، والباقي من هذه حركة اللام من قل كما قال بعضهم:
فِي أَيِّ لفظ يَا نُحَاةَ المِلَّهْ
حَرَكَةٌ قَامَتْ مَقَامَ الجُمْلَهْ
وقال شيخنا الإمام العطار:
نُحَاةَ العَصْرِ ما حَرْفٌ إذا مَا
تَحَرَّكَ حَازَ أَجْزَاءَ الكَلامِ
بِهِ التَّحْريكُ قَامَ مَقامَ فعلٍ
بِهِ استَتَرَ الضِّميرُ على الدَّوَامِ
قوله: (وَمُعْرَبٌ عِنْدَ الكُوفِيينَ) أي مجزوم بلام الأمر مقدرة لأنه عندهم قطعة من المضارع المجزوم بها فحذفت اللام تخفيفاً ثم حرف المضارعة خوف الالتباس بغير المجزوم عند الوقف. ثم يؤتى بهمزة الوصل عند الاحتياج إليها.
قوله: (هُوَ المُضَارعُ) تقدم علة إعرابه فلا تغفل.
---
قوله: (وَالفِعُلْ مَبْنِيُّ مَعَهَا) أي إن اتصلت به وباشرته لفظاً كما مثله، أو تقديراً كقوله:(1/78)
لا تُهينَ الفقيرَ علَّكَ أَنْ تَرْ
كَعَ يَوما والدَّهْرُ قَدْ رفَعَهْ
أصله لا تهينَنْ بالنون الخفيفة حذفت للساكنين، وبقي الفعل مبنياً على الفتح في محل جزم بلا الناهية، وإنما بني مع النون لمعارضتهما سبب إعرابه. وهو شبهه بالاسم لكونهما من خواص الأفعال فرجع إلى أصله، ولم يبن مع لم وقد والتنفيس، وياء الفاعلة مع أنها من خواصه أيضاً لقوة النونين بتنزيلهما منزلة الجزء الخاتم للكلمة. ولا كذلك ما ذكر نعم ياء الفاعلة كالجزء لكنها حشو لا آخر إذ بعدها نون الرفع فلم تقوَ كالنون فتدبر.
فإن قلت: البناء أصل في الأفعال لا يحتاج إلى علة، أجيب بأن إعرابه صار كالأصل لقوة شبهه بالاسم فاستحق السؤال عن خروجه عنه، وبني على حركة مع نون التوكيد ليعلم أن له أصلاً في الإعراب، وخَص بالفتح لتعادل خفته ثقل تركيبه معها كخمسة عشر.
قوله: (هَلْ تَضْرِبَانِّ) بالنُّون الثقيلة إذ لا تقع الخفيفة في فعل الاثنين، ولا جماعة الإناث. وهي مكسُورة لشبهها بنون المثنى في وقوعها بعد ألف كما سيأتي.
قوله: (لِتَوالي الأَمْثَالِ) أي الزوائد لأنه هو المستكره فلا يرد النسوة جنن، ويجنن لأن الزائد فيه الأخيرة فقط، ولم تحذف نون التوكيد لعدم ما يدل عليها. ونون الرفع يدل عليها التجرد من الناصب، والجازم.
قوله: (هَلْ تَضْرِبَنَّ الخ)؟ بضم الباء في هذا وكسرها في الثاني.
---
قوله: (لالتقاء الساكنين) أي لدفعه إن قلت: هو هنا على حده لكون الأول من الساكنين حرف مد، والثاني مدغماً، وهما في كلمة واحدة لأن الواو والياء كجزئها فلمَ لم يقبل كما قيل في نحو دابة؟ أجيب بأن الساكنين هنا من كلمتين لا كلمة واحدة إذ الواو والياء كلمة مستقلة، وكونهما كالجزء لا يعطيهما حكمه من كل وجه فلم يغتفر التقاؤها لثقله، وإنما اغتفر في فعل الاثنين لأن حذف الألف يوجب فتح النون لفوات شبهها بنون المثنى فيلتبس بفعل الواحد.(1/79)
قوله: (إِلاّ إِذا باشَرْتَهُ الخ) ضابط ذلك أن ما يرفع بالضمة يبنى مع النون لتركبه معها، وما يرفع بالنون لا يبنى إذ لا تركب مع الفاصل.
قوله: (مَبْنِيُّ مَعَهَا عَلَى السُّكُونِ) تقدم علة بنائه. وأما سكونه فلشبهه الماضي المتصل بها في صيرورة النون جزءاً منه، فحمل عليه في سكون الآخر لفظاً وإن كان سكون الماضي ليس بناء كما مر هذا ما ظهر، وما في الأشموني، وحواشيه لا يخلو عن نظر، وإنما احتاج لحمله على الماضي لأن الموجب لسكون الفعل معها وهو كراهة أربع حركات أو نحوه. لم يوجد فيه بل في الماضي فقط فتدبر.
قوله: (بَلِ الخِلاَفُ موجُودٌ) أي فذهب قوم منهم ابن طلحة(2)، والسهيلي(3)، وابن درستويه(4) إلى أنه معرب بإعراب مقدر منع من ظهوره شبهه الماضي في صيرورة النون جزءاً منه.
قوله: (وَكُلُّ حَرْفٍ مُسْتَحِقٌّ لِلْبِنَا) اعترض بأنه لا يلزم من استحقاق البناء حصوله بالفعل مع أنه المقصود ورد بأن حصوله يعلم من قوله، ومبني لشبه من الحروف، والغرض هنا بيان استحقاقه له، أو من كون الواضع حكيماً يعطي كل شيء ما يستحقه أو تجعل أل للعهد الحضوري أي للبناء الحاضر فيه، والقائم به.
قوله: (وَالأَصْلُ فِي المَبْنِيِّ) أي الراجح فيه أو المستصحب لا الغالب إذ ليس غالب المبنيات ساكناً.
---
قوله: (أَنْ يُسَكَّنَا) في تأويل مصدر مبني للمفعول لكون الفعل كذلك أي كونه مسكناً فصح كونه وصفاً للكلمة، وإلا فالتسكين وصف الفاعل.(1/80)
قوله: (وَمِنْهُ الخ) فيه إشارة إلى أن منه ما بني على غير المذكورات مما ينوب عنها فينوب عن السكون الحذف في الأمر المعتل، وأمر غير الواحد، وعن الضم الألف، والواو في نحو: يا زيدان ويا زيدون. وعن الفتح الكسر، والياء في نحو: لا مسلمات ولا مسلمين، لا الألف خلافاً لما في النكت، وأما نحو «لا وتْرَانِ في ليلةٍ» ففتحه مقدر لأن من يلزم المثنى الألف يقدر إعرابه عليها كالمقصور فكذا بناؤه، وأما نحو: لا أباً لك فهو على قول سيبويه إنه مضاف للكاف، واللام زائدة معرب لا مبني كما سيأتي في باب لا وعلى كونه غير مضاف إنما يبنى على ما ينصب به، وشرط نصبه بالألف كونه مضافاً، وهذا مفرد فالظاهر أن فتحه مقدر عليها أيضاً بناء على لغة قصره، وعلى هذا يخرج قوله
15 ــــ أَخَاكَ أَخَاكَ إِنَّ مَنْ لاَ أَخاً لَهُ
كَسَاعٍ إلى الهَيْجَا بِغيْرِ سِلاَحِ
فتدبر. قال في النكت: وينوب عن الكسر الفتح في سحر عند من يبنيه. ولعله سهو لأن الفتح إنما ينوب عنه فيما لا ينصرف وسحر عند من يبنيه ليس كذلك، لأن ما لا ينصرف لا يبنى إلا للنداء، أو لاسم لا. وليس شيء منهما مكسوراً فلا ينوب الفتح عن كسر البناء أصلاً كالياء فتدبر.
واعلم أن حرف البناء لا يكون إلا ظاهراً كما مثل وأما حركته فظاهرة، أو مقدرة كضرب وضربت، وكذا السكون كمن وإذا فإن إذا مبنية على سكون مقدر منعه السكون الأصلي في الألف كما تمنع الحركة الحركة، لأن ذات الألف لا تقبل غيره فوجب كونه ذاتياً لا من تأثير البناء بخلاف نحو: هؤلاء حيث تجعل حركته للبناء أغنت عن حرك البنية لأنه يقبلها وغيرها فتخصيص الكسرة من تأثير البناء أفاده الأمير.
قوله: (والسَّاكِنُ كَمْ) فيه إشارة بلطف إلى كثرة أمثلته.
---
قوله: (إِذْ لاَ يَعْتَوِرُهَا) أي لا يتعاقب عليها ما تفتقر أي معان تركيبية تفتقر الخ.(1/81)
قوله: (لأَنَّهُ أخَفُّ) أي للزومه حالة واحدة فيعادل ثقل المبني، ولأن الأصل في الإعراب الحركة لأنه أصل الأسماء التي لا جزم فيها فضده يكون بضدها.
قوله: (وَلاَ يُحَرَّكُ المَبْنِيُّ إِلا لِسَبَبٍ) .
أعلم أنّ ما بني على السكون من الأفعال والحروف لا يسأل عنه لمجيئه على أصل البناء، وهو السكون، ومن الأسماء فيه سؤال واحد: لمَ بنيَ؟ وما بنيَ على حركة من الأفعال والحروف فيه سؤالان: لمَ حرك؟ ولمَ كانت الحركة كذا؟ ومن الأسماء فيه ثلاثة أسئلة: لِم بني؟ ولم حرك؟ ولم كانت الحركة كذا؟ وقد علمت أسباب أصل البناء، وأما التحرك فأسبابه خمسة: التقاء الساكنين كأين وكون الكلمة على حرف واحد كبعض المضمرات، أو عرضة للبدء بها كباء الجر، أو لها أصل في الإعراب كقبل، وبعد، أو شابهت المعرب كالماضي المشبه للمضارع فيما مر. هذا ما ذكروه، ولا يصلح واحد منها سبباً لتحريك هو وهي لكن رأيت نقلاً عن الرضي ما نصه الصحيح أن الضمير جملة هو وهي كما عليه البصريون وإنما حركا لتصير الكلمة مستقلة حتى يصح كونها ضميراً منفصلاً إذ لولا الحركة لتوهم كونهما للإشباع كما ظن الكوفيون انتهى.
فهذا سبب سادس وهو الدلالة على استقلال الكلمة أو أصالة المحرك، فإن قيل: كيف تعد حركة الساكنين والإتباع الآتي من البناء مع قولهم في تعريفه: وليس إتباعاً، ولا تخلصاً من سكونين؟ أجيب: بأن محل ما هنا إذا كانا في كلمة واحدة كأين ومنذ للزوم الحركة، وما في التعريف إذا كانا في كلمتين: كاضرب الرجل، والحمد الله، بكسر الدال لأن المقتضي للحركة حينئذ مجرد التخلص مثلاً وهو منتفٍ عند فصلهما، أو أن ما هنا إذا صلح غير تلك الحركة فتخصيصها من تأثير البناء، وما في التعريف إذا لم يصلح غيرها نحو: قل ادعوا فتأمل.
---(1/82)
قوله: (وَقَدْ تَكُونُ الحَرَكَةُ فَتْحَةً) من أسبابها الخفة كأين، ومجاورة الألف كأَيّان، والفرق بين أداتين كيا لزيد لعمرو، كسرت الثانية على أصل لام الجر، وفتحت الأولى للفرق بين المستغاث به وله، وكفتح لام الابتداء لتخالف لام الجر غالباً في نحو: لِمُوسَى عَبْدٌ. وقد يلتبسان نحو: إِنَّ الزَّيْدَيُنِ لَهُمْ عَبِيدٌ والإتباع ككيف إذ الساكن حاجز غير حصين، ويمكن مثله في أين لكن الخفة أولى بها لثقلها بالهمزة.
قوله: (كأين) بني لتضمنه معنى الاستفهام، أو الشرط، ولا يخفى حكمة تعداد الأمثلة.
قوله: (وقد تكون كسرة) من أسبابها مجانسة العمل كباء الجر. ولا ترد الكاف، وواو القسم وتاؤه، لأنها لا تلزم عمل الجر إذِ الكاف ترد اسماً كمثل، والواو، والتاء للعطف، والخطاب ففتحت للخفة نعم ترد اللام مع الضمير للزومها الجر، ولعلها لم تجانسه لعدم ظهوره فيه. ومنها الحمل على المقابل ككسر لام الأمر حملاً على لام الجر مع الظاهر لاختصاص كل بقبيل، والإشعار بالتأنيث كانت إذ الكسر اللفظي يشعر بالمعنوي الذي للمؤنث، والإتباع كذِهِ وِتِه. وكونها أصل التخلص من الساكنين كأمس. وإنما كانت أصلاً لأنها ضد السكون لاختصاص كل بقبيل، وإنما يتخلص من الشيء بضده، ولعدم التباسها بحركة الإعراب إذ لا تكون إعراباً إلا مع التنوين أو أل أو الإضافة.
قوله: (كأمس) شرط بنائه خلوه من أل، والإضافة، والتصغير والتكسير، وأن يراد به معين. وهو اليوم الذي يليه يومك خاصة، أو اليوم المعهود وإن بعد على ما استظهره الشنواني فيكون كالمحلى بأل أما المنون فيعم كل أمس فإذا اجتمعت هذه الشروط بني على الكسر مطلقاً عند الحجازيين لتضمنه معنى أل إذ هو معرفة بغير أداة ظاهرة بدليل وصفه بالمعرفة في قولهم: أمس الدابر لا يعود. وأما تميم فبعضهم يعربه كما لا ينصرف مطلقاً لشبه العلمية. والعدل عن الأمس بأل وعليها قوله:
16 ــــ لَقَدْ رَأَيْتُ عجَباً مُذْ أَمْسَا
---(1/83)
وأكثرهم يعربه كذلك في الرفع فقط لشرفه، ويبنيه على الكسر في غيره عملاً بالموجبين. وحكي فيه أيضاً البناء على الكسر منوناً، وإعرابه منصرفاً منطلقاً فهذه خمس لغات كلها في غير الظرف أما الظرف مع استيفاء الشروط كفعلته أمس فمبني إجماعاً كما نقل عن الموضح وإن نوزع في حكاية الإجماع بنقل الزجاج جواز كونه كسحر ظرفاً وإن فقد شرطاً منها أعرب إجماعاً ظرفاً كان أو غيره، لفوات شبه الحرف في عدم الشرط الأخير، ولمعارضته بخواص الأسماء في غيره وأما قوله:
17 ــــ وَإنِّي وقَفْتُ اليومَ والأمسَ قَبْلَهُ
بِبَابِكَ حتّى كادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ
على رواية كسره فخرج على زيادة أل، أو أنه عطف على توهم أنه قال: وقفت في اليوم، والأمس فيكون معرباً. والفرق بين العدل والتضمين أن الأول يجوز فيه ذكر أل، والثاني يؤدي معناها مع طرحها، وامتناع ذكرها والله أعلم.
قوله: (وَجَيْرِ) بفتح الجيم وسكون التحتية وكسر الراء حرف جواب كنعم.
---
قوله: (وَقَدْ تَكُونُ ضَمةً) من أسبابها الإتباع كمنذ. وأن لا تكون للكلمة حال إعرابها كالغايات. وكونها في الكلمة تقابل الواو في نظيرتها كضمة نحن المقابلة لواوهم لتقابلهما تكلماً، وغيبة. والشيء يحمل على مقابله، أو ليتناسبا لفظاً كتناسبهما جمعاً، وإضماراً وكونها تجبر فوات الإعراب لكونها أقوى الحركات كيا زيد في قول كأي الموصولة إذا بنيت. ويمكن جريان هذه في كل مادة، ومشابهة الغايات في الإعراب في بعض الأحوال كأي ويا زيد. أو في عدم الضم حالة الإعراب كيا زيد ولك أن تجعل وجه شبهه بها صيرورته آخراً في النطق مثلها بعد حذف المضاف إليه لأنها إنما سميت غايات لذلك. أو في القطع عن الإضافة كحيث فإن إضافتها إلى الجمل كلا إضافة إذ هي في الحقيقة لمصادرها فكأن المضاف إليه محذوف كالغايات حال بنائها فحملت عليها في الحركة لا في أصل البناء لأنه أصلي في حيث عارض في الغايات فتدبر.(1/84)
قوله: (وَمُنْدُ) هو ومذ حرفا جرِّ إذا جر ما بعدهما واسمان إذا رفع نحو: ما رأيته منذ، أو مذ يومان فهما إما مبتدأ المعنى أمد انقطاع الرؤية يومان، أو خبر مقدم والمعنى بيني وبين رؤيته يومان. ولعل علة بنائها حينئذ شبه الحرف في الجمود إذ لا يتصرف فيهما بتثنية، ولا غيرها ويلزمان الرفع.
قوله: (نَحْوَ كَمْ) بنيت لتضمنها الاستفهام أو معنى رُبَّ التكثيرية لا للشبه الوضعي لفوات شرطه المار.
قوله: (أَجَلْ) بفتح الهمزة والجيم حرف جواب كنعم.
قوله: (لاَ يَكُونُ فِي الفِعْلِ) أي لثقله وإنما دخله ضم الإعراب لعدم لزومه، وتمثيل الكسر بنحو ارْمِ. والضمّ بنحو رُدَّ بالإتباع فاسد لأنَّ بناء الأول على الحذف، والثاني على سكون مقدر. وقد علمت ما في ضربوا.
---(1/85)
قوله: (والرَّفْعُ الخ) مفعول أول لأجعل، وإعراباً مفعوله الثاني. ولا يرد أن الفعل المؤكد لا يتأخر عن معموله لئلا ينافي الاهتمام بتأكيده لأنه للضرورة، وقد استعمله المصنف كثيراً كقوله: وبه الكاف صلا ونحوه، وهذا أسهل من جعله مبتدأ خبره الجملة الطلبية مع حذف الرابط لاحتياج الخبر الطلبي لتأويلٍ ما كما سيأتي. قيل: وفي هذا البيت بيان مذهبه من أن الإعراب لفظي ورد بأن الرفع، وأخواته إعراب على كلا المذهبين لأنها أنواعه قطعاً. والخلاف إنما يظهر في الضمة وأخواتها فعلى أنه لفظي هي نفس الإعراب، ويعرف حينئذ بأنه الحركات، ونوابها التي يجلبها العامل وعلى أنه معنوي علامته، ويعرف حينئذ بأنه تغيير أواخر الكلم الخ. والرفع على الأول هو نفس الضمة وما ناب عنها، وعلى الثاني تغيير مخصوص علامته ذلك. وأما البناء فعلى أنه لفظي هو الحركات والسكنات، ونوابها اللازمة لغير عامل ولا اتباع، ولا نقل، ولا تخلص من سكونين. وعلى أنه معنوي لزوم آخر الكلمة حالة واحدة وأنواعه تسمى عند البصريين ضماً وفتحاًوكسراً وسكوناً. فالضم على الأول هو نفس الضمة اللازمة وما ناب عنها، وعلى الثاني لزوم مخصوص علامته ذلك، وأنواع الإعراب تسمى بالرفع وأخواته. والكوفيون لا يفرقون بين أسمائهما ولقد أحسن من نظم ألقابهما بقوله:
k
لَقَدْ فتحَ الرحمنُ أَبْوَابَ فَضْلِهِ
ومَنَّ بِضَمِّ الشَّملِ فانجبَرَ الكَسْرُ
وَمَن سَكَّنَ القَلْبَ انْتَصَبْتُ لِشُكْرِهِ
لِجَزْمِي بأنَّ الرَّفعَ قَدْ جَرَّهُ الشُّكْرُ
قوله: (قَدْ خُصِّصَ بِالجَرِّ) الباء داخلة على المقصور كما هو الأكثر، وإنما أعاد ذلك بعد ذكره في العلامات لبيان اختصاص كل من الاسم والفعل بنوع من الإعراب، وما مر لكونه علامة فلا تكرار.
---(1/86)
قوله: (فَارْفَعْ بِضَمِّ الخ) الباء للتّصوير، أو المعنى ارفع معلماً بضم، ولا ينافيه كون الحركات عند المصنف هي نفس الإعراب لا علامته لأن كونها إعراباً من حيث عموم كونها أثراً جلبه العامل لا ينافي أن خصوص إحداها علامة على وجود مطلق الإعراب من تعليم وجود الكلي بجزئيه، وإن اشتهر على هذا القول أن يقال مرفوع، ورفعه ضمة لا علامة رفعه فإن قيل كان الأولى أن يقول ارفع برفعة لا بضم لأنه لقب البناء كما مر أجيب بأن الخاص بالبناء هو الضم، وأخواته، وبالإعراب الرفع، وأخواته، وأما الضمة فمشتركة بينهما غاية الأمر أنه تسمح في إطلاق الضم على الضمة مع أن الرضي نص على أن الضم، وأخواته يطلق عند البصريين على حركات الإعراب تسمحاً مع القرينة والمقام هنا قرينة واضحة، وأما عند الإطلاق فلا تنصرف إلا لحركات غير إعرابية كضم البناء والبنية في حيث وقفل ا هـ. وعلى هذا فهي أكثر مورداً من ألقاب الإعراب. ولعل ذلك هو وجه استعمال الضمة، وأخواتها فيهما دون الرفعة، وأخواتها فتدبر.
قوله: (فَتْحاً وَجَرّاً كَسْراً) الأقرب نصبهما بنزع الخافض ليوافقا قوله بضم، وبتسكين، ولأن المعنى عليه، وكونه سماعياً على الراجح لا يبعد اختصاصه بما إذا لم يذكر الحرف في نظيره. وقد مر أن المصنفين أجروه كالقياس لكثرة سماعه أفاده الصبان. قوله: (كَذِكْرِ الله) مبتدأ خبره يسر، وعبده مفعول به إما لذكر، أو ليسر، والجملة مجرورة بالكاف لقصد لفظها، والجار والمجرور، خبر لمحذوف أي وأمثلة الثلاثة كذكر الله الخ.
قوله: (جَا أَخُو) بقصر جا لأن الهمزتين من كلمتين إذا اتفقتا حركةً جاز حذف إحداهما كما قرىء به في السبع نعم هو متعين هنا للضرورة، وَنَمِر كَحَذِر أبو قبيلة.
---(1/87)
قوله: (أَنْواعُ الإعْرَابِ) جعله الرفع. وأخواته أنواع الإعراب باعتبار مدلولاتها، وهي الحركة ونوابها أو التغييرات المعلَّمة بها لا ينافي جعلها ألقابه أي أسماءه من حيث ألفاظها. والمراد ألقاب أنواعه لا نفسه فتدبر.
قوله: (فَيَخْتَصُّ بِالأَسْمَاءِ) أي لأن المجرور مخبر عنه في المعنى، ولا يخبر إلا عن الاسم واختص الجزم بالفعل ليكون كعوض الجر.
قوله: (يَكُون بالضَّمَّةِ) أي مصوَّراً بها، أو معلماً بها على ما مرَّ.
قوله: (كما نابت الواو الخ) الحاصل، أنه ينوب عن أربع حركات الأصول عشرة أشياء فينوب عن الضمة الواو والألف والنون وعن الفتحة الألف والكسرة والياء وحذف النون، وعن الكسرة الفتحة والياء، وعن السكون الحذف. وهذه العشرة متفرقة في سبعة أبواب الأسماء الستة، والمثنى وجمْعَي المذكر والمؤنث، وما لا ينصرف، والأمثلة الخمسة، والفعل المعتل وهي مراد الشارح بمواضع النيابة. وبدأ المصنف منها بالأسماء لشرفها وقدم منها ما ناب فيه حركة عن حركة. وهو الاسماء الستة. والمثنى، والجمع على ما ناب فيه حركة عن حركة. وهو جمع المؤنث، وما لا ينصرف لأن الأصل في النيابة الحروف، ونيابة الحركات خلاف الأصل لأنها أصلية في ذاتها ولو قدم الثاني لكان له وجه لأنه معرب بالأصل في الحالتين. والأول معرب بالفرع في جميع الأحوال والنكات لا تتزاحم وقدم الأسماء الستة لسبق المفرد على غيره.
قوله: (وَارْفَعْ بِوَاوٍ) الأولى تعريفه بالفاء كما في نسخ وبياء بالمد، وما موصولة بأصف حذف عائدها أي أصفه. أي أذكره لك وهي في محل نصب تنازعها الأفعال الثلاثة قبلها فأعمل فيها الأخير وحذف مما قبله ضميرها لكونه فضلة. ولو أعمل غير الأخير لوجب الإبراز فيما بعده كما سيأتي ومن الأسماء بيان لما على الأظهر فهو حال منها، أو من ضميرها على قاعدة البيان، وحذف همزة الأسماء للضرورة لاختلاف حركتي الهمزتين.
---(1/88)
قوله: (وُفُوه) أضافه وما بَعْدَهُ دون باقيها إشارة إلى أنهما لا يقطعان عن الإضافة أصلاً بخلاف غيرهما.
قوله: (وَالصَّحِيحُ الخ) هو مذهب سيبويه، وجمهور البصريين وصححه في التسهيل لأن الحركات هي الأصل فلا يعدل عنها مع إمكانها. لكن قال في شرحه إعرابها بالحروف أسهل وأبعد عن تكلف التقدير لحصول فائدة الإعراب. وهي بيان مقتضى العامل بنفس الحروف، وإن كانت من بنية الكلمة لصلاحيتها لذلك. كما هي في المثنى، والجمع من بنيتهما. وهذان المذهبان أقوى اثني عشر مذهباً في إعرابها ساقها في الهمع.
قوله: (بِحرَكَاتٍ مُقَدَّرَةٍ) أي وأتبع فيها ما قبل الآخر للدلالة على أنه محل الإعراب في غير حالة الإضافة نحو: إِنَّ لَهُ أَباً فَقَدْ سُرِقَ أخٌ لَهُ}
(يوسف: 76)
فأصلها تحريك الواو للإعراب، وما قبلها للإتباع فتسكن الواو في الرفع لثقله، وتقلب الفاً في النصب لتحركها، وانفتاح ما قبلها، وياء في الجر لكسر ما قبلها.
قوله: (مِنْ ذَاكَ) أي مما أصفه، وهو خبر مقدم، وذو مبتدأ مؤخر، ورفعه مقدر على الواو لا بها لأن شرط إعرابه بالحروف قصد معناه مع إضافته. والمقصود هنا لفظه، وبدأ بذو لتعين إعرابه بالحروف أبداً، وثنى بالفم لتعينه حالة عدم الميم إذا خلا من ياء المتكلم، وأخر الهن لقلته فيه كما سيبين وأصله عند سيبويه ذوي كجبل، وعند الخليل ذوّ بشد الواو، وأصل فوك عندهما فوه. كضرب، والفراء بضم فائه حذفت لامهما اعتباطاً، وبقيت العين حرف إعراب وتبدل في الثاني مما عند عدم إضافته لتقبل الحركة، والتنوين، وقد تبدل مع الإضافة إجراء لها مجرى عدمها كقوله:
كَالْحُوتِ لاَ يُلْهِيهِ شَيْءٌ يَلْقَمُهْ
يُصْبِحُ ظَمْآن وَفِي البَحْرِ فَمُهْ
---(1/89)
ومنه في النثر حديث: «لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ»(2) الخ كذا في الأشموني، ونقل الروداني عن المصنف أن للفم أربع مواد كلها أصول على الصحيح هي: ف م و ف م ي و ف م م و ف و ه وعلى هذا فليست الميم بدلاً فتدبر.
قوله: (إِنَّ صُحْبَةً) مفعول لمحذوف يفسره أبان المذكور لاشتغاله بضمير مقدر أي أبانها أي أظهرها لا مفعول مقدم للمذكور لأن أداة الشرط لا يليها إلا فعل ظاهر أو مقدر كذا في يس أي وتقديم المفعول يفصل بينها، وبين الفعل لفظاً.وكون رتبته التقديم لا يصيره مقدراً بعدها، أما المحذوف فيفصلها من الاسم تقديراً، وفرق بين التلوّ الرتبي، والتقديري. ولذا أجاز الكسائي: هل زيداً رأيته، دون رأيت، بلا ضمير كما مر فتدبر.
قوله: (والفُمُ) عطف على ذو، وحيث هنا ظرف للمكان الاعتباري، وناصبها متصيَّد من الكلام السابق أي يعرب الفم بالحروف في كل تركيب تفصل منه فيه الميم فلا حاجة لجعلها للزمان على رأي الأخفش، بل ولا لتضمنها معنى الشرط كما قيل والمراد بانفصال الميم مطلق مفارقتها، وإن لم يسبق وجودها فلا يقتضي أنها الأصل حتى ينافي ما مر. ولا يرد أن الفم بلا ميم هو الفاء وحدها، ولا تعرب أصلاً لأنه ليس المراد به اللفظ بل العضو المخصوص على حذف مضاف. أي ودال الفم الخ.
قوله: (بَلْ تَكُونُ مَبْنِيَّةً) أي على سكون الواو عند بعض طيء، وبعضهم يعربها بالحروف حملاً على ذي بمعنى صاحب فلو قال: ذوان أعرب كما في الكافية، والعمدة لشملها على لغة إعرابها.
قوله: (وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ) أي على روايته بالواو، وهي المشهورة وروي بالياء على لغة إعرابه، ولا شاهد فيه حينئذ. وكرام خبر مبتدأ مقدر أي فالناس إما كرام الخ. ولقيتهم صفته وحسبي إما مبتدأ أو ما كفاني خبره أو العكس وهو أظهر ومن ذو عندهم متعلق بحسبي أو بكفاني. والمعنى أن ما كفاني من الذي عندهم، أي أشبعني، هو حسبي لا أطلب زيادة عليه.
---(1/90)
قوله: (فَإِنْ لَمْ تَزَلْ الخ) فيه حينئذ ثلاث عشرة لغة إعرابه على الميم مخففة كدم، أو مشددة كعم، أو إعرابه مقصور كفتى، أو منقوصاً كقاضٍ مثلث الفاء فيهن، والثالثة عشر اتباع فائه لميمه في الحركة، وفصحاهن كدم. وحكى الدماميني: فوه وفاه وفيه بإعرابه على الهاء منوّنة وجمع الثلاثة أفواه فجملة لغاته التي تعربه بالحركات ستة عشر.
قوله: (أَبٌ) مبتدأ، وهو معرفة بقصد لفظه، وأخ وحم معطوفان عليه بحذف العاطف، وكذاك خبر كالمذكور من ذوو الفم في الحكم، وهي إما معطوف على أب، أو مبتدأ حذف خبره أي كذاك فيكون من عطف الجمل. ووزن هذه الأربعة عند البصريين كسبب بدليل قصرها وجمعها على أفعال ولو كانت ساكنة العين كما قيل ما صح فيها ذلك ولامها واو، ولا تحذف إلا مع قطعها عن الإضافة.
قوله: (والنَّقْصُ) مراده به حذف اللام، والإعراب على العين لا النقص للتعارف في قاض.
قوله: (يَنْدُرُ) أي النقص.
قوله: (وَقَصْرُهَا) أي إعرابها كفتى فتقلب لامها ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها لأن عينها مفتوحة لا ساكنة كما مر. وأفرد الضمير هنا، وجمعه فيما بعد إشارة لجواز الأمرين، وإن كان الثاني أكثر في عدد القلة كما هنا. وقوله: من نقصهن متعلق بأشهر، وقدمه عليه لأنه يجيز تقديم من على أفعل مطلقاً ولكن الأصح منعه في غير الاستفهام ولا حجة في قوله:
18 ــــ إِذَا سَايَرَتْ أَسْمَاءُ يَوْماً ظَعِينَةً
فَأَسْماءُ مِنْ تِلكَ الظَّعِينةِ أَملَحُ(1)
لأنه ضرورة ومقتضاه أن النقص شهير في كلها، وهو كذلك وأما ندرته في أب وتالييه فنسبية على أنه لا تنافي بين الشهرة والندرة فتدبر.
قوله: (وَحَمُوهَا) فيه جرى على اختصاص الحم بأقارب الزوج أباً كان أو غيره فلا يضاف إلا للمؤنث، وقيل: يطلق على أقاربهما معاً فيضاف للزوج أيضاً.
---(1/91)
قوله: (هذا هَنُ زَيْدٍ)،أي شيئه لأنه كناية عن أسماء الأجناس مطلقاً، وقيل عما يستقبح ذكره، وقيل عن الفرج خاصة وفي المصباح أنه يكنى به عن اسم الإنسان أيضاً تقول جاء هن وفي الأنثى هنة.
قوله: (مَنْ تَعَزَّى الخ) ساقط في نسخ وقوله: تعزى أي انتسب بانتساب الجاهلية بأن يقول: يا لفلان فاعضوه أي قولوا له أعضض على هن أبيك الذي انتسبت إليه، ولا تكنوا أي لا تذكروا الهن الذي هو كناية عن الذكر بل صرحوا باسمه.
قوله: (مَحْجُوجٌ) أي مقام عليه الحجة.
قوله: (بِأَبِه اقْتَدَى عَدِيٌّ الخ) هو عديّ بن حاتم الطائي صحابي، وقوله: فما ظلم، إما منزل منزلة اللام فلا مفعول له أي ما حصل منه ظلم لأنه لم يشابه أجنبياً، أو مفعوله محذوف أي ما ظلم أحداً في تلك الصفة لكونها صفة أبيه، أو ما ظلم أباه بتضييع صفته، أو أمه باتهامه فيه إذا لم يشابهه.
قوله: (بالأَلِفِ مُطْلَقاً) هي لغة بني الحارث وخثعم وزبيد وغيرهم. وعليها حديث «مَا صَنَعَ أَبَا جَهْلٍ»(2)، وقول أبي حنيفة: لا قود في مثقل ولو ضربه بأبا قبيس.
قوله: (إنّ أَبَاها الخ) ساقط في غالب النسخ، والشاهد في الثالث صراحة، وكذا في الأولين بقرينته إذ يبعد التلفيق بين لغتين.
وقوله: (غايتاها) مفعول بلغا على لغة من يلزم المثنى الألف، والضمير للمجد وأنثه باعتبار أنه صفة، أو رتبة. والمراد بالغايتين المبدأ والنهاية، أو غاية المجد في النسب، وغايته في الحسب أو الألف للإشباع لا للتثنية.
قوله: (وَشَرْطُ ذا الإِعْرابِ) أي بالحروف لأن الكلام فيه، وبدليل المثال لا القصر وإن كان هو أقرب مذكور.
قوله: (لاَ لِلْيَا) عطف على محذوف أي يضفن لأي اسم ظاهر، أو مضمر معرفة أو نكرة لا لليا، وقد مثل للجميع، ولم يقيدها بياء المتكلم لأن ياء المخاطبة مختصة بالفعل فلا تدخلها الإضافة.
---
قوله: (إذا اعْتَلا) حال من المضاف، وهو أخو لا من المضاف إليه لعدم شرطه الآتي في قوله:(1/92)
وَلاَ تُجِزْ حَالاً مِنَ المضافِ لَهْ
الخ والاعتلا بكسر التاء مصدر اعتلى أي علا وقصره للوقف.
قوله: (مُضَافَة) أي لفظاً كما مثل أو نية كقول العجاج:
19 ــــ خَالَطَ مِنْ سَلْمَى خَيَاشِيمَ وَفَا(2)
أي خياشيمها وفاها فحذف المضاف إليه، ونوى ثبوت لفظه فنصبه بالألف.
قوله: (مِنْ أَنْ لاَ تُضَافَ) أي ما عدا ذو وفوك للزومهما الإضافة كما مر.
قوله: (مَجْمُوعَةً) أي جمع تكسير، أما جمع السلامة لمذكر فتعرف إعرابه كالتثنية، وكذا المؤنث بأن يراد بها ما لا يعقل فيقال أبوات وأخوات، وهو مسموع فيما عدا فوك، وقيل فيه أيضاً.
قوله: (وَلاً تُضَافُ إِلَى مُضْمَر) أي وإن رجع إلى اسم جنس، وشذ نحو: إنما يعرف الفضل من الناس ذووه.
قوله: (إِلَى اسْمِ جِنْسٍ) المراد به ما وضع لمعنًى كلِّي، ولو معرفاً بأل قال في النكت: وإضافتها للعلم قليلة نحو: «أنا الله ذو بكة» بالموحدة لغة في مكة أي أنا صاحبها، وإلى جملة شاذة كقولهم اذْهَبْ بِذي تَسْلَمْ أي بطريق ذي سلامة. وقوله غير صفة أي نحوية، وهي المشتق فلا يقال ذو فاضل وإن كانت جميع المشتقات أسماء أجناس، أما المعنوية كالعلم والكرم فتضاف إليها، وإنما اختصت بذلك لأنها واصلة للوصف بما بعدها، والضمير والعلم لا يوصف بهما. والمشتق والجملة يصلحان بنفسهما للوصف فلم يبق إلا اسم الجنس.
قوله: (إذا بِمُضْمَرٍ الخ) الجار متعلق بوصل محذوفاً يفسره المذكور، ومضافاً حال مؤكدة من ضمير وصل العائد على كلا لأن وصل المضمر به ليس إلا بالإضافة فألفه للإطلاق لا للتثنية، وجواب إذا محذوف لدلالة ما قبله أي إذا وصل كلا بمضمر حال كونه مضافاً إلى ذلك المضمر فارفعه الخ، أو هي ظرف لا رفع مجرد عن الشرط.
---(1/93)
قوله: (كِلْتَا كَذَاكَ) مبتدأ وخبره، واثنان واثنتان مبتدأ خبره يجريان، وكابنين حال من فاعله، أو صفة لمصدر محذوف أي يجريان جرياً كجري ابنين، وإعراب هذه الألفاظ مقدر على الألف والياء لا بهما لما مر في ذوو الظاهر أنه لا يقدر على النون لأنها في الأصل بمنزلة التنوين فليست محل إعراب، وإن صارت الآن آخر اللفظ المقصود. وكذا يقال في قوله الآتي: عشرون والأهلون الخ هذا، والأظْهَر أنه يجري فيهما المذاهب الآتية في إعراب المثنى والجمع بعد التسمية بهما. ومن جملتها إعرابهما بالحروف كأصلهما فتدبر.
قوله: (وَتَخْلُفُ الْيَا) بالقصر، والمراد، أنها تقوم مقام الألف في بيان مقتضى العامل لا في النوع الخاص بها، وهو الرفع، والمراد الخلف، ولو تقديراً ليدخل نحو: لبيك مما لم يستعمل بالألف، وجرّاً ونصباً ظرفان بتقدير مضاف أي وقت جر الخ كما في: آتيكَ طُلوعَ الشَّمْسِ، لا حالان لأن مجيء المصدر حالاً سماعيٌّ.
قوله: (قَدْ أَلِفَ) كالتعليل لبقاء الفتح أي إنما بقي مع الياء لسبق ألفته مع الألف وقيل ليشعر من حيث لزومه للألف بأن الياء خلف عنها إذ الرفع أول أحواله، وإنما لم يبق الضم قبل ياء الجمع بثقله فخفف بالكسر دون الفتح للفرق بينه وبين المثنى، ولم يعكس لأن مقتضى الفتح إنما وجد في المثنى.
---(1/94)
قوله: (وَحْدَهُ لَفْظٌ الخ) الأولى اسم لأنه جنس قريب، وقوله دال الخ مخرج لما دل على واحد كسكران ورجلان أي ماش أو أكثر كغلمان وصنوان جمع صنو، والمراد دالٌّ عليهما في الحالة الراهنة إذ اسم الفاعل حقيقة في الحال فخرج المثنى المسمى به علماً كالبحرين لبلد أو اسم جنس ككلبتي الحداد فإنه ملحق بالمثنى في إعرابه لا مثنى حقيقة على أنه لو عبر بالماضي ما دخل ذلك لأن الفعل في التعاريف منسلخ عن الزمان فإن قلت: يخرج باعتبار الحال نحو حنانيك مما أريد به التكثير مع أنه مثنى حقيقة كما اختاره ابن هشام لا ملحق به. قلت استعمال ذلك الآن في غير الاثنين عارض للقرينة فلا يعتبر بخلاف البحرين، ونحوه فإنه بوضع جديد، وقد انسلخ عن وضعه الأصلي بالكلية فتدبر.
قوله: (وَعُطِفَ مِثْلُهُ) أي، وصالح لعطف مثله بعد التجريد لأن المعطوف هو المفرد لا المثنى،والمراد أن المعنى يصح مع العطف، وإن امتنع العدول عن التثنية إليه إلا لنكتة كقصد التكثير في: أعطيتك مائة ومائة، وكفصل ظاهر في نحو: رجل قصير ورجل طويل، أو مقدر كقول الحجاج: محمد ومحمد في يوم أي محمد ابني ومحمد أخي والتثنية لا تغني عن العطف بغير الواو لأن لغيرها معاني تفوت بفواته كالترتيب في الفاء.
قوله: (فَيَدْخُلُ فِي قَوْلِنَا الخ) جعل الشارح مجموع لفظ دال الخ جنساً فنحو: سكران خارج عنه لا به، وهو وإن كان خلاف المألوف أولى من الجنس البعيد فتدبر.
قوله: (نَحْوَ شَفْعَ) أي وزوج، وإنما دخل فيما ذكر لأن المراد بالاثنين ما يعم القسمين المتساويين كالشفع وغيرهما سواء كانا مفردين كرجلين، أو جمعين كجملين، أو اسمي جمعين كركبين فأخرجا بقيد الزيادة لأنهما ليسا من المثنى، ولا من الملحق به، وبمعناهما زكى بالزاي كفتى وضده خسى بمعجمة فسين مهملة قال الكميت:
20 ـــــ مَكَارِمُ لاَ تُحصَى إِذَا نَحْنُ لَمْ نَقُلْ
زَكَى وَخَسَى فِيمَا نَعُدُّ خْلالَها(1)
---(1/95)
أي لم نقل عند عدد خصال تلك المكارم هي زوج أو فرد لعدم إحصائها.
قوله: (اثْنَانِ الخ) مثلها اثنتان، وكلتا إذ لم يسمع لها مفرد فهي من الملحق بالمثنى لا مثناة حقيقة، وكذا كلا لكنها تخرج بقيد الزيادة كشفع لأنَّ ألفها بدل عن أصل واو أو ياء، وأما كلتا فألفها زائدة، وتاؤها بدل عن اللام. وقيل بالعكس.
قوله: (وَعُطِفَ غَيْرُهُ) أي مغايره في الوزن كما في قوله صلى الله عليه وسلّم: «اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ بِأَحَبَّ العُمَرَيْنِ إِلَيْكَ»(2) أي عمر بن الخطاب، وأبي جهل عمرو بن هشام فَغَلَبَ مَنْ له السعادة، أو في الحروف كمثال الشارح، وكالأبوين للأب والأم فكل ذلك تغليب، وهو ملحق بالمثنى على التحقيق لأن شرط التثنية عند الجمهور اتفاق اللفظ والمعنى، فلا يثنى اللفظ مراداً به حقيقته ومجازه.
---(1/96)
وقولهم: القلم أحد اللسانين شاذٌّ وكذا المشترك باعتبار معنييه كقرءان للحيض والطهر لئلا يلتبس بفردي أحد المعنيين، وإنما ثني العلم المشترك كالزيدين لتأوله بالمسلمين يزيد، ولعدم التباسه إذ لبس تحته أفراد، وأجاز الناظم تثنية كل منهما وجمعه مع أمن اللبس كعندي عينان منقودة ومورودة.ولا يرد على الجمهور أن نحو القمرين تثنية قمر الحقيقة،. وقمر المجاز مع أن التغليب سائغ لما صرح به غير واحد أن تغليب التثنية سماعي، ولا يقال إنه مجاز لا حجر فيه لأن كلامهم يدل على أن من أنواع المجاز ما لا يتجاوز به ما ورد، وإنما كان مجازاً لأن هيئة التثنية موضوعة للمشتركين لفظاً ومعنًى عند الجمهور فاستعمالها في المشركين لفظاً فقط مجاز كذا في حواشي التخليص نقلاً عن يس وغيره. والظاهر أن علاقة هذا المجاز المشابهة في مطلق الاشتراك لا الجزئية كما هو ظاهر، ولا المجاورة كما قيل لأن ذلك إنما هو في فرديه قبل التثنية فيتجوَّز بلفظ القمر مثلاً إلى الشمس حتى يشتركا لفظاً لعلاقة المجاورة في الذكر أو الذهن، ثم يثنى فيدل على فردين: حقيقي ومجازي كالمكررين بالعطف هذا في لفظ التثنية والجمع. أما نحو: وَلله يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّموَات وَمَنْ فِي الأَرْضِ}
(الرعد:15)
حيث استعملت من في غير العاقل لاختلاطه به وتغليبه عليه. فالظاهر أنه جمع بين الحقيقة والمجاز لا مجاز لأنها لم تستعمل في المجموع من حيث هو مجموع حتى يكون غير ما وضعت له. بل دالة على ما وضعت له وغيره من باب الكلية التي هي كتعداد أفراد حقيقية ومجازية، ومن يمنع جمعهما له أن يجعلها من عموم المجاز كأن يراد منها مطلق ذات فتعمهما هذا تحقيق المقام.
قوله: (وَهُوَ) أي المذكور من الشَّمس والقمر والمقصود الخ.
قوله: (بِزِيَادَةٍ) كاثنين واثنتين وكلتا وقوله: أو شبهها ككلا فإن ألفها أصلية كما مر. وخرج ما دل عليهما بجوهره كشفع كما مر.
---(1/97)
فائدة: شروط التثنية عند الجمهور ثمانية مجموعة في قوله.
شَرْطُ المُثَنَّى أَنْ يَكُونَ مُعْرَبَا
وَمُفْرَداً مُنَكَّراً ما رُكِّبَا
مُوافِقاً في اللَّفْظِ والمَعْنَى لَهُ
مُمَاثِلٌ لَمْ يُغْن عَنْهُ غَيْرُهِ
فلا يثنى المبني على الأصح، ونحو ذان واللذان صيغة مستقلة، وإنما تغيرا بالعوامل نظر الصورة التثنية فبنيا على ما يشاكل إعرابهما، وهذا مراد من قال إنهما ملحقان بالمثنى في إعرابه.v ونحو: يا زيدان، بناؤه وارد على التثنية، ونحو: منان ومنين زيادته للحكاية تحذف وصلاً لا للتثنية، ولا غير المفرد من المثنى وجمعي التصحيح، والجمع المتناهي، وإنما يثنى غير المتناهي، واسم الجنس، واسم الجمع لأن لها نظيراً في الآحاد، وكذا يشترط في كل جمع ولا العلم إلا بعد تنكيره بأن يراد به أي واحد مسمى به، ثم يعوض عن العلمية بأل، أو النداء لأنه يدل على التشخص والتثنية على الشيوع، والتعدد فيتنافيان. ومثلها الجمع ولهذا لا تثنى ولا تجمع كنايات الأعلام كفلان لعدم قبولها التنكير، ولا المركب كما سيبين في الجمع، ولا ما اختلف لفظُه أو معناه كما مر، ولا ما ليس له مماثل أو ثانٍ في الوجود كشمس وقمر والقمران تغليب كما مر ويمكن الاغتناء عن هذا بما قبله لأن ما لا ثاني له لم يوافق شيئاً في معناه، ولا ما استغني عن تثنيته بغيره. كما استغني بتثنية جزء وسي عن بعض وسواء وبكلا وكلتا عن تثنية أجمع وجمعاء وبستة وثمانية عن تثنية ثلاثة وأربعة. وأما قوله:
21 ــــ فَيَا رَبِّ إنْ لَمْ تَجْعَلِ الحُبَّ بينَنَا
سَواءَيْنِ فاْجْعَلْ لي عَلى حُبِّها جَلْدَا
فشاذٌّ.
---(1/98)
قوله: (كَانَا بالأَلِفِ) أي ويقدر الإعراب عليها كالمقصور، وذلك لأنهما حظاً من الإفراد والتثنية لأن لفظهما مفرد،ومعناهما مثنى فأعربا كالمفرد تارة، وكالمثنى أخرى ولما كان إعراب المثنى فرع المفرد والمضمر فرع المظهر أعطي الأصل للأصل، والفرع للفرع للمناسبة وبعضهم يعربهما كالمثنى مطلقاً، وبعضهم كالمقصور مطلقاً. ومنه قوله:
22 ــــ نِعمَ الفَتَى عَمَدَتْ إِلَيْهِ مَطِيَّتِي
فِي حِينَ جَدَّ بِنَا المَسِيرُ كِلاَنَا
فائدة: الأكثر فيهما مراعاة اللفظ وبه جاء القرآن نصاً في قوله تعالى: كِلْتَا الجَنَّتَيْنِ آتتْ أُكُلُهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً}
(الكهف:33)
وأما ضمير خلالهما فيحتمل رجوعه للجنتين، وإن كان مضافاً إليه كما يرجع مع كل للمضاف إليه وقد اجتمعا في قوله يصف فرسين تسابقا:
23 ــــ كلاهُما حينَ جدّ الجَريُ بينَهما
قد أقلَعا وكِلا أنفيهما رابي
فثنّى أقلعا أي تركا الجري مراعاة للمعنى، وراعى اللفظ في رابي بمعنى منتفخ من التعب قال في المغني: وقد سئلت قديماً عن قولك: زيد وعمر وكلاهما قائم، أو قائمان أيهما الصواب؟ فكتبت: إن قدر كلاهما توكيداً فقائمان لأنه خبر عن زيد وعمرو، أو مبتدأ فالوجهان، والمختار الإفراد. وعلى هذا، فإذا قيل إنّ زيداً وعمراً فإن قيل كليهما قيل قائمان، أو كلاهما فالوجهان ا هـ قال الدماميني: ويتعين الإفراد مراعاة للفظ في قوله:
24 ــــ كِلاَنَا غَنِيٌّ عَنْ أَخِيهِ حَيَاتَهُ
وَنَحْنُ إِذا مِتْنا أَشَدُّ تَغَانِيا(3)
وضابطه أن ينسب إلى كل منهما حكم الآخر بالنسبة إليه لا إلى ثالث. اهـ.
قوله: (والصحيح الخ) هو مذهب سيبويه والجمهور كما قالوا في الاسماء الستة، ولم يوافقهم الناظم هنا لأنه كان يجب ظهور فتحة النصب على الياء فتقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها.
---(1/99)
قوله: (بالأَلْفِ مُطْلَقاً) أي ويعربه كالمقصور مع كسر النون أبداً وبعض هؤلاء يعربه على النون كسلمان والظاهر على هذا أن نحو صالحان يمنع الصرف للزيادة والوصفية مثلاً، وخرج على الأول قراءة: إِنَّ هذان لَسَاحِرانِ}
(طه: 63)
بشد إنَّ، وحقه هذين كقراءة الأكثر لأنه اسم أن بصورة التثنية فيبنى على ما يشاكل إعرابها كما مر، وقيل اسم أن ضمير الشأن محذوفاً، وجملة هذان الخ خبرها، واللام داخلة على مبتدأ محذوف أي لهما ساحران لا على ساحران لأن لها الصَّدر فلا تدخل إلا على المقدم من المبتدأ وخبره. وحذف المبتدأ لا ينافي تأكيده باللام لوروده في غير موضع، وقيل: إن بمعنى نعم وما بعدها جملة مستقلة كما حكي أن ابن الزبير قال له رجل: إن ناقتي قد نقبت فقال أرحها قال: وأعطشها الطريق، فقال: اسقها.قال: ما جئتك مستطباً، بل مستمنحاً لعن الله ناقة حملتني إليك. قال ابن الزيبر: إن وراكبها، أي، نعم لعنها الله وراكبها لكونه رأى عدم استحقاقه انظر المغني وحواشيه.
قوله: (وَبِيَا اجْرُرْ) بقصر يا بلا تنوين للضرورة. وهو متعلق باجرر، وحذف مثله من انصب لدلالته عليه، ولم يتنازعا لتأخرهما عنه فلا يتوجه العامل الثاني إليه على الأصح عند الناظم للفصل بينهما بالأول، وعلى القول بجوازه لطلب المعمول في الجملة يتعين هنا إعمال الثاني إذ لو كان الأول لَوَجَبَ الضمير في الثاني، وإن كان فضلة كما سيبين.
---
قوله: (سَالِمُ جَمْعٍ الخ) تنازعه ارفع واجرر وانصب فأعمل الأخير لقربه، وحذف ضمير الأولين لكونه فضلة، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، أو على معنى من لصحة حمل الثاني على الأول، وخرج بالسالم تكسير عامر على عوامر كجابر وجوابر ومذنب على مذانب لكن سيأتي في جمع التكسير عن المصنف وغيره أن نحو مختار ومنقاد ومضروب ومكرم لا تكسر بل يجب جمعها تصحيحاً فيكون مذنب مثلها فالتقييد بالسالم ليس للاحتراز إلا بالنسبة لعامردون مذنب فتدبر.(1/100)
قوله: (في هذا البيتِ) أي وما بعده.
قوله: (السَّالِمُ) الأَوْلى جرُّه صفة للمذكر لأن المفرد هو الذي سلم بناؤه في الجمع من تغيير التكسير، وأما تغييره في قاضون ومصطفون فللإعلال. ويصح رفعه صفة لجمع لكن باعتبار واحده.
قوله: (جَامَدٌ) هو الاسم الدال على الذات بلا اعتبار وصف، والصفة هي المشتق للدلالة على معنى وذات.
قوله: (فَيُشْتَرَطُ فِي الجَامِدِ) أي زيادة على شروط التثنية المارة كما تزاد في الصفة أيضاً كما في الروداني.
قوله: (عَلَماً) أي شخصياً أما الجنسي فلا يجمع منه إلا التوكيدي كأجمعون لأنه في الأصل وصف أفعل تفضيل فإن قلت: كيف تشترط العلمية مع وجوب تنكيره عن الجمع كما مر في التثنية؟ قلت: اشتراطها لا لذاتها وهو التشخيص حتى تنافي الجمع، بل لتحصيل الوصفية تأويلاً وذلك دلالة الواو على الجمعية إنما هي بالأصالة في الفعل بدليل اسميتها فيه فلا يجمع بها إلا ما شابهه معنًى وصحةً وإعلالاً وهو الوصف المشتق، وحمل عليه العلم لأنه وصف تأويلاً لتأوله بالمسمى دون باقي الأسماء، ولا حاجة لما يقال: العلمية شرط للإقدام، وعدمها للتحقق، أو هي شرط معد أي مهيىء لقبول الجمعية، والمعد لا يجامع المشروط وإن توقف عليه بخلاف الشرط الحقيقي، وتسميته شرطاً لمشابهته له في التوقف عليه.
---
قوله: (لِمُذَكَّرٍ عَاقِلٍ) أي باعتبار معناه لا لفظه فيقال زينبون وسعدون في زينب وسعدى لمذكرين كما يقال زيدات وعمرات في زيد وعمر ولمؤنثين. واختص بالمذكور العقلاء لشرفهم كما أن الصحة أشرف من التكسير قال الدماميني وقد ورد هذا الجمع في أسمائه تعالى للتعظيم لامتناع معنى الجمع فيه وهو توقيفي فلا يقال: رحيمون قياساً على نحو: فنعم الماهدون لعدم الإذن. وحينئذ، فلا يرد أنه تعالى لا يطلق عليه مذكر ولا عاقل فكيف يجمع؟ لأن كلامنا في الجمع القياسي.(1/101)
قوله: (خَالِياً مِنْ تَاءِ التَّأْنِيثِ) أي لم تكن عوض فاء أو لام كعدة وثبة وإلا جمعاً قياساً إذا سمي بهما، وما سيأتي من عدهما في الملحقات عند عدم التسمية. ا هـ صبَّان وأوجب المبرد جمع ذلك بالألف والتاء، ولا يشترط الخلو من ألف التأنيث بل تحذف المقصورة، وتقلب الممدودة واواً فيقال: حبلون، وصحراوون، عند التسمية.
قوله: (وَمِنَ التَّرْكِيبِ) الأوْلى حذفه لأنه شرط لكل جمع، بل، وللتثنية أيضاً كما مر.
قوله: (إِنْ صَغُرَ جَازَ) أي لأن يصير كالوصف لدلالته على التحقير ونحوه، وكذا نحو بصري وكوفي لتأوله بالمنسوب لكذا.
قوله: (فكَذَلِكَ لاَ يُجْمَعُ) أي لأن حذف التاء كالألف المقصورة يلبس بالمجرد، وفتح ما قبل الألف دافع لذلك. ولعل الكوفيين لا يبالون به أو يدفعونه بفتح ما قبل التاء فليحرر، ولو بقيت التاء لزم جمع علامتين متضادتين ظاهراً وسوغ ذلك في الألف الممدودة ذهاب صورتها، وأيضاً يمتنع وقوع التاء حشواً بلا ضرورة، وإنما وقعت كذلك في التثنية لضرورة أن حذفها ملبس مع أنه ليس للمؤنث بالتاء تثنية تخصه بخلاف الجمع.
---(1/102)
قوله: (وَأَجَازَهُ بَعْضُهُم) أي سيبويهون بجمع الجزأين، وبعضهم يقول: سيبون بجمع الأول فقط، وبعضهم يجمع المزجي وإن لم يختم بويه، أما الإسنادي فلا يجمع ولا يثنى اتفاقا بل يقال ذوو أو ذوا برق نحره مثلاً من إضافة المسمى إلى الاسم كذات مرة، وذات يوم كما يقال في المزجي على القول الأول. ويظهر أن التقييدي كذلك، وأما الإضافي فيثنى ويجمع جزؤه الأول مضافاً للثاني كغلامو زيد وعبدو الله وجوز الكوفيون جمع الجزأين قال الروداني: لا أظن أحداً يجترىء على ذلك في نحو عبد الله إنما الله إله واحد. ا هـ. ومن هنا يؤخذ ما اختاره الأمير من أن إطلاق المذهبين لا يحسن بل إن انفرد المضاف إليه جمع الصدر فقط قولاً واحداً كعبيد زيد، وإن تعدد كل منهما كعبد زيد المكي وعبد زيد المصري مثلاً فالوجه جمعهما كعبيد الزيود.
قوله: (صِفةً لِمُذَكَّرٍ عَاقِلٍ) أي ولو تنزيلاً ليدخل نحو أَتَيْنَا طَائِعِينَ}
(فصلت:11)
رَأَيْتُهُم لِيَ سَاجِدِينَ}
(يوسف:4)
وليس ذلك ملحقاً بالجمع كما قيل لأنها لما وصفت بصفات العقلاء من الطاعة والسجود جمعت جمعهم ويغلب المذكر والعاقل على غيره فيقال: زيد والهندات أو والحمير منطلقون.
قوله: (خَالِيَةٌ مِنْ تَاءِ التَّأْنيثِ) أي الموضوعة له، وإن استعملت في غيره كالمبالغة في تاء علامة.
---(1/103)
قوله: (ليْسَتْ مِنْ بَابِ أَفْعَلَ الخ) بجر أفعل وفعلان بالكسرة لإضافتهما إلى ما بعدهما فأبطلت ما فيهما من العلمية، ووزن الفعل أو الزيادة، وأما فعلاء بفتح الفاء في الموضعين فغير مصروف للألف الممدودة في الأول، والمقصورة في الثاني، والإضافة لأدنى ملابسة أي أفعل فعل الذي مؤنثه فعلاء كأحمر وحمراء وفعلان، كذلك كسكران وسكرى. وعبارته تشمل ما ليس من باب أفعل فعلان أصلاً كقائم، وما هو منهما ولا مؤنث له كأكمر لكبير كمرة الذكر. ولحيان لطويل اللحية، وما له مؤنث على غير ما ذكر كفعلى بالضم في الأول كأفضل وفضلى وفعلانة في الثاني، كندمان وندمانة من المنادمة لا من الندم فكل هذه تجمع بالواو على كلامه.
قوله: (وَلاَ مِمَا يَسْتَوي فِيهِ الخ) قال أرباب الحواشي هو مع ما قبله بمعنى قول التوضيح يشترط في الصفة قبول التاء، أو الدلالة على التفضيل ا هـ وفيه نظر لأن قبول التاء كما يخرج به نحو جريح وسكران وأحمر يخرج به نحو: أفضل وأكمر ولحيان، والدلالة على التفضيل لا تدخل إلا أفضل فعلى هذا نحو: أكمر ولحيان لا يجمع لعدم التاء والتفضيل معاً، وبه في أكمر صرح في حواشي الأزهرية وعلى كلام الشارح يجمعان، وصرح به الصبان فتدبر وحرر.
قوله: (فَلاَ يُقَالُ الخ) أي لأن أحمر وسكران يؤنثان بغير التاء، وصبور يصلح للمؤنث بنفسه، وعدم قبول التاء يبعد الوصف عن الفعل مع أن جمعه بالحمل عليه كما مر، وإنما جمع الأفضل مع عدم قبوله التاء أيضاً لالتزام تعريفه عند جمعه فأشبه الفعل اللازم حالة التنكير، ومن الشاذ خلافاً للكوفيين قوله:
25 ــــ فَمَا وَجدَتْ نِسَاءُ بني تَمِيمٍ
حَلائِلَ أَسْوَدَيْنِ وَأَحْمَرَيْنِ
وقوله:
26 ــــ مِنّا الَّذِي هُوَ مَا إِنْ طُرّ شَاربُهُ
والعَانِسونَ وَمِنَّا المُرْدُ والشِّيبُ
حيث جمع العانس، وهو من بلغ أوان التزويج ولم يتزوج ذكراً كان أو أنثى.
---(1/104)
قوله: (نحو صبورٍ وجَرِيج) أي غير علمين، وإلا جمعا ومحل استوائهما في فعول إذا كان بمعنى فاعل، وفي فعيل إذا كان بمعنى مفعول بشرط جريانهما على موصوف مذكور.
قوله: (وَبِهِ عِشْرُونَ) شروع في ذكر ما ألحق بالجمع،وهو أربعة أنواع أسماء جموع كعشرين، وأولى وجموع لم تستوفِ الشرط كأهلين وعالمين، وجموع مسمى بها كعليين، وجموع تكسير كأرضين وسنين.
قوله: (وَبَابُهُ) أي أخواته. ولو عبر به لكان أصرح في إرادة العقود إلى التسعين لأن بابه قد يشمل مئين مع أنه من باب سنين، ولم يقل ألحقا أي عشرون وبابه لتأولهما بالمذكور.
قوله: (والأَهْلُونَ) إلى عليون مبتدآت حذف عاطفها وخبرها. أي كذلك ألحقت، وأرضون مبتدأ خبره شذ، وحذف خبر السنون لدلالة شذ كما أفاده الأشموني، ونص على شذوذ هذين مع أن جميع الملحقات شاذة لشدته فيهما إذ هو من أربعة أوجه. فإن كلا منهما جمع تكسير لاسم جنس مؤنث غير عاقل. والمراد الشذوذ قياساً فقط لكثرة استعمالها.
قوله: (وَمِثْلُ حِينَ) حال من ذا الباب أي باب سنين، أو صفة لمصدر محذوف. أي وروداً مثل حين.
قوله: (لاَ وَاحِدَ لَهُ) أي لا من لفظه، ولا معناه كما قاله الدنوشري.
قوله: (إِذْ لاَ يُقَالُ عَشْرَ) وإلا لزم إطلاق عشرين على ثلاثين، وثلاثين على تسعة لأن أقل الجمع ثلاثة من مفرده.
قوله: (لأِنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ جَامِدٍ) أي لذي القرابة لا علم ولا صفة، ويستعمل وصفاً بمعنى المستحق كالحمد لله أهل الحمد وجمعه حينئذ حقيقي لا ملحق به لأنه في معنى المشتق، ولم تغلب عليه الاسمية كالأول، وقال الروداني: هو أيضاً ملحق لأنه صفة لا تقبل التاء ولا تدل على التفضيل أفاده الصبان.
قوله: (مِنْ لَفْظِهِ) أي بل من معناه لأنه اسم جمع لذو بمعنى صاحب، ويكتب بالواو بين الهمزة واللام ليتميز عن إلى الجارة نصباً وجراً وحمل الرفع عليهما.
---(1/105)
قوله: (اسْمُ جِنْسٍ) أي لكل ما سوى الله، وأما العالمون فخاص بالعقلاء، وقيل يعم غيرهم أيضاً وهو الراجح فهو اسم جمع لعالم لما قاله الشارح ولأن شرط الجمع أن يكون أعم من مفرده لا أخص، ولا مساوياً وإلا بطل قولهم أقل الجمع ثلاثة من مفرده كذا قيل. وفيه أن اسم الجمع كالجمع في ذلك وإلا فما معنى كونه اسم جمع حيث لم يفد معناه في الجملة. فالحق أنه جمع له لأن العالم كما يطلق على ما سوى الله دفعة يطلق على كل صنف بخصوصه كعالم الأنس، وعالم الجن فجمع بهذا الاعتبار ليعم أنواع العقلاء شمولاً بناء على القول الأول، أو ليعم جميع الأنواع والأصناف بناء على الثاني. والحق أيضاً أنه مستوف لشروط الجمع كما قاله الرضيّ تبعاً للكشاف وغيره. لأنه في الأصل صفة لما فيه من معنى العلم كالخاتم لما يختم به، والقالب لما يقلب به الشيء من حالة إلى حالة لأن جميع المخلوقات لإمكانها وافتقارها إلى مؤثر يعلم بها ذات موجدها، وتدل على وجوده، ولما غلب على العقلاء منهم جمع بالواو كسائر أوصافهم فدخول غيرهم في العالمين تغليب.
قوله: (وَعِلِّيُّونَ الخ) مثله كل علم بصيغة الجمع كزيدون مسمى به، وكنصيبين وقنسرين علمي بلدين بالعراق والشام فيلحق بالجمع في إعرابه استصحاباً لأصله على الراجح. وبقي فيه أربعة مذاهب لأنه إما أن يعرب على النون منونة مع لزوم الياء كحين، وغسلين أو الواو كعربون، أو يمنع الصرف مع الواو كهارون للعلمية، وشبه العجمة، أو يقدر إعرابه على الواو مع فتح النون أبداً. وهذا أقلها ثم ما قبله على الترتيب. وأما المثنى إذ سمي به فإما أن يعرب كأصله أو كعثمان غير مصروف للعلمية، والزيادة ومحل ذلك ما لم يجاوزا سبعة أحرف. وإلا تعين إعرابهما بالحروف كما في التسهيل كأشهيبا بين مثنى اشهيباب مصدر اشهاب من الشهبة، وهي لون معروف.
قوله: (اسْمٌ لأَعْلَى الجَنَّةِ) فقوله تعالى: كِتَابٌ مَرْقُومٌ}
---
(المطففين:9،20)(1/106)
على حذف مضاف أي محل كتاب، وفي الكشاف: إنه اسم لديوان الخير الذي دوّن فيه ما عملته الملائكة، وصلحاء الثقلين فكتاب الأبرار مصدر بتقدير مضاف أي كتاب أعمال الأبرار.
قوله: (لِكَوْنِهِ لِمَا لاَ يَعْقِلُ) أي اسماً له ليس بجمع الآن، وإن كان في الأصل جمع على كسكيت من العلو فإن كان اسم مكان كان ملحقاً باعتبار أصله أيضاً وإن كان اسم ملك كما قيل كان جمعا حقيقة.
قوله: (اسْمُ جِنْسٍ الخ) أي لا علم ولا صفة، وهذا مانع أول، ومؤنث مانع ثان، ويزاد كونه لغير عاقل وجمع تكسير وكذا في سنة كما مر.
قوله: (مُؤنَّثٌ) أي بدليل إِنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ}
(العنكبوت:56)
ولتصغيره على أريضة. قوله: (سنة) أصله سنو أو سنة لجمعه على سنوات وسنهات وفعله سانيت وسانهت، وأصل سانيت سانوت قلبت الواو ياء لتطرفها بعد ثلاثة.
قوله: (وَهُوَ كُلُّ اسْمٍ الخ) ذكر خمسة قيود الحذف، وكونه للام والتعويض وكونه بالهاء وعدم التكسير، وزاد في نسخ: كون الاسم ثلاثياً، وتركه في أخرى لأن ما أخرجوه به يخرّج الحذف، ولم يأخذ إلا محترز القيد الأخير فيخرج بالأول نحو: تمرة مما لم يحذف، وشذ أضون بالكسر جمع أضاة كقناة وهي الغدير، ووازون لا وزة، وبالثاني نحو عدة مما حذف فاؤه، وشذ رقون في رقة وهي الفضة، وأصلها ورق نقلت كسرة الواو إلى الراء وحذفت، وعوض عنها الهاء، وبالثالث نحو يد مما لم يعوض وشذ أبون وأخون، وبالرابع نحو اسم وأخت لأن المعوض في الأول الهمزة، وفي الثاني التاء لا الهاء، وشذ بنون جمع ابن وهو مثل اسم فهذه شذت عن باب سنة في قلة الاستعمال. وكذا ظبون الذي في الشارح. وإن كان الباب من أصله شاذاً عن قياس الجمع. وهذه القيود لضبط ما كثر سماعه منه لا لقياسيته فيه فتدبر.
---(1/107)
قوله: (كَمائَةٍ ومِئِينَ) بكسر الميم فيهما لأن مفرد هذا الباب إن كان مكسور الفاء لم تغير في الجمع، أو مفتوحها كسنة كسرت في الجمع على الأفصح فيهما، وحكي مئون وعزون وسنون بالضم، أو مضمومها كثبة ضمت في الجمع أو كسرت، وأصل مائة ماي من مأيت القوم تممتهم مائة كما في القاموس فالهاء عوض عن لامها.
قوله: (وَثُبَةُ) أي بمعنى الجماعة، والأقوى أن أصله ثبو من ثبوت أي جمعت لاثبي لأن أكثر ما حذف من اللامات واو، ولم تجمع في التنزيل إلا بالألف والتاء كما في التصريح نحو فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ}
(النساء:71)
وأما ثبة بمعنى وسط الحوض فمحذوفة العين لا اللام لأنها من ثاب يثوب إذا رجع. ومنه مثابة للناس.
قوله: (كَشَفَةٍ) أصلها شفهة حذفت الهاء لامها وقصد تعويض التاء عنها ومثلها في ذلك شاة إذ أصلها شوهة لتصغيرها على شويهة والأقرب فتح واوها كما اختاره الروداني ليتأتى قلبها ألفاً بعد حذف الهاء.
قوله: (كَظِبَة) بكسر المعجمة كما في التصريح، وضمها كما في القاموس، وهي: طرف السيف أو السهم، وأصلها: ظبو، لقولهم: ظبوته، إذا أصبته بالظبة.
قوله: (عَلى ظبَا) كهدي، وعلى أَظْب أيضاً كأدلٍ جمع دَلْو، وأصله أظْبُوا وَأَدْلُو كأرجل. قلبت الواو ياء لأنه ليس في العربية اسم معرب آخره واو قبلها ضمة، والضمة كسرة لتناسبها ثم أعلّ كقاضٍ.
قوله: (هذِهِ سِنينٌ) أي بتنوينه لبني عامر، وبعدمه لتميم مع جره بالكسرة على ظاهر كلام المصنف، وبالفتحة على ظاهر كلام الفراء، ولا وجه له أفاده الصبان.
قوله: (وَاخْتُلِفَ في اطْرادِ هذا) من النحويين من يطرده في باب الجمع كله، ولا يخصه بباب سنين تمسكاً بقوله:
27 ــــ رُبَّ حَيَ عَرَنْدَسٍ ذِي طَلاَلٍ
لاَ يَزالُونَ ضَارِبينَ القِبَابِ
حيث أبقى النون مع الإضافة لأن الإعراب عليها وقوله:
28 ــــ وَقَدْ جَاوَزْتُ حدَّ الأَرْبَعِينِ(3)
---(1/108)
والصحيح قصره على السماع مطلقاً. والعرندس: الشديد، والطلال بالفتح: الحالة الحسنة.
قوله: (فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ) والرواية الأخرى: اجعلها سنين بلا تنوين كسني يوسف بحذف النون للإضافة وسكون الياء مخففة. وهذا دعاء على أهل مكة بالجدب والقحط، وقد استجاب الله دعاءه حتى ساء حالهم.
قوله: (دَعَاني) أي اتركاني وعادتهم، خطاب الواحد بالتثنية تعظيماً، والشاهد في سنينه لثبوت نونه مع إضافته. ولو حذفت لسكنت الياء وكسرت الهاء.
قوله: (ونُونُ مَجْمُوعٍ) الأقرب نصبه مفعولاً لا فتح لأن فاءه زائدة لتزيين اللفظ فلا تمنع عمله فيما قبله بخلاف فاء الجزاء، ورفعه مبتدأ يحوج إلى تقدير رابط في افتح.
قوله: (وَقَلَّ مَنْ بِكَسْرِهِ نَطَق) أي مع الياء، ولم تسمع مع الواو لمزيد الثقل.
قوله: (بعكس ذاك) أي بخلافه لأن الكثير في أحدهما قليل في الآخر، ويغني عن هذين البيتين قول الكافية:
والنُّونُ فِي جَمْع لَهُ الفَتْحُ وَفِي
تَثْنِيَةٍ كَسْرٌ وعَكْسٌ قَدْ يَفِي
قوله: (زُعَانِفُ) جمع زِعْنِفَة بكسر الزاي والنون. وهو الدَّعِيُّ الذي لا أصل له، وأصل الزعانف أطراف الأديم وأكارعه، والشاهد في آخرين بفتح الخاء وكسر نونه على كلام الشارح لكن رواه علماء القافية بالفتح وقالوا: فيه عيب الإصراف، وهو اختلاف حركة الروي المطلق لكسر النون في قول جرير قبله:
29 ــــ عَرِينٌ مِنْ عُرَيْنَةٍ ليسَ منَّا
بَرِئْتُ إِلى عُرَيْنَةَ مِنْ عَرِينِ(3)
إلا أَن يكون فيه روايتان أو أنهم أجروه على أصل فتح الجمع وعرين كأمير بطن من تميم وهو مبتدأ خبره من عرينة مصغراً بطن من بجيلة.
قوله: (وماذَا الخ) قبله:
30 ــــ أَكُلَّ الدَّهْرِ حِلٌّ وارْتِحَالٌ
أَمَا يُبقِي عَلَيَّ وَلاَ يَقيَنِي(4)
---(1/109)
وكل ظرف خبر عن حل بمعنى حلول، أو هو فاعل بالظرف لاعتماده على الاستفهام، والشاهد كسر نون الأربعين مع إعرابه بالحروف لكن استشهد به بعضهم على إعرابه بحركات النون، والشاهد لا يكفيه الاحتمال كما صرحوا به إلا أن يجعل مثالاً، أفاده الصبان.
قوله: (وَحَقُّ نونِ المُثَنَّى الكَسْرُ) أي على أصل التخلص من السكونين إذ أصل النون السكون كالتنوين المعوضة هي عنه، ولزيادتها والزائد ينبغي تخفيفه ما أمكن، ولم يتخلص بحذف الألف على القياس المذكور في قول الكافية:
إنْ ساكنانِ التَقَيا اكْسِرْ ما سَبَقْ
وإنْ يَكُنْ لَيْناً فحذْفُهُ استَحَقْ
لئلا تفوت التثنية والإعراب، ولسبق المثنى على الجمع حرك بأصل التخلص، ثم فتح الجمع فرقاً بينهما. تنبيه: هذه النون عوض عن التنوين فلذا حذفت للإضافة مثله. وعن الإعراب بالحركات فلذا ثبتت مع أل مثلها، وقيل هي لدفع توهم الإضافة في نحو: جاءني خليلان موسى وعيسى، ومررت ببنين كرام. ولدفع توهم الإفراد في نحو: جاءني هذان، ومررت بالمهتدين.
قوله: (على أَحْوَذِيِّين) بفتح النون محل الشاهد لأنه تثنية أحوذي وهو الحاذق الخفيف المشي، وأراد بهما جناحي قطاة يصفها بالسرعة والخفة، واستقلت أي ارتفعت تلك القطاة. وقوله فما هي أي فما مسافة رؤيتها إلا مقدار لمحة. وتغيب عن البصر بعدها قيل: وهذا من مواضع عود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة. وهو الضمير المخبر عنه بمفسره على حد مَا هِيَ إِلاّ حياتُنَا الدُّنْيَا}
(الجاثية: 24)
وفيه أن المرجع غير الخبر كما يعلم من التقدير المذكور.
---(1/110)
قوله: (أَعْرِفُ مِنْهَا الجِيدَ) بكسر الجيم العنق والعينان وارد على لغة من يلزم المثنى الألف فنصبه مقدر عليها، والشاهد فيه فتح نونه بدل الكسر، ومنخرين إن كان بفتحها أيضاً فذاك وإِلاَّ فقد لفق بين اللغتين كما لفق في نصبه بالياء بعد استعمال العينان بالألف، والمنخر بفتح الميم والخاء أو كسرهما أو ضمهما، وكمجلس وعصفور وظبيان اسم رجل على ما صوبه العيني لا تثنية ظبي وهل المعنى: أشبها منخريه في الكبر أو الحسن، أو أشبها نفس الرجل في العظم، أو القبح؟ الأقرب الأول.
قوله: (مَصْنُوعٌ) صحح العيني أنه عربي لرجل من ضبة. والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (وَمَا بِتَا الخ) اعلم أن هذه الحروف، إذا قصرت، وجب تنوينها عند الشاطبي بناء على قصرها من الممدود كشربت ما فيقدر إعرابها على الألف المحذوفة للتنوين لأنَّ حذفها لعلَّةٍ تصريفية فهي كالثابتة بخلاف الهمزة المحذوفة للقصر. نعم إن ترك التنوين للوصل بنية الوقف جاز. وقال ابن غازي: وضعت كذلك ابتداء لا مختصرة فتبنى للشبه الوضعي، ولا تنون. بقي أن يقال: إن أوقعت ما على جمع كان قوله قد جمع تحصيل حاصل أو على مفرد ورد أن الذي يكسر نصباً هو الجمع. إلا أن يقال: المعنى الجمع الذي تحققت جمعيته بتا الخ.
قوله: (يُكْسَرً الخ) سكت عن الرفع لدخوله في قوله سابقاً: فارفع بضم، ولم يسكت عن الجر مثله ليبين أن النصب محمول عليها ولذا قدمه.
قوله: (مَعاً) هي عند الناظم كجميعاً فلا تقتضي اتحاد الزمن كما هو المراد هنا، وعند ثعلب وابن خالويه تقتضيه دون جميعاً فتكون هنا مجازاً في مطلق المصاحبة.
قوله: (عَلَى الذي يَنُوبُ فِيهِ الحُروفُ) أي من الأسماء وستأتي الأفعال الخمسة.
---(1/111)
قوله: (وَقَيَّدْنَا بالسَّالِم الخ) فيه أنه قد يكون مكسراً كبنات وأخوات وكسجدات وركعات وغرفات لتحريك وسطها بعد سكونه في المفرد،ويكون مذكراً كحمامات واصطبلات فعبارة المصنف أولى، ويجاب بأن جمع المؤنث السالم صار لقباً لكل ما جمع بألف وتاء فالاحتراز إنما هو عن المكسر بغيرهما.
واعلم أن هذا الجمع ينقاس في خمسة أنواع: ذي التاء مطلقاً علماً كان مؤنثاً أو غيرهما، وذي الألف مطلقاً مقصورة أو ممدودة. وانظر هل يعمم فيه كالتاء حتى إذا كان علماً لمذكر كزكريا جمع أم لا وعلم مؤنث لا علامة فيه كزينب إلا باب حذام عند من بناه، ومصغر مذكر ما لا يعقل كدريهمات، ووصف مذكر عاقل كَأَيَّام مَعْدُودَاتٍ}
(البقرة: 203)
وَجِبَالٍ رَاسِيَاتٍ ونظمها الشاطبي فقال:
وَقِسْهُ فِي ذي التَّا ونَحوِ ذِكرى
وَدِرْهَم مُصَغَّرٍ وَصَحْرا
وَزَيْنَبُ وَوَصْفُ غَيْرِ العَاقِلِ
وَغَيْرُ ذا مُسَلَّمٌ للنَّاقِلِ
فيقتصر فيما عدا الخمسة على السماع كسموات وأرضات وثيبات وشمالات وأمهات لأنها أسماء جنوس مؤنثة بلا علامة، ونحو: سجلات وحمامات من كل مذكر لا يعقل ليس مصغراً ولا صفة، ويستثنى من الأول امرأة وأمة وشاة وشفة وقلَّة بضم القاف، وفتح اللام مخففة، وهي لعبة للصبيان زاد الروداني وأمة بالضم والتشديد وملة فلا تجمع هذا الجمع ولعله لعدم السماع وقيل: تجمع شفة على شفهات أو شفوات وأمة على أَمَوَات أو أَمَيَات، ومن الثاني فعلاء وفعلى مؤنثَي أفعل وفعلان كحمراء وسكرى فلا يجمعان بالألف والتاء. كما لم يجمع مذكرهما بالواو والنون، وكذا فعلاء الذي لا أفعل له كعجزاء ورتقاء عند غير المصنف.
---(1/112)
قوله: (فإن تاءه أصلية) أي بنية المفرد فتثبت في الجمع ليستوفي جميع حروف مفرده بخلاف نحو فاطمات فإن تاء مفرده زائدة على بنيته للتأثيث فتحذف في الجمع لئلا يجتمع علامتا تأنيثا، وإنما لم تحذف ألف التأنيث لذلك لذهاب صورتها بانقلابها ياء وواواً في نحو حبليات وصحراوات، ولأنها كالجزء من الكلمة والتاء في نية الانفصال فإن قلت حينئذ: يخرج بنات وأخوات لأن تاء مفردهما عوض عن أصل لا زائدة إذ أصل بنت وأخت بنو وأخو كمذكرهما حذفت اللام، وعوض عنها التاء أجيب بأنها مع كونها للعوض دالة على التأنيث فحذفت في الجمع لذلك لا أنها التي فيه بدليل رد اللام في أخوات إذ لا يجتمع العوض والمعوض، وإنما لم ترد اللام في بنات كأخوات حملاً لكل على مذكره. وهو أبناء وأخوة لأنها اضمحلت في أبناء بانقلابها همزة فكأنها لم ترد بخلاف أخوة.
قوله: (بالصِّيغَةِ) أي بصيغة التكسير فإن وزنهما فعلة وأفعال.
قوله: (مُتَعَلِّقَةٌ بِجَمْعٍ) أي مع كونها للسببية لا بمعنى مع.
قوله: (وَيُنصَبُ وَيُجَرُّ بالكَسْرَةِ) جوز الكوفيون نصبه بالفتحة مطلقاً وهشام فيما حذفت لامه حكى سمعت لغاتهم، ورأيت بناتهم بالفتح قال: فإن ردت في الجمع نصب بالكسرة كأخوات وسنوات.
قوله: (كَذَا أولاتِ) قال المصرح: أصلها أولى بضم ففتح قلبت الياء ألفاً، وحذفت لاجتماعها مع الألف والتاء المزيدتين فوزنه فعات فاعترضه الروداني بأنه حينئذ يكون جمعاً لا ملحقاً به، فالصواب أن وزنه فعلت بزيادة التاء فقط، وألفه أصلية ا هـ، والمقصود لفظ أولات فهي معرَّفة بالعلمية فإن أولت بالكلمة منعت الصرف للتأنيث المعنوي، أو باللفظ مثلاً صرفت، وإن كان فيها التاء لأن المانع مع العلمية هاء التأنيث لا تاؤه. والنظم صحيح على كل قيل، وتكتب أولات بالواو لتفرق من اللات جمع التي، وفيه نظر للفرق بينهما بكتابة اللات بلا مين فإن صح كتبها بالواو فليكن للحمل على مذكره وهو أولو لما مر فتدبر
---(1/113)
قوله: (والَّذي اسْماً الخ) أي والذي قد جعل علماً لمذكر أو مؤنث بعد أن كان جمعاً وأذرعات في الأصل جمع أذرعة جمع ذراع، ثم جعل علماً عل قرية بالشام وذكر في هذا البيت نوعين من الملحق بجمع المؤنث، وبقي اللات جمع التي في لغة، وإن كان الأشهر بناءه، وذوات جمع ذات الطائية عند بعض من أثبته وأما ذوات بمعنى صاحبات فهو جمع حقيقة لذات بمعنى صاحبة لا ملحق به، والتاء في ذات عوض لامها كبنت وبنات.
قوله: (مَجْرَى) مصدر ميمي بمعنى الحدث فإن بني مجرى للفاعل كان بفتح الميم من جري الثلاثي، أو للمفعول كأن بضمها من أجرى الرباعي لأن مصدره الميمي بوزن مفعوله.
قوله: (مِنْ لَفْظِها) أي بل من معناها، وهو ذات فهو اسم جمع في المؤنث كأولو في المذكر إلا أن أولو خاص بالعاقل.
قوله: (لاَ يُحْذَفُ مِنْهُ التَّنْوِينُ) أي لأنه للمقابلة مراعاة لأصله، وهو حال الجمعية، ولم ينظر فيه لاجتماع العلمية والتأنيث أصلاً.
قوله: (وفيهِ مَذْهَبَانِ) أي إذا سمي به مؤنث أما المذكر فلا يمنع من التنوين لفقد التأنيث كما في التصريح وغيره، وفيه أنه على المذهب الثاني منهما تقلب تاؤه في الوقف هاء كما نص عليه فتكون هي الهاء المانعة فينبغي أن يمنع أيضاً للتأنيث اللفظي.
قوله: (وَيُنْصَبُ وَيُجَرُّ بالكَسْرَةِ) أي مراعاة لأصله، ويمنع التنوين نظراً للعلتين لأنه وإن كان للمقابلة لكنه يشبه الصرف صورة والمذهب الثاني ينظر إليهما فقط، ولا يعتبر أصله.
قوله: (تنورتها الخ) لامرىء القيس من قصيدة أولها:
31 ــــ أَلاَ عِم صبَاحاً أَيُّها الطَّلَلُ البالي
وَهَلْ يَعِمَنْ من كانَ في العصر الخالِي
وَهَلْ يَعِمَنْ مَنْ كانَ أَحْدَث عَهْدِهِ
ثَلاثينَ شَهْراً في ثَلاثَةِ أَحْوالِ(2)
---(1/114)
وفي بمعنى مع أو بمعنى من الابتدائية أي مبتدأة من انقضاء ثلاثة أحوال، فالمدة خمس سنين ونصف ومعنى تَنَوَّرْتُها: نظرت بقلبي إلى نارها، يريد أن الشوق يخيل محبوبته إليه حتى كأنه ينظر إلى نارها، وجملة وأهلها بيثرب حال من الهاء، وكذا جملة أدنى دارها الخ. وفيها حذف مضاف أي نظر أدنى دارها نظر عال أو أدنى دارهما ذو نظر عال يعني أن الأقرب إليه من دارها، وهي يثرب يحتاج لنظر عال عظيم لشدة بعدها عن أذرعات فكيف بمحلها، ويثرب(3) اسم مدينة الرسول صلى الله عليه وسلّم سميت بمن نزلها من العماليق وقد ورد النهي عن تسميتها بذلك لأنه من التثريب وهو الحرج نحو: لا تثريب عليكم وأما قوله تعالى: يَا أَهْلَ يَثْرِبَ}
(الأحزاب: 13)
فحكاية عن المنافقين.
قوله: (وَجُرَّ بالفَتْحَةِ الخ) أما فعل أمر فيكون مثلث الآخر لأن أصله اجرر كانصر نقلت ضمة الراء إلى الجيم فحذفت الهمزة، وأدغم فيكسر على أصل التخلص من الساكنين، ويضم للاتباع، ويفتح للخفة. وكذا كل ما وازنه أو هو ماض مجهول فبالفتح لا غير. ويؤيد الأول لاحقه، والثاني سابقه.
قوله: (مَا لَمْ يُضَفْ الخ) أي مدة عدم كل من إضافته وردفه لأل فهو من عموم السلب لأن أو بعد النفي لنفي كل نحو مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ}
(البقرة: 236)
أو تفرضوا الخ ولما كانت البعدية لا تقتضي الاتصال أتى بردف ليفيده فليس حشواً.
قوله: (وَيُجَرُّ بَالفَتْحَةِ) أي، ولو مقدرة عل المختار كموسى وجوار، ولم تظهر على الثاني لنيابتها عن ثقيل. وذلك لأنه لما ثقل بشبه الفعل أعطي حكمه من منع تنوينه وكسره لأن التنوين علامة الأخف والأمكن، والكسر يؤاخيه في الاختصاص بالاسم فإذا نون للضرورة، فقيل يبقى فتحه لأنه ليس صرفاً بل تنوين آخر لمحض الضرورة، وقيل يكسر تبعاً للتنوين لأنه إما صرف، أو بصورته.
---(1/115)
قوله: (فَإِنْ أُضيفَ الخ) ظاهره كالمصنف أنه باق على منع صرفه مطلقاً. كما صرح به في شرح الكافية لأن الذي حكم عليه بالكسر مع الإضافة هو ما لا ينصرف، وهو قول الأكثر لأن الصرف هو التنوين فقط، وهو مفقود مع أل والإضافة، فهو ممنوع منه، وقال المبرد والسيرافي وغيرهما، واختاره في النكت مصروف مطلقاً لأنه دخله ما هو من خواص الأسماء، ويؤثر في معناه فأضعف شبهه بالفعل، فرجع إلى أصله. وهذا إما مبني على أن الصرف هو الكسر فقط، أو هو والتنوين معاً فلا يمنع منه إلاَّ بمنع كل، أو التنوين فقط لكنه لم يظهر للإضافة، أو أل، وقيل إن زالت منه علة فمنصرف نحو بأحمدكم لزوال علميته مع الإضافة، أو أل، وإن بقيت العلتان فلا نحو: بأحسنكم واختاره الناظم في نكته على مقدمة ابن الحاجب وقال المتأخرون إنه التحقيق.
قوله: (أَوْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ أل) أي معرفة كانت كالتي في أفعل التفضيل نحو الأفضل، أو في الصفة المشبهة على الأصح كالأعمى واليقظان، أو موصولاً كالعواذل والقوائم أو زائدة. كاليزيد بناء على بقائه بتعريف العلمية أما على تنكيره قبلها فهي معرفة.
قوله: (لِنَحْوِ يَفْعَلاَنِ) نحو مضاف إلى أن يفعلان لقصد لفظه وجره مقدر على النون للحكاية، وتدعين وتسألون عطف عليه، أو مبتدأ حذف خبره أي كذلك.
قوله: (سِمَه) أي علامة، وظاهره يخالف مذهبه من أن الإعراب لفظي إلا أن يحمل الحذف والجزم والنصب على المعنى المصدري أي إن حذف المتكلم النون علامة على أنه جزم الفعل، أو نصبه فلا ينافي أن الحذف بمعنى الأثر هو نفس الجزم الاصطلاحي، وقد مر أن جعل الحركات علامة يجري على المذهبين فلا تغفل.
---(1/116)
قوله: (كَلَمْ تَكُونِي) خبر لمحذوف أي وذلك كلفظ لم تكوني الخ وترومي نصب بأن مضمرة وجوباً بعد لام الجحود فهو في تأويل مصدر مجرور باللام، ومتعلقها محذوف خبر تكوني أي لم تكوني قابلة لروم مظلمة بفتح اللام، أي ظلم، وكسرها غير مقيس، وإن كثر لأن مفعل للحدث قياسه الفتح إن كان مضارعه مكسوراً كما هنا فإن أريد بها مكان الظلم، أو زمانه فالقياس الكسر كما سيأتي.
قوله: (فَهذِهِ الأَمْثِلَةُ الخ) .
اعلم أنهم لما أعربوا المثنى والجمع بالحروف أرادوا مثله في نظيرهما من الأفعال. وهو هذه الأمثلة ولا يمكن إعرابها بأحرف العلة الموجودة لئلا يحذفها الجازم. وهي ضمائر ولا الإتيان بحرف علة آخر لئلا يلتقي ساكنان معها فيحذف ثانياً فرفعوها بالنون لشدة شبهها بأحرف العلة، ولذا تدغم فيها نحو من وال، وتبدل ألفاً في الوقف على نحو إذن، ثم حذفت للجزم كأحرف العلة ولما حملوا النصب على الجر في نظيرها من الأسماء لتأخيهما في إعراب الفضلات حملوه هنا على الجزم المقابل له دون الرفع، ولم يحملوه عليه في الفعل المعتل لإمكان ظهور الفتحة، أو تقديرها على حرف العلة ولو قدرت هنا لفات إعرابها بالحروف، وكسرت النون بعد الألف تشبيهاً بالمثنى، وفتحت بعد أختيها تشبيهاً بالجمع وللخفة. ولما كان الضمير المتصل كالجزء قدم عليها وبها يلغز فيقال أي إعراب يفصل من الكلمة بمعمولها أو أي كلمة تفصل بين الكلمة وإعرابها.
قوله: (تُرْفَعُ بالنُّونِ الخ) أي عند الجمهور وقيل إعرابها مقدر على لام الفعل، وحذفت النون للفرق بين المرفوع وغيره.
قوله: (وَتُنْصَبُ وَتُجْزَمُ بِحَذْفِها) لا يرد ثبوتها في إلا أَنْ يَعْفُونَ}
(البقرة: 237)
لأن هذه نون النسوة والواو فيه لام الفعل فوزنه يفعلن بالبناء على السكون بخلاف: الرجال يعفون فإن واوه ضمير الجمع ونونه للرفع يحذفها الناصب نحو وَأَن تَعْفُوا}
(البقرة: 237)
---(1/117)
وأصله تعفوون بواوين حذفت الأولى، وهي لام الفعل للإعلال والنون للنصب، وقد تحذف النون بلا ناصب وجازم وجوبا مع نون التوكيد، وجوازاً بكثرة مع نون الوقاية. ويجوز إدغامها فيها وفكهما، وقد قرىء: تأمرونني}(2)، بفك النونين وإدغامهما وبنون واحدة، والصحيح أنها نون الوقاية لا الرفع، وبقلَّة فيما عدا كحديث: «والّذِي نَفْسي بيَدِهِ لاَ تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حَتَّى تُؤمِنُوا وَلاَ تُؤمِنُوا حَتَّى تَحابُّوا»(3) أي لا تدخلون ولا تؤمنون وأصل تحابوا تتحابوا أفاده في التصريح ومقتضاه جواز ذلك في السعة لكن في الهمع وغيره لا يقاس عليه اختياراً.
قوله: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا) قيل تنازع الحرفان في الفعل فأعمل الثاني، وحذف نظيره من الأول، وقيل: الأصل إن ثبت أنكم لم تفعلوا فمضى لم في عدم الفعل، واستقبال أن في إثبات ذلك العدم على حد إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ}
(يوسف: 27)
فإن المعلق عليه إثبات القد لا هو نفسه لسبقه على وقت المحاكمة. وقيل: لمَ عملت في الفعل وهي معه في محل جزم بأن وجواب الشرط على كل محذوف؟ أي فاتركوا العناد وعبر باتقوا النار تنبيهاً على أنه يوجبها.
قوله: (وَسَمِّ مُعْتَلاًّ الخ) معتلاً مفعول ثان، وما مفعول أول، وكالمصطفى صلتها، ومن الأسماء بيان لها فهو حال منها، وتقديم الحال على صاحبها جائز لكن قال الرضي: يجب تأخير البيان عن المبين، فإن قدم، جعل بياناً لمحذوف كشيء أو لفظ، وجعل المتأخر بدلاً منه فعلى هذا يكون المفعول الأول محذوفاً. أي لفظاً من الأسماء، والموصول بدل منه، والمعتل عند النحاة ما آخره حرف علة، وفي الصرف ما فيه حرف علة أولاً أو آخراً. أو وسطاً. ولكل اسم يخصه.
قوله: (مَكَارِما) مفعول المرتقى على حذف مضاف أي درج مكارم، أو تمييز محوّل على الفاعل جمع مكرمة بضم الراء، وهي فعل الخير.
---(1/118)
قوله: (جَمِيعُهُ) إما تأكيد للضمير في قدر أو نائب فاعله، ولا ضمير فيه أو تأكيد للإعراب. وإن فصل بينهما بالخبر لأنه معمول للمؤكد لا أجنبي على حد: وَلاَ يَحْزَنَّ وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتيتَهُنَّ كُلُّهُنَّ}
(الأحزاب: 51)
لكن الفصل في الآية بمعمول العامل المؤكد لا للمؤكد نفسه، ويصح جره للضمير في فيه، وقد فصل بينهما بعامل المؤكد.
قوله: (قَدْ قُّصِرا) أي سميَ مقصوراً من القصر، وهو الحبس لحبسه عن المد، أو عن ظهور الإعراب، ومنه: مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ}
(الرحمن: 72)
أي محبوسات عن بعولتهن.
قوله: (يَنْوِي) فيه مع قدر تفنن فإنهما شيء واحد على المشهور، وقيل: المنوي مخصوص بالياء، وبالالف الأصلية، والمقدر بالألف المنقلبة اهـ. نكت.
قوله: (كذا أيْضاً يُجَر) الظاهر أن كذا متعلق بيجر على أنه حال من ضميره، أو صفة لمصدر محذوف أي يجر جراً مثل ذا في كونه منوياً لا على أنه ظرف لغو فتدبر.
قوله: (جَميعُ حَرَكاتِ الإِعْرَابِ) مخصوص بغير الكسرة فيما لا ينصرف فإنه تقدر فيه الفتحة كما مر. وهذا التقدير للتعذر لأن الألف اللينة لاستطالتها، وجريها مع النفس يتعذر تحريكها إلا بقلبها همزة.
قوله: (آخِرُهُ أَلِفٌ) أي لينة لا همزة كالخطأ.
قوله: (لازِمَةٌ) أي لفظاً، أو تقديراً كالمقصور المنون، ولا يرد أن نحو القرى اسم مفعول من أقرأه الكتاب بإبدال الهمزة ألفاً يجري عليه حكم المقصور مع أنه يخرج بقيد اللزوم حيث يجوز النطق بالهمز بدلها لأنا نقول: إبدال الهمزة المتحركة من جنس حركة ما قبلها شاذ، والتعريف للمقصور قياساً. وكذا يقال في الياء.
قوله: (فَخَرَجَ بِالاسْم الفِعْلُ) أي فلا يسمى مقصوراً في الاصطلاح، وكذا المبني وإن كان ممنوعاً من المد وظهور الإعراب لأن وجه التسمية لا يوجبها.
قوله: (آخِرُهُ يَاء) أي لازمة لتخرج ياء المثنى والجمع والأسماء الخمسة.
---(1/119)
قوله: (يَظْهَرُ فِيهِ النَّصْبُ) أي ما لم يكن الجزء الأول من مركب مزجي أعرب كالمتضايفين كرأيت معدي كرب، ونزلت قاليقلا اسم موضع فتسكن الياء بلا خلاف استصحاباً لحكمها حالة البناء، أو منع الصرف كما في الهمع وفي الروض الأنف تقول: تفرقوا أيادي سبا بسكون الياء وهو حال لجعلهما كالاسم الواحد ا هـ نكت لكن نقل بعضهم جواز الفتح أيضاً وَمنَ العرب مَنْ يسكن ياء المنقوص مطلقاً. كقوله:
32 ــــ وَلَوْ أَنَّ وَاشٍ بِاليَمَامَةِ دَارُهُ
ودَارِي بِأَعْلَى حَضْرَمُوتَ اهْتَدَى لِيَا
فسكن ياء واشٍ وحذفها للتنوين قال المبرد: وهو من أحسن ضرورات الشعر لأنه حمل النصب على الرفع والجر، والأصح جوازه في السعة لقراءة جعفر الصادق مِن أوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهَالِيكُمْ}
(المائدة: 89)
بسكون الياء، وألف بعد الهاء ا هـ صبان.I
قوله: (وَيُقَدَّرُ فِيهِ الرَّفْعُ والجَرُّ) أي لثقلهما على الياء، وقد ظهرا ضرورة كقوله:
33 ــــ لَعَمْرُكَ مَا تَدْرِي متَى أَنْتَ جَائِيٌ
وَلَكِنَّ أَقْصَى مُدَّةِ العُمْرِ عَاجِلُ(3)
وكقول جرير:
34 ــــ فَيَوْماً يُوافِينَ الهَوَى غَيْرَ مَاضيٍ
وَيَوْماً تَرَى مِنْهُنَّ غُولاً تَغَوَّلا(4)
---(1/120)
قوله: (وأيُّ فعلٍ الخ) أي مضارع لأن الكلام في المعرب. وفعل الشرط كان محذوفاً للضرورة لأنه لا يحذف مع غير أن ولو إلا مفسراً بفعل بعده كما نص عليه ابن هشام في شرح: بَانَتْ سُعَادُ، وآخر اسم كان ومنه صفته وألف خبرها. وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة في المنصوب ولا ينافيه رسم أو واو بلا ألف لإمكان جعله خبر مبتدإ محذوف. أي أو آخر منه واو الخ. فأوْ لعطف الجملة على جملة كان بتمامها، أو اسمها ضمير الشأن، وجملة آخر منه ألف خبرها مفسرة له كما في الأشموني أي، فهي في محل نصب، وقولهم: لا محل للجملة المفسرة، أي، لغير ضمير الشأن وصريح ذلك الجري على أن كان الشأنية ناقصة حيث جعل الجملة خبرها. وقيل إنها تامة لأن الجملة لتفسيرها الضمير كأنها هو، وقيل: واسطة ففي كان الشأنية ثلاثة أقوال حكاها في النكت، وأصحها الأول لأن ضمير الشأن لا يعمل فيه إلا الابتداء، أو أحد نواسخه، وعلى الأخيرين فهل محل الجملة رفع كمفسرها؟ الفاعل أو لا محل لها يحرر.
قوله: (فَمُعْتَلاَ) الأولى جعله مفعولاً ثانياً لعرف بمعنى علم لا حالاً من ضميره لأن القصد علم كونه معتلاًّ لا معرفة ذاته مقيدة به، أو ضمن عرف معنى سمى. وانظر لم دخلت الفاء في جواب الشرط مع صلوحه لمباشرة الأداة، ولعله على تقدير قد فتأمل.
قوله: (فالألف) منصوب بمحذوف يفسره انوِ لازم له كاقصد أو لابس على حد: زيداً ضربت أخاه، ولا يقدر انوِ لأن الألف لا تُنْوَى.
قوله: (ثلاثهن) أي أحرف العلة مفعول احذف، ومفعول جازماً محذوف أي الأفعال، أو ثلاثهن أي الأفعال فهو مفعول جازماً ومفعول احذف محذوف أي أحرف العلة، وعلى الأول حل الشارح.
قوله: (تَقْضِ) أي تؤد حكماً محكوماً به، أو تقض بمعنى تحكم، وحكماً مصدر مبين لنوعه.
قوله: (إلا أن النصب يظهر الخ) وقد يقدر للضرورة كقوله:
35 ــــ فَمَا سَوَّدَتْنِي عَامِرٌ عَنْ وراثةٍ
---
أَبى الله أنْ أَسْمو بأُمَ وَلا أب
وقوله:(1/121)
36 ــــ ما أقْدَرَ الله أنْ يُدنى عَلَى شَحَطٍ
مَنْ دارُهُ الحَزْنُ مِمَّنْ دارُه صُولُ
وما تعجبيّة والشحط البعد والحزن وصول موضعان وانظر هل يجوز ذلك في السعة كما مر في المنقوص.
قوله: (إلى أن الثلاث الخ) أي إذا كانت أصلية أما المبدلة من الهمز كيقرا ويقري ويوضو فلا تحذف إن قدر الإبدال بعد الجزم، وهو القياس لأخذ الجازم مقتضاه بتسكين الهمز فإن قدر قبله كان شاذاً لتحرك الهمزة، ولا يحذف أيضاً في الأكثر لعدم الاعتداد بالعارض فيقدر السكون على الهمزة المبدلة، أو على بدلها فتدبر.
قوله: (تحذف في الجزم) أي لضعفها بالسكون فسلط الجازم عليها لكونه لم يجد غيرها لكن التحقيق مذهب سيبويه أنه إنما يحذف الحركة المقدرة، ويحذف الحرف عنده لا به فرقاً بين المجزوم وغيره. وإما ثبوتها مع الجازم في نحو قوله:
37 ــــ وَتَضْحَكُ مِنّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّة
كَأنْ لَمْ تَرَى قَبْلي أَسِيراً يَمانيَا
فضرورة لأنها ترد الكلمة إلى أصلها كما في سبك المنظوم للمصنف، وحينئذ فجزمه بسكون مقدر على الحرف حتى على القول الأول للضرورة، ويحتمل أنه جزم بحذف الحرف، ثم عاد للضرورة. وفي الهمع أنه لغة فجزمه كذلك، وخرج عليها قراءة قنبل أنه من يتقي ويصبر} بالياء وجزم يصبر، وقيل الموجود إشباع والحرف الأصلي حذفه الجازم، ويرده أن حرف الإشباع لا يكتب أو من موصولة وسكن يصبر تخفيفاً، أو لنية الوقف وليس من ذلك سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنْسَى}
(الأعلى:6)
لأنه نفي لا نهي، أي، فلست تنسى.
---(1/122)
تتمة: بقي مما تقدر فيه الحركات ما سكن للوقف، أو للإدغام كيضرب بكر وداود جالوت، أو لتخفيف كتسكين بارئكم وبعولتهن ورسلنا ومكر السيء ويأمركم ويشعركم. والصحيح جوازه نثراً للقراءة به في السبع والتبع كالحمد لله، والمحكي كالعلم المركب إسناداً، والمضاف لياء المتكلم حتى في حال جره خلافاً للمصنف لسبق حركة المناسبة على الإعراب، وكالياء بدلها كيا غلاماً، ويقدر السكون فيما حرك للساكنين كلم يكن الذين وما أدغم في آخره كلم يشد وما حرك من القوافي كقوله:
38 ــــ أَغَرَّكِ منِّي أَنَّ حُبَّكِ قَاتِلي
وَأنَّكِ مَهْما تَأمُري القَلْبَ يَفْعَلِ
---(1/123)
والظاهر، أن هذا التقدير كله للتعذر فيما عدا المخفف لتعذر الحركة الأصلية مع الوقف والإتباع مثلاً. ولا يختص التقدير بالحركات بل تقدر النون في الأفعال الخمسة عند تأكيدها كما مر. والحروف الثلاثة في الأسماء الستة إذا وليها ساكن كأبى الرجل وكذا ألف المثنى كغلاما المرأة والواو والياء في جمع غير المقصور كصالحو القوم، والمقيمي الصلاة. أما في جمع المكسور فيحركان للساكن كياء المثنى، ولا تحذف لعدم ما يدل عليها لفتح ما قبلها أبداً. والظاهر أن تقدير هذه الحروف للثقل لا للتعذر قيل: وكذا تقدر الواو في الجمع المضاف لياء المتكلم رفعاً كجاء مسلمي لذهاب صورتها إذ أصله: مسلمون لي حذفت النون واللام للإضافة وقلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء وأدغمت فيها وكسرت الميم لتناسبها. قال ابن الحاجب: وتقديرها للثقل لأن الموجب لقلبها ياء ثقلها مع ياء المتكلم فرد عليه بأنها تتعذر ما دامت الياء الأولى، فاللائق أنه للتعذر نظراً للحال الراهنة كما قدروه في الفتى للتعذر مع أن أصل الألف لا تتعذر عليها الحركة، بل تثقل لكن أنت خبيرٌ بأن الموجب لقلب آخر الفتى ألفاً ليس مجرد الثقل كما هنا بل تحركه بأي حركة كانت، ولو خفيفة مع فتح ما قبله فاعتبر فيه الحال الراهنة لأن الياء الأصلية لا تقدر فيها جميع الحركات حتى يصح اعتبارها بخلاف ما هنا فتدبر. وهذا والمختار وفاقاً لأبي حيان أن إعرابه لفظي لوجود ذات الواو، وتغير صفتها لعلة تصريفية لا يقتضى تقديرها والله أعلم.
النَّكِرَةُ وَالمَعْرِفَةُ
---(1/124)
اسما مصدر لنكر، وعرف المشدد، ومصدران للمخفف يقال: نَكِرْتُ الرجل بالكسر ضد عرفته، ثم جعلا اسمَيْ جنس للاسم المنكر، والمعرف لا علمين لهما كما قيل وإلا لمنعا الصرف، ولا يصح أن علميتهما لكونهما ترجمة لأن مدلولهما حينئذ الألفاظ التي بعدهما كسائر التراجم لا الاسمان المذكوران لأن التقدير: هذا باب شرح النكرة كما لا يخفى، وقدم النكرة لكثرتها إذ كثير من النكرات لا معرفة له كأحد وعريب دون عكسه، ولسبقها تعقلاً واعتباراً لأنها تدل على الشيء من حيث هو، والمعرفة لا بد لها من تعيين ما في القصد بنحو صلة، أو عهد قيل ووجوداً كالآدمي إذا ولد يسمى إنساناً ومولوداً، ثم يوضع له العلم ونحوه، ويرده أنه يطلق عليه المعارف أيضاً كهو وهذا والذي ولد والمولود فتدبر. وأنكر النكرات مذكور فموجود فمحدث فجوهر فجسم فنام فحيوان فإنسان فرجل فعالم، ويقاس على ذلك ما شابهه فكمذكور معلوم وشيء لصدق الشيء بالمعدوم لغة، وكحيوان شجر وحجر مثلاً، وكإنسان فرس وحمار، وكرجل امرأة، وكعالم جاهل وضارب مثلاً، وما بينهما العموم الوجهي كإنسان وأبيض. فالظاهر أنهما في مرتبة واحدة لتقابل عموم كل بخصوصه. وبعد فلا فائدة في هذا البحث إلا التمرين.
قوله: (نكرة) مبتدأ لأنها المحدث عنها، وسوَّغَهُ التقسيم لا الجنس في ضمن الإفراد كما قيل لعدم صلوحه مسوغاً كما مر في الكلام، وقابل أل خبر وذكره لأن المراد اسم قابل أل والاسم يقع على المذكر والمؤنث، أو لتأول النكرة باللفظ مثلاً لا بالكلمة.
---(1/125)
قيل: أو لكون النكرة صفة لمحذوف مذكر أي اسم نكرة، وهو الذي سوغ الابتداء بها ويرده ما مر من أنها اسم جنس للمنكر لا وصف إلا أن يلاحظ أصلها، وهو المصدرية وتؤول بالمشتق بقي أن قابل أل الخ تعريف للنكرة، والتعريف ليس محمولاً على المعرف لا مواطأة ولا اشتقاقاً كما صرح به الميزانيون لئلا يحكم عليه قبل تصوره، وإنما هو تفسير له على حذف أي التفسيرية أو عطف بيان عليه كجاء زيد أو عبد الله لا خبر عنه حتى يحتاج إلى مسوغ كذا قيل، وهو مردود بأن الحكم على الشيء إنما يتوقف على تصوره بوجه ما ولو بالاسم لا التصور التام الحاصل بالتعريف مع أن كونه تصوراً خالياً عن الحكم إنما هو بالنسبة للسامع الجاهل بالمعرف.
أما بالنسبة للمتكلم العالم به فحكم قطعاً، وإن كان قصده الأصلي تفسيره. وهذا معنى ما قيل إنه تصوير لا تصور. ولو سلم عدم حمله أصلاً كما اختاره بعض المحققين فلابد من المسوغ لتصحيح صورة اللفظ لأنهما مبتدأ وخبر صورة لا حقيقة فتدبر.
وحمل المواطأة ما يصح بلا تأويل بالمشتق. أو حذف المضاف كحمل العلم على الفقه، وحمل الاشتقاق بخلافه كحمل العلم على الشافعي.
قوله: (مؤثراً) حال من المضاف إليه، وهو أل لأن المضاف اسم فاعل يقتضي العمل في الحال.
---(1/126)
قوله: (مَا يَقْبَلُ أَلْ الخ) اعترض بأنه غير جامع لخروج الحال والتمييز واسم لا ومجرور رب وأفعل من، فإنها نكرات مع أنها لا تقبل أل، ولا تقع موقعه وغير مانع لدخول يهود ومجوس. وضمير الغائب العائد للنكرة كجاءني رجل فأكرمته فإنها معارف مع أن الأولين يقبلان أل، والثالث واقع موقع قابلها، وهو رجل والجواب عن الأول أن الحال وما معه يقبل أل في الإفراد، ولا يضر عدم قبولها في تراكيبها الخاصة لعروضه وعن الثاني أن يهود ومجوس لا يقبلانها إلا إذا كانا جمعين ليهودي ومجوسي، كروم ورومي، وهما حينئذ نكرتان أما إذا كانا علمين على القبيلتين فلا. وحينئذ يمنعان الصرف للعلمية والتأنيث المعنوي، وأما الضمير فمعناه الرجل المذكور، وهو لا يقبل لا رجل بالتنكير فتدبر.
قوله: (وَتُؤثِّر فيهِ التَّعرِيف) قيد به لأنه المراد من تأثير أل عند الإطلاق فخرج نحو العباس والحارث فإن أل فيهما مؤثرة للمح أصلهما من الوصفية بشدة العبوس والحارث لا للتعريف.
قوله: (وَمِثَالُ مَا يَقَعُ) منه أيضاً ما توغل في الإبهام كأحد وعريب وغير وشبه لوقوعها موقع إنسان مثلاَ. وكذا امرؤ وامرأة. ولعله لم يسمع دخول أل عليهم فيكون نحو الغير والشبه مولداً، وكذا أسماء الاستفهام والشرط تقع موقع ذات أو زمان أو مكان، وأما تضمن الاستفهام والشرط فزائد على أصل الوضع، ومن هذا النوع أيضاً لا من الأول أسماء الفاعلين والمفعولين لأن أل فيها موصولة لا معرفة، وهي بمعنى ذات وقع عليها أو منها الضرب مثلاً.
وكل وبعض بمعنى جميع وجزء وإدخال أل عليهما لحن عند الجمهور لإضافتهما معنًى، وتنوينهما بدل عنها، وكذا أسماء الأفعال النكرات لوقوع صه مثلاً موقع سكوتاً، أو موقع اسكت الدال عليه فتدبر.
قوله: (وَصَاحِبُ يَقْبَلُ أَلْ) أي المعرفة لأن المراد به الدوام والثبوت. فهو صفة مشبهة لا اسم فاعل حتى تكون موصولة.
---(1/127)
قوله: (وغَيْرُهُ مَعْرِفَةٌ) أفرد الضمير لإرادة المذكور لا لأن العطف بأو لأنها تنويعية بمعنى الواو لا للأحد الدائر حتى تقتضي الإفراد. وفي الأخبار: قلب، لأن المعرفة هي المحدث عنها ببيان خاصتها كالنكرة، ولم يعرفهما بالحد لما في التسهيل من تعذره بلا اعتراض عليه،وعلَّله بما لم يسلم له، وقد عرف كثير النكرة بما شاع في جنس موجود كرجل أو مقدر كشمس والمعرفة بما وضع ليستعمل في شيء بعينه، ولا اعتراض. وأفهم كلامه عدم الواسطة بينهما وهو الأصح خلافاً لمن أثبتها فيما لا يدخله تنوين، ولا أل كمن وما.
قوله: (كَهُمِ وذِي إلخ) لم يرتبها لضيق النظم وقد رتبها في الكافية بقوله:
فَمُضْمَرٌ أعرَفُها ثُمَّ العَلَمْ
فَذُو إشارةٍ فَمَوصُولٌ مُتَمْ
فَذُو أداة فمُنادى عُيِّنا
فَذُو إضافةٍ بها تَبَينَا
وترك المنادى هنا كاسم الفعل غير المنون، ونحو أجمع في التوكيد لذكرها في أبوابها، وذكر سحر فيما لا ينصرف، ويقاس به أمس، وبعضهم يرد ذلك إلى ما هنا لأن تعريف أجمع بالعلمية الجنسية أو الإضافة المقدرة، والباقي بأل مقدرة لكن اختار في التسهيل أن تعريف المنادى بالمواجهة له، والإقبال عليه لا بأل فليس مما هنا.
واعلم، أن الجلالة أعرف المعارف إجماعاً، ثم الضمير على الأصح لا العلم، ولا الإشارة وأعرفه ضمير المتكلم، فالمخاطب فالغائب السالم من الإبهام بأن يتقدمه اسم واحد كما في التصريح بخلاف: جاء زيد وعمرو فأكرمته فهذا كالعلم أو دونه والمراد العلم الشخصي كما في التسهيل. أما الجنسي، فالظاهر أنه دون الجميع، وأما المضاف، فكما أضيف إليه عند المصنف مطلقاً وعند الأكثر إلاَّ المضاف للضمير فكالعلم لأنه يوصف به كمررت بزيد صاحبك، والصفة لا تكون أعرف من الموصوف بل مثله، أو دونه.
---(1/128)
ورد بأنه لا ضرر في ذلك بل هو الأنسب لكونها تعين الموصوف وتوضحه. ولذا اختاره ابن هشام تبعاً للفراء والشلوبين، وقال المصنف: إنه الصحيح نعم على قول الناظم ينتقض القول بأن الضمير أعرف الجميع، والأنسب كون المضاف دون ما أضيف إليه مطلقاً لاكتسابه التعريف منه، ولأن نحو: غلام زيد صادق بأي غلمانه ففيه إبهام عن زيد.
قوله: (والذي) مقتضاه، أنه يسمى معرفة حال إفراده على الصلة، وهو كذلك كما قاله ابن هشام للزومها له، وعدم استعماله بدونها بخلاف المضاف دون المضاف إليه.
قوله: (فما لذي الخ) ما فاته ترتيبها ذكراً رتبها تبويباً لكن فاته أن يترجم للضمير كأخوته، والفاء فصيحة كما لا يخفى، وما مفعول أول لسم، والظرف صلتها أي فما وضع لذي غيبة الخ، أي لمفهومه الكلي بناء على قول السعدان المضمرات ونحوها كالإشارات، والموصولات والحروف كليات وضعاً جزئيات استعمالاً. فهو مثلاً موضوع لمطلق غائب، ولا يستعمل إلا في واحد بخصوصه كزيد. أو المعنى فما وضع لأفراد ذي غيبة بناء على قول العضد والسيد أنها جزئيات وضعاً واستعمالاً فهو موضوع لكلّ فرد فرد مما يستعمل فيه لكن بواسطة استحضارها بأمر كلي يعم تلك الأفراد لتعذر أن يحيط الواضع على أنه من البشر بجميعها وقت الوضع تفصيلاً. فالوضع عام، والموضوع له خاص فإن قلت: إذا كان الضمير والإشارة والموصول مستوية وضعاً واستعمالاً فما معنى كون بعضها أعرف من بعض كما مر؟ قلت: لأن تعريفها من أمر زائد على الوضع كالمرجع، والحضور في الضمير، والإشارة في اسم الإشارة، والصلة في الموصول. ولا شك أن بعض هذه أوضح من بعض فالترتيب إنما هو باعتبارها لا بالوضع. ألا ترى أن الحروف مثلها وضعاً واستعمالاً، وليست معارف لعدم قرينة التعريف فتدبر.
قوله: (كأَنْتَ) جره بالكاف لقصده لفظه، وليس من إنابة ضمير الرفع عن ضمير الجر كما توهم.
---(1/129)
قوله: (بالضَّميرِ) فعيل من الضمور، وهو الهزال لقلة حروفه غالباً أو من الإضمار وهو الإخفاء لكثرة استتاره، ولأنه خفي في نفسه لعدم صراحته كالمظهر مع ما فيه من حروف الهمس غالباً. وهي التاء والكاف والهاء ولذا يسمى مضمراً أيضاً، ويسميه الكوفيون كناية ومكنياً أي كني به عن الظاهر اختصاراً.
قوله: (مَا دَلَّ عَلَى غَيْبَةٍ) أي لفظ جامد وضع لذي غيبة الخ. فخرج أحرف المضارعة وكاف الخطاب في نحو: ذاك، وآخر نحو: أنت وإياه، وضمير الفصل عند البصريين فإنها أحرف لنفس الغيبة والخطاب لا لذيهما، وخرج أيضاً ما فيه أل الحضورية كجئت الساعة، ونحو: يا زيد، فإن الحضور في ذلك ليس من الوضع بل من القرائن، والمراد بالحضور خصوص التكلم، والخطاب بقرينة التمثيل لا مطلق حضور فخرج أسماء الإشارة على أن حضورها لم يعتبر وضعاً، وإنما لزمها من كونها لا يشار بها إلا لحاضر، وبإيقاع ما على الاسم الجامد خرج لفظ غائب ومتكلم ومخاطب. فإنها مشتقة على أن المراد هنا بالمتكلم شخصي يحكي بذلك اللفظ عن نفسه، وبالمخاطب شخص يوجه إليه الخطاب به، وبالغائب ما تقدم له ذكر أي مرجع، وهذه ليست كذلك، وبهذا تخرج الأسماء الظاهرة بناء على أنها موضوعة للغائب لأنها لم يتقدم ذكرها.
والأصح أنها وضعت لمسماها المعين لا بقيد غيبة ولا حضور فاستعمالها في كل منهما حقيقة.
واعلم أن ضمير الغائب لا بد من تقدم مرجعه لفظاً ولو بمادته كـ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ}
(المائدة: 8)
أي العدل المفهوم من اعدلوا. أو معنًى بأن يعلم من السياق نحو: وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحدٍ}
(النساء: 11)
أي الميت بقرينة ذكر الإرث حَتَى تَوَارَت بالحِجَابِ}
(ص:32)
---(1/130)
أي الشمس بقرينة ذكر العشيّ والإلهاء عن ذكر ربه أي صلاة العصر، أو رتبة كضرب غلامه زيد فإن رتبة الفاعل قبل المفعول. ولا يعود على ما تأخر لفظاً ورتبة إلا في ست مسائل جعلوها في حكم المتقدم لنكات خاصة بها كالإجمال ثم التفصيل، وهي: ضمير الشأن والقصة، والضمير المجرور برب، والمرفوع بنعم، أو بأول المتنازعين كما ستُبيَّن في أبوابها، والضمير المبدل مفسره كضربته زيداً واللهم صلِّ عليه الرؤوف الرحيم، والضمير المخبر عنه بمفسره نحو: مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا}
(الجاثية: 24)
وقولهم: هي النفس تحمل ما حملت، وهي العرب تقول ما شاءت وقيل: ضمير هذين للقصة وقيل: من باب ضربته زيداً فجملة تقول وتحمل خبره. وفي الهمع أنه قد يرجع إلى نظير السابق نحو: وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلاَ يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ}
(فاطر:11)
أي عمر معمر آخر عندي درهم، ونصفه أي نصف درهم آخر. ا هـ وجعله الدماميني لنفس السابق مع حذف مضاف. أي من مثل عمره ومثل نصفه.
قوله: (وذُو اتِّصَالٍ) إما خبر مقدم عن ما لأنها هي المعرفة، أو عكسه لأن القصد تعريف المتصل بما ذكر ومنه صفة ذو.
قوله: (ما لا يُبتَدَأ) أي به فحذف الجار فاتصل الضمير، واستتر وليس محذوفاً لأنه نائب الفاعل. ولئلا يحذف العائد المجرور بغير شرطه. والمراد لا يبتدأ بعد أن كان مفعولاً فلو أريد بقاؤه مفعولاً قيل: إياهما ضربت لاهما فتدبر.
قوله: (إلا) مفعول يلي لقصد لفظه، واختيار نُصِبَ بنزع الخافض أي في الاختيار. والمراد ما يعم إلا الاستثنائية والوصفية، وهي التي بمعنى غير كما في شرح الجامع.
قوله: (كاليَاءِ والكَافِ الخ) تمثيل لأنواعه ومحاله لكنه راعى الأعرف فقدم المتكلم فالمخاطب فالغائب. وإن فاته تقديم المرفوع، وتأخير المجرور كعادتهم للضرورة فمثل للمتكلم والمجرور بابني، وللمخاطب والمنصوب بأكرمك، وللمرفوع والغائب بسليه.
---(1/131)
قوله: (المُضْمَرُ) أي من حيث هو ينقسم الخ. وهل المتصل أصل المنفصل لأن مبنى الضمير على الاختصار، أو كل أصل قولان؟.
قوله: (فَمَا لِي عَوْضُ الخ) لي خبر مقدم، وناصر مبتدأ مؤخر، وإلاَّه مستثنى منه مقدم عليه، وقياسه: إلا إياه، وعوض ظرف يستغرق المستقبل كأبداً إلا أنه مختص بالنفي، وهو مبني على الضم لقطعه عن الإضافة كقبل وبعد، وسمع فيه حينئذ الكسر والفتح. فإن أضيف نصب كلا أفعله عوض العائضين كأبد الآبدين، وفي القاموس ما رأيته عوض فاستعمله في الماضي.
قوله: (وما نُبَالِي الخ) ما الأولى نافيه، والثانية زائدة لا مصدرية خلافاً للعيني لأن إذا الشرطية مختصة بالجمل الفعلية، وجملة أن لا يجاورنا الخ مفعول نبالي، وديار بمعنى أحد من ألفاظ العموم الملازمة للنفي أصله ديوار لأنه من دارَ يدورُ، وإلاّك مستثنى منه مقدم عليه، وقياسه: إلا أيّاك أي: لا نبالي بعدم مجاورة سواك أيتها المحبوبة إذا كنتِ أنتِ جارتنا.
وفي نسخ: وما علينا. أي: وما علينا بأس بعدم مجاورة سواك. وإذا تأملت في معنى البيت وجدت إلا بمعنى غير لا استثنائية، فتكون في محل نصب على الحال، والكاف في محل جر بالإضافة لا مستثنى كما قاله أرباب الحواشي، والاتصال ممنوع بعد كل منهما. كما في شرح الجامع.
قوله: (وَكُلُّ مُضْمَرِ الخ) لما كان تقسيمها الآتي بحسب مواقع الإعراب يوهم إعرابها دفعه بذلك في ابتدائه ليعلم أن الجرَّ وغيره لمحالها فقط. وليس هذا مكرراً مع قوله قبل كالشبه الوضعي لأنه لا يفيد هذه الكلية فأشار هنا إلى أن هذا الشبه في بعضها، والباقي محمول عليها، أو أن له عللاً أخرى.h
---(1/132)
قوله: (كَلَفْظِ مَا نُصِبْ) أي في الصورة لو مع اختلاف الحركة كضربته وبه. واعلم أن كلامه الآن في المتصل من قوله، وذو اتصال إلى قوله، وذو ارتفاع وانفصال فأشار إلى المجرور والمنصوب في هذا الشطر، وكل منهما اثنا عشر قسماً كما سيأتي، وإلى المرفوع فيما بعده، وإنما أخره لأنه ذكر حكم البناء هنا لدفع التوهم المار، وهو عام للمتصل والمنفصل فربما توهم أن ما بعده عام مثله فدفع ذلك بتقديم المجرور الذي لا يكون في المنفصل أصلاً فتدبر.
قوله: (في الجُمُودِ) هذا أحد أوجه أربعة في التسهيل، ثانيها، الشبه الوضعي في بعضها، وحمل الباقي عليه ثالثها الشبه الافتقاري لافتقار دلالتها إلى المرجع، أو الخطاب مثلاً. رابعها، استغناؤها عن الإعراب باختلاف صيغها لاختلاف المعاني كالحرف ا هـ وقال ابن غازي للشبه المعنوي لتضمنها معنى التكلم والخطاب والغيبة، وهي من معاني الحروف الجزئية كأحرف المضارعة واللواحق في إياي وإياك وإياه. ا هـ ومقتضاه أن مثل أحرف المضارعة كلمات اصطلاحية وهو قول الرضي.
قوله: (ولا تُثَنَّى الخ) وأما نحو: هما وهم ونحن فوضعت كذلك ابتداء.
قوله: (للرَّفْعِ الخ) متعلق بصلح الواقع خبراً عن نا، وهو بفتح اللام أفصح من ضمها لكن الفتح هنا متعين لئلا يلزم عيب السناد.
قوله: (كاعْرِفْ بِنَا) ضمنه معنى أشعر فعداه بالباء، أو هو بمعنى: اعترف بقدرنا.
قوله: (لا يُشْبِهَاننا الخ) هذا ظاهر فيما مثل به فقط لا في نحو: أعجبني كوني مسافراً إلى أبي فإن الياء في الجميع ضمير متصل لمعنى واحد، ومحلها نصب في الأول، ورفع في الثاني بالكون، وجر في الثالث. والجواب أن رفعها عارض من كون المضاف يطلب مرفوعاً كالفعل، ومحلها الأصلي بالنسبة للمضاف هو الجر فقط أما نا فمشتركة بالأصالة.
---(1/133)
قوله: (وَأَلِفُ) مبتدأ سوغه عطف المعرفة عليه. ولما غاب خبره وأشار بهذه مع قوله: للرفع والنصب وجرِّ إلى جواز عطف المعرفة على النكرة وعكسه. واكتفى بذلك عن ذكره في باب العطف، وأشار بهذه الثلاثة مع نا المتقدمة إلى بعض أقسام البارز المرفوع، وبقي التاء في نحو: ضربت ضربتما الخ، وياء المخاطبة في تضربين، ثم ذكر المستتر فتكمل ضمائر الرفع المتصلة ستة عشر كما ستعرفها.
قوله: (منْ ضَمَائِرِ الرَّفْعِ) أي مع الأفعال أما في نحو ضاربان وضاربون فحرفان. والفاعل مستتر.
قوله: (وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ) ولو قال لما غاب، وخوطب لكفاه لكن أجيب عنه بأنه دفع التوهم بالمثال كما أفاد به أنها خاصة بالرفع حتى لا يرد أنه في تقسيمه بحسب الإعراب لا الغائب وغيره.
قوله: (وَمِنْ ضَميرِ الرَّفْعِ) أفاد بتقديم الخبر اختصاص المستتر بالمرفوع لأنه عمدة فلا بد منه لفظاً أو تقديراً. وأما غيره ففضلة لا داعي إلى تقديره إذا عدم من اللفظ إلا لربط الخبر ونحوه. وذلك نادر وصنيع المصنف صريح في أن المستتر من المتصل لأن كلامه الآن فيه وهو الأصح لا من المنفصل. كما قيل إذ لا يبتدأ به، ولا يلي الإبل لا ينطق به أصلاً. واختار في الجامع أنه واسطة لأن الاتصال والانفصال من عوارض الألفاظ المحققة. ا هـ. نكت.
قوله: (أُوَافِق) مجزوم في جواب الأمر، ونغتبط بالغين المعجمة بدل منه.
قوله: (يَنْقَسِمُ الضَّميرُ) أي المتصل لما مر: والمراد بالبارز ما له وجود في اللفظ ولو بالقوة فيشمل المحذوف في نحو: الذي ضربت لإمكان النطق به، أما المستتر فأمر عقلي لا يمكن النطق به أصلاً، وإنما يستعيرون له المنفصل في قولهم تقديره أنت مثلاً للتقريب كما مر. فحصل الفرق بين المستتر والمحذوف ومع ذلك المستتر أحسن حالاً من المحذوف لأنه يدل عليه اللفظ والعقل بلا قرينة فهو كالموجود، ولذلك اختص بالعمد أما المحذوف فلا بد له من القرينة.
---(1/134)
قوله: (ما يَحُلُّ مَحَلَّهُ الظَّاهِرُ) أي بأن يمكن تسلط عامله على الاسم الظاهر، أو الضمير المنفصل كزيد قام يصح فيه قام أبوه أو ما قام إلا هو بخلاف الواجب، وليس المراد بالجواز صحة بروزه إذ لا يقال: قام هو على الفاعلية لأن المستتر مطلقاً لا ينطق به أصلاً لأنه أمر عقلي، وحينئذ فتسمية هذا جائزاً، ومقابله واجباً مجرد اصطلاح لا مشاحة فيه فاندفع ما للموضح هنا أفاده. سم.
قوله: (لِلْوَاحِدِ) سيذكر محترزه، والمخاطب لبيان الواقع، ولم يذكر نهي الواحد لدخوله في المبدوء بالتاء.
قوله: (لا يَجُوزُ إبرازُهُ) الأولى واجب الاستتار كما قال في مقابله الآتي كما يعلم مما مر.
قوله: (في أوله الهمزة) الأولى حذف في.
قوله: (نَحْوَ تَشْكُرُ) الأفيد جعله للمؤنثة الغائبة نحو هند تشكر ليكون المتن ممثلاً للمستتر جوازاً أيضاً، ولحصول المخاطب بافعل.
قوله: (هذَا مَا ذَكَرَهُ الخ) بقي مما يجب استتاره كما في التوضيح وشرحه ما رفع بفعل الاستثناء، أو التعجب أو باسم فعل مضارع أو باسم فعل أمر لمفرد كان أو لا كنزال يا زيد ويا هند ويا زيدان الخ، أو بالمصدر النائب عن فعله في الأمر نحو: فضرْب الرقاب}(2)، أو بأفعل التفضيل ا هـ.
ولا يرد أن الأخير يرفع الظاهر في مسألة الكحل إجماعاً، وفي غيرها على لغة قليلة كما سيأتي لندور ذلك، وأما مرفوع الصفة الجارية على من هي له فجائز الاستتار قطعاً كما سيمثل له الشارح بزيد قائم لأنه يخلفه الظاهر باطِّراد كزيد قائم أبوه، وعدم صحة بروزه لا يضر كما علم مما مر. خلافاً لمن وهم فيه. وكذا مرفوع نعم وبئس فتدبر.
قوله: (وكذا كل فعل الخ) أي مضارعاً كان، أو ماضياً إلا فعل الاستثناء والتعجب فإنهما للغائب مع وجوب الاستتار فيهما لجريان الثاني مجرى المثل فلا يغير ولئلا يفوت حمل الأول على إلا في تلو المستثنى له.
---(1/135)
قوله: (وَمَا كَانَ بِمَعْنَاهُ) أي الفعل من الصِّفات المحضة سواء جرت على من هي كما مثله أو لا، وخرج بالمحضة ما غلبت عليها الاسمية كالأجرع والأبطح فلا ضمير فيها أصلاً لدلالتها على مجرد الذات، وبقي من مواضع الجواز اسم الفعل الماضي كهيهات.
قوله: (وذُو ارْتِفَاعِ) أي محلاً كما مر، وهو خبر مقدم عن أنا، وهو بسكون الواو لغة حكاها الفارضي لا لمجرد الوزن مبتدأ، وأنت عطف عليه، والخبر محذوف أي كذلك، ولم نعطفهما على أنا لإفراد خبره المتقدم فهذه الضمائر لا تكون بالأصالة إلا مرفوعة، وأما ورودها غير مرفوعة فإنما هو بالنيابة عن ضمير الجر نحو: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا لقبح اللفظ معه أو النصب نحو:
39 ـــــ يَا لَيْتَنِي وَهُمَا نَخْلُو بِمَنْزِلَةٍ
للضرورة، ويكثر نيابتها في التوكيد كرأيتُكَ أَنْتَ، ومررْت بكَ أَنْتَ كما سيأتي، وأما نداؤها في نحو: يا أنت فشاذُّ.
قوله: (أَنَا لِلْمُتَكَلِّمِ الخ) المختار عند البصريين أن الضمير فيه وفي فروعه أن فقط والألف زائدة لبيان الحركة، والتاء حرف خطاب، ولواحقها لتبيين المثنى وغيره، وأن الهاء في هما وهم وهن هي الضمير وحدها، ولواحقها لتبيين الحال فإن والهاء مشتركان بين المفرد وغيره. واللواحق قرينة على المراد بهما، والنون الأولى في هن علامة النسوة والثانية كالواو، وفي همو وفي الفارضي أن الواو حذفت من أنتم تخفيفياً، ولذا عادت في ضربتموه لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها فتكون النون الثانية من أنتن في مقابلتها، وأما هو وهي فكلهما الضمير كما مر في البناء، وخالف الكوفيون في الجميع.
قوله: (وَذُو انُتِصَابٍ) مبتدأ خبره جعل، وفي انفصال حال من مفعوله الأول وهو ضميره النائب عن الفاعل وإياي مفعوله الثاني ولم يقل: وانفصال كسابقه للتفنن، والصحيح أن الضمير أياً فقط ولواحقها حروف تبين المراد واختار المصنف أنه الجميع.
---(1/136)
قوله: (أَشَارَ فِي هذا البيْتِ الخ) تلخص من كلام المصنف في قوله: وذو اتصال إلى هنا أن الضمير خمسة أنواع لذكره الرفع والنصب في كل من المتصل والمنفصل. وخص الجر بالمتصل كما علمته. وكل من هذه الخمسة اثنا عشر قسماً لأنه إما للمفرد المذكر، أو المؤنث أو لمثناهما، أو لجمع الذكور، أو الإناث وعلى كل إما مخاطب، أو غائب ثم المتكلم وحده. ومع غيره فالجملة ستون، ولا تخفاك أمثلتها ويزيد ضمير الرفع المتصل أربعة مع المضارع وهي: أضرب ونضرب وتضرب وتضربين. ولم يعد ضمير أمر الواحد لاتحاده مع تضرب كما اتَّحَدَ مضارع الغائب مع ماضيه في صورة المقدر، وكذا لم تعد الواو والألف ونون النسوة مع المضارع لاتحاد صورتها مع الماضي وكذا: اضربي مع تضربين وإنما حمل الضمير في الأمر على المضارع دون العكس لأنه الأصل فتدبر.
قوله: (لا يَجيءُ المُنْفَصِلُ الخ) أي لأن الغرض من وضع الضمير الاختصار فلا يعدل عن المتصل إلا حيث يتعذر. إما لضرورة كبيت الشارح أو لتقدمه على عامله: كَإِيَّاكَ نَعبُدُ}
(الفاتحة:4)
أو لحصره كـ لاَ تَعْبُدُوا إِلا إِيّاهُ}
(الإسراء:23)
وقوله:
40 ـــــ أَنَا الذَّائِدُ الحَامِي الذِّمَارَ وَإِنَّمَا
يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِمْ أَنَا أَوْ مِثْلِي(2)
أو لكون عامله محذوفاً كإيّاكَ والشَّر، أو معنوياً كأنا عبد أثيم، وأنت مولى كريم، أو حرف نفي نحو: ما هنَّ أمهاتهم، أو فصل عن عامله بمتبوع له كيخرجون الرسول وإياكم أو ولي واو المصاحبة كقوله:
41 ــــ فَآلَيْت لاَ أَنْفَكُّ أَحْذُو قصيدةً
تكونُ وإيَّاهَا بهَا مَثَلاً بَعْدِي(3)
أو لرفعه بمصدر ومضاف إلى المنصوب نحو: بنصركم نحن كنتم ظافرين، أو لغير ذلك كما في التصريح.
قوله: (بالبَاعِثِ الخ) متعلق بحلفت في بيت قبله، والأموات إما مجرور بإضافة الباعث، أو الوارث إليه، وحذف نظيره من الآخر على حد:
42 ــــ بينَ ذِرَاعَيْ وَجَبْهَةِ الأَسَدِ(4)
---(1/137)
أو منصوب تنازعه الوصفان فأعمل فيه الثاني، وحذف ضميره من الأول لكونه فضلة، وضمنت بمعنى تضمنت أي اشتملت عليهم حال من الأموات. والدهارير أول الدهر في الزمن الماضي لا واحد له من لفظه، ويقال: دهور دهارير أي مختلفة كما في القاموس، وفسرها في التصريح بالشدائد. ولكن المناسب هنا الأول، وفي الصحاح دهر دهارير أي شديد كليلة ليلاء، ويوم أيوم، وساعة سوعاء.
قوله: (هاء سلنيه) تنازعه الفعلان قبله فاعمل فيه الثاني لا الأول كما قيل. وإلا لأضمر في الثاني لما سيأتي إلا أن لا يجعل تنازعه بل حذف من الثاني لدلالة الأول لكون الوصل أرجح فيتعلق بالمعمول الظاهر. وهذا كالاستثناء من قوله: وفي اختيار الخ لا مناقض له كما قيل.
قوله: (وَمَا أَشْبَهَهُ) أشار الشارح في حله إلى أنه على حذف مضاف وما واقعه على فعل أي وهاء كل فعل أشبه سلنيه فيوهم اختصاص الحكم بالهاء والفعل، وليس كذلك فالأحسن جعل الأشموني ما واقعة على ضمير، والهاء في أشبهه عائدة لهاء سلنيه أي وكل ضمير أشبه هاء سلنيه فبما سيأتي. سواء كان عامله فعلاً كما مثله. أو اسماً كالدرهم أنا معطيكه ومعطيك إياه.
قوله: (لَيْسَ خَبَراً) صادق بكون العامل ليس ناسخاً أصلاً كسأل، أو ناسخاً لأحد الضميرين فقط كـ إِذْ يُرِيكُهُمُ الله فِي مَنَامِكَ قَليلاً}
(الأنفال:43)
الآية فإن رأى الحلمية لم تنسخ الكاف بل الهاء لكنها ليست خبراً في الأصل. فالآية من باب سلنيه لا خلتنيه لأن النسخ المعتبر في خلتنيه للضميرين معاً فتعبير الشارح أولى من التعبير بكون العامل ليس ناسخاً.
---(1/138)
قوله: (وَهُمَا ضَميرانِ) أي أولهما أعرف كما يفيده المثال فلو قدم غيره، أو اتحدت رتبتهما مع نصبهما وجب الفصل كما سيأتي في المتن، وخرج بكونهما مفعولين ما إذا رفع أولهما فيجب الوصل مع الفعل ولو قدم غير الأعرف كضربتك، وضربونا لأن الفصل إنما جاز للهرب من اتصال فضلتين بالعامل، وذلك مفقود هنا إذ المرفوع كجزء الفعل، ويجوز الأمران مع الاسم سواء كان الأول مرفوعاً أو مجروراً كعجبت من ضربيك وضربي إياك، وإذ الياء فاعل المصدر مجرور بالإضافة أو مرفوعاً فقط ولا يكون إلا مستتراً كأنا الضَّارِبُكَ، والضارب إياك على أن الكاف مفعول لا مضاف إليه، وإلا تعين الوصل لأن المجرور لا يكون إلا متصلاً ا هـ صبان وكذا يجب الوصل في أنا ضاربه بلا أل لتعين الإضافة فيه فإن نون الوصف تعين الفصل كضارب إياه فتدبر. فعلم أن اشتراط الشارح التعدي إلى مفعولين خاص بالفعل لأنه اقتصر عليه دون الاسم بقي أن موضوع المسألة الضميران فلو أبدل أحدهما بالظاهر كالدرهم أعطيته زيداً فالظاهر تعين الوصل على الأصل والله أعلم.
قوله: (عَلَى السَّواءِ) قد يؤخذ ترجيح الوصل من تقديمه في عبارته، وأصرح منها قول الكافية:
سَلْنِيهِ صِلْ وَقَدْ فُصِلْ
ومنه: فَسَيَكْفِيكَهُمُ الله}
(البقرة:137)
، أَنْلَزِمُكُمُوهَا}
(هود:38)
إنْ يَسْأَلْكُمُوهَا}
(محمد:37)
إِذْ يُرِيكَهُم الله}
(الأنفال:43)
. كما مر هذا في الفعل. أما في الاسم فالانفصال أرجح لضعفه عن اتصال المعمولين به لكونه فرع الفعل في العمل، ومن الوصل قوله
43 ـــــ وَمَنْعُكَهَا بِشَيْءٍ يُسْتَطاعُ(2)
وقوله:
44 ــــ لَئِنْ كانَ حبُّكِ لِيَ صَادِقاً
لَقَدْ كَانَ حُبِّيكِ حَقّاً يَقِينا(3)
---(1/139)
قوله: (مَخْصُوصٌ بِالشِّعْرِ) يرده حديث: «إِنَّ الله مَلَّكَكُمْ إِيَّاهُمْ»(4) أي الأرقاء ولو شاء لملكهم إياكم والشاهد في الأولى فقط لوجوب الفصل في الثانية لتقديم غير الأعرف، ولو وصل لقال: مَلَّكَكُمُوهُمْ بفتح الكاف الأولى، وضم الثانية، وقد يقال: عدل عن هذا لثقله مع ما في الفصل من مشاكلة ما بعده فتدبر.
قوله: (إذَا كَانَ خَبَرُ كانَ ضَمِيراً الخ) سكت عن اسمها فأفاد أنه لا يشترط كونه ضميراً، ويدل عليه ابن الناظم نحو: الصديق كأنه زيد لكن عبارة شرح الكافية تدل على الاشتراط.
قوله: (وَأَخَواتِها) مثله في شرح الكافية، وجزم أبو حيان بتعين الفصل فيها، وأن ليسى وليسه شاذ.
قوله: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ اتِّصَالُهُ) أي في غير الاستثناء أما فيه فيجب الفصل كجاؤوا ليس إياه، ولا يكون إياه كما يجب مع إلا، وتفارق هذه المسألة ما قبلها بأن أول الضميرين مرفوع ويحل محله الظاهر في قول: والعامل ناسخ لهما معاً.
قوله: (فاخْتَارَ المُصَنِّفُ الاتّصَالَ) أي لأنه الأصل، ولكثرته نظماً ونثراً في الفصيح كحديث «أَن يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ» إلخ وكقول أبي الأسود لعبده:
45 ــــ دَعِ الخَمْرَ يَشْرَبْها الغُواةُ فَإنَّني
رَأَيْتُ أَخَاهَا مُغنياً بِمَكَانِها
فإن لاَ يَكُنْها أَو تَكُنْهُ فَإنَّهُ
أَخُوهَا غَذَتْهُ أُمُّهُ بِلَبَانِها(2)
ومراده بأخيها نبيذ الزبيب، ولعله ممن يقول بحله إذا لم يسكر، وأما الانفصال فجاء شعراً كقوله:
46 ــــ لَئِنْ كَانَ إيّاهُ لَقَدْ حالَ بَعْدَنا
عَنِ العَهْدِ والإنسانُ قَدْ يَتَغَيَّرُ(3)
ولم يجىء نثراً إلا في الاستثناء ومر مثاله.
قوله: (الثَّاني منْهُما خبر الخ) أي لكون العامل ناسخاً لهما معاً.
---(1/140)
قوله: (وَهُمَا ضميران) أي أولهما أخص، وغير مرفوع فلا فرق بين هذه وسلنيه إلا بالنسخ، وإذا كان أولهما أخص فلا بد من تغايرهما معنى كما هو ظاهر، ولا يحتاج جعل الأخبار فيهما من باب شعري إلا في اتحاد الرتبة كما سيأتي.
قوله: (أَرْجَحُ) أي في المسألتين لأن حق الخبر الانفصال قال الرضي: وإنما وصل أولهما لقربه من الفعل، وإن كان حق المبتدأ كذلك، ووافقه في التسهيل على باب ظن لحجز الخبر عنه بمنصوب شبه الفضلة فرجع إلى أصل الخبر بخلاف: كنته فلم يحجزه إلا ضمير رفع كجزء الفعل فأشبه هاء ضربته، فرجع إلى أصل الضمير من وصله بعامله.
قوله: (إذا قَالَتْ الخ) حذام بالبناء على الكسر اسم امرأة هي الزباء، وقيل غيرها، وكانت تبصر من مسافة ثلاثة أيام، ولا تخطىء في قول تقوله. ولذا صار هذا الشعر مثلاً لمن يقدم قوله على غيره كما هو مراد الشارح.
قوله: (وَقَدِّمَ الأَخَصَّ) أي في المسائل الثلاثة كما في الأشموني دون غيرها وضابطه أن يرفع أحد الضميرين في غير باب كان كضربونا فاسألونا فيجب اتصالهما، وتقديم المرفوع وإن كان أنقص لجبره بكونه كجزء العامل فلا يحجز المنصوب عن الاتصال على أصل الضمير بلا معارض بخلاف الأبواب الثلاثة، ونص بهذا على أن جواز الأمرين مشروط بتقديم الأخص لأن قوله، وما أشبهه يصدق بأي شبه، ولو في غير ذلك.
قوله: (فَلاَ تَقُولُ أَعْطَيْتُهُوك) أي ولا حسبتهوك، ولا كانوك بل يجب الفصل لتقديم غير الأخص.
قوله: (وأَجَازَهُ قَوْمُ) كالمبرد، وكثير من القدماء لكن الفصل عندهم أرجح.
قوله: (أَرَاهُمَنِي الخ) الباطل فاعل أرى، والهاء مفعول أول، والياء ثان، وشيطاناً ثالث. قال ابن الأثير: وفيه شذوذان: الوصل، وترك الواو لأن حقه أراهموني كرأيتموها.
قوله: (كنتُ بالخِيَارِ) من هذا مع ما قبله، يعلم جواز الأمرين حال تقديم الأخص.
---(1/141)
قوله: (لأنه لا يَعْلَمُ) الأولى لتبادر خلاف المراد لأن الفاعل معنى وهو الآخذ يجب تقديمه على المأخوذ ضميراً كان، أو ظاهراً فلو قدم غيره تبادر أنه الآخذ فيحصل اللبس، وأما عدم العلم بشيء فإجمال لا لبس.
قوله: (وفي اتّحَادِ الرُّتْبَةِ الخ) قال سم أي في باب سلنيه، وخلتنيه لأن من قيودهما كون أحد الضميرين أخص فهذا محترزه، وكذا اقتصر الأشموني في التمثيل عليهما ومقتضى ذلك أن باب كان يجوز فيه الوصل مع اتحاد الرتبة ككنتني بضم التاء، وكنتك بفتحها، ويكون الإخبار فيه على حد شعري شعري كما سيأتي، وربما يؤيده أن امتناع الوصل فيهما حينئذ إنما هو لتوالي المثلين مع إيهام كون الثاني تأكيداً،وهو مفقود هنا لاختلاف لفظ الضميرين وإعرابهما ومنه في الغيبة حديث: أن يكنه الخ لكن فيه أن مسمى الضميرين في هذا مختلف فيسوغه بخلاف ما قبله لما سيأتي أن كون الفاعل والمفعول ضميرين متصلين لمسمى واحد من خواص أفعال القلوب، وأيضاً مر عن الأشموني أن تقديم الأخص واجب في الأبواب الثلاثة مع أنه يلزمه اختلاف الرتبة إلا أن يراد تقديمه عند وجوده فليتأمل ويحرر.
قوله: (وَقَدْ يُبِيحُ الغَيْبُ فِيه) أي في اتحاد الرتبة.
قوله: (لِمُتَكَلَّمَيْنِ) أي بحسب الأصل وإن كانا ذلك التركيب لمتكلم واحد، أو مخاطب واحد إذ لا يمكن اتحاد رتبتهما في التكلم والخطاب إلا حينئذ بخلاف الغيبة. وفي نسخ لمتكلم أو مخاطب أو غائب، وهي ظاهرة وإذا اتحد مدلول الضميرين كان الإخبار في خلتك إياك على حد شعري شعري.
---(1/142)
قوله: (وَاخْتَلَفَ لَفْظُهُمَا) أي في الإفراد والتذكير أو ضدهما كمثاله ونحو أحسن الناس وجوهاً، وأنصرهموها سواء تباعد الهاءان كما ذكر، أم تقاربا نحو أعطاهوها، وأعطاهاه إلا أن الفصل حينئذ أجود تخلصاً من قربهما إذ ليس بينهم إلا حرف واحد بخلاف ما مر. وإنما اشترط اختلاف لدفع توالي المثلين، وإيهام التأكيد، وقيد بالغيبة لأن اختلاف لفظ الضميرين المتحدي الرتبة إذا لم يرفع أولهما يلزمه تعدد مدلولهما، وذلك لا يمكن في الخطاب، أو التكلم لأنهما حينئذ لشيء واحد إذ لا يقال علمتنان ولا ظننتكماك.
قوله: (وَإِلَيْهِ أَشَارَ) أي لشرط الاختلاف قال ولده، وأشار إليه هنا بتنكير وَصِلْ أي يبيح الغيب فيه نوعاً خالصاً من الوصل، ووكل تفسيره إلى الموقف.
قوله: (فِي الكَافِيَةِ) مثله في النكت وفي ابن الميت أنه سهو، وإنما هو في الشافية، وأما بيت الكافية فهو:
وَلاضْطِرارٍ سوَّغُوا في ضَمِنتْ
إيّاهُمُ الأرْضُ فحَقِّقْ مَا ثَبَتْ
قوله: (وَرُبَّمَا أثْبِتَ) أي بعد قوله، وفي اتحاد الرتبة.
قوله: (وَقَبْلَ يا النَّفْسُ) أي المتكلم بقرينة وليسي وليتني فلا يرد إطلاق النفس على المخاطب وغيره سم.
قوله: (مَعَ الفِعْلِ) متعلق بالتزام أوحال من يا النفس ومفهومه أنها لا تلزم مع غير الفعل بل أما تجوز براجحية أو مرجوحية أو استواء كما بينه بقوله: وليتني فشا الخ أو تمتنع،وهو ما عدا ذلك. وفي التوضيح أنها تلزم مع اسم الفعل المتعدي أيضاً كدراكني وعليكني وحكى الفراء مكانكني أي انتظرني لكن صريح الرضي جوازها فقط، وكان من حقها أن تلحق بقية الأسماء لتقيها خفاء الإعراب لكن تركت لئلا تفصل بين المتضايفين، وقد لحقت شذوذاً اسم الفاعل لشبهه بالفعل، واسم التفضيل لشبهه بالتعجب فالأول كقوله صلى الله عليه وسلّم لليهود: «هَل أَنْتُمْ صَادِقُونِي» ولو حذفت لقيل صادقي بكسر القاف وشد الياء وقوله:
w
---(1/143)
47 ــــ ولَيْسَ بِمُعْيِيني وَفِي النَّاسِ مُمْتِعٌ
صَدِيقٌ إذا أَعْيَا عَلَيَّ صَدِيقُ
ومن الثاني قوله صلى الله عليه وسلّم: «غَيْرُ الدَّجَّالِ أخوفني عليكم» روي بلانون وبها أي أخوف الأمور التي أخافها عليكم والمفضل عليه محذوف أي أخوف من الدجال لعلمهم بصفته فلا يخفى عليهم تلبيسه بخلاف غيره فرب متستر بالصلاح أضر على الأمة من متجاهر بالفسق.
قوله: (لَحِقَتْهُ نُونُ الوِقَايَةِ) أي وتدغم فيها نون الرفع في الأفعال الخمسة، أو تفك كتأمروني وتحاجوني، وقد تحذف إحداهما تخفيفاً، والصحيح أنه نون الرفع لأنه عهد حذفها لغير ذلك، ولأنها نائبة عن الضمة التي تحذف تخفيفياً، وشذ حذفها مع فعل الإناث، ولا فرق في الفعل بين الماضي المتصرف وغيره، كذرني ويذرني وكخلاني وعداني وحاشاني إذا جعلت أفعالاً كقوله:
48 ــــ تُمَلُّ النَدامى ما عَدَاني فَإِنَّني
بِكُلِّ الَّذِي يَهْوَى نَديميَ مُولَعُ
فإن قدرت حروفاً سقطت كقام القوم خلاي.
قوله: (لأنَّهَا تَقِي الفِعْلَ) أي الصحيح، وحمل عليه نحو دعى ورمى طرداً للباب، وقوله الكسر أي الذي يختص مثله بالاسم، وهو الذي بسبب ياء المتكلم لأنه أخو الجر في الاختصاص فَصِينَ عنه الفعل أما ما لا يختص به بأن لم يدخله أصلاً كالذي قبل ياء المخاطبة، أو يدخل فيهما كالذي للتخلص من السكونين فلا حاجة لصونه عنه فلا يرد نقضاً وقال الناظم: لأنها تقي لبس ياء المتكلم بياء المخاطبة، وأمر المذكر بأمر المؤنث في نحو: أكرمني وأكرمي وحمل الماضي والمضارع على الأمر، ودخلت في غير الفعل لتقي تغير آخره.
قوله: (وَقَدْ جَاءَ حَذْفُها مَعَ لَيْسَ) أي لشبهه للحروف الآتية في الجمود والقياس لزومها كسائر الأفعال، وهو الكثير كقول بعضهم، وقد بلغه أن شخصاً يهدده: عليه رجلاً ليسني أي ليلزم رجلاً غيري.
---(1/144)
قوله: (الطَّيْس) بفتح المهملة وسكون التحتية الرمل الكثير، وإذا ظرف زمان لعددت أو للمفاجأة، والمعنى عددت قومي كالرمل كثرة وقت ذهاب الكرام أو ففاجأني ذهابهم سواي واسم ليس مستتر وجوباً، والياء خبرها أي ليس الذاهب إياي ففيه شذوذ آخر حيث اتصل الضمير بفعل الاستثناء.
قوله: (ما أفْقَرَنِي) من فقر بالكسر أي افتقر لا من افتقر لأن صوغ التعجب من غير الثلاثي شاذ.
قوله: (عِنْدَ مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْها) هم الكوفيون لقولهم إن صيغة التعجب اسم، والأصح فعليتها فتلزمها النون كما عند البصريين.
قوله: (إلاّ نُدوراً) ظاهر جوازه اختياراً وهو أحد قولي الناظم، والثاني قصره على الضرورة.
قوله: (كَمنْيَةِ جَابِرٍ الخ) قبله:
49 ــــ تَمَنَّى مَزْيَدٌ زَيْداً فلاقى
أخا ثقة إذا اختلف العوالي(3)
كمنية الخ كان مزيد وجابر يتمنيان لقاء زيد الخيل الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلّم: زيد الخير لعداوة بينهما فلما لقياه طعنهما وهرب فقال ذلك، والعوالي الرماح والمنية التمني.
قوله: (والكَثِيرُ ثُبوتُها) أي لشبهها الفعل معنًى وعملاً بلا معارض بخلاف لعل فإن عملها الجر في بعض الأحيان، وتوالي الأمثال في بعض لغاتها وهو لعن بالنون عارض شبهها فندرت معها النون، وإنما خير في الباقيات لأن المعارض فيها واحد، وهو توالي الأمثال فقط.
قوله: (وَيَقُلُّ ثُبوتُها) قال ابن الصائغ لكنه أكثر من تجريد ليت. اعكس أي في مطلق القلة.
قوله: (القُدُوم) بتخفيف الدال آلة النحت وأخط أي أنحت، والقبر الغلاف، والأبيض السيف، والماجد العظيم.
---(1/145)
قوله: (فَتَقُولُ أَنّي وأنّني) فثبوتها لشبه الفعل، وحذفها لتوالي الأمثال لأن الثقل حصل بها. وقيل: حذفت الأولى لسكونها، والساكن أولى بالتغيير، وقيل الوسطى المدغم فيها لأنها في محل اللام التي يلحقها التغيير وكذا الخلاف في أنَّا بالتشديد لكن لم يقل أحد يعتد به بحذف الثالثة لأنها ضمير عمدة قاله الروداني ا هـ صبان.
قوله: (تَلْزَمُهُمَا) أي لتحفظ بناءهما على السكون لأنه الأصل بخلاف ما بني على غيره.
قوله: (مِنْ قَيْسٍ) يروى بلا صرف على إرادة القبيلة، ومصروفاً لإرادة أبيها.
قوله: (وفي لَدُنّي) متعلق بقل خبر لدني الثانية، وفي قدني متعلق بفي خبر الحذف، ولا يضر تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ كما مر. وتعليقه بالحذف يرد عليه أعمال المصدر مؤخراً، ومحلى بأل، والثاني قليل، وفي الأول خلاف، وأشار بقد، وأيضاً إلى قلة الحذف فيهما كلدني فيفي من الوفاء بمعنى يأتي لا من النفي.
قوله: (بالتَّخْفِيفِ) هي لنافع(3)، ولم تجعل نونها للوقاية لحقت لد بالسكون لضم الدال في الآية، ولا لد بالضم، وهما لغتان في لدن لأن هذه يقال فيها لدي بلا نون كما قاله سيبويه لأن النون إنما تحفظ البناء على السكون لا غيره كما مر. وصريح كلام سيبويه هذا أن لد بلا نون تضاف للضمير خلافاً لمن منعه.
قوله: (أَيْ حَسْبِي) تفسير لكل من قدي وقطي على اللغتين كما هو مذهب الخليل وسيبويه خلافاً للكوفيين في قولهم: يجب الحذف في التي بمعنى حسب، كما يجب في اسم الفاعل الذي هي بمعناه واحترز به عن قد الحرفية كقد قام، وقط الظرفية، نحو: ما فعلته قط إذ لا يضافان للياء، وعن قد وقط اسم فعل بمعنى يكفي كما في المغني أو كفى كما استقر به الدماميني لأن اسم الفعل المضارع مختلف فيه. فإن النون تلزمهما كالأفعال كما مر عن التوضيح وإذا كانا بمعنى حسب فالغالب بناؤهما على السكون، وقد يكسران، وقد يعربان كما في الروداني.
---(1/146)
قوله: (قدني مِنْ نَصْرٍ الخ) تمامه: ليس الإمام بالشحيح الملحد، والخبيبين عبد الله بن الزيبر، وابنه خبيب على التغليب، أو هو، وأخوه مصعب، ويروى بصيغة الجمع على إرادة خبيب بن عبد الله، ومن على رأيه. والشاهد في الثاني حذف نونه مع إضافته للياء بقرينة سابقة فاحتمال كون الكسر على لغة أو لأجل الروي والياء إشباع لا للمتكلم مرجوح. ومن الحذف أيضاً ما في صحيح البخاري مرفوعاً: «لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ قَدَمَهُ فيها فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَيُزوى بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ» يروى بسكون الطاء وكسرها بلا ياء وبها، وقطني بالنون، وقط بالتنوين والمراد بوضع قدمه لازمه، وهو التجلي عليها بقهره وكبريائه، وقيل: ما قدمه لها لما ورد أنه يخلق لها خلقاً إذ ذاك والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: (قدني مِنْ نَصْرٍ الخ) تمامه: ليس الإمام بالشحيح الملحد، والخبيبين عبد الله بن الزيبر، وابنه خبيب على التغليب، أو هو، وأخوه مصعب، ويروى بصيغة الجمع على إرادة خبيب بن عبد الله، ومن على رأيه. والشاهد في الثاني حذف نونه مع إضافته للياء بقرينة سابقة فاحتمال كون الكسر على لغة أو لأجل الروي والياء إشباع لا للمتكلم مرجوح. ومن الحذف أيضاً ما في صحيح البخاري مرفوعاً: «لا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزيدٍ حَتَّى يَضَعَ رَبُّ العِزَّةِ قَدَمَهُ فيها فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَيُزوى بَعْضُها إِلَى بَعْضٍ» يروى بسكون الطاء وكسرها بلا ياء وبها، وقطني بالنون، وقط بالتنوين والمراد بوضع قدمه لازمه، وهو التجلي عليها بقهره وكبريائه، وقيل: ما قدمه لها لما ورد أنه يخلق لها خلقاً إذ ذاك والله سبحانه وتعالى أعلم.
العَلَمُ
يطلق لغة على الجبل كقول تعالى: وَلَهُ الجَوَارِ المُنْشَآتُ فِي البَحْرِ كالأَعلامِ}
---
(الرحمن:24)
وقول الخنساء:
50 ــــ وَإنَّ صَخْراً لَتَأْتَمُّ الهُداةُ بِهِ(1/147)
كَأَنَّهُ عَلَمٌ فِي رَأْسِهِ نَارُ
وعلى الراية والعلامة نقل اصطلاحاً إلى الاسم الآتي، والظاهر أن النقل من الثالث لقولهم: إِنَّه علامة على مسماه فيصلح للنكرة أيضاً بحسب أصله لكن خص بما سيأتي.
قوله: (اسْمُ الخ) خبر مقدم لعلمه لأنه المحدث عنه بالتعريف لا العكس، والمبتدأ هنا واجب التأخير لعود ضميره على بعض الخبر على حد: ملء عين حبيبها فإن عاد إلى الاسم فإضافته بمعنى من، أو إلى المسمى، وهو الظاهر فبمعنى اللام الاختصاصية، ومطلقاً حال من فاعل يعين، أو صفة لمصدر محذوف أي تعييناً مطلقاً.
قوله: (وَخِرْنِقَا) بكسر المعجمة، والنون علم المرأة الآتية منقول من ولد الأرنب كما في قوله:
51 ــــ لَيِّنَةُ المَسِّ كَمَسِّ الخِرْنِقِ
فلا ينصرف للعلمية والتأنيث. ولكن المراد هنا لفظه، وإنما منعه لحكاية أصله، أو لملاحظة أن مدلوله كلمة.
قوله: (وواشق) فيه تلميح لقوله تعالى: وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ}
(الكهف:22)
حيث ذكر سبعة أعلام وثمَّنهم بالكلب.
قوله: (يُعَيِّنُ مُسَمَّاهُ) أي يدل على تعينه لا أنه يحصله له لأن المسمى لا يكون إلا معيناً. والمراد ما يعم التعيين الخارجي والذهني معاً كغالب علم الشخص، أو الذهني فقط كعلم الجنس لما سيأتي، وبعض علم الشخص كعلم تضعه لولدك المتوهم وجوده ذهناً،وكعلم القبيلة الموضوع لمجموع من وجد وسيوجد فإنَّ هذا المجموع لا يوجد إلا ذهناً، فقولهم: تشخص العلم الشخصي خارجي أغلبي، أفاده الصبان عن يس.
---(1/148)
قوله: (بِلا قَيْدٍ الخ) تفسير للإطلاق أي بلا قرينة خارجة عن ذات اللفظ لأن تعيين العلم من ذات وضعه بخلاف باقي المعارف فإنها موضوعة لتعيين مسماها لكن بواسطة قرينة إما معنوية كالتكلم وأخويه للضمير، والتوجه والإقبال للمنادى، أو لفظية كالصلة في الموصول، وأل في مدخولها. والظاهر أن منها الإضافة في غلام زيد، أو حسّية وهي الإشارة بنحو الأصبع في اسم الإشارة فتعيين المدلول إنما هو بهذه القرائن لا من الوضع، ولا يرد أن العلم المشترك يحتاج لقرينة أيضاً لأن ذلك عارض من تعدد الوضع أما باعتبار كل وضع على حدته فغير محتاج.
قوله: (أَخْرجَ النَّكِرَةَ) أي كرجل وشمس فإنه موضوع لكل كوكب نهاري، وإنْ انحصر في الكوكب المخصوص فتعيينه عارض لعدم وجود غيره لا من الوضع.
قوله: (أَوْ الغَيْبَةِ) أي معرفة مرجعها بذكر، أو غيره وإن كان نكرة لأن المراد بالضمير حينئذ ذلك الشيء المتقدم بعينه، وإن أبهمت ذاته.
قوله: (لِلْعُقَلاءِ الخ) خبر أن، والأوضح حذف المسمّيات، وفي نسخ العقلاء بال وهي ظاهرة.
قوله: (مِنَ المَأْلُوفاتِ) هذا في العلم الشخصي، أما الجنسي فإنما يكون غالباً لغير المألوف كالسباع والحشرات الآتية،وقد يكون مألوفاً كأبي المضاء للفرس، وأبي الدغفاء بفتح المهملة وسكون المعجمة، وبالفاء ممدوداً للأحمقِ، وهيان بن بيان بشد الياء فيهما للإنسان المجهول، وهو من الأضداد لأن المجهول صعب خفي لا هين بيِّن، وفي المحكم يقال: ما أدري أي هي بن بيّ هو أي أيّ الناس هو قال ابن هشام وكأنهم جعلوه لعدم الشعور به كما لا يؤلف، وكذا أبو الدغفاء لنفرتهم عنه أفاده المصرح.
قوله: (أُخْتُ طَرَفَةَ) بفتح المهملة، والراء كما في القاموس.
قوله: (وَقَرَنِ) بفتح القاف والراء، وإليها ينسب أويس القرني رضي الله تعالى عنه.
قوله: (وَعَدَن) بفتحتين بلد بساحل اليمن.
قوله: (فَرَسٌ) أي لمعاوية رضي الله تعالى عنه.
---(1/149)
قوله: (وَشَذْقُمٌ) قيل بالذال المعجمة، وقيل بالمهملة جمل للنعمان بن المنذر.
قوله: (واسْماً أَتَى الخ) أي أتى العلم حال كونه اسماً الخ.
قوله: (والمرادُ بالاسْمِ هُنا) خرج الاسم في التعريف المتقدم فالمراد به مقابل الفعل والحرف، وفي نحو: وَعَلَّمَ آدَمَ الأسْمَاءَ}
(البقرة:31)
فالمراد به مطلق لفظ موضوع.
قوله: (مَا كانَ في أَوَّلِهَ) أي علم مركب تركيب إضافة في أوله أب الخ. لا نحو: أبو زيد قائم مسمى به لأنه تركيب إسناده، أو لأن المركب الإضافي فيه جزء علم.
قوله: (أَبُ أَوْ أُمٌّ) أي أو ابن أو بنت أو أخ أو أخت أو عمّ أو عمة أو خال أو خالة، سم.
---(1/150)
قوله: (مَا أَشْعَرَ بِمَدْحٍ الخ) أي باعتبار مفهومه الأصلي فإن ذلك قد يقصد تبعاً قاله السيد. وفي التصريح عن الأبهري أن الاسم يقصد به الذات فقط واللقب يقصد به الذات مع الوصف، ولذا يختار عند التعظيم أو الإهانة ا هـ، ومقتضاه أن إشعاره مقصود في وضعه العلمي من جهة أن له مفهوماً آخر يلاحظ تبعاً، ويلتفت إليه، وإن كان المقصود منه بالأصالة مجرد الذات فلا يرد أن نحو زيد إذا اشتهر بصفة كمال كان فيه إشعار بها، ويبعد كونه لقباً نعم إذا سمي به شخص آخر. بعد ذلك الاشتهار كان لقباً أفاده يس. واعلم أن المفهوم من كلام الأقدمين كما في الروداني أن الاسم ما وضع الذات ابتداء كائناً ما كان ثم ما وضع بعده. فإن كان مصدَّراً بأب مثلاً فهو الكنية أشعر أم لا وإن لم يصدر مع كونه مشعراً فهو اللقب سواء وضع قبل الكنية أو بعدها. فالثلاثة متباينة وفي السجاعي عن سم أن الكنية واللقب يجتمعان في نحو: أبي الفضل، وتنفرد الكنية في أبي بكر، واللقب في مظهر الدين فعلى هذا لا يعتبر في اللقب عدم التصدير، وعليهما يظهر ما حكاه ابن عرفة فيمن اعترض عليه أمير أفريقية في تكنيته بأبي القاسم مع قوله صلى الله عليه وسلّم : «تَسَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكَنُّوا بِكُنْيَتِي» فأجاب بأنه اسمه لا كنيته أي لأنه يعتبر تأخر وضع الكنية عن الاسم لكن فيه أن ما وضع بعد الاسم غير مصدر، ولا مشعر يكون خارجاً عن الثلاثة وهو خلاف المقرر إلا أن يجعل اسماً ثانياً، وقيل لا فرق بين الثلاثة إلا بالحيثية فقط كأبي الخير من حيث الدلالة على الذات اسم، ومن حيث التصدير كنية، ومن حيث الإشعار لقب. وعلى هذا يظهر قول المحدثين وغيرهم في أم كلثوم اسمها كنيتها دون ما قبله لمباينة الاسم، والكنية عليهما إلا أن يراد اسمها بصورة الكنية لا كنية حقيقة فتدبر.
---(1/151)
قوله: (زين العابِدينَ) لقب علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمه بنت كسرى سبيت مع أختيها في فتح العراق، وولدت الثانية سالم بن عبد الله بن عمر، والثالثة القاسم بن محمد بن أبي بكر، وهؤلاء الثلاثة فاقوا أهل المدينة زهداً وعلماً، وكانوا يرغبون عن التسري فرغبوا فيه من حينئذ.
قوله: (كَأَنْف النَّاقَةِ) لقب جعفر بن قريع أو بطن من سعد كان أبوه قسم ناقة بين نسائه فجاء ليأخذ قسم أمه، ولم يبق إلا الرأس فجرها من أنفها فلقب به، وكانوا يغضبون من هذا اللقب حتى قال الحطيئة:
52 ــــ قَوْمٌ هُمُ الأنْفُ وَالأذنَابُ غَيْرُهُمُ
وَمَنْ يُسَوِّي بِأَنْفِ النَّاقَةِ الذَّنَبَا
فصار مدحاً، والنسبة إليه أنفى اهـ تصريح.
قوله: (ولاَ يَجوزُ تَقْديمُ اللَّقَبِ) أي حملاً على النعت لأنه يشبهه بالإشعار بالصفة، ولئلا يتوهم إرادة مسماه الأول في نحو بطة، وأنف الناقة، وحمل الباقي عليه، ولتأخره عن الاسم وضعاً فكذا لفظاً.
قوله: (لاَ قَليلاً) أي ما لم يشتهر اللقب وإلا جاز بكثرة لانتفاء الإيهام. كقوله تعالى: إِنَّمَا المَسِيحُ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ}
(النساء:171)
وعليه قول الشاطبي، وقالون عيسى.
قوله: (بأن ذا الكلب) متعلق بابلغ في قولها:
53 ــــ أَبْلِغْ هُذَيْلاً وَأبْلِغْ مَنْ يُبَلِّغُها
عَنِّي حَديثاً وَبَعْضُ القَوْلِ تَكْذِيبُ
بأن الخ. قالته أخت عمرو في مرثية له أولها:
54 ــــ كُلُّ امْرِىء بمُحَالِ الدَّهرِ مَكْرُوبُ
وَكُلُّ مَنْ غَالَبَ الأيَّامَ مَغْلُوبُ
وذا بمعنى صاحب، وعمراً بدل منه، وببطن شريان اسم موضع خبر أن، وجملة يعوي الخ حال، أو عكسه وشريان بكسر الشين شجر تعمل منه القسي، ومن تقديمه أيضاً قول أوس بن الصامت:
55 ــــ أَنَا ابنُ مزيقيَا عَمْرو وجَدِّي
أَبُوهُ مُنْذِرٌ ماءُ السَّمَاءِ
---
كان عمرو المذكور يلبس كل يوم حلتين فإذا أمسى مزقهما كراهة أن يلبسهما غيره فلقب مزيقيا.(1/152)
قوله: (فأمّا مَعَ الكنْيَةِ الخ) رجح كثير وجوب تأخيره عنها أيضاً لما مر في الاسم فأبقي المتن على عمومه، ولا ترتيب بين الاسم والكنية فمن تقديمها: أقسم بالله أبو حفص عمر، ومن تأخيرها قول حسان:
56 ـــــ وَمَا اهْتَزَّ عرشُ الله مِنْ أَجْلِ هالِكٍ
سَمِعْنَا بِهِ إِلاّ لِسَعْدٍ أبي عَمْرو
ولم أر في ذلك خلافاً.
قوله: (وذا اجْعَلْ آخِرا) بنقل حركة الهمزة إلى اللام.
قوله: (لِسَلاَمَتِهِ مِمَّا وَرَدَ) أجيب بأن قوله: وأن يكونا أي اللقب وسواه مفردين الخ قرينة على عدم دخولها في السوي لأنها لا تكون مفردة ورده سم بأن كون السوي مفرداً يتحقق ببعض أفراده فقط، وإن كان البعض الآخر مركباً فتدبر.
قوله: (وَلَوْ قَالَ الخ) في شرح السيوطي أنه وجد كذلك في نسخ.
قوله: (مُفْرَديْن) المراد بالمفرد هنا كباب الكلمة ما قابل المركب بخلاف في باب الإعراب، والمبتدأ والمنادى كما لا يخفى، وأما ما لا يدل جزؤه على جزء معناه فاصطلاح منطقي.
قوله: (فَأَضِفْ) قال في التصريح إلا لمانع ككون الاسم، أو اللقب بأل كالحارث كرز، وهارون الرشيد فتمتنع الإضافة كما نص عليه ابن خروف. ا هـ وفيه أن أل في الثاني فقط لا تمنعها كغلام الرجل، وعبد الأمير فتأمل. بقي أن قوله هنا: فأضف، حتماً يقتضي اطِّراد الإضافة في المتحدين معنًى، وقوله في الإضافة: ولا يضاف اسم لما به اتحد الخ يقتضي منعها لنا، ويقتصر على ما ورد منه مع تأويله. وقد ذكروا هناك جملة ما ورد، ويجب تأويله إضافة الاسم إلى اللقب فبين الكلامين تنافٍ قطعاً كما في الحفني، وأجاب بعضهم بأن المراد هنا بأضف أبق الإضافة الواردة مع تأويلها الآتي فيرجع إلى ما هناك من قصره على السماع لكن ربما يفيد فحوى الكلام هنا قياسيته فتأمل.
---
قوله: (وإلاَّ أتْبعْ الخ) المراد به الاتباع اصطلاحاً، وبردف التبعية لغة أي اجعل الذي جاء آخراً بدلاً، أو عطف بيان.(1/153)
قوله: (الإضَافَةً) أي على تأويل الأول بالمسمى لأنه المعرض للإسناد إليه، والثاني بالاسم غالباً، وقد يعكس إذا كان الحكم على اللفظ ككتبت سعيد كرز، وبهذا يندفع اتحاد معنى المتضايفين لاختلافه بهذا التأويل، وجعل الزمخشري إضافة الاسم إلى اللقب لفظية لتقدير انفكاكها كإضافة الوصف إلى معموله إذ المعنى على البدلية، أو البيان فلا تحتاج للتأويل بخلاف المعنوية إسقاطي.
قوله: (كَرْز) هو في الأصل خرج الراعي ويطلق على اللئيم والحاذق.
قوله: (وَأَجَازَ الكُوفيونَ) أي وبعض البصريين الإتباع أي بدلاً، أو بياناً، وهذا هو الحق لعدم حواجه للتأويل. فجوازه أولى مما لا يصح بدونه، ومثله القطع قال المصنف، وإنما اقتصر سيبويه على الإضافة لأنها خلاف الأصل فبين أنها مسموعة، وأما الإتباع والقطع فعلى الأصل مع اعتضادهما بالسماع.
قوله: (وَجَبَ الإتْبَاع) أي بالنسبة لامتناع الإضافة فلا ينافي جواز القطع الآتي. هذا، والمختار جواز الإضافة في الصورة الثالثة كسعيد أنف الناقة كما صرح به الرضي لأنه كغلام عبد الله فالإضافة في صورتي كون الأول مفرداً، والاتباع في صورتي كونه مركباً.
---(1/154)
قوله: (وَجُمْلَةُ الخ) عطف على منقول أي، ومنه جملة، ومنه ما ركب الخ، ومقتضاه أنهما قسيمان للمنقول مع أنه شامل لهما، وللمضاف إلا أن يجعل من عطف الخاص اهتماماً به، أو يخص المنقول المتقدم بالمفرد لأنه الأصل، والجملة هي المركب الإسنادي بضم كلمة إلى أخرى على وجه، يفيد وأما المزجي فهو مزج الكلمتين كلمة واحدة منزلاً ثانيتهما منزلة تاء التأنيث مما قبلها في أن الإعراب على الثانية، والأولى تلزم حالة واحدة كبعلبك ومعديكرب، والمراد بالإعراب المذكور ما يشمل المحل ليدخل نحو خمسة عشر، وسيبويه على لغة بنائه وما ركب من الظروف والأحوال كصباح مساء وشغر يشغر بفتح الجزأين للبناء فكل ذلك من المزجي. والإضافي كل كلمتين نزلت ثانيتهما منزلة التنوين مما قبلها في أن الإعراب على الأولى، والثانية ملازمة لحالة واحدة قال يس: ولم تسم العرب بمركب غير هذه الثلاثة فلذا اقتصر عليها، وقال شيخ الإسلام: ولا يرد ما ركب من حرفين كأنما، أو حرف واسم كيا زيد، أو حرف وفعل كقد قام لأنها تُحكى كالجملة، وأما المركب التوصيفي كزيد القائم فملحق بالمفرد ا هـ.
قوله: (ذَا) أي المزجي مبتدأ، أو بغير ويه متعلق بمحذوف هو فعل الشرط يفسره تم المذكور، وأعرب جواب الشرط لا خبر لصلوحه لمباشرة الأداة، والشرط وجوابه خبر.
قوله: (مُرْتَجَلٌ) من ارتجل الخطبة، والشعر إذا ابتدأهما بلا تهيؤ فكأنه مأخوذ من قولهم:ارتجل الشيء، إذا فعله قائماً على رجليه من غير أن يقعد ويتروى ا هـ تصريح.
قوله: (وإلى مَنْقُولٍ) منه العلم بالغلبة لأن غلبته كالوضع الجديد خلافاً لمن جعله واسطة قاله في الآيات، وقيل: كل الأعلام منقولة لأن أصل الأسماء التنكير فلها معنى سابق على العلمية، وإن لم يعلم في نحو: سعاد، وقيل: كلها مرتجلة.
---(1/155)
قوله: (مَا لَمْ يَسْبِقْ لَهُ اسْتِعْمَالٌ) أي للفظه المخصوص سواء استعملت مادته كسعاد، أم لا كفقعس فإن مادة الأول استعملت في غير العلمية كالسعد والمساعدة دون هيئته، والثاني لم يستعمل هو ولا مادته قالوا: ولم يجىء من ذلك غيره أفاده المصرح، ولو أبدل الاستعمال بالوضع لخرج ما نقل بعد وضعه فقط فإنه من المنقول كما في شرح الجامع.l
قوله: (قَبْلَ العَلَمِيَّةِ) أي قبل نوعها الحاضر فخرج أسامة علماً لشخص فإنه منقول كما قاله الشنواني وغيره لاختلاف النوع، ودخل سعاد لامرأة غير الأولى فإنه مرتجل لاتحاده.
قوله: (وَأدد) توزع في ارتجاله بأنه منقول من جمع أدة وهي المرة من الوُد كغرف وغرفة، والهمزة بدل من الواو المضمومة كما في أقتت، وأجوه جمع وجه وقال شيخ الإسلام: أدد علم رجل مشتق عند سيبويه من الود فهمزته بدل من واو، وعند غيره من الأدِّ بفتح الهمزة وكسرها وهو العظيم فهمزته أصلية ا هـ، ولعل ارتجاله مبني على هذا.
قوله: (كفَضْلِ) أي وزيد فإنه مصدر زاد يزيد.
قوله: (أو من جملة) أي فعلية، أو اسمية كما مثله قال في التسهيل: والتسمية بالاسمية غير مسموعة. وإنما قاسها النحاة على الفعلية، وفاعل هذه إما ظاهر كما مثَّل، أو ضمير بارز كاطرقا لمفازة، أو مستتر كقوله:
57 ــــ نُبِّئْتُ أَخْوالي بَنِي يَزِيد
---(1/156)
بضم الدال فكل هذه تحكى كما قاله الشارح فإعرابها مقدر للحكاية كما نقله يس عن السيد واللباب وليست من المبني. أما المنقول من الفعل وحده فيعرب كما لا ينصرف للعلمية ووزن الفعل، ماضياً كان كشمّر بشد الميم لفرس، وبذَّر بشد المعجمة لماء بقرب مكة، أو مضارعاً كيشكر لسيدنا نوح صلوت الله عليه، أو أمراً كإصمت بكسر الهمزة والميم لمفازة لأن سالكها يقول لصاحبه أصمت من الفزع قال الرضي: وإنما كسرت الميم، وإن كان الفعل من باب نصر لأن الأعلام كثيراً ما تغيَّر عند النقل، وإنما قطعت الهمزة لصيرورته اسماً فعومل معاملة الأسماء، ولم تجعل هذه كيزيد لسماع منعها من الصرف كقوله:
58 ــــ أَشْلَى سَلُوقِيَّةً باتَتْ وَبَاتَ بِها
بوَحْشِ إِصْمِتَ فِي أَصْلاَبِها أَوَدُ
فجر اصمت بالفتحة ولم يحكَ سكونه ومعنى أشلى الخ أغرى الصائد كلاباً سلوقية في أصلابها أود أو أي عوج بوحش تلك المفازة بخلاف يزيد فإن جره مقدر لضمة الحكاية فإن احتمل النقل من الجملة، والفعل وحده كقوله:
59 ــــ وَحْدِيَ يَا حَجّاجُ فَارِسُ شَمَّرَا
حمل على الثاني لأن النقل من الجملة خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا بدليل كضم يزيد المار.
قوله: (بَعْلَبَّك) بعل اسم صنم، وبك رجل يعبده، فمزجا وَجُعِلا علماً لبلدة.
قوله: (ومعديكرب) بكسر الدال شذوذاً، والقياس فتحها كمرمى ومسعى قاله المصرح هنا، وقال في باب النداء: معنى معديكرب، عداه الكرب أي تجاوزه ا هـ وقضيته أنه اسم مفعول أعلَّ إعلال مرضي فلا شذوذ لا أنه مفعل فإنه خلاف المعنى المذكور قاله الروداني، ولا يضر تخفيف يائه وإن كان القياس شدها كمرضي لأن الأعلام كثيراً ما تغير عند النقل.
قوله: (إِعْرَابُ مَا لاَ يَنْصَرِفُ) أي على الجزء الثاني، أما الأول فيلزم الفتح، أو السكون وكذا نحو سيبويه إذا أعرب كذلك.
---(1/157)
قوله: (على الفَتْحِ) أي فتح الجزأين تشبيهاً بخمسة عشر بجامع المزج في كل لأن موجب البناء إنما وجد في الثاني، وهو تضمنه معنى العطف كما مر وإذا سمي بالمركب العددي حكي بناؤه على الأشهر كما سيذكره المصنف في بابه فمراده بالمزجي هنا غير العددي.
قوله: (إِعرَابُ مُتَضَايِفَيْنِ) أي فيخفض العجز أبداً، وتجري على الصدر وجوه الإعراب إلا أن الفتحة كغيرها لا تظهر في نحو معدي كرب، وإن كانت تظهر على الياء في غيرها لثقله بالتركيب.
قوله: (فَتَبنِيهِ عِلَى الكسر) أي تغليباً لجزئه الثاني لأنه اسم صوت مبني لعدم تأثره بالعوامل، وكسر على أصل التخلص.
قوله: (أَبُو قُحَافَة) اسمه عثمان والد الصديق صحابي مثله رضي الله تعالى عنهما، ولا يعرف أربعة متناسلون كلهم صحابة إلا أبو قحافة، وابنه أبو بكر، وبنته أسماء، وابنها عبد الله بن الزيبر رضي الله عنهم.
قوله: (وَوَضَعُوا) أي العرب لكونه ظهر على ألسنتهم، وإلا فالواضع هو الله تعالى وفيه إشارة إلى أن علم الجنس سماعي.
قوله: (كَعِلْم الأَشْخَاصِ) صفة لعلم لا حال منه لتنكيره، ولفظاً تمييز لمعنى الكاف أي مثله من جهة اللفظ، أو نصب بنزع الخافض.
قوله: (وَهُوَ عَمَّ) فعل ماض لا أفعل تفضيل حذفت همزته للضرورة لاقتضائه العموم في علم الشخص، وليس كذلك.
قوله: (أُمْ عِرْيَط) بكسر المهملة وسكون الراء وفتح التحتية كنية العقرب، واسمها شبوة ومما جرب للدغتها، وضع خنفساء مشقوقة عليها أو دهنها بما في جوف العقرب.
قوله: (ثُعَالَةُ) بالتنوين للوزن وكنيته أبو الحصين.
قوله: (بَرَّة) بفتح الموحدة غير مصروف للعلمية والتأنيث، والمبرة بفتحتين البر.
قوله: (فَجَارِ) مبتدأ مبني على الكسر كحذام، وعلم خبره، وكذا حال، والفجر بسكون الجيم بمعنى الفجور والتاء لتأنيث الحقيقة لا للوحدة.
---
قوله: (وَتَأْتِي الحَالُ بَعْدَهُ) قيد بالبعدية لأن تقديمها يسوغ مجيئها من النكرة، وكذا يبتدأ به بلا مسوغ.(1/158)
قوله: (كَحُكْمِ النَّكِرَةِ) أي فهو نكرة معنًى كما هو ظاهر المتن ونص عليه المصنف في شرح التسهيل لكن تعقبه المرادي بأن تفرقة الواضع بين أسد وأسامة لفظاً تؤذن بفرق في المعنى. وإلا لزم التحكم، والتحقيق في بيانه كما أشار له سيبويه أن علم الجنس موضوع للماهية باعتبار حضورها أي تشخصها في الذهن بمعنى أنه جزء من الموضوع له، أو شرط قيل: هو الصحيح، واسم الجنس للماهية بلا قيد أصلاً من حضور أو غيره. وإن لزم الحضور الذهني أيضاً لتعذر الوضع للمجهول لكنه لم يقصد فيه كالأول. وإن شئت فقل: علم الجنس للماهية بقيد الحضور لا بقيد الصدق على كثيرين واسمه بالعكس، وعلم الشخص للماهية المشخصة ذهناً وخارجاً كما قالها ابن الصائغ فالتشخص الذهني بجمع العلمين، ويخرج اسم الجنس، والخارجي يفرقهما، وكعلم الجنس المعرف بلام الحقيقة، وكعلم الشخص المعرف بلام العهد إلا أن العمل يدل على التعيين بجوهره، وذا اللام بقرينتها ا هـ. ملخصاً من النكت وغيرها وما ذكر في علم الشخص مبني على وجود الماهية خارجاً في ضمن الفرد فتشخص بتشخصه أما على التحقيق من أنها لا توجد في الخارج أصلاً فهو للفرد المعين خارجاً، وهو ظاهر قول الشارح أن يراد به واحد بعينه، وكونه خارجياً أغلبي لما مر أول الباب فتدبر، وعلى ما ذكر فاسم الجنس يغاير النكرة مفهوماً لوضعها للفرد المنتشر أي للحقيقة باعتبار وجودها في فرد ما، وإن وافقها في الما صدق فكل من أسد ورجل إن اعتبر دلالته على الماهية بلا قيد سمي اسم جنس، ومطلقاً عند الأصوليين، أو بقيد الوحدة الشائعة سمي نكرة، وعند الآمدي وابن الجاجب إنهما شيء واحد وهو ما وضع للفرد المنتشر وهو ظاهر عبارات كثير من النحاة فالفرق بين اسم الجنس وعلمه حينئذ ظاهر، وعلى كل فالفرق بينهما محض اعتبار لا يظهر أثره في المعنى
---
إذ كل من أسامة وأسد صالح لكل واحد من الأفراد بلا فرق فتأمل.(1/159)
قوله: (يَكُونُ للشَّخْصِ) في نسخ للعين وهي أوضح.
قوله: (لِلْمَعْنَى) منه كيسان للغدر، وسبحان للتنزيه، ويسار للميسرة. والله أعلم اللهم يسر أمورنا بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام.
اسْمُ الإشَارَةِ
هو ما وضع لمشار إليه أي حساباً لأصبع ونحوه. فلا بد من كونه حاضراً محسوساً بالبصر فاستعماله في المعقول والمحسوس بغيره مجاز بالاستعارة التصريحية الأصلية، أو التبعية على الخلاف في ذلك. فخرج ضمير الغائب وأل لأن إشارتهما ذهنية قيل: والإشارة في التعريف لغوية، وفي المعرف اصطلاحية فلا دور، وفيه أن المراد بالمعرف: اسم تصحبه الإشارة الحسية فهي لغوية أيضاً، فالأحسن جواب الدماميني بأنَّ أخْذ جزء المعرف في التعريف لا يوجب الدور لجواز معرفة ذلك الجزء بالضرورة، أو بشيء آخر.
قوله: (بِذَا) قدم المعمول للحصر بالنسبة لما ذكره هنا، وإلا فمثلها ذاء بهمزة مكسورة، وذائه بهاء بعدها كذلك، وذاؤه بضمهما مع المد في الكل ويروى بالأخيرين قوله:
60 ــــ هَذَاؤُهُ الدَّفْتَرُ خَيْرُ دَفْتَرِ
في يَدِ قَرْمٍ مَاجِدٍ مُصَدَّرِ
وآلك بهمزة ممدودة فلام كما في التسهيل قال الدماميني، وليست بدلاً من الذال لتباعد مخرجيهما فصارت الهمزة اسماً هنا كما هي حرف في النداء، وفعل أمر من الوأي، كما مر فجملة إشارات المفرد خمسة.
قوله: (لِمُفْرَدٍ) متعلق بأشر، واللام بمعنى إلى كقوله تعالى: إني لما أنزلت إليّ من خير فقير}
(القصص: 24)
إن لم يضمن معنى سائل لأن الإشارة لا تتعدى باللام كما يفيد صنيع القاموس، والمفرد إما حقيقة أو حكماً. كهذا الجمع، وذاك الفريق، ونحو: عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ}
(البقرة:68)
أي المذكور مِنْ الفارض والبكر، وقد يستعمل في الجمع كقول لبيد:
61 ــــ وَلَقَدْ سَئمْتُ منَ الحياةِ وَطُولِها
---
وَسُؤالِ هذا النّاس كَيْفَ لَبِيدُ
قوله: (مُذَكَّر) أي ولو تنزيلاً نحو: فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَال هذا رَبِّي}(1/160)
(الأنعام:78)
وقيل ذكره مراعاة للخبر، أو لأن لغة إبراهيم لا تفرق بين المذكر والمؤنث.
قوله: (بِذِي) متعلق باقتصر لتضمينه معنى خصص، والحصر إضافي أيضاً لما سيأتي.
قوله: (مِنْ نِفْسِ الكَلِمَةِ) أي وهو ثلاثي الوضع لا كما الموصولة خلافاً للسيرافي لغلبة أحكام الثلاثي عليه كالوصفية والتصغير، وأصله ذيي غير منون للبناء حذفت لامه اعتباطاً، وقلبت عينه ألفاً لأنها محركة. وقيل: حذفت العين لأنها ساكنة. ورد بأن الحذف بالأواخر أليق. وحكاية سيبويه إمالة ألفه تعين أن أصلها ياء إذ لا سبب لها سواه، وإن كان باب طويت أكثر من باب حييت.
قوله: (زائدة) أي فهو أحادي الوضع لأن الألف والياء في ذان وذين للتثنية. ورد بأن ألفه حذفت للساكنين، ولذا شدد النون عوضاً عنها على أن التحقيق أنهما ليسا مثنّيين حقيقة كما سيأتي.
قوله: (بِذِي الخ) جملة ما ذكره لها عشرة. خمسة بالذال، وخمسة بالتاء، وأفاد الروداني أن أصل الجميع ذا قلبت الألف ياء، والذال تاء في ذي وتي ثم الياء هاء في ذه وتِه وقس الباقي.
قوله: (وذاتُ) بالضم هي أغربها، والاسم ذا والتاء للتأنيث.
قوله: (للمُثَنَّى) أي صورة المرتفع محلاً لأنَّ التحقيق وضعهما كذلك ابتداء للمذكر والمؤنث لا مثنيان إذ لا يثنى المبني كما مر، والظاهر بناؤهما على الألف والياء مراعاة لصورة التثنية كيا رجلان، ولا رجلين.
قوله: (وفي سواه) أي وفي حال إرادة سوى المرتفع، وأما: إنّ هذانِ لَسَاحِرانِ}
(طه:63)
فقد مر تأويله.
قوله: (للمُثَنَّى المذكر) أي ولو باعتبار الخبر كقوله تعالى: فَذَانِكَ بُرْهَانَانِ}
(القصص:32)
كما في المغني.
قوله: (مطلقاً) أي مذكراً عاقلاً أولاً وهو حال من جمع مع تنكيره لورود الحال من النكرة قليلاً.
---(1/161)
قوله: (والمَدُّ أَوْلَى) جرى على عرف اللغويين والقراء أن المد والقصر لا يخص الاسم المعرب وتنوين الممدود لغة، وجعله المصنف كنون ضيفن كثر به اللغظ، وكذا بناؤه على الضم، وإشباع الهمزة أوله، وإبدالها هاء مضمومة، وكذا مفتوحة تليها واو ساكنة كما في التسهيل وشرحه، وتكتب ألف المقصورة ياء، وكذا الممدودة في أولئك، ويفرق بينهما وبين إلى الجارة بواو بين الهمزة واللام، وبهذين مع إشارات المفرد والمفردة وذين وتين تكمل أدوات الإشارة تسعة عشر، وبلغات أولاء الممدود أربعة وعشرين وهي بالنظر للمشار إليه ستة أقسام فقط باعتبار الإفراد والتذكير وضدهما.
قوله: (انطُقا) ألفه بدل من نون التوكيد الخفيفة.
قوله: (واللام) مبتدأ خبره ممتنعة، وحذف جواب الشرط لدلالة الخبر عليه على ما مر في قوله، والأمر إن لم يك للنون محل الخ. فلا تغفل، وها بالقصر مفعول قدمت، وتكتب مفصولة منه لأن المقصود اللفظ الموضوع لتنبيه المخاطب المركب من الهاء والألف اللينة، فهو معرفة بالعلمية عليه لكنه ينكر ويضاف للتنبيه ليتضح المراد به من إضافة الدال للمدلول. ولا يقال هاء التنبيه بالمد لئلا يقتضي أن الدال عليه هو هاء بالمد إن قصد لفظها، أو مسماها وهو ها المفردة إن قصد معناها كما يقال باء الجر مع أن العامل مسماها وهو: ب فتدبر.
قوله: (وَغَيْرُهُم) منه قوله تعالى: إنَّ السَّمْعَ والبَصَرَ وَالفُؤَادَ كُلُّ أولئِكَ كَانْ عَنْهُ مَسْؤولاً}
(الإسراء:36)
.
قوله: (ذُمَّ المَنَازلَ) بفتح الميم للخفة وكسرها على أصل التخلص وضمها اتباعاً للذال، وهي على هذا الترتيب في الحسن على ما يظهر، والمراد بالعيش المعيشة ا هـ صبان وفي الاسقاطي الراجح الكسر لأنه الواجب لو فك الإدغام.
---(1/162)
قوله: (أَتَى بالكافِ وَحْدَهَا) لكنها لا تدخل في إشارات المؤنث إلا مع تي وتا، وكذا ذي بخلاف غيرها كما نقل عن الهمع وغيره. والظاهر منعها أيضاً مع ذاؤه بالضم والكسر من إشارات المذكر.
قوله: (أو الكَاف واللاّم) لكن لا تدخل اللام في المثنى، ولا أولاء الممدود بل في المفرد مطلقاً، وأولى المقصور والظاهر منعها أيضاً فيما لا تدخله الكاف من إشارات المفردة، والمفرد وتميم لا يدخلونها أصلاً، وأصل هذه اللام السكون لكنها تكسر للتخلص في نحو ذلك وتالك وتيلك. ولئلا يتوهم أنها لام الجر مع الضمير، وقد يبقى سكونها،ويحذف ما قبلها من ياء أو ألف كتلك بكسر التاء وفتحها.
قوله: (حرفُ خطابٍ) أي لا ضمير، وإلا لأضيف اسم الإشارة إليها إذ لا يتصل الضمير إلا بعامله، ولو أضيف لحذفت النون من ذينك وتينك مع أنه لا يقبل التنكير بحال لمصاحبة الإشارة الحسية، وتتصرف هذه الكاف بحسب المخاطب على الأفصح كالكاف الاسمية، وقد تفرد إما مفتوحة في الأحوال كلها، أو مفتوحة في المذكر ومكسورة في المؤنث جمعاً أو غيره ففيها ثلاث لغات، وهذه الكاف الحرفية هي اللاحقة لاسم الفعل في نحو هاك هاكما، وللضمير في إياك إياكما الخ، ولا رأيت بفتح التاء بمعنى أخبرني نحو: أَرَأَيتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ}
(الإسراء:62)
فالتاء فاعل مجرد عن الخطاب ملتزم إفراده استغناء بتصرف الكاف، وليست هي الفاعل، والتاء حرف خلافاً للفراء لأنها ليست من ضمائر الرفع مع صحة الاستغناء عنها بخلاف التاء، ولا يستخبر بهذا الترتيب إلا عن حالة عجيبة فلا بد بعده من استفهام يبينها إما ظاهر كأرأيت زيداً ما صنع؟ أو مقدر كالآية أي لمَ كرّمته وقوله: لَئِنْ أَخَّرْتَنِ}
(الإسراء:62)
---(1/163)
كلام آخر والمنصوب بعده إما بنزع الخافض أي أخبرني عن زيد، وعن الذي لأن هذا من مورد السماع، أو مفعول به على حذف المضاف أي أخبرني خبر زيد كما اختاره الدماميني، وقد يحذف نحو: أَرَأَيْتَكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ الله}
(الأنعام: 40، 47)
الخ، ولا محل لجملة الاستفهام لأنها مستأنفة لبيان الحال كما صرح به الرضي بناء على أن أصله بمعنى: أبصرت أو أعرفت فيطلب مفعولاً واحداً مع أنه انسلخ عن معنى الرؤية أصلاً إلى طلب الإخبار.
قوله: (فَإِنْ تَقَدَّمَ حَرْفُ التَّنْبِيهِ أتيتَ بالكافِ) لكن يقل جمعهما حتى في المثنى والجمع كما اختاره أبو حيان، وإن منعه المصنف فيهما كقوله:
62 ــــ يَامَا أُمَيْلَحَ غُزْلاناً شَدَنَّ لَنَا
مِنْ هؤليائكنَّ الضَّالِ والسَّمُرِ
وهو تصغير هؤلاء إلا أن يحكم المصنف بشذوذ ذلك، وتمتنع الكاف إن فصل بين ها التنبيه، واسم الإشارة لأن جمعهما بدون فصل قليل فلم يحتمل معه كما في التسهيل، والفصل إما بالضمير نحو: ها أنا ذا وهو كثير، وقد تعاد توكيداً نحو: ها أنتم هؤلاء، أو بغيره. وهو قليل كقوله:
63 ــــ ها إنَّ ذِي عذْرَة إلاّ تَكُنْ نَفَعَتْ
فإنَّ صَاحِبَها مُشَارِكُ النَّكَدِ
والعذرة بالكسر المعذرة والإخبار عن الضمير بعدها التنبيه بغير اسم الإشارة شاذ كما صرح به ابن هشام في حاشية التسهيل.وان وقع في ديباجة المغني حيث قال: وَهَا أَنَا بِمَا أَسْرَرْتُهُ.
قوله: (بَنِي غَبْرَاءَ) هي الأرض وبنوها الفقراء، أو الأضياف، أو اللصوص. وأهل عطف على الواو في ينكرونني للفصل بالمفعول، والطِّراف بكسر المهملة البيت من الآدم، وأراد بأهله الأغنياء، والبيت لطرقة بن العبد في معلقته.
قوله: (فلا تَقُولُ هذلك) أي كراهة كثرة الزوائد.
---(1/164)
قوله: (ثَلاثُ مَراتِبَ) يضعفه أن اللام تمتنع في الثنى وأولاء الممدود فبماذا دل على البعد حينئذ، وتشديد النون، والمد لا يصلحان له لوجودهما بدون الكاف أيضاً مع أن لغة تميم تركها مطلقاً.
واعلم أن المشار إليه إما مفرد أومثنى أو جمع مذكر، أو مؤنث فتلك ستة تضرب في ستة المخاطب كذلك بست وثلاثين صورة في المراتب الثلاثة بمائة وثمانية. يتعذر من مرتبة القرب ثلاثون لأن ستة المشار إليه فيها لا يتعدد لفظها باعتبار المخاطب لعدم لحوقها الكاف، وهي ثابتة بأنفسها مع كل مخاطب فتقول: كيف هذا الرجل، وذي المرأة مثلاً يا رجل، ويا رجلان الخ، ويمتنع من مرتبة البعد اثنا عشر: وهي جمع الكاف واللام في ستة المخاطب، مع مثنى المشار إليه مذكراً أو مؤنثاً نحو: ذان لك، ذان لكما، تان لك، تان لكما، الخ تبقى صور الجواز ستة وستين: وهي رتبة التوسط بتمامها، وستة من القرب، وأربعة وعشرون في البعد، وهذا العدد باعتبار المعنى وإلا فيشار للجمع المذكر والمؤنث بلفظ واحد، وخطاب المثنى مذكراً أو مؤنثاً كذلك فباعتبار اللفظ تضرب خمسة في خمسة بخمسة وعشرين في الثلاث مراتب بخمسة وسبعين يتعذر منها عشرون، ويمتنع عشرة. وإن نظر إلى تعدد أدوات الإشارة لكل مشار إليه تكاثرت الصور. وهذا الإيضاح يغنيك عن الجدول.
قوله: (داني المكان) أي المكان الداني أو الداني منه فهي خاصة بالمكان لكن في التسهيل أن هناك وهنالك، وهنا بالتشديد قد يشار بها للزمان نحو: هُنَالِكَ تَبْلُو كّلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ}
(يونس:30)
أي في يوم نحشرهم وقوله:
63 ــــ وَإَذَا الأُمُورُ تَشَابَهتْ وتَعَاظَمَتْ
فَهُنَاكَ يَعْتَرفُونَ أَينَ المَفْزَعُ
أي في وقت تشابه الأمور وقوله:
64 ــــ حَنَّتْ نوارُ ولاتَ هُنَّا حَنَّتِ
---(1/165)
أي ولات في هذا الوقت حنين، فلات مهملة لتقديم الخبر، وهو هنا على المبتدأ، وهو حنت المؤول بحنين، وليس هنا اسمها، وحنت خبرها على تقدير ولات الوقت وقت حنين لأن هنا لا تخرج عن الظرفية، ولات لا تعمل في معرفة.
واعلم أن المكان والزمان لا يشار إليهما من حيث كونهما ظرفين إلا بهذه الأدوات فهي في محل نصب على الظرفية. أما من غير تلك الحيثية فلا يشار بها بل بغيرها نحو: هذا مكان طيب، وذاك زمان الربيع.
قوله: (وبِهِ الكافَ صِلا) أي مفتوحة مفردة دائماً سم.
قوله: (أو بثم) بفتح المثلثة، وشد الميم، وقد تلحقها تاء التأنيث ساكنة ومفتوحة، كربَّت وها السكت وقفاً، وقد يجري الوصل مجراه لا الكاف ولا ها التنبيه. وهي هنا ملازمانِ للظرفية، أو شبهها، وهو الجر بمن أو إلى كما في أين لا خصوص من كما قاله الدماميني ولذا غلط من زعم أن ثم مفعول رأيت في قوله تعالى: وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ}
(الإنسان: 20)
بل الصواب أن الفعل إما منزَّلٌ منزلة اللازم أي، وإذا وقعت رؤيتك ثم أي في ذلك المكان، أو حذف مفعوله أي، وإذا رأيت الموعود به ثَم.
قوله: (فه) بضم الفاء أمر من فاه يفوه إذ نطق.
قوله: (أو هنا) بالفتح والتشديد، والأخير بالكسر والتشديد.
قوله: (وهنت) بزيادة تاء ساكنة على هنا المفتوحة المشددة وحذفت ألفها للساكنين، وقد تكسر هاؤها ا هـ. تصريح والله سبحانه وتعالى أعلم.
المَوْصُولُ
هو اسم مفعول من وصل الشيء بغيره جعله من تمامه إذ لا يتم معناه إلا بالصلة.
قوله: (موصولُ الأَسْمَاءِ) مبتدأ أول، والذي مبتدأ ثان حذف خبره أي منه، والجملة خبر الأول، والأنثى مبتدأ خبره التي أي، ومؤنثه أي الذي هو التي فالعاطف محذوف، وأل عوض عن المضاف إليه، أو التي مبتدأ ثان حذف خبره، والجملة خبر الأنثى أي الأنثى لها التي.
---(1/166)
قوله: (لا تُثْبِتُ) بضم أوله مجزوم بلا للناهية، ولا يجوز فتحه كما لا يخفى، وهو خبر عن الياء أي لا تثبتها أنت، وجواب إذا محذوف لدلالة هذا عليه، أو اليا مفعوله مقدم، ولا يرد أن معمول الجواب لا يتقدم على الشرط لجواز أن إذا المجرد الظرفية.6
قوله: (بَلْ مَا تلِيهِ) أي الحرف الذي تليه الياء فالصلة جرت على غير صاحبها، ولم يبرز لأمن اللبس. وهذا تصريح بما علم، فلفظ بل انتقال لا إضراب، وكون ما مفعولاً لمحذوف يفسره أوله من باب الاشتغال أرجح من كونه مبتدأ خبره أول كما ستعرفه.
قوله: (إِنْ تُشْدِدْ) إما بضم التاء مع كسر الدال مبنياً للفاعل، أو مع فتحها للمفعول من أشد الرباعي، أو بفتح التاء مع ضم الدال مبنياً للفاعل، أو بعكسه للمفعول من شده يشدُّه، والنون مبتدأ على كلِّ لا مفعول مقدم لأن معمول الشرط لا يتقدم عليه خبره الجملة الشرطية، والرابط على بنائه للفاعل محذوف أي تشددها، وللمفعول مستتر فيه.
فائدة:
قال الفراء: كل مضاف على فعل بالفتح إن كان لازماً كسر مضارعه كعففْتُ أَعُفُّ، ولا يضم إلا سماعاً أو متعدياً ضم كرددت، أرد، ومددت أمد إلا ثلاثة أحرف من المتعدي كسرت أيضاً ندوراً، وهي شده يشده، ويشده وعله إذا سقاه ثانياً يعلُّه ويعله، ونم الحديث ينمه وينمه. فإن جاء مثل هذا مما لم نسمعه فهو قليل، والضم أصله. وجاء منه حرف واحد بالكسر فقط شذوذاً وهو حبه يحبه ا هـ. صحاح.
قوله: (وتعويض) مبتدأ خبره قصد، وسوغه معنى الحصر على حد: شيء جاء بك أي ما قصد بذلك التشديد لا التعويض عن ياء المفرد خلافاً لمن جعله لتأكيد الفرق بين تثنية المعرب والمبني، وإن حصل أصل الفرق بحذف الياء.
---(1/167)
قوله: (إلى اسميَّ) هو كما في التسهيل ما افتقر أبداً إلى جملة ولو تأويلاً. كالظرف، والوصف، وإلى عائد من ضمير، أو خلفه كما سيأتي. فخرج بأبداً النكرة الموصوفة بجملة فإنما تفتقر إليها حال وصفها بها لا أبداً، وبالعائد الموصول الحرفي، وهو كل حرف سبك ما بعده بمصدر ولم يحتج لعائد.
قوله: (وهي خمسة) نظمها السندوبي فقال:
وهاكَ حُرُوفاً بالمصادِرِ أوّلتْ
وذِكري لَهَا خمساً أصَحُّ كَمَا رَوَوْا
وها هِي أنْ بالفَتْح أنَّ مُشَدَّداً
وزِيدَ عَلَيْهَا كَيْ فَخُذْها وَمَا ولَو
وزيد عليها الذي في بعض أحواله نحو: وَخُضْتُمْ كالذي خَاضُوا}
(التوبة:69)
أي كخوضها قالوا: وأل فيه زائدة دخلت على الحرف ندوراً كالموصولة على المضارع لكن الصحيح اسميته، وحذف عائده وموصوفه أي كالخوض الذي خاضوه، أو أصله الذين حذفت نونه على لغة، أو المراد: كالفريق الذي خاضوا فجمع العائد نظراً للمعنى.
قوله: (ماضياً الخ). لكن لا تنصبه اتفاقاً لأنها لم تؤثر في معناه شيئاً بخلاف أن الشرطية لما قلبته إلى الاستقبال ناسب عملها في محله فالموصولة بالماضي، وكذا بالأمر هي الناصبة للمضارع عند الجمهور لا غيرها، وإن كانت سائر النواصب لا تدخل على غيره لأنها أم الباب فتوسع فيها، ووصلها بالماضي اتفاقاً، وبالأمر عند سيبويه بدليل دخول الجار عليها في نحو: كَتَبْتُ إِلَيْهِ بِأَنْ قُمْ أو، لا تَقْعُدْ إذ لا يدخل إلاَّ على الاسم فتؤول بمصدر طلبي أي: كتبت إليه بالأمر بالقيام كما قدر الزمخشري في قوله تعالى: إِنَّاأَرْسَلْنَا نوحاً إلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ}
(نوح:1)
أي بالأمر بالانذار فلا يفوت معنى الطلب ورده الدماميني بأن كل موضع وقع في الأمر محتمل لكون أنْ فيه تفسيرية بمعنى أي كهذه الآية ونحو: فَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الفُلْكَ}
(المؤمنون:27)
---
وَإِذ أَوْحَيْتُ إِلى الحواريين أَنْ آمِنوا بي}
(المائدة: 111)(1/168)
وانْطَلَقَ المَلأُ مِنْهُم أَنِ امشُوا}
(ص: 6)
أي انطلقت ألسنتهم فكل ذلك إذا لم يقدر فيه الجار كانت تفسيرية لسبقها بجملة فيها معنى القول دون حروفه وخلوها عن الجار لفظاً. ولا حاجة إلى تقديره كما يقول سيبويه، أو زائدة كالمثال أي كتبت إليه بقم أي بهذا اللفظ زيدت أن كراهة دخول الجار على الفعل ظاهراً، وإن كان في الواقع اسماً لقصد لفظه.
قوله: (ومنها أن) بالفتح، والتشديد، والمناسب لما مر، أن يقول ثانيها.
قوله: (وتوصل الخ) أي، وتؤول بمصدر خبرها مضافاً لاسمها إن كان مشتقاً، وبالسكون إن كان جامداً أو ظرفاً كبلغني أَنَّكَ زيدٌ، أو في الدّارِ أي: بَلَغَنِي كَوْنَكَ زَيْداً إلى آخره، أو يقال في الجامد: بلغني زَيْدِيَّتُكَ لأن ياء النسب مع التاء تفيد المصدرية كالفروسية أفاده الاسقاطي. وكذا يقال في المخففة إلا أن اسمها ضمير الشأن محذوف خبره الجملة، والمصدر يؤخذ مما بعد الفعل الجامد، ويضاف لما يناسبه. كأن يقال في الآية الأولى: وعدم كون شيء للإنسان إلا سعيه وفي الثانية: وكون أجلهم متوقع القرب فتأمل.
قوله: (كَيْ) أي المجرور باللام لفظاً، أو تقديراً.
قوله: (ظَرْفِيَّة) الأولى زمانية ليشمل نحو كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوا فِيهِ}
(البقرة:20)
أي كلّ وقت إضاءة إذ الزمن المحفوض لا يُسمى ظرفاً.
قوله: (بالماضِي والمُضَارعِ) أي المتصرفين، ولو تصرفاً ناقصاً كدام، ويندر وصلها بالجامد كخلا وعدا، ويمتنع بالأمر.
قوله: (وبالجُمْلَةِ الاسْمِيَّةِ) أي إذا لم تصدَّر بحرف مصدري نحو: ما إن نجماً في السماء لأنها، حينئذ، فاعل بمحذوف هو صلة ما أي ما ثبت أن نجماً الخ. وقيل إن وصلتها مبتدأ حذف خبره أي ثابت.
---
قوله: (أُطَوِّفُ) بشد الواو للتكثير ما أطوف أي مده تطويفي ولكاع كحذام ذم للمؤنث أي لئيمة، أو وسخة، ويقال للمذكر لكع كعمر.(1/169)
قوله: (بالماضي والمُضَارعِ) أي االمتصرفين لا بالأمر. ولا بالاسمية كما قاله ابن هشام، وأما نحو: يُوَدّو لَوْ أَنَّهُم بَادُون في الإعْرابِ}
(الأحزاب:21)
فالمشهور أن تقديره: لو ثبت أنهم الخ، وبحث الدماميني أنه يقدر لو أنهم بادون ثابت كما قدره جمع بعد لو الشرطية في: ولو أنهم صبروا كما سيأتي هناك فتكون المصدرية توصل بخصوص هذا النوع من الاسمية فتأمله ا هـ. والغالب أنها لا تقع إلا بعد مفهم التمني كودَّ وأحب ومن غير الغالب قوله:
64 ـــــ مَا كَان ضَرَّكَ لَوْ مَنَنْتَ وربَّما
مَنَّ الفَتى وَهُوَ المَغيظُ المُحنَقُ
قوله: (احُتِراز الخ) أي في بادىء الرأي، وإلا فالحرفي لم يدخل أصلاً لأن الكلام في المعارف فذكر الأسماء لبيان الواقع.
قوله: (فالذي) يكتب هو وجمعه والتي بلام واحدة لكثرة استعمالها، واللذين واللتين مثنى بلامين على الأصل في كل ما أوله لام حلي بأل، وللفرق بينه وبين الجمع نصباً وجراً، وحمل الرفع عليهما، ولم يعكس لسبق المثنى فاستحق الأصل، وأل في الجميع زائدة لا معرفة لأن تعريفها بالصلة، وحذفها من الجميع لغة، وكذا حذف نون الجمع. وخرج عليها كالذي خاضوا في قول: ونون المثنى لبني الحارث كقوله:
65 ــــ أَبَنِي كُلَيْبٍ إن عمَّيَّ اللَّذا
قَتَلا المُلوكَ، وفكَّكَا الأغْلالا
وقوله:
66 ــــ همَا اللَّتانِ ولدَتْ تميمُ
لقيل فخرٍ لهم صميمُ
والحاصل، أن الذين الجمع، إما بالنون مع أل، أو حذفها، أو بحذف النون مع أل، والرابعة رفعه بالواو والمثنى، إما بتخفيف النون مع أل وحذفها، أو بشد النون أو حذفها مع أل ففيه أربع أيضاً. وأما الذي والتي فتخذف ياؤهما مع أل مع إسكان ما قبلها، أو كسره وكذا تثبت ساكنة مع أل وبدونها، وتشد مكسورة ومضمومة مع أل ففيهما ست لغات.
---
قوله: (لِلْمُفْرَدِ) أي حقيقة أو حكماً للفريق.(1/170)
قوله: (أُسْقِطَتِ اليَاءُ) أي ياء المفرد لكونها مع العلامة، ولم يقل اللذيان بتحريك ياء المفرد لكونها مع العلامة كالشجيان لأنها لاحظ لها في الحركة بسبب البناء، ومقتضى ذلك أنها تثنية حقيقية فلا يشترط فيها إعراب المفرد كما قيل به، والأصح اشتراطه، وأنهما صيغتان وضعتا ابتداء للمثنى لا تثنية حقيقية، وحينئذ فالظاهر بناؤها كالمفرد لأن التثنية التي هي من خواص الأسماء لم توجد حتى تعارض سببهما الافتقاري، وإنما اختلفا مع العامل نظراً لصورة التثنية فبنيا على ما يشكل إعرابهما من ألف أو ياء، ومثلهما ذان وتان، وكذا يقال في اللذون على رفعه بالواو فتدبر.
قوله: (عِوَضاً عَنِ اليَاء) مقتضاه منع تشديد المصغر لرجوع يائه قاله سم، ولم يعوضوا في يدين ودمين لأن الحذف فيهما قبل التثنية لا لها.
قوله: (وَقَدْ قُرِىَء) واللَّذانِ}
(النساء:16)
هي لابن كثير(3) وكذا. أَرِنَا اللَّذَيْنِ}(4)
(فصلت: 29)
. ويسكن راء أرنا.
قوله: (جَمْعُ الَّذي) مبتدأ خبره الألى، والذين بحذف العاطف، ومطلقاً حال من الذين أي بالياء في الرفع وغيره، والمراد الجمع اللغوي وهو مطلق التعدد لأنهما اسما جمع لا جمعان لأن شرط الجمع إعراب المفرد كالتثنية، ولأن الألى لا واحد له من لفظه، والذين أخص من المفرد لاختصاصه بالعقلاء فلم يجر على سنن الجموع. كذا قيل وفيه إن عموم الذي للعقلاء وغيرهم بدلى، فلا يمنع جمعه إذا أريد به عاقل ليعمهم شمولاً كجمع نحو: قائم ونائم على قائمين ونائمين لخصوص العقلاء مع إطلاق المفرد على غيرهم، ولو سلم لبطل كونه اسم جمع أيضاً كما مر في عالم وعالمين. فالأسلم التعليل الأول وإن احتمل عليه أنه جمع لم يستوفِ الشروط فيكون في كلام المصنف تغليب فتأمل، ويكتب الألى بلا واو للزومه أل فلا يشتبه بإلى الجارة كما في التصريح بخلاف أولى الإشارية.
---
قوله: (وبَعْضُهُم بالواوِ الخ) وكلهم يعرفونه بها في التصغير نحو: اللذيون.(1/171)
قوله: (بالّلات) متعلق بجمع خبر عن التي والباء بمعنى على.
قوله: (كاللَّذَيْنِ نَزَرا) حالان من فاعل وقع، أو صفتان لمصدر، أو مختلفان أي وقع اللائي في كلامهم وقوعاً نزراً حال كونه كالذين في كونه للمذكر كما قاله الشارح أو في أنه يستعمل بالياء والنون كقوله:
67 ــــ وَنَأْمَنُ الَّلائِينَ إِنْ قَدِروا عَفَوا
وَإنْ أتْرَبوا جَادُوا وَإنْ تَرِبُوا عَفَوا(2)
وسمع اللاؤن رفعاً كالذون، وأترب بالهمز بمعنى استغنى. كأن ماله عدد التراب، وترب ضده. كأنه لصق بالتراب ا هـ صحاح.
قوله: (عَاقِلاً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ) لكن يقل في غيره كما في التوضيح كقوله:
68 ـــــ تُهَيِّجُنِي لِلْوَصْلِ أَيَّامُنَا الأُلى
مَرَرْنَ عَلَيْنَا وَالزَّمَانُ وَرِيقُ(3)
وقصره كما ذكر أشهر من مده كقوله:
69 ــــ أَبَى الله لِلشُّمِ الألاَءِ كَأَنَّهُمْ
سُيُوفٌ أَجَادَ القَينُ يَوْماً صِقالَها(4)
أي أبى الله ضرر الشم بالضم من الشمم وهو ارتفاع قصبة الأنف. والقين بفتح القاف الحداد.
قوله: (وتُبْلي الأُلى الألى الخ) ضميره للمنون في قوله قبله:
70 ــــ فَتِلْكَ خُطُوبٌ قَدْ تَمَلَّتْ شَبَابَنَا
قديماً فَتُبلينَ المَنُون وما نَبلى(2)
أي وما نبليها، ويستلئمون أي ويلبسون اللأمة وهي الدرع حال كونهم على الخيول الألى تراهن الخ، والروع بالفتح الخوف والحد أجمع حدأة كعنب وعنبة طائرٌ معروف، والقبل جمع قبلاء كحمر وحمراء من القبل كالحول في العين وزناً ومعنًى، فالأول للمذكر بدليل يستلئمون والثاني للمؤنث بدليل تراهن، ومنه قول مجنون ليلى:
71 ــــ مَحَا حُبُّها حُبَّ الألَى كنَّ قَبْلها
وَحَلَّت مَكَاناً لَمْ يَكُنْ حُلَّ مِنْ قَبْلُ(3)
---(1/172)
قوله: (الَّلذون رفْعاً) والصحيح أنه مبني جيء به على صورة المعرب، والظاهر بناؤه على الواو والياء لما مر قريباً، ويكتب حينئذ بلامين لمشابهة المعرب الذي تظهر فيه أل، ولفوات الثقل الحاصل على اللغة الأولى بلزومه حالة واحدة، والظاهر عليها أنه مبني على فتح النون لا على الياء فتأمل.
قوله: (هذيل) في التوضيح(4) أو عقيل بالتصغير فيهما.
قوله: (صَبَّحُوا الصَّبَاحَا) ظرف تأكيدي أي صبحوهم وقت الصباح، والنخيل بالمعجمة مصغرا موضع بالشام، والغارة اسم مصدر لأغار على العدو، مفعول لأجله، أو حال أي مغيرين، وملحاحاً بكسر الميم من ألح المطر دام واشتد.
قوله: (وَرَدَ اللاّئي بِمَعْنَى الَّذينَ) أي للمذكر كما أن الألى ورد للمؤنث فيتقارضان. إلا أن الثاني أكثر من الأول.
قوله: (فَمَا آباؤُنا الخ) أي ليس أباؤُنا الذين جعلوا حجورهم مهداً لنا بأكثر امتناناً علينا من الممدوح، فأوقع اللائي للمذكر بدليل: مهدوا، وفصل بين الموصوف وصفته بأجنبي هو الخبر وتجويزه قول.
قوله: (تُسَاوي الخ) لما بين المختص بالمفرد وغيره من الموصول، وهو الثمانية المتقدمة الذي والتي ومثناهما والذين والألى واللات واللاء شرع يبين المشترك بين الواحد وغيره وهو ستة: من وما وأل وأي وذو وذات فكل واحد منها يساوي الثمانية في الاستعمال.
قوله: (وهكَذَا الخ) أي ذو شهر عند طَيّىء حال كونه كهذا المذكور في المساواة.
قوله: (طيّىء) بشد الياء، وهمز آخره على المشهور من الطاءة كالطاعة وهي الإبعاد في المرعى كما في الصحاح ويقال بلا همزة أيضاً كما في شرح مسلم، ويتعين الأول للوزن(3)، وقال السيوطي: سمي به جدهم جلهمة لأنه أول من طوى المنازل.
---(1/173)
قوله: (وَمَوْضِع) ظرف لاتى وذوات فاعله. قوله: (وأكثر ما تستعمل الخ) ظاهره أنها للعقلاء وغيرهم كما نقله في التلويح عن أكثر اللغويين، والقول بأنها لغيرهم فقط للبعض وفي شرح الجامع عن كتب الأصول وغيرها أن ابن الزبعرى لما سمع قوله تعالى: إنَّكُمْ وَمَا تَعبُدُونَ مِنْ دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّم}
(الأنبياء:98)
قال: لأَخصِمَنَّ محمداً أليس قد عبد المسيح والملائكة فيكون هؤلاء حصب جهنم فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم: «مَا أجْهَلَكَ بِلُغَةِ قَوْمِكَ مَا لما لاَ يُعقِلُ» اهـ. وهذا إن صَحَّ كان نصاً في محل الخلاف(3).
قوله: (في العاقل) الأولى فيه وفيما بعده العالم إذ لم يرَد إذن في وصفه تعالى بالعقل.
قوله: فَانْكِحُوا مَا طَابَ}
(النساء:3)
وقيل إنها في ذلك ليست لذات العالم بل لصفاته الملحوظة من الذات وهي من غير العالم فلم تخرج عن أصلها. قال السعد في حواشي الكشاف التفرقة بين وما ومن إنما هي عند إرادة الذات وحدها، وأما إذا لوحظ معها صفة نحو: أكرم ما شئت من هؤلاء القائم والقاعد، وما زيد أفاضل أم كريم فما كمن بحكم الوضع على ما ذكره الزمخشري والسكاكي وغيرهما. وإن أنكره بعضهم والمعنى انكحوا الموصوفة بأي صفة أردتم من البكارة والثيوبة ونحوهما اهـ. والمراد الصفة غير المفهومة من الصلة إذ هذه في كل موصول، ولعل المعنى في المثال الثاني: سبحان القادر الذي سخركن مثلاً فتدبر، وتستعمل في العاقل إذا اختلط بغيره اتفاقاً نحو: يُسَبِّحُ لله مَا فِي السَّمواتِ وَمَا فِي الأرْضِ}
(الصف. الجمعة. التغابن:1)
وفي المبهم أمره كقول من رأس شبحاً من بعد انظر ما ظهر لي، وأما نحو قوله تعالى: إنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي}
(آل عمران: 35)
---
فإنَّما استعملت فيه ما لأن الحمل في حكم الجماد ما لم ينفصل لا لإبهام ذكورته وأنوثته كما نقله الشيخ خالد عن المصنف لأن ذلك لا يخرجه عن العقلاء فتدبر.(1/174)
قوله: (وقد تستعمل في غيره) أي إما لاقترانه به في عموم فصل بمن الجارة نحو فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي}
(النور:45)
الخ تكون مجاز المجاورة أو لتشبيهه به نحو: أسرب القطا الخ فتكون استعارة، أو لاختلاطه به نحو: وَلله يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّموَاتِ}
(النور:15)
فتكون تغليباً وقد بيناه في بحث التثنية.
قوله: (بكيت الخ) قيل إنهما للعباس بن الأحنف وهو مولد لا يحتجُّ بشعره ولذا سقطا في نسخ، والسرب بكسر المهملة وسكون الراء الجماعة، والقطا جمع قطاة نوع من الطير، وهويت بكسر الواو أي أحببت، والشاهد قوله: هل من يعير، نزل القطا منزلة العاقل وناداه وطلب منه الإعارة فاستعمل فيه من وبعد البيتين:
72 ــــ فَجَاوَبَني مِنْ فَوْقِ غُصْنٍ أَرَاكَةٍ
أَلاَ كُلُّنَا يَا مُستَعيرُ نُعيرُ
وأَيُّ قَطاةٍ لَمْ تُعِرْكَ جَنَاحَها
تَعيشُ بِذّلَ والجَنَاحُ كَسِيرُ
فائدة: تأتي من وما لمعان جمعتها بقولي:
مَحَاملُ مَنْ خَمْسٌ فَشَرْطٌ تَفْهَمِ
وَمَوْصُولَةُ تَنْكِيرِ نَقْص وَتَمَّمَا
وَهذِي لِمَا مَعَ نفي كف تعجب
تُغَيّرُ معنى مع تهيؤ اعلمَا
وزائدةً تَأْتِي كَذَا مَصْدَرِيةً
مَعَ الظَّرْفِ أَوْ لا فَافْهَمنّ لِتَغنَما
أي يأتي كل منهما شرطاً، واستفهاماً وموصولاً ونكرة موصوفة، أو تامة فالموصوفة، إما بمفرد كقوله:
73 ــــ لِمَا نَافِعَ يَسعى اللبيبُ فَلاَ تَكُنْ
لِشَيءٍ بَعيدٍ نَفْعُهُ الدَّهرَ سَاعِيَا(2)
ونحو مررت بما معجب لك، وبمن معجب لك فنافع، ومعجب بالجر صفتان، أو بجملة كقوله:
74 ـــــ رُبَّ مَنْ أَنْضَجْتَ غَيْظاً قَلْبَهُ
قَدْ تَمَنَّى لِيَ مَوْتاً لمْ يُطَع(3)
وقوله:
75 ــــ رُبَّمَا تَكْرُهُ النّفُوسُ مِنَ الأمْرِ
لَهُ فَرْجَةٌ كَحَلِّ العِقَالِ(4)
---(1/175)
فجملة أنضجت وتكره صفتان لا صلتان لأن رب خاصة بالنكرة، ومن الأمر بيان لماوله فرجة خبرها وأما جعل ما كافة، وله فرجة صفة لمحذوف هو مفعول تكره، ومن الأمر بيان له أي قد تكره النفوس حالاً من الأمر له فرجة الخ. فيرده أن الموصوف بالجملة لا يحذف. إلا إذا كان بعض اسم مجرور بمن، أو في نحو: منا ظعن، ومنا أقام، وفينا سلم وفينا هلك، وفرجة بفتح الفاء قيل سمع الحجاج قارئاً يقرأ: إِلاّ مَنِ اغْتَرَفَ غَرْفَةً}(2)
(البقرة: 249)
بالفتح فأنكرها وتوعده بالقتل إن لم يأته بشاهد على وقوع فعلة في الكلام فخرج الرجل هائماً يطلب شاهداً فبعد أيام سمع رجلاً ينشد لأمية بن أبي الصلت:
76 ــــ صَبِّر النَّفْسِ عِندَ كُلِّ مُلمِّ
إن فِي الصَّبْرِ حِيَلَةَ المُحْتَالِ
لاَ تَضِقْ بالأُمُورِ ذَرعاً فَقَدْ يُكْشَفُ
غَمَاؤُهَا بِغَيْرِ احْتِيالِ(3)
ربما تكره الخ وسمع عقب ذلك نعي الحجاج فقال: ما أدري أنا بأيهما أكثر سروراً، والنكرة التامة لا تحتاج لوصف كما التعجبية عند البصريين، ونحو غسلته غسلاً نعمًّا وقوله: فنعم من هو في سر وإعلان. أي نعم شيئاً ونعم شخصاً فما ومن تمييز لفاعل نعم المستتر، ولفظ هو مخصوص بالمدح، وفي سر حال أي نعم من أي شخصاً هو الممدوح حال كونه في سر الخ كما قدره الفارسي، وتزيد ما عن من بكونها تعجبية، وزائدة ونافية وكافة نحو: إِنَّمَا إلهكُمُ الله}
(الكهف:110)
مصدرية ظرفية وغير ظرفية ومهيئة كـ ــــربما يود}(4) هيأت رب للفعل ومغيرة كلوما ضربت غيرت لو من الشرط إلى التحضيض وبقي الإبهامية نحو: أعط شيئاً ما وَلأمْرٍ ما جدع قصير أنفه وجعلها المصنف زائدة منبهة على وصف لائق بالمحل وليست هي وصفاً لأنها جامدة ولم يأت الوصف بالنكرة الجامدة، ألا وهي مردفة بمثل الموصوف نحو مررت برجل أي رجل، وطعمنا شاة أي شاة ا هـ.
---(1/176)
قوله: (وَاختُلِفَ فِيها) مْحَلُّ الخِلاَف حَيْثُ لاَ عَهْدَ وَإلاّ فَمُعَرَّفَةٌ كَجَاءَنِي مُحْسِنٌ فَأَكْرَمْتُ المُحْسِنَ قَالَهُ الرَّضيّ.
قوله: (وَهُوَ الصَّحْيحُ) وعليه سيبويه والجمهور لدخولها على المضارع كما سيأتي، ولعود الضمير عليها في: أفلح المتقي ربه وهو لا يعود إلا على اسم ولا يصح عوده على موصوف محذوف كما قال به المازني لأن الموصوف لا يحذف إلا إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو بفي كما مر. أو كان النعت صالحاً لمباشرة العامل أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ}
(سبأ:11)
أي دروعاً سابغات وليس هذا واحداً منها وقد يقال: هو من الثالث كما في الصبان.
قوله: (حَرْفٌ مَوْصُول) قائله المازني ورد بأنه لم يوجد موصولٌ حرفي إلا وهو مؤول بالمصدر وذلك باطل هنا.
قوله: (حرف تعريف) قائله الأخفش، ويرده جواز عطف الفعل على مدخولها ودخولها على الجملة، وأن الوصف معها يعمل، ولو كان بمعنى المضي مع أنها، حينئذ، من خواص الأسماء فكان ينبغي إبطالها عمله كالتصغير ونحوه لبعده عن شبه الفعل. وأجاب الأخفش عن هذا بالتزامه.
f
قوله: (بلفظ واحد) أي مبني على سكون الواو في الأحوال كلها وهي مراد المتن بقوله: وهكذا ذو أي تساوي ما ذكر.
قوله: (وهو المشار إليه بقوله وكالتي الخ) أي فهو إشارة أي لغة ثانية كما يفيده قوله أيضاً، وحاصلها أن ذات وذوات بضمهما للمؤنثة، وجمعها وذو للباقي، وهو مفرد المذكر ومثناه وجمعه وكذا مثنى المؤنث. كما هو ظاهر المتن والشارح. لكن في الرضي أن له ذات على هذه اللغة كمفرده فقول المتن: وكالتي أي واللتين لديهم ذات.
---
قوله: (ومنهم من يثنيها الخ) أي فيصرفها تصريف ذي بمعنى صاحب مع إعراب جميع تصاريفها حملاً عليها كذا في الرضي، ومقتضاه أن ذات تعرب بالحركات الثلاث؛ وإن يقال في تثنيتها ذواتاً وذواتَي بواو بعد الذال كما في التي بمعنى صاحبة، وإن ذوات تعرب كجمع المؤنث كالتي بمعنى صواحبات على هذه اللغة.(1/177)
قوله: (وهي) أي ذوات مبنية الخ اعلم أن الشارح تكلَّمَ، أولاً على ذو من حيث إفرادها وعدمها فذكر فيها ثلاث لغات، وقد علمتها ثم شرع يتكلم عليها من حيث الإعراب والبناء فهذا كلام مستأنف بيِّن به أن من يقول ذوات بعضهم يبنيها وهي اللغة الثانية في كلامه، وبعضهم يعربها وهي الثالثة، وليس مرتبطاً بقوله، ومنهم من يثنيها لئلا يخالف كلام الرضي المار ثم بين أن بناء ذو المفردة أي في اللغة الأولى والثانية أشهر من إعرابها بالحروف، وهي اللغة الثالثة. وليس هذا مكرراً مع قوله فيما مر: وأشهر لغاتهم الخ لأن ذلك من حيث لزومها لفظاً واحداً بقطع النظر عن بنائها، وهذا من حيث البناء، والإعراب نعم كان يكفيه أن يذكر ذلك هنا وهكذا قوله: وأما ذات فالفصيح الخ، وبهذا التقرير يعلم أنه لا تكرار في كلامه ولا يخالف كلام الرضي من اختصاص إعرابها بلغة تصريفها وبنائها بما عداها فتدبر.
قوله: (ابن النحاس) توفي بمصر سنة سبع أو ثمان وثلاثين وثلاثمائة كما في السجاعي، وقوله هذا هو ما مر عن الرضي في لغة تصريفها. قال أبو حيان: وهو نقل غريب.
قوله: (فإما كرام الخ) تقدم في الأسماء الستة.
قوله: (ومنهم من يعربها إعراب مسلمات) صريحه أن هذا لذات المفردة، وهو أيضاً في الهمع على أن الشارح ثقة فليس لنا أن نقول: لم يقل أحد بذلك، وأما عود الضمير على ذوات فلا يخفى فساده. نعم يوهم كلامه إن ذات لا تنصب بالفتحة أَصْلاً، وليس كذلك بل حكاه أبو حيان في الارتشاف كما في التصريح ومر عن الرضي.
---
تنبيه: إذا أعرب ذات وذوات هذين: وجب تنوينهما لعدم الإضافة بخلاف ما بمعنى صاحب نحو جاءتني ذات قامت، وذوات قمن، وهكذا كما في التصريح وقياسه ثبوت النون في تثنية ذو وذات وجمع ذو فيقال ذوان قاما، وذوون قاموا وذواتان قامتا لعدم الإضافة لكنها في جميع النسخ محذوفة، ولم أرَ من نبَّه عليه فلينظر ما وجهه والله أعلم.(1/178)
قوله: (ومثل ما) خبر مقدم عن ذا وهو إما مرفوع لفظاً، أو مبني على الفتح في محل رفع لأنَّ الإضافة إلى المبني تجوّز البناء كما سيأتي وقرىء بهما في السبع قوله تعالى: مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ}
(الذاريات:23)
وقوله ما استفهام من إضافة الدال للمدلول فهي على معنى لام الاختصاص لا بيانية، ومن عطف عليه وحذف منه استفهام لعلمه منه.
قوله: (في أنها تستعمل الخ) أي لا في كونها لغير العاقل، بل هي للعاقل وغيره كما صرحوا به.
قوله: (أن تكون مسبوقة بما) أي وأن لا تكون مشاراً بها نحو: ماذا التواني وسكت عنه لوضوحه وأن لا تلغى كما في المتن، ولم يشترط الكوفيون الأول عملاً بقوله:
77 ــــ عَدَس ما لِعَبَّادٍ عَلَيْكِ إمارةٌ
نَجَوْتِ وَهذا تَحْمِلِينَ طَلِيقُ
أي والذي تحمليه وَرَدَ بجعل ذا إشارية، وتحملين حال أي، وهذا طليق حال كونه محمولاً لك.
قوله: (وهو خبر) لا يرد امتناع الأخبار بالمعرفة عن النكرة لأن ذلك في غير الاستفهام. نعم الأولى عكسه.
قوله: (كلمة واحدة للاستفهام) أي أو اسماً موصولاً، أو نكرة موصوفة كقوله:
78 ــــ دَعِي مَاذا عَلِمْتِ سأَتَّقِيهِ
وَلكِنْ بِالْمُغيَّبِ خَبَّرِينِي
---
فماذا كلها اسم موصول بجملة علمت عند السيرافي، ونكرة موصوفة بها عند الفارسي قال: لأن التركيب إنما ثبت في أسماء الأجناس لا في الموصولات أي اتركي الذي علمته أنا، وخبريني بما تغيب عني لاجتنبه وهذا أي جعلها جزء كلمة إلغاء حكمي، أما الحقيقي فجعل ما استفهامية، وذا زائدة على رأي من يجوز زيادة الأسماء كالناظم، ويظهر أثر الإلغاءين في نحو: سألته عما ذا فتثبت ألف ما في الإلغاء الحكمي لصيرورته جزءاً من المركب، وتحذف للجار في الحقيقي كما قاله الشيخ يحيى صبان.(1/179)
قوله: (فماذا مبتدأ)، ويحتمل أيضاً عدم الإلغاء فذا موصول بالظرف خبر عن ما، ويظهر أثر الاحتمالين في البدل من اسم الاستفهام وفي جوابه. فتقول في الإلغاء: ماذا صنعت أخيراً، أم شرًّا بالنصب بدلاً من ماذا لأنه مفعول مقدم وعند عدمه بالرفع بدلاً من ما لأنها مبتدأ ومنه قوله:
79 ــــ ألا تَسْألانِ المَرْء ماذا يحَاوِلُ
أنَحْبٌ فَيُقْضَى أَمْ ضَلالٌ وَبَاطِلُ
وكذلك يفعل في الجواب نحو مَاذَا يُنفِقُونَ قُل العَفْوَ}
(البقرة:219)
بالرفع لأبي عمرو على جعل ذا موصولاً وبالنصب للباقين على الإلغاء كما قوله تعالى: مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمُ قَالوا خيْراً}
(النحل: 30)
قيل، ويتعين الإلغاء إذا وقع بعد ذا موصول نحو: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ}
(البقرة:255)
فمن ذا مبتدأ، أو من فقط وذا زائدة على ما مر، والذي خبر لكن قال الدماميني بل يترجح فقط لاحتمال أن الذي تأكيد لذا، أو خبر لمحذوف، والجملة صلة ذا ا هـ.
قوله: (يلزم بعده صلة) ويجوز حذفها لدليل إما لفظي كأن يدل بصلة الموصول على صلة آخر نحو: وأعط الذي والتي وصلتك، أو معنوي كقوله:
80 ـــــ نَحْنُ الأُولى فَاجْمَعْ جُمُو
عَكَ ثُمَّ وجِّهْهُمْ إِلَيْنَا
---
أي الأُولى عرفوا بالشجاعة بدليل المقام. وكقولهم بعد اللتيا والتي أي بعد الخصلة التي من فظاعة شأنهم كيت وكيت فحذفوا الصلة إيهاماً لقصر العبارة عن تصوير شدتها. انتهى تصريح، واللتيا بفتح اللام، وتضم تصغير التي، وقد يحدف الموصول دون صلته كقول حسان:
81 ــــ أمَنْ يَهْجُو رسولَ الله مِنْكُم
ويَمْدَحُهُ وَيَنْصُرُه سَواءُ؟
قوله: (حرفية) هذا زائد على المتن لأنه خاص بالاسمية، ولذا أوجب اشتمالها على الضمير.
قوله: (أن يقع بعدها صلة) أي متصلة بها، وقد يفصل بينهما بالجملة القسمية كقوله:
82 ــــ ذاكَ الَّذي وَأبِيكَ يَعْرِفُ مالِكاً
والحَقُّ يَدفَعُ تُرَّهَاتِ الباَطِلِ(1/180)
أو الندائية كقول الفرزدق لذئب رمى إليه من زاده:
83 ـــــ تَعَشَّ فَإِنْ عَاهَدْتَنِي لاَ تَخُونُنِي
نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذِئْبُ يَصْطَحِبَانِ
وكذا الاعتراضية كما في الهمع وسيأتي مثاله، ولا يجوز تقديمها ولا معمولها على الموصول لأنها كالجزء المتمم له، وأما نحو: وكانوا فيه من الزاهدين فمتعلق الظرف محذوف تدل عليه صلة أل أي: وكانوا زاهدين فيه من الزاهدين فالظرف الثاني، إما خبر ثان، أو صفة للخبر المحذوف للتأكيد كعالم من العلماء، أو للتأسيس على معنى ممن بلغ بهم الزهد إلى أن يعدوا من الزاهدين.
قوله: (تبين معناها) أي لأن تعريف الموصول إنما هو بصلته الرافعة لإبهامه بتعيين شخصه، أو جنسه إذ هو موضوع للدلالة على معهود بمضمونها فتعرف بها ولا كذلك صفة النكرة لأن وضعها على الإبهام، وتخصيصها بها عارض فلم تتعرف بها.
قوله: (على ضمير) ويسمى عائداً، وقد يخلفه الظاهر سماعاً كقوله:
84 ــــ وَأنْتَ الّذِي فِي رَحْمَةِ الله أَطْمَعُ
قوله: (إن مفرداً الخ) بنصب الأول ورفع الثاني. أي إن كان الموصول مفرداً فالضمير مفرد، ويجوز غير ذلك كما سيأتي في باب كان.
---
قوله: (مراعاة اللفظ) هو الأكثر نحو: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ}
(محمد: 16)
ومن الثاني: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ}
(يونس:42)
ويجري الوجهان في كل ما خالف لفظه معناه كأسماء الشرط والاستفهام إلا أل الموصولة فيراعى معناها فقط لخفاء موصوليتها، وجوز أبو حيان مراعاة لفظها إذا لم تقع خبراً ولا نعتاً. كجاء الضارب للواحد وغيره، وتجب مراعاة المعنى إذا حصل باللفظ ليس كأعط من سألتك لا من سألك، أو قبح كجاء من هي حمراء ولا تقل هو لإن الخبر مؤنث، ويترجح إذا عضده سابق كقوله:
85 ــــ وإنَّ مِنَ النسوانِ مَنْ هِيَ رَوْضَةٌ
كما في التصريح أي فيجوز من هو روضة بلا قبح لأن التاء للوحدة لا للتأنيث كما لا قبح في: زيد علامة فتدبر.(1/181)
قوله: (وجملة الخ) خبر مقدم عن الذي أي الشيء الذي يوصل به جملة الخ، وهذا مستأنف لبيان الصلة ما هي.
قوله: (والظرف والجار والمجرور) لم يجعلهما جملة باعتبار متعلقهما الفعل لأنه ليس بظاهر.
قوله: (ثلاثة) بقي أن لا تكون معلومة لكل أحد نحو: جاء الذي حاجباه فوق عينيه إلا عند إرادة الاستغراق، وأن تكون معهودة أي معروفة للسامع قبل حتى يتعرف بها الموصول.
قال في التوضيح: إلا في مقام التهويل التفخيم فيحسن إبهامها نحو: فَغَشِيَهُمْ مِنَ اليَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}
(طه:78)
فَأَوْحَى إِلى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}
(النجم:10)
ويلزم من عهدها خبريتها دون العكس لأن الخبر قد يجهله المخاطب فلو عبر به الشارح لكان أولى.
قوله: (خبرية) أي محتملة للصدق والكذب في ذاتها، وإن قطع بأحدهما بالنظر لقائلها، ومنها الجملة القسمية نحو: وإن منكم لمن ليبطئن، وإن كان القسم إنشاء لأن المقصود جوابه وهو خبر، وكذا الجملة الشرطية إذا كان جوابها خبراً كجاء الذي إن قام قمت، والمراد خبرية أصالة إذ هي الآن لا حكم فيها لعدم قصد نسبتها فليست كلاماً فضلاً عن كونها خبراً، كذا جملة الصفة والحال والخبر.
---
قوله: (جاء الذي أضربه) هذه إنشائية لفظاً ومعنىً طلبية صراحة، وليته قائم طلبية ضمناً، وبقي: جاء الذي رحمه الله مما هو إنشاء معنًى فقط إذ لا فرق بين الثلاثة عند الجمهور، وخالف المازني في الأخير، والكسائي في الكل كما في الأشموني فقول الشارح: خلافاً لهشام أي والكسائي ولا حجة لهما في قوله:
86 ــــ وإنِّي لَرَاجٍ نظرةً قِبَلَ الَّتِي
لَعَلِّي وَإِنْ شَطَّتْ نَوَاها أَزُورُهَا(3)
لأن تقديره: التي أقول فيها لعلي الخ، أو أن أزورها صفة دالة على خبر لعلي وهي معترضة بين الصلة والموصول، ولا في قوله:
87 ــــ وَمَاذا عَسَى الوَاشُونَ أَنْ يَتَحَدَّثُوا
سِوَى أَنْ يَقُولُوا: إِنّنِي لَكِ عَاشِقُ(4)(1/182)
لإمكان أن ذا ملغاة لا موصولة، وقال بعض المحققين: المشهور أن عسى لإنشاء الترجي لكن دخول الاستفهام عليها نحو: فهل عسيتم} ووقوعها خبراً لأن نحو: إني عسيت صائماً دليل على أنه فعل خبري فينبغي جواز الوصل به بلا خلاف.
قوله: (وإن قلنا إنها خبرية) أي أصالة لأنها الآن إنشائية اتفاقاً، ولذا منعت، وقيل لأن التعجب إنما يكون فيما خفي سببه ففيه إبهام، والمقصود من الصلة التعريف.
قوله: (فائدة) أي بأن يكون متعلقه عاماً أو خاصاً بقرينة كأن يقال: اعتكف زيد في الجامع، وعمرو في المسجد فتقول بل زيد الذي في المسجد فهذا تام كما قاله الدماميني، أما الناقص فهو ما حذف متعلقه الخاص بلا قرينة كما مثله الشارح هذا هو التحقيق في تفسير التام والناقص، وسيأتي في الابتداء اللغو والمستقر.
قوله: (فعل) أي لوجوب كون الصلة جملة، ولا يقدر اسماً خبراً لمحذوف كجاء الذي هو كائن عندك لأن شرط الحذف من الصلة أن لا يصلح الباقي للوصول به كما سيأتي، والظرف هنا صالح لذلك دماميني.
قوله: (صريحة) أي خالصة الوصفية لكونها في تأويل الفعل ولم تغلب عليها الاسمية.
---
قوله: (وكونها) أي أل بمعرب الأفعال أي موصولة به، أو الضمير لصلة أل، والباء بمعنى من.
قوله: (اسم الفاعل والمفعول) أي المراد بهما التجدد لا الدوام، وإلا كانا من الصفة المشبهة كالمؤمن والصائغ فيجري فيهما الخلاف، وكذا أمثلة المبالغة.(1/183)
قوله: (نحو القرشي) أي لأنه جامد مؤول بالمشنق أي المنسوب إلى كذا لا صفة صريحة وأما الأفضل فمشتق الصفة المشبهة لكنهما بعدا عن الفعل من جهة كونهما للثبوت لا للتجدد فلا يؤولان به، ويزيد الأفضل بكونه لا يطرد رفعه الظاهر إلا في مسألة الكحل. فلذا اتفق على أن أل فيه معرفة، واختلف فيها فمن نظر إلى رفعها الظاهر كالفعل جعلها موصولة كالمصنف، ومن نظر إلى كونها للثبوت جعلها معرفة، وهو الأصح، لعدم تأويلها بالفعل كأفعل التفضيل. وخرج أيضاً ما غلبت عليه الاسمية من الأوصاف كالصاحب اسم لصاحب الملك، والأبطح للمكان المنبطح أي المتسع، والأجرع للمكان المستوي فيه الرمل لا ينبت شيئاً. قال فيه معرفة لانسلاخها عن الوصفية إذ لا تجري على موصوف، ولا تعمل عمل الصفات، ولا تتحمل ضميراً كما قاله الشاطبي.
قوله: (وإليه أشار) أي إلى الوصل بالمضارع لا مع وصفه بالشذوذ لقوله بجوازه اختياراً بناء على أن الضرورة ما ليس للشاعر عنه مندوحة، أي، بحسب ما يسهل عادة من العبارات لا مطلق ما وقع في الشعر. وإن سهل تغييره كما قاله الجمهور، والشاعر هنا يمكنه بسهولة أن يقول: المرضي حكومته فعدوله إلى المضارع يدل على الجواز، ولا يرد أنه كان يجب تأنيث المرضي فينكسر الوزن لأنه على تأويل الحكومة بالحكم، وفي التصريح ما يفيد أن بعض الكوفيين يجيزه بكثرة فتكون المذاهب ثلاثة، واستبعده الصبان، وخرج بالمضارع الماضي فيمتنع وصلها به استقلالاً لكن يحسن عطفه كالمضارع على صلتها لكونها مؤولة بالفعل نحو فَالمُغِيرَاتِ صُبْحَاً فَأَثَرْنَ}
(العاديات:3 ـ4)
---
أي فالخيول التي أغرن صبحاً فأثرن به نقعاً أي غباراً ونحو: يعجبني الصائم ويعتكف.
قوله: (الترضي) بإدغام أل في التاء وفكها بخلاف أل الحرفية يجب إدغامها فيها لكثرة استعماها كما نص عليه شيخ الإسلام وغيره. اهـ سجاعي.
قوله: (الرسول الله) أي الذين رسول الله كائن منهم ودانت أي خضعت وبنو معد هم قريش.(1/184)
قوله: (على المعه) أي الكائن معه فيجب تقدير المتعلق هنا اسماً بخلافه في صلة غير أل كما مر، وسعة بفتح السين وتكسر.
واعلم أن صلة أل إن كانت وصفاً فهو مع مرفوعه شبيه بالجملة كما في التوضيح، وما في المطول وغيره من أنه جملة فلعل المراد في معناها، ولا إعراب له كما هو شأن الصلة لأن العامل إنما يتسلط على أل، ولكن ينتقل إليه إعرابها عارية كما انتقل إعراب ألا ولا بمعنى غير بعدهما لكونهما بصورة الحرف كجئت بلا زاد ولَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ الله}
(الأنبياء:22)
---(1/185)
لكن ما بعد هذين مجرور تقديراً بإضافتهما إليه بخلاف ذلك فإن وصلت بجملة فبحث الدماميني أنه يثبت لمحلها إعراب المفرد التي هي في موضعه كالجر في البيت. أي ينتقل إعراب العارية لمحلها قال: فهذه جملة يثبت لها أنواع الإعراب، وليست خبراً ولا حالاً ولا صفة ولا مضافاً إليها. وهذا غريب ورده الشمني بأن المفرد الذي هي في موضعه ليس مفرداً حقيقة حتى تستحق إعرابه بل في معنى الجملة مع أن إعرابه ليس أصلياً بل عارية والجملة لا تقبلها فعلى هذا يكون محل العامل لأل نفسها كباقي الموصولات لا للجملة هذا وطالما توقفت في قولهم: ظهر إعرابها على ما بعدها الخ فإنه يقتضي أنها معربة مع قيام موجب البناء بها وهو الافتقار كسائر الموصولات، وافتقارها، وإن كان إلى مفرد لكنه في معنى الجملة كما مر، فيؤثر البناء، وكذا لا وإلا اللتان بمعنى غير قام بهما سبب البناء، وهو الشبه اللفظي فيها والوضعي في لكن يمكن في هذين أن إضافتهما عارضت شبه الحرف مع أن الشبه اللفظي مجوز لا موجب فأعربا على ما بعدهما لما مر بخلاف أل فإن موجب بنائها لم يعارضه شيء إلا أن يراد بقولهم: ظهر إعرابها، أي، الذي حقه أن يكون لمحلها كسائر الموصولات لا لفظها فلا ينافي أنها مبنية، وقولهم لكونها بصورة الحرف، أي، الذي هو جزء ما بعده ولا يستقل اللفظ به وحده، والحرف لا يقبل الإعراب لفظاً ولا محلاً. فكذا ما هو بصورته فتدبر والله أعلم.
---(1/186)
قوله: (ما لم تضف) ما مصدرية ظرفية وجملة، وصدر وصلها الخ حال من ضمير تضف فتقيد الإضافة المنفية بحذف صدر الصلة أي مدة عدم إضافتها المقيدة بالحذف، والنفي إذا توجه إلى مقيد بقيد صدق بنفيهما معاً بأن لا تضاف، لا يحذف الصدر نحو أي هو قائم وبانتفاء المقيد فقط بأن لا تضاف، ويحذف الصدر نحو: أي قائم وبانتفاء القيد فقط بأن تضاف، ولا يحذف الصدر نحو أيهم هو قائم فهذه الثلاث صور منطوق عبارته، ومفهومها صورة ثبوت الإضافة، والحذف معاً نحو: أيهم أشد} فتبنى حينئذ، ولو قال:
أَيْ كَمَا وَبُنِيَتْ إِذْ مَا تُضَفْ
الخ، لكان أوضح ومحل هذه الصور إذا كان صدر الصلة ضميراً كما هو فرض كلامه فلو وصلت بفعل، أو ظرف أعربت إجماعاً كما نقل عن أبي حيان نحو: أيهم قام أو عندك إذ لا حذف في الأول، والمحذوف في الثاني ليس ضميراً بل جملة فعلية ا هـ.
قوله: (في أنها تكون الخ) أي وفي الموصولية كما يعلم من المقام، وتخالفها في الإعراب، وكونها للعاقل وغيره، ولزومها الإضافة لفظاً، أو تقديراً لتعريف جنس ما وقعت عليه، والصلة تعرف عينه ففيها معرفان لكن بجهتين فلا إشكال، ولا تضاف لنكرة أصلاً بخلاف الشرطية والاستفهامية. وجوزه ابن عصفور وابن الصائغ وجعلا منه: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}
(الشعراء:227)
على معنى سيعرفون المنقلب الذي ينقلبونه، وجعلها الجمهور استفهامية لا موصولة، وهي مفعول مطلق لينقلبون علقت يعلم عن العمل في الجملة أي سيعلم الذين ظلموا ينقلبون أي انقلاب.
---(1/187)
قوله: (معربة) أي لأن شبهها الحرف في الافتقار عورض بما يختص بالاسم وهو إضافتها لفظاً، أو تقديراً فرجعت إلى الأصل في الأسماء وهو الإعراب، ولذا أعربت الشرطية والاستفهامية دائماً، وبنيت في الحالة الرابعة لتنزيل المضاف إليه منزلة صدر الصلة لشبهه به في الصورة فكأنه لا إضافة حتى تعارض شبه الحرف، ومَن أعربها حينئذ لاحظ الحقيقة، وإنما لم تبن في: أي قائم مع عدم الإضافة لفظاً لقيام التنوين مقامها كما في كل وبعض، ولا يمكن قيامه مقام المبتدأ لكونه لا يشبهه ولأنه لم يعهد. هذا ما علَّلوا به وفيه أنه لا يمكن تنزيل المضاف إليه منزلة المبتدأ المحذوف في نحو أيهم قائم لاختلافهما جمعاً وإفراداً، وإن أمكن في أيهم أشد لأن أفعل التفضيل يخبر به عن الواحد وغيره إلا أن يقال حمل الأول على الثاني طرداً للباب فليتأمل هذا، وبنيت على حركة دفعاً للساكنين، أو لأن لها أصلاً في الإعراب وكانت ضمة جبراً لفوات إعرابها بأقوى الحركات، أو تشبيهاً بقبل وبعد في حذف بعض ما يوضحها.
قوله: (ورأيت أيهم الخ) جرى على رأي المصنف والبصريين من صحة عمل الماضي فيها قال في التسهيل. ولا يلزم استقبال عامله ولا تقديمه خلافاً للكوفيين. ا هـ وسئل الكسائي في حلقة يونس لمَ لا يجوز: أعجبني أيهم قام فقال أي كذا خلقت فصار مثلاً.
قوله: (إذا ما لقيت الخ) ما زائدة والشاهد في أيهم حيث بني على الضم مع إضافته، وحذف صدر صلته على أيهم هو أفضل أي الذي هو أفضل، وكذا في الآية.
قوله: (مطلقاً) حال من المفعول المحذوف أي أعرب أياً حال كونه مطلقاً عن التقييد بما مر، أو المراد إعرابها إعراباً مطلقاً.
قوله: (أيَّاً) مفعول يقتفي الذي هو خبر عن غير أي غير أي من الموصولات يقتفي أياً أي يتبعها في حذف صدر الصلة فقدم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ، والأصح جوازه كما مر.
---(1/188)
قوله: (إن يستطل) السين والتاء أما للعد أي أن يعد طويلاً كاستحسنت العدل عددته حسناً، أو زائدتان أي أن يطل أي يطله المتكلم فهو مجهول على كل، ويصح على الثاني بناؤه للفاعل. أي أن يطل بفتح الياء أصله يستطل، وحذف جواب الشرط ضرورة لعلمه مما قبله. أي جاز الصدر وإنما كان ضرورة لأن فعل الشرط ليس ماضياً.
قوله: (يختزل) أي يحذف وضميره لصدر الصلة الذي هو العائد المرفوع لا يختص بذلك كما سينبه عليه الشارح.
قوله: (مكمل) بكسر الميم الثانية أي كامل بأن يكون جملة بعائدها أو شبهها.
قوله: (كثير منجلي) خبران تنازعا قوله: في عائد فإن جعل منجلي صفة لكثير كان هو العامل وحده. لأن الموصوف لا يوصف قبل عمله، وفي كلامه عيب التضمين. وهو تعلق القافية بما بعدها وإن لم يكن عمدة وخصه بعضهم بالثاني أفاده الصبان.
قوله: (أعرب أياً مطلقاً) هو مذهب الخليل ويونس وتأولاً بالآية أنها استفهامية مبتدأ خبره أشد فضمتها إعراب ثم قال يونس الجملة سدت مسد مفعول ننزع لأن أي علقته عن العمل لأن التعليق عنده لا يختص بأفعال القلوب، وقال الخليل: هي صفة لمفعوله المحذوف على تقدير القول أي: لننزعن من كل شيعة فريقاً يقال فيه أيهم أشد ورد عليهما بقوله:
88 ــــ فَسَلِّمْ عَلَى أيُّهُمْ أَفْضَلُ
بالضم لامتناع الاستفهامية فيه لأن حرف الجر لا يعلق عن العمل، ولا يصح أن يقدر على شخص مقول فيه أيهم أفضل لامتناع حذف المجرور، وإدخال الجار على معمول صلته بلا ضرورة كما في المغني؟ والمراد بصلته ما هو من تمامه. ولو صفة كما هنا. وإنما قدروا كذلك في نحو: ما هي بنعم الولد ما ليلي بنام صاحبه لضرورة أن الفعل لا يصلح للجر بخلاف أي فتعين أنها موصولة ومبنية. وبذلك يرد على ثعلب المنكر لموصولية أي والنصب في الآية، والجر في البيت شاذان لا يحتج بهما على الإعراب.
---(1/189)
تنبيه: يؤخذ مما ذكر على المغني أنه لا يجوز في قوله: كمن نرجو يهب أن يقدر كقولك، من نرجو لأن الجملة صالحة للجر لقصد لفظها فلا ضرورة إلى حذف المجرور، وإدخال الجار على معموله كما لا يدخل على معمول صلته بل الجملة نفسها مجرورة بالكاف أي كهذا اللفظ، ومثله كاستقم ونحوه، فاحفظ ذلك ينفعك في مواطن كثيرة.
فائدة: كما ترد أي موصولة وشرطاً واستفهاماً ترد وصلة لنداء ما فيه أل كيا أيُّها الرجل، ونعتاً لنكرة وحالاً من معرفة دالتين على الكمال كمررت بفارس أيّ فارس، وبزيد أي رجل. وكلها معربة إلا الموصولة فيما مر والندائية.
قوله: (إلا إذا كان مبتدأ وخبره مفرد) أخذ كونه مبتدأ من قوله: وفي ذا الحذف لعود اسم الإشارة لقوله: وصدر وصلها ضمير انحذف، وصدر الوصل هو المبتدأ، وكون خبره مفرداً من قوله: وأبوا أنْ يُخْتَزَل إن صلح الخ كما سنبينه. وهذان شرطان للجواز، وطول الصلة للكثرة، وبقي للجواز أن لا يكون الضمير معطوفاً ولا معطوفاً عليه كجاء الذي زيد، وهو أو هو وزيد قائمان لئلا يخبر بالمثنى عن المفرد أو يبقى العاطف بدون معطوف، ولا بعد لولا كالذي لولا هو لأكرمتك لوجوب حذف الخبر بعدها فيلزم الإجحاف ولا منفياً، ولا محصوراً كالذي ما هو قائم أو ما في الدار إلا هو.
قوله: (بالفاعلية الخ) أي والفاعل ونائبه لا يحذفان إلا في مواضع ليس هذا منها بخلاف المبتدأ.
قوله: (فيحذف مع أي الخ) أي لطولها بالإضافة لفظاً أو تقديراً فاستغنت عن شرط الطول لكنه يقبح يعجبني أي قائم لعدم الطول لفظاً كما نقله ابن خروف وإن كان جائزاً.
قوله: (إلا إذا طالت) أي بشيء يتعلق بها كمعمول الخبر، أو نعته، أو غير ذلك سواء تأخر المعمول عن الخبر كما مثله، أو تقدم نحو: هو الذي في السماء إله أي الذي وهو إله في السماء أي معبود فيها، وجعل إله مبتدأ خبره الظرف، أو فاعلاً به يفسد اللفظ لخلو الصلة عن العائد، والمعنى كما هو ظاهر.
---(1/190)
قوله: (قليل) أي لا يقاس عليه بدليل ما بعده وقد اجتمع الطول وعدمه في قوله:
89 ــــ لا تَنْوِ إِلاَّ الَّذِي خيْرٌ فَمَا شَقِيَتْ
إِلاَّ نُفُوسُ الأُلَى لِلشَّرِ نَاؤونَا(2)
أي الذي هو خير، والألى هم ناوون للشر. قوله: (في قراءة الرفع) هي شاذة ليحيى بن يعمر، ومثلها لمالك بن دينار وابن السماك ما بعوضة بالرفع أي ما هو بعوضة فما موصولة بدلاً من مثلاً حذف صدر صلتها بلا طول، وجوز أبو البقاء(3) زيادتها فالجملة نعت لمثلاً، وأما على النصب فما نكرة موصوفة ببعوضة بدلاً من مثلاً، أو زائدة وبعوضة بدل، وأما فتح أحسن فعلى أنه فعل ماض فاعله ضمير موسى مع حذف العائد أي الذي أحسنه وجعله الكوفيون موصولاً حرفياً أي على إحسانه.
قوله: (لا سيَّ الذي الخ) سي بمعنى مثل لا يتعرف بإضافته لما الموصولة لتوغله في الإيهام فصح كونه اسم لا، ولك جعل ما نكرة موصوفة بالجملة أي لا سيَّ رجل هو زيد، أو زائدة وسي مضاف إلى زيد فإن كان بدله نكرة كقوله:
90 ــــ أَلاَ رُبَّ يَوْمٍ صَالِحٍ لَكَ منْهُمَا
وَلاَ سِيَّمَا يَوْمٌ بِدَارَةِ جُلْجُلِ(4)
فلك فيه الرفع، والجر كذلك ويزيد بالنصب فيميز السي كما تميز مثل نحو: وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً}
(الكهف:109)
---(1/191)
وما حينئذ كافة عن الإضافة، وفتحة سي بناء على هذا لإفرادها، وإعراب في سواه لإضافتهما لما، أو تاليها والبيت مروي بالأوجه الثلاثة، وخبر لا على الجميع محذوف أي لا مثل كذا موجود، ولا محل للجملة، وقد تخفف ياؤها، وقد تحذف منها الواو إما وحدها أو مع لا كما حكاه الرضي وتعقبه الدماميني. هذا وقد يرد بمعنى خصوصاً فيكون في محل نصب مفعولاً مطلقاً لا خص محذوفاً، وحينئذ يؤتى بعده بالحال كأحب زيداً ولا سيما راكباً، أو وهو راكب فهي حال من مفعول أخص المحذوف أي أخصه بزيادة المحبة خصوصاً في حال ركوبه، وكذا بالجملة الشرطية نحو: ولا سيما إن ركب أي أخصه بذلك فقول المصنفين لا سيما والأمر كذا تركيب عربي أفاده الدماميني وغيره.
قوله: (وجوباً) أي لجريانه مجرى المثل، وليكون ما بعد لا سيما مفرداً صورة لأنها كالاستثنائية في مخالفة ما بعدها لما قبلها، وهي لا يقع بعدها جملة. ولذا جرت عادتهم بذكرها في الاستثناء، وإن لم تكن من أدواته لأن ما بعدها أولى بالحكم مما قبلها لا خارج عنه. كما شأن الاستثناء.
قوله: (وهو مَقِيسٌ) أي فهو مستثنى من شرط الطول لما مر. فإن قلت: لا سيما زيد الصالح فلا استثناء لطول الصلة بالنعت، ومنه البيت المار.
قوله: (جملة) هذا محترز قوله وخبره مفرد. ومتى كان خبر العائد جملة، أو ظرفاً فلا بد من اشتماله على ما يربطه بالمبتدأ وهذا الرابط يصلح لعوده على الموصول قطعاً فهو أبداً صالح للوصل به، والكاف في قوله كما إذا وقع استقصائية فتأمل.
قوله: (فلا يُدرى الخ) فيه أن هذا إجمال لا يعاب مع أن الحاصل اللبس فلو قال: لتبادر عدم الحذف لاستقام هذا إذا لوحظ المحذوف فإن جعل الباقي صلة مستقلة جاز في كل ما ذكره.
---(1/192)
قوله: (بل ربَّما يشعر الخ) أي لانقضاء الكلام على أي، وهو الآن في غيرها، ولرجوع ضمير يختزل لقوله: وصدر وصلها. وهو لا يكون إلا مرفوعاً اللهم إلا أن يرجع لقوله: ضمير انحذف بلا قيد الصدرية فيعم المرفوع،وغيره في أي وغيرها فتدبر.
قوله: (وشرط جواز حذفه) أي زيادة على عدم صلوح الباقي للوصل لوجوب هذا في كل عائد كما قدمه.
قوله: (تام) أخذه من مثال المصنف، ولم يذكره في الوصف لعلمه من هذا.
قوله: (ومن خلقت) إما معطوف على الياء من ذرني أو مفعول معه ووحيداً حال أي خلقته حال كونه منفرداً بلا أهل ولا مال، وهو الوليد بن المغيرة.
قوله: (ما الله الخ) الله مبتدأ خبره موليك أي معطيك، والجملة صلة ما حذف عائدها وهو المفعول الثاني لموليك، وفضل خبر ما، وفاء: فاحمدنه سببية، وفاء فما للتعليل.
قوله: (موليكه) قدره متصلاً مع أن عامله اسم يترجح معه الانفصال كما مر. لأن الكلام في المتصل قاله الروداني وبه يعلم أن المراد المتصل ولو جوازاً كما سيتضح.
قوله: (كلام المصنف الخ) وأجيب عنه بأنه أرشد إلى ذلك بتقديم الفعل، واتكل على اشتهار أصالته في العمل، والتصرف الذي من جملته حذف المعمول وفرعية الوصف فيهما.
قوله: (وأما الوصف) ظاهره كالمصنف أنه لا فرق بين صلة أل وغيره، ومذهب الجمهور أن منصوب صلتها لا يُحذف أصلاً إن عاد عليها لأنه يدل على اسميتها الخفية. وأما قوله:
91 ــــ مَا المُسْتَفِزُّ الهَوى مَحْمُودٌ عاقبةٍ
وَلَوْ أُتِيحَ لَهُ صَفْوٌ بِلا كَدَرِ(2)
أي المستفزة فشاذ فإن عاد إلى موصول قبلها جاز كجاء الذي أنا الضارب أي الضاربة.
قوله: (منفصلاً) أي وجوباً إما لتقدمه كمثال أو لحصره كجاء الذي ما ضربت إلا إياه. لأن حذفه يعكس القصد بخلاف المنفصل جوازاً فيحذف كالبيت المار ونحو: فَاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ}
(الطور:18)
---(1/193)
أي آتاهم إياه، ولا يقدر متصلاً لأن اتحاد رتبة الضمير في الغيبة يضعف الوصل كما مر فلا يحمل عليه القرآن ومثله: وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}
(البقرة:3)
وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ}
(الأحزب:51)
أفاده الصبان عن ابن هشام وقد يقال: ضعف الوصل في ذلك إنما هو عند التلفظ. أما مع الحذف فلا ضعف لعدم النطق كما في إعراب السمين.
قوله: (فلا يجوز حذف الهاء) أي لأنها عمدة والحرف لا يستقل بدونها نعم قد تحذف تبعاً للحرف نحو: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}
(القصص:62)
أي تزعمون أنهم شركائي ورب شيء يجوز تبعاً لا استقلالاً فإن قدر تزعمونهم فلا إشكال.
قوله: (بفعل ناقص) أي لأنه كالحرف في أن منصوبه عمدة ولا يستقل هو بدونه لأنه كالعوض عن مصدره لا سيما على قول البصريين أنه لمجرد الزمان لا حدث له أصلاً.
قوله: (بعد أمر) حال من أنت قاض لقصد لفظه أي حال كون هذا اللفظ بعد فعل أمر مأخوذ من مصدر قضى، أو هو نفسه مصدر قصره للضرورة.
قوله: (كذا الذي جر) بضم الجيم صلة الذي وجر الثاني بفتحها صلة ما.
قوله: (بمعنى الحال) أي مع كونه معتمداً ليكون عاملاً في محل الضمير وإن جره بالإضافة أيضاً، وبهذا يفارق منصوب الوصف المتقدم.
قوله: (بغير ذلك) أي بغير وصف أصلاً، أو باسم مفعول، أو باسم فاعل لا بمعنى الحال فلا يحذف مجرورها كما مثله. ومحله في اسم المفعول المتعدي لواحد كمثاله لأن الضمير حينئذٍ فاعله في المعنى. أما المتعدي لاثنين كخذ الدرهم الذي أنا معطاه فلا منع فيه لأنه حينئذ فضلة منصوب المحل أفاده الإسقاطي.
قوله: (ما أنت قاضٍ) قيل لا شاهد فيه لاحتمال أن ما مصدرية وصلت بالجملة الاسمية أي اقض قضاءك، أو مصدرية ظرفية أي مدة قضائك بدليل: إِنَّمَا تَقْضِي هذِهِ الحَيَاةُ الدُّنْيَا}
(طه:72)
---(1/194)
. قوله: (إلا أن دخل على الموصول الخ) أي ليكون ما يدل على المحذوف لأن الموصول عين الضمير في المعنى ومثله الموصوف به كقوله:
92 ــــ لاَ تَرْكُنَنَّ إِلى الأمْرِ الَّذِي رَكَنَتْ
أَبْنَاءُ يَعْصُرَ حينَ اضّطرَّها القَدَرُ(2)
أي ركنت إليه. وكذا المضاف للموصول، أو للموصوف به كمررت بغلام الذي مررت، أو بغلام الرجل الذي مررت أي به.
قوله: (مادة) أي لفظاً. وكذا معنًى فلا يكفي اتفاق اللفظ فقط. كوقفت على الذي وقفت عليه من الوقف والوقوف، ولا المعنى فقط كسررت بالذي فرحت به لكن استوجه شيخ الإسلام الاكتفاء بالثاني وخرج عليه فَاصْدَعْ بَمَا تُؤْمَرُ}
(الحجر:94)
أي أؤمر بما تؤمر به بل نقل السجاعي في الندبة عن الشاطبي أن المصنف لا يشترط اتحاد المتعلق أصلاً، وخرج عليه قوله:
وَيَنْدَبُ المَوْصُولُ بالَّذِي اشْتُهِر
أي به وخرج بالمادة الصيغة فلا يضر اختلافها قطعاً كما مثله من الفعل مع الوصف. وجملة ما ذكر لحذف المجرور بالحرف خمسة شروط: جر الموصول، وكون جاره كجار العائد لفظاً ومعنًى، واتفاق العامل لفظاً ومعنًى.
ويزاد أن لا يكون الضمير عمدة، ولا محصوراً ولا موقعاً حذفه في لبس فلا حذف في: مررت بالذي مر به، أو بالذي ما مررت إلا به، أو رغبت في الذي رغبت فيه، وأن لا يصلح الباقي للوصل به كما قدمه الشارح مع مثاله فالحاصل أنه يزاد على هذا الشرط في المجرور بالحرف ما سمعته وفي المجرور بالاسم كون جاره اسم فاعل عاملاً، أو اسم مفعول متعدياً لاثنين على ما مر. وفي المنصوب كونه متصلاً ويلزمه عدم الحصر، وكون ناصبه فعلاً أو وصفاً، وكونه تاماً. ويلزم من هذا كونه غير عمدة وكون الوصف عاملاً كما مر. وفي المرفوع أن يكون مبتدأ، وأن لا يكون معطوفاً إلى آخر ما مر فتدبر.
---
قوله: (أي منه) لم يقدره تشربون لمشاكلة ما قبله، ولأن ما كان مشروباً لهم لا ينقلب مشروباً لغيرهم. وتصحيحه بأن المعنى تشربونه جنسه تكلف.(1/195)
قوله: (حب سمراء) كحمراء اسم امرأة، وحقبة بكسر الحاء المهملة وسكون القاف فموحدة أي مدة طويلة، وتخفي من الخفاء ضد الظهور وقوله: فبح بضم الباء أي أظهر جواب شرط مقدر أي إذا كان كذلك فبح. وقوله لأن أصله الآن حذفت الهمزة بعد نقل حركتها إلى اللام فاستغنى عن همزة الوصل.
قوله: (فإن اختلف الحرفان) أي لفظاً ومعنًى أو معنًى فقط، كما مثله أو لفظاً لا معنًى كحللت في الذي حللت به. وقيل بجواز الحذف حينئذ وفيه نظر لأنه لا يعلم نوع المحذوف. ا هـ تصريح.
قوله: (للسببية) أو المصاحبة وهي أظهر فإن حذف على زيد كانت بمعنى الأول فتأمل.
قوله: (وإن اختلف العاملان) أي عند غير المصنف كما مر وشذ قوله:
93 ــــ وإنَّ لِسَانِيَ شَهدةٌ يُشْتَفَى بها
وَهُوَ على مَن صَبَّهُ الله عَلْقَمُ(2)
لتعلق على المذكورة بعلقم أي شاق، والمحذوفة بصبه أي علقم على من صبه عليه كما شذ الحذف عند عدم جر الموصول في قول حاتم:
94 ــــ ومِنْ حَسْدٍ يَجُورُ عَلَيَّ قَوْمِي
وأيُّ الدَّهرِ ذو لَم يَحْسُدُوني(3)
أي فيه فذو بمعنى الذي خبر أي الاستفهامية، وحذف عائدها المجرور بفي لكن قيل لا شذوذ في البيتين لأن محل الشروط المذكورة إذا لم يتعين الحرف المحذوف وإلا جاز الحذف مطلقاً كما فيهما، وهذا ظاهر في الثاني لعود الضمير على الموصول الواقع على الزمان، وهو إذا كان الزمان ظرفاً لا يجر إلا بفي نحو: أعجبني اليوم الذي جئت، أي فيه. فالمحذوف متعين بخلاف الأول إذ يحتمل أن صب بمعنى سلط فيتعدى بعلى، وبمعنى أطلق فيتعدى بفي فالمحذوف غير متعين كما لا يخفى. وأما قوله تعالى: ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ}
(الشورى:23)
---(1/196)
أي به فقيل: الحذف فيه سماعي أيضاً لعدم جر الموصول، وقيل على مذهب الكسائي من أن الحذف تدريجي فحذف الجار أو لا فانتصب الضمير واتصل، ثم حذف وهو منصوب لا مجرور فهو قياسي، وعلى هذا لا يكون هناك حذف شاذ أصلاً لتأنيه في كل حذف. اهـ لكن أنت خبير بأن المبشر به لا يجر إلا بالباء فالمحذوف فيها متعين جزماً، وتقديره يبشر فيه يأباه أن مساق الآية لبيان المبشر به لا لمكان البشارة كما لا يخفى فتخريج الآية على هذا أولى فتأمل والله سبحانه وتعالى أعلم.
المعرف بأداة التعريف
هذا أولى من التعبير بأل لجريانه على كل الأقوال الآتية، ولصدقه بأم عند حمير لكن لا حاجة لإضافتها للتعريف لأن أداة الشيء ما يحصله، والأنسب بباقي المعارف حيث لم يقل فيهن المعرف بالعلمية مثلاً أن يقول ذو الأداة، والمقام يعينها قيل: إن كانت الباء سببية فقوله: أل حرف تعريف تبرع منه لزيادته على الترجمة، أو بمعنى مع فلا زيادة.
قوله: (أو اللام) أو لتنويع الخلاف لا للشك، واللام مبتدأ حذف خبره لدلالة ما قبله أي حرف تعريف. وهكذا كل ما توسط فيه الخبر كزيد قائم وعمرو فإن تأخر الخبر وهو مفرد يصلح لكل من المعطوفين فللأول أو الثاني، أو مخير فيه أقوال فإن صلح لأحدهما فهو له، وخبر الآخر محذوف نحو: زيد وهند قائم أو قائمة. وهذا كله في أو التنويعية لأنها يجب معها المطابقة كالواو كما في المغني، أما التي للشك ونحوه فلا حذف معها لأنها للأحد الدائر كما أفاده يس.
قوله: (فقط) الفاء زائدة لتزيين اللفظ، وقط بمعنى حسب حال من اللام أي حال كونها حسبك أي كافيتك عن طلب غيرها. وقيل: الفاء في جواب شرط مقدر، وقط خبر لمحذوف، أو اسم فعل بمعنى انته أي إذا عرفت ذلك فهي حسبك أو فاتته عن طلب غيرها.
قوله: (فنمط عرفت) أي أردت تعريفه مبتدأ أو صفة، وقل فيه خبر، والنمط مفعول قل لقصد لفظه.
---(1/197)
قوله: (همزة قطع) أي أصلية بدليل فتحها وهمزة الوصل مكسورة إلا لعارض، ولثبوتها مع تحرك اللام في نحو الأحمر بنقل حركة همزة أحمر إلى اللام. إلا أنها وصلت في الدرج لكثرة الاستعمال.
قوله: (همزة وصل) أي زائدة بعد الوضع للنطق بالساكن، ولا مدخل لها في التعريف، وإنما لم تحرك اللام، ويستغنى عنها لأن كسرها مع ثقله يلبسها بلام الجر وفتحها بلام الابتداء، وضمها لا نظير له. ونقل في التسهيل عن سيبويه أن المعرف أل بجملتها كالأول لكن الهمزة على هذا زائدة للوصل معتد بها في الوضع بمعنى أنها جزء الأداة، وإن كانت زائدة فيها كأحرف المضارعة، وليست زائدة عليها حتى تنافي الاعتداد بها في الوضع، وتظهر ثمرة الخلاف في نحو من القوم فعلى الثاني لا همزة فيه أصلاً للاستغناء عنها، وعلى غيره موجودة إلا أنها حذفت لكثرة الاستعمال. وعن المبرد أن المعرف الهمزة وزيدت اللام لفرقها من همزة الاستفهام. فالأقوال أربعة: اثنان أحاديان واثنان ثنائيان.
قوله: (للعهد) فيه حذف مضافين أي لتعريف ذي العهد أي الشيء المعهود واحداً كان، أو أكثر، وهو ثلاثة أقسام: ذكري وعلمي وحضوري. فالأول ما تقدم ذكره صريحاً كما مثل، أو كناية نحو: وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى}
(آل عمران:36)
لتقدم الذكر مكنياً عنه بما في قولها: مَا فِي بَطنِي مَحَرَّرٌ}
(آل عمران:35)
لأن التحرير أي الوقف لخدمة بيت المقدس كان عندهم خاصاً بالذكور، والثاني ما حصل في علم المخاطب بغير الذكر المار، والحس الآتي نحو: بِالوَادِي المُقَدَّسِ}
(طه:12)
إِذ هُمَ فِي الغَار}
(التوبة: 40)
تَحْتَ الشَّجَرَةِ}، والثالث ما حضر في الحس والمشاهدة كقولك لمن فوّق سهماً أي رفعه القرطاس أي أصب القرطاس الحاضر، وهو الغرض المنصوب للرمي إليه ومنه اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}
(المائدة:3)
---(1/198)
أي هذا اليوم الحاضر وهو يوم عرفة عن حجة الوداع الذي نزلت فيه الآية، ومن جعلها للعهد العلمي نظر إلى انقضاء ذلك اليوم وعدم حضوره الآن فالعهد في الثلاثة خارجي عند البيانيين. والنحاة يجعلون الثاني ذهنياً كما في يس وهو في الجميع كعلم الشخص في الدلالة على الفرد المعين إلا أنه بقرينة أل والعلم بجوهره. ولذا كان أعرف من المحلي مطلقاً.
قوله: (ولاستغراق الجنس) أي استغراق أفراده ولو كان مدخولها جمعاً كما حقيقة في المطول إن خلفها كل حقيقة كما مثل. ولذا صح الاستثناء بعده، ولاستغراق خصائص الجنس وأوصافه إن خلفها كل مجازاً كأنت الرجل وزيد الرجل علماً أي الجامع لأوصاف كل الرجال. ولخصائص العلم المتفرقة فيهم إذ يصح: أنت كل رجل على استعارة ما للكل للبعض لاستجماعه صفاتهم، وقد تخلفها كل حقيقة بحسب العرف فيكون الاستغراق حقيقة عرفية كجمع الأمير الصاغة أي صاغة بلده لا صاغة الدنيا، وليست أل في الصاغة موصولة لأن المراد بها الدوام كالصفة المشبهة، مدخولها في كل ذلك كنكرة مسورة بكل.
قوله: (ولتعريف الحقيقة) أي الماهية باعتبار حضورها الذهني بقطع النظر عن الإفراد فمدخولها كعلم الجنس في الدلالة على ذلك إلا أنه بقرينتها، والعلم بجوهره كما مر، وتسمى لام الحقيقة والطبيعة والماهية وهي الداخلة على المعرفات كالإنسان حيوان ناطق، والكليات كالإنسان نوع، وبقي من أقسام أل ما أشير بها لبعض مبهم واحد أو أكثر كادخل السوق حيث لا عهد وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ}
(يوسف:12)
---(1/199)
وتركها الشارح لأنها كلام الجنس في وضعها للحقيقة الحاضرة لا باعتبار فرد وإنما حملت على ذلك البعض من المقام، والقرينة كالدخول، والأكل فيما ذكر لا من الوضع فهي داخلة في لام الجنس عند النحاة، وأما البيانيون فيجعلونها للعهد الذهني لعهدية الحقيقة التي لذلك البعض في الذهن، وإن كان هو مبهماً ومدخول هذه، وإن كان معرفة بالنظر لوضعه للحقيقة فتجري عليه أحكام المعارف كمجيئه مبتدأ وذا حال، ووصفاً للمعرفة إلا أنه في المعنى كالنكرة نظراً لقرينة ذلك البعض المبهم، ولذا نعت بالجملة في قوله:
t
95 ــــ وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيمِ يَسُبُّنِي
فَمَضيْتُ ثَمَّةَ قُلْتُ لا يَعْنِيني(3)
وليس نكرة حقيقة لأن النكرة ماوضع لبعض مبهم، أو للحقيقة في ضمنه. وهذا للحقيقة الحاضرة لا باعتبار فرد أصلاً كما علمت فالمجرد، وذو اللام بالنظر للقرينة سواء في الإبهام، وبالنظر لأنفسهما مختلفان، وكذا اسم الجنس مع علمه المستعمل في فرد كلقيت أسامة كما أفاده السعد في شرح التلخيص.
---
والحاصل أن أل عند النحاة ثلاثة أقسام: واحد للجنس، واثنان للفرد، وعند البيانيين أربعة. لكنها ترجع إلى خمسة أو ستة لأن العهدية ثلاثة أقسام. ورجح السيد الصفوي أنها قسمان فقط لأنها إما لحصة معهودة خارجاً بأقسامها الثلاثة، أو للجنس من حيث هو فإن قصد ذلك فلام الحقيقة، أو من حيث وجوده في بعض مبهم مع قرينة ذلك فلام العهد الذهني، أو في جميع الأفراد فلام الاستغراق، ومع عدم قرينة البعضية تحمل على الكلية، وإن لم توجد قرينتها كالاستثناء لكن لا بد من قرينة على إرادة الفرد دون الحقيقة. وعلى هذا فلام الاستغراق هي لام الحقيقة حملت عليه بالقرينة كالتي للعهد الذهني وهو ما صرح به السعد أما على الأول فوضعها للإفراد لا الحقيقة، وأما العهدية خارجاً فللفرد عليهما وبقي قول ثالث وهي أنها للحقيقة من حيث هي مطلقاً ثم يتشعب منها العهد وغيره هذا خلاصة المقام فتأمله.(1/200)
قوله: (أي هذه الحقيقة خبر الخ) التفاضل بينهما من حيث تغايرهما بالذكورة والأنوثة، وإن اتحدتا في الإنسانية. ولكون الحكم على الحقيقة لا ينافي تخلف الخيرية في بعض الأفراد لخصوصياتٍ عرضت له.
قوله: (وقد تزاد) أي لفظة أل المتقدمة في قوله أل حرف تعريف فالجملة عطف على الخبر فكأنه قال قسمان حرف تعريف وزائدة، والمحكوم عليه بذلك هو لفظ أل من حيث هو لا بقيد كونه حرف تعريف فلا استخدام في مرجع الضمير، وأنث الفعل هنا باعتبار أنها كلمة وذكره في قوله الآتي دخلاً باعتبار أنها حرف أو لفظ إشارة إلى جواز الأمرين.
قوله: (لازماً) صفة لمصدر محذوف أي زيداً لازماً ولاضطرار عطف عليه أي وزيداً لاضطرار.
قوله: (كاللاَّت) هذا اسم صنم، والثاني موصول جمع التي، وفيهما جناس تام لاتفاقهما لفظاً لا معنى.
قوله: (يا قيسُ) منادى مضموم، والسريّ بفتح فكسر أي الشريف نعته فيجوز رفعه تبعاً للفظه، ونصبه مراعاة لمحله كما سيأتي في النداء.
---
قوله: (تأتي زائدة) أي غير معرفة بدليل المقابلة لدخولها على معرف بغيرها كالعلم والموصول، أو على واجب التنكير كالحال والتمييز لا صالحة للسقوط لأنها قد تكون جزء علم كأليسع.
قوله: (لازمة) هي ما قارنت وضع الكلمة، وغير اللازمة ما عرضت بعده.
قوله: (باللاّت) مثله كل علم قارنت أل وضعه للعلمية مرتجلاً كان كالسموأل اسم شاعر يهودي أو منقولاً كاللات فإن أصله بشد التاء وصف من لت يلت، وكان رجلاً يلت السويق بالطائف فلما مات اتخذوه صنماً، وسموه به فخففت تاؤه، وكالعزى تأنيث الأعز نقلت لصنم أو شجرة تعبدها غطفان، وكأليسع بناء على أنه عربي منقول من مضارع وسع. وقولهم: لا عربي من الأنبياء إلا شعيب وهود وصالح ومحمد معناه لا عربي مصروفاً، أو اتفاقاً إلا هؤلاء، وقيل هو أعجمي قارنت أل ارتجاله.
قوله: (وهو ظرف زمان) أي للزمان الحاضر، وقد يستعمل في غيره مجازاً.(1/201)
واعلم أن الجمهور على أنه علم جنس للزمان مبني لقولهم من الآن بالفتح ثم اختلفوا في سبب بنائه فقيل تضمنه معنى أل الحضورية مع زيادة التي فيه. كما بني الأمس على الكسر في قوله:
96 ــــ وإِنِّي وَقفْتُ اليَوْمَ والامسِ قَبْلَهُ
لذلك عند المصنف، وفيه غرابة حيث ألغى اللفظ الموجود، وضمن معنى غيره من جنسه، وقال الزجاج: تضمنه معنى الإشارة فإنه بمعنى هذا الوقت. وقيل: الشبه الجمودي إذ لا يثنى ولا يجمع ولا يصغر بخلاف حين ووقت وزمان، ومن غير الجمهور من جعله اسم إشارة للزمان كهناك للمكان، وعليه الموضح فعلة بنائه كأسماء الإشارة، ومنهم من قال غير ذلك.
قوله: (لتعريف الحضور) أي للعهد الحضوري كهي في قولك: هذا الرجل أي الحاضر فهي معرفة لا زائدة، وفتحته حينئذٍ إعراب، وهو ملازم النصب على الظرفية، وقد يجر بمن كما روي من الآن بالجر قال في النكت، وهذا قول لا يمكن القدح فيه وهو الراجح عندي، والقول ببنائه لا توجد له علة صحيحة. ا هـ.
---
قوله: (فبنيتها) شامل لأل الموصولة فتعريفها بنية أل، ولا مانع منه. ا هـ صبان.
قوله: (وأما حذفها الخ) وارد على جعلها في الموصول معرفة أي لو كانت معرفة لنكِّر الموصول بعد حذفها مع أنه باق على تعريفه إذ لم يختلف معناه، ويحتمل أنه إيراد على لزومها في الموصول أي لو كانت لازمة لما حذفت في ذلك، وحال الجواب عنهما أنه شاذ فلا عبرة به لكن يعين الأول قول الشارح فلا يدر على أنها زائدة. وقوله وإن كانت معرفة، وفي التسهيل أن حذفها من الذين واللاتي لغة لا شاذ وكذا الذي والتي كما مر. فالأحسن أن يقال إنها لازمة في اللغة الفصحى عند أكثر العرب.
قوله: (بنات الأوبر) هذا بيان للفظ الواقع في الشعر لا أنه يقال نثراً لأن الكلام في الضرورة.(1/202)
قوله: (ولقد جنيتك) أي جنيت لك على الحذف، والإيصال ليوازن نهيتك، والأكمؤ بهمز آخره جمع كمء كأفلس وفلس والكمء: واحد الكمأة، لأنها اسم جنس جمعي له على خلاف الغالب من كون التاء في المفرد، وهي نبت في البادية له ثمر يجنى والعساقل جمع عسقول كعصفور نوع منها، وهي الكبار البيض التي يقال لها شحمة الأرض، وأصله عساقيل كعصافير حذفت ياؤه للضرورة وبنات الأوبر كمأة مزغبة على لون التراب رديئة الطعم، وهي أول الكمأة وقيل مثلها، وليست منها تصريح(2) بزيادة.
قوله: (ليس يعلم) أي بل جمع ابن أوبر كبنات آوى، وبنات عرس جمع ابن أوى، وابن عرس، وإنما جمع على بنات تفرقة بين العاقل وغيرها.
قوله: (غير زائدة) أي بل معرفة لأنه نكرة حينئذ، وعليه فمنعه من الصرف إذا جرد من أل للوزن والوصفية الأصلية كأدهم وأسود لأن أصل أوبر بمعنى كثير الوبر، وعلى الأول للوزن والعلمية لأن جزء العلم في حكمه.
---
قوله: (على التمييز) وكذا الداخلة شذوذاً على الحال كادخلوا الأول فالأول فإن السَّابق حال، واللاحق عطف عليه زيد فيهما أل شذوذاً لوجوب تنكير الحال، والأصل ادخلوا أول فأول، وأتى بالفاء لتدل على الترتيب أي ادخلوا مرتبين.
قوله: (وجوهنا) أي ذواتنا، أو أكابرنا، وضمن طبت معنى تسليت فعداه بعن، أو هي متعلقة بصددت.
قوله: (طبت نفساً) قيل لا يتعين ذلك لجواز أن تكون النفس مفعول صددت، وحذفت تمييز طبت، أو لا تمييز له.
قوله: (وبعض الأعلام عليه دخلا) فيه إيماء إلى أنه سماعي فلا تدخل على غير ما ورد كمحمد وصالح ومعروف.
قوله: (للمح) أي ملاحظة ما أي المعنى الذي قد كل نقل هو أي ذلك البعض عنه أي عن ما فالصلة جرت على غير ما هي له.(1/203)
قوله: (كالفضل) قدمه لدلالته على الوصف أي الحدث بالمطابقة لكونه مصدراً، والحرث مشتق يدل عليه بالتضمن، وأخر النعمان لأن دلالته على وصف الحمرة التزامية لكونه في الأصل اسماً للدم، أو أنه رتبها على الترقي بزيادة الحروف، وكون أل في النعمان عارضة للمح ينافي تمثيله به في التسهيل لما قارنت أل وضعه إلا أن يقال يحتمل أن العرب سموا بالنعمان فتلزمه أل وبنعمان فتدخله للمح قال الشمني: ومن الأول النعمان بن المنذر ملك العرب لأنه لم يسمع بغير أل.
قوله: (المنقولة مما يصلح الخ) خرج المرتجلة كسعاد، والمنقولة مما لا يصلح لها كيزيد ويشكر فلا تدخلها أل وأما قوله:
97 ــــ رَأَيْتُ الوَلِيدَ بْنَ الْيَزِيدِ مبَاركاً
فضرورة سهلها مشاكلة الوليد، والتقييد بالنقل، وبما يصلح لها للاحتراز من غيره لأن الباب سماعي بل لبيان مورد السماع باطراد سم.
قوله: (في الجملة) أي في بعض الأحوال، وهو ما إذا أول باسم الفاعل مثلاً في الفضل، والأحمر في الدم بخلاف ما لا يوصف به أصلاً، ولا بالتأويل.
---
قوله: (فليستا بزائدتين) أجيب بأن المراد بالزائدة ما ليست للتعريف، وإن لم تصلح للسقوط كما مر، وكذا قول المصنف: سيان أي في عدم إفادة التعريف لا مطلقاً.
قوله: (بالغلبة) هي أن يكون للاسم عموم بحسب وضعه فيعرض له الخصوص في استعماله لغلبة إطلاقه على شيء بعينه، ثم إنْ كان قد استعمل في غير ما غلب عليه كالعقبة والنجم فالغلبة تحقيقية. وإن لم يستعمل في غيره أصلاً مع صلوحه لذلك بحسب وضعه. كالإله بأل فتقديرية، وأما الله فعلم بالوضع الشخصي على الصحيح فلا يصلح لغيره تعالى وضعاً، ولا استعمالاً، وأما إله بغير أل فليس علماً بالغلبة، ولا بالوضع بل يطلق على كل معبود بحق، أو باطل على السواء. ا هـ لكن هذا ظاهر في زمن الجاهلية، أما الآن فلا يبعد أنه علم بالغلبة التحقيقية إذا لا يفهم منه إذ أطلق غيره تعالى، وبهذا يجمع بين القولين.(1/204)
قال ابن هشام: وكان الأنسب ذكر ذلك في باب العلم فينوعه إلى وضعي وغلبي ليكون ذكر المضاف في مركزه فإنه هنا استطرادي، وهذ النوع قبل الغلبة يتعرف بالإضافة وأل العهدية، ثم تنزل غلبته منزلة الوضع فيصير بها علماً، ويلغى تعريفه السابق.
قوله: (مضاف) اسم يصير مؤخر، وعلماً خبرها مقدم.
قوله: (كالعقبة) أصلها كل طريق صاعد في الجبل يشق سلوكه، ثم اختص بعقب مِنَى التي يقال فيها جمرة العقبة قاله الشاطبي وقيل بعقبة أيلة عند مصر.
قوله: (وحذف أل) مفعول مقدم لأوجب، وقوله ذي أي التي في الغلبة كما بينه الشارح، وخصها بالذكر مع أن المعرفة كذلك احترازاً عن المقارنة للوضع نقلاً كالنضر والنعمان، أو ارتجال كأليسع والسموأل. فلا تحذف للنداء، والإضافة كما قال في الكافية:
وقَدْ تُقَارِنُ الأداةُ التَّسْمِيَهْ
فَتُستَدامُ كأُصولِ الأَبنِيَهْ
---
قال في شرحها: أي لأنها جزء علم كهمزة أحمد وجيم جعفر بخلافها في الغلبة كالأعشى والنابغة فإنها، وإن كانت لازمة، إلا أنها لم تقارن الوضع بل أصلها طارئة لتعريف العهد، ثم ألغي تعريفها بالغلبة فصارت زائدة ا هـ. ويحتمل أن قوله: ذي إشارة إلى الزائدة مطلقاً بناء على المقارنة تحذف أيضاً كما نقل عن الهمع والتسهيل، وشرحه لابن عقيل والروداني كقول خالد بن الوليد:
98 ــــ يا عُزَّ كُفرَانَك لا سبحانَك
إِنِّي رَأَيْتُ الله قَدْ أهانَك(2)
ففائدة التنبيه على ذلك مع أن مثلها المعرفة دفع توهم ثبوتها معهما لكونها زائدة لا يلزم عليها جمع معرَّفين، أو أن فائدته التنبيه على تعين حذفها فلا يتوصل لندائها بأي، ولا بذا كالمعرفة فلا يقال: يا أيها السموأل، ولا يا ذا الأعشى أو الحرث. لأن التوصل بذلك إنما هو في أل الجنسية بخلاف العهدية، والزائدة لكن هذه الفائدة خاصة بالنداء دون الإضافة فتدبر.(1/205)
قوله: (في الصعق) بكسر العين هو خويلد بن نقيل كان يطعم الناس بتهامة فسفت الريح التراب في جفانه أي أوعية طعامه فسبها فرمي بصاعقة فسمي الصعق وهو في الأصل اسم لكل من رمي بصاعقة.
قوله: (عيوق) فيعول بمعنى فاعل كقيوم معنى قائم، وهو نجم كبير قرب الثريا والدبران سمي بذلك لزعمهم أن الدبران يطلب الثريا، وهو يعوقه عنها، والثريا تصغير ثروي من الثروة وهي الكثرة لكثرة كواكبها فأصلها ثريوي اجتمعت الواو والياء الخ.
---
قوله: (وابن مسعود) قيل: الصواب ذكر ابن الزبير أو عبد الله بن عمرو بن العاص بدله لموت ابن مسعود قبل إطلاق العبادلة لأنه من الطبقة الأولى من الصحابة، ويرده أن الشارح لم يقل غلب اسم العبادلة على فلان وفلان بعد أن كان جمع عبد الله، وإنما قال: غلبت هذه الأعلام، وهو ابن عمر الخ على العبادلة، أي. على الأشخاص المسمى كل منهم بعبد الله مع ان ابن عمر مثلاً يصدق بعبد الله وغيره من إخوته، والعبادلة: جمع عبدل بزيادة اللام كما يقال في زيد زيدل هي زيادة شائعة في مثله من الأسماء، أو أن عبدل مأخوذ من عبد الله، ومثل هذا يسمى نحتاً لا اشتقاقاً لأنه لا يكون من كلمتين في قياس التصريف. ا هـ إسقاطي والله سبحانه وتعالى أعلم.(1/206)
=الابتداء= لما فرغ من الأحكام الإفرادية شرع في الأحكام التركيبية، والتراكيب المفيدة ترجع إلى جملتين: فعلية، ومنها جملة النداء كما مر واسمية، ومنها اسم الفعل مع مرفوعه، والوصف المكتفي بمرفوعه. وأما قولهم: الوصف مع مرفوعه ولو ظاهراً في قوة المفرد فمخصوص بغير هذا وبغير صلة أل فإنها في قوة جملة فعلية كما مر وقدم المصنف باب المبتدأ في سائر كتبه لأنه أصل المرفوعات عند سيبويه لأنه مبدوء به، وقيل: أصلها الفاعل لأن عامله لفظي ولذا قدمه ابن الحاجب، وقيل: كل أصل ولما كان الابتداء يستدعي مبتدأ، وهو يستدعى خبراً، أو ما يسد مسده كان في الترجمة به توفية بالمقصود مع الاختصار، وإشارة من أول الأمر إلى أنه العامل، وإلى عدم ملازمة المبتدأ للخبر فتأمل.
قوله: (مبتدأ زيد الخ) خبر مقدم عن زيد وعاذر مبتدأ آخر سوغه قصد لفظه، ولفظ خبر خبره، وجواب الشرط محذوف أي إن قلت ذلك فزيد الخ.
قوله: (وأول مبتدأ) لفظ مبتدأ خبر عن أول، وسوغ الابتداء به كونه قريناً للمعرفة أعني قوله، والثاني وجملة أغنى صفة فاعل أي أغنى عن الخبر وسار اسم فاعل من سرى يسري إذا مشى ليلاً.
---
قوله: (إن المبتدأ على قسمين) لم يعرفه كالمصنف اكتفاء بالمثال، وأحسن مما هنا قول الكافية:
المبتدأُ مرْفوعٌ معنًى ذو خَبَرْ
أَو وصفٌ استَغْنَى بمرفوعٍ ظَهَرْ
لأنه مع اختصاره صرح بحد نوعي المبتدأ، وبين بقوله مرفوع معنى أن عامله معنوي. فيفيد تجرده عن العوامل اللفظية، والمراد بقوله ظهر مطلق البروز فيشمل الضمير المنفصل. فهو بمعنى قولهم هو الاسم العاري عن العوامل اللفظية غير الزائدة وشبهها مع كونه مخبراً عنه، أو وصفاً مكتفياً بمرفوعه، والمراد الاسم ولو تأويلاً ليدخل نحو: وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}
(البقرة:184)(1/207)
فخرج ما اقترن بعامل لفظي من فعل، أو حرف مثلاً، ودخل بغير الزائدة ما سيأتي في الشرح، وخرج بكونه مخبراً عنه الخ أسماء الأفعال، والأسماء قبل التركيب كالأعداد المسرودة فإنها عارية عن العوامل لكنها ليست مبتدآت لأنها ليست مخبراً عنها، ولا وصفاً الخ، ولا يرد على حصره في القسمين قولهم أقل رجل يقول ذلك حيث إنه مبتدأ لا خبر له ولا مرفوع يكتفي به، بل الجملة صفة للنكرة أغنت عن الخبر في الإفادة لأن افتقارها إلى الصفة أشد من الخبر لأن هذا سماعي والكلام في القياسي على أنه أجاز في التسهيل جعل الجملة خبراً. وقيل: إن أقل فعل في المعنى لا مبتدأ لأنه بمعنى: قل رجل يقول ذلك أي صغر وحقر فلذا لم يخبر عنه.
قوله: (له فاعل) أي أو نائبه فالمراد مطلق المرفوع.
قوله: (سدّ مسدّ الخبر) ليس المراد أن له خبراً محذوفاً، وهذا قام مقامه لأنه لا يستحق حينئذٍ خبراً بل إنَّهُ أغنى عن أن يكون له خبر اكتفاء به لشدة شبهه بالفعل، ولذا لا يصغر، ولا يوصف،، ولا يعنى، ولا يثنى، ولا يجمع في الفصيح كما في التسهيل.
---
قوله: (كل وصف) أي اسم فاعل، أو مفعول، أو صفة مشبهة، أو أفعل تفضيل فإنه يرفع الظاهر باطراد في مسألة الكحل ولا مانع حينئذ من كونه مبتدأ نحو: هل أحسن في عين زيد الكحل منه في عين غيره؟ فالكحل فاعل أحسن أغنى عن الخبر سواء كان الوصف ماضياً أو غيره. بخلاف عمله النصب ملفوظاً. أو مقدراً نحو: أَفِي الله شَكٌّ}
(إبراهيم:10)
وأعندك زيدان؟ جعل شك فاعلاً بمبتدأ متعلق بالظرف أغنى عن خبره فهو مما يجب فيه حذف المبتدأ أي كائن في الله شك؟ والجملة حينئذ اسمية كما إذا جعل الظرف خبراً مقدماً عما بعده فإن جعل فاعلاً باستقر محذوف كانت فعلية، أو بالظرف نفسه لقيامه مقام عامله كانت ظرفية كما في المغني وسواء كان وصفاً حقيقة أو تأويلاً نحو أعدل أبواك لتأوله بعادل، وكالمنسوب ونحوه كما يأتي في الخبر.(1/208)
قوله: (ورفع فاعلاً) عطف على اعتمد الواقع صفة لوصف، وكذا قوله: وتم الكلام به فشروطه ثلاثة.
قوله: (وأبواه فاعل بقائم) في نسخ، وأبوه بالإفراد، وعليها فلا يتعين ذلك كتعينه في الأولى. بل يجوز كون قائم خبراً عن أبوه والجملة خبر زيد.
قوله: (لا يستغنى الخ) أي لافتقاره لمرجع الضمير فإن علم كأن جرى ذكر زيد فقيل أقائم أبواه؟ لم يمتنع أفاده الاسقاطي وقيل: يجوز مطلقاً لأن الاكتفاء بالمرفوع إنما هو عن الخبر لا مطلقاً.
---
قوله: (فلا يقال في ما زيد قائم الخ) أي بل قاعد معطوف على قائم الواقع خبراً فإن قلت أقائم أخواك؟ وأردت العطف فالقياس، أم قاعد هما بإبراز الضمير وحكي: أم قاعدان بالضمير المستتر لأن الألف حرف قال ابن هشام: فقاعدان مبتدأ لعطفه بأم المتصلة على المبتدأ، وليس له خبر ولا فاعل منفصل، وجاز ذلك لتوسعهم في الثواني أي فهو مبتدأ اكتفى بفاعله المستتر توسعاً فتقييدهم بالبارز جري على الأصل والغالب، أو أرادوا البارز ولو حكماً كهذا فإنه في حكم البارز لمكان العطف والتنازع، وقد يقال إن التقدير: أم هما قاعدان بحذف المبتدأ فالمعطوف الجملة أفاده الإسقاطي، ومثل ذلك سواء يجري في نحو ما قائم زيد ولا قاعد بخلاف مثال الشارح فإن العطف فيه ليس على وصف مكتف فتدبر.
قوله: (كيف جالس العمران) أي ومن ضارب الزيدان؟ ومتى ذاهب أخواك؟ فكيف حال من الفاعل ومن مفعول الوصف؟ ومتى ظرفه؟ وقس.
قوله: (وقائم اسمه الخ) مثله في شرح التسهيل، وإدخال ذلك هنا لكونه مبتدأ في الأصل، وكذا يقال في اسم ما الحجازية وخبرها لكن فيه إغناء مرفوع عن منصوب، ولا نظير له، وأيضاً فالوصف إنما يعمل لقوة شبهه بالفعل، والناسخ يبعده عنه لاختصاصه بالمبتدأ، والخبر أفاده الاسقاطي.
قوله: (سد مسد خبر ليس) ظاهره أنه في محل نصب كخبرها، وليس كذلك فالمراد سد عن أن يكون لها خبر لأنها لا تستحق حينئذ خبراً بل فاعل اسمها نظير ما مر.(1/209)
قوله: (مخفوض بالإضافة) لا يرد أنه حينئذ ليس مبتدأ لأن المتضايفين كالشيء الواحد على أنه وإن خفض لفظاً فهو في قوة المرفوع لأنه المقصود بالإسناد فكأنه قيل: ما قائم كما أشار له الشارح.
قوله: (غير لاه) من لها يلهو والمراد لازمه أي غير غافل، وأطرح بشد المهملة وكسر الراء أي اترك والسلم بالكسر والفتح الصلح أي بسلم عارض.
---
قوله: (في موضع رفع بمأسوف) أي والأصل غير آسف الشخص على زمن الخ أي لا يتأسف عليه ولا يرجو الحياة فيه بدليل قوله بعده:
99 ـــــ إِنَّمَا يَرْجُو الحَيَاةَ فَتًى
عَاشَ فِي أَمْنٍ مِنَ الإِحَنِ(2)
فحوَّل الوصف إلى المفعول، وحذف فاعله وهو الشخص، وأنيب عنه الجار والإحن بالمهملة جمع أحنة كقرب بالكسر وقربة، وهي الحقد والعداوة، والمراد بها هنا مكايد الدهر والبيتان لأبي نواس بضم النون كما ضبطه ابن هشام في شرح بانت سعاد.
قوله: (أبا الفتح) في نسخ بالواو فيكون هو السائل ليمتحن ولده مثلاً فليحرر، وقد كان ولده مثله حذقاً وأدباً جيد الضبط حسن الخط، واسمه غالي، وكنيته أبو سعد مات سنة سبع أو ثمان وأربعمائة.
قوله: (فارتبك) في القاموس ربكه ألقاه في وحل فارتبك فيه فهو استعارة تبعية للتحير.
قوله: (على نفي) أي ولو معنًى كأنما قائم الزيدان، أو منقوضاً كما قائم إلا الزيدان.
قوله: (أو استفهام) أي ولو مقدراً نحو: قائم الزيدان أم قاعدن، والراجح أن النفي والاستفهام إنما يشترط للاكتفاء بالمرفوع، وأما العمل فشرطه مطلق اعتماد ولو على الموصوف مثلاً كما سيأتي في بابه.
قوله: (وذهب الأخفش الخ) .(1/210)
واعلم أن المذاهب ثلاثة: مذهب البصريين منع الابتداء بلا اعتماد كما هو صريح الشارح والتوضيح وغيرهما لا جوازه بقبح كما قيل، ومذهب الكوفيين والأخفش جوازه بلا قبح، ومذهب المصنف جوازه بقبح كما صرح به في التسهيل، وذكره الشارح بقوله، وزعم المصنف الخ فكان الأولى حمل المتن عليه بجعل قد كناية عن القبح، والمسوغ للابتداء حينئذٍ عمله في المرفوع، ولا يرد أن شرط العمل عند المصنف الاعتماد لأنه معتمد على المسند إليه، وهو كاف في العمل لأن اعتماده أعم من اعتماد الابتداء كما مر.t وأما الأخفش والكوفيون فلا يشترطون للعمل اعتماداً أصلاً كما في التصريح.
---
قوله: (المثوّب) أي المرجع صوته والمكرر له ليستغيث من ثاب الرجل يثوب ثوباً وثوباناً رجع بعد ذهابه، والمثابة موضع الرجوع مرة بعد أخرى، ومنه قوله تعالى: مَثَابَةً للِنَّاسِ}
(البقرة:125)
وقوله: يا لا صله يا لفلان فوقف على اللام.
قوله: (فخير مبتدأ الخ) ولا يجوز كونه خبراً مقدماً عن نحن لئلا يفصل بين أفعل ومن بأجنبي وهو المبتدأ فهو شاذ من حيث اكتفاؤه بالمرفوع بلا اعتماد، ولرفع الضمير المنفصل بأفعل التفضيل في غير مسألة الكحل إلا أن يؤول بأن خير خبر عن نحن محذوفة، والمذكورة تأكيد للضمير في خير فلا شاهد فيه.
قوله: (بنو لهب) بكسر اللام قبيلة من الأزد عالمون بزجر الطير وعيافته بالفاء، وهي أن يعتبر الطير بأسمائه ومساقطه وأنوائه فيستسعد، أو يتشاءم.
قوله: (فخبير مبتدأ) أي لأنه مفرد لا يخبر به عن الجمع، وهو بنو ورده البصريون بأن فعيلاً بمعنى فاعل يستوي فيه الواحد وغيره كالمصدر فإنه يوازنه كصهيل ونعيق نحو: وَالمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ}
(التحريم:4)
وقوله:
101 ــــ هُنَّ صَدِيقٌ لِلَّذِي لَمْ يَشِبْ(2)(1/211)
قوله: (طبقاً) اسم بمعنى المطابق كالشبه بمعنى المشابه حال من فاعل استقر العائد لذا، أو مصدر بمعنى المطابقة تمييز محول عن الفاعل أي إن استقرت مطابقته في سوى إلخ فقدم التمييز على عامله المتصرف كقوله:
101 ــــ أَنْفْساً تطيبُ بَنَيْلِ المُنَى
وداعي المَنُونِ يُنادِي جِهارا(3)
كما في المعرب، ومقتضاه إن استقر المذكور هو العامل، وليس كذلك بل هو مفسر للمحذوف بعد أن فتدبر ولولا كتابته بالألف لأمكن جعله على حد: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}
(التوبة:6)
.
قوله: (وهو قسمان) أي غير المطابق قسمان.
---
قوله: (فإن تطابقاً إفرادًا الخ) هذا مفهوم المتن، ومثله في جواز الأمرين كما في الهمع. والنكت كون الوصف يستوي فيه المفرد والمثنى والمجموع. كجنب وجريح نحو أجنب زيد؟ أو الزيدان؟ أو الزيدون، أو جمع تكسير مع مثنى، أو مجموع لا مع مفرد لما يأتي نحو أقيام الزيدان؟ أو الزيدون؟ فالجملة ست صور لكن في التصريح عن الشاطبي أن جمع التكسير كالتصحيح في امتناع الفاعلية.
قوله: (وجهان) أرجحهما الفاعلية لأن الأصل عدم التقديم والتأخير إلا لمانع من أحدهما فتمتنع الخبرية في نحو أراغب إلخ لما في الشرح، وفي نحو: أحاضر القاضي امرأة لئلا يخبر بمذكر عن مؤنث، وفصل الفاعل من الوصف مجوّز لعدم تأنيثه كالفعل، وتمتنع الفاعلية في نحو: أفي داره زيد؟ لئلا يعود الضمير على متأخر لفظاً ورتبة، وفيه أنه إذا جعل زيد فاعلاً بالوصف المحذوف أي أكائن زيد في دائرة؟ كان مقدم الرتبة عن المجرور كما لا يخفى إلا أن يجعل فاعلاً بالظرف نفسه فتدبر.
قوله: (ويحتمل الخ) أي بقطع النظر عن المانع الآتي وقوله أولى أي، واجب.
قوله: (فيلزم فيه الفصل) أي: إن لم يقدر للجار متعلق بعد أنت أي: أراغب أنت راغب عن آلهتي فيجوز حينئذٍ لعدم المانع.
قوله: (على المشهور) أي: من وجوب تجريد الوصف كالفعل عن علامة التثنية والجمع.(1/212)
قوله: (وإن لم يتطابقا الخ) جواب الشرط محذوف لعلمه من السياق أي: فحكمه مختلف، وقوله وهو قسمان بالواو تفصيل له،
---
قوله: (وما بعده فاعل) وتمتنع الخبرية لئلا يخبر بالمفرد عن غيره. والحاصل أن الصور خمسة عشر ترجع إلى أربعة أحكام: امتناع الخبرية في الوصف المفرد مع المثنى والمجموع لما ذكر، وامتناع الفاعلية في تطابقهما تثنية، وجمع تصحيح نحو: أقائمان الزيدان؟ وأقائمون الزيدون؟ إلا على لغة أكلوني البراغيث، وامتناع الأمرين في عكس هذه الأربعة نحو أقائمان زيد؟ وأقائمون زيد؟ وأقائمان الزيدون؟ وأقائمون الزيدان؟ فهو تركيب فاسد، وكذا نحو أقيام زيد؟ وجواز الأمرين في الصور الست المتقدمة إلا لمانع كما مر. فتأمل والله أعلم.
قوله: (ورفعوا) أي جمهور البصريين أي حكموا بذلك.
قوله: (بالمبتدأ) خبر عن رفع، وكذاك حال من المستكن في الخبر، أو هو خبر، وبالمبتدأ متعلق برفع أي رفع الخبر بالمبتدأ كائن كذاك في النسبة لمن ذكر، ولا يرد أنه عين المبتدأ في المعنى فيلزم كونه رافعاً لنفسه لأن الرفع من عوارض الألفاظ، ولفظهما مختلف بل ومفهومهما أيضاً لأن مفهوم المبتدأ مجرد الذات، والخبر هي مع حكمها وإن اتحدا ما صدقا.
قوله: (والعامل في المبتدأ) الأولى تفريعه بالفاء كما في نسخ.
قوله: (وهو كون الاسم) هذا معنى الابتداء اصطلاحاً، وقيل وهو كون الاسم أولاً ليخبر عنه بثان ولو في الرتبة، وأما لغة فهو الافتتاح فمن فسره بالاهتمام بالشيء، وجعله أولاً لثان أراد لازم المعنى معه لأن الاهتمام لازم للغوي والاصطلاحي.
قوله: (بحسبك درهم) مثله ناهيك بزيد، فالباء زائدة في المبتدأ على احتمال أي زيد ناهيك عن طلب غيره لكفايته.
---(1/213)
قوله: (فحسبك مبتدأ) أي ودرهم خبر، وكذا كل نكرة وليتها، واختار الكافيجي عكسه لأن القصد الإخبار عن الدرهم بأنه كاف لا عن الكافي بأنه درهم ا هـ، وكون القصد هذا دائماً ممنوع بل لكل مقام ينبغي إطلاق أحدهما ثم ينظر ما المسوغ للابتداء بدرهم لا يقال تقديم الخبر لأن هذا ليس منه كما سيبين، ولا قصد الحقيقة لأن الكافية لا تتعلق بها إلا أن يقدر له وصف أي درهم واحد فتأمل. فإن وليها معرفة كبحسبك زيد كانت هي الخبر عند المصنف لأنها بمعنى كافيك اسم فاعل لا يتعرف بالإضافة، ولا يخبر بمعرفة عن نكرة وإن تخصصت إلا في باب الاستفهام وأفعل التفضيل كمن أبوك، وخير منك زيد، وإلا في النسخ نحو فإن حسبك الله، وجعلها ابن هشام مبتدأ مطلقاً لأن الباء لا تزاد في الخبر، واكتفى في الأخبار بالمعرفة عن النكرة بتخصيصها، واعلم أن حسب إن استعمل بحرف الجر الأصلي كان مفتوح السين كهذا بحسب هذا أي بقدره، وإلا كان ساكنها كما هنا أفاده بعضهم.
قوله: (فرجل مبتدأ) هو كحسب رفعه مقدر لحركة الجار الزائد، أو شبهه، ولا ضرر في اجتماع إعرابين: لفظي، وتقديري لاختلاف جهتهما، وقيل مرفوع محلاً، ولا يختص المحلي بالمبنيات.
قوله: (وذهب قوم الخ) أي: لأن الابتداء يستلزمهما معاً فعمل فيهما كالفعل في الفاعل والمفعول، ويرده أنه لم يوجد في العوامل اللفظية ما يعمل رفعين بدون اتباع فكيف بالمعنوي الضعيف؟ ولا يرد المبتدأ في نحو: القائم أبوه ضاحك لأن رفعه الفاعل بجهة شبهه الفعل لا بكونه مبتدأ فلم تتحد جهتهما، وأما المبتدأ المتعدد الخبر نحو: هذا حلو حامض فمجموعهما الخبر لكن ظهر الرفع في أجزائه لتعذره فيه، ونحو كاتب شاعر مؤول بالمفرد أي متصف بذلك فتدبر.
قوله: (بالابتداء والمبتدأ) أي: لضعف الابتداء فيقوي بالمبتدأ فالعامل مجموعهما لا كل منهما مستقلاً حتى يكون فيه اجتماع عاملين على معمول واحد.
---(1/214)
قوله: (ترافعا) أي: لافتقار كل إلى الآخر فعمل فيه كأداة الشرط مع فعله في نحو: أيَاً مَّا تَدْعُوا»}
(الإسراء:110)
وهو قياس مع الفارق لاختلاف جهة العمل في هذين.
قوله: (لا طائل تحته) فيه أنه يترتب عليه صحة عطف المفردات في نحو زيد قائم وعمرو جالس إذا قلنا العامل في الجزأين الابتداء دون باقي الأقوال لئلا يعطف على معمولي عاملين مختلفين.
قوله: (والخبر الخ) عرفه دون المبتدأ اهتماماً بمحط الفائدة، وتوطئة لتقسيمه إلى مفرد وغيره.
قوله: (المتم الفائدة) أي المحصل الفائدة تامة إذا لم تحصل قبله، وأما الحاصلة في: زيد يضرب أبوه مع حذف الأب فهي غير المقصودة، ولا يرد قائم في: زيد أبوه قائم لأنه محصل لها وضعاً، وتوقفها على المرجح ليس من حيث الإسناد، ولا شعري شعري لحصولها بالتأويل أي شعري الآن هو شعري المعروف سابقاً.
قوله: (ك الله برٌّ) أي محسن، والأيادي أي النعم جمع أيد جمع يد بمعنى النعمة مجازاً.
قوله: (ويرد عليه الفاعل) أي فاعل الفعل وفاعل الوصف المكتفى به، ويجاب بأنه حذف قيد كونه مع مبتدأ غير الوصف المذكور للعلم به من قوله: مبتدأ زيد الخ لدلالته على أن الخبر لا يكون إلا مع المبتدأ، وأن ذلك الوصف لا خبر له، وأكد ذلك بتمثيله بالله بر الخ.
قوله: (ولا يرد الفاعل) فيه نظر لأن فاعل الوصف مع مبتدئه جملة كما مر، فلا بد في هذا أيضاً من استثناء ذلك الوصف.
قوله: (بما يوجد الخ) أي فهو تعريف بالأعم، وقد جوزه المتقدمون لكن قد علمت سقوطه.
قوله: (ومفرداً) حال من فاعل يأتي العائد للخبر، والمراد بالمفرد هنا غير الجملة وشبهها. فيشمل المثنى والجمع والمركب بأقسامه، والوصف مع مرفوع لم يكتف به.
---(1/215)
قوله: (ويأتي جملة) أي غير ندائية، ولا مصدَّرة بلكن أو بل أو حتى بالإجماع كذا في النكت لكن في الشهاب على البيضاوي: استشكل وقوع الاستدارك خبراً في نحو: زيد وإن كثر ماله لكنه بخيل مع وروده في كلامهم، وخرجه بعضهم على أنه خبر عن المبتدأ مقيداً بالغاية، وبعضهم قال: الخبر محذوف، والاستدارك منه ا هـ. والصحيح جواز كونها قسميّه خلافاً لثعلب، وإنشائية خلافاً لابن الأنباري ولا يلزم تقدير قول قبلها كما يلزم في النعت خلافاً لابن السراج لأن القصد من الخبر الحكم لا التمييز فلا ضرر في كونه غير معلوم بخلاف النعت. لكن كونها خبراً ليس باعتبار نفس معناها لقيامه بالمنشىء لا بالمبتدأ بل باعتبار تعلقها بالمبتدأ فطلب الضرب في: زيداً ضربه، وإن قام بالمتكلم إلا أنه متعلق بزيد فكأنه قيل: زيد مطلوب ضربه مثلاً، وبهذا صح كونها خبراً، واحتمل الكلام الصدق والكذب أفاده الدماميني عن بعضهم، وقال: إنَّه في غاية الحسن.
قوله: (حاوية الخ) أي مشتملة على اسم بمعنى المبتدأ الذي سيقت خبراً له هو الرابط.
قوله: (معنى) سيشير الشارح في حله إلى نصبه بنزع الخافض أي في المعنى والأحسن كونه تمييزاً.
قوله: (اكتفى) أي المبتدأ بها عن الرابط.
قوله: (وكفى) أصله وكفى به حسيباً لأن الكثير جر فاعل كفى بالباء الزائدة فحذف الجار فاتصل الضمير واستتر.
قوله: (يربطها) من بابي ضرب وقتل كما في المصباح.
قوله: (إِما ضمير الخ) أي ولو في جملة أخرى مرتبة بالأولى، إما بشرط كزيد يقوم عمرو إن قام أو بعطف بالفاء كقوله:
102 ــــ وَإِنْسَانُ عَيْنِي يَحْسِرُ الماءَ تارةً
فَيَبْدو وتَارَاتٍ يَجُمُّ فيَغْرَقُ
أو بالواو أو ثم كما قاله الرضي كزيد ماتت هند وورثها، أو ثم ورثها فيكتفى في الجملتين بضمير واحد لارتباطهما، وكذا كل ما يحتاج للربط كالصلة والصفة والحال.
قوله: (مقدراً) أي إن علم ونصب بفعل كقراءة ابن عامر في الحديد: وَكُلٌّ وَعَدَ الله الحُسْنَى}
---(1/216)
(الحديد:10)
بالرفع أي وعده أو بصوف كالدرهم أنا معطيك، أو جر باسم فاعل كزيد أنا ضارب، أو بحرف دال على التبعيض كمثال الشارح أو الظرفية نحو:
103 ــــ فَيَوْمٌ نُسَاءُ وَيَوْمٌ نُسَرّ
أي فيه، أو مسبوق بمثل المحذوف كقوله:
104 ــــ صَحُّ فالّذِي تُوصى بِهِ أَنْتَ مُفْلِحُ
أي به كذا في التسهيل، ولم يشترط اين الحاجب سوى العلم به، ا هـ نكت، وبقي نحو قوله تعالى: فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى}
(النازعات:41)
أي له وزوجي المس أرنب أي ألمس له أو منه فهذا رابط مقدر عند البصريين، وليس واحداً مما ذكر فلعله ليس مراداً لتسهيل الحصر.
قوله: (منوان) تثنية منا كعصا مكيال أو وزان، ويقال منيان كما في القاموس، وهو مبتدأ ثان سوغه الوصف المقدر أي كائنان منه.
قوله: (رفع اللباس) أي إن جعل ذلك مبتدأ ثانياً خبره خير فإن جعل بدلاً من لباس، أو نعتاً له على تجويز الفارسي كون النعت أعرف من المنعوت، وخير خبر لباس فالخبر مفرد لا يحتاج لرابط، وكذا على نصب لباس عطفاً على لباس الأول وهما سبعيتان.
قوله: (وأكثر ما يكون الخ) أفاده أن وضع الظاهر موضوع الضمير قياسي في التفخيم وغيره، وإن كان فيه أكثر قال الأخفش: وإن لم يكن بلفظه الأول فعنده يكفي إعادة المبتدأ بمعناه فقط، وجعل منه آية وَالَّذِينَ يُمْسِّكُونَ(4) بِالْكِتَابِ}
(الأعراف:170)
الخ فالرابط إعادة الذين يمسكون الخ بلفظ المصلحين لأنه بمعناه، ورد بأن الذي مجرور عطفاً على الذين يتقون لا مبتدأ. ولئن سلم فالرابط عموم المصلحين، أو محذوف أي منهم، أو الخبر محذوف أي مأجورون بدليل: لا نضيع إلخ كما في المغني، واشترط سيبويه كونه بلفظه الأول، وخصه بمواقع التفخيم وبنحو: أما العبيد فذو عبيد، وفي ذلك خاص بالشعر ا هـ تصريح بزيادة.
---(1/217)
قوله: (ما الحاقة) ما استفهامية مبتدأ ثان سوغه العموم لأنها نكرة عند الجمهور، وأما عند ابن كيسان فمعرفة، والحاقة بعدها خبرها، والجملة خبر الأول، والربط إعادة المبتدأ بلفظه.
قوله: (زيد نعم الرجل) أي لأن الأصح أن أل في فاعل نعم استغراقية فتشمل زيداً، أما على كونها عهدية فالرابط إعادة المبتدأ بمعناه بناء على ما قاله الأخفش، ومن الربط بالعموم قوله:
105 ــــ أَلاَ لَيْتَ شِعْري هَلْ إِلى أُمِّ مَالِكٍ
سَبيلٌ فأمَّا الصَّبرُ عنها فَلا صَبْرَا(5)
وقوله
106 ــــ فَأَمَّا القِتَالُ لاَ قِتَالَ لَدَيْكُمُ(6)
فالصبرُ والقتالُ مبتدأ، وجملة لا صبر ولا قتال خبر ربطت بعموم النكرة المنفية، ويحتمل إعادة المبتدأ بلفظه ويرد على الربط بالعموم أنه يستلزم جواز: زيد مات الناس وعمرو لا رجل هنا قال سم: ولا مانع منه أخذاً من هذا الكلام إلا أن يوجد نص بخلافه.
قوله: (هي المبتدأ في المعنى) لا يرد أن كل خبر كذلك كما مر. لأن المراد هنا كون المبتدأ مفرداً في معنى الجملة كحديث وكلام كما مثله، وكضمير الشأن فإن المراد بنطقي منطوقي وكقوله صلى الله عليه وسلّم: «أَفْضَلُ مَا قُلْتُهُ أَنَا وَالنَّبيونَ منْ قَبْلِيَ لا إِلَه إِلاَّ الله» وقوله تعالى: وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ لله}
(يونس: 10)
أن جعلت أن صلة لا مخففة، وكون الخبر في هذا جملة إنما هو في الظاهر، وإلا فهو مفرد لأن المقصود لفظ الجملة كما أخبر عنها في «لاَ حِوْلَ وَلاً قُوَّةَ إلاّ با لله كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الجَنَّةِ» نعم ذلك ظاهر في ضمير الشأن نحو: قُلْ هُوَ الله أَحَد}
(الإخلاص:1)
فالجملة خبر عن هو بلا رابط لأنها عينه أي مفسرة له أي الحال، والشأن الله أحد ويصح كون هو ضمير المسؤول عنه بناء على أنها نزلت جواباً لقول المشركين: صف لنا ربك ف الله خبر، واحد بدل أو خبر ثان.
---(1/218)
قوله: (نطقي الخ) أي منطوقي وكذا قوله الآتي: قولي لا إله إلا الله أي مقولي.
قوله: (والمفرد الخ) مبتدأ خبره جملة الجامد فارغ حذف رابطها أي الجامد منه وليس الجامد صفة للمفرد لئلا ينافي عود الضمير في يشتق عليه، وعوده إليه بدون صفته خطأ عند الشاطبي لقول سيبويه أنهما كالشيء الواحد لكن الأصح جوازه عند القرينة إلا أنه لا ضرورة إليه لأن حذف الرابط كثير.
قوله: (وأن يشتق) أي يصغ من المصدر للدلالة على متصف به كما هو اصطلاح النحويين، أما عند الصرفيين فهو ما دل على حدث وذات، وإن لم تتصف به فيشمل أسماء الزمان والمكان والآلة وليست مرادة هنا.
قوله: (إلى أنه يتحمل) أي وإن لم يؤول بالمشتق فهذا هو محل الخلاف بينهم، وبين البصريين أما المؤول فيتحمله اتفاقاً كما هو مفاد الشارح، وليس في كلامه ما يدل على جريان الخلاف في المؤول أيضاً كما لا يخفى.
قوله: (أسد) أو تميمي أو ذو أو رجيل فكل هذه تتحمل الضمير، وترفع الظاهر كالمشتقات لتأولها بالمنسوب إلى كذا وبصاحب وصغير.
قوله: (فإن رفعه الخ) المراد بالظاهر ما يشمل الضمير البارز منفصلاً كان كزيد قائم أنت إليه، أو متصلاً مجروراً كالكافر مغضوب عليه. فالضمير المجرور نائب الفاعل في محل رفع، والوصف فارغ إذ ليس له إلا مرفوع واحد.
قوله: (وأبرزته) أي ضمير الخبر المشتق مطلقاً أي أمن اللبس أولاً أي وأبرز الضمير مطلقاً إن تلا الخبر المشتق ما أي مبتدأ ليس معنى ذلك الخبر محصلاً لذلك المبتدأ. ولا يخفى ما في ذلك من التعسف، وتشتيت الضمائر وأكمل منه قول الكافي.
وَإِنْ تَلاَ غَيْرُ الّذي تَعَلَّقَا
بِهِ فابْرِزِ الضميرَ مُطلقا
في المذهب الكوفيِّ شرطُ ذاكَ أنْ
لاَ يُؤمَنَ اللَّبْسُ ورَأيُهم حسَنْ
---(1/219)
ومثل الخبر في ذلك الحال والنعت والصلة، ولا يختص ذلك بالمشتق منها كما هو ظاهر المتن، والشارح بل مثله الفعل والظرف إذ جريا على غير صاحبهما كزيد عمرو ضربه هو، أو في داره هو فيجب فيهما الإبراز مطلقاً عند البصريين بشرط اللبس عند الكوفيين لوجود المحذور في الجميع كما في الهمع. وقال بعضهم: محل الخلاف إنما هو الوصف، أما الفعل فلا يجب فيه الإبراز عند الأمن اتفاقاً. ولعل سره أصالته في العمل، وتحمل الضمير.
قوله: (فقد جوز سيبويه الخ) مقتضى الوجه الثاني أن المستتر يمكن إبرازه والنطق به، ويلزمه أن يجوز: زيد قام هو على الفاعلية وإلا فما الفرق، وغير سيبويه يوجب الوجه الأول لما مر أن المستتر واجباً كان أو جائزاً لا يتيسر النطق به، وإنما يستعيرون له لفظ المنفصل تقريباً وتدريباً فالوصف الجاري على صاحبه كالفعل في امتناع بروز ضميره وإن سمي مستتراً جوازاً لأنه يخلفه الظاهر فتدبر.
قوله: (وجب إبراز الضمير) ويخلفه الظاهر كزيد عمرو ضاربه زيد كما قاله أبو حيان.
قوله: (ضاربها) خبر هند، وهو قائم بغيرها وهو زيد لأنه هو الضارب ولا لبس فيه لتذكيره فيعلم أنه لزيد، ومثله هند زيد ضاربته.
قوله: (أتيت بهو) أي على أنه فاعل نظراً لجريانه على غير صاحبه فيمنع استتاره، أو تأكيد نظراً لأمن التباسه المجوز استتاره، وأما عند الخوف ففاعل لا غير. والبصريون يجعلونه فاعلاً مطلقاً فيقال في التثنية على الفاعلية: الهندان الزيدان ضاربتهما هما، وعلى التأكيد ضاربتاهما هما، وكذا في الجمع قال الدماميني. والمسموع من العرب إفراد الوصف في مثل ذلك إلا على لغة أكلوني البراغيث أي فيؤيد مذهب البصريين.
---(1/220)
قوله: (ذُرا المجد) جمع ذروة بتثليث المعجمة وهي أعلى الشيء ويكتب بالألف عند البصريين لانقلابها عن واو، وبالياء عند الكوفيين لضم أوله كما في الصبان، وهو مبتدأ ثان خبره بانوها جمع بان من بنى يبني، وفيه ضمير مستتر عائد لقومي لجريانه عليه، وأما الواو فحرف جمع، ولم يبرزه مع جريانه على غير مبتدئه. وهو الذرى للعلم بأنها مبنية لا بانية ولدلالة الواو على إسناده لقومي وإلا لقيل بانيتها. ولو أبرز لقال على الفصحى بانيهاهم، وعلى غيرها بانوها هم، وتكلف البصريون باحتمال كون ذرا معمول لوصف محذوف خبر عن قومي يفسره المذكور فلا شاهد فيه أي قومي بانون ذرا المجد بانوها، ويراد من الوصف الدوام لا المضي بقرينة المدح فيعمل، ويفسر العامل.
قوله: (بانوهاهم) الأصح بانيها كما علمت لكن قصده تفسير الضمير المستتر وهو هم لا غير.
قوله: (بظرف) أي مكاني أو زماني مفيد كما يعلم من البيت بعده لا خصوص المكاني، وإنما يخبر به، وبالمجرور إذا كانا تامين بأن يفهم منهما معنى متعلقهما المحذوف لكونه عاماً أو خاصاً بقرينته كما مر في الصلة عن الدماميني. ومثاله هنا على قياس ما مر أن تقول بل زيد اليوم وعمرو أمس في جواب زيد قائم أمس، وعمرو اليوم وفي المغني أن من الحذف الخاص لقرينة قوله تعالى: الحُرُّ بِالحُرِّ} أي مقتول أو يقتل لأن تقديره العام فيه غير مفيد ولا حاجة لتكلف حذف المضاف من المبتدأ والخبر أي قتل الحر كائن بقتله.
---(1/221)
قوله: (أو بحرف جر) أي مع مجروره لأن الخبر مجموعهما لا الحرف وحده فأطلق الجزء على الكل، وما قيل إنه أراد بالحرف المجرور مجازاً لعلاقة المجاور أخذاً من قول الرضي محل للمجرور وحده لأن الحرف لتوصيل معاني الأفعال وشبهها إلى الأسماء لا يصح لأن مراد الرضي المحل الذي يقتضيه المتعلق بدليل تعليله لا محل الخبرية.m فالحاصل أن محل العامل في الظرف اللغو للمجرور فقط، ولا محل للمجموع وهو نصب، وقد يكون رفعاً كمُرَّ بزيد مجهولا فزيد وحده نائب الفاعل، ولا يكون جرّاً. وكذا في المستقر من حيث تعلقه بعامله إلا أن محله نصب أبداً، وأما من حيث قيامه مقام عامله فالمحل للمجموع رفعاً في الخبر، ونصباً في الحال وجراً في الصفة المجرورة، ولا محل له في الصلة كعامله.
قوله: (متعلق بمحذوف) أي هو الخبر على الصحيح لا الظرف وحده كما هو ظاهر النظم، وهو مذهب جمهور البصريين لقيامه مقام عامله، ولا مجموعهما كما اختاره الرضي لكن لا بد منهما عند الجميع إلا أن الأول نظر إلى أن العامل أولى بالاعتبار وإن كان معموله قيداً لا بد منه، والثاني إلى الملفوظ به وهو معمول العامل فلا بد من ملاحظته معه، والثالث إلى توقف الفائدة على كل وكذا الخلاف في الحال والصفة والصلة، أما عمل الرفع في نحو: «أَفِي الله شَكٌّ» وتحمل الضمير فيجري فيه القولان الأولان فقط، ثم هذا الخلاف في المتعلق العام. أما الخاص فهو الخبر أو الحال مثلاً اتفاقاً ذكر أو حذف.
---(1/222)
قوله: (واجب الحذف) أي عند الجمهور لأنه كون عام يفهم بدون ذكره ويسمى الظرف حينئذ مستقر الاستقرار معنى عامله أي فيه فهمه منه، ولأن الضمير يستقر فيه إذا قلنا بأنه الخبر. أما الكون الخاص فيمتنع حذفه بلا قرينة. وأما معها فتارة يجوز كبزيد في جواب: بمن مررت، وتارة يجب كيوم الجمعة صمت فيه على الاشتغال، ويسمى الظرف في كل ذلك لغواً لخلوّه عن الضمير فمدار اللغو والمستقر على خصوص المتعلق، وعمومه بقطع النظر عن ذكره وحذفه كما يقتضيه كلام المغني. وعليه اقتصر الدماميني لكن قد يقدر المتعلق خاصاً كزيد على الفرس، أو من العلماء، أو في البصرة أي راكب ومعدود ومقيم، ولا يخرجه ذلك عن الاستقرار إذ يجوز تقديره العام لتوجيه الإعراب، وخصوصه بمعرفة المقام لا يقتضي لغويته كما صرح به الدماميني في أول شرح التسهيل وفي بسملة الشنواني عن السيد نحوه ثم قال فلما كان العام ضابطاً مطرداً اعتبره النحاة، وفسروا المستقر به، وحينئذ فلا يكون الخاص المحذوف لغواً إلا إذا امتنع تقدير العام كمثال الجواب والاشتغال لا مطلقاً. هذا ومقتضى ذلك مع ما مر في تفسير التام أنه أعم من المستقر لانفراده في نحو: الحَرُّ بَالحُرِّ}
(البقرة:178)
أما على القول بأن مدار المستقر على حذف العامل عاماً كان أو خاصاً، واللغو على ذكره، ولا يكون إلا خاصاً فملازم له، وما اشتهر من أن المستقر هو ما وقع صفة أو صلة أو خبراً أو حالاً لا يتمشى على إطلاقه إلا على هذا دون الأول لأن الخبر مثلاً عليه قد يكون غير مستقر كما علمت فتدبر.
قوله: (كائن عندك) هو من كان التامة بمعنى حصل أو ثبت فالظرف بالنسبة لذلك المقدر لغو متعلق به لا من الناقصة وإلا كان الظرف في موضع خبره فيقدر كائن آخر، ويتسلسل أفاده السعد.
---(1/223)
قوله: (وقد نسب هذا لسيبويه) أيده في شرح الكافية بأنه يتعين تقديره اسماً بعد أما وإذا الفجائية نحو: أما في الدار فزيداً إذا لهم مكر، لأن الفعل لا يليهما فحمل الباقي عليهما لكن رده ابن هشام بإمكان تقدير الفعل مؤخراً.
قوله: (وقيل يجوز الخ) اختاره في المغني.
قوله: (في الشيرازيات) اسم كتاب أملاه بشيراز قال السيوطي: لم أر ذلك فيه ولا في الحلبيات.
قوله: (وإن يهن) نائب فاعله يعود لمولاك المراد به الناصر والحليف، وبحبوحة بضم الموحدتين وبمهملتين وسط الدار وغيرها، والهون بضم الهاء الذل والهوان.
قوله: (وكما يجب حذف عامل الظرف الخ) محل ذلك إذا قدر كوناً عاماً كما هو فرض كلام المتن فإن قدر خاصاً جاز ذكره في الكل كما علمت، وجوز ابن جني إظهار العام أيضاً تمسكاً بنحو: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}
(النحل:40)
ورد بأنه استقرار خاص بمعنى عدم التحرك لا عام بمعنى مطلق الحصول حتى يجب حذفه.
قوله: (ولا يكون اسم زمان خبراً عن جُثَّةٍ) أي ولا صفة لها ولا صلة ولا حالاً منها إلا مع الفائدة لأنها كالخبر في المعنى. وإنما قيد بالزمان، والجثة لأن الغالب أن الإخبار به عن المعنى، وبالمكان عن الجثة والمعنى مفيد لأن كل معنى من فعل أو حركة مثلاً لا بد له من زمان ومكان يخصه، وكذا الجثة بالنسبة للمكان فيحصل بالإخبار فائدة بيان هذا الخاص بخلافها مع الزمان المطلق لأنه يعم جميع الأجسام إذ لا بد لها من زمان تحصل فيه. وذلك معلوم فلا فائدة في الأخبار به فلو كان الزمان مع المعنى، أو المكان معهما عاماً امتنع أيضاً نحو القتال زماناً وزيد. أو القتال مكاناً لعدم الفائدة فالمدار على حصولها مطلقاً كما هو محصل كلام الشاطبي واستحسنه سم جداً ثم استظهر جواز الإخبار مطلقاً عند من لا يشترط تجدد الفائدة فتدبر.
---(1/224)
قوله: (عن جثّة) هي الجسم قاعداً، والقامة الجسم قائماً فكان الأولى عن جسم ليعمهما لكن قال في شرح الجامع الذات، والجوهر، والعين، والجثة ألفاظ متقاربة المراد بها ما يقابل المعنى.
قوله: (عن المعنى) أي غير الدائم كما مثله فلا يقال: طلوع الشمس يوم الجمعة لعدم الفائدة إسقاطي.
قوله: (إلا إن أفاد) أي وذلك بأحد أمور ثلاثة إما بتخصيص الزمان بوصف أو إضافة مع جره بفي، وكذا بعلمية على الظاهر كنحن في يوم طيب، أو في شهر ربيع، أو في رمضان وإما بتقدير مضاف هو معنى كاليوم خمر وغداً أمر أي اليوم شرب خمر. ولا يحتاج لتقدير في أمر لأن المراد به القتال المترقب. وهو معنى وأم بشبه الذات للمعنى في تجددها وقتاً فوقتاً كالرطب شهري ربيع، والليلة الهلال، والورد أيار بفتح الهمزة وشد المثناة التحتية كما في التصريح اسم شهر رومي غير مصروف للعلمية والعجمة يوافق أوله سادس بشنس القبطي والنوع الأول يجب جره بفي فلا يجوز: نحن يوم طيب، والثالث يجوز كالورد في أيار فيكون فيه مسوغان.
قوله: (غير هؤلاء) هم جمهور البصريين.
قوله: (ويؤول) أي بتقدير مضاف مطلقاً سواء كان المبتدأ يشبه المعنى كما مثله أو لا كنحن في يوم طيب. أو وجودنا واليوم خمر أي شربه، ومذهب الناظم أنَّ الأولين يفيدان بلا تقدير وهو الحق.
قوله: (الليلة الهلال) بنصب الليلة ظرف لمحذوف خبراً عن الهلال وكذا ما بعده.
قوله: (وذهب قوم الخ) أعاد ذلك توطئة للتمثيل بنوع ثان مما يفيد، وللتصريح بعدم شذوذه فكان الأخضر ذكر ذلك مع ما تقدم.
قوله: (نمره) بفتح فكسر كساء مخطط تلبسه الأعراب، والجمع أنمار كما في المصباح.
قوله: (فما خلٌّ لنا) يتعين جعل ما تميمية لأن الكلام في المبتدأ غير المنسوخ، ومنه «ما أحد أغير من الله».
قوله: (ورجل من الكرام) قيل أراد به الإمام النووي لأنه تلميذ المصنف رضي الله تعالى عنهما.
قوله: (يزين) بالفتح كيبيع.
---(1/225)
قوله: (وليقس ما لم يقل) أي من بقية أنوع المسوغات، وأما الكاف في كعند زيد الخ فلإدخال بقية أمثلة الأنواع المذكورة فلا تكرار سم.
قوله: (أن يكون معرفة الخ) أي لأنه محكوم عليه فلا بد من تعيينه أو تخصيصه بمسوغ لأن الحكم على المجهول المطلق لا يفيد لتحير السامع فيه فينفر عن الإصغاء لحكمه المذكور بعده، وإنما لم يشترط ذلك في الفاعل مع أنه محكوم عليه أيضاً لتقدم حكمه، وهو الفعل أبداً فيتقرر مضمونه في الذهن، أولاً ويعلم أنه صفة لما بعده وإن كان غير معين فلا ينفر السامع عن الإصغاء لحصول فائدة مّا، وبهذا التقرير يندفع ما يقال لو خصص الفاعل بحكمه المتقدم لكان قبل الحكم غير مخصص فيلزم الحكم على المجهول، وحاصل الدفع أن تخصيصه ليس بنفس الحكم بل بتقدمه وتقرره. أولاً فيشابه الصفة في تقدم العلم بها دون الخبر لا يقال يلزم من ذلك جواز الابتداء بالنكرة إذا تقدم خبرها مطلقاً كقائم رجل، ولم يقولوا به لإمكان الفرق بأن تقديم الخبر خلاف الأصل فلم يكف مسوغاً بمجرده بخلاف تقديم الفعل فإنه لازم أبداً فتدبر. واختار الرضي جعله كالمبتدأ، ومن لا يشترط تجدد الفائدة لا يشترط مسوغاً أصلاً ثم ما ذكر في المبتدأ المخبر عنه. أما المكتفي. بمرفوعه فشرطه التنكير كما نصوا عليه، ولا يحتاج لمسوغ لأنه محكوم به كالفعل لا عليه، ولذا كان أصل الخبر التنكير، وكان حقه أن لا يتصف بتعريف ولا تنكير كالفعل لكن لما لم يمكن تجرد الاسم عنهما جردناه عما يطرأ، ويحتاج لعلامة وهو التعريف.
---(1/226)
قوله: (وهو ظرف الخ) ألحق في شرح التسهيل بهما الجملة كقصدك غلامه رجل، ويشترط في الثلاث الاختصاص بأن يكون كل من المجرور وما أضيف إليه الظرف والمسند إليه في الجملة صالحاً للابتداء كما مثل فلا يجوز عند رجل مال، ولإنسان ثوب، وولد له ولد رجل لعدم الفائدة قال في المغني: ومن هنا يظهر أنه لا دخل للقديم في التسويغ وإلا لجاز ذلك بل المسوغ هو الاختصاص، واشترط التقديم لدفع توهم الوصفية. ا هـ. وقد يقال لا يلزم من منع ذلك كونه لا دخل له لجواز كونه جزء علة هنا وإن كان علة تامة في الفاعل لاختصاص كل باب بأحكام ولما مر من الفرق فتدبر.
قوله: (استفهام) أي سواء كان بغير الهمزة مع أم كما مثله أم بهما نحو أرجل في الدار؟ أم امرأة؟ خلافاً لابن الحاجب في قصره على الثاني. وإنما كان مسوغاً لأن الإنكاري منه بمعنى النفي فتحصل به فائدة العموم والحقيقي سؤال عن غير معين يطلب تعيينه في الجواب فكأن السؤال عمَّ جميع الأفراد فأشبه العموم الحقيقي في حصول الفائدة أفاده المصرح.
قوله: (أن توصف) أي يوصف مخصص كالمثال لا نحو رجل من الناس هنا لعدم الفائدة والوصف إما لفظي كما مثل، أو تقديري بأن يقدر في نظم الكلام نحو: وطائفة قد أهمتهم أي من غيركم بدليل ما قبله أو معنوي بأن لا يقدر في الكلام بل يستفاد من نفس النكرة بقرينة لفظية كالتصغير في: رجيل جاء لأنه في معنى رجل صغير أو حالية كالتعجب في: ما أحسن زيداً أي شيء عظيم ثم اعتبار الوصف المخصص يقتضي صحة حيوان ناطق هنا دون إنسان هنا، وهو كذلك وإن كان بمعناه لأن الموصوف مظنة الفائدة لما فيه من التفصيل بعد الإجمال، ونقل سم عن شيخه الصفوي أن اعتبار الوصف قاعدة حكمت بها العرب يظهر أثرها في بعض المواضع، فأناطوا الحكم به، وإن لم يظهر أثره في بعض آخر طرداً للباب.
---(1/227)
قوله: (رغبة في الخير) قيل ليس الظرف معمولاً لرغبة بل وصف لها فهو مما قبله، والصواب خلافه لأنه مصدر رغب في الشيء أي أحبه فتتعدى بفي، والمجرور في محل نصب بها قطعاً.
قوله: (مضافة) هو داخل فيما قبله لأن كونها عاملة يشمل عمل الجر كخمس صلوات كتبهن الله، وعمل بريزين، ومثلك لا يبخل، والنصب كأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، ورغبة في الخير خير، وأفضل منك عندنا فإن المجرور في محل نصب بالمصدر والوصف، والرفع كقائم الزيدان عند من جوّزه كذا في الأشموني وغيره، وفي الأخير نظراً لأن المبتدأ المكتفي بمرفوعه شرطه التنكير كما مر فليس مما نحن فيه. فالأولى التمثيل بنحو: ضرب الزيدان حسن بتنوين ضرب كما قاله الدماميني.
قوله: (إلى نيف) في نسخ إلى أكثر من ذلك وهي الصواب لأنه سيذكر النيف بعد ذلك.
قوله: (التقدير رجل عندي) أي لا عندي رجل لأن الجواب يسلك به مسلك السؤال من تقديم وتأخير كما في شرح التسهيل. فلو قيل أعندك رجل أم امرأة؟ كان تقدير الجواب: عندي رجل موافقة له فيكون له فيه مسوغان فتأمل.
قوله: (عامة) أي بنفسها كما مثله، وكأسماء الشرط والاستفهام أو بغيرها كالنكرة في سياق النفي، أو الاستفهام فكل ذلك داخل تحت مسوغ العموم كما في المغني والشرح عدها أربعة، ولو ذكر اسم الاستفهام كالشرط كانت خمسة، وليس داخلاً في هل فتى فيكم؟ لأن هذا المبتدأ في سياق الاستفهام لا أنه هو ثم المراد بالعموم هنا الشمولي كما هو في هذه المذكورات، وأما البدلي فليس مسوّغاً لوجوده في كل نكرة، وجعل في التسهيل قصد الحقيقة الآتي داخلاً في العموم لوجودها في كل فرد، والأظهر عده مسوّغاً مستقلاً كما سيأتي عن المغني. قوله: (التنويع) هوالمعبر عنه بالتفصيل والتقسيم.
---(1/228)
قوله: (زحفاً) إما مصدر لأقبلت من معناه، أو حال من التاء أي زاحفاً. وقوله ليست الذي في المغني نسيت من النسيان بدله قال وإنما نسي ثوبه لشغل قلبه بمحبوبته، وجر الآخر ليخفي أثره، ولهذا زحف على الركبتين والبيت لامرىء القيس ثم ضعف الاستشهاد بأن نسيت، وأجر محتملان للوصفية والخبر محذوف أي فمن أثوابي ثوب نسيت الخ وإن كانا خبرين احتمل تقدير الوصف أي فثوب لي نسيت الخ. ا هـ.
قوله: (دعاء) عبر عنه في المغني بكون النكرة في معنى الفعل، وجعله شاملاً للدعاء لشخص كمثال الشارح وعليه: كـ وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ}
(المطففين:1)
ولما يراد به التعجب كعجب لزيد، والشارح جعل التعجب مستقلاً، وأراد به ما أحسن زيداً. وقد مر أنه داخل في الوصف المعنوي كالتغير الآتي فتدبر.
قوله: (خلفاً عن موصوف) يعبر أيضاً عن هذا بكونها صفة لمحذوف فهما مسوغ واحد لا اثنان وأدرجه الموضح في الوصف لأنه يشمل ما ذكره فيه الصفة، والموصوف نحو: وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ}
(البقرة:223)
أو الموصوف فقط نحو: وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ}
(آل عمران:154)
أو الصفة فقط كحديث «سَوْدَاءٌ وَلُودٌ خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٌ»(3). فسوداء صفة لمحذوف هوالمبتدأ في الحقيقة سوغه الوصف أي امرأة سوداء إلا أنه حذف، وأقيم الوصف مقامه ا هـ وصرح في المغني بأن عده مسوّغاً مستقلاً خلاف الصواب، ويظهر أن منه قول الشاعر:
107 ــــ ثَلاَثٌ كُلُّهُنَّ قَتَلْتُ عَمْداً(2)
أي أشخاص ثلاث، ونحو تميمي عندي أي رجل تميمي.
قوله: (في معنى المحصور) يعلم منه تسويغ المحصور بالأولى، فالمسوغ هو الحصر إلا أنه تارة يكون معنوياً كمثاله، وتارة لفظياً نحو: إنما رجل في الدار، وتنظير المغني فيه إنما هو من حيث تمثيله بإنما في الدار رجل لأن فيه مسوّغاً آخر فتدبر.
---
قوله: (شر أهر الخ) أي شر جعل ذا الناب، وهوالكلب مهراً أي مصوتاً، وهذا مثل لظهور أمارات الشر.(1/229)
قوله: (واو الحال) المدار على وقوعها في بدء الحال، وإن لم تكن بواو كقوله:
108 ــــ تَرَكْتُ ضَأنِي تَوَدُّ الذِّئْب رَاعِيها
وأنَّها لاَ تراني آخرَ الأَبَدِ
الذَّئْبُ يُطْرُقُها في الدَّهْرِ وَاحِدَةً
وَكُلّ يومٍ تَراني مِدْيَةٌ بِيَدِي(3)
فمدية مبتدأ سوغه كونه بدء جملة حالية من ياء تراني، ولم تربط بالواو بل بالياء من يدي.
قوله: (ونجم قد أضاء) فيه الشاهد، ومحياك، وجهك، والشارق الكوكب الطالع من الأفق من شرق يشرق كطلع يطلع وزناً ومعنىً.
قوله: (السابع عشر) والاثنان بعده ترجع إلى مسوغ واحد، وهو العطف بأن يكون أحد المتعاطفين يصلح للابتداء إما لكونه معرفة أو نكرة مسوغة لأن العاطف يشرك في الحكم فالصور أربعة ترك الشارح منها عطف المعرفة على النكرة كرجل وزيد قائمان.
قوله: (مبهمة) أي مقصوداً إبهامها لأن البليغ قد يقصده فلا يرد أن إبهام النكرة هو المانع فكيف يسوغ.
قوله: (مرسعة الخ) قاله امرؤ القيس في أبيات خطاباً لأخته هي:
109 ــــ أَيَا هِندُ لا تَنْكِحِي بوهَةً
عَلَيْه عَقيقَتُه أحسَبَا
مُرَسَّعَةً بَيْنَ أَرْسَاغِهِ
بِهِ عَسَمٌ يبتغي أَرْنَباً
لِيَجْعَلَ فِي رِجِلِهِ كَعْبَها
حذارَ المَنِيَّةِ أنْ يُعطَبَا(2)
---
والبوهة الأحمق، وعقيقته شعره الذي ولد به لكونه لا يتنظف، وإلا حسب الأحمر في سواد، والمرسعة بمهملات على زنة اسم المفعول تميمة تعلق مخافة العطب على الرسغ، وهوطرف الساعد فيما بين الكوع والكرسوع. وفي القاموس: رسغ الصبي كمنعه شد في يده، أو رجله حرز لدفع العين، والعسم بفتح المهملتين يبس في مفصل الرسغ تعوج منه اليد، وإنما طلب الأرنب لزعمهم أن الجنَّ تجتنبها لحيضها فمن علق كعبها لم يصبه جن، ولا سحر بخلاف الثعالب والظباء والقنافذ يقول لها لا تنكحي شخصاً من أولئك الحمقاء، والشاهد في مرسعة حيث قصد إبهامها تحقيراً للموصوف حيث يحتمي بأدنى تميمة، وبين أرساغه خبرها فتدبر.(1/230)
قوله: (لو لا اصطبار) خبره محذوف وجوباً أي موجود، وإنما سوغ بلولا لإفادتها تعليق الجواب على الجملة التي فيها النكرة، وأودى أي هلك، والمقة كعدة من ومقه يمقه كوعده يعده إذا أحبه، واستقلت أي مضت، والظعن بفتح المعجمة فالمهملة السير.
قوله: (إن ذهب عير) بفتح المهملة وسكون التحتية المراد به هنا السيد والرهط قوم الرجل وعشيرته، وهو ما دون العشرة من الرجال خاصة أي إن ذهب من القوم سيد ففيهم غيره. ويروى فعير في الرباط فالمراد به الحمار، وهذا مَثَل للرضا بالحاضر وترك الغائب. وجعل في المغني المسوغ في ذلك الوصف المقدر أي فعير آخر.
---
قوله: (كم عَمَّة الخ) أي على رواية رفع عمة مبتدأ خبره قد حلبت، ولك صفته ففيه مسوغان، وخالة مبتدأ حذف خبره لدلالة الأول عليه، وفدعاء بفاء فمهملتين صفتها وهي التي اعوجت أصابعها من كثرة الحلب. قال في النهاية: الفدع بالتحريك زيغ بين عظم القدم والساق، وكذلك في اليد فهو زوال المفاصل عن أماكنها رجل أفدع وامرأة فدعاء كأحمر وحمراء، وقد حذف نظيره من عمة كما حذف لك من خالة ففيه احتباك، والعشار: جمع عشراء وهي الناقة الحامل وأتى بعلى إشارة إلى أنه كان مكرهاً في حلب مثل هذين عشاره لحقارتهما، وكم على هذا خبرية للتكثير وهي إما ظرف، أو مصدر لحلبت حذف مميزها أي حلبت كم وقت، أو كم حلبة بالجر، أما على رواية جر عمة، وخالة تمييزاً لكم الخبرية، ورواية نصبهما تمييزاً لها استفهامية فلا شاهد فيه لأن كم نفسها مبتدأ لا ما بعدها، وسوّغها إضافتها للتمييز على الأول والعموم على الثاني، وقد حلبت خبرها والاستفهام للتهكم أي أخبرني بعدد عماتك اللاتي حلبن لي فقد نسيته، والظاهر جواز استفهاميتها على الأول أيضا فيقدر تمييزها منصوباً إلا عند الفراء فيجوز جره كما سيأتي فتدبر.(1/231)
قوله: (بعض المتأخرين) هو بهاء الدين بن النحاس، ومن جملة ما ذكره كما في النكت أن يراد بالنكرة واحد مخصوص كقول أبي جهل لقريش حين أسلم عمر: رجل اختار لنفسه أمراً فما يريدون، ولا يظهر دخول هذا في شيء مما ذكره الشارح لكن يمكن جعله خبراً لمحذوف، والباقي مستغنًى عنه، أو باطل فانظره.
قوله: (إلى نيِّف) بشد الياء وقد تخفف من ناف ينوف إذا ارتفع، وهو كل ما زاد على العقد إلى أن يبلغ العقد الثاني، وأما البضع فما بين الثلاثة والعشرة.
قوله: (وما لم أذكره الخ) أرجع بعضهم جميع المسوّغات إلى العموم والخصوص كما قال أبو حيان في منظومته نهاية الإعراب:
وَكُلُّ مَا ذَكَرْتُ فِي التَّقْسِيمِ
يَرْجِعُ لِلتَّخْصيصِ والتَّعْمِيمِ
---(1/232)
وجرى عليه في الشذور وغيره، وقال في المغني لم يعوّل المتقدمون إلا على حصول الفائدة، ورأى المتأخرون أنه ليس كل أحد يهتدي إلى مواطنها فتتبعوها فمن مقلَّ مخلَّ،، ومن مكثر مورد ما لا يصح، أو معدد لأمور متداخلة. والذي يظهر لي انحصارها في عشرة أمور: تقديم الخبر المختص والوصف والعموم والعمل والعطف وكونها في معنى الفعل، وفي أول الحال، وقد علمت شرح ذلك الثامن: أن يراد بها الحقيقة من حيث هي كتمرة خير من جرادة، ومؤمن خير من كافر. وقد مثل الشارح بهذا الخلف الموصوف فيكون فيه مسوغان، التاسع: كون الخبر من خوارق العادات كبقرة تكلمت، وشجرة سجدت. العاشر: كونها بعد إذا الفجائية كخرجت فإذا رجل بالباب، وزاد الأشموني في خمسة: وقوعها بعد لولا أو لام الابتداء، أو كم الخبرية، أو كونها جواباً، أو مبهمة فهذه خمسة عشر ترك منها شارحنا الثامن والتاسع والعاشر، وزاد عليها اثنين: الحصر والتنويع، وباقي ما ذكره متداخل. ومما يستعمله العرب كون النكرة فاعلاً أو نائبه في المعنى نحو كريم يوفي بوعده، وجارية ضربت وزاد بعضهم كونها في معنى الأمر كوصية لأزواجهم}، ويمكن دخوله في معنى الفعل، أو يؤتى بها للمناقضة كرجل قائم لمن زعم أن امرأة قامت فتبلغ المسوغات نحو العشرين، وقد نظمتها فقلت:
مُسَوغَاتٌ ابتدا منكورُهم صِفَةٌ
عطفُ عُمومٍ وَمَعْنَى الِفِعْلِ مَعَ عَمَلِ
حَصْرٌ وخَرْقٌ وَتَنْوِيعٌ حَقِيقَتُهُ
أَوْ بَدْءُ حالٍ جَوَابٌ للسُّؤالِ يَلي
أَوْ بَعْدَ لَوْلاَ وَكَمْ لاَمَ ابتَداَ وَإذا
تَقْدِيمُ إجبارُهُ الإبهامُ فانْتَهِلِ
كَذَا إِرَادَةُ مَخْصُوصٍ مُنَاقِضَةٌ
أَوْ كَوْنُهُ فَاعِلاً مَعْنًى فَلا تَحِلِ
والله أعلم.
---(1/233)
قوله: (والأصل في الأخبار الخ) أي الأرجح والأغلب فيها ذلك بقطع النظر عن جواز وامتناع، ثم فصل ذلك مقدماً للجواز لأن الأصل عدم غيره، وأتبعه بوجوب التأخر بقوله: فامنعه لجريانه على أصل التأخر دون أصل الجواز، وأخر وجوب التقدم بقوله: ونحو عندي درهم إلى آخره لمخالفته الأصلين معاً.
قوله: (وجوّزوا التقديم) أي لم يمنعوه فلا ينافي ما مر من أصالة التأخير أي أرجحيته.
قوله: (إذ لا ضرراً) الأحسن والأنسب بقوله فامنعه حين الخ أن إذ ظرفية كما يشير إليه قول الشارح إذا لم يحصل الخ، لا تعليلية.
قوله: (فاستحق التأخير كالوصف) وإنما امتنع تقديم الوصف دونه لأنه تابع من كل وجه حتى في التعريف والتنكير والإعراب الحاصل والمتجدد، ولا كذلك الخبر، وانحطت رتبته عنه في التبعية وكان له نوع استقلال.
قوله: (فتقول قائم الخ) عدد المثال للخبر المفرد، والجملتين، والظرفين، ومحل تقديم الفعل إذا لم يرفع ضمير المبتدأ كما مثله، وإلا امتنع كما سيأتي.
---(1/234)
قوله: (وفيه بحث) أي في الاعتراض على نقل المنع بتجويزه هذه الصورة بحث قيل وجهه أن نافل الجواز حافظ فيكون حجة على من لم يحفظ، وهو ناقل المنع، وهو كلام ركيك، وقيل وجهه أن تجويز هذه الصورة لا يقدح في نقل المنع عنهم لإمكان تسامحهم في الظرف، وفيه أن هذا هو عين كلام المعترض إذ معناه ينبغي لناقل المنع أن لا يطلقه بل يقيده بغير الظرف، وهو المفرد والجملتان، ولعل الأحسن أن يقال تجويزهم هذه الصورة يحتمل بناؤه على جعل زيد فاعلاً بالظرف، وإن لم يعتمد لجوازه عندهم لا على تقديم الخبر فيصح إطلاق المنع عنهم، والحاصل أن قوله: وفيه بحث ظاهر في تأييد إطلاق المنع لكن قوله نعم الخ ربما يؤيد جواز تقديم الظرف فتدبر فإن فيه دقة إلا أن يحمل قوله: وفيه بحث على أنه محض تكرار لقوله المار وفيه نظر فيكون هو الاعتراض على إطلاق المنع بعينه. فقوله نعم إلخ استدراك على ما يوهمه إجازتهم تقديم الخبر الظرف من جواز تقديم غيره أيضاً، ولعل هذا هو الموافق فليحرر.
قوله: (مشنوء) بهمز آخره كمبغوض وزناً ومعنًى، وللكوفيين أن يقولوا: ما بعده نائب فاعل له لجوازه بلا اعتماد عندهم.
قوله: (قد ثكلَتْ) من باب تعب أي عدمت ولدها وأوجده بالجيم خبر أنت أو كنت كما في نسخ، وهو من وجد بمعنى لقي فيتعدى لواحد فقط، والجملة صلة من الواقع مبتدأ، ومنتشباً بالشين المعجمة أي متعلقاً، والبرثن بموحدة ثم مثلثة مضمومتين من السباع كالأصبع للإنسان.
قوله: (إلى ملك) هو للفرزدق يمدح الوليد بن عبد الملك. ومحارب وكليب قبيلتان.
قوله: (فأبوه مبتدأ مؤخر الخ) أي والجملة صفة ملك أي ملك موصوف بأن أباه ليست أمه من محارب فضمير أمه للأب لتقدمه رتبة، وهو رابط الخبر وضمير أبوه لملك، وهو رابط الصفة هذا هو الصواب.
قوله: (نقل الخلاف) أي خلاف الكوفيين للبصريين لا أن بين الكوفيين خلافاً.
---(1/235)
قوله: (عرفاً ونكراً) اسما مصدرين لعرف ونكر بالتشديد، ونصبهما بنزع الخافض أي في العرف، والنكر لتوسع المؤلفين فيه أوضح من نصبهما على التمييز المحول عن فاعل يستوي.
قوله: (عادمي) حال من الجزءان، وبيان بمعنى المبين، وهو القرينة المبينة للمسند من المسند إليه.
قوله: (إذا ما الفعل الخ) فيه حذف لدليل ولغيره، وقلب فالأول حذف شرط إذا المفسر بكان وجوابها المدلول عليه بكذا، والثاني حذف نعت الفعل، وأما الثالث فلأن المحدث عنه الخبر، والأصل كذا إذا كان الخبر فعلاً مسنداً لضمير المبتدأ المستتر فامنع تقديمه بخلاف غير المستتر. كما سيبينه الشارح، ولك جعل إذا لمجرد الظرف متعلقة بالمنع المفهوم من كذا فلا تحتاج لجواب.
قوله: (منحصراً) بالفتح أي منحصراً فيه على الحذف والإيصال، وإن قيل: إنه سماعي فقد يمنع، ويروى بالكسر على تقدير مضاف أي منحصراً مبتدؤه فيه فإن المنحصر هنا هو المبتدأ لا الخبر.
قوله: (أو لازم المصدر) بالجر عطفاً على ذي أي، أو مسند اللازم الخ.
قوله: (وأفضل من زيد الخ) مثال للنكرة المسوغة بعمل النصب في المجرور، أو بكونها صفة لمحذوف، ولا يشترط اتحاد المسوّغ.
قوله: (لكان المتقدم مبتدأ) أي لأنه يجب الحكم بابتدائية المتقدم من المعرفتين، أو النكرتين، وإن تفاوتا تعريفا كما هو المشهور، وقيل: يجوز تقدير كل منهما مبتدأ وخبراً مطلقاً. وقيل المشتق خبر وإن تقدم، والتحقيق أن المبتدأ هو الأعرف عند علم المخاطب بهما، أو جهله لهما، أو لغير الأعراف فقط فإن علم هذا فقط فهو المبتدأ وإن تساويا، وعلم أحدهما فهو المبتدأ، أو علمهما وجهل النسبة فالمقدم المبتدأ. انظر المغني وحواشيه.
---(1/236)
قوله: (فإن وجد دليل) أي لفظي نحو حاضر رجل صالح التسويغ، الثاني بالوصف دون الأول، أو معنوي كمثال الشارح فإن القرينة الحالية وهي كون أبي يوسف تابعاً لأبي حنيفة تدل على أن المراد تشبيه الأول بالثاني لا العكس. اللهم إلا أن يكون المقام للمبالغة في مدح أبي يوسف.
قوله: (وبناتنا) مبتدأ خبره جملة بنوهن الخ أي أولاد بناتنا ليس نفعهم لنا بل لآبائهم الأجانب منا لعدم نسبتهم إلينا بخلاف أولاد بنينا فإنهم ينسبون إلينا.
قوله: (فلا يقال قام زيد) أي لئلا يتوهم أن زيد فاعل لا مبتدأ فيفوت الدوام الحاصل بالاسمية، وكذا تقوي الحكم بتكرار إسناد الجملة إلى الظاهر بعد إسناد الفعل لضميره لكن نقل الدماميني عن السيد أن الاسمية التي خبرها فعل تفيد التجدد لا الدوام، وعليه فلا يفوت إلا تقوّي الحكم، والأصل مراعاة ما يدفع اللبس كرفع الفاعل ونصب المفعول، وإبراز الضمير إذا جرى الوصف على غير ما هو له، ويؤخذ من هذ التعليل أن معمول الخبر الفعلي يقدم على المبتدأ وهو الأصح كعمراً زيد ضرب إذ لا إيهام فيه فلا يلزم من منع تقديم العامل منع تقديم المعمول أفاده الصبان.
قوله: (قاما الزيدان) أي والالتباس في النطق بحذف الألف يدفعه الوقف والخط، وتقديم الخبر أكثر من لغة أكلوني البراغيث فلا يحمل عليها، واحتمال كون الظاهر بدلاً خلاف الظاهر، ولذا قالوا في قوله تعالى: ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثيْرٌ}
(المائدة:71)
وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}
(الأنبياء:3)
إن كثير، والذين مبتدآن مؤخران لا بدلان.
قوله: (فقول المصنف الخ) يمكن الجواب عنه بأن أل في الفعل للعهد العلمي بين النحاة العارفين، وأما المبتدىء فلا بد له من موقف.
قوله: (محصوراً) أي فيه كما علم مما مر.
---(1/237)
قوله: (فلا يجوز تقديم قائم) أي لئلا ينعكس المعنى فيفيد حصر صفة القيام في زيد الموصوف، وانتفاءه عن غيره مع أن المراد حصره في صفة القيام أي ليس له صفة غيره، وأما كون غيره قائماً أو لا فشيء آخر فإن قلت: ينتفي اللبس في إلا بتقديمها مع الخبر كما في البيت فلم حكم بشذوذه قلت حملوا إلا على إنما طرداً للباب.
قوله: (فيا ربّ الخ) الشاهد في عجزه كما أشار له الشارح، وكذا في صدره إن جعل الخبر بك، ويرتجى حال لا إن جعل الخبر يرتجي وبك متعلقاً به لأن المقدم حينئذ معمول الخبر لا الخبر نفسه، والاستفهام إنكاري بمعنى النفي.
قوله: (فقدم الخبر) أي وهو عليك، ولا يجوز كون المعوّل فاعلاً بالظرف كما لا يجوز هل إلا قام زيد إذ الظرف العامل كالفعل، ولأن إلا تمنع اعتماده على الاستفهام.
قوله: (شذوذاً) أوّله بعضهم بأن اللام ليست للابتداء بل زائدة، أو أنها داخلة على مبتدأ محذوف أي لهو أنت فهي مصدرة في جملتها، أو أن أصله لخالي أنت زحلقت اللام للضرورة.
قوله: (ومن جرير الخ) قيل من شرطية لجزم ينل جواباً لها، وكسر للساكنين، وفعل الشرط كأن الشأنية محذوفة وجملة جرير إلخ خبرها ويرده أن حذف فعل الشرط بعد غير أن شاذ فالأحسن جعلها موصولة، وينل خبرها، وجزم لإجرائها مجرى الشرطية، والعلاء بالفتح والمد كما هنا العلو وبالضم، والقصر جمع علياً كذلك، ويكرم عطف على ينل، أو مرفوع استئنافاً أي وهو يكرم، والأخوالا مفعوله إن بني للفاعل ومنصوب بنزع الخافض إن بني للمفعول أي للأخوال.
---(1/238)
قوله: (له صدر الكلام) أي أما بنفسه كاسم الشرط والاستفهام، وما التعجبية، وكم الخبرية، أو بغيره كالمضاف لما ذكر كغلام مَن عندك، وغلام مَن يقم أضربه، ومال كم رجل عندك؟ فإنه يكتسب منها الشرط ونحوه، ويكون الشرط والجواب حينئذٍ للمضاف لا لمن لأنها خلعته عليه كما قاله الناصر الطبلاوي: ومقتضى ذلك أن الجازم حينئذ المضاف لا من لكن استظهر الروداني عكسه، ومن لازم الصدر ضمير الشأن ونحوه من كل ما أخبر عنه بجملة هي عينه في المعنى كنطقي الله حسبي كما في التسهيل، وكذا كل ما يغير معنى الكلام كالعرض والتمني والنفي والنهي، وغير ذلك كما في الرضي إذ لو أخر ذلك لتحير السامع هل هو راجع لما قبله، أو لما سيرد، ويتشوش ذهنه بتغير المعنى بعد استقراره فيه فقدم لينبني عليه الكلام من أول الأمر.
تنبيه: ذكر المصنف مما يجب فيه تأخير الخبر خمس مسائل، ومثلها الخبر المقرون بالفاء كالذي يأتيني فله درهم لشبهه بجواب الشرط، وبالباء الزائدة كما زيد بقائم، والطلبي كزيد اضربه، والمخبر به عن مذ ومنذ. نحو: ما رأيته مذ أو منذ يومان. إذ جعلا مبتدأين لتعريفهما معنًى إذ المعنى: أمد انقطاع الرؤية يومان فقول يس لنا نكرة لا تحتاج لمسوَّغ وهي مذ ومنذ مراده أنهما نكرة لفظاً.
---(1/239)
فائدة: لا يقترن الخبر بالفاء إلا إذا كان المبتدأ يشبهه الشرط في العموم، والاستقبال، وترتب ما بعده عليه، وذلك لكونه موصلاً بفعل صالح للشرطية بأن يخلو من علم الاستقبال كالسين، وأداة الشرط ومن قد وما النافية أو بظرف أو مجرور. كالذي يأتيني أو هنا، أو في الدار فله درهم، أو نكرة موصوفة بذلك كرجل يأتيني، أو هنا أو في الدار فله درهم، أو مضافاً إلى الموصول، والموصوف المذكورين بشرط كونه لفظ كل في الثاني كما قاله السيد البليدي كغلام الذي يأتيني، أو كل رجل يأتيني إلخ، أو موصوفاً بالموصول المذكور كالرجل الذي يأتيني إلخ وكذا المضاف لذلك فيما يظهر كغلام الرجل الذي يأتيني الخ فتلك ثماني عشرة صورة يكثر اقتران خبرها بالفاء لتنص على مراد المتكلم من ترتب الدرهم على الإتيان مثلاً فلو عدم العموم كالسعي الذي تسعاه في الخير ستلقاه، أو الاستقبال كالذي زارني أمس له كذا، أو اقترن الفعل بشيء مما مر كالذي سيأتيني أو إن يأتني أكرمه، أو قد أتاني، وما أتاني له كذا امتنعت الفاء لفوات الشبه بالشرط، وكذا لو كانت الصفة، أو الصفة غير ما ذكر كالذي أبوه محسن مكرم، والقائم زيد، ولا يجوز فمكرم ولا فزيد خلافاً للمصنف في الثاني، وأما آية السرقة والزنى فخبرهما محذوف أي مما يتلى عليكم حكم السارق والزاني الخ، وقوله فاقطعوا وفاجلدوا بيان للحكم، وتدخل الفاء بقلة في خبر كل إذا أضيف لغير ما مر بأن أضيف لغيره موصوف أصلاً ككل نعمة فمن الله أو لموصوف بغير ما ذكر كقوله:
110 ـــــ كُلُّ أَمْرٍ مُبَاعِدٌ أَوْ مُدانِ
فَمَنُوطٌ بِحِكْمَةِ المُتعَالِ
ومنه حديث
---(1/240)
«كل امر ذي بال» الخ بناءً على أن العبرة بالصفة الأولى فإن اعتبرت الثانية وهي لا يبدأ كان من الكثير لصلوحه للشرط كما في الصبان، والظاهر أن مثل ذلك إضافتها لموصول بغير ما مر ككل الذي أبوه قائم فله درهم، فجملة ما تدخل الفاء في خبره أحد وعشرون صورة ما لم يدخلها ناسخ فيمنع الفاء بإجماع المحققين إلا أن وأن ولكن على الصحيح كآية: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله}
(فصلت:30)
(والأحقاف:13)
إلخ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ}
(الأنفال:41)
الخ، وذلك كثير والله أعلم.
قوله: (ونحو عندي الخ) أعاد ذلك بعد قوله كعند زيد نمرة لأن ذلك لبيان التسويغ، ولا يفيد وجوب التقديم لاحتمال كون المسوغ اختصاص الخبر فقط بخلاف هذا فلا تكرار.
قوله: (كذا إذا عاد الخ) أي يلتزم التقدم التزاماً كذا أي كالتزامه فيما مر إذا عاد عليه الخبر مضمر مما، أي مبتدأ يخبر به أي بالخبر عنه. أي المبتدأ حال كونه أي الخبر مبنياً لذلك الضمير العائد إليه. قال ابن غازي: وهذا البيت مع تعقيده وتشتيت ضمائره كان يغني عنه. وعما بعده أن يقول:
كَذَا إِذَا عَادَ عَلَيْه مُضْمَرُ
مِنْ مبتدأ ومَا لَه التَّصَدُّرُ
ا هـ.
قوله: (التصديرا) أي في جملته فلا يرد: زيد أين مسكنه.
قوله: (وخبر المحصور) الأولى، والخبر المحصور لأنه هو المحصور في المبتدأ هنا لا العكس. إلا أن يجعل من إضافة الموصوف للصفة، أو فيه حذف، وإيصال كما مر أي خبر المبتدأ المحصور فيه.
قوله: (والخبر ظرف الخ) أي أو جملة كقصدك غلامه رجل، وإنما وجب ذلك لئلا يتوهم كون المؤخر نعتاً لأن حاجة النكرة المحضة إلى التخصيص ليفيد الإخبار عنها أقوى من الخبر. وكذا كل ما أوقع في لبس كعندي إنك فاضل إذ لو أخر الخبر وهو عندي لالتبست أن المؤكدة بالتي بمعنى لعل وأما قوله:
111 ــــ عِنْدِي اصْطِبارٌ وأمَّا أنَّنِي جَزعٌ
يَوْمَ النَّوى فَلِوَجْدٍ كَادَ يبْريني
---(1/241)
فإنما أخر الخبر، وهو لوجد لعدم اللبس إذ المكسورة، والتي بمعنى لعلَّ لا يقعان بعد أما.
قوله: (فأجمعت النحاة) قال الإسقاطي: بل أجازه الجزولي والواحدي بل الكوفيون قاطبة.
قوله: (أن يقدر مضاف) أي بقرينة أن كل مثال وجد من هذا النوع فإنما يعود ضميره على شيء في الخبر لا عليه نفسه فلا بد من ذلك التقدير.
قوله: (على التمرة الخ) خبر مقدم عن مثلها، وزيداً تمييز لمثل، أو حال منه، ويجوز رفعه بياناً أو بدلاً من مثل، أو هو المبتدأ، ومثلها حال منه وإن كان نكرة لتقدمها عليه، وحينئذ فهو من المسألة الأولى لا من هذه، وعلى كل فمثل إما معرب رفعاً أو نصباً أو مبني على الفتح لإضافته للمبني كما قرىء بهما: مثل مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}(2)
(الذاريات:23)
وبحث الدماميني في الشاهد بأن الخبر المتعلق العام المحذوف، وهو يصح تقديره مؤخراً على الأصل كما يذكر الخاص مؤخراً نحو: على الله عبده متوكل ويمكن الجواب بأنه مبني على كون الظرف نفسه هو الخبر.
قوله: (أهابك) بكسر الكاف.
فائدة: سئل بعضهم عما قرىء شاذاً في قوله تعالى: إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ}
(فاطر:28)
برفع الجلالة ونصب العلماء ما معنى ذلك؟ فأجاب بهذا البيت أهابك الخ أي إن الخوف مستعمل في لازمه وهو الإجلال.
قوله: (ضرب غلامه زيداً) مثله كلما عاد فيه ضمير من الفاعل على مفعول بعده.
قوله: (وهو ظاهر) أي الإشكال المعلوم من قوله: فما الفرق بدليل أمره بالتأمل أو الفرق نفسه ظاهر لمن تأمله بدليل ذكره بعد، ومما فرق به أن المفعول مشعور به من الفعل، والفاعل فكان كالمتقدم بخلاف هذا فإن المبتدأ، وإن أشعر بالخبر لا يشعر بملابسه الذي هو المرجع أصلاً.
قوله: (ما يعلم) أي تفصيلاً لا إجمالاً بأن يعلم أن هناك حذفاً ما بلا تعيين له فلا يكفي إسقاطي.
قوله: (جائز) أي غير ممتنع فيصدق بالوجوب.
---(1/242)
قوله: (كما تقول) لم يقل تقولان ليطابق عندكما لاحتمال أن يجيب أحد المسؤولين فقط، ويصح: نقول بالنون إن لم تعلم الرواية.
قوله: (قل دنف) أي مريض من العشق أو غيره مرضاً ملازماً كما في القاموس، وهذا الجواب مبني على قول السيرافي والأخفش أنه يستفهم بكيف عن الأحوال والصفات. وليست ظرفاً، وضابط إعرابها حينئذ أنها إن لم يستغن عنها ما بعدها فمحلها بحسبه رفعاً في: كيف أنت بالخبرية، ونصباً في: كيف كنت كذلك، وكذا في: كيف ظننت زيداً على أنها مفعول ثان، وإن استغنى عنها فمحلها النصب أبداً. أما على الحال ككيف جاءء زيد؟ أو على المفعول المطلق نحو: كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ}
(الفجر:6)
أي أيّ فعل فعل، ومثله: فَكَيْفَ إِذا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهيدٍ}
(النساء:41)
---(1/243)
أي أيّ صنع يصنعون إذا جئنا إلخ فحذف عاملها، ولا يصح كونها حالاً من فاعل جئنا لامتناع وصفه تعالى بالكيفية، ولأن السؤال ليس عن كيفية المجيء بل عن حالهم وقته تعجيباً منها لفظاعتها هذا هو المشهور. وأما قول سيبويه إنها ظرف فأوّله المصنف بأنه ليس معناه أنها في محل نصب دائماً على الظرفية المجازية كما توهم، بل أنها في تأويل ما يسمى ظرفاً، وهو الجار والمجرور لأنها تفسير بقولك على أي حال لكونها سؤالاً عن الأحوال. ا هـ واستحسنه في المغني وأيده، وحينئذ فتكون في محل رفع عند سيبويه أيضاً، ويكون تفسيرها المطابق للفظها في: كيف أنت؟ أصحيح أنت؟ وفي: كيف جاء زيد أراكباً جاء زيد؟ مثلاً، وحق الجواب صحيح أو سقيم وراكباً أو ماشياً، ويكون تفسيرها بقولهم على أي حال أو في أي حال، وجوابها بنحو على خير ليس بالنظر للفظها على قول سيبويه كما توهم لما علمت بقولهم من رجوعه إلى الأول. بل هو تفسير لمعناها قولاً واحداً إذ هي سؤال عن الأحوال العامة، ولذا قال الزمخشري: إنها سؤال تفويض كأنك فوضت للمخاطب أن يجيب بما أراد بخلاف الهمزة فسؤال حصر أي عن وصف بخصوصه فينحضر الجواب فيه. هذا وقد تسلب الاستفهام، وتخلص لمعنى الحال والكيفية. كقول بعضهم: انظر إلى كيف يصنع زيد أي إلى حال صنعه، وكيفيته. ولولا ذلك لم يعمل فيها ما قبلها قاله الدماميني.
قوله: (من المبتدأ والخبر) خرج الفاعل ونائبه ولو لمبتدإ اكتفى بهما فلا يحذفان، ولا ذلك المبتدأ كما نقله يس عن الشاطبي وإذا احتمل كون المحذوف مبتدأ أو خبراً فالأولى المبتدأ وقيل الخبر.
قوله: (زيد عندنا) أي بتقديم المبتدإ ليطابق السؤال كما مر.
قوله: (في رأي) هو أن إذا الفجائية حرف إما على كونها ظرف زمان، أو مكان فهي الخبر، ولا حذف أي ففي الوقت أو الحضرة الأسد.
---(1/244)
قوله: (نحن بما عندنا الخ) من المنسرح ونصفه نون عندك، وفيه شذوذ لأنه حذف من الأول لدلالة الثاني، والقياس العكس، ولا يصح جعل راض خبر نحن على أنه ضمير المعظم نفسه لا الجماعة، والمحذوف خبر أنت كما قاله ابن كيسان إذ لم يسمع نحن قائم بل تجب المطابقة لفظاً نحو: وَإنَّا لَنَحْنُ نُحيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الوَارِثُونَ}
(الحجر:23)
.
قوله: (لوقوعهما الخ) قيل هذا تعليل غير صحيح لحذفهما بعد نعم، ولم يحلا محل المفرد، وفيه أن الشارح لم يقل: لا يحذفان إلا لذلك حتى يرد عليه ما بعد نعم. بل يعلل لحذفهما حذفهما في خصوص الآية وهما كذلك فيها على أن هذا التعليل يمكن بناؤه على أن الجملة مفهومة من نعم لا محذوفة، ومقدرة بعدها لكن الشارح سيصرح بخلافه فتأمل.
قوله: (هو كذلك) أي الخبر المحذوف لفظ كذلك قوله: (وقوله الخ) الأولى التعبير بأولان هذا احتمال ثالث في الآية لا من تتمة ما قبله، وحاصله أن اللائي يئسن مبتدأ، والثاني عطف عليه، وقوله فعدتهن خبر عنهما، ولا حذف أصلاً كما في المغني أي وليس هذا من باب زيد قائمان وعمرو حتى يمتنع للقبح اللفظي بل من باب زيد في الدار، وعمرو، وهو جائز لعدم القبح. نعم فيه تقدير الخبر المقرون بالفاء على المبتدأ المعطوف، وهو واجب التأخير كما مر إلا أن يقال يغتفر في التابع أفاده الصبان، وفي كون فعدتهن خبراً نظر لأنه جواب الشرط، والشرط وجوابه خبر فتأمل ومعنى إن ارتبتم: شككتم في عدتهن ما هي.
قوله: (وبعد لولا) يصح تعلقه بحذف مع ملاحظة قيده وهو حتم، أو يحتم نفسه، ولا يرد تقديم معمول المصدر لتوسعهم في الظرف كما مر. وكذا يقال في وبعد واو وقبل حال لأنهما معطوفان عليه، والمراد هنا لولا الامتناعية لأن التحضيضية لا يليها إلا الفعل كما سيأتي نحو: لوْلاَ أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً}
(طه:134)
.t
قوله: (غالباً) هو نصب بنزع الخافض أي في الغالب.
---(1/245)
قوله: (وفي نص يمين) من إضافة الصفة للموصوف، وهو متعلق باستقر الواقع خبراً عن ذا، وأظهره مع أنه كون عام للضرورة كما مر. ولا يصح أنه أراد بالاستقرار الثبات، وعدم التزلزل فيكون خاصاً كما قيل به في قوله تعالى: فَلَمَّا رآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}
(النمل:40)
لأن عدم التحرك لا يعقل في المعاني فتدبر.
قوله: (كمثل الخ) الكاف زائدة، وما مصدرية لتكون الواو نصاً في المعية أي كل صانع وصنعته إذ هي التي تلازم الصانع لا ما صنعه.
قوله: (لا يكون الخ) الجملة صفة لحال أي لا يحذف الخبر قبل الحال إلا إذا لم تصلح تلك الحال للخبرية عن ذلك المبتدأ وإن صلحت لغيره.
قوله: (منوطاً) من ناط الشيء بالشيء ينوطه إذا ربطه وعلقه به.
قوله: (واحترز بغالباً الخ) دفع لتوهم منافاة الغلبة للتحتم، وحاصله أن المراد بالغالب الكلام الفصيح فيتحتم فيه الحذف مطلقاً عاماً كان الخبر أو خاصاً، وأما ذكره فشاذ، ولا يحتاج لتأويل على هذه الطريقة.
قوله: (معد) هو ابن عدنان أبو العرب، وأنث فعله لإرادة القبيلة، والمقاليد المفاتيح جمع إقليد بكسر الهمزة على غير قياس. ولعل قياسه أقاليد، وقيل لا واحد له من لفظه كما في العيني وهو مفعول ألقت بزيادة الباء، وكني بذلك عن الطاعة والامتثال أي لولا ظلم أبيك يزيد بن هبيرة وجدك عمر قبله لأطاعتك جميع العرب.
قوله: (هي طريقة الخ) ، وإنما حمل المتن عليها لأنها المتبادرة من التعبير بغالباً. ولكن الأولى حمله على الثالثة كما صنعه جميع الشراح ليوافق كلامه في غير هذا الكتاب فيكون مراده بالغالب أكثر أحوالها. وهو كون الخبر عاماً فيتحتم الحذف فيه، أماكونه خاصاً فقليل ولا يتحتم فيه الحذف فالغلبة منصبة على بعض الأحوال لا على الكلام الفصيح، والتحتم على الحذف في تلك الحال فتدبر.
---(1/246)
قوله: (أن الحذف واجب) أي في كل تركيب لأن الخبر لا يكون إلا كوناً مطلقاً فإن أريد الكون المقيد جعل هو المبتدأ مضافاً إلى ما كان مبتدأ قبل نحو لولا مسالمة زيد ما سلم. ولا يجوز لولا زيد سالمنا ما سلم لا في شذوذ ولا غيره بل هو تركيب فاسد فإن ورد ما يوهمه أول بما سيأتي، ولا يحمل على أنه شاذ كما في الأولى فحصل الفرق بين الطريقتين خلافاً للمحشي.
قوله: (مؤوّل) أي كما أول قوله صلى الله عليه وسلّم لعائشة: «لَوْلاَ قَوْمُكِ حَديثُو عَهْدٍ بِكُفْرٍ لَبَنَيْتُ الكَعْبَةَ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ»(2) بأنه مروي بالمعنى، والمشهور في الروايات: لولا حدثان عهد قومك، لولا حداثة عهد قومك، لو لا أن قومك حديثو عهد إلخ. ولحنوا المعري في بيته الآتي ورد عليهم بأن ذلك يرفع الوثوق بالأحاديث ويسد باب الاحتجاج بها مع أن الأصل عدم التبديل لتحرّيهم في نقلها بأعيانها، وتشديدهم في ضبطها، ومن جوز الرواية بالمعنى معترف بأنه خلاف الأولى، وغلبة الظن كافية في الأحكام الشرعية فضلاً عن النحوية على أن الأحاديث دونت في الصدر الأول قبل فساد اللغة فغايته إبدال لفظ يحتج به بآخر كذلك، وبعد تدوينها لا يجوز تبديلها بلا خلاف كما قاله ابن الصلاح فبقي الحديث حجة في بابه، وكيف يلحنون المعري مع ورود مثله في الشعر الموثوق به كبيت الشارح؟ وقوله:
لَوْلا زُهَيْرُ جَفَانِي كُنْتُ معْتَذِراً
وَلَوْلاَ الشِّعرُ بِالعُلَمَاءِ يُزْري
وكان يغنيهم عن تلحينه جعل يمسكه بدل اشتمال من الغمد على أن الأصل أن يمسكه فحذفت أن وارتفع الفعل، والخبر محذوف أي موجود، ويمكن هذا التأويل في هذين البيتين، وكذا الحديث، ولا يجوز جعل يمسكه حالاً من الخبر المحذوف لامتناع ذكر الحال أيضاً عند هؤلاء لكونه خبراً في المعنى كما نقله في المغني عن الأخفش، وبهذا يبطل جعل قبله في بيت الشارح حالاً فتدبر.
---(1/247)
قوله: (وجب حذفه) أما الحذف فللعلم به، وأما وجوبه فلأن جوابها عوض عنه فلا يجمع بينهما.
قوله: (دليل) أي من نفس الكلام كبيت المعري ونحو لولا أنصار زيد حموه ما سلم لأن شأن الغمد الإمساك، والناصر الحماية، أو خارج عنه كالمثال الأول.
قوله: (يذيب الخ) يصف سيفاً معلوماً بأن السيوف القاطعة تذوب في أغمادها لرعبها وفزعها منه فلولا أن أغمادها تمسكها لسالت على الأرض فضمير يمسكه لكل عضب، والمنفي بمقتضى لولا سيلانها على الأرض، والمثبت بقوله يذيب سيلانها في نفسها فلا تنافي.
قوله: (وقد اختارالمصنف) وكذا الرماني وابن الشجري والشلوبين وهو الحق، وشواهدها كفلق الصبح ا هـ سندوبي وقد علمت حمل المتن عليها خلافاً للشارح.
قوله: (لَعَمْرُك) أي لحياتك من عمر يعمر كعلم يعلم عاش زماناً طويلاً، والمصدر عمراً بالفتح، والضم على غير قياس لأن قياسه كالفرح، والتزموا المفتوح في القسم خاصة تخفيفاً لكثرته، وقيل أصله تعميراً فحذفت زوائده.
قوله: (يمين الله) في نسخ أيمن بفتح الهمزة وضم الميم من اليمين، وهو البركة وكلٌّ صحيح.
قوله: (وهو لا يتعين الخ) رد لذلك القيل، وأجاب سم بأنهم لم يدعوا التعين، والمثال يكفيه الاحتمال.
قوله: (لجواز كونه مبتدأ) قال سم ولعل الحذف حينئذ غير واجب إذ لم يسد جواب القسم مسده أي لعدم حلوله محله لكن قال الروداني لا يتوقف وجوب حذف المبتدأ على سد شيء مسده بخلاف الخبر لأنه محط الفائدة.
قوله: (على المبتدأ) أي المذكور ولا حاجة لتقدير مبتدأ محذوف أي لقسمي عمرك لأنه خلاف الظاهر.
قوله: (عهد الله) إنما لم يكن نصاً في القسم لاستعماله في غيره كثيراً كعهد الله يجب الوفاء به: وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ}
(النحل:91)
---(1/248)
ولا يفهم منه القسم إلا بذكر المقسم عليه بخلاف عمرك فإنه غلب استعماله فيه حتى لا يفهم منه غيره إلا بقرينة فمرادهم بالنص وغيره غلبة الاستعمال، وعدمها لا الصريح والكناية فلا ينافي تسوية الفقهاء بين العمر والعهد في أنهما كناية يمين لأن مرادهم اليمين الشرعي الموجب للإثم وهو لا يكون إلا بأسماء الله وصفاته لا اللغوي الأعم ولا يعتد بهما شرعاً إلا إذا نوى بالعمر بقاء الله أو حياته، وبالعهد استحقاقه لما أوجبه علينا من العبادات بخلاف ما إذا أطلق، أو نوى بهما نفس العبادة لأنهما يطلقان عليها كما نقل عن سم فتدبر.
قوله: (نص في المعية) أي مع كونها للعطف، والمراد أنها ظاهرة فيها لأن الواو فيما ذكره تحتمل مجرد العطف أيضاً كأن يقال كل رجل وضيعته مخلوقان لكنها ظاهرة في المعية بسبب أن الصنعة تلازم الصانع فالمعية ليست من مجرد الواو بل مع المعطوف.
قوله: (وضيعته) بفتح المعجمة وسكون التحتية أي حرفته سميت به لأن تركها يضيعها وصاحبها، وتطلق على الثوب والعقار أيضاً. وههنا إشكال مشهور وهو أنه لا يصح عود الضمير إلى كل لإفادته أن كل رجل يقارن ضيعة كل رجل ولا إلى رجل لإفادته أن كل رجل يقارن ضيعة رجل واحد، وهما فاسدن، والجواب أن كل لما كانت في قوة أفراد متعددة كان الضمير العائد عليها، أو على مدخولها كذلك فيكون من مقابلة الجمع بالجمع المقتضية للقسمة آحاداً كركب القوم دوابهم فكأنه قيل: زيد وضيعته وعمرو كذلك الخ.
قوله: (بعد واو المعية) أي بعد معطوفها لكونه خبراً عن المتعاطفين. واعترض بأنه لا شيء بعد الواو، ويسد مسد الخبر حتى يجب حذفه، وأجاب سم بأن المعطوف يسد مسده من حيث كونه خبراً عن الأول لحلوله حينئذ في محله وأن لم يسد مسده من حيث كونه خبراً عنه هو.
قوله: (وقيل لا يحتاج الخ) رد بأن الواو وإن كانت بمعنى مع لكن لا تصلح للإخبار بها لكونها ليست ظرفاً بخلاف مع.
---(1/249)
قوله: (فإن لم تكن الخ) أي بأن لم تكن للمعية أصلاً بل لمجرد، التشريك في الحكم كزيد وعمرو متباعدان أولها لا نصاً كمثال الشارح.
قوله: (لم يحذف الخبر وجوباً) أي بل جوازاً إن علم بدليل وإلا امتنع فلو قلت: زيد وعمرو، وأردت مقترنان جاز حذفه لأن الاقتصار على المتعاطفين يفيد معنى الاصطحاب، وجاز ذكره لأن الواو ليست نصاً فيه بخلاف قائمان مثلاً لعدم دليله قال الفرزدق:
112 ـــــ تَمنَّوا ليَ المَوْتَ الَّذِي يَشْعَبُ الفَتَى
وَكُلُّ امْرىء وَالمَوْتُ يَلْتَقِيَانِ
ويشعب كيعلم أي يفرق فذكر الخبر. وهو يلتقيان لأن الواو لم تنص على المعية، ولو حذفه لفهم أفاده المصرح. وفيه أن يلتقيان لا يفيد الاقتران والمصاحبة التي في كل رجل وضيعته. بل أن اللقى يحصل ولو بعد حين. كما هو الموافق للواقع فالواو ليست للمعية أصلاً فلو أريد كل امرىء وقبول الموت ملتقيان بالفعل كان ذكر الخبر شاذاً للنص على المعية فتأمل.
قوله: (مصدراً) أي صريحاً عند جمهور البصريين، وقيل ولو مؤولاً كأن ضربت العبد مسيئاً، ولا بد من عمله في اسم يرجع إليه الضمير المحذوف مع الفعل، وذلك الاسم هو غير صاحب الحال المذكور وذلك الضمير المحذوف هو صاحبها كما سيبينه الشارح.
قوله: (وبعده حال) أي مفردة كمثال أو ظرف كضربي العبد مع عصيانه، أو جملة كحديث: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد» وقوله:
113 ــــ خَيْرُ اقْتِرابي مِنَ المَوْلى حَلِيفُ رِضا
وشَرُّ بُعدي عَنْهُ وَهُوَ غَضَبانُ
ولو مضارعية عند سيبويه خلافاً للفراء كضربي العبد يسيء ومنه قوله:
114 ــــ ورأيُ عَيْنَيَّ الفتى أباك
يعطي الجزيلَ فعليكَ ذَاكَ
---(1/250)
قوله: (حال من الضمير الخ) إنما لم يجعل حالاً من معمول المصدر. وهو العبد نفسه العائد إليه الضمير لئلا يكون الحال من معمولات المبتدإ فيتقدم محلها حينئذ فلا تسد مسده لعدم وقوعها في محله فيفتقر إلى تقديم خبر كما هو رأي الكوفيين أي ضربي العبد مسيئاً موجود فيفوت المقصود من حصر الضرب مثلاً في حال الإساءة، وحينئذ يكون الحذف جائزاً لعدم سد شيء مسده، وإنما لم تجعل كان ناقصة، والمنصوب خبرها لا حالاً مع أن حذف الناقصة أكثر من التامة لوقوع الجملة الاسمية مقرونة بالواو موقعه كالحديث والبيت المارين وهي لا تكون خبراً لها فتدبر.
قوله: (نائب) بالرفع صفة لحال.
قوله: (فلا يكون الخبر الخ) أي بل يجب ذكره، وما حكاه الأخفش شاذ كقولهم حكمك مسمطاً كمحمد أي حكمك لك حال كونه نافذاً، وخرجت فإذا زيد جالساً بناء على أن إذا حرف أما على أنها ظرف فهي الخبر ولا حذف. فلا يقال قياساً على ذلك: ضربي العبد شديداً بل أن قصدت الحالية وجب ذكر الخبر كضربي العبد إذا كان شديداً أو الخبرية وجب الرفع.
قوله: (لا يوصف بأنه مسيء) أي بحسب قصد المتكلم كون المسيء هو العبد لا الضرب، فلو قصد وصف الضرب بها مجازاً عن فاعله، ولا حجر في المجاز تعين رفعه على الخبرية، وكذا يقال في مثال المتن الثاني لأن منوطاً يصلح لجريانه على التبيين بحسب ذاته حقيقة لكن لم يقصد إلا جريانه على الحق فهو غير صالح للخبرية بحسب القصد فقط، وأوضح منهما: ضربي العبد قائماً، و: أكثر شربي السويق ملتوتاً لأن الحال فيهما لا تصلح للخبرية لا بحسب ذاتها ولا في القصد فتدبر.
قوله: (والمضاف إلى هذا المصدر الخ) أي صريحاً كان كما مثله، أو مؤولاً كأخطب ما يكون الأمير قائماً أي أخطب كون الأمير أي أكوانه إذا كان قائماً.
---(1/251)
قوله: (أربعة) زاد في الهمع وغيره مواضع منها لا سيما زيد بالرفع كما مر. ومنها بعد المصدر النائب عن فعله المبين فاعله، أو مفعوله بحرف جر نحو سقياً ورعياً لك. فلك خبر مبتدأ حذف وجوباً ليلي المصدر فاعله أو مفعوله كما يليان الفعل أي: اسق يا الله هذا الدعاء لك يا زيد مثلاً فالكلام جملتان، وليس الجار متعلقاً بالمصدر لامتناع خطابين لاثنين في جملة واحدة، ومحل ذلك كما نرى إذا كان المصدر نائباً عن فعل الأمر، وكان المجرور ضمير المخاطب فإن ناب عن غير الأمر كشكراً لك أي شكرت لك شكراً، أو كان المجرور غير ضمير المخاطب كسقياً لزيد فالظاهر أن اللام لتقوية العامل، ومدخولها معمول المصدر أي: اسق يا الله زيداً وارعه فاحفظ هذا التحقيق ا هـ صبان، واللام في ذلك مبينة للمفعول، ومثال الفاعل كما في الرضي نحو: بؤساً لك وسحقاً وبعداً، أي بئست وسحقت وبعدت، ولعل المانع من كون الجار متعلقاً بالمصدر هنا أن التعدي باللام إنما يكون للمفعول لا الفاعل فتأمل. قال الرضي: وكذا يجب حذف المبتدأ قبل من المبيَّنة للمعارف نحو: وما بكم من نعمة} إذا جعلت ما موصولة أما المبينة للنكرات فهي صفة لها كما إذا جعلت ما في الآية نكرة ا هـ.
قوله: (النعت المقطوع) سمي نعتاً باعتبار ما كان، وإنما وجب فيه الحذف للتنبيه على شدة اتصاله بالمنعوت، أو للإشعار بإنشاء كما فعلوا في النداء.
قوله: (في مدح الخ) خرج المقطوع الذي للتخصيص، أو الإيضاح فإن الحذف فيه جائز كما في التصريح وغيره.
قوله: (محذوف وجوباً) أي لصيرورة الكلام لإنشاء المدح مثلاً فجرى مجرى الجملة الواحدة.
قوله: (مخصوص نِعْمَ) أي المؤخر عنها كما مثله، أما المقدم كزيد نعم الرجل فهو مبتدأ خبره الجملة، ورابطها العموم كما مر. ومثل نعم فيما ذكر ما شاكلها في المدح أو الذم كحب وساء.
---(1/252)
قوله: (في ذمتي يمين) أي أو عهد أو ميثاق أو متعلق ذلك، وهو مضمون الجواب لأنه الذي يستقر في الذمة لا اليمين والعهد، وإنما وجب حذفه لدلالة الجواب عليه، وسده مسده لكونه واجب التأخير، والجواب في محله.
قوله: (صريحاً في القسم) ليس بقيد هنا بخلاف الخبر كيف، ومثاله لا صراحة فيه قطعاً ا هـ إسقاطي.
قوله: (نائباً منابَ الفعل) أي أتى به بدلاً عن اللفظ بفعله إذ أصله اصبر صبراً فحذف الفعل، وعوض عنه المصدر اكتفاءً بدلالته عليه فلا يجمع بينهما ثم عدل إلى الرفع ليفيد الدوام، وأوجبوا حذف المبتدأ استصحاباً لحالة النصب الواجب فيها حذف الفعل، وإعطاء للحالة الفرعية حكم الحالة الأصلية.
قوله: (صبر جميل) أي في قول الراجز:
115 ــــ شَكَا إِلَىَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى
صَبْرٌ جَمِيلٌ فَكِلاَنا مُبْتَلَى
أي أمرنا صبر جميل، ومثله سمع وطاعة أي أمرنا ذلك.
فائدة: الصبر الجميل هو الذي لا شكاية معه، والصفح الجميل هو الذي لا عتاب معه، والهجر الجميل هو الذي لا أذية معه.
قوله: (سراة) بفتح المهملة، وقد تضم أصله سرية قلبت ياؤه ألفاً كقضاة جمع سري أي شريف على غير قياس إذ قياس جمع فعيل المعتل باللام أفعلاء كنبي وأنبياء، وتقي وأتقياء كما سيأتي في قوله:
وَنَابَ عَنْهُ أَفْعِلاَءُ فِي المُعَلّ
لا ما الخ.
قوله: (سواء الخ) أفاد أن تعدد الخبر على ضربين كما اقتصر عليه في شرح الكافية لأنه إما في اللفظ والمعنى كمثال المتن والآية والبيتين فيجوز فيه العطف، وتركه بالواو وغيرها، أو في اللفظ فقط، وضابطه أن لا يصدق الإخبار ببعضه عن المبتدإ نحو حلو حامض أي مز وهذا أعسر يسر أي أضبط للعمل لأنه يعمل باليمين واليسار فيمتنع فيه العطف لأنهما شيء واحد في المعنى، ولا يتوسط المبتدأ بينهما، ولا يتقدمان عليه على الأصح فيهما، وزاد ولده نوعاً يجب فيه العطف وهو تعدد الخبر لتعدد ما هو له حقيقة كقوله:
---
116 ــــ يَدَاكَ يدٌ خَيْرُها يُرْتَجَى(1/253)
وأُخْرَى لأَعْدَائِها غَائِظَهْ(3)
أو حكماً لكونه ذا أجزاء كقوله تعالى: اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}
(الحديد:20)
الخ، والنوع الأول يصح أن يقال فيه خبران وثلاثة بحسب تعدده دون الباقين إلا مجازاً أفاده الدماميني.
قوله: (مز) بضم الميم كما في القاموس أي متوسط بين الحلاوة والحموضة الصرفتين، وليسا مجتمعين فيه لأنهما ضدان بخلاف: زيد كاتب شاعر فإنه جامع بين الصفتين لذاتهما فكل منهما خبر مستقل.
قوله: (من يك الخ) من شرطية لحذف نون يكن وقوله: فهذا بتي قائم مقام جوابها من إقامة السبب مقام المسبب أي فأنا مثله لأن هذا بتي، والبت كساء غليظ مربع ومقيظ، وما بعده بصيغ اسم الفاعل أي كاف لي في القيظ، وهو شدة الحر والصيف والشتاء.
قوله: (ينام الخ) المروي فهو يقظان هاجع بدل نائم لأن قبله:
117 ــــ وَبِتُّ كنَوْمِ الذِّئْبِ فِي ذِي حَفيظَةٍ
أَكَلْتُ طعاماً دُونَه وَهُوَ جَائِعُ(3)
ينام الخ، والعرب تزعم أن الذئب ينام بعين، ويحرس بأخرى، ثم يتناوبان في الحرس فهو نائم من جهة، يقظان من جهة أخرى فجمع بين الصفتين كما جمع زيد بين الكتابة والشعر.
قوله: (ويقع الخ) رد لذلك الزعم.
قوله: (لجواز كونه حالاً) الصواب إذا لم يجعل خبراً كونه صفة لحية لأنها نكرة لا مسوغ لمجيء الحال منها والله سبحانه وتعالى أعلم.
كان وأخواتها
استعار الأخوات للنظائر في العمل بجامع مطلق المجانسة، وخص كان بالذكر لأنها أم الباب إذ حدثها وهو الكون يعم جميع أخواتها، ولذا اختصت عنها بزيادة أحكام وتصرفات، وأصلها كون بالفتح لا بالضم ولا بالكسر لما مر في الخطبة.
قوله: (اسماً) الظاهر أنه معمول لمحذوف كما يشير له حل الشارح أي ويسمى اسماً لها، وقد يجعل حالاً أي حال كونه اسماً لها أي مسمى بذلك.
---
قوله: (ككان) خبر مقدم عن ظل، وما عطف عليها بحذف العاطف في غالبه.(1/254)
قوله: (زال) أي ماضي يزال لا ماضي يزيل بفتح أوله فإنه تام مُتَعَدِّ بمعنى ماز تقول: زل ضأنك من معزك أي ميزها، ومصدرها الزيل، ولا ماضي يزول فإنه قاصر بمعنى ذهب كقوله تعالى: إنَّ الله يُمْسِكُ السَّموَاتِ وَالأَّرْضَ أَنْ تَزُولاَ}
(فاطر:41)
ومصدره الزوال، ولا مصدر للناقصة، ووزنها فعل بالكسر، وغيرها بالفتح كما في التصريح وغيره.
قوله: (فتىء) بتثليث التاء، ويقال أفتأ كما في الهمع.
قوله: (وهذي الأربعة) أي موادها فلا يرد أنها أفعال ماضية لا تلي النهي الذي من جملة شبه النفي.
قوله: (لشبه نفي) قدمه على النفي جبراً لضعفه.
قوله: (ومثل كان الخ) خبر مقدم عن دام لقصد لفظها، ومسبوقاً حال منها، أو من ضمير خبرها.
قوله: (كأعط الخ) درهما أما مفعول ثان لأعط، وحذف الأول كمفعول مصيباً أي واجداً أي أعط المحتاج درهماً ما دمت واجداً له ففيه تقديم وتأخير وحذفان أو هو مفعول مصيباً، وحذف مفعولا أعط، وأصل دام دوم بالفتح، وينقل إلى المضموم عند اتصال التاء به توصلاً إلى نقل الضمة إلى الدال لتدل بعد حذف عينه للساكنين على أنها واو وانظر لم جعل مفتوحاً مع أنه لا يتصرف على الصحيح، وقد يقال لكثرة الفتح وخفته، وبالحمل على التامة لأنها جاء وصفها على فاعل. وهو قليل في المضموم. والمكسور كما مر. ويأتي.
قوله: (نواسخ الابتداء) من النسخ وهو الإزالة لإزالتها حكم المبتدأ والخبر.
قوله: (إلى أنها فعل) أي لقبول التاءين.
---(1/255)
قوله: (ترفع المبتدأ) أي تجدد له رفعاً غير رفع الابتداء عند البصريين. وهو الصحيح لاتصال الضمير بها، وهو لا يتصل إلا بعامله استقراء، ولأنها لو لم تعمل إلا في الخبر كما عند الكوفيين لكانت ناصبة غير رافعة، ولم يعهد فعل كذلك وتسميته حينئذ مبتدأ إنما هو باعتبار ما كان، وأل في المبتدأ كاسم الشرط والاستفهام للجنس لا للاستغراق فإن منه لا ينسخ بها وهو خمسة لازم التصدير إلا ضمير الشأن ولازم الحذف كالنعت المقطوع ونحوه مما مر، واللازم لصفة واحدة كطوبى للمؤمن وويل للكافر، وكأيمن في القسم واللازم للابتداء بنفسه كأقل رجل يقول ذلك ولله درك، وما التعجبية فإن هذه الأشياء جرت مجرى الأمثال فلا تغير عما وردت، أو بغيره كمصحوب لولا وإذا الفجائية فإنهما لا يصاحبان غير المبتدأ.
قوله: (وتنصب خبره) أي غير الطلبي في الجميع وشذ قوله:
118 ــــ وَكُونِي بَالمَكَارِهِ ذكِّريني
أو هو بمعنى تذكريني وغير الفعل الماضي في صار وما بمعناها ودام وزال وأخواتها بخلاف البقية نحو: إن كنت قلته، وغير اسم الاستفهام في دام وليس المنفي بما فلا يقال لا أكلمك كيف ما دام زيد ولا أين ليس زيد لأن خبر دام وليس لا يتقدم عليهما، ولا: أين ما زال زيد لأن ما النافية تلزم الصدر عند البصريين فتزدحم مع الاستفهام بخلاف المنفي بغير ما نحو: أين لا يزال زيد، وغير المنفي ككيف كان زيد.b
واعلم أنه لا يحذف الاسم ولا الخبر في هذا الباب اقتصاراً أي بلا دليل، ولا اختصاراً أي به عند الجمهور إلا ضرورة لشبه الاسم بالفاعل، والخبر صار كالعوض عن مصدرها إذ القيام مثلاً كون من أكوان زيد، والعوض لا يحذف أي، وأما حذفهما في أن خير فخير كما سيأتي فتبع لكان لا بالاستقلال، وأجاز بعضهم حذف الخبر لقرينة مطلقاً، والمصنف في ليس فقط حكى سيبويه ليس أحد أي هنا أفاده في الهمع مع زيادة.
---(1/256)
قوله: (ويسمى المرفوع الخ) هي تسمية اصطلاحية لا مناسبة لها لأن زيد مثلاً اسم للذات لا لكان، والأفعال لا يخبر عنها، وقد يسميان فاعلاً ومفعولاً مجازاً لأن الفاعل في الحقيقة مصدر خبرها مضافاً لاسمها. فمعنى كان زيد قائماً كان قيام زيد.
قوله: (أن يسبقه نفي) أي لأن القصد بالجملة الإثبات، وهذه الأفعال معناها نفي فإذا نفيت انقلبت إثباتاً.
قوله: (إلا في القسم) أي مع المضارع، وكون النافي لا كما قال الدنوشري:
وَيُحْذَفُ نَافٍ مَعْ شُرُوطٍ ثَلاثَةٍ
إِذا كَانَ لا قَبلَ المُضارعِ في قَسَمْ
قوله: (بحمد الله) متعلق بالاستمرار لمفهوم من أبرح المنفي، ومجيد بضم الميم خبر ثان إن قلنا بتعدد الخبر في هذا الباب وإلا فنعت.
قوله: (نطاق) هو ما يشد الوسط جمعه نُطُقٌ ككتاب وكتب.
قوله: (وجواد) بتخفيف الواو يطلق على الفرس ذكراً أو أنثى كما في المصباح.
قوله: (وهذا أحسن) الإشارة إما إلى الإعراب فمقابله إن أبرح غير منفي بل تام بمعنى أزول عن كوني منتطقاً مجيداً أي أترك ذلك ما دامت قومي لأنهم يكفونيه فلا شاهد فيه، أو إلى المعنى فمقابلة أن منتطقاً معناه ناطق، ومجيداً أي محسناً في الثناء على قومي أفاده العيني.
قوله: (النهي والدعاء) أي لأن المطلوب بهما ترك الفعل، وهو نفي فخرج غيرهما كالاستفهام قيل إلا الإنكاري لأنه بمعنى النفي، ولا فرق في الدعاء بين كونه بلا أو بلن كقوله:
119 ــــ لَنْ تَزَالوا كذلِكُم ثُمَّ لا زلتُ
لكُم خالداً خُلودَا الجِبَالِ(4)
إن قلنا بأنها فيه للدعاء، وهو المختار لتناسب من عطف عليها بثم فراراً من عطف الإنشاء على الخبر.
قوله: (صاح) منادى مرخم صاحب على غير قياس لكونه ليس بعلم وشمر أي اجتهد في الاستعداد للموت ولا تنسه.
---(1/257)
قوله: (ألا يا اسلمي الخ) ألا حرف استفتاح وتنبيه، ويا مؤكدة لها، أو المنادى محذوف أي يا هذه، ومي اسم امرأة غير مية لا ترخيمها كما في التصريح أي فلا يرد أن ترخيم غير المنادى شاذ لكن قال الصبان من تتبع كلام ذي الرمة نظماً ونثراً وجده يسمي محبوبته بهما، وعلى البلى أي منه بكسر الباء من بلي الثوب كرضي صار خلقاً، والجرعاء رملة مستوية لا تنبت شيئاً ومنهلاً كمنصباً وزناً ومعنًى، والمراد انصباب غير مضر بدليل: اسلمي.
قوله: (المصدرية الظرفية) أخذهما من المثال، وسميت بذلك لتقديرها بالمصدر مع نيابتها عن الظرف، وهو المدة وهما شرطان لصحة العمل لأن دام لتوقيت أمر بمدة ثبوت الخبر للاسم لا لوجوبه بدليل عدم عملها في ما دامت السموات والأرض مع استيفائها الشرطين بل هي تامة أي مدة بقائهما فخرج غير المصدرية كالنافية في نحو: ما دام شيء، وغير الظرفية كيعجبني ما دمت صحيحاً أي دوامك فدام فيهما تامة بمعنى بقي والمنصوب حال، وكذا عند حذف ما كأو دام الظلم أهلك، ولا توجد الظرفية بدون المصدرية.
قوله: (ومعنى ظل) أي مع معموليها لأن معناها وحدها مطلق حدث في زمن ماض نهاري، وقوله: بالخبر أي بمدلوله التضمني، وهو الحدث وقوله: نهاراً أي ماضياً، وكذا يقال في الباقي.
قوله: (ومعنى صار التحول) أي موضوعة له، وأما التحويل المفهوم من كل فعل فإنما لزم من دلالته على التجدد، والحدوث لا من الوضع فحصل الفرق بينهما أفاده سم، وقد جاء مثل صار في العمل والمعنى ما جمعته بقولي:
بمعنَى صارَ في الأفعال عشرٌ
تحوّل آضَ عَاد ارجعْ لِتَغنَمْ
وَرَاح غَدا اسْتَحَالَ ارْتَدَّ فَاقْعُدْ
وحار فَهاكَها والله أَعْلمْ
وحكى سيبويه ما جاءت حاجتك بالنصب أي أي حاجة صارت حاجتك فاسمها ضمير ما الاستفهامية، وبالرفع أي صارت حاجتك أي حاجة فما خبرها مقدم، وقد استعملوا كان وظل وأضحى وأصبح وأمسى بمعنى صار كثير نحو: وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَاباً}(1/258)
---
(النبإ:19)
زاد الزمخشري بات قال في شرح الكافية ولا حجة له عليها.
قوله: (لنفي الحال) أي لنفي حدث خبرها في الحال وإنما لم تدل على المضي كسائر الأفعال الماضية لأن شبهها الحرف في الجمود، والمعنى جردها عن الزمان أصلاً لكن حدث خبرها لا بد له من زمن فحمل على الحال لأنه الأقرب.
قوله: (وعند التقييد بزمن) أي صريحاً كما مثله، أو ضمناً كليس خلق الله مثله أي في الماضي، واسمها ضمير الشأن ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً أي في المستقبل، وأصلها عند الجمهور ليس بالكسر سكنت الياء تخفيفاً، ولم تقلب الفاً لجمودها.
قوله: (على حسب ما يقتضيه الحال) أي ملازمة جارية على ذلك وهي الملازمة مدة قبول المخبر عنه للخبر سواء دام بدوامه نحو ما زال الله محسناً. لا يزال زيد أزرق العينين، أم لا نحو ما زال زيد ضاحكاً أو عالماً أي مدة قبول ذلك ووجود سببه لا مطلقاً.
قوله: (مثله) أما حال من فاعل عمل أو نعت لمصدره محذوفا أي عمل عملاً مثل عمله، وفيهما تقديم معمول الفعل المقرون بقد عليه، وهو ممنوع فلعل فيه خلافاً أو للضرورة.
---(1/259)
قوله: (وهو ليس ودام) حصره غير المتصرف فيهما يقتضي أن مراده بالمتصرف ما يعم التصرف التام، والناقص فيدخل فيه زال وأخواتها فإنه ليس لها إلا الماضي والمضارع واسم الفاعل دون غيرها كالمصدر والأمر، وأما ليس ودام فلا يتصرفان أصلاً على الصحيح في دام، وأما يدوم ودم ودائم ودوام فمن دام التامة لكن رجح الصبان أن الناقصة لها المضارع، والمصدر بدليل جعلها صلة لما المصدرية، وادعاء أن هذا المنسبك مصدر التامة، أو اختراع مصدر لم يرد جور وسوء ظن، والباقي تصرفه تام كما بينه الشارح لكن اختلف في اسم المفعول فمنعه قوم منهم أبو علي قال في شرح اللمحة: إن تلميذه أبا الفتح بن جنّي سأله عن قول سيبويه مكون فيه فقال: ما كل داء يعالجه الطبيب، وأجازه آخرون، وعليه فالنائب عن الاسم إما الظرف كما مثل أو ضمير مصدره المفهوم منه نحو مكون قائماً فتلخص أنها ثلاثة أقسام.
قوله: (أخاك) خبر كائناً، واسمه ضمير يعود على من وكائناً خبر ما الحجازية، وتلفه أي تجده.
قوله: (والصحيح أن لها مصدراً) أي فلكان الكون، والكينونة، ولصار الصير والصيرورة، ولبات البيات والبيتوتة، ولظل الظلول، ولأصبح وأمسى وأضحى الإصباح والإمساء والإضحاء.
قوله: (ببذل) الباء سببية متعلقة بساد أي شرف، وكونك مبتدأ، والكاف في محل جر بالإضافة، ورفع من حيث إنها اسم الكون، وإياه خبره من حيث النقصان، ويسير أي سهل خبره من حيث الابتداء، وعليك متعلق به.
قوله: (وما لا يتصرف منها الخ) هذه العبارة في غاية القلاقة لما فيها من التكرار والمناقضة لما مر كما لا يخفى.
قوله: (وفي جميعها) متعلق بأجر وتوسط مفعوله وكل مبتدأ خبره حظر أي منع وسبقه مفعول حظر وهو مصدر ومضاف لفاعله، ودام مفعوله أي وكل النحاة منع أن يسبق دام خبرها.
---(1/260)
قوله: (كان في الدار صاحبها) تمثيل صحيح لأن تقديم الخبر يصدق بتقديمه على الاسم وحده كهذا، وعلى الفعل أيضاً كفى الدار كان صاحبها، وليس كلامه الآن في وجوب التوسط حتى يعترض عليه بأن هذا المثال يصح فيه تقديمه على الفعل، والحاصل أن للخبر ستة أحوال: وجوب التأخر ككان صاحبي عدوي لما ذكره الشارح وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِنْدَ البَيْتِ إِلاّ مُكَاءً}
(الأنفال:35)
أي تصفير بالفاء، وتصدية أي تصفيقاً لحصره وجوب التوسط كيعجبني أن يكون في الدار صاحبها فيمتنع تأخير في الدار لمكان الضمير، وتقديمه على الفعل لئلا يفصل بين أن وصلتها، وعلى أن لأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول وجوب التقدم على الفعل كأين كان زيد وجوب التأخر، أو التوسط كهل كان زيد قائماً فيمتنع تقديمه على هل لأن لها الصدر، وعلى كان لئلا يفصل بينهما وجوب التوسط، أو التقدم ككان في الدار صاحبها، وكان غلام هند بعلها بنصب غلام ونحو ما كان قائماً إلا زيد لجواز تقديم الخبر على كان لا على ما لان لها. الصدر السادس: جواز الثلاثة ككان زيد قائماً، وكان غلام هند مبغضها بنصب مبغض فيجوز تقديمه لتقدم مرجع الضمير رتبة وإن تأخر لفظاً.
قوله: (بالشرط المذكور) هو قوله إن لم يجب تقديمها الخ أي بشرط أن تخلو من موجب التقديم والتأخير ولا تغفل عن التفصيل المتقدم.
قوله: (والصواب جوازه) منه قراءة حمزة وحفص ليس البر أن تولوا}(2) بنصب البر.
قوله: (فليس سواء) خبر ليس مقدم، وعالم اسمها مؤخر، وهذا من قصيدة للسموأل اليهودي يخاطب امرأة خطبها هو وآخر فمالت للآخر. أولها:
120 ــــ إِذا المَرْءُ لَمْ يَدْنَسْ مِنَ اللُّؤْمِ عِرْضُهُ
فكُلُّ رِداءٍ يَرتَدِيهِ جَمِيلُ
وإنْ هُوَ لم يَحمِلْ على النَّفْسِ ضَيْمهَا
فليسَ إلى حُسْنِ الثَّناءِ سبيلُ
تُعَيِّرُنا أَنَّا قَلِيلٌ عَدِيدُنا
فَقُلْتُ لَها إنَّ الكِرامَ قَلِيلُ
وَمَا قلَّ مَنْ كانَتْ بقاياهُ مِثْلَنا
---(1/261)
شباباً تَسامى لِلْعُلا وكُهولُ
وما ضَرَّنا أنَّا قلِيلٌ وَجَارُنا
عَزِيزٌ وَجَارُ الأكْثَرِينَ ذَلِيلُ
وأنَّا أُناسٌ لا نَرَى القَتْلُ سُبَّةً
إذا ما رَأتْهُ عامِرٌ وسَلُولُ
يُقَرِّبُ حُبُّ المَوْتِ آجالَنا لَنَا
وَتَكْرَهُهُ آجالُهُمْ فَتَطُولُ
وما مات مِنَّا سَيِّدٌ فِي فِراشِه
ولا طُلَّ مِنَّا حيثُ كانَ قَتِيلُ
إذا سيِّدٌ مِنَّا خَلا قَامَ سَيِّدٌ
قؤولٌ بِمَا قالَ الكِرَامُ فَعُولُ
ونُنْكِرُ إن شِئْنَا على النَّاسِ قَوْلَهُمُ
ولا يُنْكِرُونَ القَوْلَ حِينَ نَقُولُ
وأيَّامُنا مَشْهُودَةٌ فِي عَدُوَّنا
لها غُرَرٌ مَشْهُورَةٌ وَحُجُولُ
وأسْيَافُنا في كُلِّ شَرْقٍ ومَغْرِبٍ
بها مِنْ قِراع الدَّارِعِينَ فُلُولُ(3)
مُعَوَّدةٌ أَنْ لا تُسَلَّ نِصالُها
فَتُغْمَدَ حتَى يُستباحَ قَتِيلُ(2)
سلي الخ.
قوله: (لا طيب للعيش) أي العيشة والحياة، ومنغصة خبر دام مقدم على اسمها وهو لذاته قال شيخ الإسلام: ويلزم عليه الفصل بين منغصة ومعمولها وهو بادكار بأجنبي. وهو لذاته فالأولى احتمال أن دامت ومنغصة تنازعا في لذاته فأعمل الثاني وأضمر في دامت ضميراً مستتراً هو اسمها فلا شاهد فيه وأصل ادكار إذ تكار قلبت تاء الافتعال دالاً، وأدغمت فيها الذال المعجمة بعد قلبها من جنسها كما سيأتي.
قوله: (فمسلم) أي الإجماع على ذلك مسلَّم لامتناع تقديم معمول الصلة على الموصول قيل، وهذا الاحتمال أقرب إلى كلامه ليوافق ما شبهه به بقوله: كذاك سبق الخ في أن الخبر في كل سابق على ما فتأمل.
قوله: (ففيه نظر) أي في ادعاء الإجماع على منع ذلك نظر لثبوت الخلاف فيه، والصحيح منه الجواز، ولا يضر الفصل بين الحرف المصدري وصلته لأنه غير عامل بخلاف العامل كأن المصدرية فلا يفصل منها لشدة تعلقه بها لأنه يطلبها للوصل بها، وللعمل فيها، وغير العامل يطلبها للوصل فقط فتدبر.
---(1/262)
قوله: (كذاك سبق الخ) مصدر مضاف لفاعله، وهو خبر بالتنوين، وما مفعوله أي سبق الخبر على ما النافية مثل سبقه على ما المصدرية مع دام في المنع بقطع النظر عن وصفه بالإجماع لما سيأتي.
قوله: (فجىء بها الخ) فيه مع توكيد ما قبله الإشارة إلى أن ما تلزم صدر جملته أبداً.
قوله: (وأجازه بعضهم) أجاز الكوفيون الصورتين لأن ما لا تلزم الصدر عندهم، ووافقهم ابن كيسان في الأولى لأن نفيها إيجاب فكأنه لم يكن نفي بخلاف الثانية.
قوله: (ومنعهما بعضهم) حكاه في التسهيل عن الفراء، وكذا جميع حروف النفي لكن قال في شرح الكافية إنه جائز عند الجميع ا هـ ومن شواهد الصريحة:
119 ــــ مُهْ عَاذِلِي فَهَائِماً لن أبْرَحَا
بَمثْلِ أو أحسنَ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى
قوله: (على الفعل وحده) هو الصحيح.
قوله: (ومنع الخ) مبتدأ مضاف لمفعول بعد حذف فاعله، واصطفى خبره أي، ومنع بعضهم سبق الخبر على ليس هو المختار فليس مفعول سبق، وخبر بالتنوين فاعله مجرور بالإضافة، وعدم تنوينه يفسد الوزن والمعنى لإفادته منع سبقه مطلقاً ولو على الاسم. وليس كذلك وأفهم كلام المصنف جواز تقديم الخبر على غير دام وليس، والمنفي بما لسكوته عنه. وهو كذلك. ولو كان جملة على الأصح انظر الصبان.
قوله: (والنقص) مبتدأ خبره قفي بضم القاف أي تبع، ودائماً حال من ضميره، وحذف العاطف من ليس وزال.
قوله: (اختلف النحويون) محل الخلاف في غير الاستثناء أما فيه فلا يتقدم خبرها إجماعاً، ومثلها لا يكون.
قوله: (وتقريره) براءين أي بيان وجه دلالته، وقد أجاب عنه المانعون بأنه ظرف يتوسع فيه مع ضعفه بكونه معمول المعمول فزاد فيه التسامح بخلاف الخبر إذا كان ظرفاً، أو أن يوم معمول لمحذوف أي ألا يعرفون يوم يأتيهم وليس مصروفاً حال منه مؤسسة أو أنه مبتدأ بني على الفتح لإضافته إلى جملة يأتيهم، وليس مصروفاً خبره، والضمير في ليس يعود له لا للعذاب.
---(1/263)
قوله: (إلا حيث يتقدم العامل) أي الأصل فيه ذلك وقد يخالف هذا الأصل كما أجازوا تقديم معمول خبر إن على اسمها دون الخبر كأن في الدار زيداً جالس، وقدموا معمول الفعل المنفي بلم أو لن دونه كزيداً لم أو لن أضرب، ومعمول الخبر الفعلي على المبتدأ عند البصريين دونه كعمراً زيد ضرب، ومعمول الفعل بعد أما دونه نحو: فَأمِّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ}
(الضحى:9)
وكل ذلك لنكات تعلم من أبوابها.
قوله: (وإن كان ذو عسرة) جوز الكوفي نقصها على حذف الخبر أي من غرمائكم، ويرده أن الخبر لا يحذف في هذا الباب كما مر، ويوجد في نسخ بعد الآية قال الشاعر:
122 ــــ إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ فَأدْفِئُونِي
فَإنَّ الشَّيخَ يُهْرِمُهُ الشِّتَاءُ(3)
والأكثر عدمه.
قوله: (ما دامت السموات) أي بقيت.
قوله: (حين تمسون الخ) أي تدخلون في المساء والصباح، وكذا بات وأضحى التامان معناهما دخل في البيات، والضحى وظل أما بمعنى دام كَلَوْ ظل الظلم هلك الناس أو طال كظل البيت أو الليل، وتقول برح الخفاء أي ذهب وانفك الشيء خلص، وصرت إلى زيد تحولت ورجعت إليه. ومنه ألا إلى الله تصير الأمور}(3) وصار فلان الشيء يصيره ويصوره أي ضمه أو قطعه وقوله تعالى: فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ}
(البقرة:260)
أي ضمهن. وبهذا ينحل قوله:
إنِّني رَأيْتُ غَزَالاً
أورَثَ قلبي خَبَالا
قَدْ صارَ كَلْباً وقِرْداً
وَصَارَ بعدُ غزالا
وَلِي بِذَاكَ دَلِيلٌ
في قَوْلِ ربِّي تَعالى
تنبيه: نحو كان زيد قائماً يحتمل التمام فقائماً حال بخلاف: كان زيد أخاك لامتناع كون الحال معرفة إلا أن تجعل كان بمعنى كفل فأخاك مفعول، وكذا يتعين النقص في: وكونك إياه لما ذكر إلا أن يجعل الأصل، وكونك تفعله فالفعل حال فلما حذف انفصل الضمير.
---(1/264)
قوله: (لا يلي كان الخ) أي لامتناع الفصل بين العامل والمعمول بمعمول لغير ذلك المعمول لأنه أجنبي بالنسبة للمعمول الأول، وإن كان ذلك الغير معمولاً لذلك العامل فلا يجوز: جاء عمراً زيد يضرب بخلاف: زيد جاء عمراً يضرب، وزيد كان طعامك آكلاً لأن مرفوع الفعل مستتر لم يفصل منه.
قوله: (وأجازها بعض البصريين) هو ابن السراج والفارسي لأن الخبر يجوز تقديمه، ومعموله كجزئه فتبعه بخلاف تقديمه وحده، وجمهور البصريين على المنع مطلقاً، والكوفيون على الجواز مطلقاً.
قوله: (جازت المسألة) أي باتفاق كتقديم المعمول على الفعل نحو وأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظلِمُونَ}
(الأعراف:177)
.
قوله: (ومضمر الشأن) أي المضمر الدّال على الشأن. وهو مفعول انو واسماً حال منه أي حال كونه اسماً لكان فيفيد أن كان الشأنية ناقصة، وهو الأصح كما مر في آخر المعرب، وموهم فاعل وقع أي ورد.
قوله: (فأوله الخ) اعترض بأنه لا يصح ذلك في كل ما ورد كقوله:
123 ـــــ بَاتَتُ فُؤاديَ ذاتُ الخَالِ سَالِبَةً
فَالْعَيْشُ إِن حُمَّ لِيَ عيشٌ مِنَ العَجَبِ(2)
وقوله:
124 ــــ لَئِنْ كَانَ سَلْمَى الشيبُ بالصَّدِّ مُغْرِياً
لَقَدْ هَوَّنَ السّلوانَ عَنْهَا التَّحَلُّمُ(3)
فقدم فؤادي وسلمى مع نصبهما بسالبة ومغرياً ولا سبيل إلى ضمير الشأن لظهور نصب الخبر، وهذا أقوى ما استدل به الكوفيون، وأجيب بأنه ضرورة أو أن فؤادي وسلمى منادى، ومعمول سالبة، ومغرياً محذوف أي لك، وقوله لقد هون الخ التفات عن خطابها إعراضاً وطرحاً لها.
قوله: (قنافذ الخ) جمع قنفذ بضم الفاء وفتحها آخره معجمة، وهدّاجون من الهدجان. وهي مشية الشيخ الضعيف يهجو الفرزدق قوم جرير بالفجور والخيانة أي هم كالقنافذ في مشيهم ليلاً للسرقة، وعطية أبو جرير، أو عمه، والشاهد تلو إياهم لكان مع أنه معمول خبرها، وهو عوداً، وعطية اسمها.
---(1/265)
قوله: (أنه مثل كان الخ) أي في أن المعمول مقدم على الاسم والخبر مؤخراً عنه، وأما في البيت الثاني فالمعمول، والخبر معاً مقدمان على الاسم.
قوله: (فأصبحوا الخ) المعرس بصيغة اسم المفعول محل النزول آخر الليل، والمراد هنا النزول ليلاً مطلقاً، وقائله حميد بن ثور أحد البخلاء المشهورين يهجو أضيافاً له بكثرة الأكل حتى أن نوى التمر الذي أكلوه أصبح عالياً على محل نزولهم مع أنهم لا يلقونه كله بل يبتلعونه بنواه. وأول القصيدة:
125 ــــ لا مَرْحباً بوُجُوهِ القَوْمِ إِذْ نَزَلوا
كأَنَّهُمْ إِذْ أَنَاخُوها الشَّيَاطِينُ(2)
قوله: (إذا قرىء بالتاء) أما إذا قرىء بالياء وهي الأصح فيتعين كون المساكين فاعله والجملة خبر ليس واسمها ضمير الشأن إجماعاً إذ لو كان اسمها المساكين، ويلقي خبرها لوجب أن يقال: يلقون ليطابقه في الجمعية، والتاء تغني عن ذلك لتأويل المساكين بالجماعة.
قوله: (فضمير الشأن اسم كان) أي وجملته صلة ما، والعائد محذوف أي عودهم به، ويحتمل أن اسمها ضمير يعود على ما، وجملة عطية عوداً خبرها، ورابطها بالمبتدإ محذوف أي عودهم به، وقيل كان زائدة.
قوله: (فضمير الشأن اسم ليس) أي لا المساكين لئلا يلزم الفصل المتقدم، ويلزم تقديم الخبر الفعلي على اسم ليس وهو ممتنع فيما يظهر كالمبتدإ والخبر، ولم أر من ذكره هنا لكن سيأتي في أفعاله المقاربة ما يؤيده.
---(1/266)
قوله: (وقد تزاد) التقابل بالنسبة إلى عدم الزيادة فلا ينافي كثرتهم في ذاتها ومعنى زيادتها أنها لا تعمل شيئاً فلا مرفوع له على الأصح لأنه قسم غير الناقصة والتامة كما في الشارح، وقيل تامة، ومرفوعها إن لم يكن ظاهراً هو ضمير مصدرها فمعنى زيادتها حينئذ عدم اختلال المعنى بدونها ثم هي باقية على دلالتها على الماضي على المشهور وقيل لا بل لمجرد التوكيد، ولا تدل على الحدث اتفاقاً كذا قيل. وهو مشكل على القول بأن لها مرفوعاً لأنها حينئذ مسندة إليه، ولا يسند من الفعل إلا حدثه.
قوله: (في حشو) خرج الأول لأنه محل الاعتناء، والآخر لأنه محط الفائدة.
قوله: (وإنما تنقاس الخ) الذي في التوضيح وغيره أنها تنقاس فيما عدا الجار والمجرور لكنها في فعل التعجب أكثر، وقال في الكافية:
وَزَيْدٌ كَانَ بَيْنَ جُزْأَيْ جُمْلَهْ
وَشَذَّ حَيْثُ حَرْفُ جرَ قَبْلَهْ
قوله: (بنت الخُرْشُب) بضم الخاء والشين المعجمتين، وسكون الراء آخره موحدة، والإنمارية بالرفع صفتها نسبة إلى أنمار قبيلة من العرب، والكملة بفتحات جمع كامل مفعول ولدت وهم ربيع الكامل، وقيس الحافظ، وعمارة الوهاب، وأنس الفوارس، وقيل لها أي بنيك أفضل فقالت: ربيع بل عمارة بل قيس بل أنس ثكلتهم إن كنت أعلم أيهم أفضل هم كالحلقة المفرغة لا يدري أين طرفاها حكاه الزمخشري في المستصفى.»
---(1/267)
قوله: (كانوا كرام) بجر كرام صفة لجيران، والواو فاعل كان بناء على أن الزائدة تامة، ولا يمنع عملها من زيادتها كما تسند ظن الملغاة إلى الفاعل إلا أن يفرق بأن الزيادة أضعف من الإلغاء فتنافي العمل، وأما على أنها قسم ثالث فقيل الأصل: وجيران كاثنين لنا هم على أن هم تأكيد للمستكن في الظرف فلما زيدت كان بعد لنا وصل بها هذا المؤكد بالكسر فانقلب واواً إصلاحاً للفظ لئلا يقع الضمير المنفصل بجانب الفعل فيكون مستثنى من كون الضمير لا يتصل إلا بعامله، فالواو حينئذ تأكيد للضمير في لنا. وقيل غير ذلك، وفر بعضهم من هذا التكلف فجعلها في البيت ناقصة لا زائدة، والواو اسمها، ولنا خبرها، وجملتها معترضة بين الصفة والموصوف.
قوله: (سراة الخ) بفتح المهملة جمع سري أي سيد على غير قياس كما مر وتسامى أصله تتسامى حذفت إحدى التاءين تخفيفاً والمسومة الخيل المجعول عليها سومة بالضم أي علامة لتترك في المرعى والعراب العربية، ويروى المطهمة الصلاب أي المتناسقة الأعضاء الشديدة.
قوله: (عقيل) بوزن وكيل كما في السجاعي أخو الإمام علي كرم الله وجهه، والماجد الكريم، والنبيل كشريف من النبل بالضم، وهو الفضل وشمأل كجعفر ريح الشمال كسحاب، ويقال شأمل بتقديم الهمزة، وشمل بسكون الميم وفتحها، وبليل أي مبلولة من الندى، أو بالة لما تمر عليه لرطوبتها، وقولها إذا تهب الخ كناية عن الدوام.
تنبيه: أفهم تخصيص الحكم بكان أن غيرها من أخواتها لا يزاد. وهو كذلك إلا ما شذ من قولهم ما أصبح أبردها وما أمسى أدفأها روى ذلك الكوفيون، وأجاز أبو علي زيادة أصبح وأمسى في قوله:
126 ــــ عَدُوُّ عَيْنَيْكِ وشانيهِمَا
أَصْبَحَ مَشْغُولٌ بِمَشْغُولِ(3)
وقوله:
127 ــــ أَعَاذِلُ قُولِي مَا هَوَيْتُ فَأوِّبي
كَثِيراً أَرَى أَمْسَى لَدَيْكِ ذُنُوبِي(3)
وأجاز بعضهم زيادة سائرها إذا لم ينتقض المعنى.
---(1/268)
قوله: (وبعد أن ولو) أي الشرطيتين لأنهما يطلبان فعلين فيطول الكلام فخفف بالحذف، واختص ذلك بهما لأن إنْ أمُّ الأدوات الجازمة، ولو أم غير الجازمة كما أن كان أم بابها وهم يتوسعون في الأمهات، والغالب كون أن تنويعية كما مثل ومن غير الغالب:
128 ــــ انْطِقْ بِحَقِّ وَإنْ مُسْتَخْرِجاً إحَنَا(4)
أي وإنْ كنت مستخرجاً. وأما لو، فقال أبو حيان: شرطهما اندراج ما بعدها فيما قبلها لا أعلى منه، ولا أعم كمثال الشارح ونحوه ألا طعام ولو تمراً ورد بقولهم ألا حشف ولو تمراً، وقوله:
129 ــــ لاَ يَأْمَنِ الدَّهرَ ذو بَغْي وَلَوْ مَلِكاً
جُنُودَهُ ضَاقَ عَنْها السَّهلُ والْوَعْرُ(5)
فإن الملك أعلى مما قبله، والتمر أعم من الحشف ا هـ تصريح.
قوله: (التقديران كان الخ) أي فحذفت كان مع اسمها، وبقي خبرها، وقد تحذف وحدها، ويبقى الاسم والخبر كقوله:
130 ــــ أزمانُ قَوْمِي والجَمَاعَةُ كالَّذِي
لَزِمَ الرِّحالةَ أنْ تَميلَ مَمِيلا(6)
---(1/269)
قال سيبويه أراد أزمان كان قومي مع الجماعة الخ فقومي اسمها، والجماعة مفعول معه، وكالذي خبرها، وإنما قدر كان لأن المفعول معه لا يقع إلا بعد جملة فيها لفظ الفعل، أو معناه، وحروفه كما سيأتي قال الشنواني: ومراد الشاعر وصف ما كان من استواء الأمور واستقامتها قبل عثمان رضي الله تعالى عنه أي فمثل حال قومه في لزوم بعضهم بعضاً، وعدم تنافرهم بحال راكب لزم الرحل خوف أن يميل مميلاً بفتح الميم الأولى أي ميلاً فهو مفعول مطلق كما في التصريح، وقد تحذف مع خبرها، ويبقى الاسم نحو ألا طعام ولو تمر بالرفع. أي ولو يكون عندكم تمر كما قدره سيبويه. فلا يختص حذفها بالماضي بخلاف الزيادة ومنه المرء مجزى بعمله إن خير فخير وإن شر فشر برفعهما أي إن كان في عمله خير فجزاؤه خير الخ. وفي هذه المسألة أربعة أوجه. ثانيها نصبهما على تقدير إن كان عمله خيراً فهو يجزى خيراً. الثالث: نصب الأول ورفع الثاني أي إن كان عمله خيراً فجزاؤه خير. الرابع: عكسه وهو أضعفها لأن فيه حذف كان وخبرها، وحذف فعل ناصب بعد فاء الجزاء، وكلاهما نادر، والثالث أرجحها لسلامته منهما، والأوَّلان متوسطان. وقد حذفت مع معموليها بعد إن الشرطية في قولهم: افعل هذا إن ما لا أي إنْ كنت لا تفعل غيره فما عوض عن كان، ولا نافية لخبرها المحذوف كاسمها كذا قيل، وجعله المصنف من حذف كان مع اسمها فقط لأن لا جزء من الخبر فكأنه لم يحذف، وقال اللقاني: ما زائدة لتأكيد الشرط نحو: فإما ترين}(2)، ولا داخلة على فعل الشرط بلا تقدير لكان أي أن لا تفعل غيره، والجواب على كل محذوف لدلالة ما قبله، واستحسنه غير واحد لقلة تكلفه لكن ضعفه الروداني بأن ما لا تزاد قبل الشرط المنفي بلا وبأن جواب الشرط لا يحذف إلا إذا كان الشرط ماضياً. وهو على زعمه مستقبل.
---(1/270)
قوله: (من لد الخ) بضم الدال لغة في لدن وَشَوْلاً بفتح المعجمة وسكون الواو منوناً جمع شائلة على غير قياس إذ قياسها شوائل وهي النَّاقة التي خف لبنها، وارتفع ضَرْعُها، وأتى عليها من نتاجها سبعة أشهر، أو ثمانية أما الشائل بلا هاء فالتي تشول بذنبها أي ترفعه لطلب اللقاح وجمعها شوَّل كراكع وركع، والفاء زائدة، والإتلاء بالكسر مصدر أتلت الناقة إذا تلاها ولدها أي تبعها.
قوله: (من لد ان كانت الخ) أي من زمن كونها شَوْلاً. وهذا تقدير سيبويه، وفيه حذف الموصول الحرفي وصلته، وإبقاء معمولها.. وهو ممنوع وإن جاز حذف أن وحدها ا هـ صبان وفي الإسقاطي بل نص سيبويه على أن الموصول الحرفي لا يجوز حذفه إلا أن يقال إنه حل معنى أتى فيه بأن فراراً من قلة إضافة لدن إلى الجمل، وحل الإعراب من لد كانت بحذف أن، وقدرها بعضهم من لد شالت شولاً فيكون مصدراً لا جمعاً، وهو أقل كلفة لكن فيه حذف عامل المصدر المؤكد. وسيأتي ما فيه.
قوله: (ارتكب) مثل هذه العبارة لا يقال إلا فيما خرج عن القياس مع أن هذا الحكم ليس كذلك لأنهم عوضوا الحرف عن الجملة في يومئذ فعن الفعل وحده أولى.
قوله: (تحذف) أي وحدها، ولا يحذف الاسم معها كما في الشارح، وصرح به الفارضي.
قوله: (والأصل أن كنت براً) أصله الأول اقترب لأن كنت براً قدمت العلة على المعلول للحصر، ثم حذفت اللام لإطراد حذفها مع أن وزيدت الفاء في المعلول تشبيهاً بجواب الشرط في ترتبه على ما قبله، ثم حذفت كان فانفصل الضمير لأن صلة الحرف المصدري قد تحذف نحو: لا أصحبك ما أنْ حراء مكانه ما ثبت إن الخ.
---(1/271)
قوله: (أبا خراشة) بضم الخاء المعجمة وحكي كسرها صحابي وهو منادى، وأما أنت الخ علة أولى، وفإن قومي الخ علة ثانية حذف معلولاً هما لدلالة المقام أي لأن كنت ذا نفر افتخرت علي لا تفتخر فإن قومي ال والمراد بالضبع إما السنة المجدبة بالاستعارة التصريحية والأكل ترشيح، وقيل هو حقيقة فيها، أو هو الحيوان المعروف، وعلى كل فهو كناية عن عدم ضعفهم.
قوله: (وأجاز ذلك المبرد) أي على زيادة مالا أنها عوض.
قوله: (ما التزم) أي لم تلتزمه العرب.
قوله: (غير ضمير الخ) أي بأن لم يكن ضميراً أصلاً كما مثله، أو ضميراً منفصلاً كالصديق لم تك إياه، والحاصل أن شروط حذف نون كان ستة: كونها من مضارع مجزوم بالسكون وصلاً ليس بعده ساكن، ولا ضمير متصل ذكر المصنف الأولين، والشارح الأخيرين، وتركا الوسطين فلا حذف في الجزم بغير السكون نحو: وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ}
(يوسف:9)
ولا في حالة الوقف بل ترد النون لأن جزء الكلمة أولى من اجتلاب هاء السكت الواجبة في الوقف على ذي الحرفين كلم يع، والظاهر أنها لا ترد في القرآن لأن الوقف فيه على مرسوم الخط، ولأنه لا يجتلب فيه هاء سكت غير ما ثبت في الوصل نحو: اقتده}(2) فكذا النون فليحرر والله أعلم.
فصل في ما ولا ولات وإن المشبَّهات بليس
قوله: (إعمال ليس) مفعول مطلق لأعملت، وما نائب فاعله، ودون ومع حالان من ما.
قوله: (وترتيب) أي وبقاء ترتيب ركن أي علم من قوله فيما مر:
وَالأَصْلُ فِي الإخْبَارِ أنْ تُؤخّرا
لأنه يصدق بالمنسوخ.
قوله: (وسبق) مفعول به لأجاز، وهو مضاف لفاعله، وحذف مفعوله أي جاز العلماء أن الحرف، والظرف المعمولين لخبرها كما يفيده المثال يسبقان اسمها، وخبرها دونها هي لأن لها الصدر، ومفهوم ذلك أن معمول الخبر إذا كان غير ظرف لا يسبق وهو الشرط الرابع في الشارح.
---(1/272)
قوله: (على الباقي) إنما قدم هذه الحروف على بقية الأفعال لأنها أظهر شبهاً بباب كان لموافقتها ليس معنًى وعملاً، ولكثرة مجيء خبرها مفرداً فيظهر عملها الرفع والنصب بخلاف أفعال المقاربة.
قوله: (فلغة تميم الخ) بها قرأ ابن مسعود: ما هذا بشر}، ونقل عن عاصم: ما هن أمهاته}م بالرفع قال سيبويه. وهي القياس لما قاله الشارح، وقد أهملوا ليس حملاً على ما في قولهم: ليس الطيب إلا المسك بالرفع معنى.
قوله: (كعمل ليس) أي عند البصريين، أما الكوفيون فجعلوا المرفوع بعدها مبتدأ، والمنصوب خبره على نزع الخافض، ولم يعمل شيئاً ولعل الخافض هو الباء التي يزاد بعد النفي فالمنصوب مرفوع محلاً أو تقديراً كحالة وجود الباء فتأمل.
قوله: (أبناؤها الخ) قبله:
131 ــــ وَأَنَا النَّذِيرُ بِحُرَّةٍ مُسْوَدَّةٍ
تَصِلُ الجُيُوشَ إِلَيْكُمُ أَقْوادُها(4)
والحرة بفتح المهملة أرض ذات حجارة سود أراد بها هنا الكتيبة السوداء لكثرة رجالها أما الحرة بالكسر فالعطش كما قيل أشد العطش حرة على قرة أي عطش مع برد، والأقواد جمع قود كضرب جماعة الخيل والمراد بأبنائها رجالها، وبآبائهم ساداتها، ومتكنفوا بلا نون لإضافته لما بعده أي أبناء تلك القبيلة محدقون برؤسائهم، ومحيطون بهم، وفي نسخ بالنون فآباءهم مفعول به وتقصر همزته الأولى للوزن وحنقو الصدور جمع حنق بفتح فكسر من الحنق بفتحتين، وهو الغيظ وهو خبر ثان لأبناؤها، وقوله وما هم أولادها أي حقيقة بل مجازاً كقولهم هؤلاء بنو الحرب.
قوله: (أربعة) تقدم أن الرابع مذكور ضمناً لا صريحاً.
قوله: (بطل عملها) أي لأن أن تبعد شبهها بليس لكونها لا تليها أصلاً، ولضعف ما عن تخطيها، أما أن النافية فلا تضر بل تكون مؤكدة لما تأكيداً لفظياً بالمرادف بخلاف الزائدة. فتأكيدها معنوي كسائر الحروف المزادة.
---(1/273)
قوله: (أن لا ينتقض النفي) أي عن خبرها كما في الشذور، ولا يضر نقضه عن معمول الخبر إجماعاً لأنه ليس معمولاً لها نحو ما زيد قائماً إلا في الدار.
قوله: (بألا) خرج غير فيجب نصبها عند البصريين كما زيد غير قائم.
قوله: (خلافاً لمن أجازه) هو يونس والشلوبين، وتبعهما المصنف في التسهيل وسبك المنظوم لوروده في قوله:
132 ــــ وما الدَّهْرُ إلا منجنوناً بأَهلِهِ
وما صاحبُ الحاجاتِ إلا مُعذَّبَا
وقوله:
133 ــــ وَمَا حَقُّ الّذِي يَعْثُو نَهَاراً
وَيَسْرِقُ ليْلَه إلاّ نكالاَ
وأجيب بأنه شاذ أو مؤول بأنه مفعول مطلق للخبر المحذوف أي يدور دوران منجنون وهو دولاب الماء ويعذب معذباً أي تعذيباً وينكل نكالاً على حد: ما زيد إلا سيراً.
قوله: (وفي ذلك خلاف) اختار في التسهيل وسبك المنظوم جواز النصب، ونسبه لسيبويه. وهو مذهب الفراء، وقال الجرمي إنه لغة سمع ما مسيئاً من أعتب أي من اعتذر من إساءته، وخرج على أنه شاذ، أو حال، والخبر محذوف أي موجود وكذا قول الفرزدق:
134 ــــ فَأصْبَحُوا قدْ أَعَادَ الله نِعْمَتَهم
إذ همْ قُرَيْشٌ وإذ ما مثْلَهم بَشَرُ
بنصب مثل أو أنه مبني لإضافته للمبني على حد: مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقونَ}
(الذاريات:23)
فهو مبتدأ وبشر خبره وما مهملة لأنه تميمي.
قوله: (وقد صرح بهذا الخ) رد بأن تقديم الظرف إذا كان معمول الخبر لا يضر فكيف بالخبر نفسه، أو قد منعوا تقديم معمول خبر كان على اسمها للفصل بين العامل ومعموله بمعمول غيره دون الخبر فكان هنا بالأولى لأن الحرف أضعف من الفعل، ولذا كان مذهب الجمهور الأول، وصححه الأعلم، وابن عصفور كما قاله ابن هشام أفاده في النكت.
قوله: (بطل عملها) منه قوله:
135 ــــ وقَالُوا تَعَرَّفْهَا المنازِلُ مِنْ منَى
وما كُلَّ مَنْ وافَى مِنَى أَنَا عَارِفُ
---(1/274)
بنصب كل مفعول عارف الذي هو خبر أنا، وما مهملة، ومعنى تعرفها طلب معرفتها في المنازل، وإنما أهملت لضعفها عن أن يتصرف فيها، واغتفروا الظرف لتوسعهم فيه، وكذا يمتنع تقديم معمول الخبر عليه ومعمول الاسم عليه لئلا يفصل بينها وبين معمولها بأجنبي. فلا يقال: ما زيد طعامك آكلاً، ولا: ما زيداً ضارب قائماً. وإن تردد فيهما سم كذا في يس لكن الظاهر جواز الأولى لأنه لم تفصل من معموليها معاً.
قوله: (لم يبطل عملها) منه قوله:
136 ــــ بِأُهْبَةِ حَزْمٍ لُذْ وإنْ كُنْتَ آمِناً
فما كلَّ حينٍ مَنْ تُوالي مُوَالِيَا
قوله: (أن لا تتكرر) أي مع كون الثانية نافية لنفي الأولى كما صرح به الشارح لصيرورة الكلام إيجاباً وهي لا تعمل فيه، وكذا إن كانت زائدة فيما يظهر قياساً على أن الزائدة أما إن كانت نافية مؤكدة للأولى لا مؤسسة فيبقى العمل كما في شرح التسهيل، واعتمده الدماميني وغيره كقوله:
137 ــــ لا يُنْسِكَ الأسَى تأسِّياً فَمَا
مَا مِنْ حِمامٍ أحدٌ مُعْتَصِمَا
قوله: (فالأولى نافية والثانية نفت النفي فبقي إثباتاً) . الأظهر في المعنى أن الأولى هي التي نفت نفي الثانية عن الخبر أي انتفى عدم قيام زيد فتأمل، وهذه العبارة ساقطة من غالب النسخ، ومحلها بعد قوله: ما ما زيد قائم.
قوله: (فإن أبدل بطل عملها) لأن إيجاب البدل إيجاب للمبدل منه وهي لا تعمل في موجب على المختار.
قوله: (في موضع رفع) أي بناء على أن الإعراب المحلي لا يختص بالمبنيات، أو رفعه مقدر لحركة الجار الزائد بناء على اختصاصه، وعلى كل فشيء الثاني بالرفع بدل منه باعتبار هذا المحل، أو التقدير لوجود محرزه وهو كونه خبر المبتدأ، ولا يعبأ به صفته.
---
قوله: (وأجاز قوم) وحينئذ فشيء الثاني بالرفع بدل من محله قبل نسخه بناء على عدم اشتراط وجود المحرز أما على اشتراطه. وهو التحقيق فيجعل خبر مبتدإ محذوف، أي إلا هو شيء الخ. وإلا حينئذٍ بمعنى لكن.(1/275)
تنبيه: يجوز نصب شيء الثاني على الاستثناء مطلقاً، وكذا على البدل من محل الأول إن أعملتها على القول الثاني، ويمتنع على الأول لأن البدل عليه يمنع عملها، ولا يجوز جره تبعاً لجر الأول مطلقاً لأنَّ الباء لا تعمل في موجب فتدبر.
قوله: (في أنه مرفوع) أي محلاّ، أو تقديراً على ما مر لأنه خبر المبتدإ وما مهملة.
قوله: (سواء جعلت الخ) وعلى كونها حجازية فهو بدل من الخبر قبل نسخه على ما مر.
قوله: (وترجيح المختار) أي بيان وجه ترجيحه، والحاصل أن الشرط الخامس والسادس ضعيفان فلذا تركهما المتن وبفرض صحة السادس يغني عنه شرط بقاء النفي لما مر.
قوله: (ورفع الخ) مفعول الزم، ومن بعد متعلق برفع.
قوله: (منصوب بما) مثله المجرور بالباء الزائدة فيتعين الرفع بعده أيضاً، ويمتنع الجر لأن الباء لا تزاد في الإثبات والنصب لما سيأتي.
قوله: (خبر مبتدإ الخ) أي وبل، ولكن حينئذٍ حرفا ابتداء لا عاطفان إذ لا يعطفان إلا المفرد فإطلاق العطف مجاز للشبه الصوري.
قوله: (وهو خبر مبتدأ محذوف) أي لا عطف على المحل على التحقيق لأنه منسوخ.
قوله: (جر الباء لخبر) البا بالقصر فاعل جر، والخبر مفعوله.
قوله: (ونفي كان) أي وبعد مادتها وإن لم تكن ماضياً، وأعم منه قول التسهيل. وبعد نفي فعل ناسخ قال في شرحه كقوله:
138 ــــ دعاني أخي والخيلُ بَينِي وبينَه
فلما دعاني لم يَجدْنِي بقُعْدُد(5)
فزاد الباء في المفعول الثاني ليجد لكونه ناسخاً منفياً، والقعدد بضم القاف والدال الأولى الضعيف.
---
قوله: (في الخبر المنفي) أي إذا كان قابلاً للإيجاب، ولم ينتقض نفيه، وفي غير الاستثناء فلا يجوز ليس مثلك بأحد، وليس زيد إلا بقائم، وقاموا ليس بزيد، وهذه الباء لتأكيد النفي على الصحيح، والمجرور بها على الأعمال منصوب محلاً أو تقديراً وعلى الإهمال مرفوع كذلك على ما مر، ولم يقع خبرها في القرآن مجرداً عن الباء إلا وهو منصوب فليحمل عليه المقرون بها.(1/276)
تنبيه: الاسم إذا وقع في محل الخبر كالخبر على قلة كقراءة: لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا}
(البقرة:177)
بنصب البر وقوله:
139 ــــ أَلَيْسَ عَجِيباً بِأَنَّ الفَتَى
يُصَابُ بِبَعْضِ الَّذِي فِي يَدَيْهِ(3)
قوله: (فكن لي) الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلّم، والفتيل خيط في شق النواة، وهو مفعول مطلق أي ليس مغنٍ إغناء قليلاً، وسواد بن قارب صحابي جليل هو قائل البيت ففيه التفات.
قوله: (أجشع القوم) أي أشدهم حرصاً على الأكل، وأعجل الأول بمعنى عجل بقرينة المدح، والثاني على بابه أو مثله، وإذ تعليلية لا ظرفية فيما يظهر.
قوله: (في النكرات) متعلق بأعملت، ولا نائب فاعله، وكليس حال من لا، أو مفعول مطلق أي عملاً كليس.
قوله: (وقد تلي) من ولي الشيء يليه ولاية أي تولاّه، ولات، وإن فاعله، وذا العملا مفعوله، والإشارة لأعمال ليس في البيت الأول لا لقوله في النكرات الخ لأن التنكير لا يشترط في أن كما، وقد للتحقيق بالنسبة للات، وللتقليل في أن استعمالاً للمشترك في معنييه فلا ينافي قول التوضيح، وعمل لات إجماع من العرب على أن هذا الإجماع لا ينافي قلة الوقوع، والمراد أن العرب أجمعت على الرفع والنصب بعدها، فلا ينافي قول الأخفش الآتي.
قوله: (بشروط ثلاثة) .
---(1/277)
اعلم أن شروط إعمال ما الأربعة تشترط كلها في هذه الثلاثة أحرف إلا عدم الاقتران بأن فإنها لا تزاد بعدها أصلاً فلا حاجة إليه لكن يظهر قياساً على ما سبق في ما أن تأكيد أن بمثلها لا يضر ثم لا يشترط غير ذلك في أن، وأما لا ولات فيزيدان بتنكير معموليهما، وتختص لا بأن لا تنفي الجنس نصاً. وإلا عملت كأنّ، وتختص لات بكون معموليها اسمي زمان كساعة، وحين وأن يحذف أحدهما فشروط لات ستة، ولا خمسة، وإن ثلاثة. قوله: (تعز) أي تسلَّ وتصبَّر والوزر الملجأ، والشاهد في الثاني صراحة أما الأول فإن جعل الخبر باقياً فكذلك، أو على الأرض، وباقياً حال كان فيه الشاهد بقرينة الثاني إذ يبعده التلفيق.
قوله: (إذ لا صاحب الخ) إذ ظرف لنصرتك، وبؤّئت ماض مجهول من بوّأه الله منزلاً أسكنه إياه والكماة جمع كميّ، وهو الشجاع المتكمي بسلاحه أي المتغطي به، وهو متعلق بحصينا.
قوله: (للنابغة) أي الجعدي وهو قيس بن عبد الله الصحابي لا الذبياني ولما وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلّم أسمعه قصيدته التي أوّلها:
140 ــــ بَلَغْنَا السَّماءَ مَجْدُنا وَسَنَاؤُنَا
وإنَّا لَنَرْجُو فَوْقَ ذلِكَ مَظْهرَا(3)
فقال له: إلى أين؟ قال: إلى الجنة فقال: إن شاء الله ثم لما وصل قوله فيها:
141 ــــ فَلا خَيْرَ في حِلْمٍ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ
بَوَادِرُ تَحمِي صَفْوَهُ أنْ يَكْدُرَا
ولا خيرَ في جَهْلٍ إذا لم يَكُنْ لهُ
حَلِيمٌ إذا ما أَوْرَدَ الأَمْرَ أصْدَرَا(4)
قال له صلى الله عليه وسلّم: «لا يفْضُضِ الله فَاكَ»(2) فلم ينكسر له سن مع طول عمره قيل عاش مائتين وأربعين سنة في الجاهلية والإسلام، وقيل غير ذلك.
قوله: (بدت) أي ظهرت على حذف مضاف، وفعل نصب بنزع الخافض لا مفعول لأن بدا لازم أي بدا فعلها كفعل الخ، وبقت بتشديد القاف أي تركت، وسواد القلب سويداؤه وسوداؤه حبته، وباغياً أي طالباً.
---(1/278)
قوله: (مؤول) أي بأن أنا نائب فاعل لمحذوف أي لا أرى باغياً من رأى البصرية فباغياً حال فلما حذف الفعل برز الضمير. أو أن ذلك الفعل خبره أي لا أنا أرى الخ فإن قيل: قد وقع في أمثلة سيبويه ما زيد قائماً ولا أخوه قاعداً فاعمل لا في المعرفة أجيب بأن لا زائدة، والاسمان تابعان لمعمول ما ا هـ تصريح.
قوله: (أن لا يتقدم خبرها) أي ولا معموله غير الظرفي كما مر في ما.
قوله: (فمذهب أكثر البصريين الخ) يتخرج عليه قول بعضهم إن قائم بشد النون فأصله أن أنا قائم أي لست قائماً حذفت همزة أنا اعتباطاً، وأدغم ثم حذفت الألف الأخيرة للوصل، ومثل هذا في لكنا هو الله ربي}(3) فأصله لكن أنا فعل به ما مر، وسمع أن قائماً على الأعمال أفاده في المغني فلكن في الآية حرف استدراك مهمل لتخفيفها، وأنا مبتدأ أول، وهو ضمير الشأن مبتدأ ثان خبره جملة الله ربي، والجملة خبر أنا قال الدماميني، وأثبت ابن عامر ألف لكنا وصلاً ووقفاً تعويضاً بها عن الهمزة، وأثبتها غيره وقفاً فقط على الأصل في ألف أنا.m
قوله: (إلا على الخ) يؤخذ منه أن نقض النفي في معمول الخبر لا يضر كما في ما.
قوله: (إن الذين الخ) أي ليس الأصنام الذين تدعونها عباداً أمثالكم. بل أقل منكم لعدم حياتها، وعقلها فكيف تعبدونها.
قوله: (زيدت عليها تاء التأنيث) أي لتقوى شبهها بليس إذ تصيرها بوزنها وهي لتأنيث لفظها كتاء ربت وثمت وحركت للساكنين، ولفرقها من تاء الفعل.
قوله: (ولات الحين) قدره معرفة لأن المنفي حين خاص، وهو الذين ينوصون فيه أي يهربون أي ليس حين مناصهم حين فرار أي ليس صالحاً له، ولا ينافي ذلك اشتراط تنكير معموليها لأن محله في الظاهر دون المقدر قوله: (كائناً لهم) أي حيناً كائناً لهم.
---(1/279)
قوله: (ولا ساعة مندم) أي ندم، والجملة حال أي وليست ساعة ندمهم ساعة ندم أي لا تصلح له، والمرتع مكان الرتع أي الرعي ومبتغيه طالبه، ووخيم كثقيل وزناً ومعنى خبر مرتع، والجملة خبر البغي.
قوله: (محتمل للقولين) فعلى الأول يكون المعنَى في سوى لفظ حين وعلى الثاني في سوى اسم حين، فيعم لفظ الحين وغيره، فتحصل أنها لا تعمل في غير اسم زمن اتفاقاً وأما قوله:
142 ــــ لَهْفِي عَلَيْكَ لَلهْفَةٌ مِنْ خَائِفٍ
يَبْغِي جِوارَكَ حينَ لاَتَ مجيرُ(2)
فتقديره حين لات يوجد مجير، أو لات مجير له فهو إما فاعل أو مبتدأ لا اسمها والله سبحانه وتعالى أعلم.
أفعال المقاربة
لم يقل كاد وأخواتها لأنه لا دليل على أنها أمُّ بابها بخلاف كان ولما مر قيل: والمراد أصل القرب كسافر لا حقيقة المفاعلة لأنه للخبر فقط، وقد يقال يلزم من وضعها لقرب الخبر من الاسم دلالتها على قرب الاسم من الخبر. فتكون على بابها وأصل كاد كود بالواو لحكاية سيبويه كدت بالضم، وكان قياسها أكود كطلت أطول لكنهم قالوا: أكاد شذوذاً، وجعله المصنف من تداخل اللغتين فاستغنوا بمضارع كدت المكسورة عن مضارع المضمومة. ا هـ صبان، وقولهم: كدت بالكسر لا يدل على أن عينها ياء لاحتمال أنه لبيان حركة العين كخفت فتحصل أنه لا يقال: كاد يكود، ولا يكيد هذا في التي بمعنى قارب، أو التي بمعنى المكر فكاد يكيد.
قوله: (ككان كاد) أي في العمل، وعدم الاستغناء بالمرفوع لا مطلقاً كما يفيده قوله: لكن ندر الخ أي فتخالفها في ذلك، وكذا في كون الخبر لا يرفع الظاهر كما سيأتي، ولا يتقدم على الفعل اتفاقاً، ولا يتوسط مقترناً بأن كما صححه ابن عصفور والدماميني، ويجوز حذفه إن علم كحديث من تأتي أصاب أو كاد، ومن عجل أخطأ، أو كاد، وفي أنها لا تزاد بخلاف كان في الجميع، ولذا أفردت عنها بباب.
---(1/280)
قوله: (تاء الفاعل) أي الواحد وأخواتها أي تاء المُثَنَّى والجَمْعِ ونون النسوة، والتكلم مع غيره كما مثل بعضه.
قوله: (وهي كاد وكرب الخ) زاد في التسهيل أدلى، وفي بعض نسخه وألم.
قوله: (على الرجاء) بالمد وأصله الطمع في الأمر المحبوب لكن المراد هنا ما يعم الطمع في الخير محبوباً، والإشفاق أي الخوف منه مكروهاً ففيه تغليب كما في يس، وقد اجتمعا في آية عَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئَاً}
(البقرة:216)
الخ فالأولى للترجي، والثانية للإشفاق كما قاله الدماميني نظراً للواقع، ونفس الأمر وعكس الشمني نظراً إلى حال المخاطبين، وما عندهم، وعسى في الآية ()، وأن والفعل فاعلها.
قوله: (على الإنشاء) أي الشروع في العمل، ولذلك تسمى أفعال الشروع.
قوله: (وهي جعل وطفق الخ) زاد المصنف في غير هذا الكتاب قام كقام زيد ينظم وهب كقوله:
143 ــــ هَبَبْتُ أَلُومُ القَلْبَ في طاعةِ الهَوَى
فلَجَّ كأنِّي كُنْتُ باللَّومِ مُغْرِيا
وينبغي عد شَرَعَ وزاد الرضى أقبل، وقرب، وفي الشذور هلهل كقوله:
144 ــــ وطِئْنَا ديارَ المعتَدِينَ فَهَلْهَلَتْ
نفوسُهمُ قَبْلَ الإمَاتَةِ تَزْهَقُ
قال في النكت: ولم أقف عليه لغيره، بل جزم في التسهيل بأنها لدنو الخبر، وكذا في الجامع وغيره.
قوله: (من باب تسمية الخ) مثله في التوضيح، واعترض بأن شرط هذه التسمية أن يكون الكل مركباً حقيقة كتسمية المركب من كلمتين فأكثر كلمة، وأما تسمية الأشياء المجتمعة بلا تركيب باسم بعضها فتغليب كالقمرين فكان الأنسب أن يقول فغلب البعض لشهرته، وكثرة وقوعه على الباقي على أنه قيل: إن الجميع للمقاربة إذ الشروع في الفعل يلزمه القرب منه، ورجاؤه قريب من تقدير حصوله فلا مجاز ولا تغليب.
---(1/281)
قوله: (إلا مضارعاً) أي ولا يرفع إلا ضمير اسمها لا الظاهر، ولو سببياً في غير عسى لأن وضع هذه الأفعال على تعلق الخبر بنفس مرفوعها لا بغيره فلا بد فيه من ضميره ليتحقق ذلك وجوز في التسهيل رفعه السببي بقلة كقوله:
145 ــــ وأَسْقِيِهِ حتَّى كَادَ مِمَّا أبثُّهُ
تُكَلِّمُنِي أحْجَارُهُ وَمَلاعِبُهْ(2)
وقوله:
146 ــــ وَقَدْ جَعَلْتُ إذا قمت يُثْقِلنِي
ثَوْبِي فأنهضُ نَهْضَ الشَّاربِ السَّكِرِ
وكنْتُ أمْشِي على رِجْلَيْنِ مُعْتَدِلاً
فَصِرْتُ أمْشِي على أخْرَى مِنَ الشَّجَرِ(3)
وأُوِّلا بأن ثوبي، وأحجاره بدلا اشتمال من اسم جعلت وهو التاء، واسم كاد وهو ضمير يرجع لربع مية قبله، وفاعل يثقلني وتكلمني ضمير البدل لتقدمه رتبة، ولأنه المقصود بالحكم، والفعلان خبران لعامل البدل المقدر فأغنيا عن خبر المذكور، أما خبر عسى فيرفع السببي بلا قلة خلافاً لأبي حيان في النكت الحسان، والمراد بالسببي هنا الظاهر المضاف لضمير اسمها كقوله:
147 ــــ وماذا عَسَى الحجاجُ يَبْلُغُ جُهْدُهُ
إذا نَحنُ جاوَزْنَا حَفِيرَ زيَادِ(4)
برفع جهده أي، ما الذي يقال فيه عسى الحجاج يبلغه جهده، وأما على نصبه ففاعل يبلغ ضمير الحجاج، ولا شاهد فيه أن يبلغ الحجاج جهده به.
قوله: (وندر مجيئه اسماً) أي شذ كما في التوضيح، وليس من ذلك فطفق مسحاً}(5)، بل الخبر محذوف أي فطفق يمسح السيف بسوق الخيل أي أرجلها وأعناقها فمسحاً مصدر مبين للنوع لتعلق ما بعده به لا مؤكد حتى يمتنع حذف عامله.
---(1/282)
قوله: (مُلِحَّاً) اسم فاعل من ألحَّ في القول داوم تكراره، وصائماً أي ممسكاً عن خطابك، أو سماع كلامك، وهو محل الشاهد، ومثله قول الزباء: عسى الغُوَيْرُ أَبْؤُساً تصغير غار اسم ماء لكلب، وأبؤس أي شدائد جمع بؤس، وهو مثل يضرب لتوقع الشر من محل معين لكن صوب في المغني أنه مما حذف منه كان أي يكون ذا أبؤس لبقاء عسى على استعمالها الأصلي ا هـ وسبقه إلى ذلك ابن جني فقال في البيت الآتي: وما كدتُ أكونُ آيباً، ومثلُه يقالُ في عسيتُ أكونُ صائماً، أفاده المصرح.
قوله: (فأبت) أي رجعت، فُهْم قبيلة وآيباً أي راجعاً محل الشاهد، وكم خبرية بمعنى كثير مبتدأ ومثلها بالجر تمييز لها، وفارقتها خبر، وتصفر بالفاء مضارع صفر كتعب يتعب أي خلا، أو مضارع أصفر كأكرم يكرم بمعناه.
قوله: (لكن في قوله الخ) أشار الأشموني لجوابه بأن فيه تقدير العطف أي لهذين وأخواتهما لأنه ورد في غيرهما كون الخبر جملة اسمية، وماضوية أي فغير المضارع موزع على الجميع لكن يحتاج إلى إثبات وروده ظرفاً ومجروراً أيضاً، وإلا فالأولى الجواب بأن الحكم بالندور على غير المضارع يكفي في صدقه ثبوته لبعض أفراده، وإن لم يثبت للجميع فالاسمية كقوله:
148 ــــ وقدْ جَعَلَتْ قلوصُ بني زيادٍ
من الأكْوارِ مَرْتَعُهَا قَرِيبُ(2)
والقَلوص الناقة الشابة والأكوار جمع كور بالفتح وهو المنزل كما في الصَبان. أي جعلت ترعى قرب المنازل لضعفها، والماضوية كقول ابن عباس فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً بناء على أن إذا ظرف لأرسل مجرد عن الشرط، وإلا فالخبر جملة الشرط، وجوابه ولك جعله جملة ماضوية على هذا أيضاً باعتبار أن المقصود من الجملة الشرطية جوابها، والشرط قيد له لا سيما مع كون أرسل عاملاً في إذا فهو أول الجملة في الحقيقة فتدبر.
---(1/283)
قوله: (كثير) أي لأن المترجى مستقبل فيناسبه أن لاستقبالها، ومن ثم خص الجمهور عدمها بالشعر كما في الشارح ويحتاج في صحة الإخبار بها عن الذات إلى تأويل كالمصدر الصريح أي عسى زيد ذا أن يقوم، أو عسى حال زيد أن يقوم. لكن قال السيد: المصدر المؤوول يصح حمله على الذات بلا تأويل كزيد إما أن يقول خيراً، أو يسكت لاشتماله على الفعل والفاعل والنسبة بخلاف الصريح.
قوله: (عسى الكرب الخ) بعده:
149 ــــ فَيَأْمَنُ خَائِفٌ وَيُفَكُّ عَانٍ
ويَأْتِي أَهْلَهُ النَّائِي الغَرِيبُ(5)
وأمسيت فيه بضم التاء، ويروى بفتحها على أنه جرد من نفسه شخصاً يخاطبه، واسم يكون ضمير الكرب، وجملة وراءه فرج خبرها، وليس فرج اسمها، ووراءه خبرها لأن خبر عسى لا يرفع إلا ضمير اسمها، أو سببيه المضاف لضميره، وفرج أجنبي منه كذا في التصريح، والدماميني وغيرهما وانظر ما تصنع في قوله: عسى فرج يأتي به الله فإن فاعل يأتي لفظ الجلالة وهو أجنبي من الاسم، وإنما حصل الربط بينهما بالهاء من به فمقتضى ذلك أنه لا يشترط السببي بالمعنى المذكور، بل يكفي ملابسته للضمير بأي وجه كالهاء من: وراءه ويؤيد ذلك تجويز ابن أياز كما في التصريح جعل يكون تامة، ووراءه متعلقاً بها فإن فاعلها حينئذ هو فرج لا ضمير الاسم لأن القصد الحكم بوجود الفرج عقب كربه لا بوجود الكرب لأنه حاصل فتأمل برأي سديد، ولا تكن أسير التقيد.
قوله: (عسى فرج الخ) قبله:
150 ــــ عَلَيْكَ إذا ضَاقَتْ أمورُكَ والْتَوَتْ
بِصَبْرٍ فَإِنَّ الضِّيقَ مِفتاحُهُ الصَّبْرُ
وَلاَ تَشْكُوَنْ إِلاّ إِلى الله وَحدَهُ
فَمِن عِنْدِهِ تَأْت الفَوائِدُ والبِشْرُ(6)
عسى فرج الخ وبعده:
151 ــــ إذا لاحَ عُسْرٌ فارجُ يُسْراً فإنَّهُ
قضى الله أنَّ العُسْرَ يَعْقُبُه يُسْرُ(3)
---(1/284)
وضمير أنه وله للجلالة وليس الأول للشأن لتقدم مرجعه مع احتياج الثاني إلى ذلك المرجع، وله خبر عن أمر، وفي خليقته حال، وكل يوم ظرف للخبر.
قوله: (أن يتجرد الخ) أي لدلالتها وضعاً على قرب الخبر فكأنه مشروع فيه حالاً لا مستقبل، وقرن بها قليلاً نظراً لأصلها من استقبال خبرها، وإن كان قريباً في ذلك كرب.
قوله: (فذبحوها الخ) لا يناقضه، وما كادوا يفعلون الدال على انتفاء الذبح بانتفاء مقاربته لعدم اتحاد زمنهما الذي هو شرط التناقض إذ المعنى: فذبحوها بعد أن امتنعوا حتى لا يقربوا منه، ولا تناقض في ذلك وأما الجواب بأن كاد نفيها إثبات، وعكسه فباطل لأنها كسائر الأفعال يتسلط النفي على معناها، وهو مقاربة الخبر، ويلزمه نفي الخبر بالأولى، ولذا كان قوله تعالى: لَمْ يَكَدْ يَرَاها}
(النور:40)
أبلغ من: لم يرها لأن نفي الرؤية لا ينفي مقاربتها بخلاف عكسه وكذا قول ذي الرمة:
152 ــــ إِذَا غَيَّرَ النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يَكَدْ
رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ(4)
أبلغ من لم يبرح أي لم يذهب كما لا يخفى.
قوله: (من بعد ما كاد(5) الخ) اسم كاد ضمير القوم المعلوم من ذكر المهاجرين والأنصار قبله، وقلوب بدل منه، وتزيغ بالفوقية فاعله ضمير القلوب لتقدمها رتبة كما مر في تكلمني أحجاره لا القلوب نفسها لئلا يخلو الخبر عن ضمير الاسم، أما على قراءته بالتحتية فلا يصح كون القلوب فاعله لما ذكر، ولا ضميرها لوجوب تأنيث الفعل المسند لضمير المؤنث قال الدماميني بل هو على إضمار الشأن: ا هـ أي فاسم كاد ضمير الشأن لا أنه فاعل يزيغ إذ ليس بعده جملة تفسره، ولأنه لا يرفعه إلا الابتداء، أو نواسخه لكن حينئذ يخلو الخبر عن ضمير الاسم إلا أن يخص هذا الشرط بغيرضمير الشأن لأن جملة المضارع لكونها مفسرة له كأنها عينه وذلك أبلغ في الربط من اشتمالها على الضمير فتأمل.
---(1/285)
قوله: (أن تفيض الخ) يقال فاض الرجل يفيض فيضاً وفيوضاً وفيضاناً بالضاد أو الظاء بدلها إذا مات، وكذلك فاضت نفسه وفاظت أي خرجت روحه عن أبي عبيدة، والفراء قالا: والضاد لتميم والظاء لقيس، ومنع الأصمعي فاظت نفسه بالظاء وفاض مع النفس وغيرها لأن الفيض للدمع والماء، وإنما يقال فاظ إذا مات كذا في الصحاح بزيادة، وبه يعلم ما في السجاعي، والريطة بفتح الراء وسكون التحتية، وبالطاء المهملة الملاءة إذا كانت شقة واحدة، وقد تطلق على كل ثوب رقيق، وجمعها رياط ككلبة وكلاب، والبُرود جمع بُرد نوع من الثياب، والمراد أنه صار حشو أكفانه.
قوله: (وكعسى) خبر عن حرى بفتح المهملة والراء، وحتماً صفة لمصدر محذوف أي اتصالاً حتماً.
قوله: (والزموا الخ) يصح في كل من اخلولق، وأن كونه مفعولاً أولاً، أو ثانياً لأن اللزوم من الجانبين. ومثل حرى حال من اخلولق.
قوله: (وبعد الخ) متعلق بنزراً الذي هو خبر عن انتفا بالقصر للضرورة لأن التقاء الهمزتين من كلمتين لا يجوز حذف إحداهما اختياراً إلا إذا اتفقا في الحركة.
قوله: (لكن يجب الخ) إنما وجبت فيهما دون عسى مع أن الثلاثة للرجاء المختص بالمستقبل لأن عسى هي الأصل، والشهيرة فيه فاغتنت عن لزوم أن بخلافهما.
قوله: (وأم أوشك الخ) إنما خالفت كاد وكرب مع أن الثلاثة عند المصنف للقرب المرجح للتجرد لأن أصل وضعها للسرعة كأوشك فلان يوشك إيشاكاً أي أسرع السير ووشك البين سرعة الفراق، ثم عرض استعمالها في القرب لترتبة على الإسراع فلذلك خالفتهما، أما على ما ذكره الشاطبي عن الشلوبين وغيره من أنها للرجاء كعسى فالأمر ظاهر لكن كان حقها لزوم كحرى واخلولق. إذ لم تشتهر في الرجاء اشتهار عسى فتأمل.
قوله: (غراته) بكسر المعجمة وشد الراء أي غفلاته، والبيت من المنسرح.
---(1/286)
قوله: (وترك أن الخ) ليستفيد من النظم أن خبر هذه الأفعال أربعة أقسام ما يجب اقترانه بأن، وهو حرى واخلولق، وما يجب تجرده وهو أفعال الشروع، وما يغلب اقترانه، وهو عسى وأوشك، وما يغلب تجرده وهو كاد وكرب.
قوله: (يحدو) بمهملتين بعد التحتية أي يغني للإبل لتسرع والسائق هو الذي يسوقها.
قوله: (وطفق) بالفاء والموحدة بدلها كفرح فيهما.
قوله: (وزعم المصنف الخ) نقل الطبلاوي عن شرح(4) مسلم للنووي أن سيبويه كثيراً ما يريد بالزعم النسبة إلى القائل لا التمريض فليحمل كلام الشارح عليه.
قوله: (من جواه) أي شدة وجده وحزنه.
قوله: (سقاها) أي العروق المذكورة في قوله:
153 ــــ مَدَحْتُ عُروقاً لِلنَّدى مَصَّتِ الثَّرى(5)
وهو بضم العين جمع عرق لا بفتحها بمعنى الفرس الخفيفة لحم العارضين إذ لا يناسبه الجمع في أعناقها، ولأن الشاعر يهجو جماعة بأنهم حديثون في الغنى، وأصلهم الفاقة كما في العيني والأحلام العقول، والسجل بالفتح الدلو العظيمة ممتلئة كما في القاموس، أو التي فيها ماء وإن قل وتقطَّعا أصله تتقطّعا صبان.
قوله: (لا غير) لا عاطفة لغير على أوشك فهو مبني على الضم في محل جر أي لا لغيرهما مكودي.
قوله: (فموشكة الخ) خبر عن أرضنا، وفيه ضمير هو اسمه، وأن تعود خبره، وخلاف بمعنى بعد كقوله تعالى: فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ الله}
(التوبة:81)
ووحوشاً خبر تعود أي تصير، وهو بفتح الواو أي متوحشة، وبضمها أي ذات وحوش، وبباباً بفتح التحتية بعدها موحدتان أي خراباً.
---(1/287)
قوله: (أموت أسى) أي حزناً، والرجام بكسر الراء وبالجيم اسم موضع وقع به حرب، ورهن أي مرهون، وكائد بالهمز التي ترسم ياء بلا نقط لما سيأتي في الأبدال، وخبره محذوف أي كائد آتيه كما في شرح الكافية، وتصويب الموضح أنه بالموحدة من المكابدة على غير قياس إذ قياسه مكابد كمقاتل فلا شاهد فيه رجع عنه في شرح الشواهد الكبرى فقال: ظهر لي أن الحق مع الناظم ا هـ تصريح، وقد يقال لا شاهد فيه على الأول أيضاً لاحتمال أنه من كاد التامة بلا تقدير خبر أي بالذي أنا قريب من فعله كما قالوا إن قوله:
154 ــــ أَبُنَيَّ إِنَّ أباكَ كارِبُ يَوْمِهِ
فَإذا دُعِيتَ إلى المكَارِمِ فاعْجَلِ(4)
لايدل على مجيء اسم الفاعل من كرب الناقصة لاحتمال أنه من التامة كقولهم كرب الشتاء أي قرب والأصل كارب يومه بالرفع أي قريب يوم وفاته، ولا يرد أنه لم يأت من أفعال الباب تاماً غير ما في البيت الآتي لأن المراد به المكتفي بأن يفعل لا مطلقاً فتدبر.
قوله: (عسى يعسى) قيل وعسى يعسو أيضاً فهو واوي ويائي.
قوله: (مضارع طفق) أي ومصدره أيضاً كمصدر جلس وفرح.
قوله: (مضارع جعل) كقولهم: إن البعير ليهرم حتى يجعل إذا شرب الماء مجه. وفيه شذوذ وقوع الماضي خبراً كما مر في: أرسل رسولاً فتلخص من الشرح أن ما ورد له المضارع خمسة، وزيد عليها كرب يكرب كنصر ينصر وما ورد له اسم فاعل اثنان، وزاد الموضح كارب يومه، وقد علمت ما فيه، واستعمل المصدر لثلاثة لطفق كما مر، ولأوشك إيشاكاً، ولكاد كوداً، ومكاداً ومكادة وكيداً. بقلب الواو ياء هذا حاصل ما في التوضيح وشرحه.
قوله: (أوشك قد) بسكون الكاف للوزن فتدغم في القاف فتصير قافاً مشددة.
قوله: (غني بأن يفعل عن ثان) أي عن أن يكون لها ثان لتمامها فلا خبر لها أصلاً كما هو مذهب الجمهور، وأما عند الناظم فهي ناقصة وأن يفعل سد مسد معموليها كما سد مسد المفعولين في: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}
(العنكبوت:2)
---(1/288)
ولا يضر كونه في محل نصب ورفع لأنه باعتبارين كما في: أعجبني كونك مسافراً، وكان المناسب للشارح حمله على مذهبه بأن يقول: غني عن ثان أي وعن الأول أيضاً، وإنا سكت المصنف عن هذا الوقوع أن يفعل في محله فإغناؤه عنه واضح.
قوله: (الشلوبين) بفتح الشين وضم اللام، وقد تفتح، وينطق بما بعد الواو بين الفاء والموحدة لأنه لفظ أعجمي كما ذكره الدماميني.
قوله: (وتجويز وجه آخر) أورد عليه التباس اسم عسى وأصله مبتدأ بفاعل الفعل بعدها. وقد منعوا تقديم الخبر الفعلي على المبتدأ لئلا يلتبس بالفاعل، وقد يجاب بأن هذا اللبس لا محذور فيه هنا لأن الجملة لم تزل فعلية لتصديرها بعسى بخلافه هناك فإن الجملة تخرج عن الاسمية إلى الفعلية ا هـ، ويرده جواز كونه حينئذ مبتدأ مؤخراً، وجملة عسى خبره، وفيها ضمير فتنتقل إلى الاسمية كما ذكره الأشموني في شرح التوضيح أفاده سم وهو يؤيد ما مر في: وليس كل النوى.
قوله: (مرفوعاً بعسى) قال سم: هل يجوز ذلك إذا لم يقترن الفعل بأن كعسى يقوم زيد هـ واستظهر الصبان الجواز إن قدرت أن مع الفعل وإلا وجب لعدم ما يصلح لمرفوعية عسى حينئذ غيره.
تنبيه: يمتنع كون الظاهر اسم عسى في: عسى أن يضرب زيد عمراً، لئلا يفصل بين صلة أن، وهي يضرب ومعمولها، وهو عمراً بأجنبي هو زيد، ونظيره قوله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً}
(الإسراء:79)
إن نصب مقاماً يبعثك على الظرفية، أو غيرها فإن جعل مصدر المحذوف أي فتقوم مقاماً جاز الأمران.
قوله: (لُغَة الحِجَازِ) عليها قوله تعالى: لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا}
(الحجرات:11)
.
قوله: (وَأَمَّا غَيْرُ عَسَى الخ) صريح في أن اخْلَولَقَ، وأوشك يجب فيهما الإضمار، ولكن نص المرادي والأشموني وغيرهما على أنهما كعسى.
---(1/289)
قوله: (وانْتَقَا) بكسر التاء الفوقية فقاف مصدر انتقاه أي اختاره، قصره للضرورة والفتح مضاف إليه، وزكن أي علم لكونه الأصل والمشتهر، والله أعلم.
إن وأخواتها
قوله: (وِهَيَ سِتَّةُ أَحْرُفٍ) زاد الموضح عسى في لغة حملاً على لعل لكونها بمعناها، وإنما يكون اسمها ضمير نصب متصلاً كقوله:
155 ــــ فَقُلْتُ عَسَاها نَارُ كَأْسٍ وَعَلَّها(2)
وهي حينئذ حرف كامل، وفاقاً للسيرافي، وخلافاً للجمهور في إطلاق فعليتها، ولابن السراج وثعلب فى إطلاق حرفيتها ا هـ، والحاصل أن نحو: عساك وعساه فيه ثلاثة مذاهب: مذهب سيبويه أنها حرف كلَعَلَّ، ومذهب المبرد أنها على أصلها تعمل عمل كان لكن انعكس طرفا الإسناد فما كان مبتدأ في الأصل وهو الضمير جعل خبرها مقدماً، وجعل خبره اسمها مؤخراً فالضمير على هذين في محل نصب.s ومذهب الأخفش أنها على أصلها، والضمير اسمها في محل رفع لكن ناب ضمير النصب عن ضمير الرفع، ويرده رفع الخبر في البيت المار وأن النيابة إنما سمعت في المنفصل نحو: ما أنا كأنت لا في المتصل. وأما قوله:
156 ــــ يا ابْنَ الزُّبَيْرِ طَالَمَا عَسَيْكا
فالكاف بدل من التاء بدلاً تصريفياً لا نيابة.
قوله: (فأسقط أن الخ) وإنما لم يسقط كان مع أن أصلها أن المكسورة، والكاف لانتِساخ هذا الأصل بصيرورتهما كلمة واحدة بدليل أن الكاف لا تتعلق بشيء، ولا تجر ما بعدها عند الجمهور، وأما المفتوحة فلم ينسخ عنها حكم أصلها بدليل جواز العطف بعدها على معنى الابتداء كالمكسورة.
قوله: (لِلتَّوْكِيدِ) أي منسوب له من نسبة الجزئي لكليه لأن توكيدهما جزئي من مطلق توكيد، أو اللام زائدة أي معناهما التوكيد، وكذا الباقي، والمراد توكيد النسبة، وتقريرها في ذهن السامع إيجابية كَإِنَّ زيداً قائمٌ، أو لا نحو: إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ النَّاس شَيْئاً}
(يونس:44)
---(1/290)
فإن قلتَ كيف تكون المفتوحة للتوكيد مع أنها بمعنى المصدر فمعنى علمت أنك قائم: علمت قيامك، ولا توكيد فيه لعدم جريانه على فعله؟ قلت: كونها بمعناه لا يوجب مساواتها له من كل وجه. سم.
قوله: (للتَّشْبِيهِ) أي المؤكد لتركبها من الكاف التشبيهية، وأن المؤكدة، والأصل: إن زيداً كأسد قدمت الكاف لتفيد التشبيه ابتداء ففتحت الهمزة للجار، ثم صارا كلمة واحدة، ولا يليها إلا المشبه، وأما الكاف ومثل فيليهما المشبه به قال في المغني:أطلق الجمهور كونها للتشبيه، وزعم جماعة تقييده بخبرها الجامد فإن كان وصفاً أو ظرفاً أو فعلاً، كانت للظن. قال الكوفيون، وترد للتحقيق كقوله:
157 ــــ فأَصْبَحَ بَطْنُ مَكَّةَ مُقْشَعِرّا
كأنَّ الأرضَ لَيْسَ بِها هِشَامُ
أي لأن الأرض الخ، وللتقريب نحو: كأنك بالفرج آت، وبالشتاء مقبل، وكأنك بالدنيا لم تكن، وبالآخرة لم تزل. وقد اختلف في إعراب ذلك فقيل: الكاف اسم كان على حذف مضاف في الأولين، وما بعد الجار خبرها أي كان زمانك مقبل بالفرج، أو بالشتاء. وأما الأخيران فأحسن ما قيل فيهما كما قال الرضي أن الخبر محذوف، ولم تكن حال، بدليل روايته بالواو كقولهم: كأني بالليل وقد أقبل، وبالشمس وقد طلعت. والأصل كأنك تبصر الدنيا حال كونها لم تكن وكأني أبصر الليل الخ فحذف الفعل وزيدت الباء. ا هـ ولولا وروده بالواو لأمكن جعل لم تكن خبراً، والباء بمعنى في متعلقه به، وقيل الظرف خبر، ولم تكن حال لما ذكر.
---(1/291)
قوله: (لِلاسْتِدْرَاكِ) هو تعقيب الكلام برفع ما يُتَوَهَّمُ ثبوته كزيد شجاع لكنه ليس بكريم، أو بإثبات ما يتوهم نفيه كما زيد شجاع لكنه كريم، وما قام زيد لكن عمرو، إذا كان بينهما ملابسة كملابسة الكرم والشجاعة. هذا هو التعريف السالم من التكلف، وأما قولهم: تعقيب الكلام برفع ما يتوهم ثبوته أو نفيه، فظاهره فاسد سواء قرىء نفيه بالرفع عطفا على ثبوته، أو بالجر عطفاً على الهاء إذ المعنى على الأول، أو، برفع ما يُتوهَّم نفيه وعلى الثاني، أو برفع ما يتوهم ثبوت نفيه، وإذا كان النفي أو ثبوت النفي متوهماً لشيء فأي حاجة لنفي ذلك الشيء بالاستدراك فلا بد لصحته من تقدير مضاف أي أو برفع نفي ما يتوهم نفيه، ورفع النفي إثبات، كما أن المراد في الأول برفع ثبوت ما يتوهم ثبوته فتأمل. وعلى هذا التعريف فكون لكن للاستدارك غالبي إذ قد ترد لمجرد التوكيد كلو جاء زيد لأكرمته لكنه لم يجىء أكدت لو في نفي المجيء، وكذا ما زيد ساكن لكنه متحرك، وقيل: لا تخرج عنه أصلاً وهو المشهور، لكن فسروه بمخالفة حكم ما بعدها لما قبلها. وإن لم يندفع به توهم فلا تقع إلا بين متغايرين إما بالتناقض كما ذكر، أو التضاد كما زيد أبيض لكنه أسود، وكذا بالخلاف. كما اختاره الرضي كما زيد قائم لكنه ضاحك، وقيل: يُمنع هذا. أفاده في المغني مع زيادة.
قوله: (وَفِي غَيْرِ المُمْكِنِ) أي الممتنع. وهو الأكثر فيه، ولا يكون في الواجب كليت غداً يجيء، وأما فتمنوا الموت فالمراد: تمنوا تعجيله، وهو مستحيل.
قوله: (إِلاَّ فِي المُمْكِنِ) أي المتوقع، أما الممكن في التمني فغير متوقع فهذا فرق ثانٍ، ولا يرد قول فرعون: لعلَّي أبلغ الأسباب الخ، لأنه ممكن متوقع في زعمه الباطل.
---(1/292)
قوله: (والإشفَاقُ فِي المَكْرُوهِ) أي الخوف منه كقدوم العدو في مثاله، وأما التمثيل له بلعل العدو هالك فباطل لأن هلاكه محبوب لا مكروه. ولا بُدَّ من كون المكروه ممكناً كالمحبوب، ولا يرد قوله تعالى: فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ ما يُوحَى}
(هود:12)
الخ لأن الترك والضيق ممكنان في ذاتهما وإن استحالا عقلاً بالنسبة له صلى الله عليه وسلّم لأن دليل عصمته عقلي.
فائدة: اختلف في لعل وعسى في كلامه تعالى لاستحالة ترَقُّبِهِ غير الموثوق به، إذ علمه محيط فقيل: وللتحقيق: الوقوع. ويرد عليه: فلعلَك تارك الخ، وقيل إنهما باعتبار حال المخاطبين فالرجاء والإشفاق متعلقان بهم كالشك في أو ويؤخذ من التصريح أن معناهما في القرآن أمر بالترجِّي أو الإشفاق.
قوله: (عَكْسُ عَمَلِ كَانَ) إنما عملت رفعاً ونصباً كالأفعال لأنها أشبهت كان في لزوم المبتدإ والخبر والاستغناء بهما، وأشبهت مطلق الماضي لفظاً في البناء على الفتح وكونها ثلاثية فأكثر، ومعنًى لكونها بمعنى أكدت، وتمنيت مثلاً، وعملت على عكس الفعل تنبيهاً على الفرعية، ولم ينبه عليها في ما وأخواتها مع حملها على ليس لظهور فرعيتها بعدم اتفاق العرب على إعمالها.
قوله: (فتنصب الاسم) أي اتفاقاً بخلاف الخبر قال في التسهيل ما لا تدخل عليه دام من المبتدأ والخبر لا تدخل على هذه الأحرف أي فلا تدخل على المبتدأ لازم الحذف، أو الابتداء أو التصدير إلا ضمير الشَّأن إلى آخر ما مر في كان. وأما قوله:
158 ــــ إنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنِيسَةَ يَوْماً
يَلْقَ فِيهَا جَآذِراً وظِبَاءَ
فاسم إن ضمير الشأن محذوف لا من الشرطية للزومها الصدر، وقد كثر فيها حذف ضمير الشأن. ومنه كما قاله المصنف حديث: «إِنَّ من أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصوّرون» وليست من زائدة في اسم أن خلافاً للكسائي ولا تدخل على خبر طلبي ولا إنشائي وأما نحو: إِنَّ الله نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ}
(النساء:58)
---(1/293)
إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
(التوبة:9)
فهو إما على تقدير القول كقوله:
159 ــــ إِنَّ الَّذِينَ قَتَلْتُمْ أَمْسِ سَيِّدَهُمْ
لاَ تَحْسَبُوا لَيْلَهُمْ عَنْ لَيْلِكُمْ نَامَا
أو على استعمال نعم وشبهها خبراً لا إنشاء، واستثنى في المغني أن المفتوحة المخففة، فيكون خبرها جملة دعائية كقراءة: أن غضب الله عليها، بسكون النون. وغضب كفرح، وقولهم أما إن جزاك الله خيراً.
قوله: (وَتَرْفَعُ الخَبَرَ) حكى قوم منهم ابن سيده أن بعض العرب ينصب بها الجزأين كقوله:
160 ــــ إذا اسْوَدَّ جُنْحُ اللَّيلِ فَلْتَأْتِ ولَتَكَنْ
خُطَاكَ خِفَافاً إِنَّ حُرَّاسَنَا أُسْدَا
وقوله:
161 ــــ كأنَّ أُذْنَيهِ إذا تَشوّفَا
قَادمةً أو قلماً محرَّفا
وقوله:
156 ــــ وَيَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا
ولعل أباك قائماً، وأوله الجمهور بحذف الخبر، والمنصوب الثاني. أما حال أي تلقاهم أسدا وأقبلن رواجعا. ويوجد قائماً، أو مفعول به كيشبهان قادمة من قوادم الطير وهي مقدمة أجنحته، بل الحذف في هذا متعين لئلا يخبر بالمفرد عن غيره.
قوله: (وَذَهَب الكُوفِيُّونَ الخ) سيأتي ما يترتب عليه عند قوله: وجائزٌ رفعك الخ.
قوله: (وَهُوَ خَبَرُ المُبتَدَأ) الواو للحال أي باقٍ عل رفعه في حال كونه خبر المبتدأ فهو مرفوع بالمبتدأ قبل النسخ وبعده، وبدليل أنه لا يفصل بينها وبين اسمها ولو كان معمولاً لجاز، ومذهب البصريين أصح لما مر من شبهها الفعل، وأما عدم الفصل فلما سيذكر قريباً.
قوله: (وراع ذا الترتيب) أي المعلوم من الأمثلة السابقة من تأخير الخبر عن الاسم، ولم يراعَ في كان لضعف هذه بالحرفية والفرعية مثل ما وأخواتها، وما أحسن قول ابن عنين:
كَأَنِّي مِنْ أَخْبَارِ أَنَّ وَلَمْ يُجِزْ
لَهُ أَحَدٌ فِي النَّحْوِ أَنْ يَتَقَدَّمَا
عَسَى حَرْفُ جرَ مِنْ نَدَاكَ يَجُرُّنِي
---
إِليْكَ فَأَضْحِي فِي عُلاَكَ مُقَدَّما(1/294)
قوله: (إِلاَّ فِي الَّذِي) استثناء من مقدر أي في كل تركيب إلا في التركيب الذي استقر، كليت الخ. في كون خبره ظرفاً أي يقدم الخبر على الاسم لتوسعهم في الظروف، لا على الأحرف لأن لها الصدر، وأن المفتوحة، وإن لم تقع صدراً لما سيأتي لكنها حملت على المكسورة، وإنما قدم الخبر الظرفي هنا دون ما لقوة هذه بشبهها الفعل فيما مر، ولأنها محمولة على الفعل المتصرف، وما على الجامد وهو ليس سم، ويجب أن يُقَدَّرَ متعلق الظرف بعد الاسم كما يقدر الخبر وهو غير ظرف في نحو: إن مالاَّ وإن ولداً، فجعل الظرف من تقديم الخبر إنما هو بحسب الظاهر، وإلا ففي الحقيقة من تقديم معمول الخبر.
قوله: (لا يلزم تأخيره) أي إلا لمانع كإنَّ زيداً لفي الدار، لامتناع تقديم الخبر مع اللام فأقسام الخبر الظرفي ثلاثة.
قوله: (أَي الوَقِحُ) بفتح الواو وكسر القاف، قليل الحياء، فهو تفسير للبذي وهو الفاحش في نطقه بلازمه.
قوله: (عَلَى الاسْمِ) أي لئلا يفصلها عن معموليها معاً، بخلاف الخبر فيقدم عليه معموله لأنه مفصول منها في الجملة.
قوله: (وَأَجَازَهُ بَعْضُهُمْ) هو الظاهر لأنه يقدم في ما، وهذه أقوى بدليل تقديم الخبر نفسه هنا لا هناك.
قوله: (فَلاَ تَلْحَنِي) بفتح التاء والحاء المهملة، مضارع مجزوم بلا من: لَحَيْتُ الرجلَ ألحَاه بفتح الحاء فيهما أي لمته، وأخاك اسم أن، ومصاب خبرها، وبحبها متعلق به وفيه الشاهد، وجم أي كثير خبر ثانٍ، وبلابله أي وساوسه، وهمومه فاعله.
---(1/295)
قوله: (إذَا قَدَّرْت بِمَصْدَرٍ) أي إذا وجب سدَّ المصدر مسدَّها، ومسد معموليهاً فإن امتنع ذلك وجب الكسر، وإن جاز جاز كما سيأتي، والمصدر الذي تقدر به هو مصدر خبرها إن كافي مشتقاً، والكون المضاف لاسمها إن كان جامداً أو ظرفاً، وكذا يجب الفتح إذا سد مسد مفعولي علم، وإن لم يصح تأويلها بالمصدر لأن المدار على أحد أمرين، إما تأويلها بالمصدر، أو وقوعها موقع مفعولي علم مع عدم التعليق كعلمت أنك قائم كذا في الجمل على التفسير.
قوله: (مرفوع فعل) أي فاعلاً كان كما مثل أو نائبه نحو: قُلْ أَوْحَى إِلَيَّ أنَّهُ اسْتَمَعَ}
(الجن:1)
ظاهراً كان الفعل كما ذكر أو مقدراً كاجلس ما إن زيداً جالس أي ما ثبت جلوسه بناء على أن ما المصدرية لا توصل بجملة اسمية مصدرة بحرف، وهو الأصح كما مر أول الموصول، ونحو: ولو أنهم صبروا، أي ولو ثبت صبرهم عند الكوفيين وهو المختار كما سيأتي في باب لو كوقوعها مبتدأ نحو: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ}
(فصلت:39)
الخ، أو خبراً عن اسم معنى غير قول ولا صادق عليه خبرها كاعتقادي أنك فاضل، على معنى معتقدي فضلك فإن قدر اعتقادي فضلك ثابت فهي مفعول به لا خبر بخلاف نحو: قولي إنك فاضل، واعتقادي أنه حق فيجب كسره كما سيأتي.
قوله: (أَوْ مَنْصُوبه) بهاء الضمير أي منصوب فعل سواء كانت مفعول به لفعل غير قول، ولا ناسخ كما مثل بخلاف المحكية بالقول، والمفعول الثاني لنحو: ظننت كما سيأتي في الشرح، أو مفعولاً له كجئتك أني أحبك، أو معه كيعجبني جلوسك عندنا، وأنك تحدثنا، وتقع مستثنى كتعجبني أمورك إلا أنك تشتم الناس، لا مفعولاً مطلقاً ولا ظرفاً ولا حالاً ولا تمييزاً كما في الدماميني وغيره.
قوله: (مجرور حرف) أي أو إضافة نحو: مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}
(الذاريات:23)
---(1/296)
فما صلة، ومثل مضاف إلى أن وصلتها، ومحل تعين الفتح في الإضافة إذا كان المضاف مما لا يضاف إلا إلى المفرد فإن كان لا يضاف إلا إلى الجملة كحيث، وإذا تعين الكسر على ما سيأتي، أو يضاف لهما كحين، ووقت جاز الأمران. ومثل هذه المواضع ما عطف عليها نحو اذْكُرُوا نِعْمَتِي الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وأَنِّي فَضَّلْتَكُمْ}
(البقرة:47)
أو أبدل منها نحو: وَإِذْ يَعِدُكُمُ الله إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}
(الأنفال:7)
.
قوله: (وحيث إن الخ) عطف على في الابتداء فهو متعلق بالكسر على أنه ظرف مكان اعتباري له أي واكسر في تركيب تكون أن فيه مكملة لميمين.
قوله: (أو حكيت الخ) عطف على مدخول حيث.
قوله: (لذو تقى) اللام للابتداء دخلت في خبر إنَّ، وقد علقت اعلم عن العمل في لفظ الجملة فهي في محل نصب به، ولولاها لفتحت الهمزة وكان عاملاً في لفظ المصدر المؤول منها.
قوله: (وَلاَ يَجُوزُ وُقوعُ المَفْتُوحَةِ ابْتِدَاءً) أي لئلا تلتبس بالمكسورة خطّاً، وبالتي هي لغة في لعل لفظاً وخطاً.
قوله: (صدر صلة) مثلها الصفة كما إذا جعلت ما في الآية نكرة موصوفة، وخرج حشوهما كجاء الذي أو رجل عندي أنه فاضل، ولا أفعله ما إنْ في السماء نجماً، فتفتح لأنها في الأول مبتدأ مؤخر فهي حشو لفظاً، وفي الثاني فاعل لثبت محذوفاً فهي حشو رتبة.
قوله: (لتنؤ) أي تثقل خبر إنَّ وجملتها صلة ما الواقعة مفعولاً ثانياً لآتيناه أي أعطيناه من الكنوز القدر الذي أن مفاتحه الخ.
قوله: (وفي خبرها اللام) أخذ هذا من قول المصنف الآتي لا لام بعده، وذلك شامل لذكر فعل القسم، واللام نحو: وَيَحْلِفُونَ بِ الله أَنَّهُمْ لَمِنْكُمْ}
(التوبة:56)
أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَموا بالله جُهْدَ أَيْمَانِهِمْ أَنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}
(المائدة:53)
ولحذفه دونها نحو: وَالعَصْرِ إن الإنْسَانَ لَفِي خُسْرِ}
(العصر:1 ـ 2)
---(1/297)
فيتعين الكسر في هاتين كما هو منطوق الشارح، وإن لم يمثل للثانية. ومفهومه لا يجب الكسر بلا اللام سواء ذكر فعل القسم كحلفت بالله إن زيداً قائم، أو لا كوالله إن زيداً قائم، وهو أيضاً ظاهر قول المصنف الآتي لا لام بعده، وصرح به الشارح هناك مع أنه يجب الكسر في الأخيرة كالأولين نحو: حم وَالكِتابِ المُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}
(الدخان:1،3)
قال في شرح الجامع، وما نقل عن الكوفيين من جواز الفتح فيها غلط لأنه لم يسمع، ونقل في التوضيح إجماع العرب على الكسر في الصور الثلاث، فينبغي أن يقيد المفهوم. وقوله: لا لام بعده بذكر فعل القسم، ولا يحمل على مذهب الكوفيين لما علمت خلافاً لما سيأتي في الشرح بقي ما إذا كان القسم جملة اسمية، ومقتضى ما ذكر وجوب الكسر مع اللام، وعدمه مع عدمها نحو: لعمرك إن زيداً لقائم، أو قائم وسيصرح الشارح بالثاني فتدبر.
قوله: (فإنْ لَمْ تَحْكِ به) أي مع كونها معمولة له كما مثل، أو لغيره كأخصك بالقول أنك فاضل، أي لأنك، فيجب الفتح.
قوله: (في موضع الحال) أي في صدرها كما مر في الصلة والصفة، فتفتح في: جاء زيد، وعندي أنه فاضل. وسواء اقترن بالواو كما مثله أم لا نحو: إلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ}
(الفرقان:20)
فكسرت لأنها حال ولأن في خبرها اللام ففيها موجبان كبيت الشارح، والآية فإن قلت لِمَ لمْ تفتح في الحال مع أن أصله الإفراد؟ قلت: لأن مصدرها معرفة لإضافته للمسند إليه، ولأن مجيء المصدر حالاً مع كونه لا ينقاس لم يسمع إلا في الصريح لا المؤول.
قوله: (ما أعطياني) أي الخليلان في قوله:
162 ــــ دَعْ عَنْكَ سَلْمَى إذْ عَزَّ مَطْلبُها
واذْكُرْ خَلِيلَيْكَ مِنْ بَنِي الحَكَمِ(3)
وهما من المنسرح.
---(1/298)
قوله: (ألا الاستفتاحية) أي التي يستفتح بها الكلام قال في المغني، وقول المعربين ألا حرف استفتاح بيان لمكانها، وإهمال لمعناها، وهي حرف للتنبيه على تأكيد مضمون الكلام عند المتكلم، ومثلها في وجوب الكسر بعدها كلا التي بمعناها، وهي التي لم يتقدمها ما يزجر عنه كما قاله أبو حاتم(4) والزجاج نحو: كَلاَّ إِنَّ الإنْسَانَ}
(العلق: 6)
فكلاَّ حرف استفتاح وتنبيه لا بمعنى حقاً كما قاله الكسائي، وإلا لوجب بعدها الفتح مثله، وهو خلاف المسموع، أما التي للزجر فالكسر بعدها ظاهر لأنها في ابتداء الجملة حقيقة لجواز الوقف أبداً على كلا، والابتداء بما بعدها، والجمهور على أنها في القرآن للزجر لا غير فيقدر المزجور عنه إذا لم يوجد، حتى قال جماعة: متى سمعت كلا فاعلم أن السورة مكية، أي لأن أكثر التهديد نزل بها لكونها دار العتوّ.
قوله: (بعد حيث) أي وإذ لوجوب إضافتهما للجمل لكن الصحيح جواز الفتح بعدهما خلافاً لأبي حيان كما جاز بعد إذا الفجائية مع اختصاصها بالجمل فإن وصلتها، إما فاعل لثبت محذوفاً، أو مبتدأ خبره محذوف، وقيل: يكفي إضافتهما لصورة الجملة، وعلى قول الكسائي بجواز إضافته حيث للمفرد فلا إشكال في الفتح.
قوله: (عن اسم عين) أي لأن المصدر لا يخبر به عن الذات إلا بتأويل. وهو ممتنع مع أن ا هـ تصريح وخرج اسم المعنى فيجب معه الفتح بشرطه المار.
قوله: (لدخولها الخ) أي فالمراد بالابتداء ابتداء جملتها إما حقيقة كما مر، أو حكماً بأن يسبقها ماله تعلق بالكلام غير أجزاء الجملة كهذه المذكورات، ومثلها بعد حتى الابتدائية كمرض زيد حتى أنهم لا يرجونه.
قوله: (بعد إذا فجاءة) بضم الفاء، والمد من إضافة الدال للمدلول أي إذا الدالة على هجوم ما بعدها، ووقوعه بغتة، وبعد ظرف لنمي أي نسب، ونائب فاعله ضمير عائد لهمز إن فيما مر لكن لا بقيد فتحه، أو كسره، وبوجهين كتعلق به.
---(1/299)
قوله: (لا لام بعده) بهذا غاير ما مر. ولا بد هنا من ذكر فعل القسم كما علمت، خلافاً للشارح.
قوله: (مع تلو) عطف على بعد بإسقاط العاطف فهو متعلق بنمي أيضاً.
قوله: (فمن كسرها الخ) هذا كالقول بأن الخبر محذوف مبنيان على أن إذا حرف مفاجأة لا محل له فتكون الجملة بعده كاملة وهو قول الناظم. أما على أنها ظرف مكان، أو زمان فهي الخبر وما بعدها مبتدأ، ويجب حينئذ فتح أن والتقدير: ففي الحضرة أو ففي الوقت قيام زيد.
قوله: (وكنت أرى) أي أظن، والغالب في استعماله بمعنى الظن ضم همزته كما قاله يس، وقد تفتح، ويتعدى لمفعولين فقط فتح أو ضم فزيداً مفعول أول وسيداً ثان، ولا يرد أن المضموم مضارع أرى المتعدي لثلاثة لأن استعماله بمعنى ظن قصره عن الثالث، وحينئذ فضميره المستتر فاعل لا نائبه وفي المرادي على التسهيل والمتن ما يفيد تعديه لثلاثة أولها الضمير لأنه نائب فاعل والثاني والثالث ما بعده، والكثير كونه للمتكلم كأرى ونرى وأريت بالبناء للمجهول، وقد يكون لمخاطب كقراءة: وَتُرَى النَّاسَ سُكَارَى}(2) بضم التاء ونصب الناس أي تظنهم والقفا مؤخر العنق، واللهازم جمع لهزمة بالكسر طرف الحلقوم وذلك كناية عن دناءته وخسته لأن القفا موضع الصفع، واللهازم موضع اللكز الحاصلين للعبد. وقوله كما قيل أي ظناً موافقاً لما قيل.
---(1/300)
قوله: (لتقعدن الخ) اللام للقسم، والفعل مرفوع بالنون المحذوف لتوالي الأمثال، وحذفت ياء الفاعلة لكونها مع نون التوكيد، وكسر الدال دليل عليها، ومقعد ظرف مكان ومني حال من ياء الفاعلة أي بعيدة مني، أو متعلق بالقصي أي البعيد وذي القاذورة صفة القصي، وكذا المقلي أي المبغوض، وتحلفي منصوب بأن مضمرة بعد أو التي بمعنى إلا وذيالك تصغير ذلك على غير قياس، والشاهد في: أإني أبو الخ فالكسر على أن جملتها جواب القسم، والفتح على نصبها بنزع الخافض سدت مسد الجواب أي على أني الخ، لا أنها هي الجواب لأنه لا يكون إلا جملة. فجواز الوجهين موزع على الاحتمالين.
قوله: (أو غير ملفوظ) تقدم أن هذا مذهب الكوفيين، وهو غلط، فالمتعين فيه الكسر كما علمت.
قوله: (أو اسمية الخ) يؤخذ من مفهومه وجوب الكسر بعدها مع اللام، كما قدمناه.
قوله: (بعد فاء الجزاء) قال المصنف: والكسر أحسن قياساً لعدم إحواجه لتقدير. ولذا لم يجىء الفتح في القرآن إلا مسبوقاً بمثله نحو: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ الله ورَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ}
(التوبة:63)
كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّه يُضِلُّهُ}
(الحج:4)
وإلا كان واجب الكسر أي قراءة نحو: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَ لَهُ جَهَنَّمَ}
(طه:74)
أنه مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ الله}
(يوسف:90)
ولذا لم يفتح فإنه غفور رحيم إلا من فتح أنه من عمل منكم سوءاً وينبغي أن يكون كالجواب ما يشبهه نحو: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيءٍ فأَنَّ الله}
(الأنفال:41)
---
بالفتح والكسر(2) فما موصولة لا شرطية لأنها لا تدخل عليها النواسخ كما مر، وعائدها محذوف أي غنمتموه، ودخلت الفاء في خبرها لشبهها بالشرط فعلى كسر إن جملتها هي الخبر، وعلى الفتح هي مبتدأ خبرها محذوف، أي فكون خمسة لله ثابت، أو خبر لمحذوف، أي فالواجب كون خمسة لله،والجملة خبر إن الأولى.(1/301)
قوله: (ويجوز أن يكون خبرً الخ) هذا أَوْلَى لأن حذف المبتدأ في جملة الجواب أكثر من الخبر نحو: فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ}
(فصلت:49)
أي فهو يؤوسٌ.
قوله: (هو في المعنى قول) أي وإن كان من غير مادته. وكذا ما بعده وترك شرطاً ثالثاً وهو اتحاد القائل فإن انتفى القول الأول تعين الفتح كعملي أني أحمد الله ما لم يرد المعمول اللساني وهو المنطوق، وإلا كان من الأول، أو القول الثاني، أو لم يتحد القائل تعين الكسر كقولي: إني مؤمن، وقولي: إن زيداً يمد الله، فقولي مبتدأ فإن جعل بمعنى مقولي كان خبره الجملة بعده بلا رابط لأنه عينه في المعنى لقصد لفظها كنطقي الله حسبي، وإن بقي على مصدريته فجملة أن محكية به، وخبره محذوف أي: قولي هذا اللفظ ثابت، ولا يجوز الفتح على أن المصدر المنسبك منها خبر، لأن قول الشخص لا يخبر عنه بإيمانه، ولا بحمد غيره لاختلاف موردهما.
قوله: (نحو خير القول) إنما كان هذا قولاً لأن أفعل التفضيل بعض ما يضاف إليه.
---(1/302)
قوله: (فمن فتح الخ) أي والقول حينئذ باقٍ على مصدريته للإخبار عنه بمصدر إن وصلتها أما على الكسر فبمعنى المقول، وجملة أن خبره لقصد لفظها أي مقولي هذا اللفظ كأول قراءتي أي مقروئي بلفظ سبح، وتجويز كونه حينئذ مصدراً، وجملة أن محكية به، والخبر محذوف رد بأمور منها أنه لا يطرد في نحو أول قولي أني أحمد الله إذ التقدير حينئذ أول قولي هذا اللفظ ثابت. فيكون غير أوله ليس بثابت، وليس مراداً، والحاصل أن المخبر عنه بأن إن كان اسم ذات وجب الكسر لما مر، أو اسم معنى فلا يخلو إما أن يكون قولاً أو غيره، وعلى كلَ خبر إن إما قول أو غيره وعلى كلَ إما أن يصدق على المبتدأ أو لا، فيجب الفتح إذا كان المبتدأ غير قول سواء كان خبر إن قولاً أو غير قول مع عدم صدقه على المبتدأ كعملي أني أحمد الله، واعتقادي أنك فاضل، ويجب الكسر في الثاني إن صدق عليه كاعتقادي أنه حق، وأما كون خبرها قولاً مع صدقه على ذلك المبتدأ فمتعذر إذ القول لا يصدق على غيره، وكذا يجب الكسر إن كان المبتدأ قولاً، وخبر أن غير قول سواء صدق عليه أم لا كقولي: إنه حق، وقولي: إنك فاضل، وكذا إن كان خبرها قولاً غير صادق عليه، لكونه لم يتحد لقائل كقولي: إن زيداً يحمد الله، فإن اتحد جاز الأمران فتأمل.
قوله: (وبعد ذات الكسر) متعلق بتصحب، قدَّمه ليفيد الحصر لكن بالنسبة لأخواتها لا مطلقاً فلا ينافي أنها تصحب المقدم من المبتدأ، وخبره على الأصح في الثاني نحو: لَقَائِمٌ زيد، ولزيد قائم. كما تصحب المؤخر من اسم أن وخبرها ومعموله المتوسط، وضمير الفصل لا غير ذلك. وأما نحو ليقوم زيد: لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}
(المائدة:62)
لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ}
(التوبة:128)
فالمشهور أنها لام القسم، لأن لام الابتداء لا تدخل على الفعل إلا في باب أن كما في المغني، وسميت بذلك لأن أصلها الدخول على المبتدأ.
---(1/303)
قوله: (تصحب الخبر) أي بشرط تأخره عن الاسم، وإن تقدم معموله عليه خلافاً لابن المصنف بدليل: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}
(العاديات:100)
وبشرط كونه مثبتاً، وغير ماضٍ، متصرف، خالٍ من قد، كما سيذكره المصنف، وغير جملة شرطية بأن يكون مفرداً نحو: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ}
(إبراهيم:39)
، أو مضارعاً ولو مع التنفيس كإن زيداً لسيقوم، أو ماضياً جامداً كإنَّ لعسى أن يقوم، أو متصرفاً مع قد كإنَّه لقد قام، أو ظرفاً، أو مجروراً، أو جملة اسمية، وأول جزأيها أولى باللام: فإن زيداً لوجهه حسن، أولى من وجهه لحسن، بل في البسيط أن هذا شاذ.
قوله: (لوزر) بزاي فراء أي ملجأ.
قوله: (فحقها أن تدخل على أن) أي، ولا تزاحمها في الصدارة لجواز كونها كالاستفتاحية، وواو العطف في عدم تفويت صدارة ما بعدها.
قوله: (بين حرفين) أي باقيين على صورتهما، فخرج لَهَنُكَ قائمٌ بإبدال همزة أن هاءً لزوال صورة أن لا يقال: هلا كانا هنا من التأكيد اللفظي بالمرادف كنعم جَيْرِ لأنا نمنع المرادفة إذ اللام لا تعمل، ولا تخص الاسم، وأن بمعنى الفعل. وهو أوكد بخلاف اللام فتأمل.
قوله: (فأخروا اللام) أي لكون أن عاملة، وحق العامل التقديم لا سيما مع ضعف عملها بالحرفية.
قوله: (لعميد) من عمده العشق بالكسر إذا هدّه، وأوله الزمخشري بأن الأصل لكن أنني فحذفت الهمزة ونقلت حركتها إلى لكن، ثم أدغم فلم تدخل اللام إلا في خبر أن.
قوله: (من سئلوا) مرسوم في النسخ بالياء بعد السين فيفيد بناءه للمفعول، وعليه قالوا: وعائد الموصول باعتبار معناه، لكن قيل: الرواية بناؤه للفاعل فحقه الرسم بالألف، والعائد حينئذ محذوف يقدر مفرداً لأن الأكثر مراعاة لفظ من أي سألوه، ولمجهوداً خبر أمسى من جهده الأمر بلغ منه المشقة.
---(1/304)
قوله: (أم الحليس) بالضم مصغراً، والعجوز بلا هاء عند ابن السكيت ويقال بهاء عند ابن الأنباري تحقيقاً للتأنيث. وهي المرأة المسنة، والشهربة الفانية الضعيفة. ويقال شهبرة بتقدم الباء على الراء لكن يتعين الأول هنا لصحة القافية، ومن تبعيضية إن قدر مضاف بعد الباء أي بلحم عظم الرقبة، وإلا فبمعنى بدل، وإنما شذ دخولها في هذا الخبر لتأخره، ومنع الشذوذ بجعلها داخلة على مبتدأ محذوف أي لهي عجوز، يرد عليه أن الحذف ينفي التأكيد، وفيه ما مر.
قوله: (ويتخرج على زيادة اللام) أي ليست لام ابتداء، وإن أفادت التأكيد كالحرف الزائد، وكذا الشعر المار قال السمين(4) يحكي عن الخبيث الروح الحجاج أنه سبق لسانه ففتح همزة: إِن رَبَّهِمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}
(العاديات:100)
فحذف اللام لئلا ينسب إليه لحن(5)، وهو من جراءته على الله ورسوله.
قوله: (ذي اللام) بالنصب بدل من ذي الواقع مفعول يلي وما قد نفيا فاعله.
قوله: (ولا من الأفعال) بيان لما مقدم عليها، أو لمحذوف أي ولا شيء من الأفعال، وما كرضيا بدل منه بناءً على منع الرضي تقديم البيان على المبين كما مر.
قوله: (على العِدَا) بكسر العين، وقد تضم جمع عدو كما في المصباح، ومستحوذاً أي مستولياً حال.
قوله: (لم تدخل عليه اللام) أي فراراً من توالي لامين في نحو لا ولم، وطرداً للباب في باقي النوافي، ولأن اللام لتأكيد الإثبات وهو ضد النفي.
قوله: (واعلم الخ) بكسر أن لتعليق الفعل عنها باللام فهو تعليق شاذ لبنائه على شاذ، وتسليماً أي على الناس، أو تسليماً للأمر، وتركاً أي لذلك. وسواء اسم مصدر بمعنى الاستواء يخبر به عن الواحد وغيره، وحقه التقديم على متشابهان لأن نفي التشابه ينفي الاستواء بالأولى، بخلاف عكسه لكن أخره للضرورة.
---(1/305)
قوله: (فلا تقول إن زيداً لرضي) أي على أن اللام للابتداء، ويجوز على أنها للقسم، وحينئذ تفتح أن في نحو: علمت أن زيداً لرضي، لأن الفعل لا يعلق على أن إلا بلام الابتداء خاصة، وإنما امتنعت في ذلك لأن أصلها الدخول على الاسم، والماضي المتصرف لا يشبهه فإن قرن بقد قربته من الحال فيشبه المضارع الشبه للاسم فتدخل عليه، وكذا على الجامد لأنه كالاسم المفرد لعدم دلالته على الزمان.
قوله: (وأجاز ذلك الكسائي) أي على تقدير قد كما في المغني.
قوله: (ليذر الشر) أي يتركه، والمراد بكونه لا يتصرف أي تصرفاً تاماً، وإلا فله الأمر نحو: فذرهم، وقد يأتي منه ماضٍ، ومصدر كوذرته وذراً وهما قليلان كما في المصباح. ولذا قيل إن العرب أماتتهما لعدم اعتبار ذلك لقلته، أو شذوذه.
قوله: (فيجوز إن كان سوف الخ) يرد عليه أن المضارع مع اللام يتعين للحال، ولا يصلح للاستقبال كما هو ظاهر كلام سيبويه. وحينئذ فتنافي التنفيس لا سيما سوف. وجعلها الكوفيون مع التنفيس للقسم.
قوله: (ماضياً غير متصرف)يشمل ليس مع امتناع اللام معها، ولا تخرج بقوله ما قد نفيا لأنها نافية لا منفية اللهم إلا أن يراد ما لابسه النفي سواء كان واقعاً عليه أو به.
قوله: (الواسط) أي المتوسط من وسط القوم كوعد أي توسطهم، ومعمول الخبر حال منه أو بدل، وفي البيت الإيطاء، لأن شطري البيت المقفى كالبيتين كما نصوا عليه نعم في نسخ تنكير خبر الثاني، وعليه فلا إيطاء.
قوله: (إذا توسط الخ) أي سواء تقدم الاسم كمثاله، أو الخبر كان عندي لفي الدار زيداً، وكذا تقدم غيرهما كان عندي لفي الدار زيداً جالس. فلو قال إذا توسط بين ما بعد أن لشمل ذلك.
---(1/306)
قوله: (مما يصح) أي لأن المعمول فرع العامل فلا تدخله إلا حيث تدخل أصله، ويمكن أخذ هذا الشرط من جعل أل في الخبر للعهد أي الخبر الذي سبق دخول اللام عليه ففي المتن شرطان، وسيأتي إشعاره بثالث، وهو عدم دخولها على الخبر، وسيذكر الشارح رابعاً، وهو أن لا يكون المعمول حالاً لعدم سماعه قيل: وكذا التمييز فلا يقال إن زيداً لراكباً منطلق، أو لنفساً طيب، وتدخل على المصدر والمفعول له كإن زيداً لضرباً، أو لتأديباً ضارب خلافاً لأبي حيان، والظاهر منعها في المستثنى والمفعول معه.
قوله: (ضمير الفصل) سماه البصريون بذلك لما في الشارح، وقد يسمى فصلاً فقط كما في المتن، وسماه الكوفيون عماداً للاعتماد عليه في تأدية المعنى، وإنما سمي ضميراً مع أنه حرف لا محل له عند الأكثر لأنه بصورته، وقيل اسم لا محل له كاسم الفعل، وقيل له محل ما قبله، وقيل ما بعده.
قوله: (بين المبتدأ والخبر) أي بشرط كونها معرفتين، أو ثانيهما كالمعرفة في عدم قبول أل كافعل من نحو زيد هو أفضل من عمرو، ولا يكون إلا بصيغة ضمير الرفع مطابقاً لما قبله غيبة وإفراداً وغيرهما. كَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}
(الأعراف:157)
كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ}
(المائدة:117)
وَأَنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ}
(الصافات:165)
، وفي بعض ذلك خلاف بسطه في المغني.
قوله: (إذا تأخر عن الخبر) وكذا عن معموله فقط إن قلنا بتقدمه على الاسم كما مر كإن في الدار لزيداً جالس.
قوله: (غير ممنون) أي غير مقطوع، أو غير ممنون به عليك من الناس فإنه تعالى يعطيك بلا توسط بيضاوي.
قوله: (غير الموصولة) أي وغير الموصوفة، والمصدرية كإن ما فعلت حسن أي إن فعلك، فالكافة هي ما الزائدة فقط، وتوصل بها في الرسم دون غيرها.
قوله: (كفتها) أي لإزالتها اختصاصها بالأسماء فتدخل على الفعل نحو: قُلْ إنَّمَا يُوحْى}
(الأنبياء:108)
كأنما يساقون} فوجب إهمالها.
---(1/307)
قوله: (فإنه يجوز فيها الإعمال) أي لبقاء اختصاصها بالأسماء، ولذا قيل بوجوب إعمالها لكن حكي في شرح التسهيل الإجماع على خلافه. ولعله لم يعتبر ذلك القيل لشدة ضعفه، وما حينئذ زائدة ملغاة، وعلى الإهمال كافة.
قوله: (قليلاً) أي في غير ليت لكثرته فيها.
قوله: (وحكى الأخفش الخ) أي فالإعمال مسموع في غير ليت أيضاً لا مقيس عليها. كما قيل: قال الزجاج في الجمل: ومن العرب من يقول: إنما زيداً قائم، ولعلَّما بكراً جالس، وكذلك أخواتها ينصب بها ويلغى ما، ومشى عليه ابن السراج(2)، ووافقهما المصنف.
قوله: (الأول) هو مذهب سيبويه لزوال اختصاصها كما مر، والثاني يكتفي بالاختصاص الأصلي.
قوله: (وجائز) أي إجماعاً. وهو خبر عن رفعك، وبعد متعلق بمعطوفاً كعلي، ومفعول تستكملا محذوف أي خبرها.
قوله: (على منصوب أن) أي المكسورة وسيذكر المفتوحة.
قوله: (بعاطف) لم يقيده بالواو لأن لا مثلها كإن زيداً قائم لا عمراً ولا عمرٌو، واستظهر الصبان أن الفاء وثم وأو وحتى. كذلك، والأصح أن الرفع خاص بعطف النسق دون غيره من التوابع كما في الهمع، وأجازه الجرمي والفراء والزجاج في النعت والتوكيد، وعطف البيان قال. سم: والظاهر بناؤه على أن الرفع على محل اسم أن.
قوله: (على محل اسم أن) أي بناء على أنه لا يشترط في تبعية المحل بقاء المحرز أي الطالب له لأن الطالب للرفع هنا الابتداء، وقد نسخ وهو مذهب الكوفيين وبعض البصريين. واشترط ذلك جمهورهم فمنعوا تبعية المحل في مثل ذلك لنسخ طالبه بخلاف نحو: ما عندي من رجل، ولا امرأة بالرفع عطفاً على محل رجل لأن طالبه، وهو الابتداء باقٍ لم ينسخ. وإن جر لفظه.
قوله: (يشعر به) أي لجعله معطوفاً على منصوب إن، لا أن يراد معطوفاً صورة.
---(1/308)
قوله: (مبتدأ الخ) أي فهو من عطف الجمل، أو هو معطوف على الضمير المستكن في الخبر إن وجد فاصل كإن زيداً آكل طعامك وعمرو فهو عطف مفرد. فإن لم يفصل تعين الأول عند الجمهور لما سيأتي في العطف.
قوله: (تعين النصب) أي لأن المرفوع إن عطف على الضمير في الخبر لزم تقديم المعطوف على المعطوف عليه، أو على محل الاسم لزم توارد عاملين على معمول واحد لأن المعطوف حينئد مبتدأ يعمل في الخبر، وكذا أن عند البصريين بخلاف الكوفيين فلا يلزم عندهم ما ذكر لأن أن لم تعمل في الخبر كما مر. ولذا أجازه بعضهم كم سيأتي، وقد يقال على الأول: ما المانع من جعل العامل مجموعهما لا كل مستقلاً كما قالوه في أن زيداً وأن عمراً قائمان إلا أن يفرق باختلاف العاملين هنا كما سيأتي في باب لا، وإن قدر له خبر، وعطفت جملته على جملة إن لزم العطف قبل تمام المعطوف عليه قال سم. وما المانع من جعل الجملة حينئذ معترضة بين الاسم والخبر لا معطوفة.
قوله: (وأجاز بعضهم الرفع) أجازه الكسائي مطلقاً والفراء فيما ففي فيه إعراب المعطوف عليه نحو: إنك وزيد ذاهبان، فراراً من قبح اللفظ. استدل الكسائي بقوله تعالى: إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا والصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ}
(المائدة:69)
الخ وقوله: إِنَّ الله وَمَلاَئِكَتُهُ يصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ}
(الأحزاب:56)
رفع ملائكته وقول الشاعر:
158 ــــ فَمَنْ بِكُ أمْسَى بالمَدِينَةِ رَحْلُهُ
فَإنِّي وَقَيَّارٌ بها لَغَرِيبُ
---(1/309)
وخرج ذلك على أنه ليس من العطف على الاسم كما هو المدعى، بل المرفوع مبتدأ حذف خبره لدلالة خبر إن عليه مع ملاحظة تقديمه أي: إن الذين آمنوا والذين هادوا من آمن الخ والصائبون والنصارى كذلك، فحذف من الثاني لدلالة الأول كما هو الكثير، ولا يلزم حينئذ العطف قبل تمام المعطوف لتمام جملة أن في النية بملاحظة تقديم خبرها، أو أن الخبر المذكور خبر عن المرفوع، وخبر أن محذوف، وإن كان الحذف من الأول لدلالة الثاني قليلاً، ويتعين الأول في البيت لمكان لام الابتداء في خبر إن إلا أن تقدر زائدة، ويتعين الثاني في يصلون فلا يصح خبراً عن الجملة كقوله:
199 ـــــ خَلِيْلَيَّ هَلْ طَبٌ فإنِّي وأَنْتُمَا
وإن لَمْ تَبُوحا بالهَوَى دَنِفَان
ولا يصح جعل الواو للتعظيم كهي: في رَبِّ ارْجِعُونِ}
(المؤمنون:99)
لأنه لا بد في الإسناد من المطابقة اللفظية نحو: وَنَحْنُ الوَارثُونَ}
(الحجر:23)
إذ لم يسمع غيرها. فإن قلت الصلاة في الآية بمعنى الاستغفار، فكيف تدل على المحذوفة التي بمعنى الرحمة؟ فالجواب ما اختاره في المغني من أن الصلاة لغة بمعنى واحد وهو العطف، ثم بحسب من ينسب إليه فهي من قبيل المشترك المعنوي لا اللفظي.
قوله: (حكم أن المفتوحة الخ) أي بشرط كونها في موضع الجملة بأن تسد مسد مفعولي العلم اللذين أصلهما الجملة، فتكون في حكم المكسورة كما أشار له الشارح بالمثال. وكذا ما في معنى العلم كآية: وأذانٌ مِنَ الله وَرَسُولِهِ}
(التوبة:3)
إلى قوله ورسوله، وقيل يجوز مطلقاً، وقيل يمنع مطلقاً.
---(1/310)
قوله: (وَأَمَّا لَيْتَ الخ) أي لأن هذه الثلاثة تغير الجملة إلى الإنشاء فيلزم على الرفع عطف الخبر على الإنشاء. لكن هذا لا يتم على أن العطف على ضمير الخبر لأنه مفرد لا يوصف بخبر، ولا إنشاء. ولذا قال في متن الجامع: يرفع مطلقاً تالي العاطف أن نسق على ضمير الخبر، وبعد إن وأن، ولكن إن قدر مبتدأ الخ. ومقتضى ما ذكر إن كان لإنشاء التشبيه وهو قول نقله الدماميني، وصرح في المغني بأنها للإخبار.
قوله: (وأجاز الفراء) أي بشرط خفاء الإعراب نظير ما مرَّ.
قوله: (وخففت أن) أي بشرط كون اسمها ظاهراً لا ضميراً مع صلوح خبرها للام بأن لا يكون مقدماً، ولا ماضياً متصرفاً، ولا جملة شرطية إلا الخبر المنفي فإنها تخفف معه، وإن لم يصلح للام لعدم التباسها معه بأن النافية.
قوله: (إذا ما تهمل) ما زائدة.
قوله: (وربما استغني الخ) اعترض بأنه يفيد أن الاستغناء عن اللام مع القرينة قليل، والاحتياج حينئذ إليها كثير مع أن القرينة تغني عنها أبداً.
وأجيب بأن المراد بالاستغناء الترك لا عدم الحاجة، ولا شك أن ذكر اللام مع القرينة أكثر من تركها، أو أن التقليل منصب على حالة وجود القرينة بالنسبة إلى عدمها فتأمل.
قوله: (ما ناطق الخ) ما فاعل بدا والجملة بعدها صلتها، وسوغ الابتداء بناطق كونه فاعلاً في المعنى، ومعتمداً حال من فاعل أراد، أي معتمداً على قرينة معنوية كمثال الشارح، أو لفظية كقوله إن الحق لا يخفى على ذي بصيرة، إذ وجود لا يمنع من كون أن نافية لأن نفي النفي يفسد المعنى، والتأكيد خلاف الظاهر فتأمل.
قوله: (لزمتها اللام) أي في خبر المبتدأ بعدها.
قوله: (ويقل إعمالها) أي إن وليها اسم فإن وليها فعل كالأمثلة الآتية وجب الإهمال، ولا يجوز ادعاء عملها حينئد في ضمير الشأن محذوفاً كما قاله زكريا.
قوله: (وحكى الإعمال سيبويه) منه قوله تعالى: وَإنْ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}
(هود:111)
---(1/311)
على قراءة تخفيف الميم. فكلاً اسم أن واللام الأولى للابتداء أكدت بالثانية كما في البيضاوي، وما زائدة للفصل بين اللامين، وليوفينهم خبر أن، أو ما موصول خبرها قرن باللام أي لام الابتداء، وليوفينهم جواب قسم محذوف هو صلة ما، وإن كان القسم إنشاءً لأنه لمجرد التأكيد، والصلة في الحقيقة جوابه كما في المغني، والتقدير وإن كلاًّ للذين والله ليوفينهم، وكذا الإعراب على تخفيف الميم مع شد إن أما على عكسه فإن نافية، ولما بمعنى إلا، وكلا مفعول لمحذوف أي ما أرى كلاً إلا، والله ليوفينهم فلا شاهد فيه، وأما على شدهما فأحسن ما قيل فيه: إن لما جازمه لمحذوف قدره ابن الحاجب لما يهملوا، وفي المغني: لما يوفوا أعمالهم وهو الأولى لدلالة ما بعده عليه، وجملة القسم مستأنفة، والظاهر صحة هذا الإعراب على الثالث أيضاً.
قوله: (إذا أهملت) أي أو أعملت، وكان اسمها خفي الإعراب نحو أن هذا الذاهب فتلزم اللام حينئذ أيضاً.
قوله: (أنا ابن أباة) جمع آب كقضاة وقاض من أبى إذا امتنع، والضيم الظلم، ومالك الأول اسم أبي القبيلة، والثاني نفس القبيلة، ولذا أنث فعله، وصرفه للضرورة أو على مراعاة الحي، ومن آل مالك حال من ابن، أو من أباة لأن المضاف بعض منه.
قوله: (فحذفت اللام) أي لدلالة مقام المدح على الإثبات. ولو دخلت في البيت لدخلت على كرام لا كانت خلافاً لما قدره الشارح لما مر من أنها لا تدخل على ماض متصرف خال من قد. فإن هذا عام في أن العاملة وغيرها. كما في الارتشاف، أفاده الصبان. لكن هذا لا يظهر على كونها لاماً فارقة لما سيأتي عن الفارسي.
قوله: (أوجب كسران) أي لتعليق العامل باللام عن العمل في لفظ الجملة.
قوله: (فتح إن) أي لطلب العامل لها، ولا معلق لأن الفارقة ليست من المعلقات.
---(1/312)
قوله: (فقال الفارسي) قال الدماميني حجته دخولها على الماضي المتصرف نحو: إن زيد لقام، وعلى منصوب الفعل المؤرخ عن ناصية نحو: وَإنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُم لَفَاسِقِينَ}
(الأعراف:102)
وكلاهما لا يجوز مع المشددة ا هـ. وقد يجاب بأنهم توسعوا في المخففة لضعفها بالتخفيف ا هـ صبان. وكيف هذا الجواب مع ما مر عن الارتشاف؟ وفي التصريح وحجته أنها دخلت على ما ليس مبتدأ ولا خبراً في الأصل، ولا راجعاً إلى الخبر كالمفعول في نحو: إن قتلت لمسلماً. وأجيب بأن الفعل مع فاعله لكونهما كالشيء الواحد حلاَّ محل الجزء الأول مما بعد إن، والمفعول كالجزء الثاني فإن قتلت لمسلماً بمنزلة إن قتيلك لمسلم.Y
قوله: (غالباً) ظرف زمان أو مكان متعلق بالنفي أي انتفى في غالب الأزمنة، أو التراكيب اتصال الفعل عبر الناسخ بأن، ومفهومه أن اتصال الناسخ بها لم ينتف في غالب التراكيب فتصدق بالكثرة. ولا يلزم منه كون الاتصال غالباً ولو علق بالمنفي لا فهم أن اتصال الناسخ بها غالب، مع أن القوم إنما ذكروا الكثرة لا الغلبة، وبينهما فرق أفاده سم.
قوله: (موصَلاً) بفتح الصاد اسم مفعول من أوصل الرباعي وهو المفعول الثاني لتلفيه، وذي إشارة لأن فهو صفة لها.
قوله: (فلا يليها الخ) أي إذا دخلت على فعل فشرطه عند جمهور البصريين كونه ناسخاً لأنها لما ضعفت بالتخفيف، وزال اختصاصها بالمبتدأ والخبر عوضوها الدخول على فعل يختص بهما مراعاة لحقها الأصلي في الجملة، وشرطه كونه غير نافٍ ولا منفي كليس وما زال، ولا صلة كما دام.
قوله: (وقد يليها غير الناسخ) أي عند غير من ذكر.
---(1/313)
واعلم أن الأقسام أربعة: كثير وهو مضارع الناسخ وأكثر، وهو ماضيه، ويقاس عليهما اتفاقاً. ونادر وهو ماضي غير الناسخ، ومنع غير الأخفش القياس عليه وأندر وهو مضارعه، ولا يقاس عليه اتفاقاً. ثم إن اللام تدخل بعد الناسخ على ما كان خبراً في الأصل، كما تدخل بعد المشددة على الخبر وبعد غيره. وعلى معموله فاعلاً كان أو مفعولاً ظاهراً أو ضميراً منفصلاً، وأمثلة الجميع في الشارح فإن اجتمع الفاعل والمفعول دخلت على سابقهما ما لم يكن ضميراً متصلاً، أفاده في التصريح.
قوله: (أن يزينك) بفتح الياء، وكذا يشين وهما مرفوعان بضم النون.
قوله: (قنَّعت) بشد النون أي ضربته سوطاً على رأسه وجعلته له كالقناع، وهو ما تلبسه المرأة فوق الخمار.
قوله: (شَلَّتْ) بفتح الشين أفصح من ضمها جملة دعائية من الشلل وهو بطلان حركة اليد، وحلت أي وجبت أو نزلت.
قوله: (استكن) أي حذف وجوباً لا أنها تحملته لأنها حرف، ولأن ضمير النصب لا يستكن.
قوله: (بَقِيَتْ على ما كان لها) أي وجوباً بخلاف المكسورة وإن كانت فرعها، لأنها أشبه بالفعل منها إذ لفظها كلفظ عض ماضياً وأمراً، والمكسورة لا تشبه إلا الأمر كجد ولا عبرة تشبهها نحو قيل، لأنه مغير عن أصله، ولأن طلبها المعمول من جهتين: الاختصاص والوصل به، والمكسورة من الأولى فقط وإنما عملت في ضمير محذوف لتكون كلا عاملة إظهاراً لضعفها بالتخفيف لئلا تظهر مزية الفرع على أصله.
قوله: (إلا ضمير الشأن) أي عند ابن الحاجب ولم يشترطه الناظم والجمهور لخروجه عن القياس فلا يحمل عليه ما أمكن غيره، ولذا قدر سيبويه في: أنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا}
(الصافات:104 ـ 105)
إِنَّكَ وكان المناسب للشارح جمل كلامه على مذهبه.
---(1/314)
قوله: (إلا جملة) أي إن حذف الاسم كما هو الواجب سواء كان ضمير الشأن أو غيره محافظة على المسند والمسند إليه. فإن ذكر شذوذاً أو ضرورة جاز كون الخبر جملة ومفرداً وقد اجتمعا في قوله:
165 ــــ لقدْ عَلِمَ الضَّيْفُ وَالمُرْمِلونَ
إذَا اغْبرَّ أُفْقٌ وهَبَّتْ شِمالاً
بأنْكَ رَبيعٌ وَغَيْثٌ مُرِيعٌ
وأَنْكَ هُنَاك تكونُ الثِّمالا(5)
فربيع خبر الأولى مفرد، وجملة تكون الثمالا خبر الثانية، والمرمل الفقير وشمالاً حال من فاعل هبت أي هبت الريح شمالاً، والثمال بكسر المثلثة الغياث وذلك عند ابن الحاجب شاذ من وجهين كون اسمها غير ضمير الشأن، وكونه مذكوراً، وعند المصنف من الثاني فقط وكذا بيت الشارح.
قوله: (فلو أنْكِ) بالكسر، وكذا سألتني لأنه خطاب لزوجته، وصديق فعيل بمعنى مفعول فيستوي فيه المذكر والمؤنث، أو أنه من إجراء فعيل بمعنى فاعل مجراه بمعنى مفعول، وفي المصباح يقال: امرأة صديق وصديقة، يصف الشاعر نفسه بكثرة الجود حتى إن صديقه الذي يعز عليه فراقه لو طلب منه الفراق لأجابه كراهة رد السائل. فجملة: وأنت صديق حال من تاء سألت وخص يوم الرخاء لأن الإنسان ربما يهون عليه مفارقة أحبابه في الشدة.
قوله: (وإن يكن) أي الخبر.
قوله: (فيفصل بينهما) أي بين أن والجملة الاسمية التي هي عمدة خبرها وإن كان حرف النفي جزءاً منه.
قوله: (وأن عسى الخ) الظاهر في إعراب هذه الآية أن أن مخففة، واسمها ضمير الشأن محذوف، وجملة عسى الخ خبرها. ويظهر أن عسى تامة فاعلها أن يكون، وإن اسم يكون إما ضمير الشأن محذوف، وقد اقترب خبرها، أو أنه تنازع يكون، واقترب في أجلهم فأعمل فيه الثاني، واستتر ضميره في الأول كما جوز بعضهم الوجهين في قوله تعالى: وَأنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا}
(الجن:4)
---(1/315)
بناء على أنه لا يشترط وجوب توجه العاملين للمتنازع فيه كما سيأتي أو أن أجلهم اسم يكون، وفاعل اقترب ضميره لتقدمه رتبة بناء على جواز تقديم خبر كان على اسمها وإن كان فعلاً كما في المغني، وإن منعه ابن عصفور. وانظر هل يصح جعل عسى ناقصة، وأجلهم اسمها، وأن يكون خبرها واسم يكون ضميره، وكذا فاعل اقترب لتقدمه رتبة قياساً على ما مر؟ عن المبرد في عسى أن يقوم زيد، أو يفرق بطول الفصل هنا بالفعلين.
قوله: (أن غضب) أي بتخفيف أن وهي قراءة نافع.
قوله: (يجب أن يفصل) أي للفرق بين المخففة والناصبة للمضارع، ولم يحتج للفصل مع الاسمية والفعل الجامد والدعاء لأن الناصبة لا تدخل عليها، واعترض بأن المخففة لا تقع إلا بعد مفيد علم أو ظن عند البصريين، وهي بعد العلم لا تحتاج لفارق لعدم وقوع الناصبة بعده لما سيأتي في بابها، وأما بعد الظن فالفصل بلا غير فارق لجوازه فيهما، وأجيب بأن هذا الفرق أغلبي، ولذا قال المصرح وغيره: إنما وجب الفصل ليكون عوضاً من المحذوف، وهو اسمها مع إحدى النونين أو لئلا تلتبس بالمصدرية، ولما كان التغيير مع الفعل أكثر منه مع الاسم. وما أشبهه من الجامد والدعاء عوض مع الفعل المتصرف دون غيره. ا هـ.
قوله: (يجوز الفصل وتركه الخ) صريحه أن تركه حسن على هذه الطريقة فافعل التفضيل في قول المصنف فالأحسن على بابه بالنسبة لمذهبه، أما على الأول وجرى عليها في التوضيح فتركه قبيح للبسها بالمصدرية قال الروداني وينبغي أن محل قبحه إذا لم يكون هناك فارق غير الفصل كوقوع إن بعد العلم قال الصبان ويظهر أن من الفرق ظهور رفع المضارع بعدها ا هـ مع وقوعها بعد الظن نحو ظننت أن تقوم بالرفع لا بعد العلم لرجوعه لما قبله ولا بعد غيرهما لامتناع المخففة حينئذٍ عند جمهور البصريين، ولذا حملوا أن يتم الرضاعة بالرفع على إهمال أن المصدرية. وسيأتي لذلك مزيد في إعراب الفعل.
---(1/316)
قوله: (أحد أربعة أشياء) فالتنفيس ولن ولم للمضارع فقط، وقد للماضي فقط. كما في التصريح ولو ولا لهما والظاهر امتناع الأمر هنا.
قوله: (أن قد صدقتنا) اسمها أما ضمير الشأن أو ضمير المخاطب على مذهب المصنف أي أنك، وقد صدقتنا خبر، والجملة سدت مسد مفعولي نعلم. وقس باقي الأمثلة لكن بعضها يتعين فيه ضمير الشأن وهو البيت الأول بعضها يقدر فيه ضمير المخاطب، أو الغائب، أو المتكلم بحسب ما يناسب.
قوله: (الثالث النفي) أي بلا أو لن أو لم، وينبغي منع لما وما حتى يسمع فيهما سم.
قوله: (أن لا يرجع) أي بالرفع مضارع رجع الثلاثي، وهو يستعمل متعدياً كما هنا، ولازماً كرجع زيد، وهذيل يعدونه بالهمزة واسم أن إما ضمير الشأن أو ضمير العجل، ومن الفصل بلا قوله تعالى: وَحَسِبُوا أَنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ}(8) في قراءة الرفع قوله: (عَلِمُوا أَنْ يُؤمَّلُونَ) اسم أن إما ضمير الشأن، أو ضمير القوم المحدّث عنهم والسؤال بمعنى المسؤول كقوله تعالى: وَقَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ}
(طه:36)
ومما ورد بغير فصل قوله:
166 ــــ إِنّي زَعيمٌ يا نُوَيْقَةُ
إن أَمِنْتِ مِنَ الرِّزَاحِ
وَنَجَوْتِ مِن عَرَضِ المنُو
نِ مِنَ العَشِيِّ إِلَى الصَّبَاحِ
أَنْ تَهْبِطِينَ بِلاَدَ قَومٍ
يَرتَعُونَ مِنَ الطَّلاحِ(4)
والرزاح بضم الراء وكسرها فزاي هو الهزال والطلاح شجر الغضى جمع طلحة بالفتح.
قوله: (في قول) أي قول من لم يشترط سبق المخففة بعلم أو ظن، وهم الكوفيون.
قوله: (بجملة اسمية) لا تحتاج لفاصل كالخبر المفرد. أما الفعلية فتفصل بلم أو قد، كما في شرح القطر وسيمثله الشارح.
---(1/317)
قوله: (وهو ضمير الشأن) لا يتعين عند المصنف كما في أن، فيحتمل في الآية أن اسمها ضمير لأرض المذكورة قبل أي كأنها وفي البيت ضمير الركاب. أما في المثال الأول فيتعين ضمير الشأن لعدم تقدم مرجعه، ولا يتعين كون الخبر جملة إلا مع ضمير الشأن، ويجوز إفراده مع غيره سواء ذكر الاسم، كبيت الشارح الآتي، أو حذف كقوله:
167 ــــ وَيَوْماً تُوافِينا بِوَجْهٍ مُقسَّمِ
كأَنْ ظَبْيَة تَعْطُو إِلَى وارف السَّلَمْ(5)
أي كأنها ظبية، والمقسم من القسام وهوالحسن، وتعطو أي تأخذ من عطوت إلى الشيء تناولته باليد، وضمنه معنى تميل فعداه بإلى، والسلم بفتحتين كما في الشمني شجر معروف.
قوله: (مشرق النحر) أي مضيء العنق، وثدييه أي الصدر أي الثديان فيه وتشبيههما بالحقين في الاستدارة.
قوله: (وهو ضمير الشأن) لا يتعلق، بل يحتمل ضمير الصدر، دماميني.
خاتمة: لا تخفف لعل على اختلاف لغاتها، وأما لكن فتخفف وتهمل وجوباً نحو: ولكِنِ الله قتَلَهُمْ} أجاز يونس والأخفش إعمالها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
(لا) التي لنفي الجنس
أي لنفي حكم الخبر عن الجنس لا الجنس نفسه، لأن النفي إنما يتعلق بالأحكام لا الذوات فهو مجاز عقلي في النسبة الإيقاعية، وتسمى لا التبرئة بإضافة الدال للمدلول لأنها تدل على تبرئة الجنس من الخبر.
قوله: (ليست نصاً) أي بل ظاهرة فيه ضرورة أن النكرة في سياق النفي للعموم، فاحتمالها لنفي الوحدة، أي لنفي الخبر عن اسمها بقيد وحدته، مرجوح يحتاج لقرينة. كقولك بعدها بل رجلان، وقد تنص على نفي الجنس بقرينة خارجية كقوله:
168 ــــ تَعَزَّ فَلاَ شَيءٌ عَلَى الأَرْضِ بَاقِيَا
وَلاَ وَزَرٌ مِمَّا قَضَى الله وَاقِيَا(2)
---(1/318)
قوله: (لنفي الجنس ليس إلا) أي عند إفراد اسمها بُنِي، أو نصب خلافاً للتاج السبكي، حيث خصه بحالة البناء، فإن ثنى أو جمع احتملت ذلك، ونفي قيد الأثنينة أو الجمعية كما في المهملة. والتي كليس فالفرق بين الثلاثة إنما هو عند إفراد الاسم في الجميع كما أوضحه في المطول. وقال ابن الهمام: (لا) تفيد النص كالعاملة كليس.
قوله: (عمل إن) أي لشبهها بها في توكيد النفي، كما هي في الإثبات، وفي التصدر، وتساوي لفظها إذا خففت.
قوله: (إلا نكرة) الحاصل أن شروط إعمالها ستة: أربعة ترجع إليها كونها نافية، وللجنس، ونصاً وعدم جار لها، وواحد لمعموليها وهو تنكيرهما، وواحد لاسمها وهو اتصاله بها، ويلزمه تأخير الخبر عنه فلا حاجة لجعله شرطاً مستقلاً. وأما قول المصنف: وبعد ذاك الخبر اذكر فلا يغني عن شرط الاتصال لصدقه مع الفصل في نحو: لا في الدار رجل قائمٌ، فلو لم تكن نافية فهي زائدة لا عاملة، أو كانت لنفي الوحدة، أو الجنس لا نصاً عملت كليس، وإن دخل عليها جار ألغيت، وكانت معترضة بينه وبين مجروره كجئت بلا زاد، غضبت من لا شيء، وجعلها الكوفيون حينئذ بمعنى غير مضافة للنكرة، والحرف جار لها، وسيذكر الشارح محترز الفصل وتنكير الاسم، ويقاس عليه الخبر.
قوله: (قضية الخ) أي هذه قضية ولا أبا حسن قاضٍ لها. وهو نثر من كلام عمر في حق علي رضي الله تعالى عنهما، كما في شرح الجامع لا شطر بيت من الكامل دخله الوقص كما قيل، ثم صار مثلاً للأمر المتعسر.
---(1/319)
قوله: (ولا مسمى بهذا الاسم) فيه أن هذا كذب لكثرة المسمى به، وأيضاً ليس كل مسمى توجد فيه المزية المقصودة بهذا الكلام، وأما تأويله بأنه على تقدير لاَمَسَّ أبي حسن. وذلك المضاف لا يتعرف بالإضافة ففيه أن مقصود المتكلم نفي مسمى العلم نفسه لا نفي مثله. فالأحسن تأويله باسم جنس من المعنى المشهور به ذلك العلم أي قضية، ولا فيصل لها، أي لا قاضي يفصلها كقولهم: لكل فرعون موسى، بتنوينهما أي: لكل جبار قهار.
قوله: (حناناً) بمهملة فنونين أي رحمة أي راحماً، وفي نسخ حياً من الحياة، وفيه أن علياً ما مات إلا بعد عمر القائل لذلك إلا أن يجعل الوصف ليس من كلامه، كما يرشد إليه قول الشارح كقولك.
قوله: (ألغيت) أي لضعفها بالفصل، ووجب حينئذ تكرارها كمثاله، تنبيهاً على نفي الجنس إذ هو تكرار للنفي، كما يجب مع المعرفة جبراً لما فإنها من نفي الجنس، وأجاز المبرد وابن كيسان عدم التكرار فيهما.
قوله: (غول) أي شيء يغتال عقولهم ويذهبها.
قوله: (وركب الخ) أشاربه إلى علة البناء الآتية في الشرح، وفي قوله: فاتحاً، قصور سيشير إليه الشارح.
قوله: (والثان) مفعول أول لاِجْعَلاَ حذفت ياؤه للضرورة، ومرفوعاً مفعول الثاني، وألف اجعلا مبدلة من النون الخفيفة فتقديم مفعوله ضرورة.
---(1/320)
قوله: (مضافاً) منه قولهم: لا أبالك، ولا يدي لك عند سيبويه والجمهور. فأبا مضاف للكاف منصوب بالألف بلا تنوين، والخبر محذوف أي لا أباك موجود، وليس معرفة لأن الإضافة غير محضة كهي في مثلك، لأنه لم يقصد نفي أب معين، بل هو ومن يشبهه إذ هو دعاء بعدم الناصر، وإنما زيدت اللام بينهما كراهة لإدخال لا على صورة المعرفة، وقال الفارسي وابن الطراوة(2): أبا مفرد مبني جاء على لغة القصر أي ففتحه مقدر على الألف كإعرابه على تلك اللغة لا مبني عليها، ولأن شرط نصبه بها كونه مضافاً، وهو حينئذ غير مضاف كما مر في المبني، فحذف تنوينه للبناء، وحذفت نون يدي للتخفيف شذوذاً، ولك خبر، وقيل: هو شبيه بالمضاف لوصفه بلك، والخبر محذوف، وحذف تنوينه تشبيهاً به.
قوله: (لا ثلاثة وثلاثين) أي غير علم بأن أريد مطلق جماعة بهذا العدد، أما العلم فلا تعمل فيه لا ومثله فيما يظهر ما إذا أريد جماعة معينة هذه عدتهم لأنه حينئذ يجب تعريفهما بأل فتهمل لا، وتكرر مع شيء آخر معطوف فإن أريد بالثلاثة جماعة معينة، وبالثلاثين جماعة أخرى كذلك أهملت وكررت في الثاني فيقال: لا الثلاثة ولا الثلاثون. هذا ما ظهر وهو نفيس فتأمله.
واعلم أن مشبه المضاف يلزم إعرابه منوناً عند البصريين وجوز ابن كيسان بناءه أيضاً فلا ينوّن إجراء له مجرى المفرد لعدم الاعتداد بالمعمول لصحة الكلام بدونه، وأجاز الناظم إعرابه غير منوّن بقلَّةٍ تشبيهاً بالمضاف، وعلى أحد هذين يخرج حديث: «لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ» وقوله تعالى: لاَ جِدالَ فِي الحَجِّ}
(البقرة: 197)
ويمكن تخريجه على الأول بجعل الظرف خبراً متعلقاً بمحذوف لا باسم لا فهو مفرد مبني لا شبيه بالمضاف، أي لا مانع مانع لما أعطيت، واللام للتقوية، ولا جدال حاصل في الحج، وأجاز البغداديون بناءه إن عمل في ظرف كالآية ا هـ إسقاطي بزيادة.
---(1/321)
قوله: (لتركبه معها) هكذا علل سيبويه وكَثِيرٌ البناء، مستدلين بإعرابه عند فصله منها، وفيه أن التركيب إنما يصلح علة للفتح لاقتضائه التخفيف لا لأصل البناء، وإلا لبني بعلبك وحضرموت وأما بناء خمسة عشر وسيبويه، فليس للتركيب كما مر، فالأوجه أنه بني لتضمُّنه معنى من الاستغراقية لأن النص على استغراق الجنس يستدعي وجود من الدالة عليه لفظاً أو معنًى، ولذا صرح بها في قوله:
169 ــــ فَقَامَ يَذُودُ النَّاسَ عَنْهَا بِسَيفِهِ
وَقَالَ أَلاَ لا مِنْ سَبِيل إلَى هِنْدِ(2)
ولأن قولنا: لا رجل في الدار، مبني على سؤال محقق، أو مقدر كأنه قيل: هل من رجل في الدار؟ فأجيب بالنفي على وجه الاستغراق. ولما عارضت الإضافة هذا التضمن أعرب المضاف، وحمل عليه شبهه لا يقال: التضمن المقتضي البناء ما كان بأصل الوضع. وهذا عارض بدخول لا لأنا نقول ذلك في البناء الأصلي لا العارض، ولا يرد أن هذ التضمن كتضمن الحال معنى في حيث أنها مقدرة في نظم الكلام بدليل ذكرها في البيت فلا يقتضي البناء كما مر، لأن ذكرها ضرورة، وبني على حركة إيذاناً بعروض البناء، وكانت فتحة للخفة.
قوله: (فتحة إعراب) أي وحذف تنوينه للخفة، ورد بأنه لم يعهد حذف التنوين إلا لمنع صرف، أو إضافة، أو وصف العلم بابن، أو ملاقاة ساكن، أو وقف، أو بناء. وليس هذا من غير البناء.
قوله: (وذهب المبرد الخ) أي لأن التثنية والجمع من خواص الأسماء فيعارضان علة البناء، ورد بأنها واردة عليهما، والوارد له قوة فلم يقويا على معارضتها بخلاف اللذين على القول بإعرابه. ولو سلمنا ذلك لكان يعرب نحو: يا زيدان، ولا قائل به، وتظهر ثمرة الخلاف في: لابنين كراماً، فتبنى الصِّفة على الفتح عند الجمهور دونه.
قوله: (بكسر التاء) أي بلا تنوين لأنه وإن كان لمقابلة مشبه لتنوين التمكين الذي لا يجامع البناء، وجوز بعضهم تنوينه مع البناء قياساً لا سماعاً، نظر إلى أنه للمقابلة.
---(1/322)
قوله: (إن الشباب) يروى: أودى الشباب بفتح الهمزة وسكون الواو فدال مهملة أي فني وذهب، ومجد خبر عن عواقبه، وصح الإخبار به عن الجمع لكونه مصدراً، والجملة صلة الذي، وجملة فيه نَلَذُّ بفتح اللام مضارع لذ من باب تعب خبر إن على الرواية الأولى، ومستأنفة على الثانية، والشيب إما بكسر الشين جمع أشيب، أو بفتحها مصدر على حذف مضاف أي لذي الشيب، أو اللام بمعنى في أي في زمن الشيب، والشاهد كسر لذات على هذه الرواية، ويروى بفتحها بلا تنوين.
قوله: (والرافع له لا عند المصنف وجماعة) أي سواء ركبت مع الاسم أو لا، وهذا هو مذهب الأخفش الآتي، ومخالفة سيبويه إنما هي في حالة البناء فقط كما هو مفاد الشارح، فتحصل منه أنه لا خلاف في عملها في الخبر حالة عدم التركيب، وصرح به الشلوبين. وينبغي أن يراد لا خلاف بين البصريين، وأما الكوفيون فلا يقولون بعمل أن في الخبر فلا بالأولى أفاده الدماميني.
---(1/323)
قوله: (أن لا واسمها المفرد الخ) صريحه أن المبتدأ مجموع لا مع اسمها، ويرد عليه أن الخبر حينئذ يكون عن المجموع فلا يتسلط عليه النفي ويكون معنى لا رجل قائم غير الرجل قائم، فيفيد إثبات القيام لغير الرجل، وأن نفيه عنه مسكوت عنه وليس مراداً، وأيضاً لا يكون المبتدأ مجموع اسم وحرف غير سابك، وأجيب بأن في نحو هذه العبارة تسامحاً، كما أشار إليه سم، وأن المبتدأ في الحقيقة هو الاسم فقط. وهو الذي عمل في الخبر كحال قبل دخول لا، لكن لما كان كجزئه نسبوا ذلك للمجموع تسامحاً. لذلك قال الأشموني: مذهب سيبويه أن الخبر مرفوع بما كان مرفوعاً به قبل دخول لا، ولم تعمل لا إلا في الاسم فينبغي إرجاع ما خالف هذه العبارة إليها، ولا يرد أن لا نسخت حكم الابتداء فكيف يعمل في الخبر لما في شرح الكافية والتسهيل أن لا عامل ضعيف؟ فلم تنسخ حكم الابتداء إلا لفظاً وهو باق تقديراً، ولذلك يتبع اسمها بالرفع باعتبار محله بخلاف أن، فتنسخه لفظاً ومحلاً لقوتها. أفاد جميع ذلك الصبان.
قوله: (إلا في الاسم) أي لقربه منها، ولم تعمل في الخبر لضعف شبهها بأن حيث صارت جزء كلمة، وقال في المغني: الذي عندي أن سيبويه يرى عدم عمل المركبة في الاسم أيضاً لأن جزء الشيء لا يعمل، وأما: لا رجل ظريفاً، بالنصب فمثل: يا زيد الفاضل، بالرفع أي إن نصب ظريف بتبعية اللفظ لا المحل، كما أن رفع الفاضل كذلك.
---(1/324)
قوله: (وذهب الأخفش الخ) يظهر أثر الخلاف في نحو: لا رجل ولا امرأة قائمان. فعند سيبويه يجوز لأن العامل في الخبر مجموع المبتدأين المتعاطفين، وعند الأخفش يمتنع لئلا يتوارد على الخبر عاملان لا الأولى والثانية فيذكر لكل خبر مستقل، ويكونان جملتين، وكذا يقدر في نحو: لا حول ولا قوة. أما عند سيبويه فيجوز تقديره مثنًى عنهما ويكون جملة واحدة. كذا قيل ورد بأنهما وإن كانتا عاملتين في الخبر إلا أنهما متماثلتان لفظاً ومعنًى. فيجوز عملهما في اسم واحد عملاً واحداً كما في أن زيداً وأن عمراً قائمان. أفاده المصرح والدماميني. قال الروداني: والحق المتجه أن رفع الخبر في ذلك إنما هو بمجموع الحرفين لا بكل على حدته، إذ لا يعقل معمول لعاملين تماثلاً، أو لا، لاستحالة أثر بين مؤثرين، ولأن قائمان لكونه مثنى لا يخبر به عن كل من الاثنين بل عن مجموعهما فلزم كونه معمولاً لمجموع الحرفين سوى أن ولا، وكذا نحو زيد وعمرو قائمان. وعلى هذا فلا خلاف بين سيبويه والأخفش في جواز ذلك، بل في أن العامل عند سيبويه مجموع المبتدأين المعطوفين مثل: زيد وعمرو قائمان. وعند الأخفش مجموع الحرفين مثل إن زيداً وإن عمراً قائمان.
قوله: (وتكررت لا) سيأتي محترزه في المتن.
قوله: (يجوز فيه) أي في التركيب المشتمل على ذلك لا في الاسم الثاني، ويحده. فإن أوجهه ثلاثة فقط وهي البناء والرفع والنصب.
---(1/325)
قوله: (خمسة أوجه) فيه نظر لأن كلامه الآتي يقتضي أنها ثمانية، لأنه إن بنى الأول أو نصب ففي الثاني ثلاثة، وإن رفع فوجهان، ومن ذكر أنها خمسة كالأشموني اقتصر. على كون الأول مفرداً كالثاني كمثال المصنف: وحينئذ فليس في الأول إلا البناء بثلاثة في الثاني، أو الرفع بوجهيه وإن كان قول المصنف: وإن رفعت أولاً لا تنصبا، بقطع النظر عن مثاله يفيد أكثر لأنه علق منع نصب مفرداً أو مضافاً أو شبهه وجهان، فالجملة خمسة عشر، وأما الثاني فمقيد في كلامه بالمفرد بدليل أنه خُيِّرَ فيه بين التركيب وغيره فتدبر.
قوله: (الثاني النصب) هذا أضعف الأوجه لأن القياس مع وجود لا بناؤه لا نصبه، وأيضاً لا الأولى لا تعمل النصب في لفظ الاسم لكونه مفرداً فكيف تعمله في لفظ تابعه المفرد.
قوله: (على محل اسم لا) أي عند الناظم أما عند غيره فاتباعاً للفظ الاسم، وإن كان مبنياً لشبهه بحركة الإعراب في العروض، وعلى هذا فالحركة اتباعية، والإعراب مقدر رفعاً أو نصباً فتدبر. ا هـ صبان. وجوز الزمخشري نصبه بمحذوف أي لا أرى قوة، وقال يونس وجماعة: تنوين الثاني في البيت للضرورة. كتنوين المنادى المفرد كذا في التوضيح، أي فهو مركب مع لا، وهي غير زائدة، لكنه نون للضرورة.
---(1/326)
قوله: (اليوم) خبر لا الأولى، وخبر الثانية محذوف لدلالة الأولى عليه أي ولا خلة اليوم، أو هو ظرف لغو متعلق بالنفي، والخبر محذوف إما خبر واحد لهما أي لا نسب ولا خلة بيننا، أو لكلَ خبر، ويتعين هذا عند سيبويه إن نصب الثاني على محل الأول لأن خبر الأول حينئذ مرفوع بالمبتدأ، وخبر الثاني بلا، لأن لا الناصبة للاسم ترفع خبره اتفاقاً. فلو قدر خبر واحد لزم ارتفاعه بعاملين مختلفين وهو ممتنع أفاده المصرح. وفيه نظر، أما أولاً: فإن لا الثاني عند نصب ما بعدها زائدة لا تحتاج لخبر، بل الثاني معطوف على الأول عطف مفرد لا جملة فيجب كون الخبر عن المتعاطفين، والكلام جملة واحدة نعم على مذهب يونس من أنه مركب معها، ونون للضرورة يصح ما ذكر. وأما ثانياً: فكونه يتعين لكل خبر عند سيبويه إلى آخر ما قاله بعيد كما بينه الصبان فانظره، وقوله اتسع الخرق على الراقع يروى: اتسع الفتق على الراتق، وهو بمعناه قيل: وهذا هو الصواب لأن القافية قافيَّة.
قوله: (على محل لا واسمها) أي عند سيبويه على التسامح المار فلا يرد أن لا الأولى، لكونها جزء المعطوف عليه، لا تتسلط على الخبر فكيف تكون الثانية زائدة؟ لأن العطف في الحقيقة على محل الاسم فقط، فتدبر.
قوله: (زائدة) أي بين المتعاطفين، والخبر المحذوف مثنى عنهما، فهو جملة واحدة.
قوله: (وليس لِلاعمل فيه) أي لوجود شرط إلغائها وهو تكرارها، وهو حينئذ مبتدأ مستقل لا معطوف على محل الأول كما في الزائدة، فيجب لِكُلِّ خَبَرٌ. ويكون من عطف الجمل كما إذا عملت كليس.
قوله: (هذا لعمركم الخ) بفتح العين، مبتدأ خبره محذوف وجوباً أي لعمركم قسمي، والصغار، بفتح الصاد المهملة فغين معجمة، الذل والهوان.
قوله: (وإن نصب المعطوف عليه) أي لكونه مضافاً أو شبهه، مع كون الثاني مفرداً.
---(1/327)
قوله: (أعني البناء) أي لتركبه مع الثانية والنصب أي عطفاً على لفظ الأول، والرفع أي لإلغائها، أو إعمالها كليس، أو زيادتها مع عطفه على محل اسم لا عند سيبويه لأنه لا فرق عنده بين المفرد وغيره في كون محله الرفع على الابتداء كما نقله سم عن الدماميني ويؤيده ما مر عن شرح الكافية من أن لا عامل ضعيف، لا تنسخ حكم الابتداء إلا لفظاً، مع بقائه لكن فيه. إن لا الناصبة للاسم ترفع الخبر اتفاقاً، فإذا كانت مع اسمها في محل المبتدأ لزم أن هذا المبتدأ لا يعمل في شيء إلا أن يقال النافي، والمنفي كالشيء الواحد فعمل أحدهما كعمل الآخر كما قالوه في: غير قائم الزيدان، فتأمل، صبان.
قوله: (الأول البناء على الفتح) وعلى هذا يتعين خبر إن عند الجميع، سواء عملت الأولى كليس، أو أهملت، لئلا يتوارد عاملان مختلفان على الخبر، ويلزم على الأول كون الخبر منصوباً مرفوعاً.
قوله: (فلا لغو الخ) اللغو الباطل، والتأثيم اللوم من قولك للشخص أثمت، والضمير للجنة، وما فاهوا أي نطقوا به، وهذا من قصيدة لأمية بن أبي الصلت يذكر فيها الجنة وأحوالها، وهو ملفق من بيتين وأصله:
170 ــــ فَلاَ لغْوٌ وَلاَ تَأْثِيمَ فِيها
وَلاَ حَينٌ وَلاَ فِيهَا مَلِيمُ(2)
وفيها لحَمُ سَاهِرَةٍ وبحرٍ
وما فاهوا...... الخ
والحين بالفتح الهلاك، والمليم اللائم، ولا ساهرة أرض يجددها الله تعالى يوم القيامة فالمعنى: فيها لحم بر وبحر.
قوله: (والثاني الرفع) أي على عمل الثانية كليس، أو إهمالها، وما بعدها مبتدأ مستقل، أو زيادتها وعطفه على الأول، سواء عملت الأولى كليس، أو أهملت. وتقدير خبر واحد أو اثنين يعلم مما مر.
---(1/328)
قوله: (ولا يجوز النصب) أي عطفاً على المحل أو تبعاً للفظ لانتفائهما. أما النصب بمحذوف، كما مر عن الزمخشري، فيجوز. والحاصل أن الاسمين إن كانا مفردين جاز في الأول البناء، والرفع إلغاءً، أو عملاً كليس فتلك ثلاثة. وفي الثاني سبعة: بناؤه، ونصبه على محل الأول، أو لفظه، أو بمحذوف، ورفعه على إلغاء الثانية أو زيادتها أو عملها كليس، فتلك أحد وعشرون وجهاً يمتنع منها أربعة وهى: رفع الأول إلغاء، وعملاً كليس مع نصب الثاني على محله، أو لفظه فإن أفرد الأول فقط فسبعة.
الثاني تأتَّى في كونه مضافاً أو شبهه مع إبدال البناء بنصبه بلا الثاني، فتلك أربعة عشر في ثلاثة. الأول باثنين: وأربعين يمتنع منها الأربعة السابقة مع كونه مضافاً أو شبهه بثمانية، وإن أفرد الثاني فقط فثلاثة: الأول: تأتى في كونه مضافاً أو شبهه مع إبدال البناء بالنصب فتكون ستة في سبعة. الثاني: باثنين وأربعين يمتنع منها نظير الثمانية الماضية مع اثنين آخرين، وهما نصب الأول سواء كان مضافاً أو شبهه، مع نصب الثاني على محله إذ نصبه حينئذ لفظي لا محلي، وإن كانا غير مفردين ففي الثاني أربعة عشر في ستة. الأول باربعة وثماني يمتنع منها ضعف ما قبله. فجملة الصور مائة وتسعة وثمانون يمتنع منها اثنان وأربعون كما هو ظاهر للمتأمل والله أعلم.
قوله: (ومفرداً) مفعول افتح، وفاؤه للتحسين فلا تمنع عمله في المقدم عليه ونعتاً بدل منه، أو بيان كذا قيل، والأظهر إجراؤه على قاعدة نعت النكرة إذا تقدم يعرب حالاً، وتعرب هي بحسب العوامل. ولمبنيِّ ويلي صفتان لنعتاً، أو الأول متعلق بالثاني، وحذف مفعول انصبن وارفع لدلالة الأول عليه، ولا تنازع لأن المصنف لا يراه في المتقدم.
---(1/329)
قوله: (لتركبه مع اسم لا) أي قبل دخولها فيصير النعت والمنعوت كاسم واحد، ثم تدخل عليه لا مثل لا خمسة عشر. كذا في التوضيح والأشموني وغيرهما. وإنما جعل التركيب سابقاً لئلا يلزم تركيب ثلاثة أشياء كما في الصبان هذا، وصريح ذلك أن اسم لا الذي في محل نصب هو مجموع النعت، والمنعوت لصيرورتهما اسماً واحداً قبل دخولها، كخمسة عشر وبعلبك. لا أن كلاً منهما في محل نصب كما اختاره يس على التصريح، وأن الاسم بني لتركُّبه مع لا، والنعت بُني لتركبه مع الاسم إذ لا وجه له على ما ذكره مع أن التركيب لا يصلح علَّة لأصلية البناء كما علمت. إلا أن يكون من باب إعطاء الجزء حكم الكل فتأمل. وقيل علة بناء الاسم تضمنه معنى من، ولما كان الوصف من تمامه كان كأنهما معاً تضمناها فَبُنِيَا، وفرق سم بين هذه الصفة وصفة المنادى المفرد حيث لم تبن بأن صفة المنادى ليست مناداة فلم تعطَ حكمه، وهذه الصفة هي المنفية في المعنى. فإعطاؤها حكم الاسم ظاهر، وقيل الصفة ليست مبنية بل فتحها إعراب على المحل. ولم تنون للتشاكل، وعلى قياس ما مر يجوز كونها اتباعاً للفظ، والظاهر أن من جعل الموصوف في النداء فمن الشبيه بالمضاف يقول بمثله هنا، حيث يجعل من نفي الموصوف لا من وصف المنفي فينصب الأول لشبهه بالمضاف، والثاني لأنه تابع للموصوف كما ذكروه في النداء. لكن لم أَرَ من ذكره هنا إلا ما مر عن بعضهم في: لا أبا لك فليتأمل.
قوله: (مراعاة لمحل اسم لا) أي أو اتباعاً للفظه وإعرابه مقدر كما مر نظيره.
قوله: (لمحل لا واسمها) فيه التسامح المار.
قوله: (وغير ما يلي) مفعول لتبن المجزوم بلا الناهية، وغير المفرد عطف عليه أي غيره من النعت والمنعوت كما سيشير إليه الشارح فهو محترز قول المصنف، ومفرداً مع قوله: لمبني. قال ابن غازي: ولو قال:
وارْفَعْ أو انْصِب مُطْلَقاً نَعْتَ اسْمِ لاَ
والفَتْحَ زِدْ أن أُفْرِدا واتَّصلا
---
لا غنى عن البيتين مع الإيضاح.(1/330)
قوله: (وتكررت لا) فعل وفاعل، ويجوز جواب إذا لا منفي بلا. فالأَوْلَى حذف لا لتقدم ذكرها، وكذا ما بعده.
قوله: (على تقدير تكرير لا) أي فحذفت وبوبت، وليس الفتح بالتركيب مع الأول للفصل بالواو.
تنبيه: البدل النكرة كالنعت المفصول نحو: لا أحد رجل وامرأة فيها، بالنصب والرفع. ولا يبنى على تركبه مع البدل منه لأنه على نية تكرار العامل فبينهما فاصل مقدر، وجوزه بعضهم لأن هذا الفاصل هنا يقتضي الفتح، فإن كان معرفة تعين رفعه نحو: لا أحد زيد وبكر فيها، وكذا يقال في عطف البيان. وأما التوكيد فالأَوْلَى في اللفظي منه كونه على لفظ المؤكد مجرداً عن التنوين، ويجوز رفعه ونصبه. وأما المعنوي فيمتنع بناءً على أنه لا يتبع نكرة لأن ألفاظه معارف. أما على أنه يتبعها فيتعين رفعه لعدم تسلط لا على المعرفة.
قوله: (وأعط لا) قال سم يمكن شموله للعاملة عمل إن وليس.
قوله: (دون الاستفهام) ليس فيه مع الأول إيطاء لتخالفهما تعريفاً وتنكيراً.
قوله: (فالحكم كما ذكر) لكن مع التوبيخ كثير، ومع الاستفهام عن النفي قليل. حتى توهم الشلوبين عدم وقوعه.
قوله: (ألا ارْعِوَاءَ) أي انْكِفَافاً عن القبيح وهو اسم لا، وخبرها محذوف أي موجود، والهمزة للتوبيخ والإنكار، والشبيبة الشباب، وآذنت أي أعلمت، والهرم بفتحتين الكبر. وقد هرم هرماً كتعب تعباً فهو هرم. إذا كبر وضعف. كذا في المصباح.
قوله: (ألا اصْطِبَار) الهمزة للاستفهام، واصطبار اسم لا، ولسلمى خبرها أو صفته، والخبر محذوف أي موجود، والذي لاقاه أمثاله كناية عن الموت. والمعنى: إذا مت هل ينتفي اصطبار سلمى زوجتي أم تتجلد، وأم إمَّا متصلة فالمطلوب بها مع الهمزة تعيين أحدهما، أو منقطعة فتكون إضراباً عن الاستفهام الأول إلى الاستفهام عن التجلد. دماميني.
---(1/331)
قوله: (إلا عملها في الاسم) أي، ولا خبر لها لأنها بمنزلة أتمنى فقولك، ألا ماء كلام تام حملاً على معناه وهو أتمنى ماء، فلا خبر لها لفظاً ولا تقديراً، كما قاله الدماميني والاسم هنا بمنزلة المفعول، وعلى قول المازني يكون الخبر مقدراً.
قوله: (ولا يجوز إلغاؤها) أي لأنها كليت وهي لا تلغى.
قوله: (بالرفع) مقتضى اقتصاره عليه جواز النصب على محل الاسم وهو الظاهر فليحرر.
قوله: (ألا ماءَ ماءً بارداً) ماء الثاني نعت للأول لجواز النعت بالجامد الموصوف بمشتق كمررت برجل رجل صالح، ويسمى نعتاً موطئاً فهو مبني على الفتح لتركبه مع الأول، ويمتنع رفعه عند سيبويه، ويجوز عند المازني، ويتعين تنوين بارداً لأن العرب لم تركب أربعة أشياء، ولا يصح كون ماء الثاني توكيداً، ولا بدلاً كما في التوضيح لأنه مقيد بالوصف، والأول مطلق فليس مرادفاً حتى يؤكده، ولا مساويه حتى يبدل منه لكن جوز بعضهم التوكيد في قوله تعالى: بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ}
(العلق:15 ـ 16)
فكذا هنا، وجوز في النكت كونه عطف بيان لجواز كونه أوضح من متبوعه.
---
قوله: (فَيَرْأَب) بفتح التحتية والهمزة وسكون الراء آخره موحدة أي يصلح، وفاعله ضمير العمر، وأثأت بمثلثة ساكنة بين همزتين مفتوحتين، ثم تاء التأنيث أي أفسدت، ويد الغفلات فاعله، وفيه استعارة مكنية حيث شبه الغفلات بالفاعل المكتسب، وأثبت من لوازمه اليد تخييلاً، واحتج المازني بالبيت على سيبويه فقال: مستطاع، إما خبر لا فيبطل قوله: لا خبر لها، أو صفة لاسمها مراعاةً للابتداء، فيبطل قوله بعدم ذلك. وأيّاً كان، فرجوعه نائب فاعل مستطاع، ورد بجواز كونه خبراً مقدماً عن رجوعه، والجلة صفة ثانية لعمر بعد وصفه بولي ولا خبر لِلاَ، قال الروداني، وتجويز الوصفية مكابرة إذ لا يشك عاقل في المُتَمَنَّى إنما هو استطاعة رجوع العمر، لا العمر المدبر المستطاع رجوعه. فمستطاع هو الخبر بلا شك.(1/332)
تنبيه: ترد ألا للتنبيه وهي الاستفتاحية فتدخل على الجملتين نحو: أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله}
(يونس:62)
الخ ألا يوم يأتيهم}(2)، وللعرض والتحضيض فتختص بالفعلية نحو: أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ الله لَكُمْ}
(النور:22)
ألا تقاتلون قوماً}(3) الخ.
قوله: (إذا المراد الخ) إذا شرطية كما يشير إليه صنيع الشارح. فالذال مفتوحة، وليست هي إذ التعليلية لأن المراد لا يظهر في كل تركيب كما لا يخفى.
قوله: (إذا دل دليل) أي مقالي كوقوعها جواباً لسؤال، أو حالي بأن دل عليه السياق نحو فلا فوت}(4)، أي: لهم. قالوا: لا ضير}(5)، أي: علينا. وأكثر ما يحذفه الحجازيون مع ألا نحو: لا إله إلا الله، فيرفع ما بعد إلا على البدلية من ضمير الخبر، أو من محل لا مع اسمها على ما فيه من التسامح المار، فهو بمعنى قول بعضهم من محل الاسم قبل الناسخ، وليس هذا مبنياً على عدم وجود المحرز لما مر عن شرح الكافية، فتأمل.
---
قوله: (أغير من الله) المراد بالغيرة لازمها وغايتها، وهو مقت من تعرض لمحارمه لا انفعال النفس من فعل ما يستكره لاستحالته على الله تعالى. يقال غار الزوج يغار على امرأته، كخاف يخاف غضب من فعلها والمصدر غيراً كخوفاً وغيرة كضربة، ولا يكسر أولهما كما قاله ابن السكيت. مصباح.
قوله: (ولا كريم الخ) قيل إنه لحاتم، وقيل لشخص من بني نبيت اجتمع هو وحاتم والنابغة عند امرأة، تسمى مارية خاطبين لها فقدمت حاتماً فقال النبيتي:
171 ــــ هَلاَّ سَأَلتِ النَّبِيتِيِّينَ ما حَسَبِي
عِندَ الشِّتَاءِ إِذَا ما هَبَّتِ الرِّيحُ(2)
وَرَدَّ جَازِرُهُمْ حَرْفاً مَصَرَّمةً
في الرَّأْسِ مِنْهَا وَفِي الأصْلاءِ تَمْلِيحُ
إذا اللِّقاحُ غدت مُلْقًى أَصِرَّتُها
وَلاَ كَرِيمَ مِنَ الوِلْدَانِ مَصْبُوحُ(1/333)
والحرف الناقة المهزولة أو المسنة والمصرمة بشد الراء المفتوحة هي التي يعالج ضرعها لينقطع لبنها ليكون أقوى لها، والأصلاء جمع صلا وهو ما حول الذنب، والتمليح الشحم لشبهه الملح في البياض، واللقاح جمع لقوح وهي الناقة الحلوب، والأصرة جمع صرار خيط يشد به ضرع الناقة لئلا يرضعها ولدها، وإنما تلقى وتترك عند عدم اللبن، والولدان جمع وليد من صبي وعبد، والمصبوح اسم مفعول من صبحته سقيته الصبوح والله سبحانه وتعالى أعلم.
ظَنَّ وَأَخَوَاتُهَا
قوله: (بفعل القلب) مفرد مضاف فيعم.
---
قوله: (جزأي ابتدا) الإضافة لأدنى ملابسة، أي جزأيَّ جملة ذات ابتداء، والمراد الجنس الصادق بالبعض، لأن أفعال هذا الباب لا تدخل على متبدأ يلزم الحذف، أو الصدر، أو غيره مما يمتنع في كان إلا اسم الاستفهام أو المضاف إليه، فيجوز هنا مقدماً على أنه مفعول أول كليهم ظننت أفضل بخلاف كان، لأن اسمها لا يقدم عليها، وأما الخبر فيكون استفهاماً في البابين كأين كنت؟ وأين ظننت زيد؟ ولا يكون جملة إنشائية فيهما. وأما قول أبي الدرداء: «وجدت الناس أخبر تقله»، فعلى إضمار القول أي مقولاً في كل واحد منهم: اختبره تبغضه، ومر مثله في كان، ولا تدخل هذه الأفعال على المبتدأ والخبر إلا بعد استيفاء فاعلها أي وجوده. وذكره وإن تأخر عنها فإن قلت نحو: حسبت زيداً عمراً، وصيرت الطين خزفاً، ليس أصلهما المبتدأ والخبر. إذ لا يقال: زيد عمرو، ولا الطين خزف لعدم صحة الإخبار. أجيب بأنه يصح في الأول باعتبار التشبيه على حذف الأداة، وفي الثاني باعتبار الأول.
قوله: (مع عد) بتخفيف الدال للضرورة متعلق بأعني، أو حال من مفعوله.
قوله: (ألذ) بسكون الذال لغة في الذي، وكأعتقد صلته احترز به عن جعل التي من أفعال المقاربة، وقد مرت والتي بمعنى صبر وستأتي.(1/334)
قوله: (وَهَبْ) بفتح فسكون أمر بمعنى ظن لا من الهبة، واستعماله مع أن وصلتها قليل حتى زعم الحريري أنه من لحن الخواص ويرده قصة: هب أن أبانا كان حماراً، كذا في شرح الجامع.
قوله: (والتي) مبتدأ، وكصيرا صلته، وبها انصب خبره أي، والأفعال التي بمعنى صيرا نصب بها أيضاً مبتدأ وخبراً، كما تنصبهما بأفعال القلوب.
---
قوله: (وهو ظن وأخواتها) جعل منها الناظم تبعاً للأخفش، وغيره سمع المتعلقة بذات مخبر عنها بفعل دل على صوت. كسمعت زيداً يتكلم فزيداً مفعول أول، والثاني يتكلم بخلاف المتعلقة بمسموع كسمعت كلام زيد فتتعدى لواحد فقط، وقال الجمهور: لا تتعدى مطلقاً إلا لواحد كسائر أفعال الحواس فإن كان مما يسمع فذاك، وإلا ففيه حذف مضاف، والفعل بعده حال أي سمعت صوت زيد حال كونه يتكلم.
قوله: (إلى قسمين) قسمها غيره إلى أربعة: فَوَجَدَ وَتَعَلَّمَ وَدَرَى، لليقين فقط. وجَعَلَ وَحَجَا وَعَدَّ وَزَعَمَ وَهَبْ، للرجحان فقط. ورأى وعلم، لليقين غالباً. وظن وخال وحسب للرجحان غالباً. والشارح أدرج الثالث في الأول، والرابع في الثاني نظراً للغالب فيهما، وتقليلاً للأقسام ثم نبه عند ذكر كل واحد على مجيئه لغير ذلك.
قوله: (فمثال رأى) أي اليقينية بمعنى علم، كما هو فرض كلامه، لا بمعنى أبصر أو أصاب رئته، وإلا تعدت لواحد، وأما بمعنى الرأي والاعتقاد فمحصل كلام الرضي تعديتها تارة لاثنين كرأي الشافعي كذا حلالاً ومنه قوله:
172 ــــ رَأَى النَّاسُ إلاِّ مَنْ رَأَى مِثْلَ رَأْيهِ
خَوَارِجَ تَرَّاكِينَ قَصْدَ المَخَارِجِ(3)
وتارة لواحد هو مصدر ثانيهما مضافاً لأولهما كرأى أبو حنيفة حل كذا كما قد تستعمل عَلَمَ اليقينية كذلك ا هـ. وصريح هذا عدم الاحتياج حينئذ لتقدير المفعول الثاني، لأن هذا المصدر هو المفعول به في الحقيقة كما صرح به الرضي غير مرة، فليجز الاقتصار عليه، وإن كان في الدماميني ما يخالفه.(1/335)
قوله: (محاولة) أي قدرة، وهو تمييز لاكبر بالباء الموحدة كما أن جنوداً تمييز وكثرهم بالمثلثة.
قوله: (إنهم يرونه الخ) أي يظنون البعث بعيداً أي ممتنعاً، ونراه أي نعلمه قريباً أي واقعاً لأن العرب تستعمل البعد في النفي، والقرب في الوقوع، ففي الآية الظن واليقين معاً.
---
قوله: (ومثال علم) أي اليقينية، وتأتي للظن قليلا نحو: «فَإنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ»(4) وكان عليه ذكره كرأي، أما التي بمعنى عرف فستأتي في المتن، والي من علم يعلم علماً تفرح يفرح فرحاً فهو أعلم، والمرأة علماء إذا انشقت شفته العليا فلازم، ويقال علمه يعلمه ككسره يكسره إذا شق شفته، ومشقوق الشفة السفلى يسمى أفلح بالفاء، والحاء المهملة.
قوله: (المعروف) بالنصب مفعول الباذل، أو بالجر بإضافته إليه وانبعثت أي انطلقت، وواجفات الشوق، بالجيم والفاء، أسبابه ودواعيه.
قوله: (وجد) أي بمعنى علم ومصدرها الوجود، وقيل: الوجدان لا بمعنى أصاب الشيء أي لقيه، وإلا تعدت لواحد، ومصدرها الوجدان قيل: والوجود أيضاً، ولا بمعنى استغنى أو حزن أو حقد للزوم الثلاثة، ومصدر الثالثة مَوْجِدة بفتح الميم وكسر الجيم والثانية وجداً بفتح الواو، والأُوْلَى بتثليثها كما في القاموس.(1/336)
قوله: (دريت الخ) التاء نائب فاعل، وهي المفعول الأول، والثاني الوفي وهو صفة مشبهة فالعهد إما فاعله، أو مضاف إليه، أو نصب على التشبيه بالمفعول به وعرو مرخم بحذف التاء، والاغتباط بالغين المعجمة من الغبطة وهي تمني مثل حال المغبوط من غير أن يزول عنه، والظاهر أن المعنى فليغبطك غيرك، أو أنه دعاء له بدوام اغتباط الغير له كناية عن دوام أوصافه الحميدة. قال أبو حيان: ولم يعد أصحابنا درى فيما يتعدى لمفعولين. ولعله ضمنها في البيت معنى علمت، والتضمين لا ينقاس. ا هـ لكن في التوضيح وغيره أن ذلك قليل، والأكثر تعديه لواحد بالباء نحو دريت بكذا فإن دخلت عليه الهمزة تعدى لآخر بنفسه نحو: وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ}
(يونس:16)
قيل إلا مع الاستفهام فيتعدى لثلاثة نحو: وَمَا أدْرَاكَ مَا القَارعَةُ}
(القارعة:2)
---
لسد الجملة مسد المفعولين، والأوجه ما في الهمع والمغني أنها سدت مسد المفعول بالباء فقط. فهي في محل نصب بإسقاط الجار كما في: فكرت أهذا صحيح أم لا؟
قوله: (وهي التي بمعنى أعلم) أي لا التي في نحو تعلم الفقه مثلاً، وإلا تعدت لواحد، والفرق بينهما أن هذه أمر بتحصيل العلم في المستقبل بتعاطي أسبابه والأولى أمر بتحصيله في الحال بما يذكر من المتعلقات، والكثير المشهور دخولها على أن وصلتها فتسد مسد مفعوليها كقوله:
173 ــــ فقُلْتُ تَعَلَّمْ أَنْ لِلصَّيْدِ غِرَةً
وإلاَّ تُضَيِّعْها فإنَّكَ خاتِلُهْ(5)
وفي حديث الدجال: «تَعَلِّمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»(6).
قوله: (تعلم الخ) مفعوله الأول شفاء، والثاني قهر.
قوله: (خلت زيداً الخ) ومضارعها إخال، والكثير فيه كسر الهمزة على غير قياس كقوله:
174 ــــ إخالُك إنْ لمْ تَغضُض الطَّرْفَ ذا هَوى
يَسُومُكَ ما لاَ يُسْتَطاعُ مِنَ الوَجْدِ(7)
فإن كانت خال بمعنى تَكَبَّرَ، أو ظلع في مشيه أي عرج، أو اعوجَّ فلازمة.(1/337)
قوله: (دعاني) أي سماني، الغواني جمع غانية، وهي المرأة المستغنية بجمالها عن الحلى، والياء من خلتني مفعول أول، والثاني جملة لي اسم، وقوله: فلا أدعى به يظهر أنه على تقدير الإنكار أي، أفلا أدعى به والحال أنه أول اسم لي، وقد عمل خال في ضميرين لشيء واحد، وهما التاء والياء. وذلك خاص بأفعال القلوب.
قوله: (حسب) أي بكسر السين بمعنى ظن. والأكثر في مضارعها الكسر أيضاً، ويقل الفتح. وإن كان القياس في مضارع فعل المكسور يفعل بالفتح، ومصدرها الحسبان بالكسر، والمحسبة فتح السين وكسرها فإن كانت بمعنى صار أحسب أي ذا شقرة وبياض وحمرة فلازمة، أو بمعنى عدَّ تعدَّت لواحد، وفتحت سينها في الماضي وضمت في المضارع، ومصدرها: حسباً كنصراً وحسباناً بالضم والكسر، وحساباً وحسابة وحسبة بكسرهن، قاموس.
قوله: (رباحاً) تمييز لخير، وثاقلاً كناية عن الموت لثقل الشخص به.
---
قوله: (زعم) أي لا بمعنى كفل أو رأس أي شرف وساد وإلا تعدت لواحد تارة بنفسها، وتارة بالحرف ومصدرها الزعامة. ولا بمعنى سمن أو هزل بصيغة المجهول من الهزال. وإلا فلازمة. أما الهزل ضد الجد فيبنى للفاعل.
قوله: (فإن تزعميني الخ) الياء مفعول أول، وجملة كنت الخ ثان، وأجهل مضارع هو وفاعله خبر كان لا أفعل تفضيل، والمراد بالجهل خلاف الحلم، وهو الغضب والسبب لأنه لا يصدر غالباً إلا من الجاهل، والأكثر تعدي زعم إلى أن وصلتها كتعلم نحو: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا}
(التغابن:7)
وقوله:
175 ــــ وَقَدْ زَعَمَتْ أنِّي تَغَيَّرتُ بَعْدَها
ومَن ذا الَّذِي يَا عَزَّ لاَ يتَغَيَّرُ(2)(1/338)
وكون زعم من أفعال الرجحان إنما يأتي على قول السيرافي الزعم قول مع اعتقاد صح، أولاً فإذا قلت: زعم فلان كذا، فمعناه قاله معتقداً له، وإن كان اعتقاده غير صحيح. أما على قول الجرجاني أنه قول مع علم فمن أفعال اليقين، وقال ابن الأنباري أنه يستعمل في القول من غير صحة لقولهم: زعم مطية الكذب، أي مطية لنسبة الكذب إلى الغير فإذا قلت: زعم فلان كذا، فكأنك قلت: كذب، أي: قال قولاً غير صحيح، فعلى هذا لا تكون من أفعال القلوب إلا إذا كان فلان معتقداً لما قال، ويحتمل أن المعنى مطية الكاذب، أي هو يتصل إلى حكاية الكذب بقوله: زعم فلان ليبرىء نفسه من اختلاقه، ومن هذا المعنى حديث: «بِئُسَ مطْيَّةُ القَوْم زَعَمُوا»(3) إذ هو تحذير من الحكاية بلا تثبت للمحكي لأنك لا تقول: زعموا إلا عند عدم تحقق صحة الخبر، والظاهر أنَه ليس مراد السيرافي ومن معه الحصر فيما قاله كل واحد منهم لاستعماله في العلم وغيره قطعاً، فمن العلم قول أبي طالب:
176 ــــ وَدَعَوتَنِي وَزَعَمْتَ أَنَّكَ نَاصِحٌ
ولَقَدْ صَدَقْتَ وكُنْتَ ثَمَّ أمِينا(4)
---
أي قلت ذلك عالماً له بدليل قوله بعد: ومن غيره زعَمَ الذين كفروا الخ أي قالوا ذلك معتقديه لا عن دليل. ولذلك قال الفاكهي إنه يستعمل في الحق والباطل، وأكثر استعماله فيما يشك فيه أي فإذا قلت: زعم فلان كذا، فقد يكون ذلك حقاً عندك كالبيت، أو باطلاً كما في الآية، وقد تكون شاكاً فيه فتأمل.
قوله: (عد) أي لا بمعنى حسب المال، وإلا تعدت لواحد.
قوله: (فلا تعدد المولى) هو للنعمان بن بشير الصحابي وقبله:
177 ــــ وإِنِّي لأُعطِي المَالَ مَنْ كَانَ سَائِلاً
وأَغْفِرُ لِلْمَوْلَى المُجَاهِرِ بِالظُّلْمِ(3)
وإنّي مَتَى ما تُلْفِنِي صارِماً لَهُ
فَمَا بَيْنَنَا عِنْدَ الشَّدَائِدِ مِنْ صَرْمِ(1/339)
أي قطع، والمراد بالمولى الحليف أو الصاحب أي لا تحسب الصاحب هو من يخالطك في الغنى بل في العدم بضم فسكون أي الفقر لأن كل الناس تتملق للغني، كما قال ابن دريد في مقصورته:
178 ــــ والنَّاسُ كُلاًّ إِنْ بَحَثْتَ عَنْهُم
فِي كُلِّ أَقْطَارِ البِلاَدِ وَالقُرَى(4)
عَبِيدُ ذِي المَالِ وَإِنْ لَمْ يَطْمَعُوا
مِنْ غَمْرِهِ فِي جَرْعَةٍ تَشْفِي الصَّدَا
وَهُمْ لِمَنْ أَمْلَقَ أَعْدَاءٌ وإن
شَارَكَهُمْ فِيمَا أَفَادَ وحَوَى
وقال آخر:
179 ــــ حَتَّى الكِلابُ إِذَا رَأتْ ذا أَثْرَةِ
حَنَّتْ إِلَيْهِ وحَرَّكَتْ أَذْنَابَها
وَإِذَا رَأَتْ يَوْماً فَقِيراً مُعْدِماً
هَرَّتْ عَلَيْه وكَشَّرَتْ أَنْيَاَبَهَا(5)
قوله: (حجا) أي بمعنى ظن لا بمعنى ظن لا بمعنى قصد، أو رد، أو ساق، أو حفظ، أو كتم، أو غلب في المحاجاة من حاجيته فحجوته أي فاطنته فغلبته، وإلا تعدت لواحد في الكل، ولا بمعنى أقام، أو بخل. وإلا فلازمة.
قوله: (أخا ثقةٍ) بتنوين أخ لعدم إضافته، وثقة أي وصفته موثوقاً به، أو بالإضافة أي أخاً وثوق، والملمات الحوادث.
قوله: (وإلا فهبني) أي ظنني هالكاً.
---
قوله: (أي صيرني) هو بهذا المعنى لازم المضي لجريانه كالمثل، والفداء بالكسر يمد، ويقصر، وبالفتح مقصور فقط، قاموس وغيره.
قوله: (لتخذت عليه أجراً) مقتضى الشارح أنه بمعنى صيرت فمفعوله الأول أجراً، والثاني عليه لكن فسرها البيضاوي بقوله لأخذت فتأمل.
قوله: (حتى إذا ما تركته) حتى ابتدائية وما زائدة وجواب إذا قوله بعده:
180 ــــ تَغَمَّدَ حَقِي ظَالِماً وَلَوَى يَدِي
لَوَى يَدَهُ الله الَّذِي هُوَ غَالِبُهْ(2)(1/340)
قاله فرعان في ابن عاق له، وقوله: واستغنى الخ كناية عن كبره، واستقلاله بنفسه لأن الصغير يحتاج إلى من يزيل القذر عن فمه وأنفه، وتغمد بالغين المعجمة أي ستر وجحد، وأصل ترك كونها بمعنى طرح، وخلى فلها مفعول واحد فضمن معنى صيَّر فتعدى لاثنين مثله نحو: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَيُبْصِرُونَ}
(البقرة:17)
.
قوله: (رمى الحدثان الخ) حدثان الدهر بكسر فسكون كما يؤخذ من القاموس، وفي السجاعي بفتحتين تجدد مصائبه. فهو مرفوع بضم النون، وفسره العيني بالليل والنهار، ومقتضاه أنه مثنى حدث بفتحتين بمعنى حادث، فنونه مكسورة. وعليه فضمير رد للمقدار أي مقدار من المصائب، وسمدن بفتح الميم من باب دخل كما في المختار أي حزن، ويطلق على السرور أيضاً. كما في القاموس فهو من الأضداد.
تنبيه: عد بعضهم من أفعال التصيير ضرب العامل في مثل: كـ ضَرَبَ الله مَثَلاً عَبْداً}
(النحل:35)
واضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ القَرْيَةِ}
(يس:13)
---
فمثلاً مفعول أول، وما بعده ثان أو عكسه، ونبذ كـ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ}(3) الخ فكتاب الله مفعول أول، ووراء ظهورهم مفعول ثان لا ظرف لنبذ، لأن الظرف يجب احتواؤه على فاعل عامله، ورد الروداني هذا الوجوب بأنه لا شك في صحة قولك: أبصرت الهلال بين السحاب، على أن بين ظرف لأبصرت مع عدم احتوائه على الفاعل. فالحق أن نبذ بمعنى طرح، ووراء ظرف له لا بمعنى صبر، وأما ضرب فاختار في التسهيل أنه بمعنى ذكر، ومثلاً مفعول له، والمنصوب الثاني بدل أو بيان.
قوله: (وخص) إما ماض مجهول، ويرجحه آخر البيت، أو أمر، ويؤيده قوله: اجعل كل ما له زكن، وقوله واتوا ضمير الشأن ومن قبل هب صلة ما، أي ما ذكر من قبله.
قوله: (والأمر) مبتدأ، وهب مبتدأ ثان خبره ألزما، والجملة خبر الأمر، رابطها محذوف أي الزمه، أو أن الأمر مفعول ثان مقدم لازم لجواز تقديم معمول الخبر الفعلي على الأصح.(1/341)
قوله: (ولغير الماض) مفعول ثان لأجعل. والأول كل المضاف لما الموصولة أو الموصوفة بجملة زُكِن أي علم، ومن سواهما حال من غير أي اجعل كل الأحكام التي علمت للماضي ثابتة لغير حال كون ذلك الغير من سوى هب، وتعلم لعدم تصرفهما.
قوله: (وهو المضارع الخ) نبه بالحصر على خروج الصفة المشبهة لعدم صوغها من غير اللازم، وأفعل التفضيل، والتعجب لأن الأول لا ينصب المفعول أصلاً، والثاني لا ينصب مفعولين، وإن صح صوغهما من القلبي كزيد أعلم من عمرو، وما أعلمه، صبان.
قوله: (أنا ظان) أي أنا رجل ظان فالضمير في ظان تقديره هو يعود على ذلك المحذوف، ولا يقدر أنا لأن اسم الفاعل لا يعود ضميره إلا على الغائب كما قاله بعض المحققين ا هـ سجاعي.
قوله: (إلا صيغة الأمر) أما هب فاتفاق، وأما تعلم فعند الأعلم، وقال غيره بتصرفها حكى ابن السكيت: تعلمت أن فلاناً خارج، أي علمت قال سم، وقياس تصرفها أن يدخلها التعليق والإلغاء.
---
قوله: (واختصت القبيلة المتصرفة الخ) ،واختصت أيضاً بأن يسد مسد مفعوليه أنْ وأنَّ وصلتهما وإن كانتا في تقدير المفرد لتضمنهما المسند، والمسند إليه صريحاً وهي حينئذ عاملة في لفظ المصدر المتصيد من الصلة لا في محل الجملة لأنها ليست معلقة عنها وإلا لكسرت أن، وبجواز كون فاعلها ومفعولها ضميرين متصلين لمسمى واحد كظننتني قائماً، وخلتني لي اسم: أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى}
(العلق:7)
وألحق بها في ذلك رأى الحلمية والبصرية بكثرة نحو: إنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً}
(يونس:36)
وقوله:
181 ــــ ولَقَدْ أَرَاني للرِّمَاحِ دَرِيَئَةً
مِنْ عَنْ يَمِينِي تارَةً وشِمَالي
وعدم وفقد ووجد بمعنى لقي بقلة دون باقي الأفعال، فلا يقال: ضربتني اتفاقاً لئلا يكون الفاعل مفعولاً بل ضربت نفسي، وظلمت نفسي ليتغاير اللفظان، فإن ورد ما يوهمه قدر فيه النفس نحو: وَهُزِّي إِلَيْكِ}
(مريم:25)
و اضْممُ يَدَكَ إلى جَنَاحِكَ}
(طه:22)(1/342)
أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ}
(الأحزاب:37)
أي إلى نفسك وعلى نفسك بخلاف أفعال القلوب، فإن مفعولها في الحقيقة مضمون الجملة، لا المنصوب بها، فلا ضرر في اتحاده في الفاعل، ولا توضع النفس مكانه عند الجمهور، فلا يقال: ظننت نفسي عالمة،وجوّزه ابن كيسان، فإن كان أحد الضميرين منفصلاً جاز في كل فعل نحو: ما ضربت إلا إياي.
قوله: (بالتعليق والإلغاء) أي بمجموعهما أو أن التخصيص بالنسبة إلى غير المتصرفة منها فلا ينافي أنه يشاركهن في الإلغاء كان، كزيد كان قائم ذهب بعضهم إلى أنها فيه ملغاة لا زائدة، وفي شرح الكافية ما يساعده، كذا في النكت، ويشاركهن في التعليق بالاستفهام خاصة غيرهن نحو: فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً} فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ}
(القلم:5 ــــ 6)
يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ}
(النازعات:12)
و يَسْتَنْبئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ}
---
(يونس:53)
عرفت من أنت ونسبت أيهم زيد، واعلم أن الجملة مع المعلق سادة مسد المفعولين إن لم ينصب الأول فمسد الثاني كعلمت زيداً أبو من هو، قال بعض المغاربة فالعامل حينئذ معلق عن العمل في لفظ الجملة عامل في محلها النصب على أنها مفعول ثان، وقيل: لا تعليق حينئذ لأن حكم الجملة في مثل هذا أن تكون في محل نصب، ولا يؤثر العامل في لفظها وإن لم يوجد معلق كعلمت زيداً أبوه قائم، ويؤيد الأول ما سيأتي في الشرح عند تمثيله بأن لبثتم فإن كان الفعل يتعدى لواحد فقط بحرف الجر فالجملة في محل نصب بإسقاطه كفكرت أهذا صحيح أي في ذلك أو بنفسه فالجملة سادَّة مسده إن لم يذكر كعرفت أيهم زيد وإلا فالراجح أنها بدل منه كعرفت زيداً أبو من هو، حال لأنها إنشائية فقيل: بدل كل بتقدير عرفت شؤون زيد، وقيل اشتمال بلا تقدير. والظاهر جريان الخلاف المتقدم في التعليق وعدمه هنا أيضاً.(1/343)
قوله: (فالتعليق ترك العمل الخ) ، سمي بذلك لعمل العامل في المحل دون اللفظ فكأنه لم يعمل كالمرأة المعلقة، لا مزوجة ولا مطلقة، لإساءة الزوج عشرتها.
قوله: (لمانع) هو اعتراض ماله صدر الكلام، وهو جميع المعلقات الآتية بعد الفعل فتبطل عمله لفظاً لئلا تزول صدارتها بسبب عمله فيها أو فيما بعده، فتكون حشواً وهو باطل.
قوله: (لا لمانع) أي لفظي بل معنوي. وهو ضعف العامل بتوسطه أو تأخره.
قوله: (وكذلك أفعال التحويل) أي لقوتها، لأنها تؤثر في الذوات وتحويلها، والقلبية لا تقوى على التأثير فيها لضعفها إنما تؤثر في الأحداث المأخوذة من مفاعيلها الثانية فعلقت وألغيت، ومنع من ذلك في هب، وتعلم لزوم لفظهما حالة واحدة فناسب كون عملهما كذلك، وهل المراد بعدم إلغاء ما ذكره أنه يجب النصب مع تأخر الفعل؟ أو يمتنع تأخره أصلاً؟ وبعدم تعليقه عدم دخول المعلق بعده أصلاً؟ أو أنه يدخل ويلغى والظاهر فيهما الأول؟ فليحرر.
---
قوله: (لا في الابتداء) عطف على محذوف أي في حال توسط العامل أو تأخره لا في حال الابتداء به أي جعله قبلهما فهنا ابتداء لغوي وفي آخر البيت اصطلاحي؛ ففيه الجناس التام لاختلاف معناهما مع اتفاق لفظهما، ولا تضر أل في الأول لكونها في نية الانفصال كما ذكره علماء البديع.
قوله: (يجوز إلغاء هذه الخ) أي بشرط عدم انتفاء الفعل. وإلا تعين الإعمال كزيداً قائماً لم أظن، لأن إلغاءه حينئذ يوهم أن ما قبله مثبت فيناقض نفي الفعل بعده لتوجهه في المعنى إلى المفعولين. وأما قوله: وما إخال لدينا الخ، فمؤول بما سيأتي لا ملغى، ولو سلم فلا تناقض فيه لابتنائه على النفي من أوله فتأمل.(1/344)
ويشترط أيضاً كون العامل غير مصدر وأن لا توجد لام الابتداء. وإلا وجب الإلغاء كزيد قائم ظني، غالب لامتناع عمل المصدر مؤخراً، ونحو: لزيد قائم ظننت، لمنع اللام من العمل فيما بعدها، وقيل الفعل معلق بها لا ملغى. ومثلها باقي المعلقات فلا يشترط تقدم الفعل عن المعلق.
قوله: (سيان) أي لأن الفعل لما ضعف بالتوسط قاومه العامل المعنوي وهو الابتداء، وقوله: وقيل الإعمال أحسن أي لقوة اللفظي وإن توسط بخلاف ما إذا تأخر فإنه يضعف، فقدم عليه المعنوي.
قوله: (فالإلغاء أحسن) أي إذا لم يؤكد العامل بمصدر منصوب كزيداً قائماً ظننت ظناً. وإلا قبح الإلغاء إذ التوكيد دليل الاعتناء بالعامل، والإلغاء ظاهر في عدمه فبينهما شبه التنافي فإن أكد بضمير المصدر، أو بإشارة إليه كان الإلغاء سهلاً لعدم صراحتهما في المصدرية، وكذا يقال في المتوسط.
قوله: (وإن تقدمت) أي على المفعولين وغيرهما، فإن تقدم عليها شيء مما يتعلق بالجملة غيرهما كمتى ظننت زيداً قائماً فقيل يرجح الإعمال،وقيل يجب. وعلى الأول فلا يحتاج لتأويل البيتين الآتيين لتقدم وما في الأول، وإني في الثاني، إلا للحمل على الأرجح.
---
قوله: (وآمل) عطف مرادف وهو لا يكون إلا بالواو، وتدنو منصوب تقديراً للضرورة على حد.
182 ــــ أَبَى الله أَنْ أَسْمُوا بِأُمَ وَلاَ أَبٍ(2)
وإخال بكسر الهمزة أفصح من فتحها، والتنويل العطاء.
قوله: (كذاك) أي مثل الأدب المذكور في قوله قبله:
183 ــــ أكنيهِ حِينَ أُنَادِيهِ لأُكْرِمَهُ
وَلاَ أُلَقِّبُهُ والسَّوْءَةُ اللَّقَبُ(3)
وملاك لأمر بكسر الميم وفتحها ما يقوم به، ويتوقف عليه، والشيمة بالكسر الخلق، والطبيعة.
قوله: (والتقدير أني وجدت الخ) قيل يجوز في كل من البيتين تقدير ضمير الشأن، أو اللام كما قدره غير واحد كالأشموني خلافاً لما يوهمه صنيع الشرح ا هـ والظاهر امتناع اللام في الأول لأنه لتأكيد الإثبات فتنافي النفي فتأمل.(1/345)
قوله: (بل هو جائز) أي إِلاَّ مَعَ المصدر واللام، فيجب كما مر.
قوله: (فإنه لازم) أي إلا إذا كان المعلق في المفعول الثاني كعلمت زيداً من هو، فإنه يجوز نصب زيد لأنه غير مستفهم عنه، فهو مفعول أول، والجملة في محل الثاني، ويجوز رفعه بتعليق العامل عنه لأنه مستَفهم عنه معنًى كما في قولهم إن أحداً لا يقول ذلك حيث وقع أحد قبل النفي. وهو لا يقع إلا بعده لكونه هو، والضمير في يقول شيئاً واحداً في المعنى.
قوله: (ولعله مخالف الخ) هذا يؤيد ما تقدم عن بعض المغاربة.
---
قوله: (بعده لا النافية) قيدها هي، وإن في الشذور والجامع بالواقعين في جواب القسم لأنهما لا يلزمان الصدر إلا حينئذ كما نقله في المغني عن سيبويه في لا وإن مثلها قال في التوضيح، والقسم إما ملفوظ كعلمت والله أن زيد قائم أو لا زيد قائم، ولا عمرو أو مقدر كمثالي الشرح إذا قدر فيهما القسم. فالعامل في ذلك معلق عن العمل في جملة جواب القسم فهي في محل نصب لتسلط العامل عليها. وإن كانت جملة الجواب لا محل لها من حيث القسم لكن في النكت أن التقييد بذلك مذهب الكوفيين، والبصريون على خلافه قال: ولذا أطلقه في القطر، وقد بسطته في حاشية التوضيح ا هـ.
قوله: (ولا عمرو) كرر لا لوجوه مع المعرفة لإلغاء لا معها. كن لا فرق هنا بين الملغاة والعاملة كليس أو أن.
قوله: (اسم استفهام) أي لأنه لا يعمل فيه ما قبله إلا إذا كان حرفاً، كممن أخذت؟ وعمَّن تسأل؟.
قوله: (لعلم عرفان الخ) إنما نبه على هذين دون باقي الأفعال مما مر التنبيه عليه لأنهما أصل أفعال اليقين والظن، ولم يخرجا حينئذ عن كونهما قلبيين، وغيرهما إذا تعدى لواحد خرج عن القلبية غالباً.(1/346)
قوله: (إذا كانت علم بمعنى عرف الخ) صريح في أن بين العلم والمعرفة فرقاً كما عليه ابن الحاجب. فالعلم يتعلق بصفة الشيء وحكمه وبالكليات والمعرفة بالجزئيات، وبالذات فمعنى: علمت زيداً قائماً، علمت اتصافه بالقيام ومعنى عرفته عرفت ذاته وقال الرضي: لا فرق بينهما في المعنى، وأما الفرق بالعمل فباختيار العرب، ولا مانع من تخصيصهم أحد المتساويين في المعنى بحكم لفظي.
---
قوله: (ولرأى) متعلق بانم بمعنى أنسب ثم إن أريد بالرؤيا لفظها، وهوالمصدر الاصطلاحي فإضافة رأى إليها لامية لنسبتها إليها باشتقاقها منها، وعلى هذا حل الشرح، وإن أريد معناها. وهو الحلم فمن إضافة الدال للمدلول، وما مفعول انم وانتمى أي انتسب صلتها، ولعلما متعلق به، وطالب حال من علم احترز به عن العرفانية، ومن قبل إما متعلق بانتمى لمجرد الإيضاح، أي من قبل ذكر العرفانية كما يشير إليه حل الشرح، أو حال ثانية من علم أي حال كونها من قبل المفعولين وهو أوْلَى لينص على أن الحلمية لا تلغى كما أفهم عدم تعليقها بقوله: طالب مفعولين، إذ المتبادر منه المفعول الصريح فلا يجوز إلغاؤها ولا تعليقها خلافاً للشاطبي.
قوله: (حلمية) بضم الحاء نسبة إلى الحلم كقفل وعنق مصدر حلم يحلم. كقتل يقتل ذا رأى في منامه شيئاً.
قوله: (بما ذكر) أي برأي الرؤيا، وقوله لأن الرؤيا الخ جواب عما يقال: ليس في كلامه نص على المراد،إذ الرؤيا تستعمل مصدراً لرأى مطلقاً، حلمية أو غيرها فأجاب بما ذكر، ومذهب الحريري والمصنف أنها لا تأتي لغيرهما فلا إشكال عليه، وأما الرؤية بالتاء فالغالب كونها للبصرية والعلمية.j(1/347)
قوله: (أبو حنش) اسم شخص وكذا طلق وعمار، وأثالا مرخم إثالة في غير النداء للضرورة، ويؤرقني أي يسهرني خبر الأول، وحذف خبر ما بعده لدلالته عليه، وآونة جمع أوان ظرف للخبر المحذوف أي يؤرقوني آونة، وحتى ابتدائية، وإذا الأولى شرطية، وجافى الليل، وانخزل بمعنى ذهب، وإذا الثانية فجائية دخلت في جواب الأولى، والوِرْدُ المنهل أي الماء العذب، والآل بالمد السراب الذي يرى وسط النهار كأنه ماء، وبلالاً بكسر الموحدة ما يبل به الحلق من ماء وغيره، والمراد هنا الماء. يذكر الشاعر رفقة له فارقوه، ولحقوا بالشام فصار يراهم مناماً.
---
قوله: (ورفقتي هو المفعول الثاني) بحث فيه الدماميني بأن القصد أنه رأى ذواتهم لا كونهم رفقته لأنه محقق قبل ذلك قال: فرفقتي حال لأنه بمعنى مرافقي اسم فاعل لا يتعرف بالإضافة، وقد يقال: المحقق كونهم رفقته يقظة لا مناماً. كما هو فرض كلام الشاعر على أن المراد هنا بالمرافقة الاجتماع الجسمي لا الصداقة المحققة كما يعطيه النظر السديد. أي أراهم مجتمعين بي فهو مفعول ثان جزماً. ولا إشكالاً أصلاً فتدبر.
قوله: (بلا دليل) والحذف حينئذ اقتصاراً، والذي لدليل اختصاراً.
قوله: (سقوط مفعولين أو مفعول) أما الثاني فاتفاق لأن المفعول في الحقيقة مضمون المفعولين كقيام زيد، فحذف أحدهما فقط بلا دليل كحذف جزء الكلمة، وهو ممتنع بخلاف حذفهما معاً فمختلف فيه لأنه كحذف الكلمة بتمامها وهو سائغ، وجوزه الأكثرون مطلقاً، والأعلم في أفعال الظن دون العلم، ومنعه سيبويه والأخفش مطلقاً كما هو ظاهر المصنف، وأما قوله تعالى: أَعِنْدَهُ عِلْمُ الغَيْبِ فَهُوَ يَرَى}
(النجم:35)
أي ما يعتقده حقاً وَظنَنْتُمْ ظَنَّ السُّوءِ}
(الفتح: 12)(1/348)
أي ظننتم انقلاب الرسول لأن المؤمنين منتفياً، ونحو من يسمع بخل أي يظن مسموعه حقاً فالحذف في كلها لدليل لأن: أعنده علم الغيب يشعر بهما في الأول، وبَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ}(3) الخ أوضح دليل عليهما في الثاني، ويسمع في الثالث يشعر بالأول وحال المخاطب بالثاني.
---
قوله: (في هذا الباب) أي لانعدام الفائدة فيه بالحذف إذ يكون إخباراً بمجرد ظن أو علم، وذلك معلوم إذ لا يخلو أحد عن ذلك، بخلاف غير هذه الأفعال كأعطيت، وكسوت، وضربت. فالإخبار بمجرد الفعل مفيد وإن لم يعلم متعلقه، وظاهر بناء ذلك على اشتراط تجدد الفائدة فافهم، ثم محل المنع إذا أريد مطلق علم أو ظن فإن أريد ظننت ظناً عجيباً، أو أريد تجدد الظن مثلاً وأبهم المظنون لنكتة فينبغي الجواز كما في الروداني، وكذا إذ قيد بظرف كظننت في الدار أو عندك لحصول الفائدة حينئذ كما في التسهيل.
قوله: (وتحسب) جعل الواو بمعنى أو أبلغ في المعنى كما في الروداني، والضمير في حبهم لآل البيت وهو للكميت.
قوله: (ولقد نزلت) بكسر التاء جواب قسم محذوف أي والله نزلت وقوله: فلا تظني غير مفرع على ذلك القسم، وهاء غيره للنزول المفهوم من نزلت، ومني متعلق بنزلت، وكذا بمنزلة المحب المكرم بصيغة المفعول، وواقعاً هو المفعول الثاني المحذوف، ويحتمل أنه مني أي فلا تظني غيره كائناً مني ومتعلق نزلت محذوف فلا شاهد فيه.
قوله: (وكتظن) مفعول ثان لأجعل، والأول تقول.
قوله: (أو عمل) أي معمول كما سيشير إليه الشارح.(1/349)
قوله: (وإن ببعض ذي) قال سم أو بكلها لأن أصل ضم الجائز إلى الجائز الجواز، وحينئذ فهذه الجملة حشو إذ لم تزد على ما قبلها، وقال سيبويه الظاهر أنها احتراز عن الفصل بالكل، ويشهد له النهي عن تتبع الرخص في الشرعيات ا هـ، وقد يفرق بأن النهي إنما هو عن تتبع الرخص من مذاهب متعددة لا في مذهب واحد كما هنا، وهو محمل حديث: «إِنَّ الله يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ» فتأمل.
---
قوله: (إن تحكي) أي بلفظها الأصلي بلا تغيير إعرابه، سواء نطق بها قبل الحكاية فيحكي لفظها كما سمع كقال زيد عمروٌ منطلق، أم لا كأقول، أو قل عمرو منطلق، وتجوز حكاية معناها إجماعاً، فلك أن تقول: قال زيد انطلق عمرو، ولو حكيت قول زيد: أنا قائم، أو قولك له: أنت بخيل فلك أن تقول قال زيد هو قائم، وقلت له هو بخيل كما في الرضي. وأما الجملة الملحونة كقام زيد بالجر فصحح ابن عصفور منع حكاية لفظها بل يجب الرفع اعتباراً بالمعنى، وقيل يجوز، والظاهر أن محل الخلاف إذا لم يقصد حكاية اللحن، وإلا فلا يسع أحداً منعه.
قوله: (على المفعولية) أي المفعول به عند الجمهور لا المطلق، وكالجملة مفرد في معناها كقلت شعراً، أو قصد لفظه كيقال له إبراهيم، أو مدلوله لفظ كقلت كلمة، أي لفظ زيد مثلاً فكل ذلك مفعول به للقول إلا أن هذه الثلاثة تنصب لفظاً لا تحكي خلافاً لمن منع الثاني منها، وجعل إبراهيم منادى، أو خبراً لمحذوف.
قوله: (مجرى الظن) أي إذا كان بعده جملة اسمية أما الفعلية فليس فيها إلا الحكاية، ولا في المفرد إلا النصب إجماعاً وهل المراد مجراه في العمل فقط مع بقائه على معناه وهو التلفظ، كما يشير إليه تبيين الشرح بقوله فينصب الخ أو في العمل والمعنى معاً، فيجب كونه بمعنى الظن حتى يعمل عمله. الجمهور على الثاني حتى عند سليم، وعليه فالظاهر صحة تعليقه وإلغائه، وكون فاعله ومفعوله ضميرين لمسمى واحد كالظن الذي هو بمعناه، كما بحثه المصرح.(1/350)
قوله: (أربعة) زاد السهيلي أن لا يتعدى بلام الجر وإلا وجب الرفع على الحكاية نحو: أتقول لزيد: عمرو منطلق؟ لأنها تبعد من الظن لكونها للتبليغ، وقواعدهم تشهد بذلك وإن لم يذكروه، وزاد في التسهيل كون القول حالياً، ورده الأكثر بقوله:
184 ــــ أَمَّا الرَّحِيلُ فَدُونَ بَعْدَ غَدٍ
فَمَتَى تَقُولُ الدَّارُ تَجْمَعُنَا
---
بنصب الدار مع أن متى ظرف للقول فتجعله مستقبلاً وأجاب الموضح والدماميني بأنها ظرف لتجمعنا، فالمستقبل هو الجمع والقول حالي، ولا يضر كونه غير مستفهم عنه حينئذ لأن الشرط سبقه بالاستفهام، ولو عن غيره كما في الدماميني خلافاً للمصرح، كقوله:
185 ــــ عَلاَمَ تَقُولُ الرُّمحَ يُثْقِلُ عَاتِقِي
إِذَا أَنَا لَمْ أُطْعَنْ إذَا الخَيْلُ كَرَّتِ
فإن الاستفهام عن سبب القول لا عنه، وعلى هذا فإن تعلق الاستفهام بالقول اشترط كونه بغير هل، ونحوها مما يخلص المضارع للاستقبال أما على قول الأكثر من عدم اشتراط الحالية فلا فرق بين هل وغيرها.
قوله: (القُلُص) بضمتين مخفف اللام جمع قلوص، وهي الناقة الشابة، مفعولٌ أول، والرواسم صفته جمع راسمة من الرسم، وهو التأثير في الأرض لشدة الوطء أو من الرسيم، وهو ضرب من سير الإبل، ويحملن مفعوله الثاني ويروى يدنين بدله، ومتى ظرف له، أي أتظن النياق يدنينهما في أي وقت.
قوله: (ولا معمول له) قال أبو حيان مثله معمول المعمول فيجوز: أهنداً تقول زيداً ضارباً، وقيل: لا يضر الفصل مطلقاً، وعليه الكوفيون وأكثر البصريين ما عدا سيبويه والأخفش.(1/351)
قوله: (نحو أأنت تقول الخ) محله ما لم يجعل أن فاعلاً بتقول محذوفاً ناصباً للمفعولين، وإلا جاز اتفاقاً لعدم الفصل، كذا في التوضيح فاستشكله شارحه لما نقله الموضح في حواشي الألفية من أن المحذوف لا تعلُّق له بسوى المشتغل عنه، وباقي المعمولات إنما هي للمذكور المفصول من الاستفهام، ويجاب بأنه غير متفق عليه فقد صرح بعضهم بأن الحكم للمضمر مطلقاً، والمذكور لمجرد التفسير.
قوله: (جاز نصب المبتدأ الخ) أي بشرط كونه بمعنى الظن عند الجمهور كما مر. وأما الرفع فعلى كونه بمعنى التلفظ، فالجواز عندهم موزع على الحالتين.
---
قوله: (هذا لعمر الله) الإشارة إلى ضَبَ صَادَهُ الشاعر لاعتقاد العرب أن الضِّبَابَ من مسخ بني إسرائيل، ففيه حذف مضافين أي هذا ممسوخ بني إسرائين، بالنون بدل اللام لغة ثانية، وهو يعقوب عليه السلام واحتج الأعلم وغيره بهذا البيت على أنه لا يشترط عند سُليم تضمين القول معنى الظن، لأن قصد الشاعر حكاية لفظ المرأة لا أنها ظنت ذلك كما هو ظاهر، واحتمال أن إسرائيل باقٍ على جره بالفتحة بعد حذف المضاف السابق، وهو خبر عن هذا لا مفعول القول بعيد فلا يصلح ردّاً للاحتجاج المبني على الظاهر والله أعلم.
أعلم وأرى
في نسخ أرى وأعلم ولكل وجه لموافقة هذه لما بعد الترجمة ترتيباً، والأولى يتعادل فيها اللفظان بتقديم كل في محلِّ إذ ليس أحدهما أولى من الآخر حتى يقدم مطلقاً.
قوله: (إلى ثلاثة) متعلق بعدَّوا بفتح الدال مشددة، وأرى وعلماً مفعولاً مقدم، والمراد رأى المتقدمة بقسميها يقينية، وحلمية نحو: إذْ يُرِيكَهُمُ الله}
(الأنفال: 43)
.
قوله: (وهذا هو شأن الهمزة الخ) لكنها لا تدخل على غير الثلاثي، وكذا على غير رأى وعلم من أفعال الباب، خلافاً للأخفش في إدخالها على الجميع قياساً عليهما لخروجهما عن القياس، إذ ليس في الأفعال ما يتعدى إلى ثلاث بدونها حتى تحمل عليه، فيجب الوقوف عند المسموع.(1/352)
قوله: (صار بعد دخولها متعدياً) مثلها في ذلك التضعيف ويقابلها البناء للمفعول والمطاوعة فإنهما يجعلان المتعدي لواحد لازماً، والمتعدي لاكثر ينقص واحداً.
قوله: (وسيأتي الخ) أي في باب تعدي الفعل ولزومه.
قوله: (مطلقاً) حال من ضمير حققا الواقع خبراً عن أي، والذي ثبت لمفعولي علمت حقق للثاني والثالث حال كونه مطلقاً عن التقييد، بحكم أو حال، خلافاً لمن اشترط في جواز التعليق، والإلغاء هنا للمفعول. أما المفعول الأول فليس له شيء من هذه الأحكام، بل هو كسائر المفاعيل.
---
قوله: (توصلا) إما ماض معلوم فألفه للتثنية عائدة على علم ورأى في البيت الأول كألف تعديا، أو أمر فَأَلِفُهُ بدل من النون الخفيفة، ويؤيد هذا وجود الفاء في جواب الشرط بلا احتياج إلى تقدير قد. لا ماضٍ مجهول لأنه لا يبنى من اللازم، وعلى القول بجوازه يحتاج إلى تكلف جعل نائب الفعل ضمير المصدر المفهوم من الفعل. لا الألف لأنها ليست مفعولاً به، بل تكون للإطلاق. ولا الجار قبله لتقدمه.
قوله: (فهو به الخ) أتى بذلك لدفع توهم أنّ التشبيه في بعض الأحكام، لكنه يقتضي منع التعليق هنا كباب كسا، وليس كذلك فلو قال بدله:
وَمَنْ يُعَلِّقْ هَهُنَا فَمَا أَسَا
لوفى بالمراد، وإنما جاز التعليق هنا لأن أعلم العرفانية قلبية، وأرى البصرية ملحقة بها، ومن تعليقها قوله تعالى: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى}
(البقرة:260)
فجملة كيف الخ، في محل المفعول الثاني علق عنها أرى، وقد يقال: يصح كون كيف اسماً معرباً مجرداً عن الاستفهام هي المفعول الثاني بمعنى الكيفية، مضافة إلى الفعل بعدها على حد: يوم ينفع أي: أرني كيفية إحيائك، كما قيل به في أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ}
(الفجر:6)
.(1/353)
قوله: (نبأ) هي وما عطف عليها بحذف العاطف مبتدأ خبره كأرى، والسابق بالجر صفته أي السابق قبل قوله، وإن تعديا لواحد قال الدماميني، وتعدية هذه الأفعال إلى ثلاثة إنما هو بتضمينها معنى اعلم، لا بالهمزة والتضعيف، إذ ليس في كلامهم ما يدخلان عليه ا هـ، ولم يسمع تعديها إلى ثلاثة صريحة إلا وهي مبنية للمفعول، كما قاله شيخ الإسلام. ولا يرد قوله تعالى: يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}
(سبأ:7)
لأن جملة (إنكم) سدت مسد الثاني والثالث لتعليق الفعل عنها باللام فليست صريحة.
---
قوله: (نبِّئت زرعة الخ) التاء مفعول أول نابت عن الفاعل، وزرعة ثان، وجملة يهدي ثالث، وقوله والسفاهة كاسمها، أي في القبح، جملة معترضة قصد بها التعريض بذم زرعة لسفهه عليه في أشعاره.
قوله: (وما عليك الخ) استفهام إنكاري، أي شيء ثبت عليك في عيادتي إذا أخبرتني بكسر التاء خطاباً لأنثى وهي المفعول الأول نابت عن الفاعل، والياء ثان، ودنفاً ثالث، وأن تعوديني على حذف في متعلق بثبت المقدر كما قدرناه.
قوله: (أو منعتم الخ) عطف على أبيات قبله أوَ منعتم ماض معلوم، وتسألون مجهول، ومن استفهام إنكاري، والشاهد في حدثتموه فالفاء مفعول أول والهاء ثانٍ، وجملة علينا الولاء ثالث، والولاء بفتح الواو بمعنى العلاء بالعين، كما في النسخ.
قوله: (ولم أبْلُهُ) من بلاه يبلوه إذا اختبره فهو مجزوم بحذف الواو لدلالة ضم اللام عليها، وقوله: كما زعموا، أي لم أجربه تجربة موافقة لما زعموا، والجملة حالية معترضة بين الثاني والثالث، والتاء هي الأول.
قوله: (سوداء الغميم) لقب امرأة كانت تنزل موضعاً من بلاد غطفان يسمى الغميم، بفتح العين المعجمة فعرفت به، واسمها ليلى، وقوله بمصر صفة لأهلي أي الكائنين بمصر، وجملة أعودها حال مقدرة من تاء أقبلت، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الفاعل
هو لغةً مَن أوجد الفعل، واصطلاحاً ما في الشرح.(1/354)
قوله: (التام) أي ولو ناسخاً كظننت فخرج الناقص ككان وكاد.
---
قوله: (المسند إليه) أي المرتبط به، والمنسوب إليه فعل على جهة الإثبات أو النفي أو التعليق أو الإنشاء فدخل الفاعل في: لم يضرب، وإن ضرب، وهل ضرب زيد، وخرجت المفاعيل لأنها لا تسمى اصطلاحاً مسنداً إليها ولا منسوباً إليها بل متعلقاً بها، والمتبادر الإسناد بالأصالة، فخرج البدل والنسق فإن الإسناد فيهما تبعي، وأما باقي التوابع فلا إسناد فيها أصلاً، والمراد الفعل الاصطلاحي الحقيقي الذي هو الحدث لئلا يتكرر قوله أو شبهه، ولا حاجة لتقييد الفعل بالتام لخروج اسم كان بقيد الإسناد، إذ لم تسند إليه أصلاً. إما على أنها لا حدث لها بل هي روابط وقيود للمسند، وهو الخبر فظاهر. وإما على أن لها حدثاً مطلقاً هو الحصول والثبوت، فلأنه لم يسند للاسم بل لمضمون الجملة، وهو مصدر خبرها مضافاً لاسمها، فمعنى: كان زيد قائماً، حصل قيام زيد، وكذا يقال في أفعال المقاربة، ولم يقيد الشرح الفعل وشبهه بالمقدم أصالة لإخراج المبتدأ في: زيد قام، وزيد قائم، وقائم زيد فإنه أسند إليه فعل وشبهه لكنه مؤخر لفظاً في الأولين، ورتبة في الأخير لأن هذا حكم من أحكام الفاعل ذكره المتن بقوله. وبعد فعل الخ لا قيد في تعريفه، واستغنى في إخراج ذلك المبتدأ بقوله: أسند إليه فعل ما سيُبَيِّنُهُ.
قوله: (على طريقة فعل) أي بفتحتين وطريقته هي كونه مبنياً للفاعل، ثلاثياً كان أو غيره، مفتوح العين أو غيره، وكذا يقال في قوله الآتي على طريقة فعل أي بضم فكسر، وهذا التعبير أولى من قول غيره: أصلي الصيغة لأنه يخرج به نحو نعم، وشهد بالسكون تخفيفاً، وإن أجيب عنه بأن المراد بأصالتها عدم بنائها للمجهول، لا عدم التصرف فيها.
قوله: (أو شبهه) بالرفع عطفاً على فعل.
---(1/355)
قوله: (وحكمه الرفع) أي لأنه عمدة، والرفع إعراب العمد، وأشار بذلك إلى أن الرفع المأخوذ من قوله كمرفوعي أتى ليس من تتمة التعريف بل حكم من أحكام الفاعل السبعة المذكورة في المتن، ورافعه عند سيبويه هو المسند من فعل أو شبهه لا الإسناد، وقد ينصب شذوذاً عند أمن اللبس كما قاله في الكافية:
وَرَفْعُ مَفْعُولٍ بِهِ لاَ يَلْتَبِسْ
مَعْ نَصْبِ فَاعِلٍ رَوَا فَلاَ تَقِسْ
سُمع: خرق الثوب المسمارَ، وكسر الزجاج الحجرَ بنصب المسمار والحجر، ومنه قوله:
186 ــــ مِثْلُ القَنَافِذِ هدَّاجُونَ قَدْ بَلَغَتْ
نَجْرانُ أَوْ بَلَغَتْ سَوْآتِهمْ هَجَرُ
برفع نجران وهجر ونصب سوآت، وقاسه ابن الطراوة عملاً بقراءة فَتَلَقَّى آدَمَ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٌ}
(البقرة:37)
بنصب آدم ورفع كلمات. ورد بإمكان حمله على الأصل من أن المرفوع هو الفاعل لأن التلقي نسبة من الجانبين، وقد يجر لفظه بإضافة المصدر نحو: وَلَوْلاَ دَفْعُ الله النَّاسَ}
(الحج:40)
أو اسمه نحو من قبلة الرجل امرأته الوضوء، أو بمن والباء الزائدتين نحو: أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ}
(المائدة:19)
كَفَى بالله شَهِيداً}
(الفتح:28، النساء:166)
أي مَا جَاءَنَا بَشِيرٌ، وَكَفَى الله، وهو حينئذ مرفوع تقديراً، وقيل محلاً، ويجوز في تابعه الجر على اللفظ والرفع على المحل سواء جر بالحرف أو المصدر. قيل: وقد يراد من الفعل جزء معناه المستقل، وهو الحدث فيكون اسماً بلا تأويل بمصدر فيصح أن يسند إليه كتَسْمَعُ بَالْمَعِيديِّ خَيْرٌ، ويضاف إليه كيوم ينفع، ويجر فاعله بإضافته إليه حتى ألغز فيه الدماميني بقوله:
أَيَا عُلَمَاءَ الْهِنْدِ إنِّيَ سَائِلٌ
فَمُنُّوا بِتَحْقِيقٍ بِهِ يَظْهَرُ السِّرُّ
أَرَى فَاعِلاً بِالْفِعْلِ أُعْرِبُ لَفْظُهُ
بِجَرِّ وَلاَ حَرْفٌ يَكُونُ بِهِ الجَّرُّ
وَلَيْسَ بِمَحْكِيَ وَلاَ بِمُجَاوِرٍ
---(1/356)
لِذِي الخَفْضِ وَالإِنْسَانُ لِلْبَحْثِ يَضْطَرُّ
فَهَلْ مِنْ جَوَابٍ عِنْدَكُمْ أَسْتَفِيدُهُ
فَمِنْ بَحْركُمْ لاَ زالَ يُستُخرَجُ الدُّرُّ
قال الشمني على المغني، وسبقه إلى الإلغاز بذلك أبو سعيد فرج بن قاسم المعروف بابن لب النحوي الأندلسي فقال في منظومته النونية في الألغاز النحوية:
مَا فَاعلٌ بِالْفِعْلِ لكِنْ جَرُّهُ
مَعَ السُكُونِ فِيهِ ثَابِتَانِ
جوابه ما أنشده ابن جني في الخصائص لطرفة بن العبد قال:
187 ــــ بِجِفَانٍ نَعْتَرِي نَادِينَا
مِنْ سَنامٍ حِينَ هَاجَ الصِّنَّبِرْ
بشد النون وكسر الباء: الرد الشديد، وهو فاعل هاج، لكن لما أريد منه الحدث أضيف إلى فاعله فخفضه. ولكون الروي في البيوت قبله ساكناً نقل كسر الراء إلى الباء التي أصلها السكون، والجفان جمع جفنة وهي القصعة، والنادي المجلس، والسنام أعلى ظهر البعير هو أعز ما فيه، وعلى ذلك فهاج في محل جر بإضافة حين إليه كما قيل في يوم ينفع فيقال في الإلغاز أي فعل في محل جر بالإضافة، وفاعله: مجرور، ساكن، مرفوع أي مجرور بالكسرة المنقولة، ساكن للضرورة مرفوع محلاً. هذا وفي الصحاح ما نصه: وصنابر الشتاء شدة برده كذلك الصنبر بشد النون وكسر الباء قال طرفة:
بِجِفَانٍ نَعْتَرِي مَجْلِسَنَا
وَسَدِيفٍ حِينَ هاجَ الصِّنَّبِرْ
---(1/357)
والصنبر بتسكين الباء يوم من أيام العجوز، ويحتمل أت يكونا بمعنى: وإنما حركت الباء للضرورة اهـ، وعلى هذا فاللغز من أصله باطل لأن كسر الباء إمّا أصلي ينطق به في غير البيت أيضاً، وإما ضرورة للتخلص من سكونها مع الروي على أصل التخلص، وفراراً من اختلاف حركة ما قبل الروي المقيد، لا أنه منقول عن الراء، بل هي مرفوعة تقديراً ولولا الروي للفظ برفعها فادعاء كون الفعل مضافاً إليه فيه ما فيه، وقد مر أول الكتاب عن الشنواني رد كون الفعل يسند إليه فتأمل، والسديف بالفاء هو السنام، وأيام العجوز عند العرب خمسة أو سبعة موصوفة بشدة البرد.
قوله: (الصريح) يدخل فيه الضمير في نحو قاما بقرينة المقابلة.
قوله: (والمؤول) أي لوجود سابك ولو تقديراً، والسابك هنا أن، وأن وما دون كي واو نحو: أَوَ لَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}
(العنكبوت:51)
أَلَمْ يأنِ للَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ}
(الحديد:16)
أي ألم يحن خشوعها.
188 ــــ يَسُرُّ المرءَ ما ذهبَ الليالي
أي هابها، ولا يقدر منها إلا أن المصدرية خاصة لعدم ثبوت تقدير غيرها نحو وما راعني إلا يسير الخ، أي إلا أن يسير أي سيره، وليس عند البصريين فاعل مؤول بلا سابك من الثلاثة قال الدماميني إلا في باب التسوية: كَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتُهُمْ}
(البقرة:6)
بناء على أن سواء بمعنى مستو خبر إن، وما بعده فاعله، ولا تقع الجملة فاعلاً بلا تأويل أصلاً فلا يقال: يعجبني يقوم زيد، وظهر لي أقام زيد خلافاً للكوفيين، ولا حجة لهم في ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدٌ مَا رَأَوُا الآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ}
(يوسف:35)
وتبين لكم كيف فعلنا بهم} لاحتمال أن جملة (ليسجننه) ليست هي الفاعل بل مفسرة له، وهو ضمير المصدر المفهوم من الفعل أي: ثم بدا لهم بداء، كما صرح به في قوله:
189 ــــ بَدَا لِيَ مِنْ تِلْكَ القُلُوصِ بِدَاءُ
---(1/358)
وأما كيف، فسيأتي أنها بمعنى كيفية وقيل: تقع أن علق عنها فعل قلبي بأي معلق وقال الدماميني تبعاً للمغني بخصوص الاستفهام كالآية لأن الفاعل في الحقيقة مضاف محذوف لا نفس الجملة إذ المعنى تبين لكم جواب كيف فعلنا، فالأقوال أربعة.
قوله: (ما أسند إليه غيره الخ) الظاهر أنه سقظ منه التعميم بقوله: سواء كان مفرداً، ليصح عطف قوله: أو جملة عليه أو أن قوله غيره صفة لمحذوف أي مفرد غيره، ويعلم من كلام الشرح أن قيد الإسناد إلى الفعل مُغْنٍ عن قيد تقديمه كما مر.
قوله: (والمصدر) مثله اسمه كعجبت عن عطاء الدنانير زيد، وأمثلة المبالغة نحو أضرَّاب زيد.
قوله: (عجبت من ضرب زيدٌ عمراً) بتنوين ضرب ورفع زيد على أنه فاعل المصدر، ولا يصح إضافته إليه لأن الكلام في الفاعل المرفوع لفظاً، ولأجعل عمرو هو الفاعل لكتابته بالألف على أن إضافة المصدر لمفعوله، ثم ذكر الفاعل بعده قليل بل قيل خاص بالشعر كقوله:
190 ــــ قَرْعَ القوارِيرَ أَفْوَاهُ الأَبَارِيقِ
برفع أفواه.
قوله: (ما كان مرفوعاً بالفعل الخ) أشار بذلك إلى دفع ما ورد على المصنف من أنه ذكر ثلاث مرفوعات لا اثنين فقط، وحاصل الجواب أن المراد مرفوعي الفعل وشبهه الكائنين في قولك: أتى الخ، ثم عمم في الفعل بين الجامد والمتصرف.
قوله: (وبعد فعل الخ) إشارة لثاني أحكام الفاعل، وهو وجوب تأخره، وفاعل مبتدأ سوغه تقديم خبره، وهو الظرف المختص، ووجه اختصاصه أن فعل المضاف إليه يصلح للابتداء معنًى لكون المراد به العموم كما في عَلِمَتْ نَفْسٌ}
(الانفطار:5)
أي وبعد كل فعل فاعل فيفيد أنه لا بد لكل فعل من فاعل، وأنه لا يكون إلا بعده وهذه هي المقصودة هنا. أما الأولى فتستفاد من قوله: فإن ظهر الخ، كما سنبينه. لكن يرد على عمومه أن بعض الأفعال لا يطلب فاعلاً فيحتاج لاستثنائه كالفعل المؤكد في نحو.
191 ــــ أتاك أتاك اللاحقون
---(1/359)
والمبني للمجهول، وكان الزائدة على الصحيح، والفعل المكفوف بما كقلما وطالما وكثرما، وقيل ما في ذلك مصدرية هي وما بعدها فاعل، وقال الشاطبي إن قلما ترد لإثبات الشيء القليل، وقد ترد للنفي المحض فيمكن أن تكون حرف نفي كما، لا فعلاً بلا فاعل ا هـ، ولا يقع بعد هذه الألفاظ إلا جملة فعلية فعلها مذكور وأما قوله:
192 ــــ صَدَدْتِ فَأطْوَلْتِ الصُّدُودَ وقَلَّمَا
وِصَالٌ عَلَى طُولِ الصُّدُودِ يَدُومُ
حيث جعل وصال فاعلاً بمحذوف يفسره يدوم، فضرورة، وقيل قدم الفاعل عل فعله للضرورة كذا في المغني.
قوله: (فإن ظهر) أي الفاعل المذكور قبل، والمراد به الفاعل الاصطلاحي أي الأسم المرفوع لا الفاعل المعنوي وهو المحكوم عليه كما قيل لأنه لا يظهر، ويستتر، ويكون بعد الفعل إلا الاسم الدال على الذات المحكوم عليها لا هي كما هو ظاهر. وقوله: فهو، أي الظاهر المفهوم من ظهر وخبره محذوف أي فالظاهر المطلوب. أو فهو أي الحكم واضح وإلا فيحكم باستتاره، وبهذا التقرير ينتفي اتحاد الشرط والجزاء بلا تكلف، وهذا إشارة إلى حكم ثالث وهو أنه لا بد منه لفظاً أو تقديراً، ولا يجوز حذفه لأنه عمدة.
قوله: (وإلا فضمير) اعترض بأنه لا يلزم من عدم ظهوره استتاره لجواز كونه محذوفاً، ويجاب بأن حذفه مخصوص بمواضع قليلة مستثناة لا يليق اعتبارها في التقسيم وهي خمسة: الفعل المجهول، والمؤكد بالنون للجماعة، والمخاطبة نحو: وَلاَ يَصُدُّنَّكَ}
(القصص:87)
لا تضربن بكسر الباء، والاستثناء المفرغ نحو ما قام إلا زيد أي ما قام أحد، والمصدر بناء على عدم تحمله الضمير لجموده كضربا زيداً أَوْ إطعَامٌ فِي يَوْمٍ}
(البلد:14)
والتعجب كَأَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ}
(مريم:38)
---(1/360)
أي بهم فحذف فاعل الثاني لدلالة الأول عليه، ويؤخذ من كلام ابن هشام في تعليقه موضع سادس، وهو أن يقوم مقامه حالان قصد بهما التفصيل نحو: فتلقفها رجل رجل فإن أصله فتلقفها الناس رجلاً رجلاً أي متناوبين كما في: أدخلوا الأول فالأول أي مرتبين فحذف الفاعل، وأقيم مجموعهما مقامه فصارا كأنهما شيء واحد لا تعدد إلا في أجزائه لقيامهما مقام الفاعل الذي لا يتعدد، فرفعهما كرفع واحد لكن لما لم يقبله المجموع من حيث هو مجموع جعل في أجزائه فيمتنع فيهما العطف، كما يمتنع في حلو حامض. وزاد يس واحداً وهو ما قام وقعد إلا زيد لأنه من الحذف لا التنازع لأن الإضمار في أحدهما يفسد المعنى لاقتصائه نفي الفعل عنه، وإنما هو منفي عن غيره مثبت له ا هـ، وقد يقال يضمر في أحدهما مع الإتيان بإلا أخرى فلا يرد ما قاله، وقد ينازع في الباقي بإمكان جعل ما في التعجب من الحذف والإيصال بأن يجعل فاعل أبصر مستتراً فيه بعد حذف الجار لا محذوفا، وأما المصدر فصحح السيوطي تحمله للضمير لتأوله بالمشتق فضرباً بمعنى أضرب، وإطعام بمعنى أن يطعم ففاعله مستتر لا محذوف، وأما في الاستثناء المفرغ فالفاعل اصطلاحاً ما بعد إلا وكون الأصل ما قام أحد منظور فيه للمعنى ونظر النحاة لللفظ، والفعل المؤكد حذف فاعله لعلة تصريفية مع الدلالة عليه بضم ما قبله، أو كسره فهو كالثابت، وأما الفعل المجهول فإنما حذف فاعله لسد النائب مسده، ومثله يقال في رجل رجل فاستثناء هذه من عدم الحذف استثناء ظاهري، وفي الحقيقة لا حذف فتأمل هذا وأجاز الكسائي حذفه مطلقاً تمسكاً بحديث: «لاَ يَزْنِي الزَانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مؤْمِنٌ، وَلاَ يَشْرَبُ الخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ» ونحو: إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ}
(القيامة:26)
---(1/361)
وقولهم: إذا كان غداً فائتني، ورد بأن الفاعل في كلها مستتر لا محذوف ففي يشرب ضمير يعود للشارب المدلول عليه بالفعل، وفي بلغت ضمير الروح المعلومة من السياق، والتراقي أعالي الصدر، وفي الأخير ضمير يعود لما دلت عليه الحال المشاهدة أي إذا كان هو أي ما نحن عليه من السلامة غداً فائتني.
قوله: (ولا يجوز تقديمه) أي إلا في الضرورة كما نص عليه الأعلم وابن عصفور وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل: يمتنع مطلقاً لأن الفعل وفاعله كجزأي كلمة فلا يقدم عجزها على صدرها فإن وجد ما ظاهره التقديم وجب كون الفاعل ضميراً مستتراً، والمقدم إما مبتدأ كزيد ضرب، أو فاعل بمحذوف نحو: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}
(التوبة:6)
.
قوله: (فأجازوا التقديم) أي تمسكاً بقول الزباء بفتح الزاي وشد الموحدة:
193 ـــــ ما لِلْجِمَالِ مَشْيُهَا وَئِيدا
أَجَنْدَلاً يحْمِلْنَ أمْ حدِيدَا
أَمِ الرِّجَالُ جُثَّماً قُعُودَا
برفع مشيها وليس مبتدأ لعدم خبر له لنصب وئيداً على الحال فتعين كونه فاعلاً لوئيداً مقدماً عليه وهو بفتح الواو وكسر الهمزة كفعيل من التؤدة، وهي التأني وهو عند البصريين ضرورة كما مر في قوله: وقلما وصال الخ، ومن يمنعه مطلقاً يجعل الخبر محذوفاً لسد الحال مسده أي يظهر وئيداً، أو غير ذلك، ويروى مشيها بالنصب على المصدر أي تمشي مشيها، وبالجر بدل اشتمال من الجمال.
قوله: (وجرد الفعل الخ) هذا رابع الأحكام، ومثل الفعل الوصف، وإنما خصه لأنه الأصل، أو أراد الفعل اللغوي على حذف مضاف أي مفهم الفعل، ومثل ذلك يقال فيما مر من قوله: وبعد فعل الخ.
قوله: (من علامة التثنية الخ) وإنما لم يجردوه من علامة التأنيث للحاجة إليها لأن الفاعل قد يكون لفظه مذكراً، ومعناه مؤنث، وبالعكس فلا يعلم المراد إلا بالتاء وعدمها بخلاف التثنية والجمع فإن صيغتهما تغني عن العلامة.
---(1/362)
قوله: (تولى قتال الخ) الضمير لمصعب بن الزبير، والمارقين هم الخوارج من مرق السهم إذا خرج وأسلماه أي خذلاه وفيه الشاهد إذ قياسه أسلمه، والمبعد بكسر العين أو فتحها الأجنبي، والحميم القريب أو الصديق.
قوله: (يلومونني) قياسه يلومني، ويعذل بالضم من باب نصر كما في المختار.
قوله: (مبتدأ أو بدلاً الخ) لا يجوز حمل جميع ما ورد من ذلك على الابتداء، أو الإبدال لأن أئمة العربية اتفقوا على أن قوماً من العرب يجعلون هذه الأحرف علامات كتاء التأنيث، لئلا يكون الإبدال أو تقديم الخبر واجباً ولا قائل به.
قوله: (أَكلوني البراغيث) حقه على الأفصح أكلنني وأكلتني بالتاء وعلى هذه اللغة أكلنني بنون النسوة كما هو الشأن في جمع غير العاقل، وإنما أتى بواو العقلاء لتنزيلهم منزلتهم في الجور والتعدِّي المعبر عنه بالأكل مجازاً.
قوله: (يتعاقبون) أي تأتي طائفة عقب أخرى.
قوله: (هكذا زعم المصنف) أشار بذلك إلى أنه مردود بأنه حديث مختصر حذف الراوي صدره، ولفظه: «إِنَّ لله مَلاَئِكَةً يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ»(3) فيتعاقبون صفة لملائكة السابق، والواو ضمير يرجع إليها، وملائكة بالليل مستأنف لبيان ما أجمل أو لا. وهكذا يكون الحال بعد الاختصار، فالواو ضمير عائد على ملائكة المحذوفة كأصلها، لكن قال سم: يبعد كون الراوي يختصره، ويجعل المحذوفة ملاحظاً بلا دليل فيتعين جعل الواو حرفاً لئلا يكون الكلام ناقصاً لعدم العلم بمرجع الضمير ا هـ.
قوله: (ويرفع الفاعل الخ) هذا خامس الأحكام ولو قال:
ويَرْفَعُ الفَاعِلَ فِعْلٌ حُذِفَا
كمثل زَيدٍ فِي جَوابِ: مَنْ وَفَى
لسلم من التجوّز بالإضمار عن الحذف لأن الفعل لا يسمى مضمراً بل محذوفاً.
---
قوله: (التقدير قرأ زيد) إنما لم يقدر زيد القارىء ليكون جملة اسمية كالسؤال لأن الفعلية في هذا الباب أكثر، فالحمل عليها أولى تصريح.(1/363)
قوله: (وتاء تأنيث الخ) هذا سادس الأحكام وهي من إضافة الدال للمدلول.
قوله: (تلي الماضي) مثله الوصف نحو أقائمة هند؟ إلا ما يستوي فيه المذكر والمؤنث كفعيل بمعنى مفعول، وفعول بمعنى فاعل فلا تلحقه تاء.
قوله: (إذا كان لأنثى) أي مسنداً إليها ولو على وجه النفي. والمراد بها المؤنث حقيقة، وهو ما له فرج كالمرأة والنعجة، أو مجازاً وهو ما لا فرج له كالشمس والأرض، أو تأويلاً كالكتاب مراداً به الصحيفة، أو حكماً وهو المضاف المؤنث كصدر القناة.
قوله: (تدل على كون الفاعل الخ) قيد به لكونه محل البحث وإلا فمثله نائبه، واسم كان، ولو عبر بمرفوع الفعل لشملهما ولمَّا كان المرفوع المؤنث قد يخلو عن التاء، وقد توجد في المذكر، وقصدوا الدلالة على تأنيثه ابتداءً، ألحقوا علامته بالفعل لكونه كجزء منه كما وصلوا علامة الرفع في الأفعال الخمسة بمرفوعها.
قوله: (فعل مضمر) أي فعل فاعل مضمر ولو مجازي التأنيث مستتراً كان كما مثله، أو بارزاً وهو خصوص الألف في نحو: قامتا، بخلاف للمؤنثة، وقمتما لمثناها، وقمتن، وقمن لجمعها فلا تلحقه التاء فضلاً عن لزومها للاستغناء عنها، ويستثنى من المستتر نحو: نعمت امرأة هند. فإن الفاعل ضمير مؤنث مستتر يعود على امرأة بعده، لكن لا تلزم التاء في فعله لما سيأتي في نعم الفتاة، ثم هذا اللزوم باق، وإن عطف عليه مذكر كهند قامت هي وزيد، كما يلزم التذكير في عكسه كزيد قام هو وهند، ومحل تغليب المذكر مطلقاً قدم أو أخر إذا جمعهما ضمير واحد كهند وزيد قائمان.
---
قوله: (أو مفهم) عطف على مضمر أي أو فعل اسم ظاهر مفهم الخ بشرط اتصال ذلك الظاهر بعامله كما يفيده البيت بعده، وما قيل إنه حذف هذا القيد من الثاني لذكره في الأول فيه أن معنى الاتصال في الضمير غير معناه المراد هنا كما لا يخفى وإن كان لازماً فالأولى ما سمعته.(1/364)
قوله: (تلزم تاء التأنيث الخ) مثلها في اللزوم وعدمه تاء المضارع المسند لمؤنث، فتلزم مع الظاهر الحقيقي التأنيث ومع الضمير المتصل سواء كان كل منهما مفرداً، أو مثنى. وأما الجمع فإن كان ظاهراً جازت فيه كتقوم الهندات، كما سيأتي في تاء الماضي أو ضمير استغنى عنها بالنون كـ يَتَرَبَّصْنَ}
(البقرة:228)
إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ}
(البقرة:237)
يُبَايِعْنَكَ}
(الممتحنة:12)
فهل تمتنع حينئذ لذلك كتاء الماضي أو لا؟ فليحرر.
قوله: (ما قام إلا هي) مثله إنما قام هي.
قوله: (حقيقي التأنيث) أي سواء كان بالتاء كفاطمة، أو لا كزينب، ويستثنى من المجرد ما لا يتميز مذكره من مؤنثه كبرغوث فلا يؤنث فعله، وإن أريد به مؤنث كما إن ذا التاء الذي لا يتميز يجب تأنيث فعله وإن أريد مذكراً بلا خلاف كنملة وبقرة وشاة مما يفرق من جمعه بالتاء كما في النكت فمتى لم يعرف حال المعنى في الواقع يراعى اللفظ فعلم أن الاستدلال على أن نملة سليمان كانت أنثى بقوله تعالى: قالَتْ نَمْلَةٌ}
(النمل:18)
وهم لعدم تميزها. وكل ذلك في الحقيقي أما المجازي فذو التاء مؤنث جوازاً، والمجرد مذكر وجوباً، إلا أن يسمع تأنيثه كشمس وأرض وسماء وقد نظمت ذلك فقلت:
إذا سَقَطَ التَّمْييزُ بينَ مُذَكَّرٍ
وأُنْثَى فَفِعْلُ الكُلِّ أَنِّثْهُ مُطْلَقَا
لذي التَّا وذَكِّرْ في المُجَرَّدِ يَا فَتَى
كَنَمْلَة مَعْ بَرغُوث فاعْلَمْ وَحَقِّقَا
وَإِنْ مُيِّزَا أَنَّثْ لأُنْثَى وَلَوْ خَلاَ
مِنَ التَّا وذَكِّرْ في سَوَاهُ لِتُنْتَقَى
وَذَا في الْحقِيقي لاَ الْمَجازِي فَإنَّهُ
---
مَعَ التَّاءِ بالوَجْهَينِ فِي الحُكمِ قَدْ رَقى
ومَعْ حَذْفِهَا ذَكِّرْ وُجُوباً سِوَى الَّذِي
بِنَقْلٍ كَشَمْسٍ فَهْوَ بِالنَّقْلِ عُلِّقَا(1/365)
تنبيه: حكم تأنيث الضمير والوصف ونحوهما حكم الفعل فيما ذكر، وكل ذلك فيما إذا أريد معنى الاسم فإن قصد لفظه جاز تذكيره باعتبار اللفظ، وتأنيثه باعتبار الكلمة، وكذا الفعل والحرف وحروف الهجاء وقال: الفراء حروف الهجاء مؤنثة، ولا تُذَكَّرُ إلا في الشعر.
قوله: (حرح) أي بدليل تصغير على حريح، وجمعه على أحراج فحذفت لامه وهي الحاء اعتباطاً، فبقي كيد ودم، وقد يعوض منها راء تدغم فيها الراء وهو بكسر الحاء فرج المرأة كما في المصباح لكن المراد هنا مطلق فرج معد للوطء ولو دبراً كالطير.
قوله: (الفصل) أي بين الفعل وفاعله الظاهر، فتضعف العناية به لبعده عن الفعل، ويصير الفصل كالعوض من التاء.
قوله: (والأجود الإثبات) أي كما يفهم من تعبيره بقد، وفرض الكلام ظاهر حقيقي التأنيث. أما المجازي فنقل الدماميني أن الأجود فيه ترك التاء إظهاراً لفضل الحقيقي على غيره، ثم اختار عكسه لأن إثباتها كثر جداً في القرآن على حذفها.
قوله: (لم يجز الخ) أي لأن الفاعل في الحقيقة ذكر محذوف إذ المعنى: ما قام أحد إلا هند، وإنما جوز المصنف إثباتها نظراً للظاهر الملفوظ به، ومثل إلا سوى وغير ففيهما الخلاف وإن كانا مذكرين لاكتسابهما التأنيث من المضاف إليه.
قوله: (فما بقيت الخ) صدره لذي الرمة:
194 ــــ طَوَى النَّحْزُ وَالأَجْرَازُ مَا فِي غُرُوضِهَا(3)
---(1/366)
فما بقيت الخ يصف ناقته بالهزال من كثرة السفر والنحز بحاء مهملة فزاي هو النخس والركض، وهو فاعل طوى أي أذهب. والأجراز جمع جرز، بجيم فراء فزاي، أرض لا نبات بها. والغروض بمعجمتين بينهما راء، جمع غرض كفلوس وفلس كما في الصحاح وهو حزام الناقة. والجراشع جمع جرشع كقنافذ وقنفذ، أي الضلوع المنتفخة الغليظة، وأما الرقيقة فذهبت من الهزال ووجه الشاهد منه أنه إذا أجاز إثبات التاء في الفصل بإلا مع الضلوع وهي جمع تكسير يجوز فيها الإثبات وعدمه عند عدم الفصل، فليجز فيما يجب فيه الإثبات عند عدم الفصل بالأولى فاندفع ما اعترض به هنا.
قوله: (وليس كذلك) أي ليس جائزاً في النثر بل هو خاص بالشعر، لكن قال المصنف في غير هذا الكتاب: إن الصحيح جوازه نثراً أيضاً خلافاً للجمهور وقد قرى: فَأصْبَحُوا لاَ يُرَى إِلاَّ مسَاكِنُهُم}
(الأحقاف:25)
بالرفع نائب فاعل يُرى. إن كانت إلا صيحة بالرفع فلا اعتراض عليه، والشق الثاني من الترديد هو المراد.
قوله: (إلى مؤنث حقيقي) أي ظاهر أما ضميره فالظاهر أنه لم يسمع فيه الحذف.
قوله: (مخصوص بالشعر) جوزه ابن كيسان في النثر أيضاً فيقال: الشمس طلع كطلع الشمس.
قوله: (فلا مزنة) بالتنوين على إعمال لا كليس أو إهمالها، وأما الثانية فعاملة كإن والمزنة السحابة البيضاء، وودقت ودقها أي أمطرت كإمطارها، وأبقل أي أنبت البقل كإنباتها.
---(1/367)
قوله: (والتاء مع جمع الخ) أفاده بهذا أن ما مر من لزوم التاء مع الظاهر الحقيقي التأنيث خاص بغير الجمع والمراد به ما دل على متعدد، سالماً كان كزيدون وفاطمات وطلحات، أو مكسَّراً كهنود وزيود، أواسم جمع كنساء وقوم، أو اسم جنس كشجر وبقر. فكل ذلك يجوز فيه ترك التاء لتأوله بالجمع، أو الفريق مثلاً وإثباتها ولو مذكراً سالماً لتأوله بالجماعة وهي من المؤنث المجازي، والفرج في نساء وفاطمات ليس بنفس الجمع حتى يكون حقيقياً، بل لآحاده هذا مذهب الكوفيين، وذهب البصريون إلى وجوب تأنيث جمع المؤنث السالم الحقيقي التأنيث لا كطلحات وتمرات، ووجوب تذكير جمع المذكر السالم لأن سلامة الواحد فيهما صيرته كالمذكور بخلاف البقية، ورد عليهم بقوله تعالى: آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ}
(يونس:90)
إِذَا جاءَكَ المُؤْمِنَاتُ}
(الممتحنة:12)
وقول الشاعر:
195 ــــ فَبَكَى بَنَاتِي شَجْوُهُنَّ وزَوجَتي
والنَّاظِرُون إلَيَّ ثُمَّ تَصَدَّعُوا(2)
وأجيب بفرض كلامهم فيما إذا سلم بناء الواحد كما أفهمه التعليل، أما ما تغير كبنين وبنات فيجوز فيه الوجهان اتفاقاً كما قاله الشاطبي وأما التذكير في: جاءك فللفصل بالكاف، وبهذا تعلم أن ما ذكره المصنف، وجاراه عليه الشارح من جواز الأمرين فيما عدا المذكر السالم الشامل لسالم المؤنث ليس مذهباً بصرياً ولا كوفياً لكنه مذهب الفارسي من البصريين كما في التصريح، وعلى مذهب الكوفيين يخرج قول الزمخشري:
إنَّ قَوْمي تَجَمَّعُوا
وَبِقَتْلِي تَحَدَّثُوا
لا أُبالِي بِجَمْعِهِمْ
كُلُّ جَمْعٍ مُؤَنَّثُ
أي جوازاً، وليس عندهم جمع يجب تأنيثه أو تذكيره، وأما لغز من قال:
أيَا فَاضِلاً قَدْ حازَ كلَّ فَضِيْلَةٍ
ومَنْ عِنْدَه علْمُ العَوِيصِ يُرادُ
أين جمْعُ تَصْحِيْح يَجِيءُ مُذَكَّراً
وَفِي فِعْلِه تَاءُ الإناثِ تُزادُ
---(1/368)
فإنما يصح على مذهب البصريين أو المصنف من وجوب ترك التاء في سالم المذكر، ويجابُ عنه بما تغير فيه بناء الواحد كـ: آمَنَتْ بهِ بَنُو إسْرَائِيلَ}
(يونس:90)
فتأمل، وسكت المصنف والشارح عن حكم المثنى. وهو كالمفرد حقيقياً أو غيره.
قوله: (كالتاء مع إحدى اللبن) أي في أصل الجواز، وإلا فالتاء مع نحو لبنة أرجح، والحذف في جمع التكسير مطلقاً، واسم الجمع واسم الجنس أرجح على ما الدماميني، والذي للسيوطي استواء الأمرين.
قوله: (مقصود به استغراق الجنس) أي بناءً على أن أل في فاعل نعم للجنس لا للعهد، ومقتضى ذلك جواز الوجهين في كل مؤنث قصد به الجنس، ولا بعد فيه كصار المرأة خيراً من الرجل، ومن ذلك ما قام من امرأة فيخبر فيه لأن من أفادت الجنسية بخلاف ما قامت امرأة لكون المراد بها الفرد، وإنما جاء العموم من النفي قاله الشاطبي وقد يقال جواز الأمرين في الأول للفصل بمن لا للجنس، ونقل ابن هشام أن التأنيث في المقرون بمن الزائدة أكثر قال: ويتعين التذكير في: كفى بهند، لالتزامه من العرب. بقي أن الحكم لا يختص بإسناد نعم إلى الظاهر كما وهمه المتن والشرح، بل يجوز الوجهان مع الضمير أيضاً كنعم امرأة هند، كما صرح به السيوطي.
قوله: (والأصل) أي الراجح والغالب، وهذا سابع الأحكام التي في المتن ومن هنا إلى الآخر من تعلقاته. وبقي منها إغناؤه عن الخبر في نحو: أقائم الزيدان، وكونه لا يتعدد إجماعاً كما في تعليق ابن هشام، وأما نحو: اختصم زيد وعمرو فالفاعل المجموع إذ هو المسند إليه فلا تعدد إلا في أجزائه وأما:
فَتَلَقَّفَهَا رَجُلٌ رَجُلُ
فمن حذف الفاعل كما مر إيضاحه.
قوله: (والأصل في المفعول الخ) قال سم. لا يغني عنه ما قبله لاحتمال أن الاتصال أصل في كلِّ. كما نقل عن الأخفش أي إن الأصل اتصال أحدهما لا بعينه إذ لا يمكن اتصالهما معاً.
قوله: (وقد يجي) بالقصر في لغة من قال جايجي وشايشي.
---(1/369)
قوله: (كراهة توالي الخ) تقدم في المعرب والمبني نقضه بنحو شجرة فانظره.
قوله: (ما يجب تقديمه) أي على الفعل ذكر الشارح من ذلك مسألتين الأولى كون المفعول مما له الصدر كالشرط، والاستفهام وكم الخبرية نحو: كم عبيد ملكت، والمضاف إلى ذلك كغلام من تضرب أضرب، وغلام من ضربت، ومال كم رجل أخذت؟ الثانية كونه ضميراً منفصلاً أي في غير باب سلنيه وخلتنيه، وكذا يجب تقديمه إذا وقع عامله في جواب أما ليفصلها من الفعل إذا لم تفصل بغيره ظاهرة كانت نحو: فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ}
(الضحى:9)
أو مقدرة نحو وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
(المدثر:3)
بخلاف: أما اليوم فاضرب زيداً للفصل بالظرف، ولا يرد أنَّ ما بعد فاء الجزاء لا يعمل فيما قبلها لأن محله في غير أما لكون الفاء معها مزحلقة عن موضعها، كما سيتضح في بابها.
قوله: (ما يجوز تقديمه) أي على الفعل وتأخيره عنه، وذلك إذا خلا من موجب التقديم المارِّ، ومن مانعه وهو غالب ما سيأتي مما يوجب تأخيره عن الفاعل أو توسيطه، وكذا يمتنع تقديمه على الفعل إذا كان أن المشددة أو المخففة منها ومعموليها. فلا يقال: إنك فاضل عرفت إلا مع نحو: أما أنك فاضل فعرفت، أو كان معمول فعل تعجُّبي أو معمول صلة حرف مصدري ناصب كأن وكي فلا يقال: جئت أن زيداً أضرب أو كي زيداً أضرب، بخلاف غير الناصب فيجوز كيعجبني ما زيداً تضرب، وودت لو زيداً تضرب، وقيل: يمتنع مطلقاً، أو معمول فعل مجزوم أو منصوب بلن، إلا إذا قدم على الجازم ولن أيضاً فيجوز، وكذا المنصوب بإذن عند الكسائي، أو معمولاً لعمل مقرون بلام ابتداء لم تسبق بأن، أو بلام قسم، أو بقدر أو بسوف، أو بقلما، أو ربما، أو نون توكيد فكل ذلك يمتنع تقديم معموله عليه كما في الهمع وغيره، وأما تقديم ذلك على الفاعل وتأخيره عنه فهو جارٍ على ما في البيتين الآتيين.
---(1/370)
قوله: (غير منحصر) بكسر الصاد أي غير منحصر فيه غيره كما يدل عليه قوله: انحصر، وكذا قول الشارح الآتي غير محصور، أي فيه غيره. ولا يجوز فتح الصاد لأن انحصر لازم لا يبنى منه اسم مفعول مع ما يلزم من عيب السناد.
قوله: (كما إذا في الإعراب فيهما) صور ذلك ستة عشر من ضرب أربعة: المقصور، واسم الإشارة، والموصول، والمضاف للياء في نفسها.
قوله: (وأجاز بعضهم) هو ابن الحاج في نقده على ابن عصفور.
قوله: (لها غرض في الالتباس) أي بدليل تصغير عمر وعمرز على عمير، وتجويز ضرب أحدهما الآخر، وتأخير البيان إلى وقت الحاجة جائز عقلاً وشرعاً، وأجيب بأن هذا مبني على أنه لا فرق بين اللبس والإجمال والحق الفرق بينهما، فإن اللبس تبادر خلاف المراد كالذي هنا وهو ممنوع لإيقاعه في الخطأ، والإجمال احتمال اللفظ لهما على السواء كقولك للأعور: ليت عينيه سواء، وهذا هو الذي من مقاصد البلغاء دون الأول.
قوله: (قرينة) أي معنوية كما ذكره، أو لفظية كظهور الإعراب في تبع أحدهما كضرب موسى الظريف عيسى، أواتصال ضمير الثاني بالأول كضرب فتاه موسى، لوجوب تقديم مرجع الضمير ولو رتبةً أو تأنيث الفعل كضربت موسى سلمى.
قوله: (الكمثرى) بفتح الميم مشددة في الأكثر ومنع بعضهم التشديد وهو اسم جنس واحده كمثراة فيصرف كأسماء الأجناس. كذا نقل عن المصباح، وانظر ما وجه صرفه مع ألف التأنيث المقصورة إلا أن يكون مراده المفرد لا الجمع.
قوله: (وتأخير المفعول) أي عن الفاعل، والوجوب إضافي أي بالنسبة لامتناع توسطه بين الفعل والفاعل، فيصدق بوجوب تأخره عنهما بأن كانا ضميرين متصلين كضربته، وبجواز تقديمه على الفعل كمثال الشارح فإن قدر في المتن حذف المعطوف. أي أضمر الفاعل والمفعول كان الوجوب المفهوم عن الأمر حقيقياً، ولا يمكن مثله في الشرح لأن مثاله يأباه.
قوله: (وما بألا) مفعول مقدم لقوله: أخر، وقوله: انحصر أي غيره فيه.
---(1/371)
قوله: (وقد يسبق) أي ما انحصر بإلا أو إنما بشرط ظهور القصد. وهو لا يظهر في إنما فتعين قصره على إلا إذا قدمت معه لأن القصد لا يظهر إلا حينئذ فلا إبهام في المتن.
قوله: (ما هيجت لنا) مفعول يدر، وقد تقدم عليه الفاعل المحصور مع إلا. وعشية ظرف لهيجت والإنئاء كالإبعاد وزناً ومعنًى، ووشامها بكسر الواو فاعل هيجت، جمع وشيمة وهي كلام الشر والعداوة، وأنث فعله لأنه جمع، ويظهر أن ضميره لعاذلته.
قوله: (الأضعف) مفعول زاد تقدم وهو محصور بالأعلى الفاعل. وهو كلامها، والبيت لمجنون ليلى.
قوله: (مذهب الكسائي) هو الذي في المتن، والثالث هو الأصح إجراء لا مجرى إنما، فيقدر للمتأخر عاملاً كما ذكر في الأول.
قوله: (شاع في لسان العرب) أي والأصل في كثرة الاستعمال كونه قياسياً، وقوله: شذ أي قياساً، وإن سمع كثيراً أيضاً.
قوله: (فمن أجازها الخ) أي ومن منعها نظر إلى تأخر مفسر الضمير لفظاً ورتبة، مع عدم تعلق الفعل به بخلاف: زان نوره الشجر فإنه وإن عاد على متأخر لكن الفعل تعلق به، وعمل فيه فكان مشعوراً به.
قوله: (ممنوعة) أي شعراً ونثراً، وقوله: وأجازها أي فيهما أبو عبد الله الطوال بضم الطاء وتخفيف الواو، وابن جني سكون الياء لأن أصله كني فعرب بإبدال الكاف جيماً وليس منسوباً للجن كما قد يتوهم، وبقي قول ثالث هو الحق وهو جوازها شعراً لا نثراً.
قوله: (لما رأى الخ) الشاهد فيه عود الضمير من الفاعل المقدمَّ، وهو طلبوه، إلى المفعول المؤخر، وهو مصعب بن الزبير رضي الله تعالى عنه. وذعروا مبني للمجهول أي خافوا جواب لما وهي إما ظرف بمعنى حين منصوب بالجواب، أو حرف وجود لوجود خلاف.
قوله: (ورقى) بشد القاف أي أعلى ورفع، والندى العطاء، والذرى بالضم جمع ذروة بالضم والكسر كما في القاموس وهي أعلى الشيء، والشاهد في شطريه ظاهر.
---(1/372)
قوله: (ولو أن مجداً الخ) لحسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه يرثي به المطعم بن عدي أحد رؤساء المشركين بمكة لأنه كان يحوط النبي صلى الله عليه وسلّم وينصره قبل الهجرة، أبقى جواب لو فعاد الضمير من مجده وهو فاعل مقدم على مطعماً وهو مفعول مؤخر.
قوله: (جزاء الكلاب العاويات) قيل هو الضرب بالحجارة، وقيل دعاء عليه بالأبنة، لأنها إنما تتعاوى عند طلب السفاد، وعدي بن حاتم الطائي صحابي فلا يليق به هذا الهجاء.
قوله: (أبا الغيلان) بكسر المعجمة، وعن بمعنى بعد، وعبر بالمضارع في يجزي استحضاراً للحال الماضية وسِنِمَّار بكسر المهملة والنون وشد الميم رجل رُومِيٌّ بنى القصر المسمى بالخُوَرْنَقِ بظهر الكوفية للنعمان بن امرىء القيس ملك الحيرة، فلما فرغ ألقاه من أعلاه لئلا يبني لغيره مثله فضرب به المثل في سوء المجازاة، اللهم أحسن جزاءنا عندك بجاه نبيك عليه الصلاة والسلام، و الله أعلم.
النَّائِبُ عَنِ الفَاعِلِ
هذه الترجمة مصطلح المصنف، وهي أولى وأخصر من قول الجمهور المفعول الذي لم يسم فاعله لأنه لا يشمل غير المفعول مما ينوب كالظرف. إذ المفعول به هو المراد عند الإطلاق، ولأنه يشمل المفعول الثاني في نحو: أُعطي زيد ديناراً، وليس مراداً وإن أجيب بأن تلك العبارة غلبت على ما ينوب عن الفاعل أياً كان دون غيره.
قوله: (خير نائل) في الصحاح النوال العطاء، والنائل مثله لكن المراد هنا الشيء المعطى لأنه تمثيل لإنابة المفعول به، لا المصدر.
قوله: (يحذف الفاعل) أي لغرض: إما لفظي كالإيجاز في نحو: بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ}
(النحل:126)
والسجع نحو: من طابت سريرته حمدت سيرته، وتصحيح النظم كقوله:
196 ــــ عُلِّقْتُهَا عَرَضاً وعُلِّقَتْ رَجُلاً
غَيْرِي وَعُلِّقَ أُخْرَى ذَلِكَ الرَّجُلُ
أي علقنيها الله أي جعلني أحبها عرضاً بلا قصد، أو معنوي كالعلم به في: وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً}
---
(النساء:28)(1/373)
وجهله كسرق المتاع، وإبهامه كتصدق على مسكين، وتعظيمه بصون اسمه عن لسانك، أو عن قرنه بالمفعول كخلق الخنزير وتحقيره. كطعن عمر كراهة سماعه، والخوف عليه أو منه، ونحو ذلك.
قوله: (مُقامه) بضم الميم لأنه من أقام الرباعي.
قوله: (فيعطي ما كان للفاعل) منه كون الأصل اتصاله بعامله وصيرورته كالجزء منه، وإغناؤه عن الخبر في نحو أمضروب العبدان، وعدم تعدده كما سيذكره آخر الباب، وتأنيث العامل لتأنيثه، وتجريده من علامة التثنية، والجمع على ما سبق فيهما، وصيرورته مبتدأ إذا تقدم، ولا يضر تخلف هذه الثلاثة في الظرف والمجرور، لأن الكلام الآن في النائب المفعول به لا مطلق نائب.
قوله: (فأول الفعل الخ) كالاستداراك على قوله فيما له أي في كل شيء لا في صيغة العامل فإن الفاعل يرفع بالفعل الأصلي، واسمي الفعل، والفاعل والظرف، وأمثلة المبالغة، والجامد المؤوّل بمشتق، ولا يرتفع نائبه إلا بالفعل المغير، واسم المفعول، وفي ارتفاعه بالمصدر المؤوّل بأن، والفعل أقوال ثالثها الأصح جوازه حيث لا لبس كعجبت من أكل الطعام بتنوين أكل، ورفع الطعام أي من أن آكل بخلاف عجبت من ضرب عمرو إذا كان عمرو مضروباً فيتعين إضافته له على أنه في محل نصب على المفعولية لحصول اللبس على رفعه.
قوله: (اضممن) أي ولو تقديراً كنيل، وكذا قوله: اكسر كرد فإن وجد الضم والكسر قبل ذلك كعلم فإما أن يقدر مجيء غير الأولين، أويراد بقوله: اضمم واكسر إذا لم يكن، وكذا يقال في قوله: منفتحاً.
قوله: (اكسر في مضي) أي في لغة الأكثر، ومنهم من يسكنه مطلقاً كقوله:
197 ــــ لو عُصْرَ مِنهَا الْبَانُ والمِسْكُ انْعَصَرْ
ومنهم من يفتحه في معتل اللام فتقلب الياء ألفاً فيقول في: رُئي زيد رُئَى بفتح الهمزة ففي المعتل ثلاثة لغات أفاده في التصريح.
---(1/374)
قوله: (كينتحي) من الانتحاء وهو الاعتماد وقيل: الاعتراض، يقال: انتحيت جهة كذا، أي اعتمدتها في السير وملت إليها، وانتحيت لفلان عرضت له، وانتحيت السكين على حلقه عرضتها، والمقول بالجر صفة لينتحي الأول بفتح الياء والثاني بضمها نائب فاعل المقول لقصد لفظها.
قوله: (تا المطاوعة) هي قبول التأثير، وحصوله من الأول في الثاني كعلَّمته، فتعلَّم، وكسَّرته فتكسَّر، وإنما قيد تاليها بكونه ثانياً لينبه على اختصاص هذا الحكم بالماضي فإن تاليها في المضارع ثالث فيبقى على أصله.
قوله: (وثالث الخ) الرواية نصب ثالث مفعولاً ولا أول لمحذوف يفسره اجعلنه، وكالأول مفعوله الثاني، ويرد عليه ما مر من أن الفعل المؤكد لا يعمل فيما قبله. فلا يفسر عاملاً فيه فإن جعل مبتدأ خبره اجعلته بقي الإشكال في قوله كالأول لتقدمه عليه، وقد مر أن المصنف ارتكب ذلك كثيراً للضرورة.
قوله: (وفي تغافل الخ) أشار بذلك إلى أن مثل تاء المطاوعة وما أشبهها من كل تاء معتاد زيادتها، وإن لم تكن للمطاوعة كتبختر وتوانى وتغافل، بخلاف ترمس الشيء أي رمسه، أي دفنه فلا يضم تاليها لعدم اعتبار زيادتها إذ الأصل التوصل للساكن بالهمزة لا التاء.
قوله: (وفي انطلق الخ) صريحه بناء اللازم للمجهول، وقد منعه أكثرهم مطلقاً، ولا يرد عليهم قراءة: وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا}
(هود:108)
بضم السين لحكاية الكسائي سعد متعدياً، ومنعه أبو البقاء فيما لا يتعدى بحرف كقام وجلس. إذ لو بني لبقي الفعل خبراً بلا مخبر عنه بخلاف ما يتعدى به. فيجوز كمر به، وقيل يجوز مطلقاً، وينوب المصدر المعرف عن الفاعل كجُلس الجلوس. وأما الفعل الجامد فلا يبنى اتفاقاً، وأما كان وكاد وأخواتها فأجازه سيبويه والجمهور، ومنعه أبو حيان تبعاً للفارسي كما في النكت.
قوله: (واكسر الخ) تقييد لقوله المار فأول الفعل اضممن.
---(1/375)
قوله: (أو اشمم) بنقل فتح الهمزة إلى الواو وليست مكسورة لأنه من أشم الرباعي، ومصدره الإشمام، وفا بالقصر تنازعه كل من اكسر واشمم فاعمل فيه الثاني، وحذف من الأول ضميره لكونه فضلة، وعيناً تمييز محوّل عن نائب الفاعل أي أعلت عينه، وضم مبتدأ سوغه التقسيم وجابا لقصر خبره قال ابن هشام، ولما كان ذكر الضم لا يكفي لبيان هذه اللغة قال كبوع لينبه على إسكان العين وقلبها واواً.
قوله: (معتل العين) الأولى هنا وفيما يأتي معل بلا تاء ليساوي عبارة المصنف المفيدة اشتراط تغيير العين بخلاف المعتل بلا تغيير كعور وصيد واعتور، فإذا بني للمفعول سلك به مسلك الصحيح.
قوله: (ثلاثة أوجه) الكسر أعلاها والضم أرداها.
قوله: (حيكت) بالياء وروي بالواو فأورده الأشموني شاهداً للضم، وضميرها لرداء يصفه بالقوة والمتانة وهو يؤنث ويذكر أي نسجت تلك الرداء على نيرين أي طاقتين، وإذ تحاك أي إذ حيكت وتختبط الشوك أي تضربه من اختبط الشجرة ضربها بعصا ونحوها، ولا تشاك أي لا يخرقها الشوك لصفاقتها.
قوله: (شباباً) اسم ليت الأولى، وبوع خبرها، والثاني فاعل ينفع لقصد لفظها فهي مرفوعة بالضمة الظاهرة، والثالثة مؤكدة للأولى وما بينهما اعتراض، والاستفهام إنكاري، وشيئاً مفعول مطلق لينفع أي لا تنفع ليت نفعاً ما لا مفعول به خلافاً للعيني وروي بما بدل هل.
قوله: (بني دبير) بمهملة فموحدة مصغراً.
قوله: (بالفاء محركة) باليم فهو حال من الفاء، وفي نس الإتيان بحركة بين الخ، ولا غبار على هذين. وفي نسخ: الإتيان بالفاء بحركة الخ، وفيها تعلق حرفي بمعنى واحد بعامل واحد، وهو ممنوع إلا أن تجعل الباء الأولى لمجرد التعدية، والثانية للملابسة أو الثانية للتعدية، والأولى بمعنى على.
---(1/376)
قوله: (بين الضم والكسر) أي بأن يؤتى بجزء من الضمة قليل سابق، وجزء من الكسرة كثير لاحق، ومن ثم تمحضت الياء قاله العلوي فالبينية على جهة الإفراز لا الشيوع. والقراء يسمون ذلك دوماً، والإشمام عندهم يطلق على الإشارة بالشفتين في الرفع والضم عند الوقف على نحو نستعين، ومن قبل، وعلى خلط الصاد بالزاي في الصراط وأصدق.
قوله: (في السبعة) أي للكسائي وهشام.
قوله: (إلى ضمير متكلم) المراد به وبما بعده الجنس فيصدق بالواحد المذكر وغيره نحو: بعنا وبعتما وبعتن. إلا أن الغائب لا يلتبس إلا عند إسناده لنون النسوة فما قيل إن الصواب إسقاط قوله: أو غائب خلاف الصواب نعم الأولى بدله، أو غائبات كما في نسخ.
قوله: (ولا يجوز الضم) أي إذا لم يكن مكسور العين كخفت، وإلا امتنع فيه الكسر كاليائي لا الضم لأن المبني للفاعل ليس إلا بالكسر.
قوله: (من الأشكال السابقة) صريح في أن الإشمام شكل، وهو كذلك إن أريد بالشكل كيفية اللفظ، وصيغته المسموعة لكن لا يحصل به لبس المجهول بغيره. فالمراد من مجموع الأشكال السابقة، أو يقال الجملة الشرطية لا تستلزم الوقوع، فإن أريد بالشكل التحرك بحركة خاصة كان إطلاقه على الإشمام بالتغليب.
قوله: (هذا ما ذكره المصنف) أي فإن قوله يجتنب ظاهر في المنع، وإن احتمل الكراهة.
قوله: (بل يجوز الخ) أي ولا يضر الإلباس، كما لم يبالوا به في نحو مختار وتضار، فإنهما يحتملان المجهول والمعلوم، ورد بأن هذا إجمال لا لبس كما هنا لكن في النكت عن أبي حيان أن اللغات الثلاثة مسموعة عن العرب، ونص على جوازها سيبويه.
قوله: (الذي ثبت لفاء باع الخ) لكن الأفصح في المضاعف الضم فالإشمام فالكسر، وفي باع بالعكس حتى قيل: لا يجوز فيه غير الضم، والأصح الجواز قرأ علقمة رُدَّتْ إِلَيْنَا}
(يوسف:65)
---(1/377)
ولو ردوا لعادوا بالكسر، وقرأ الجماعة بالضم الخالص، والتباس الثاني بأمر الجماعة مدفوع بلو لأن الأمر يقع على أن اللازم بدون لو إجمال لا إلباس.
قوله: (وهو معتل العين) أخذ هذا القيد من تمثيله باختار وانقاد، وليس بلازم بل مثله المضاعف كاشتد وأنهل ففيه اللغات الثلاثة كما قاله الشاطبي.
قوله: (بمثل حركة التاء) أي من ضم أو كسر أو إشمام.
قوله: (وقابل) مبتدأ سوغه كونه وصفاً لمحذوف أي ولفظ قابل أو وصفه بالظرف بعده إن جعل صفة له أو عمله فيه إن جعل حالاً من ضميره المستتر فيه، وحر أي حقيق خبره وبنيابة متعلق به.
قوله: (أو حرف جر) أي مع مجروره كما هو ظاهر الشارح تبعاً لظاهر التسهيل وشرح الكافية من أن الغائب هو المجمع ونقل ترجيحه عن ابن هشام. لكن قال في الارتشاف لم يذهب إلى ذلك أحد، بل مذهب البصريين أن النائب هو المجرور وحده. فهو في محل رفع كما أنه بعد المبني للفاعل في محل نصب، وعند الفراء الحرف وحده، وهذا مرغوب عنه إذ الحرف لا حظَّ له في الإعراب أصلاً ا هـ.
وعلى الثاني، ففي المتن مضاف مقدر أي أو مجرور حرف جر. وذهب السهيلي وابن درستويه إلى عدم نيابة الجار والمجرور أصلاً، وما أوهم ذلك يقدر فيه ضمير المصدر المفهوم من الفعل، أو ضمير مبهم يعود لما دل عليه الفعل من حدث، أو زمان أو مكان، إذ لا دليل على تعيين أحدها، والمختار مذهب البصريين.
قوله: (ما لزم النصب على الظرفية) هو ما لا يخرج عنها كقط وعوض، وإذا وسحر، ومثله ما لزم الظرفية أو شبهها. وهو الجر بمن كعند وثم بالفتح فكل ذلك لا تجوز إنابته لعدم تصرفه إذ لا يستعمل مرفوعاً أصلاً، ولا منصوباً أو مجروراً بغير ما ذكر. فلا يقال ما جيء قط، ولا يجاء إذا جاء زيد على إنابتهما، وأجازه الأخفش فيقال: جُلس عندك بنصبه على الظرفية مع كونه في محل رفع بالنيابة وقد أجاز في قوله تعالى: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}
(الأنعام:94)
---(1/378)
ومنادون ذلك كون الظرف في محل رفع فاعلاً، ومبتدأ مع نصبه على الظرفية لكن المشهور أن فتحته حينئذٍ بناء لإضافته إلى المبني لا إعراب أفاده في التصريح.
قوله: (ونحو عندك) عطف على قوله: ما لزم لا على سحر لئلا يقتضي أنه يلزم النصب أبداً، وليس كذلك بل يخرج عنه إلى شبهه. وهو الجر بمن.
قوله: (من لزوم النصب) أي أو شبهه.
قوله: (معاذ الله) مصدر ميمي نائب عن اللفظ بفعله أي: أعوذ بالله معاذاً، وإنما كان غير متصرف لعدم خروجه عن النصب على المصدرية، ومثله سبحان.
قوله: (وذلك ما لا فائدة فيه الخ) استفيد منه أنه لا ينوب من الظروف والمصادر إلا المتصرف المختص فالمتصرف من الظروف ما يفارق الظرفية وشبهها كيوم، ومن المصادر ما يفارق النصب على المصدرية كضرب وقتل، والمختص من الظروف ما خصص بشيء من أنواع المخصصات، ومن المصادر ما ليس لمجرد التأكيد بأن يكون مبيناً للعدد كضُرب ثلاثون ضربة، أو لنوع مخصوص كضرب ضرب أليم، أو لنوع مقصود إبهامه كقوله تعالى: فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ}
(البقرة: 178)
شيء أي نوع مّا من أنواع العفو، سواء صدر من كل الورثة أو بعضهم. وإنما جعل شيء مصدراً لا مفعولاً به لأن عفا لازم، وجعله بمعنى ترك ضعيف إذا لم يثبت عفا الشيء بمعنى تركه بل أعفاه كما في البيضاوي، وأما النائب من المجرور فشرطه أيضاً الاختصاص كما يفيده قول الشارح ولا جلس في دار وأن لا يلزم الجار له طريقة واحدة كمذ، ومنذ الملازمين للزمان الظاهر وكحروف القسم، والاستثناء الملازمة للمقسم به والمستثنى، ولا يدل على التعليل كاللام والباء ومن إذا جاءت له وأما قوله:
198 ــــ يُغْضِي حَيَاءً ويُغضَى مِنْ مَهَابَتِهِ
فَلاَ يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ
---(1/379)
فنائب فاعل يُغضى ضمي المصدر أي، ويغضى هو أي الإغضاء المعهود وهو إغضاء الحياء أو إغضاء كائن من مهابته، أو التقدير، ويغضى هو أي الطرف أي تطبق العين من مهابته كما استقر به الروداني لأن الإغضاء خاص بالطرف فيدل عليه، وليس المجرور نائب الفاعل لأنه يكون جاره للتعليل مبني على سؤال مقدر فكأنه من جملة أخرى، ولهذا امتنع إنابة المفعول لأجله، والحال والتمييز، وأما منع المفعول معه، والمستثنى فللفصل بينهما وبين الفعل، والبيت المتقدم للفرزدق يمدح به زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم، حين حج هشام بن عبد الملك في حياة أبيه، وجهد أن يستلم الحجر فمنعه الزحام. فجلس بعيداً على كرسي ينتظر الفضو فجاء زين العابدين يطوف وهو أحسن الناس وجهاً وأطيبهم أرجاً فلما انتهى للحجر تنحى له الناس حتى استلم فقال رجل من الشام من هذا الذي هابته الناس هذه الهيبة فقال هشام لا أعرفه مخافة أن تميل إليه أهل الشام فقال الفرزدق أنا أعرفه:
d
199 ــــ هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ الله كُلِّهِمُ
هَذَا التَّقِيُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
هَذَا الَّذِي تَعْرِفُ البَطْحَاءُ وَطْأتَهُ
والبَيْتُ يَعرُفُهُ والحِلُّ والحَرَمُ
يَكادُ يُمْسِكُهُ عِرْفانَ راحَتِهِ
رُكنَ الحطِيم إذَا مَا جاءَ يَسْتَلِمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إِنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ
بِجَدِّهِ أنْبِيَاءُ الله قَدْ خُتِمُوا
يُغْضِي حَيَاءً الخ إلى أن قال:
مِنْ مَعْشَر حُبُّهُمْ دِينٌ وبُغْضُهُمُ
كُفْرٌ وُقرْبُهُمُ مِلْجَا ومُعْتَصَمُ
إن عُدَّ أهْلِ التُّقَى كَانُوا أَئمَّتَهُمْ
أو قِيْلَ مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الأرْضِ قِيلَ هُمُ
لا يَستَطِيعُ جَوَادٌ بَعْدَ غَايَتِهِمْ
وَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإِنْ كَرُمُوا
مَنْ يَعرفِ اللهَ يَعْرِفْ أولويةَ ذَا
الدِّينِ مِنْ بَيْتِ هذا نَاَلَه الأُمَمُ
---(1/380)
فغضب عليه هشام حتى سجنه، فأرسل إليه زين العابدين اثني عشر ألف درهم فردها، وقال مدحت الله لا للعطاء فأرسل يقول له: إنا أهل البيت إذا وهبنا شيئاً لا نستعيده. والله يعلم نيتك ويثيبك عليها فقبلها.
قوله: (ولا ضرب ضرب) أي لأنه لا فائدة في إسناد الفعل إلى المبهم من المصدر، أو الزمان، أو المكان لانفهام الأولين منه وضعاً، والثالث التزاماً فلا بد من تخصيصها بشيء من المخصصات. ولا عبرة، فإفادة المصدر توكيد الفعل لأن هذه غير فائدة الإسناد وأولى من ذلك بالمنع ضرب على إضمار ضمير الضرب المبهم لأن الضمير أشد إبهاماً من الظاهر نعم إن عاد على مصدر مختص بلام العهد، أو بصفة محذوف جاز، كما مر في: يغضي حياء الخ، ومثله قوله تعالى: وَحِيلَ بَيْنَهُمْ}
(سبأ:54)
وقوله:
200 ــــ وقَالَتْ مَتَى يَبْخَلْ عَليكَ ويَعْتَلِلْ
يَسُؤْكَ وإنْ يَكْشِفْ غَرَامَكَ تَدْرَبِ
وقوله:
201 ــــ فَيَا لَكَ مِنْ حَاجَةٍ حِيلَ دُونَها
وما كُلُّ ما يَهوى امرؤٌ هو طَائِلُه
أي حيل هو أي الحول المعهود الحاصل بالموت، أو بغزوة بدر في أحد التفاسير، ويعتلل هو أي الاعتلال المعهود الحاصل من المحبوبة أو حول كائن بينهم، واعتلال كائن عليك كذا في التوضيح وغيره أي ولا يصح جعل بين في الآية، ودون في البيت نائب الفاعل، لعدم تصرفهما عند جمهور البصريين كما في التصريح نعم يجوز ذلك عند الأخفش فيكونان منصوبين على الظرفية في محل رفع بالنيابة كما مر في عند وكذا من يجوز تصرفهما كما في قراءة لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}(2)
(الأنعام:94)
بالرفع وَمَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ}
(العنكبوت:25)
بالجر وقوله:
202 ــــ أَلَمْ تَرَيَا أنِّي حَميتُ حَقِيبَتِي
وَبَاشَرْتُ حَدَّ المَوْتِ والمَوْتُ دُونَهَا(3)
---
بالرفع وعلى هذا فيكون فتحهما للبناء، ولا يصح جعل النائب في البيت الأخير ضمير ذي حاجة حملت لأن الفعل لازم لا يتعدى إلى المفعول بنفسه، فتدبر.(1/381)
قوله: (في اللفظ) خرج به ما لو كان الفعل يطلب مفعولاً به لكن لم يذكر فلا يمتنع إنابة غيره سم.
قوله: (مفعول به) أي ولو منصوباً بنزع الخافض فتمتنع إنابة غيره مع وجوده، كإنابته مع وجود منصوب بنفس الفعل. كاخترت زيداً الرجال عند الجمهور خلافاً للفراء والتسهيل.
قوله: (وقد يرد) أي شذوذاً أو ضرورة.
قوله: (أبي جعفر) هو من العشرة.
قوله: (ليجزي قوماً الخ) أي ببناء يجزى للمجهول، ونائب فاعله بما كانوا مع وجود المفعول به، وهو قوماً، وكذا لم يعن مجهول، وبالعلياء نائبه مع وجود المفعول به وهو: سيداً، أي لم يعن الله أي لم يجعل أحداً يعتني بالعلياء إلا سيداً، وأوله البصريون بأنه ضرورة، والنائب في الآية ضمير الغفران المفهوم من يغفروا، وغاية ما فيه إنابة المفعول الثاني. وهو جائز، هذا وحقق في شرح الجامع أن الأحق النيابة ما يكون أهم في الكلام مثلاً لو كان القصد إيقاع ضرب زيد أمام الأمير أنيب الظرف مع وجود المفعول به وهكذا.
قوله: (من باب كسا) هو ما كان ثاني مفعولية غير خبر في الأصل، ولا أحدهما منصوباً بنزع الخافض كاخترت الرجال زيداً.
قوله: (لئلا يحصل لبس الخ) أي ولا يدفعه تأخير النائب لأن كون الأصل تأخير الثاني، عارضه كون الأصل إنابة الفاعل معنًى، فلا يدل عى كون المتأخر هو المأخوذ بخلاف: ضرب موسى عيسى. فإن تأخير المفعول دافع للبس لعدم المعارض فيه. وكذا لا يدفعه تأنيث الفعل لتأنيثه لأن غاية ما يفيده كون المؤنث هو النائب، وأما كونه آخذاً أو مأخوذاً فشيء آخر.
قوله: (فليس بجيد الخ) يجاب عنه بأنه لم يصح عنده حكاية الخلاف، أو مراده اتفاق جمهور البصريين.
قوله: (ولا يجوز عندهم الخ) أي وإن لم يحصل لبس، لأن المعرفة أحق بالإسناد، وقيل بالمنع مطلقاً طرداً للباب.
---
قوله: (إذا القصد ظهر) أي بشرط ظهوره فإذا شرطية لا إذا التعليلية.(1/382)
قوله: (فقد نقل غيرهما الخلاف) أي أجازه بعضهم حيث لا لبس كما مثل، وهو مقتضى كلام التسهيل بل هو داخل هنا لأنه ثاني مفعولي ظن فنقل الاتفاق غلط، قاله ابن هشام.
تنبيه: شرط إنابة الثاني مع عدم اللبس أن لا يكون جملة، وإلا امتنع اتفاقاً كما يمتنع في غير الثاني إلا إذا حكيت بالقول لأنها حينئذٍ كالمفرد لقصد لفظها نحو: وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تَفْسِدُوا}
(البقرة:11)
فإن كان الثاني ظرفاً مع وجود الأول ففيه الخلاف المسار في الظرف مع المفعول، وعلى الجواز فالنائب متعلقة لأنه المفعول الثاني في الحقيقة لا المجرور نفسه خلافاً لسم لأنه معمول للمتعلق لا للفعل بخلاف: مُرَّ بزيد كما مر.
قوله: (فلا تقول ظن الخ) أي لأن كلاًّ منهما يصلح أن يكون ظاناً ومظنوناً.
قوله: (ونصبت الباقي) أي لفظاً في غير المجرور ومحلاً فيه والله أعلم.
---
اشْتِغَالُ العَامِلِ عَنِ المَعْمُولِ
المقصود بالذكر هو المشتغل عنه، ووسطوه بين المرفوعات والمنصوبات لرفعه تارة ونصبه أخرى. ا هـ صبان. وفيه أن أول المنصوبات المفعول به في باب تعدي الفعل ولزومه، وقد ذكر بعده المتنازع فيه مع أنه يرفع وينصب فكان ينبغي على هذا توسيطه أيضاً.(1/383)
قوله: (إن مضمر اسم الخ) مضمر فاعل بمحذوف يفسره شغل، وفعلاً مفعول لذلك المحذوف وضمير عنه، ولفظه للاسم السابق والباء في: بنصب بمعنى عن وهو بدل اشتمال من عنه بإعادة العامل بمعناه، وأل في المحل بدل عن الضمير على مذهب الكوفيين أي إن شغل ضمير اسم سابق فعلاً عن كونه ينصب لفظ ذلك الاسم كزيداً ضربته أو محله كهذا ضربته فالسابق الخ فاللفظ، والمحل للاسم السابق لا للمضمر لأن نصبه محلي أبداً. هذا ما إشار إليه المضوح والأشموني، وهو التحقيق. وأشار الشارح كغيره إلى أن اللفظ والمحل للضمير الشاغل والمراد بنصب لفظه تعدي لفعل إليه وبمحله تعديه بالحرف كزيداً مررت به، مجازاً من إطلاق الملزوم، وهو نصب اللفظ والمحل على لازمه، وهو التعدي بالنفس والواسطة، وعلى هذا بالضمير في لفظه للمضمر والباء سببية متعلقة بشغل، ويكون قوله الآتي:
وفَضْلُ مَشْغُولٍ بحرفِ جَرْ
تعميماً بعد تخصيص لأن فصل المشغول إما من ضمير الاسم السابق كما ذكره، أو من سببيه كزيداً مررت بغلامه فلا تكرار.
قوله: (فالسابق) نصب بمحذوف يفسره انصبه. وأفاد بذلك مثال الاشتغال مع حكمه.
قوله: (أضمرا) أي حذف حماً أي إضماراً حتماً كما سيذكره الشرح لا نصباً حتماً لأن في النصب التفصيل الآتي.
---(1/384)
قوله: (أن يتقدم اسم) أي واحد لأنه نكرة في الإثبات فيفيد أن المشغول عنه لا يتعدد مع اتحاد العامل المقدر لأنه لم يسمع، وأما: زيداً وعمراً ضربتهما، فكالاسم الواحد بسبب العطف، وأجازه الأخفش أن عمل المقدر في متعدد كزيداً درهماً أعطيته إياه. فإن تعدّد العامل المقدر جاز كما في الرضي كزيداً أخاه غلامه ضربته. أي لابست زيداً أهنت أخاه ضربت غلامه وأفاد أيضاً اشتراط تقدُّمه وأما: ضربته زيداً فليس اشتغالاً، بل إن نصب زيد فبدل من الهاء، أو رفع فمبتدأ مؤخر، ويشترط فيه أيضاً قبوله الإضمار، فلا يصح الاشتغال عن حال وتمييز ومصدر مؤكد ومجرور ما يختص بالظاهر كحتى، كذا في الصبان. لكن سيأتي في المفعول المطلق نيابة الضمير عن كل من المصدر المؤكد والمبين إلا أن يكون فيه خلاف. وكونه مفتقراً لما بعده فلا اشتغال في: جاءك زيد فأكرمه، وكونه مختصاً لا نكرة محضة ليصح رفعه بالابتداء، وإن تعين نصبه لعارض فلا اشتغال في: وَرُهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا}
(الحديد:27)
بل المنصوب عطف على مفعول جعلنا بتقدير مضاف أي وحب رهبانية وابتدعوها صفة كما في المغني.
قوله: (ويتأخر عنه فعل) هذا هو المشغول، وهو العامل الذي يذكر، وشرطه الاتصال بالاسم السابق كما سيأتي، وصلوحه للعمل فيما قبله سواء كان فعلاً متصرفاً، أو اسم فاعل، أو مفعولاً دون الصفة المشبهة والمصدر واسم الفعل والحرف والفعل الجامد كفعل التعجب، لأنه لا يفسر في هذا الباب إلا ما يعمل فيما قبله. نعم يجوز الاشتغال في المصدر واسم الفعل، وليس عند مجوّز تقديم معمول الأولين. وخبر الثالث كزيداً لست مثله أي باينت زيداً لست مثله.
---(1/385)
قوله: (في ضمير ذلك الاسم) هذا هو الشاغل، وشرطه كونه ضمير الاسم السابق، أو سببيه كما يعلم من كلامه ويجوز حذفه بقبح لم فيه من القطع بعد التهيئة ا هـ صبان، ومراد الشارح بعمله فيه خصوص النصب بدليل باقي كلامه، ومقتضى ذلك مع قول المصنف بنصب لفظه. وقوله: فالسابق انصبه الخ، أن العامل إذا اشتغل برفع ذلك الضمير نحو: وَإِنْ أَحَدُ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}
(التوبة:6)
لا يكون اشتغالاً، والمنقول عن شارح التسهيل وأبي حيان أنه منه، وكذا في التوضيح وهو المتجه، ففي الضابط قصور، فأحد بمحذوف يفسره استجارك لاشتغاله بضميره، ولا يرد أنه لو تفرغ له لم يعمل فيه لأن ذلك لعارض تقدُّمه، ولو تأخر عنه لعمل فيه. والجمهور على اتحاد جهة نصب الشاغل، والاسم السابق، وصحح الدماميني خلافه لحكاية الأخفش عن العرب: زيداً جلست عنده، مع أن زيداً مفعول به، وعنده ظرف، والتقدير: لابست زيداً جلست عنده.
قوله: (مضمر وجوباً) أي لأن المذكور كالعوض عنه فلا يجمع بينهما. وأما قوله تعالى: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبَا}
(يوسف:4)
الآية، فليس اشتغالاً بل رأيت الثاني تأكيد، وساجدين مفعول ثان لرأيت الأول، أو مفعوله الثاني محذوف أي ساجدين لي، وقوله: وَالشَّمْسَ وَالقَمَرَ}
(الأنبياء:33)
مفعول لمحذوف يفسره رأيتهم، والجمع حينئذ للتعظيم.
قوله: (وما وافق معنى دون لفظ) أي سواء كانت الموافقة بالوضع كالمرور المتعدّي بالباء. والمجاوزة بخلاف المتعدّي بعلا فمعناه المحاذاة أو باللزوم ولو عرفا كزيد ضربت أخاه، أو قتلت عدّوه: أي أهنت زيداً أو سررته. لأن ذلك لازم عرفاً للفعل المذكور فهو يدل عليه، ومثله: زيداً مررت بغلامه أي لابست زيداً لا جاوزت لأن المجاوزة ليست له.
---(1/386)
واعلم أنه لا محل لجملة العامل المظهر على الصحيح لأنها مفسرة خلافاً للشلوبين في جعله المفسرة بحسب ما تفسره أي فلا محل لها في: زيداً ضربته، ومحلها الرفع في: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ونحو زيد الخبز يأكله لأنها مفسرة للخبر والنصب في وَعَدَ الله الَّذِين آمَنُو وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لهم مَغْفِرَةً}
(المائدة: 9)
إذا لو صرح بالموعود به المفسر بجملة لهم مغفرة كان منصوبا. هذا وكون المفسر جملة إنما هو في اشتغال النصب الذي كلامنا فيه، أما الرفع فالمفسر فيه الفعل وحده لأنه المحذوف لا الجملة، وله إعراب ما يفسره لفظاً أو محلاً. ولذا جزم في قوله:
203 ــــ فَمَنْ نَحْنُ نُؤْمنْهُ يَبِتْ وَهْوَ آمِنٌ
قوله: (بأنه لا يعمل الخ) وبأنه يلزم كون المتعدي لواحد متعدياً لاثنين وهو خرم للقاعدة.
قوله: (لا تلغى الخ) وبأن الضمير قد لا يتعدّى إليه الفعل إلا بالحرف، فكيف يلغى مع وجود الحرف المعدَّى، وأيضاً لا يمكن الإلغاء في السببي لأنه مطلوب الفعل في الحقيقة كزيداً ضربت غلام رجل يحبه.
قوله: (كأدوات الشرط) أي والتحضيض والعرض لاختصاصها بالفعل مطلقاً، وأدوات الاستفهام، إلا الهمزة لاختصاصها به، إذا رأته في حيزها بخلاف ما إذا لم تره كأين زيد؟ وهل زيد قائم؟ وإنما ذكروا ذلك في خصوص هل لعروض استفهامها بالتطفل كما مر، وأما الهمزة لا تختص به مطلقاً لأنها أم الباب، وهم يتوسعون في الأمهات لكن الغالب فيها الفعل.
قوله: (وحيثما زيداً تلقاه الخ) أي وهلا زيداً أكرمته؟ ومتى زيداً تكرمه؟ وأين زيداً فارقته؟ يجب النصب في كل ذلك وقوله: تلقاه ليس مجزوماً لأنه مع فاعله مفسر للجملة المحذوفة بعد حيثما، وليس المفسر الفعل وحده حتى يكون مجزوماً كمفسره، وفي نُسَخٍ: تلقه،بالجزم، إجراءً له مجرى المحذوف.
---(1/387)
تنبيه: تسوية الناظم بين أن وحيثما إنما هي في وجوب النصب حيث وقع الاشتغال بعدهما أعم من كونه في شعر أو نثر لا من جميع الوجوه. فلا يرد أن جميع الأدوات المذكورة لا يليها في النثر إلا صريح الفعل. فالاشتغال بعدها خاص بالشعر، إلا أن مع الماضي لفظاً أو معنًى وإذا مطلقاً فلا تلو غير الفعل ظاهراً لهما في النثر، لضعف طلبهما له لأن إن لا يظهر عملها حينئذٍ مع أنها أم بابها، وإذا لا تعمل أصلاً قال الروداني ومثلها كل شرط لا يجز نحو: لو ذات سوار لطمتني، لو غيرك قالها يا أبو عبيدة، بخلاف أن مع المضارع لمَّا ظهر أثرها فيه قوي طلبها له فقبح تلو غيره لها في النثر كباقي الأدوات ويستثنى من أدوات الشرط: أما. فإن اشتغال يقع بعدها نظماً ونثراً لكن لا يجب النصب لأن الاسم يليها ولو مع وجود الفعل نحو: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}
(فُصلت:17)
قرىء بالرفع على الابتداء، وبالنصب على الاشتغال ويجب تقدير العامل بعد المنصوب لأن أما لا يليها إلا الاسم وبعد الفاء، لأنه لا يفصلها من أما إلا اسم واحد أي: وأم ثمود فهدين هديناهم.
قوله: (ولا يجوز الرفع) أي على الابتداء كما ذكره أما على الفاعلية لفعل مطاوع للمذكور فيجوز كقوله:
204 ــــ لا تَجْزَعِي إنْ مُنْفِسٌ أَهْلَكْتُهُ
وَإِذَا هَلَكْتُ فَعِنْدَ ذَلِكَ فَاجْزَعِي(2)
أي إن هلك منفس أهلكته والظاهر أن مثل المطاوع المبني للمجهول كإن زيداً أكرمته أكرمك، على أن زيد نائب فاعل بمحذوف أي: إن أكرم زيد أكرمته، فتدبر.
قوله: (وأجاز بعضهم وقوع الاسم) أي المبتدأ بعدها أي أدوات الشرط، وكذا التحضيض والاستفهام وهذ القول ضعيف.
قوله: (السابق) بالرفع فاعل تلا، وما بالابتداء الخ مفعوله أي ما يختص بذي الابتداء.
---(1/388)
قوله: (كذا الخ) مفعول مطلق لمحذوف، وفاعل تلا ضمير الفعل، وما لم يرد مفعوله، وما قبل بالضم أي قبله فاعل يرد، ومعمولاً حال منه أي إذا تلا الفعل شيئاً لم يرد ما قبله معمولاً لما وجد بعده بأنه كان له صدر الكلام فالتزم الرفع التزاماً مثل ذلك.
قوله: (فيجب رفع الاسم المشتعل عنه الخ) مقتضى ذلك أن هذا القسم من باب الاشتغال مع أن ابن الحاجب لم يذكره، وصوبه ابن هشام. قال لأنه ليس من باب الاشتغال في شيء، ولم يدخل تحت ضابطه لأن العامل لو تفرغ من الضمير لم يصلح للعمل في الاسم السابق، والمتجه ما اقتضاه المتن والشارح من عدّه منه لأن العامل صالح في ذاته للعمل فيه. وإنما امتنع لعارض وقوعه في هذه الأماكن. فقول المصنف في الضابط بنصب لفظه، أو المحل على الإعراب الأول يعني باعتبار حالته الذاتية، وإن منعه مانع عارض، ويخرج به ما امتنع عمله فيما قبله لذاته كالفعل الجامد أفاده سم.
قوله: (لا يقع بعدها الفعل) أي مطلقاً لفرقها من إذا الشرطية، وقيل: إن اقترن بقد لأنها لا تقع بعد الشرطية فيحصل بها الفرق، وقيل: يقع مطلقاً، والأول أصح، ومثلها ليتما فلا يجوز النصب في ليتما بشراً زرته على الاشتغال لأن ما لم تزل اختصاص ليت بالاسم خلافاً لابن أبي الربيع نعم يجوز النصب على إعمالها، ومما يلزم الابتداء واو الحال مع المضارع المثبت فلا نصب في نحو: خرجت وزيد يضربه عمرو لما سيأتي في قوله:
وَذَاتُ بَدْءٍ بِمُضَارعٍ ثَبَتْ
الخ، وكذا لام الابتداء فلا نصب في: إني لزيد ضربته.
قوله: (إذا ولي الفعل الخ) ، وكذا إذا فصل بين الاسم والفعل بأجنبي نحو زيد أنت تضربه، وهند عمرو يضربها فلا نصب فيه للفصل بين العامل والمعمول بأجنبي فلا يفسر عاملاً فيه، وهذا قد يدخل في قوله كذا إذا الفعل تلا الخ.
---(1/389)
قوله: (كأدوات الشرط) أي والتحضيض والعرض ولام الابتداء وكم الخبرية والحروف الناسخة والموصول والموصوف وحرف الاستثناء، فكل ذلك لا يعمل ما بعده فيما قبله، فلا نب في: زيد هلا ضربته، أو ألا تضربه، أو لأنا ضاربه، أو كم أو أني ضربته، أو زيد الذي تضربه، أو رجل ضربته، أو ما زيد إلا يضربه عمرو، بخلاف حرف التنفيس كزيداً سأضربه، فيجوز نصبه على الراجح.
قوله: (وما النافية) مثلها لا في جواب القسم لأن لها الصدر أيضاً، ولذا قال سيبويه في قول الشاعر:
205 ــــ آلَيْتُ حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ
وَالحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي القَرْيَةِ السُّوسُ
إن نصب حب بنزع الخافض هو على لا بمحذوف يفسره أطعمه على الاشتغال لأنه على تقدير لا فلا يعمل فيما قبله أي: حلفت على حب العراق لا أطعمه في الدهر بخلاف: زيد لا أضربه، أو لم أضربه فالرفع فيه راجح فقط لا واجب لأنه من القسم الخامس الآتي.
قوله: (ولا يجوز نصبه) أي على الاشتغال، وقوله: لا يصلح أن يفسر عاملاً أي على وجه كونه عوضاً عن المقدر، كما هو شأن الاشتغال، فلو نصب الاسم بمقدر يدل عليه بالملفوظ دون تعويض جاز، ولم تكن المسألة من الاشتغال، ولا يلزم صلاحية الملفوظ حينئذٍ للعمل فيما قبله، ولذا صرح المصنف في قول الشاعر:
206 ــــ يَا أَيُّهَا المَائحُ دَلوِي دُونَكَا
بأن دلوي مفعول لمحذوف يدل عليه دونك أي خذ دلوي مع أن اسم الفعل لا يعمل فيما قبله، وحينئذ يجوز إظهار المحذوف بخلاف الاشتغال.
قوله: (وبعدما إيلاؤه الخ) أي، وبعد شيء يغلب في لسان العرب جعل الفعل تالياً له. فأيلاؤه مصدر مضاف لمفعوله الثاني، والفعل مفعول أول لأنه الفاعل معنًى، وفاعله محذوف أي إيلاء العرب الفعل له.
قوله: (على معمول فعل) أي على جملة معمول فعل أي الجملة التي هو فيها، لأن العطف على الجملة الفعلية بتمامها.
---(1/390)
قوله: (كالأمر) أي ولو باللام نحو: زيداً لتضربه، لأنها كلا الناهية لا يلزمان الصدر. فلا يمتنع عمل ما بعدهما فيما قبلهما، وإنما امتنع تقديم الفعل عليهما لضعفهما مع تأخرهما عن العمل، كما في لم ولما ولن.
قوله: (والدعاء) أي بخير أو شر بصيغة الطلب كزيد اللهم ارحمه، أو الخبر كما مثله.
قوله: (والمختار نصبه) أي لأن الإخبار بالطلب عن المبتدإِ قليل، وخلاف القياس لعدم احتماله الصدق والكذب إلا بتأويل كما مر في بابه بل قيل بمنعه، وإنما اتفقت السبعة على الرفع في آية السرقة والزنى لأنه ليس مما نحن فيه بل تقديره عند سيبويه: مما يتلى عليكم حكم السارق الخ والزانية الخ فخبره محذوف، والفعل بعده مستأنف لبيان الحكم، فالكلام جملتان لأن هذا ليس من مواضع دخول الفاء في الخبر عنده كما مر، وعند المبرد الجملة الفعلة خبر، ودخلته الفاء لما في المبتدإ من معنى الشرط، ولهذا امتنع النصب لأن بعد فاء الجزاء، وشبهها لا يعمل فيما قبلها على أنه لا يمتنع إجماع السبعة على المرجوح قياساً كقوله تعالى: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ}
(القيامة:9)
حيث لم يؤنث الفعل مع أنه المختار في المؤنث غير الحقيقي وإن عطف عليه مذكر كما مر، وقال ابن بابشاذ: يختار الرفع في العموم كالآية، والنصب في الخصوص كزيداً اضربه.
قوله: (كهمزة الاستفهام) مثلها النفي بما أو لا، أو أن وكذا حيث المجردة من ما لأن دخول الجميع على الفعل أكثر، فيترجح النصب بعدها كما زيداً رأيته، ولا عمراً كلمته، وإن بكراً رأيته، واجلس حيث زيداً ضربته بخلاف لم ولما فتختص بالفعل ولا يقع الاسم بعدها إلا ضرورة فيجب نصبه فإن فصلت الهمزة بغير ظرف نحو: أأنت زيداً تضربه؟ ترجَّح الرفع، أو الظرف فلا أثر له نحو أكل يوم زيد أتضربه، والظاهر أن مثل الهمزة في ذلك ما ذكر معها.(
---(1/391)
قوله: (بعد عاطف) أي أو شبهه كضربت القوم حتى زيداً ضربته، وما رأيت زيداً لكن عمراً ضربته، فيترجح النصب لأن حتى ولكن وإن كانا حرفي ابتداء لدخولهما على الجملة لكنهما أشبها العاطفين في كون ما بعد حتى بعضاً مما قبلها، وفي كون لكن بعد النفي كما هو شأنهما عند العطف فإن خليا من ذلك كأكرمت زيداً حتى عمرو أكرمته، وقام بكر لكن عمر ضربته ترجَّح الرفع لعدم شبههما بالعاطف، ولا وجه لتعينه كما قيل إذ غايته أنهما مثل: زيد ضربته،أفاده سم.
قوله: (لتعطف جملة الخ) إن قلت كما يرجح النصب بذلك يرجح الرفع بكون الأصل عدم التقدير أجيب بأن التقدير في العربية كثيراً جداً، وتخالف المتعاطفين قليل جداً بل نقل في المغني قبحه عن الرازي لا يصلح للترجيح، ومحل قلة التخالف إذا عدم مقتضيه فلا يرد قوله تعالى: سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنُتُم صَامِتونَ}
(الأعراف:193)
فإن المقتضى للتخالف أن دعاء الأصنام متجدد منهم فناسبه الفعلية، وعبر في الثاني بالاسمية لتفيد أن هذا الدعاء مساوٍ للصمت الدائم في عدم الإفادة. فكأنهم لم يدعو أصلاً. وو عبر بالفعلية لفات هذا المعنى فتدبر.
قوله: (قام زيد وأما عمرو الخ) إنما اختير رفعه لأن ما بعد أما مستأنف ومنقطع عما قبلها، ومثلها إذا الفجائية كرأيت عبد الله فإذا زيد يضربه عمرو لكن الرفع في هذه واجب لما مر. ولا أثر للفصل بغيرهما كقام زيد، وفي الدار عمراً ضربته.
قوله: (فيختار نصب عمرو الخ) أفاد أن محل ترجح الرفع مع الفصل ما لم يقتض النصب مقتض آخر غير العطف كالطلب. وإلا ترجح النصب لتعدد مقتضيه، واعلم أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إلا إذا كانت زائدة، أو مع إما لكونها معها مزحلقة عن مكانها كما سيأتي بيانه، ويمتنع أن يقدر الفعل قبل الفاء لأنه لا يفصل بينها وبين أما بأكثر من جزء واحد فالتقدير: وأما عمراً فأكرم أكرمه.
---(1/392)
قوله: (بعد عاطف) أي غير مفصول بأما لما مر، وشبه العاطف في هذا أيضاً كالعاطف، وشبه الفعل كالفعل الأول كأنا ضربت القوم حتى عمراً ضربته. والثاني كهذا ضارب زيداً وعمراً يكرمه.
قوله: (جملة ذات وجهين) أي غير تعجبية لجريان فعل التعجب مجرى الأسماء لجموده، ولذلك صغروه.
قوله: (جاز الرفع والنصب) أي بشرط أن يكون في الثانية ضمير الاسم الأول كزيد قام وعمروٌ أكرمته في داره أو تعطف بالفاء لترتبط بالأولى. قال ابن هشام أو بالواو لإفادتها الجمعية كما في الفاء السببية، ورد بأن جمعيتها في المفردات لا ي جمل فأن خلت عن ذلك امتنع النصب بالعطف على الصغرى عند الأخفش والسيرافي لأن المعطوف على الخبر خبر، ولا رابط فيه، وجوزه الناظم وجماعة. ومنه مثال الشرح لتوسع في الثواني. وقد أجمعت القراء على نصب السماء في قوله تعالى: وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ والسَّمَاءَ رَفَعَها}
(الرحمن:6 ـ7)
مع خلوها عن ضمير النجم والشجر فإن عطفت على الكبرى ترجح الرفع لتناسب المتعاطفين، والنصب مرجوح على حد: زيداً ضربته، ويكون من عطف فعلية على اسمية أفاده الإسقاطي وللأخفش أن يدعي مثل ذلك في الآية فتدبر.
قوله: (فما أبيح الخ) فائدته دفع توهم أن ما خالف المختار من الوجوه السابقة لا يقاس عليه، نقله سم عن الشاطبي.
قوله: (فارساً ما غادروه) أي تركوه، وما زائدة وملحماً بفتح الحاء المهملة أي غشيه الحرب من كل جانب،والزُّمَّيل بضم الزاي وشد الميم الجبان، والنَّكْس بكسر فسكون الضعيف، والوَكِل بفتح فكسر اسم فاعل من وكل أمره إلى غيره لعجزه، أو بفتح الكاف فعل ماض ولا يرد أن شرط المشغول عنه كونه مختصا، وفارساً نكرة محضة لأن ما قائمة مقام الوصف وإن كانت زائدة فارساً أي فارس.
قوله: (بكسر جنات) هي شاذة.
---(1/393)
قوله: (أو بإضافة) أي بذي إضافة، أو بمضاف ولو تعدد كزيداً ضربت غلام صاحب أخيه، وأو مانعة خلوَ فتجوِّز الجمع كما أشار له الشارح بقوله: مررت بغلامه، لكن قال الشاطبي لا يتقيد الفصل بما ذكر بل يجوز زيداً ضربت راغباً فيه، أو ضربت من أكرمه، أو رجلاً يحبه كما سيأتي في قوله:
وعَلقةٌ حَاصِلَةٌ بِتَابِعِ
الخ. وحينئذ فليست أو لمنع الجمع ولا الخلو، واعلم أن الفعل المقدر في اتصال الضمير بالفعل من لفظ المذكور وفي فصله منه من معناه، أو لازمه كما مرت الإشارة إليه، ولذا كان النصب عند الاتصال أحسن منه عند الفصل.
قوله: (فيما تقدم) أي في الجملة إذ لا يتأتى فيه وجوب النصب لأنه لا يكون إلا بعد ما يختص بالفعل.
قوله: (اسم الفاعل) أي وأمثلة المبالغة لا الصفة المشبهة ولا فعل التفضيل.
قوله: (لا يجوز نصب زيد) أي بل يجب رفعه مبتدأ خبره جملة اسم الفعل وفاعله، فالمحل للجملة أما هو وحده فلا محل له على الراجح، وكذا يجب الرفع في نحو: زيد ضرباً إياه لأن المصدر لا يعمل فيما قبله فزيد مبتدأ خبره الفعل الذي ناب عنه المصدر. نعم يجوز الاشتغال فيهما عند الكسائي المجوز تقديم معمول اسم الفعل والسيرافي المجوز تقديم معمول المصدر الذي لا ينحل بحرف مصدري وهو النائب عن فعله. أما ما ينحل فلا يعمل فيما قبله اتفاقاً لأن الصلة تعمل فيما قبل الموصول، ومحل ما ذكر ما لم يمنع منه مانع كالفاء في: وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ}
(محمد صلى الله عليه وسلّم:8)
فيتعين فيه الابتداء تفاقاً، وتعساً مصدر لمحذوف هو الخبر أي تعسهم تعساً، ودخلته الفاء مع أن فعل الصلة ماض لجوازه على قلة كآية: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤمِنينَ}
(البروج:10)
الخ.
---(1/394)
قوله: (زيداً أنا ضاربه الآن) أي بنصب زيداً بفعل مضمر يفسره جملة: أنا ضاربه، أو باسم فاعل مضمر خبر عن أنا مقدم عليه، أو مبتدأ وأنا فاعله إن اعتمد على نحو استفهام نحو: أزيداً أنا ضاربه، والوصف المذكور على هذين خبر مبتدإ محذوف كما قاله الدماميني، وهو مفسر للمحذوف، وقائم مقامه بلا تقدير مبتدإ له كما قاله سم، فإن قيل قد مر في الابتداء أن الوصف لا يفصل من معموله بأجنبي. وحينئذ فلا يصلح ضاربه لأن يفسر عاملاً في زيد لأنه لو تفرغ له لم يتسلط عليه لفصله بأنا قلنا: هو صالح في ذاته لا بالنظر للفصل، أو أن محل امتناع الفصل عند تأخر الأجنبي والمعمول عن الوصف كما في آية: أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهتِي}
(مريم:46)
أخذاً من كلامهم، أفاده الصبان. ولا يرد أنهم صرحوا بامتناع: زيداً أنت تضربه، للفصل كما مر مع تقدمهما لأنهم اغتفروا ذلك في الوصف لاحتياجه إلى ما يعتمد عليه بخلاف الفعل.
قوله: (وعلقة الخ) يعني أن الارتباط بين العامل الظاهر، والاسم السابق الذي لا بد منه في الاشتغال ليكون العامل موجهاً إليه في المعنى كما يحصل بنفس الاسم الواقع شاغلاً لكونه ضمير السابق، أو سببيه يحصل بتابع الشاغل الأجنبي إذا اشتمل ذلك التابع على ضمير السابق، فالعلقة بمعنى الارتباط والملابسة، والباء في بتابع وبالاسم سببية كما يشير إليه صنيع الشارح فإن كلاًّ منهما سبب في الارتباط باعتبار العامل فيه، أو في متبوعه، والمراد بتابع الشاغل وصفه أو بيانه أو نسق عليه بخصوص الواو لإفادتها الجمعية لا البدل والتوكيد. ويحتمل أن المراد بالعلقة الضمير، والباء في بتابع، وبالاسم بمعنى في، والمراد بالاسم الواقع على هذا خصوص السببي فتأمل والله أعلم.
---(1/395)
=تَعَدِّي الفِعلِ وَلُزُومُهُ= لزومه عطف على تعدي فهو تابع له في إعراب التراجم من رفع أو غيره، وهو من إضافة الصفة للموصوف أي الفعل المتعدي والفعل اللازم لأنهم المذكوران صراحة لا نفس التعدي واللزوم. وفي هذا الباب ذكر المفعول به وهو أول المنصوبات فكان الأولى تأخيره عن التنازع كما مر في الاشتغال.
قوله: (علامة الفعل المعدي) أي بنفسه وضعا لأنه المراد عند الإطلاق لا المعدي بالحرف، ولا بنزع الخافض.
قوله: (أن تصل) أي صحة أن تصل الخ وله علامة ثانية. وهي صحة صوغ اسم مفعول منه تام أو غير مفتقر إلى جار ومجرور.
قوله: (ها) بالقصر مفعول تصل، وغير بالجر مضاف إليه أي هاء هي ضمير مصدر أي وغير ظرف أيضاً فإن ضميره يتصل باللازم كالمصدر نحو: الليلة قمتها، النهار صمته وإنما لم يذكره المصنف لأنه لا يتصل به إلا توسعاً بحذف الجار. والأصل: قمت فيها وصمت في بخلاف ضمير المصدر.
قوله: (واللازم ما ليس كذلك) هذا كقول المصنف: ولازم غير المعدي صريح في انحصار الفعل في القسمين لكن الجمهور على أن كان وأخواتها واسطة قيل: ولعل المصنف أدخلها في المتعدي لشبهها به في عمل الرفع والنصب لأنها يتصل بها هاء غير المصدر، والظاهر أن موضوع كلامه الأفعال التامة بدليل قول: فانصب به مفعوله. وإلا لقال: أو خبره. ولتقدم الكلام على الناقصة فلا يخالف الجمهور، وفي التسهيل أن ما يتعدى تارة بنفسه وتارة بالحرف مع شيوع الاستعمالين كشكرته، وشكرت له ونصحته، ونصحت له، واسطة وهو الأصح قال أبو حيان فهو قسم برأسه مقصور على السماع لا لازم، وحذف الحرف توسعاً، ولا متعد، والحرف زائد كما قيل بكل. وأما ما تعدَّى ولزم مع اختلاف المعنى كَفَغَرَ فَاه بفاء فغين معجمة أي فتحه وفغر فوه أي انفتح، وكزاد ونقص فلا يخرج عن القسمين.
قوله: (فانصب به مفعوله) أي المفعول به لأنه المراد عند الإطلاق، أما بقية المفاعيل فينصبها اللازم أيضاً.
---(1/396)
قوله: (كنهم) في القاموس النهم محركة وكسحابة إفراط الشهوة في الطعام وأن لا تمتلىء عين الآكل ولا يشبع، نهم كفرح، وَعُنِيَ أي بضم فكسر فهونهم ونهيم ومنهوم ا هـ وفيه أيضاً: نهم كفرح وضرب وتخم، وعلى هذا الثاني فهو عرض لا سجية. وتمثيله بنهم المكسور يفيد أن أفعال السجايا لا يلزم ضم عينها، وفي التصريح خلافه.
قوله: (والمضاهي) بكسر الهاء أي المشابه، واقعنسسا أما مفعوله أي، والذي شابه اقعنسسا في كونه بعد نونه الزائدة حرفان أعم من كونهما أصليين كَاحْرَنْجَمَ أي اجتمع، أو أحدهما زائد للتضعيف كاقعنسس أو لغيره كاسلنقى أي نام على ظهره، واحرنبى الديك إذا انتفش للقتال، وأما فاعله ومفعوله محذوف بناء على مذهب المصنف من جواز حذف عائد أل الموصولة أي والذي ضاهاه اقعنسس لإلحاقه به وهو وزن افعنلل أصلي اللامين، كاحرنجم فإن السين الثانية في اقعنسس زائدة لإلحاقه باحرنجم لا أصلية بدليل تكرارها بلا فصل وعلى كلَ فالمراد اقعنسس وما شابهه لاشتهار هذه العبارة في ذلك قيل: ويضعف الأول أنه لا يفيد الإلحاق المذكور فالتشبيه عليه مقلوب لما علمت من إلحاقه باحرنجم لكن على الثانية لا يشمل نحو اسلنفى فإن اقعنسس لم يلحق به بل هو أيضاً ملحق باحرنجم فالأولى حمل المضاهاة فيهما على مطلق الموازنة، والحاصل أن كلاً من افعنلل المضاعف كاقعنسس، ومن افعنلى كاسلنقى ملحق بافعنلل أصلي اللامين، وكلها لازمة وأما قوله:
207 ــــ قَدْ جَعَلَ النُّعَاسُ يَسْرَنْديني
أَدْفَعُهُ عَنِّي وَيَغْرَنَدِيني
فشاذ، ومعنى اسرندى واغرندى علا وركب.
قوله: (وهي الطبيعة) المراد بها المعنى الملازم للفاعل أي الذي لا يفارقه، غالباً أو بشرط عدم المعارض. فلا يرد أن نحو الظرف يزول لعارض كالمرض، ولك التزام عدم زواله بذلك، وإنما يستتر.
قوله: (كطهر) بالضم والفتح، ونظف بالضم لا غير.
قوله: (كدنس ووسخ) كلاهما كفرح.
---(1/397)
قوله: (على عرض) المراد به معنى غير حركة لا يلزم الفاعل فخرجت الحركة فمنها لازم كمشى، ومتعدَ كمدَّ، أما ما يلازم فمن السجايا كما مر، ودخل في العرض: نظف ودنس فعطفه عليها عام، وشمل أيضاً فهم وعلم مع أنهما متعديان فإن جعلا ثابتين، أو كالثابت أشكلا على أفعال السجايا.
قوله: (مطاوعاً الخ) المطاوعة قبول الأثر أي حصوله من فاعل فعل ذي علاج محسوس إلى فاعل فعل آخر يلاقيه اشتقاقاً، فإن حصل الأثر بلا ملاقاة فليس مطاوعاً كضربته فتألم، وخرج بالمحسوس فلا يقال: علمت المسألة فانعلمت، ولا: ظننت كذا فانْظَنَّ، لعدم العلاج المحسوس، وأما نحو قولهم: انقطعت إلى الله، وانكشفت حقيقة المسألة مما كان معنوياٌ فمجاز لا حقيقة، أو أنه ليس مطاوعاً لفعلت بل مستقل كذهب ومضى، ويجوز قلت هذا الكلام فانقال إذا عنيت الألفاظ المسموعة لإحساس علاجها بتحريك اللسان والشفتين فإن أردت المعنى المفهوم من القول بلا نظر للفظ امتنع، أفاده الدماميني. ويستفاد من كلام المصنف ما عليه الجمهور من أن الفعل ومطاوعه لا يتعديان معاً إلى مفعول أو اثنين، ولا يلزمان معاً بل المتعدي لواحد يلزم، ولاثنين يقصر عن واحد، وأما استعطيته درهماً فأعطاني درهماً، واستنصحته فنصحني فمن باب الطلب والإجابة لا المطاوعة. وأما قوله:
208 ــــ وَكَمْ مَوْطِنٍ لَوْلاَي طِحتُ كَما هَوَى
بأجرامِهِ مِن قِنَّةِ النِيْقِ مُنْهَوِي
فضرورة أو أن منهوي مطاوع أهويته المتعدي لا هوى اللازم لكن مطاوعة انفعل لا فعل شاذة والنيق بكسر النون وسكون التحتية، وبالقاف الجبل وقنته أعلاه.
قوله: (وعدِّ لازماً الخ) مثله المعتدي لواحد أو أكثر فإنه يتعدَّى لغيره بالجار.
---(1/398)
قوله: (بحرف جر) وكذا بالهمزة كأذهبت زيداً وإنما تنقاس في اللازم عند سيبويه قيل وفي المتعدي لواحد أيضاً، وقيل سماعية مطلقاً، وبتضعيف العين ما لم تكن همزة كنَأَى وإلا امتنع، ويقل في غيرها من حروف الحلق كدهن، ولم يسمع في غير اللازم والمتعدي لواحد، وفي قياسيته فيهما خلاف وبغير ذلك.
قوله: (نقلاً) راجع في المعنى للحذف فقط كما يقتضيه صنيع الشارح بقرينة قول المصنف، وفي أن وأنَّ يطرَّد فهو متعلق بمحذوف من مادته أي ويحذف نقلاً كما قدره الأشموني، وليس راجعاً للنصب كما قد يتوهم لتبعيته للحذف في السماع فلا يوصف به استقلالاً، ولئلا يقتضي أن عدم النصب مع الحذف ليس سماعياً فيصدق بقياسيته وليس كذلك، وبهذا يبطل رجوعه لهما معاً وإن استوجهه شيخ الإسلام أفاده الصبان.
قوله: (فيصل إلى مفعوله الخ) أي فينصب وجوباً وناصبه عند البصريين الفعل فقولهم: منصوب بنزع الخافض أي عنده، وعند الكوفيين النزع هو الناصب فالباء للآلة، وشذ بقاء الجر في قوله:
209 ــــ إِذَا قِيل أيُّ النَّاسِ شَرُّ قَبيْلَة
أَشارَتْ كُلَيْبٌ بِالأكُفِّ الأصَابِعُ(2)
أي أشارت الأصابع مع الأكف إلى كليب.
قوله: (ولم تعوجوا) أي تميلوا وتدخلوا.
---(1/399)
قوله: (مع غير أن وأن) مثلهما كي المصدرية فيطرد تقدير اللام قبلها كجئت كي تكرمني أي لكي، وفي التسهيل إن ما ورد في الحذف كثيراً من غير ذلك قيل: وقيس عليه كدخلت الدار والمسجد فيقاس عليهما: دخلت البلد والبيت، وإن لم يكثر كتوجهت مكة وذهبت الشام، لا يقاس عليه توجهت المسجد وذهبت الدار مثلاً، لأنه لم يسمع في غير مكة والشام مع قلَّته فيهما، وكذا مطرنا السهل والجبل، وضربته الظهر والبطن أي عليهما، وهل المنصوب مع دخلت ونحوه مفعول به حقيقة، أو على التوسع بحذف الحرف أو ظرف شذوذاً لأن ظرف المكان شرطه الإبهام، وهذ محض خلاف لكن القول الثالث لا يأتي في ذهبت وتوجهت لأنه على معنى إلى لا في، فتنبه لذلك وسيأتي في حروف الجر اطراد الحذف في غيره ذلك. ثم من السماعي ما ورد في السعة كما مثل وكشكرته ونصحته بناء على حذف الجار منهما، ومنه ما لم يرد إلا ضرورة فلا يجوز لنا نثراً ولو في التركيب الذي سمع فيه كقوله:
209 ــــ لَدْنٌ بِهَزِّ الكَفِّ يَعْسِلُ مَتْنَه
فِيهِ كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ
وقوله:
210 ــــ آليتُ حبَّ العراقِ الدَّهْرَ أطْعَمُهُ
أي حلفت على حب العراق. وكما عسل الثعلب أي اضطرب في الطريق، ولدن بفتح فسكون أي رمح، ومتنه صدره قال حفيد الموضح: والحكم بقياسية الحذف مع أن وأن دون: نصحته وشكرته غير ظاهر لأن المراد بالقياس جوازه في أي تركيب وإن لم يسمع. وهذا بعينه في نصح وشكر ا هـ.
قوله: (الأخفش الصغير) الأَوْلى الأصغر لأن الصغير هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة تلميذه سيبويه، والأصغر علي بن سليمان تلميذ ثعلب والمبرد، والأكبر هو أبو الخطاب شيخ سيبويه، وجملة من لُقِّبَ بالأخفش أحد عشر نحوياً، وسيبويه أربعة كما في التصريح.
---
قوله: (بريت القلم) من باب رمى ويقال بروته بالواو، ولا يسمى قلماً إلا بعد البراية وقبلها بوصة وقصبة ففي قولهم: بريت القلم مجاز الأول كـ: أَعْصِرُ خَمْراً}
(يوسف:36)(1/400)
أي عنباً يؤل للخمر أفاده المصباح.
قوله: (فلا يجوز حذف في لاحتمال الخ) هذا مبني على مذهب المصنف من عدم الفرق بين الإجمال واللبس. وهو خلاف التحقيق كما مر، واللازم في المثال إنما هو الإجمال لاستواء احتماليه فهو من مقاصد البلغاء إلا إذا اقتضى المقام التعيين فيمنع كاللبس فينبغي أن يحمل المثال عليه بخلاف وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}
(النساء:127)
فإن الإجمال فيه مقصود ليرتدع من يرغب في النساء لجمالهن ومالهن. ومن يرغب عنهن لدمامتهن وفقرهن إشارة إلى طلب تعلق الرغبة بالدين وعدمه، وقيل: الحذف في الآية لقرينة كانت وقت النزول لأنه نزلت في فرقة ترغب فيهن لجمالهن، وقيل: في فرقة ترغب عنهن لفقرهن وقيل في الفرقتين فالقرينة في كل فرقة حالها فلا إجمال فيه بالنسبة لذلك.
قوله: (في محل جر) أي تمسكاً بقوله:
206وَمَا زُرْتُ لَيْلَى أنْ تَكُونَ حَبِيْبَةً
إِليَّ وَلاَ دَينٍ بهَا أَنَا طَالِبُهْ
بجر دِين عطفاً على محل أن تكون لا على توهم دخول اللام عليه كما قال الآخر لأن الأول أظهر، ولا يرد فقدر الطالب لذلك المحل لأن المحل هنا بمعنى اللفظ المقدر إذ هذا الجر لفظي أي مستحق للفظ المصدر المقدر، لا محلي بمعنى استحقاقه للموضوع حتى يشترط بقاء طالبه.
قوله: (وذهب الكسائي) أي والخليل وهذا هو الأقيس لضعف الجار عن العمل محذوفاً. ولذا وجب النصب في غيرهما فكذا معهما غايته أنهما لما طالا بالصلة انقاس معهما الحذف تخفيفاً، وذلك لا يقتضي بقاء الجر.
---
قوله: (وذهب سيبويه الخ) أي فإنه قال بعد أن ذكر أمثلة من ذلك: لو قيل إن الموضع جر لكان قوياً. ولذلك نظائر كقولهم: لاه أبوك أي لله أبوك، ثم نقل النصب عن الخليل فعلم أنه يجوّز الأمرين، وأما نسبة الجر إلى الخليل، والنصب إلى سيبويه كما في الأشموني تبعاً للتسهيل، وكذا في البيضاوي عند إِنَّ الله لاَ يَسْتَحِي}
(البقرة:26)
فسهو.(1/401)
قوله: (من ألبسن) إما بضم السين مسنداً لجماعة الذكور بدليل: زاركم، أو بفتحها مسنداً للمفرد ولا ينافيه زاركم لجواز خطاب واحد من الجمع المزورين، أو أنه للتعظيم، ونسج اليمن أي منسوجه.
قوله: (الثاني منهما ليس خبراً) قيد بذلك لقول المصنف: فاعل معنًى وإلا فالخبر والمبتدأ في الأصل كالمفعول، والفاعل معنًى في الأحكام الآتية فيجوز التقديم في: ظننت زيداً قائماً لا في: ظننت زيداً عمراً، ويجب في ظننت في الدار صاحبها.
قوله: (والأصح تقديم الخ) أي، وتقديم من لا يجر على ما قد يجر فاخترت زيداً الرجال، ويجوز اخترت الرجال زيداً.
قوله: (عرا) أي نزل ووجد، ومضارعه يعرو كغزا يغزو، وأما عرى يعري كتعب يتعب فبمعنى خلا، ولا يصح هنا.
قوله: (وهو خوف اللبس) أي مثلاً فمثله كون الثاني محصوراً فيه كما أعطيت زيداً إلا درهماً. وكونه ظاهراً والأول ضميراً متصلاً كاعطيتك درهماً فلا يقدم على الأول وإن قدم على الفعل.
قوله: (وقد يجب) أي لمانع من التأخير كالحصر في الأول كما أعطيت الدرهم إلا زيداً، وكونه ظاهراً، والثاني ضميراً متصلاً كالدرهم أعطيته زيداً وكالضمير في مثاله، ومنه قولهم: أسكنت الدار بانيها، وأعطيت القوس باريها. فلو كان ضمير الأول في الثاني كأعطيت زيداً ماله جاز، وجاز لما عرف في باب الفاعل.
قوله: (إن لم يضر) كيعد مضارع ضار يضير ضيراً بمعنى ضرَّ قال تعالى: لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}
(آل عمران:120)
---
أي لا يضركم. قوله: (كحذف ما سيق الخ) مثال للمنفي وهو الحذف المضر.
قوله: (فيجوز حذف الفضلة) أي لدليل، ويسمى اختصاراً ولغيره، ويسمى اقتصاراً إلا في باب ظن فيمنع الاقتصار، والمراد بالجواز ما يقابل الامتناع.Y فيشمل الوجوب في: ضربت وضربني زيد، لما سيأتي في التنازع.
قوله: (كقولك الخ) مثال للنفي وهو الحذف غير المضر.(1/402)
قوله: (الناصبها) نائب فاعل يحذف، وها مفعول الناصب لأنه صلة أل فلا يحتاج في عمله إلى شرط، وفاعله مستتر فيه يعود لأل أي، ويحذف العامل الذي نصب الفضلة، ويمتنع كون الناصب مضافاً إلى ها، لأن الوصف المحلى بأل لا يضاف للخالي منها، ولا لضميره عد سيبويه، ويجوز عند غيره كما سيأتي في الإضافة.
قوله: (في باب الاشتغال) أي، والنداء فإن ناصب المنادى أدعو محذوفاً نابت عنه يا، ولا يجمع بين العوض والمعوض وكذا يجب الحذف في التحذير بشرطه الآتي، وفي المثل كالكلاب على البقر أي أرسل. وما جرى مجراه كـ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ}
(النساء:171)
أي انتهوا وأتوا خيراً والله أعلم.
التنازع في العمل
هو لغة التجاذب، واصطلاحاً ما سيذكره الشارح.
قوله: (إن عاملان) فاعل بمحذوف يفسره اقتضيا، وعمل مفعول به لذلك المحذوف وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة. وفي اسم متعلق بعمل قدم علي مع أنه مصدر للضرورة، أو للتوسع في الظرف، والمراد باقتضائهما العمل توجههما لذلك الاسم، وطلب كل منهما له في المعنى إما مع التوافق في الفاعلية أو المفعولية أو التخالف فيهما كما سيمثل.
قوله: (قبل) حال من عاملان أي حال كونهما قبل الاسم.
قوله: (ذا أسرة) في القاموس الأسرة بضم الهمزة الدرع الحصينة وأسرة الرجل رهطه الأدنون. وضبطه المعرب بالفتح، وفسره بالجماعة القوية.
قوله: (عن توجه عاملين) قل الموضح أي فعلين متصرفين كـ آتوني أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرا}
(الكهف:96)
أو اسمين يشبهانهما كقول:
---
212 ــــ عَهِدْتُ مُغيثاً مُغْنِياً مَنْ أجَرْتُه
فَلَمْ أتَّخِذْ إِلاَّ فَنَاءَكَ مَوئِلا
أو اسم وفعل كذلك. نحو: هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ}
(الحاقة:19)(1/403)
هـ وقوله: يشبهانهما، أي في العمل لا في التصرف كما قاله شارحه لئلا ينافيه تمثيله بهاؤم اقرؤوا}. فإنه اسم فعل جامد بمعنى خذوا تنازع هو واقرؤوا في كتابيه فأعمل فيه الثاني، وحذف ضميره من الأول لكونه فضلة، والميم علامة الجمع، والهمزة بدل من كاف الخطاب فشمل اسم الفاعل كالبيت والمفعول كقوله:
208 ــــ وعزة ممطول معنَّى غريمها
واسم الفعل كالآية والمصدر كقوله:
209 ــــ لَقِيتُ فَلَمْ أنْكِلْ عَنِ الضَّرْبِ مَسْمَعاً
فلقيت والضرب تنازعاً مسمعاً، وانكل أي أعجز من باب دخل وطرب، واسم المصدر مثله كما استظهره الصبان كأن يقال: من قبلة الرجل ومسه امرأته الوضوء. ولم أر من ذكر الصفة المشبهة وأفعل التفضيل، ولا مانع منهما فيما يظهر كزيد أضبط القوم وأجمعهم للعلم وزيداً حذر وكريم أبوه، فليحرر. فلا تنازع بين حرفين، ولا حرف وغيره. وأما نحو: فإن لم تفعلوا، فلمَ جزمت الفعل وهما في محل جزم بأن، ولا بين فعلين جامدين أو فعل جامد وغيره لأن الجامد لضعفه لا يفصل من معموله، والفصل لازم في التنازع عند إعماله الأول. فإذا بطل أعماله لذلك بطل التنازع إذ من شرطه جواز إعمال كل منهما. ومن هذا يؤخذ منع زيد أفضل وأكرم من عمرو. لأنه لا يفصل بين أفعل ومن بأجنبي قال الروداني: ما لم يتأخر الجامد عن غيره، وإلا جاز لعدم فصله سواء أعمل الأول أم الثاني كاعجبني ولست مثل زيد.
---
وأجازه المبرد في فعلي التعجب مطلقاً، واغتفر فصل الأول من معموله إذا كان هو العامل لامتزاج الجملتين بالعاطف، واتحاد مطلوبهما، وقيده في شرح التسهيل بإعمال الثاني حذراً من الفضل ولا بد من ارتباط بين العاملين إما بعطف مطلقاً كما مثل، أو بعمل أولهما في ثانيهما نحو: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَّنْ يَبْعَثَ الله أَحَداً}
(الجن:7)(1/404)
فظنوا وظننتم تنازعاً أن لن يبعث، والثاني معمول للأول لأنه صفة لمصدره المحذوف أي ظنوا ظناً كظنكم، أو يكون الثاني جواباً للأول جواب السؤال نحو: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ يُفْتِيكُمْ فِي الكَلاَلَةِ}
(النساء:176)
أو الشرط كآتوني أفرغ عليه قطراً} ومنه كما في الإسقاطي: هاؤم اقرؤوا كتابيه} أو غير ذلك من أوجه الارتباط كما في المغني فلا يجوز: قام قعد أخوك.
قوله: (أي معمول) إطلاقه يشمل الظاهر والضمير لكن بشرط كونه منفصلاً مطلقاً، أو متصلاً مجروراً نحو: زيد إنما قام، وقعد هو وما ضربت وأكرمت إلا إياه، ووثقت وتقوّيت بك على خلاف في الأخير، واشترط قوم وجوب توجه العاملين إلى المعمول فخرج قوله تعالى: وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا}
(الجن:4)
لاحتمال أن اسم كان ضمير الشأن فلا تتوجه إلى سفيهنا. والأظهر عدم اشتراطه، فيجوز التنازع في الآية كما يجوز عدمه، وخرج بتوجه العاملين: أتاك أتاك اللاحقون. فليس تنازعاً وإلا فسد اللفظ لوجوب أن يقال: أتاك أتوك أو أتوك أتاك، بل الثاني لمجرد التوكيد كالحرف الزائد فلا فاعل له أصلاً، ومثله: هيهات هيهات العقيق. وخرج أيضاً قول امرىء القيس:
215 ــــ ولَوُ أَنَّ مَا أَسْعَى لأدْنَى مَعِيشَةٍ
كَفَانِي وَلَم أَطْلُبْ قَلِيلٌ مِنَ المَالِ
فقليل فاعل كفاني ولم يتوجه إليه أطلب. وإلا فسد المعنى المراد بل مفعوله محذوف أي لو سعيت للأدنى كفاني القليل، ولم أطلب الملك بدليل قوله:
216 ــــ ولكِنَّمَا أَسْعَى لِمَجْدٍ مُؤَثَّلٍ
---
وقَدْ يُدرِكُ المجدَ الموثَّلَ أمْثَالِي
انظر الصبان.(1/405)
قوله: (واحد) ظاهره منع التنازع فيما يتعد لاثنين أو ثلاثة وهو رأي. وصحح في التسهيل والجامع الجواز، وقد يتعدد المعمول لغيره كما يزيد العامل عن اثنين، وقد اجتمعا في حديث: «تُسَبِّحُونَ وتَكَبِّرُونَ وَتَحْمَدُونَ دَبُرَ كلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثاً وَثَلاَثِينَ» فتنازع الثلاثة في الظرف. وهو دبر والمصدر وهو ثلاثاً الخ فأعمل الأخير، وحذف الضميرين من الأولين لكونهما فضلتين أي: تسبحون فيه إياها، وتكبرون فيه إياها. ولو أعمل غير الأخير لذكر الضميرين فيما بعد العامل لأن الفضلة لا تحذف إلا من الأول على المختار. ومن ذلك قوله:
217 ــــ طَلَبْتُ فَلَمْ أُدْرِكْ بِوَجْهِي وَلَيْتَنِي
قَعَدْتُ وَلَم أَبْغِ النَّدَى عِنْدَ سَائِبِ
فتنازع فيه ثلاثة فقط خلافاً لمن وهم فيه وهي: طلبت وأدرك وأبغ في النَدَى وعند، فأعمل الأخير كما مر ومن تنازعها مع إعمال الأول قوله:
218 ــــ كَسَاكَ وَلَمْ تَسْتَكسِهِ فاشْكُرَنْ لَهُ
أَخٌ لَكَ يُعْطِيكَ الجَزِيلَ وَنَاصِرُ
ونقل الإجماع على جواز أعمال أي الثلاثة لكن قيل: لا يحفظ إعمال الثاني.
قوله: (لم تكن المسألة من باب التنازع) أي لأن السابق إن رفع كزيد قام وقعد فكل من الفعلين مستوفٍ لمعموله. وهو ضميره فلم يطلباه ليعملا فيه وإن نصب كزيداً ضربت وأكرمت فهو معمول للأول بمجرد وقوعه عقبه، فلا يطلبه الثاني كما قاله بعضهم. لئلا يلزم تقدم ما في حيز العاطف عليه، وهو ممتنع إلا في نحو: أَفَلَمْ يَسِيرُوا}
(يوسف:109)
---(1/406)
عند الزمخشري حيث قدر فيه تأخير الهمزة لا أنها داخلة على محذوف أي أقعدوا فلم يسيروا، كما عند الجمهور، بل يطلب ضميره. لكنه فضلة يجوز ذكره وحذفه. وكذا يمتنع التنازع في المتوسط كضربت زيداً وأكرمت، فزيداً معمول الأول، وحذف معمول الثاني. كما قاله ابن هشام، وتعقبه بأن غاية ما فيه كون الأول أولى بالعمل لأن معمول العامل يجوز تقديمه يرده منع تقدم ما في حيز العاطف عليه، وأجازه جماعة منهم الرضي في المتقدم المنصوب، والفارسي في المتوسط. أما المتقدم المرفوع فيبعد جوازه لما مر.
قوله: (ولا خلاف الخ) محل ذلك ما لم يتفقا في عمل الرفع كجاء وقام زيد، لما سيأتي عن الفراء.
قوله: (إِلاَّ أن الثاني أَوْلَى) أي وإن كان أضعف عملاً من الأول بدليل استدلالهم على إعمال المصدر المحلي بأل بقوله: لقيت فلم أنكل الخ، وعلى إعمال المجموع بقوله:
214 ــــ قَدْ جَرَّبُوهُ فَمَا زَادَتْ تَجَارِبُهِمْ
أبَا قُدامَةَ إِلاَّ المَجْدَ والفَنَعَا
ولم يحملوه على أن العامل لقيت وزادت.
قوله: (لقربه) أي ولسلامته من العطف قبل تمام المعطوف عليه. ومن الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي. وإن اغتفر هنا للضرورة على أن الرضي نص على جواز الفصل بالأجنبي عند قوة العامل في بحث اسم التفضيل إسقاطي.
قوله: (لتقدمه) أي ولسلامته من الإضمار قبل الذكر عند البصريين، ومن حدف ضمير الرفع كما عند الكسائي، ومحل الخلاف ما لم يكن لأحدهما مرجح، وإلا فيجب إعمال الثاني في نحو: ضربت بل أكرمت زيداً، والأول في ضربت لا أكرمت زيداً كما في النكت عن صاحب البسيط واستحسنه.
---(1/407)
قوله: (والتزم ما التزما) أي من وجوب إضمار العمدة ومطابقته للظاهر إفراداً وغيره. إلا إذا صلح العامل للكل فيضمر مفرداً مذكراً لا غير نحو: أجريح وقتيل هند أو الزيدون مثلاً. لكن في التسهيل أن تلك المطابقة أغلبية، فقد جوز سيبويه الأفراد في الأحوال كلها كضربني وضربت قومك بالنصب أي ضربني هو أي من ذكر، لكنه قبيح كما نقله الدماميني، فالمراد التزم ذلك في الفصيح.
قوله: (لأن تركه الخ) هذا الدليل لا يعين الاضمار لإمكانه وجوب إظهاره أو جوازه. إلا أن يقال: اقتصر على جزء العلة لكافيته في الرد على الكسائي أي ولأن اظهاره يؤدي إلى التكرار فتعين الإضمار. أما الثاني وهو اتفاق أو في الأول عند البصريين، واعتراض الكوفيين بلزوم الإضمار قبل الذكر مردود بوقوعه في غير هذا الباب كربه رجلاً، وبسماعه فيه نظماً ونثراً حكى سيبويه: ضربوني وضربت قومك وكقوله:
220 ــــ جَفَونِي وَلَمْ أَجْفُ الأَخِلاَّءَ إنَّنِي
لِغَيْرِ جَمِيلٍ مِنْ خَلِيلِيَ مُهْمَلُ
وغير ذلك.
قوله: (في جواز حذف الفاعل) أي في باب التنازع عند إعمال الثاني فراراً من الإضمار قبل الذكر، لكن حذف العمدة أشنع مما فر منه إلا أن يقال إنه عهد حذف الفاعل في المواضع المتقدمة في بابه فليقس عليها هذا. لكن قال في شرح الإيضاح: ما اشتهر عنه من حذف الفاعل في ذلك باطل. بل هو عنده مستتر في الفعل مفرداً في الأحوال كلها كما مر عن سيبويه، أفاده يس.
قوله: (على توجه العاملين معاً) أي إن عطفاً بالواو، واتفقا في طلب الرفع قال الصبان، وكذا في النصب كما يقتضيه قول الهمع في الإعراب المطلوب ا هـ. وينبغي تقييده بنصب العمد لعدم جواز حذفها دون غيره، فإن اختلفا أضمر مؤخراً كضربني وضربت زيداً هو، فراراً من الإضمار قبل الذكر، أو حذف الفاعل، ويرده لزوم اجتماع مؤثرين على أثر واحد وهو لا يعقل إلا أن يدعى أن العامل مجموعهما.
---(1/408)
قوله: (أوهلا) ماض مجهول من أوهله الله لكذا أي أهله، بشد الهاء، أي جعله أهلاً له.
قوله: (ولا تضمر) أي بل يجب حذفه لأنه فضلة لا ملجأ فيه للإضمار قبل الذكر إلا إذا أوقع حذفه في لبس فيضمر مؤخراً كرغبت ورغب في الزيدان، عنهما همع، وفي شرح الكافية ميل إلى إضمار الفصلة مقدمة. وهو ظاهر التسهيل أيضاً.
قوله: (إذا كنت الخ) الشاهد في ترضيه ويرضيك فالأول يطلب صاحب مفعولاً، والثاني يطلبه فاعلاً فأعمل فيه الثاني، ولم يحذف من الأول ضميره مع أنه فضلة، وتقدم الكلام على قلَّما في الفاعل.
قوله: (بعكاظ) بضم العين المهملة وتخفيف الكاف ثم ظاء مشالة، سوق كانت تقام في الجاهلية بقرب مكة أيام الموسم. ويعشي من الأعشاء بالعين المهملة وهو عدم الإبصار ليلاً، والمراد عدمه مطلقاً. ولمحوا من اللمح وهو سرعة البصر، فيعشي يطلب شعاعه أي السلاح فاعلاً، ولمحوا يطلبه مفعولاً فأعمل فيه الأول فهو فاعله، وحذف ضميره من الثاني مع أن حقه الذكر. وإن كان فضلة.
قوله: (وهو شاذ) أي خلافاً لما يقتضيه مفهوم قوله، والتزم ما التزما من جواز حذف الفضلة من الثاني المهمل لعدم التزام ذكره في غير ذلك. وإنما شذ حذفه هنا لأن فيه تهيئة العامل للعمل، ثم قطعه عنه لغير مقتضٍ، بخلاف حذفه من الأول، فإنه للفرار من الإضمار قبل الذ كر مع كونه فضلة.
قوله: (فإن كان عمدة الخ) إشارة إلى أن المراد بالخبر في قول المصنف غير خبر العمدة من ذكر الملزوم، وإرادة اللازم فيشمل المفعول الأول لظننا فإنه لا فرق بين المفعولين في وجوب التأخير كظننت منطلقة، وظنتني منطلقاً هند إياها. فإياها مفعول أول لظننت فاندفع ما يوهمه المتن من القصور. نعم كان عليه أن يذكر وجوب التأخير في الفضلة عند خوف اللبس، كما مر مثاله، فلو قال كما في المكودي:
واحذِفْهُ لكنْ مَعَ لَبْسٍ أو خَبَرْ
أو مُبْتَدا أَخِّرهُ فَهْو المُعْتَبَرْ
---(1/409)
لسلم من ذلك، ودخل في كلامه خبر كان، ككنت وكان زيد قائماً إياه. فإياه خبر كنت عائد على قائماً.
قوله: (وجب إضماره الخ) أي لأنه عمدة لا يحذف، وقوله مؤخراً أي خلافاً لما في التسهيل تبعاً لابن عصفور من تقديمه لما فيه من الإضمار قبل الذكر مع كونه بصورة الفضلة. وإن لزم فضله من عامله بأجنبي كذا قيل. وفيه أنهم صرَّحوا بجواز حذف مفعولي ظن، وخبر كان في قول لدليل فكيف يمتنع حذفه. ولذا كان مذهب الكوفيين من حذفه أقوى لسلامته من الفصل. والإضمار قبل الذكر.
قوله: (ظنني وظننت الخ) الأول يطلب زيداً فاعلاً، وقائماً مفعولاً ثانياً، والثاني يطلبهما مفعولين فأعمل فيهما الثاني فهما منصوبان به، وأضمر في الأول فاعله مستتراً يعود لزيد المؤخر لفظاً ورتبة، والياء مفعوله الأول، والثاني إياه المؤخر العائد لقائم.
قوله: (ظننت وظننيه الخ) الأول يطلب زيداً وقائماً مفعولين فأعمله فيهما، والثاني يطلب زيداً فاعلاً فأعمله في ضميره مستتراً فيه. وهو هنا يعود على مقدم في الرتبة لكونه معمول الأول، ويطلب قائماً مفعولاً ثانياً فأعمله في الهاء العائدة عليه. فهي مفعوله الثاني، والياء مفعوله الأول.
قوله: (وأظهر) أي ضمير المتنازع فيه أي ائت به اسماً ظاهرا بدل الضمير.
قوله: (لغير ما يطابق) أي لمبتدإ في الأصل غير مطابق للمفسر كالياء في (يظناني) في مثاله.
قوله: (فتفوت مطابقة المفسر) بكسر السين. وهو أخوين للمفسر بفتحها وهو إياه.
قوله: (وجب الإظهار الخ) أي وحيث كان أخاً اسماً ظاهراً فلا يحتاج لشيء يفسره كما تقدم فلا تضر مخالفته للأخوين لعدم افتقاره إليهما. بل إنما يطابق مبتدأه الأصلي.
---(1/410)
قوله: (فلا تكون المسألة حينئذٍ من باب التنازع) أي بالنسبة للمفعول الثاني لأن أخوين معمول لأظنّ، ولم يتوجه إليه يظناني لعدم مطابقته لمفعوله الأول. وهو لا يطلب إلا ما يطابقه فلم يتنازعا فيه. كذا قال الموضح، وتبعه الشرح، وأجاب سم بما محصله أن كلاً من العاملين متوجه له في المعنى بقطع النظر عن لفظ التثنية فكلاهما يطلبه مفعولاً ثانياً مطابقاً لمفعوله الأول، فلما أعملنا فيه أظن، وطابقنا به مفعوله الأول تعذر علينا الإضمار في الثاني لما مر، فانقطع طلبه له فعدلنا إلى الإظهار، وقلنا: أخا موافقة للمخبر عنه. وإن خالف المفسر. وهو أخوين لعدم احتياجه إليه. ألا ترى صحة التنازع في: ضربني، وضربت زيداً لتوجههما إليه بقطع النظر عن نوع العمل مع أنه إذا رفع انقطع طلب الناصب له، وبالعكس فكذا ما هنا ا هـ. وتقول عند إعمال الثاني: أظن ويظنني الزيدان أخاً إياهما أخوين، أو: يظناني وأظن الزيدين أخوين أخا.
قوله: (وأجاز الكوفيون الخ) أي كما يجوّزون الإظهار والحذف أيضاً لدلالة معمول الآخر عليه كما جوّزوه عند عدم التخالف في المسألة السابقة لوجود دليله. كذا في التوضيح والأشموني وغيرهما لكن يعكر عليه ما نقله المصرح في المسألة السابقة عن أبي حيان في النكت الحسان أو شرط الحذف عدم مطابقة المحذوف للمثبت إفراداً وغيره، وإلا امتنع نحو: علمني وعلمت الزيدين قائمين. فلا بد أن تقول: إياه. ولا يجوز حذفه ا هـ.
---(1/411)
قوله: (مراعى فيه جانب المخبر عنه) أي وإن خالف المفسر، ويضمر مقدماً عن معمول الأول كما مثله الشرح. وليس إضماراً قبل الذكر لتقدم مفسره رتبة، لكونه معمول الأول. فإن أعمل الثاني أضمر مؤخراً كما في التصريح عن المرادي. فيقال أظن ويظنني الزيدان أخا إياهما إياهما، أو يظنني وأظن الزيدين أخوين هما إياه. فهما فاعل يظنني، وإياه مفعوله الثاني. وتقول على الإظهار: أظن ويظنني الزيدان أخاً إياهما أخوين، ويظنني وأظن الزيدين أخوين هما أخا. وتقول على الحذف: أظن ويظنني الزيدان أخاً إياها فإياهما عائد على الزيدين، وحذفنا العائد على أخا ويظنني وأظن الزيدين أخوين هما، وتحذف عائد الأخوين فتأمل والله أعلم.
المَفْعُولُ المُطْلَقُ
قوله: (يدل على شيئين) أي على مجموعهما مطابقة بناءً على مذهب الجمهور من عدم دخول النسبة إلى الفاعل المعين في مفهوم الفعل، بل الدال عليها جملة الكلام. أما عند من يقول بدخولها كالسيد فتضمن كدلالته على أحدهما فقط، ويدل عل كل من الفاعل والمكان التزاماً.
قوله: (وهو المصدر) أي مدلوله لأن المصدر هو اللفظ، والحدث مدلوله. والمراد بالحدث المعنى القائم بغيره.
قوله: (المصدر اسم الحدث) لا يقال: يدخل فيه اسم المصدر كاغتسل غسلاً، وتوضأ وضوءاً، وأعطى عطاء، لأن مدلوله لفظ المصدر لا الحدث. كما نقله الدماميني عن ابن يعيش وغيره وأقره. فهو يدل على الحدث بواسطة. والمراد الدلالة مباشرة؛ فإن قلنا: يدل عليه مباشرة المصدر فلا بد لاخراجه من قيد ملحوظ أي الجاري على فعله، واسم المصدر لا يجري عليه بل ينقص عن حروفه، أو المراد الدال على الحدث بالأصالة، واسم المصدر نائب عنه، وبما ذكر يعلم الفرق بينهما.
---(1/412)
قوله: (هو المصدر) أي الصريح فلا يقع المؤول مفعولاف مطلقاً. والمنتصب يخرج المرفوع ولو نائب فاعل. فلا يسمى مفعولاً في الاصطلاح خلافاً لظاهر الأشموني واعلم أن بين المصدر والمفعول المطلق عموماً وجهان يجتمعان في ضربته ضرباً. وينفرد المصدر في ضربك ضرب أليم، والمفعول فيما ينوب عن المصدر مما سيأتي. فإن لم يعتبر هذا النائب، وجعل المفعول هو المصدر المقدر نظراً للأصل، فالمصدر أعم مطلقاً.
قوله: (توكيداً لعامله) أي لنفس عامله إن كان مصدراً مثله، وإلا فيؤكد مصدر عامله ليتحد المؤكد مع المؤكد كما هو شرط التأكيد اللفظي الذي هذا منه. فمعنى قولك: ضربت ضرباً أحدثت ضرباً ضرباً كما أفاده الدماميني والرضي. فإن قلت كيف يكون لفظياً مع قول النحاس؟ أجمع النحاة أن توكيد المصدر يدفع المجاز كالمعنوي نحو: وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيماً} أي بذاته لا بترجمان أجيب بأن ذلك ليس خاصاً بالمعنوي بل يكون في اللفظي أيضاً كما في المطول نحو قطع اللص الأمير الأمير.
قوله: (أو بياناً الخ) أي مع كونه مؤكداً أيضاً فالنوعي والعددي مؤكدان، وإن كان القصد منهما بالذات البيان. وأما القسم الأول فللتوكيد لا غير. فهو لا يجامع غيره، وأما الباقيان فيجتمعان في: ضربت ضربني الأمير.
قوله: (غير مقيد بحرف) أي لأنه المفعول الحقيقي لفاعل الفعل. إذ لم يوجد من الفاعل إلا ذلك الحدث بخلاف سائر المفعولات فإنه لم يوجدها، وإنما سميت بذلك باعتبار إلصاق الفعل بها أو وقوعه لأجلها أو معها فلذلك لا تسمى به إلا مقيدة بما ذكر. فالأحق بالذكر أولاً هو المفعول المطلق، وإنما قدم المفعول به في باب تعدي الفعل استطراداً لا قصداً، وعد اجتماعها ترتبت على ما في قوله:
مَفَاعِيلَهُمْ رَتِّبْ فَصَدِّرْ بِمُطْلَقٍ
وَثَنِّ بِهِ فِيه لَهُ مَعْهُ قَدْ كَمَلْ
تَقُولُ: ضَرَبْتُ الضَّرْبَ زَيْداً بَسَوْطِهِ
---
نَهَاراً هُنَا تَأْدِيبُه وامرأً نكَلْ(1/413)
قوله: (بمثله) أي المصدر من حيث هو المذكور في قوله: المصدر اسم الخ. وكذا الضمير في قوله وكونه. وإما ضمير نصب فراجع له بقيد كونه مفعولاً مطلقاً ففيه استخدام بالنسبة لهذا. والمراد مثله معنًى ولفظاً. وإما يعجبني إيمانك تصديقاً وقعدت جلوساً على ما صححه الناظم من أنه منصوب بالمذكور فمن باب النيابة. وستأتي في أفرح الجذل، أفاده شيخ الإسلام.m
قوله: (أو فعل) أي متصرف غير ملغى عن العمل فخرج فعل التعجب وكان وأخواتها وباب ظن عند إلغائه فلا يقال زيد قائم ظننت ظناً.
قوله: (أو وصف) أي متصرف اسم فاعل أو مفعول أو بناء مبالغة لا اسم تفضيل. ولا صفة مشبهة قاله الشاطبي وأما قوله:
216 ــــ أَمَّا المُلُوكُ فَأنتَ اليَوْمَ أَلاَمُهُمْ
لَؤْماً وَأَبْيَضُهُمْ سِرْبَالَ طَبَّاخِ
فناصب لؤماً محذوف أي تلؤم لؤماً وألحق ابن هشام الصفة المشبهة باسم الفاعل كقول النابغة:
217 ــــ وَأَرَانِي طَرِبَاً فِي إِثْرِهِمْ
طَرَبَ الوَالِهِ أو كالمُخْتَبَلْ
قوله: (مشتقان منه) الاشتقاق ردُّ لفظ إلى آخر لمناسبة بينهما في المعنى ــــ ولو مجازياً ــــ مع اتفاقهما في الحروف الأصول فإن اتفقا في كلها على الترتيب فاشتقاق صغير كناطق ونطق بمعنى التكلم حقيقة. أو الدلالة مجازاً، وإن اختلفا ترتيباً فقط فاشتقاق كبير في جبذ وجذب، وإن اختلف فيهما بعض الأصول فاشتقاق أكبر. كثلم من الثلم فعلم أن مناسبة المعنيين شرط في الجميع.
---(1/414)
قوله: (إن الفعل أصل) أي لأنه يعمل في المصدر ويؤثر فيه فكان أصلاً لقوته، ورد بأن الحرف يؤثر في الاسم مع أنه ليس أصلاً له. والمراد الفعل المضارع على الأصح عندهم لسبق زمانه على التحقيق، فترجع لأن الماضي كان قبل وجوده مستقبلاً. وحين وجوده حالاً وبعده ماضياً، وقيل الماضي هو الأصل لسبقه بمضى زمنه، ويرجح الأول أنه فرض الأوصاف الثلاثة في زمن واحد، وهذا في زمنين مختلفين. والظاهر أن غير الأصل من الفعل مأخوذ منه كالمصدر. وكذا الوصف، وأما الأمر عندهم فقطعة من المضارع، لا قسم برأسه.
قوله: (والوصف مشتق من الفعل) أي فهو فرع الفرع.
قوله: (وذهب ابن طلحة) هو شيخ الزمخشري، وانظر ما أصل الوصف على هذا.
قوله: (يبين) أي المصدر بقيد كونه مفعولاً مطلقاً أو الضمير للمفعول المطلق في الترجمة.
قوله: (مبيناً للنوع) أي لكونه مضافاً أو موصوفاً كما مثله، أو محلى بأل العهدية كسرت السير أي المعهود بينك وبين مخاطبك فهو ثلاثة أقسام، ويسمى المختص أيضاً لاختصاصه بما ذكر، والتحقيق أن المعدود مختص أيضاً لتحديده بالعدد المخصوص. ولذا جعل في التسهيل المفعول المطلق قسمين: مبهم وهو المؤكد، ومختص وهو قسمان: معدود ونوعي. واعلم أن النوعي إن كان مضافا كان من باب النيابة على التحقيق لاستحالة أن يفعل الإنسان فعل غيره. وإنما يفعل مثله فالأصل سيراً مثل سير ذي رشد، فحذف المصدر ثم صفته، وأنيب المضاف إليه منابها كما حققه الدماميني. ولا يرد ذلك على المصنف لأن مراده تمثيل النوعي بقطع النظر عن كونه أصلاً أو نائباً، وأما ذو أل فالظاهر أنه قد يكون كذلك كما إذا قصدت تشبيه سيرك الآن بسير سابق معهود للمخاطب سواء كان منك أو من غيرك، وقد يكون أصلياً كأن قصدت الإخبار عن ذلك السير المعهود الذي وقع منك بعينه استحضاراً لصرته فتدبر.
---(1/415)
قوله: (وقد ينوب عنه) أي عن المصدر المتأصل في المفعولية، وهو ما كان من لفظ عامله لا عن مطلق المصدر حتى يلزم كون النائب غير مصدر فلا يرد أن الجذل في مثاله بفتح الجيم والذال المعجمة مصدر جذل كفرح وزناً ومعنًى. وظاهر كلامه أن المرادف منصوب بالفعل المذكور، وهو مذهب المازني والسيرافي والمبرد، واختاره المصنف لاطِّراده. وأما مذهب سيبويه والجمهور من أنه منصوب بفعل مقدر من لفظه أي: فرحت وجذلت جذلاً، فلا يطرد في نحو: حلفت يميناً، إذ لا فعل له مع أن الأصل عدم التقدير بلا ضرورة ملجئة، قاله الرضي.
قوله: (قد ينوب الخ) جملة ما ذكره الشرح من ذلك سبعة: الكلية والبعضية والمرادف والإشارة والضمير والعدد والآلة. أما المرادف فينوب عن المؤكد والمبين كما أشار له الشرح، وكذا الإشارة والضمير كما في الروداني، والباقي عن المبين فقط وبقي مما ينوب عنهما اسم المصدر غير العلم كاغتسلت غسلاً، وتوضأت وضوء العلماء، والملاقي للمصدر في الاشتقاق بأن يشاركه في مادته إما مع كونه مصدر فعل آخر كَتَبَتَّلْ إِلَيهِ تَبْتِيلاً}، فإنه مصدر لبتَّل كقدس. وقد ناب عن مصدر تبتل، وهو التبتل كالتجمل أو مع كونه اسم عين كـ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً}
(النساء:149)
---(1/416)
وأنبتها نباتاً حسناً} فنباتاً اسم للنابت من زرع أو غيره، وقد ناب عن إنباتاً، وقال سيبويه إنه مصدر جارٍ على غير فعله أي فيكون من الأول لأنه في الأصل مصدر لنبت سمي به لنابت كما نص عليه غير واحد، فيصح فيه الاعتباران. والظاهر صحة اعتباره أيضاً اسم مصدر لأنبت كغسلاً ووضوءاً لاغتسل وتوضإ مع أنهما مصدران لغَسَلَ ووضؤ وأما تبتيلاً فلا يمكن جعله اسم مصدر لتبتَّل لعدم نقصه عن حروف فعله كماهو شأن اسم المصدر فتأمل. وقد جعل الموضح الملاقي في الاشتقاق شاملاً للأقسام الثلاثة، أي فيكفي في النيابة ملاحظة الملاقاة بقطع النظر عن كونه اسم مصدر أو غيره، وبقي مما ينوب عن المبين فقط نوعه كرجع القهقرى، وصفته كَسِرْتُ أحسن السير، وهيئته كيموت الكافر ميتة سوء، ووقته كقوله:
223 ــــ ألَمْ تَغْتَمِضْ عَيْنَاكَ ليلَة أرْمَد(2)
أي اغتماض ليلة أرمد، وما الاستفهامية نحو: ما ضربت زيداً؟ أي أيَّ ضرب ضربته، وما الشرطية نحو: ما شئت فاجلس، أي أيَّ جلوس شئت فاجلس، وجملة ذلك ستة عشر منها ستة عنهما، وعشرة عن المبين، لكن لم أر نصاً في إنابة مصدر فعل آخر عن المبين، والظاهر جوازه كتبتل إليه تبتيل الخائفين.
قوله: (ذلك الضرب) أي المعهود للمخاطب كإن عُلم الضرب، وجُهل فاعله فأخبرته بأنه أنت فيكون مثالاً للمبين وظننت ذاك، مثال للمؤكد لعوده لمصدر المبهم المفهوم من الفعل، وقد ينوب عن النائب كأن يقال: ضرب الأمير زيداً، فتقول: ضرب اللص ذلك الضرب، أي ضرباً مثل ذلك لأن فعل الأمير لا تفعله أنت فحذف الموصوف وأنيب عنه الصفة، ثم الصفة، وأنيب عنها الإشارة.
---(1/417)
قوله: (نحو ضربته زيداً) إن رجع الضمير إلى مصدر الفعل المبهم فمؤكد، لأنه لو صرح بالظاهر لم يفد إلا التوكيد، وإن رجع إلى مصدر معهود لدلالة المقام فنوعي. فقول الشرح أي الضرب يحتمل جعل أل فيه للجنس وللعهد، ومحل ذلك ما لم يجعل زيداً بدلاً مفسراً للضمير، وإلا كان مفعولاً به لا مطلقاً وهكذا قوله:
224 ــــ مِنْ كُلِّ ما نَالَ الفَتَى قَدْ نِلْتُهُ(3)
وقوله:
225 ــــ هَذَا سُرَاقَةُ لِلقُرْآنِ يَدْرُسُهُ(3)
أي نلت النيل، ويدرس الدرس فيحتمل المؤكد، والنوعي بالطريق المذكور، وأما: لا أعذبه أحداً من العالمين، فنوعي لا غير لرجوعه لعذاباً قبله بمعنى تعذيباً عظيماً، لأن تنوينه للتعظيم، والأصل: أعذبه أي من يكفر تعذيباً عظيماً لا أعذب تعذيباً مثله أي التعذيب المذكور أحداً لأن تعذيب من يكفر لا يقع على غيره حتى يصح نفيه فحذف الموصوف، وأناب عنه صفته وهي مثله، ثم حذفها وأناب المضاف إليه وهو التعذيب منابها، ثم حذفه وأناب عنه ضميره، أفاده في التصريح وغيره، فتأمل.
قوله: (والآلة) أي إذا كانت في العادة آلة لذلك الفعل فلا يقال: ضربته خشبة.
قوله: (مقامه) أي في إعرابه وإفراده وتثنيته وجمعه كضربته سوطين وأسواطاً.
قوله: (غيره) تنازعه الفعلان قبله، فأعمل فيه الثاني، وحذف ضميره من الأول لكونه فضلة، وحذف مفعول أفرد لدلالة ما قبله، ودفع به توهم امتناع الإفراد من الأمرين قبله. ولا يغني عنه قوله: فوحد أبداً من حيث أن مفهومه أن غير المؤكد لا يوحد أبداً لأن هذا المفهوم كما يحتمل نفي التأييد أي لا تدم توحيد غير المؤكد يحتمل تأييد النفي أي لا توحده في وقت أبداً. فاندفع الاعتراض بأن الإفراد هو الأصل فلا حاجة لذكره، سم.
---
قوله: (بمثابة تكرير الفعل) فيه أنه ليس مؤكداً للفعل نفسه، بل للمصدر المفهوم منه كما مر. فالأولى أن يقول لأن المقصود به الجنس من حيث هو، قليلاً أو كثيراً. كما أن المصدر الذي تضمنه الفعل كذلك.(1/418)
قوله: (فالمشهور الخ) أي بدليل قوله: وَتَظُنُّوا بِ الله الظّنُونَا}
(الأحزاب:10)
والألف زائدة تشبيهاً للفواصل بالقوافي، تصريح.
قوله: (متسع) أي اتساع، مبتدأ خبره في سواه أي وفي حذف عامل سواه اتساع أو المعنى، والحذف في سواه متسع فيه فيكون خبراً لمحذوف دل عليه ما قبله.
قوله: (لا يجوز حذف عامله) أي ولا تأخيره، بخلاف النوعي والعددي فيهما.
قوله: (لتقرير عامله) أي دفع المجاز عنه لكون المجاز لا يؤكد، وقوله: وتقويته أي تثبيت معناه في النفس بواسطة تكرره، ولا يرد، قوله تعالى: وَمَكَرْنَا مَكْراً}
(النمل:50)
وقوله:
بكى الخَزُّ مِنْ عَوفِ وأنْكرَ جِلْدَهُ
وعجَّتْ عَجِيْجا مِنْ جُذَامِ المَطارفِ
حيث أكد المكر والعجيج أي التصويت بالمصدر مع أنهما مجازان عن المجازاة والمباينة، والمطارف هي الثياب الرقيقة لأن محل عدم تأكيد المجاز إذا كان يحتمل الحقيقة أيضاً كقتلت قتلاً، لا فيما هو مجازاً قطعاً كما في القسطلاني على البخاري فالمتعين للمجاز يؤكد كالآية والبيت، وما يحتملها لا يؤكد إلا إذا استعمل في حقيقته لأن تأكيده يدفع احتمال المجاز عنه نحو: وَكَلَّمَ الله مُوسَى تَكْلِيماً}
(النساء:164)
.
قوله: (فيحذف عامله) أي لدلالته على معنًى زائد على العامل، فأشبه المفعول به وهو يحذف عامله.
قوله: (وقول ابن المصنف) مبتدأ خبره قوله الآتي ليس بصحيح، وقوله: إن قوله وحذف الخ مقول ابن المصنف، وسهو خبر إن، والضمير في منه للناظم.
---(1/419)
قوله: (لأن قوله ضرباً زيداً الخ) هذا أحد دليلين لابن المصنف، وحاصله أن عامل المؤكد قد سمع حذفه، جوازاً في نحو: أنت سيراً، ووجوباً في نحو: أنت سيراً سيراً، وما أنت إلا سيراً وضرباً زيداً وغير ذلك مما سيأتي فمنعه من حذفه هنا إما سهو عن ورود هذا، وإما للبناء على أن ذلك من المصدر المختص لا المؤكد وهي دعوى بلا دليل. الثاني إن تعليل المصنف بأن القصد به التقرير والتقوية المنافي للحذف إن أراد أن المقصود منه ذلك دائماً فممنوع، ولا دليل عليه. وإن أراد أنه قد يقصد به ذلك، وقد يقصد به مجرد التقرير فمسلم. ولكن لا نسلم أن الحذف منافٍ لذك القصد لأنه إذا جاز أن يقرر معنى عامل مذكور فليقرر المحذوف لقرينة بالأولى ا هـ. وأجاب الشاطبي عن الأول بما في الشرح وسيأتي ما فيه، وعن الثاني بأن الحذف مناف للتأكيد مطلقاً لأنه إذا قصد تقرير العامل فقد قصد الإتيان بلفظ آخر يقرر معنى اللفظ الأول فيكون معتنى به، وحذفه يقتضي طرحه وعدم الاعتناء به فيتنافيان. ا هـ فالأولوية ممنوعة لكن قد تقدم أن الخليل وسيبويه يجيزان الجمع بين الحذف والتأكيد فلا ينهض ذلك جواباً عنهما، وقد اعترف الشاطبي بأن نحو: أنت سيراً للتأكيد مع ما فيه من الحذف فمنازعة ابن الناظم قوية. فالأولى التزام أن هذه الأمثلة من المؤكد كما قاله ابن هشام إنه الحق، وهي مستثناة من امتناع الحذف لنكات تأتي، ويدل على الاستثناء قوله: والحذف حتم الخ. فلا تردد على الناظم لا يقال لا دليل على استثناء: أنت سيراً لأنه لم يذكره، لأنا نقول: يشير إليه مفهوم قوله كذا. مكرر.
قوله: (لأنه واقع موقعه) أي ففائدته النيابة عن فعله، وإعطاؤه معنا لا تأكيده، وإلا كان مؤكداً لنفسه وهو باطل.
---(1/420)
قوله: (ليست من باب التأكيد) أي بل هي قسم برأسه. فالمصدر إما مؤكد أو نوعي أو عددي أو بدل من فعله، ولا ضرر في زيادة ذلك على قوله: توكيداً، أو نوعاً الخ أو أن المراد ليست منه الآن بعد النيابة، وإن كانت منه اصالة.
قوله: (عدم جواز الجمع) قد يقال إن ذلك لعارض نيابتها لا بالنظر لذاتها، وأيضاً لا يأتي في نحو: أنت سيراً، لأن الحذف فيه غير واجب فالأولى الجواب بما مر.
قوله: (ومما يدل الخ) فيه أن من قال: يعمل النائب يحتمل أنه يراه من المؤكد، ولكن اختص بمزية اقتضت عمله وهي نيابته عن فعله فتأمل.
قوله: (بدلاً من فعله) أي عوضاً عن اللفظ به أي عن التلفظ بفعله، ولو المقدر في المصدر الذي لا فعل له كَبَلْهَ بمعنى تركاً في قوله يصف السيوف:
226 ــــ تَذَرُ الجَماجِمَ ضَاحياً هاماتها
بَلْهَ الأَكُفّ كأنَّها لم تُخْلَقِ
أي ترك الأكفِّ في رواية خفض الأكف بالإضافة فبله، إما منصوب بفعله المهمل، وإن لم يصح النطق به، أو بفعل أمر مرادف لفعله المهمل وهو اترك عند الجمهور أي اترك ذكر الأكف بله أي تركاً أما رواية نصب الأكف فبله اسم فعل بمعنى ترك. ومثل ما ذكره يقال في ويحه وويله وويسه وويبه وهي بحسب الأصل كنايات عن العذاب والهلاك فتقال عند الشتم والتوبيخ، ثم كثرت حتى صارت كالتعجب يقولها الإنسان لمن يحب ويبغض وقيل إن ويح وويس كلمتا رحمة، وويل وويب للعذاب، فهي مفاعيل مطلقة لفعل مهمل أو لفعل من معناها أي أحزنه الله أو أهلكه أو رحمه مثلاً، وقيل منصوبه على المفعول به والتقدير: ألزمه الله ويله، وفي الإيضاح أن المصدر في نحو: ضربا زيداً وقياماً لا قعوداً مفعول به أيضاً عند سيبويه أي الزم ضرباً الخ. أي فكونه بدلاً من فعله إنما يظهر عند غير سيبويه القائل بأنه مفعول مطلق.
قوله: (في الأمر والنهي) أي سواء تكرر كقوله:
227 ــــ فَصَبْراً في مَجالِ المَوتِ صَبْراً
فَمَا نَيلُ الخُلودِ بِمُسْتَطَاعِ
---(1/421)
أم لا كما مثله، وخص ابن عصفور الوجوب التكرار ليقوم مقام العامل.
قوله: (أي قم قياماً لا تقعد الخ) اعترض بأن حذف مجزوم لا الناهية ممنوع، فالأولى في التخلص عن ذلك أن يجعل قياماً مفعولاً به لفعل محذوف، ولا قعوداً عطف عليه أي افعل قياماً لا قعوداً، وأما جعل أبي حيان لا نافية للجنس، وقعوداً اسمها نوِّن شذوذاً فتكلف. مع أنه يحتاج، كما قاله الدماميني، إلى جعله خبراً بمعنى النهي. أفاده الصبان. وعلى هذا فليس المثال مما نحن فيه فلا يوجد مثال للمصدر الواقع بدلاً من فعله في النهي مع أنهم صرحوا بوقوعه فيه، ولا يبعد أن يخص المنع من حذف مجزوم لا الناهية بما إذا لم يقم المصدر مقامه بدليل ما ذكروه هنا فتأمل.
قوله: (نحو سقياً لك) الجار هنا لبيان مفعول المصدر وفي: سحقاً لزيد وبعد له، لبيان فاعله فهو متعلق بأعني محذوفاً أي لك أعني، أو خبر لمحذوف وجوباً أي إرادتي أو دعائي لك. وعلى كلَ فالكلام جملتان. وتقدم لذلك مزيد في الابتداء، ويجوز في نحو ذلك رفع المصدر بالابتداء خبره الظرف بعده، ويكون المسوغ له معنى الفعل كـ سَلاَمٌ عَلَى آل يس}
(الصافات:130)
---(1/422)
وأما المصدر المضاف نحو: بعدك وسحقك فلا يرفع لعدم خبر له، وأما ذو أل فرفعه أحسن كالويل له والخيبة لكن إدخال أل سماعي عند سيبويه فلا يقال السقي له لعدم سماعه، وقاسه الفراء والجرمي كما في الهمع: ومقتضى التسهيل رفع المضاف أيضاً وهو الأوجه إذ لا مانع من تقدير خبره ويجوز الرفع أيضاً في المكرر والمحصور والمؤكد نفسه وغيره. لكن على الخبرية كما في التسهيل نحو: له علي ألف اعتراف وزيد قائم حق أي هذا اعتراف وحق، وكذا في المفيد خبراً سواء كان إنشائياً كعجب لتلك قضية، وقول الأعرابي: حمداً لله وثناء عليه لما قيل له كيف أصبحت أي أمري عجب وشأني حمد الله أو غير إنشائي كأفعل، وكرامة أي ولك كرامة ا هـ قال الصبان: والظاهر أن ما للتفصيل كذلك، والأوجه اطراد الرفع فيما ذكر، كما يفيده كلام ابن عصفور.
قوله: (وكذلك يحذف الخ) مقتضى صنيعه أو الواقع بعد الاستفهام، وفي الخبر ليسا من الآتي بدلاً عن فعله وقوله الآتي: والمصدر نائب منابه الخ، نص في أنهما منه، ففي عبارته قلاقة. والثاني هو الصواب؛ فالآتي بدلاً نوعان: طلبي وخبري؛ فالأول هو الواقع أمراً أو نهياً أو دعاء. أو توبيخاً، وهذا النوع مقيس على الصحيح بشرط أن يكون له فعل من لفظه وأن يكون مفرداً منكراً وإلا كان سماعياً كويله. والخبري إما مسموع، ولم يتعرض له المصنف. ومثله الشارح بقوله: افعل وكرامة، وإما مقيس وهو ما ذكره بقوله: وما لتفصيل إلى آخر الباب. فكل ذلك بدل عن فعله خلافا لما يقتضيه الشرح.
---(1/423)
قوله: (في الفعل المقصود به الخبر) المراد بالخبر ما قبل الطلب فيشمل الإنشاء غير الطلبي كقولهم عند تذكر النعمة: حمداً وشكراً لا كفراً، وعند تذكر الشدة: صبراً لا جزعاً، وعند ظهور معجب: عجباً، وعند الامتثال: سمعاً وطاعة، أي حمدت حمداً وشكرت شكراً وصبرت صبراً الخ. فالمقصود في ذلك الإنشاء لكن جعلوها من قسم الخبر نظراً للفظ العامل. وعن ابن عصفور أنها أخبار لفظاً ومعنًى، والمراد بقلة الحذف في ذلك قصره على السماع، فإن المصدر الخبري خمسة أنواع، أربعة منها قياسية وهي المذكور بقوله: وما التفصيل الخ، وواحد سماعي وهو هذا، وضابطه أن يدل على عامله دليل، ويكثر استعماله في كلامهم كهذه الأمثلة، ومثال الشرح. فالعامل في جميعها محذوف وجوباً لكثرة دورانها في كلامهم كذلك فلا تغير عما وردت كالأمثال، ولا يتجاوز مورد السماع، وإنما يجب الحذف في حمد أو شكر إلا كفراً عند اجتماع الثلاثة فلا اعتراض بأنه يقال: حمدت حمداً، وشكرت شكراً على أن الكلام بذكر الفعل يكون خبراً، وكلامنا عند قصد الإنشاء. وحينئذ يكون المصدر والفعل متعاقبين فلا يجمع بينهما كذا قال الدماميني نقلاً عن الشلوبين، والظاهر أن صبراً لا جزعاً وسمعاً وطاعة، كذلك فوجوب الحذف خاص باجتماعهما، أو عند قصد الإنشاء هذا. وللرضى تفصيل آخر حيث قال: الذي أرى أن هذه المصادر وأمثالها إن لم يأت بعدها ما يميزها ويبين ما تعلقت به من مجرور بحرف أو بإضافة المصدر إليه فليست مما يجب حذف فعله، بل يجوز ذكره كحمدت حمداً وشكرت شكراً وسقاك الله سقياً. وأما ما بين فاعله بإضافة نحو: كتاب الله وسنة الله ووعد الله وصبغة الله وحنانيك ودواليك، أو بحرف جر كسحقاً لك أي بعداً، وبؤساً لك أي شدة، أو بين مفعوله بإضافة كضرب الرقاب وسبحان الله ولبيك وسعديك ومعاذ الله، أو بحرف كحمداً لك وشكراً وعجباً منك، فيجب حذف الفعل في جميع هذا قياساً، والمراد بالقياس أن يكون هناك ضابط كلي بحذف(1/424)
---
الفعل حيث وجد وهو ما سمعته من ذكر الفاعل أو المفعول لا لبيان النوع احترازاً من نحو: وَمَكَرُوا مَكْرَهُمْ}
(إبراهيم:46)
و سَعَى لَهَا سَعْيَهَا}
(الإسراء: 19)
ثم علل ذلك فانظره.
قوله: (على حين الخ) وقبله:
228 ــــ يمرُّنَ بالدَّهْنَا خِفافاً عِيَابُهمْ
ويَرْجِعْنَ من دارِينَ بُجْرَ الحَقَائِبِ(2)
والدهنا بفتح المهملة ودارين بكسر الراء موضعان والضمير في يمرون للصوص، وكذا في يرجعن وأنثه تحقيراً لهم وعيابهم جمع عيبة بفتح المهملة وهي كالحقائب أوعية الثياب والزاد ونحوهما وبجر بضم الموحدة وسكون الجيم جمع بجراء كحمر وحمراء، أي ممتلئة حقائبهم بعد خلوها وعلى حين يروي بالفتح على البناء لإضافته لجملة ألهى، وبالجر على الإعراب والظاهر أنه متعلق بقول محذوف أي فيقولون ندلاً حين ألهى الخ، والمال مفعول به لندلا أو لفعله المحذوف أي اختطف المال.
قوله: (وزريق اسم رجل) لا ينافي قول العيني اسم قبيلة لاحتمال تسميتها باسم أبيها.
قوله: (وما لتفصيل الخ) عطف على ندلاً فهو مثال ثان للآتي بدلاً من فعله، وكذا ما بعده فقوله: عامله بحذف تأكيد لمفاد عطفه على المثال، وليست ما مبتدأ خبرها ما بعدها لئلا يوهم أنه قسيم للآتي بدلاً من فعله مع أنه منه.
قوله: (لعاقبة ما تقدمه) أي للفائدة المرتبة عليه، والحاصلة بعده سواء كانت عاقبة طلب كالآية فإن طلب شد الوثاق يترتب عليه ما فصله بالمصادر بعده أو خبر كقوله:
229 ــــ لأجْهَدَنَّ فإِمَّا رَدَّ وَاقِعَةٍ
تُخْشَى وإمَّا بُلوغَ السُّؤْلِ والأَمَلِ(2)
---
فلأجهدن جواب قسم مدلول عليه باللام، وهو خبر فصل بعده ما يترتب عليه، واحترز بالقبلية عن نحو: إما إهلاكاً أو تأديباً فاضرب زيداً فيجوز إظهار فعله، وقيد ابن الحاجب ما قبله بكونه جملة، فلا يجب الحذف فيما فصل به مفرد قبله كلزيد سفر فإما صحة، أو اغتناماً لقيود ثلاثة تفصيل العاقبة. وكونها عاقبة جملة، وتقدمها.s(1/425)
قوله: (إذا أثخنتموهم) أي أكثرتم فيهم القتل، فشدوا الوثاق أي فأمسكوا عن القتل، واسروهم وشدوا وثاقهم أي ما يقيدون به.
قوله: (كذا مكرر) أي مرتين فأكثر.
قوله: (ورد) أي المذكور من المكرر والمحصور لأن الجملة نعت لهما، ونائب حال من فاعله، ولاسم عين متعلق باستند. وهو صفة لفعل كما استظهره المعرب، وجعلها المكودي نعتاً ثانياً لمكرر وما عطف عليه.
قوله: (اسند الخ) يستفاد منه أن شروط وجوب الحذف ثلاثة: كون عامله خبراً أي ولو منسوخاً كإنَّ زيداً سيراً سيراً، وكون المبتدأ اسم عين، وتكرار المصدر أو حصره، ويقوم مقامهما دخول الهمزة على المبتدإ نحو: أأنت سيراً، والعطف عليه كأنت أكلاً وشرباً كما في التصريح، ويشترط أيضاً استمراره إلى الحال كما نصوا عليه لا منقطعاً ولا مستقبلاً، وإنما اشترط اسم العين ليؤمن معه من توهم خبرية المصدر إذ لا يخبر عنها إلا بتأويل فيحتاج للفعل بخلاف اسم المعنى، فيرفع المصدر بعده على الخبرية لصحتها بلا تأويل كأمرك سير، ومقتضى ذلك أن اسم المعنى إذا لم يصح المصدر خبراً عنه إلا بالتأويل كاملك نقصان وشغلك زيادة يصح فيه النصب. ويجب حذف الفعل مع التكرار على تقدير أملك ينقص نقصاناً ويزيد زيادة. وحينئد ففي مفهوم قوله لاسم عين تفصيل، يس.
قوله: (صرفا) نعت لحقاً، وهو صالح لتوكيد الجملة بانفراده، فكأنهما مثالان في مثال واحد.
---
قوله: (لا تحتمل غيره) إن أراد أنها لا تفيد معنًى حقيقياً غير معنى المصدر فما بعده كذلك، أو أنها لا تفيد معنى غيره ولو مجازياً فممنوع سم أي لاحتمال كونها للتهكم مجازا إلا أن يراد: لا يحتمل غيره احتمالاً قريباً، والتهكم بعيد صبان. والأصح منع تقديم هذا المصدر كالذي بعده على الجملة، وتوسطه بين جزأيها لأنها دليل العامل فلا يفهم إلا بتمامها، وأما قولهم: أحقاً زيد منطلق، فحقاً ظرف لا مصدر كما نص عليه.(1/426)
قوله: (هي نفس المصدر) فيه تسمُّح، والمراد أن التكلم بها هو نفس الاعتراف، ونص فيه فالمصدر مؤكد للاعتراف الذي تضمنته الجملة فصار مؤكداً لنفسه كما في: ضربت ضرباً، ولا يشكل ذلك على قوله، وحذف عامل المؤكد امتنع لما مر أن هذا مستثنى منه، أو يقال لما دلت الجملة على العامل كان كأنه مذكوراً لقيامها مقامه.
قوله: (أنت ابني حقاً) مثله لا أفعله ألبتة. فالبتة مصدر حذف عامله وجوباً، والتاء للوحدة، والبت القطع أي أقطع بذلك القطعة الواحدة أي لا أتردد، ثم أجزم مرة أخرى، وكان اللام للعهد أي القطعة المعلومة التي لا تردد معها، ولا يجوز حذف أل على المشهور. ولم يسمع فيها إلا قطع الهمزة والقياس وصلها، تصريح. وإنما كان مثله لأن ألبتة محقق لاستمرار النفي قبله بعد احتماله الانقطاع.
---
قوله: (يحتمل أن يكون حقيقة) مقتضاه أن حقاً هنا بمعنى حقيقة، فيكون رافعاً لاحتمال المجاز. أما إذا كان بمعنى ضد الباطل فلا يرفعه بل يصح معه أن يراد بنوة العلم لكنه يرفع احتمال بطلان القضية لاحتمال الجملة قبله للصدق والكذب، فتصير به نصاً في الثبوت. وسمي مؤكداً لغيره لأن الجملة مغايرة له لفظاً ومعنًى، قاله الدماميني. قال الرضي: وهو مؤكد لنفسه أيضاً لأن الجملة تدل عليه نصاً من حيث أنه مدلول لفظها. وأما احتمالها للكذب أو المجاز فأمر عقلي لا مدلول للفظ بل هو نقيض مدلوله. وكذا جميع الأخبار فلا تفيد إلا ثبوت مدلولها في الواقع حقيقة، وأما احتمال الخبر للصدق والكذب فليس المراد به أن الكذب مدلوله كالصدق بل من حيث العقل، وحينئذ فإنما سمي هذا مؤكداً لغيره مع أنه كالأول لأنك إنما تؤكد بمثله إذا توهم المخاطب ثبوت نقيض الجملة في نفس الأمر، وغلب عنده كذب مدلولها، فكأن الجملة تحتمله له ولنقيضه فقيل مؤكد لغيره. وأما الأول فلا يؤتى به لمثل هذا الغرض.(1/427)
قوله: (كلي بكا) ينبغي جعله صفة لجملة أي بعد جملة كائنة كهذه، ليكون مشيراً لباقي الشروط. والبكا بالقصر إسالة الدمع، وبالمد رفع الصوت، وقيل لغتان في كل كما في المصباح، وعلى الأول يحتاج لارتكاب الضرورة في قصر الأول، أو مدّ الثاني، وإلا ورد أن الجملة لم تحوِ معنى المصدر لكن يرد أنها لم تحو فاعل المصدر المنصوب إذ فاعله ذات عضلة؛ أي ممنوعة من النكاح وهي غير الياء في لي، ويدفعه أن المعنى لي بكاء مثل بكائها، أو صاحب المثل هو المتكلم، والعضلة أيضاً الداهية يقال إنه لعضلة من العضل أي داهية من الدواهي.
قوله: (إذا قصد به التشبيه الخ) جملة الشروط سبعة: كونه مصدراً، ومشعراً بالحدوث، وقصد به التشبيه، وبعد جملة مشتملة على فاعله، وعلى معناه. وليس فيها ما يصلح للعمل ذكر الشارح منها ثلاثة، وترك الباقي. وستعلم محترزها.
---
قوله: (الثكلى) بفتح المثلثة مقصوراً أي الحزينة لفقدها ولدها. يقال: ثكلت ولدها إذا فقدته.
قوله: (تشبيهي) أي لكون المعنى مثل صوت حمار، ولذا كان في الجملة قبله معناه وفاعله لأن فاعل المثل هو زيد، وهو أيضاً مشعر بالحدوث لكونه مصدر صات يصوت إذا صاح فهو بمعنى التصويت أي إخراج ما يسمع، وإحداثه لا بمعنى المسموع خلافاً للمرادي، وليس في الجملة قبله ما يصلح لعمله لما سيأتي فاستوفى الشروط. ومثله مثال المصنف، ونحو: له ضرب ضرب الملوك. واعلم أن هذه الشروط لوجوب حذف الناصب إذا نصب، ويجوز معها رفعه بدلاً مما قبله أو صفة له بتقدير مثل أو خبر المحذوف. وهل النصب حينئذ أرجح أو هما سواء؟ قولان.(1/428)
قوله: (بفعل محذوف وجوباً)أي لا بالمصدر الذي في الجملة لأن المصدر لا يعمل إلا إذا كان بدلاً من فعله. أو مقدراً بالحرف المصدري، وليس هذا كذلك أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأنه مبتدأ، والأصل فيه الاسم الصريح كذا قيل وفيه نظر. لاقتضائه منع عمل كل مصدر وقع مبتدأ، وهو ممنوع. وعلل المرادي مثال الصوت بأن الأول (فيه) بمعنى ما يسمع فليس مصدراً حتى يعمل، وفيه ما مر مع قصوره، وقال في الشذور لأن الصوت الأول لم يرد به الحدوث حتى يقدر بالفعل بل المعنى في قولك: مررت. فإذا له صوت صوت حمار إنك مررت به، وهو في حال تصويته فلذا قدروا للثاني ناصباً ا هـ أي، واشتراط الإشعار بالحدوث إنما هو في الثاني المنصوب فلا تنافي فليتأمل هذا. وقال الناظم اشتراط ذلك في عمل المصدر غالب لا لازم، فعليه يجوز النصب بالمصدر الذي في الجملة بلا تقدير فعل، وهو ظاهر كلام سيبويه في هذا المثال، قاله الرضى.
قوله: (وجب الرفع) أي خبراً لما قبله.
---
قوله: (وكذا) أي يجب الرفع لكن ليس خبراً لما قبله بل بدل منه، أو نعت بتقدير مثل أو خبر لمحذوف أي هو بكاء الخ والمراد بوجوب الرفع عدم المفعولية المطلقة فلا ينافي جواز النصب على الحال إن وجد مسوغة كالمثال الآتي، لأنه حال من المستكن في الظرف. ومما لم يشتمل على الفاعل قولهم: عليه نَوْح نوح الحمام، لأن ضمير عليه للمنوح عليه لا للنائح. وكذا يجب الرفع إذا عدم المصدر كلَهُ يد يد أسد، أو لم يشعر بالحدوث كله ذكاء ذكاء الحكماء، لأن الذكاء من الملكات الراسخة لا من الأفعال المتجددة بالعلاج كالضرب والتصويت، أو لم يكن للتشبيه كله صوت صوت حسن، أو لم يكن في الجملة قبله معناه كله ضرب صوت حمار أما إذا كان في الجملة ما يصلح للعمل فيه كزيد يضرب ضرب الملوك فيتعين نصبه به.
تنبيه: المراد باشتمالها على معناه ما هو أعم من أن يكون فيها لفظه أيضاً كما مر. أو معناه فقط كقوله يمدح فرساً بالضمور:(1/429)
230 ــــ مَا إنْ يَمَسُّ الأَرْضَ إِلاَّ مَنْكِبٌ
مِنْهُ وحَرْفُ السَّاقِ طيُّ المَحْمَلِ
أي بلغ في الضمور إلى حيث لو اضطجع لم تمس بطنه الأرض بل منكبه، وحرف ساقه فالمعنى أنه مدمج الخلق مدكوك بعضه في بعض، ومطوي كطيّ المحمل وهو علاقة السيف أي كدمجه في بعضه بالضفر والله أعلم.
المَفْعُولُ لَهُ
ويسمى المفعول لأجله، ومن أجله، وقدمه على المفعول فيه لأنه أدخل منه في المفعولية، وأقرب إلى المفعول المطلق لكونه مفعول الفاعل حقيقة. بل قال الزجاج والكوفيون إنه مفعول مطلق. وعكس ابن الحاجب لأن احتياج الفعل إلى الظرف أشد من العلة.
قوله: (ودن) أمر من الدّين بفتح الدال أي اقرض غيرك أو من الدين بالكسر بمعنى المجازاة أو الخضوع، وحذف علته لدلالته علة الأول. أي دن شكراً لأنه يجوز حذف المفعول له لدليل، أو أن شكراً المذكور علة لهما معاً.
---
قوله: (وقتاً) تمييز محوّل عن الفاعل أي متحد وقته، أو منصوب بنزع الخافض.
قوله: (كازهد الخ) يفيد جواز تقديم المفعول له. وهو كذلك سواء جر كمثاله أو نصب كقوله:
231 ــــ طَرِبْتُ وَمَا شَوْقاً إِلَى البِيضِ أطْرَبُ
وفيه تقديم معمول الخبر الفعلي.
قوله: (في الوقت) أي بأن يقع حدث العامل أثناء زمن المصدر كهربت جبناً، أو يقع أول العامل آخر زمن المصدر كحبستك خوفاً من فرارك، أو عكسه كجئتك إصلاحاً لحالك، تصريح.
قوله: (والفاعل) أي بأن يكون فاعل المصدر هو فاعل عامله. ولم يشترطه ابن خروف تمسكاً بقوله تعالى: يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفاً وطَمَعاً}
(الرعد:12)(1/430)
حيث أن فاعل الإراءة هو الله، والخوف من المخاطبين مع نصبه على المفعول له. ورد بأنه متحد بتأويل الخوف، والطمع بالإخافة والإطماع، أو هما حالان من المخاطبين كما قاله الزمخشري. وأما تأويله بأنه علة للرؤية من المخاطبين التي تضمنها يريكم لا للإرادة التي هي فعل الله تعالى، فيرده أن العامل الذي تتعلق به الأحكام النحوية هو يريكم لا الرؤية التي في ضمنه وأيضاً لا يظهر كون الخوف باعثاً على الرؤية لأنهم لا يرون لأجل خوفهم بل الله يريهم لأجل ذلك فتدبر.
---
قوله: (ضربت ابني تأديباً) قيل فيه تعليل الشيء بنفسه، لأن التأديب هو الضرب كما صرح به الرضي. ولا يصح تقديره إرادة تأديب لصيرورة المعنى: أدبته أو ضربته لإرادة ذلك. وفيه ركاكة لا تخفى إذ إرادة الشيء مسببة عن الباعث عليه لا إنها هي الباعث. وأجيب بأن المراد بالتأديب أثره، وهو التأدب أي ضربته لإرادة أن يتأدب، بناء على شرط اتحاد الفاعل، أو ضربته لأجل أن يتأدب، بناء على عدمه. ولا شك أن التأدب يحصل أثناء زمن الضرب أو آخره فهما متحدان وقتاً على حد: جئتك إصلاحاً لحالك. فلا حاجة لبنائه على عدم اتحاد الوقت أيضاً لكن يرد عليه أن الضرب هو سبب التأدب وعلته، فكيف يجع التأدب علة للضرب؟ ويجاب بانفكاك الجهة فوجود الضرب علة في وجود التأدب، وتصور التأدب علة في إيجاد الضرب كحفر البئر لأجل الماء، فتدبر.
قوله: (جواز النصب) أي بالفعل قبله على تقدير حرف العلة فهو من المنصوب بنزع الخافض عند جمهور البصريين، لا مفعول مطلق لفعل مقدر من لفظه أي جئتك أكرمك إكراماً كما قال الزجاج، ولا للفعل المذكور لملاقاته له في المعنى كقعدت جلوساً كما قال الكوفيون.
قوله: (إن وجدت الخ) ظاهره كالنظم إن هذه شروط لنصبه لا لتسميته مفعولاً له فيسمى بذلك عند جره. والجمهور على أن المجرور ولو مستوفياً للشروط مفعول به. وعليه فهذه شروط لتحقق ماهيته.
---(1/431)
قوله: (الثلاثة) لم يذكر كونه للتعليل الذي في المتن أي مفهماً لعلة الفعل والباعث عليه لأنه رتب على فقدها الجر بحرف التعليل وذلك ممتنع عند فقد العلية، وليس تركه إشارة للاعتراض على المتن لأن العلية محل الشروط لا شرط كما قيل لأن محل الشروط نصب المفعول له أو تحققه على ما مر لا العلية، بل هي شرط يخرج به نحو: أحسنت إليك إنعاماً عليك، لأن الشيء لا يعلل بنفسه وهي تغني عن اشتراط بعضهم كونه من غير لفظ الفعل فقول المصنف: وإن شرط فقد الخ خاص بغيرها، وبقي من الشروط كونه قلبياً فلا يجوز: جئتك قراءة للعلم، أو قتلاً للكافر، أو ضرب زيد خلافاً للفارسي. لأن الحامل على الشيء متقدم عليه. وأفعال الجوارح ليست كذلك ورده الرضي بأنه إن أراد أن الباعث يتقدم وجوداً فممنوع بنحو الماء المتأخر عن الحفر، أو تصوراً فمسلم ولا ينفعه وينقض قوله ضربت ابني تأديباً، وجئتك إصلاحاً لحالك فإنه مفعول له إجماعاً، وليس قلبياً ولا مقدم الوجود فإن قدر فيه إرادة تأديب وإصلاح قلنا فليجز: جئتك إكرامك لي، وجئتك اليوم إكراماً لك غداً، بل جئتك سمناً وعسلاً على تقدير إرادة ذلك. فظهر أن المفعول له هو الاسم المذكور لا مضاف مقدر وإنه على ضربين لأن المتقدم إما وجوده فيكون من أفعال القلوب كقعدت جبناً، أو تصوره فقط لكونه غرضاً يترتب على الفعل، ولا يلزم كونه فعل قلب كضربته تأديباً،
قوله: (وهو اللام) هي الأصل في التعليل وما بعدها نائب عنها نحو: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا}
(النساء:160)
لاختلاف الفاعل: و «دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ» لعدم المصدرية: وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنَ إِمْلاَقٍ}
(الأنعام:151)
أحلنا دار المقامة من فضله} لعدم القلبي إن قلنا باشتراطه. وإلا فمما جر مع استيفاء الشروط، وبقي مما يفهم التعليل نحو: وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ}
(البقرة:191)
---(1/432)
أي لهدايتكم، و: أسلم حتى تدخل الجنة، و: جئتك كي تكرمني وَلْتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ}
(البقرة:185)
وفي شرح اللمحة لابن هشام أن الكاف وحتى وكي لا تجر المفعول له لأنها لا تكون للتعليل إلا مع الفعل وسابكه ا هـ. وينبغي أن على كذلك ومقتضاه أن المصدر المؤول لا يقع مفعولاً له وإن أفاده التعليل.
قوله: (جئتك للسمن) مثله: وَالأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ}
(الرحمن: 10)
أي المخلوقات.
قوله: (جئتني اليوم الخ) مثله قول امرىء القيس:
232 ــــ فجئتُ وقد نَضَتْ لنومِ ثيابَها
لدى السِّتْرِ إلا لِبْسَةُ المُتَفَضِّل
ونضت بتخفيف الضاد المعجمة أي خلعت وزمنه قبل النوم.
قوله: (لاكرام عمرو له) مثله:
233 ــــ وإني لتَعرُوني لذِكْرَاكِ هَزَّةٌ
كما انتفضَ العُصْفُورُ بلَّلَه القَطْرُ
ففاعل العروّ الهزة وفاعل الذكرى المتكلم.
قوله: (ولا يشترط اتحاده الخ) هو مذهب سيبويه والمتقدمين كما في الهمع، ومر عن الرضي ترجيح كونه غير قلبي، وأجاز يونس عدم المصدرية تمسكاً نحو: أما العبيد فذو عبيد بالنصب أي مهما تذكر أحد الأجل العبيد فالمذكور ذو عبيد فلم يبق له شرط إلا العلية لكن قال سيبويه: رواية النصب رديئة جداً فلا يخرّج عليها، وجعله بعضهم مفعولاً به أي مهما تذكر العبيد الخ.
قوله: (أن يصحبها) أي الحرف المذكور في قوله فأجرره بالحرف، وأنثه لتأويله بالكلمة، وفي نسخ: أن يصحبه بالتذكير، وفي أخرى: فأجرره باللام فالتأنيث ظاهر.
قوله: (وأنشدوا) أي النحاة شاهداً لجوازه قول بعض العرب: لا أقعد الخ، فهو ليس من نظم المصنف.
قوله: (لكن الأكثر فيما تجرد الخ) أي لأنه أشبه الحال والتمييز في التنكير والتبيين.
قوله: (لا يجوز الجر) رد بقوله:
234 ــــ مَنْ أمَّكُمْ لرَغْبَةٍ فِيكُمْ جُبِرْ
ومَن تَكُونُوا نَاصِريهِ يَنْتَصِرْ(3)
---(1/433)
قوله: (فليت لي بهم) الباء للبدلية أي بدلهم، وشنوا من شنّ إذا فرق حذف مفعوله أي فرقوا أنفسهم لأجل الإغارة، أو بمعنى تفرقوا لأنهم عند الإغارة على الأعداء يتفرقون ليأتوهم من كل الجهات.
قوله: (عوراء الكريم) بفتح العين المهملة ممدوداً أي كلمته القبيحة. وكل ما يستحي منه فهو عورة، ومنه عورة الإنسان أي: إذا فلت من الكريم كلمة قبيحة سترتها لأجل ادخاره، ومثله قوله تعالى: ينْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتغَاءَ مَرْضَاتِ الله}
(البقرة:265)
ومن جره لَمَا يَهبط مِن خِشْيَةِ الله}
(البقرة:74)
قيل وَلإيلافِ قُرَيْشٍ}
(قريش:1)
فإنه علة ليعبدوا ودخلته الفاء لما في الكلام من معنى الشرط إذ المعنى فإن لم يعبدوا رب هذا البيت لسائر نعمه الكثير عليهم فليعبدوه لأجله إيلافهم رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ}
(قريش:2)
أي السفر فيهما إلى اليمن والشام مع أمنهم من القطاع والمنتهبين، واحترامهم لكونهم خدمة بيت الله بخلاف غيرهم. لكن الجر هنا متعين عند من شرط اتحاد الزمن لأن العبادة مستقبلة والإيلاف حالي، وقيل اللام متعلقة بأعجبوا مقدراً، وقيل بقوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْف مَأْكُول}
(الفيل:5)
لأن السورتين سورة واحدة، تصريح.
تنبيه: لا يجوز تعدد المفعول له نصب أو جر ومن ثم منع في قوله تعالى: وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَاراً لِتَعْتَدُوا}
(البقرة:231)
تعلق لتعتدوا بالفعل، أن جعل ضراراً مفعولاً له، أي بل هو متعلق بضراراً، وإنمايتعلق به إن جعل حالاً أي مضارين همع، والله سبحانه وتعالى أعلم.
المَفْعُولُ فِيهِ وهُوَ المُسَمَّى ظَرْفاً
أي تسمية مجازية اصطلح عليها البصريون. ولا مشاحة في الاصطلاح فلا يرد أن الظرف هو الوعاء المتناهي الأطراف، وليس هذا كذلك، وسماه الفراء محلاً والكسائي وأصحابه صفة. ولعله باعتبار الكينونة فيه ا هـ صبان.
---(1/434)
وقدمه على المفعول معه لقربه من المصدر باستلزامه له ولوصول العامل إليه بنفسه لا بحرف ملفوظ.
قوله: (وقت) أي اسم وقت، أو اسم مكان، لأن الظرف اصطلاحاً من صفات الألفاظ، وألف ضمناً إما للإطلاق إن جعلت أو للأحد الدائر على التخيير، ويرجحه أن المراد بيان حقيقة الظرف المتحققة في أحدهما أو ضمير التثنية إن جعلت تنويعية بمعنى الواو. وهو أظهر لأن كلاً منهما ظرف لا أحدهما فقط.
قوله: (أزمناً) بضم الميم جمع من كجبل وأجبل وجمعه مع أن الزمن المفرد يطلق على القليل والكثير لأنه قد يراد به قطعة خاصة من الوقت. وأفاد بالمثال جواز تعدد الظرف لعامل واحد بغير اتباع إذا اختلف جنسه. أما المتفق فلا يتعدد إلا مع اتباع الثاني للأول بدلاً كسرت يوم الجمعة سحر، أو مع كون العامل اسم تفضيل كزيد اليوم أحسن منه أمس، وفي عطف الزمان على المكان وعكسه قولان، وظاهر الكشاف منعه حيث قدر قوله تعالى وَيَوْمَ حُنَيْنٍ}
(التوبة:25)
وموطن يوم حنين أو في أيام مواطن كثيرة، ويوم حنين ووجه بعدم سماعه وبأن الفعل مقتض لكل منهما، فلا يجعل أحدهما تابعاً. كما لا يعطف الفاعل على أحد المفاعيل ولا بعضها على الآخر ولاختلافهما باشتراط الإبهام في المكان دون الزمان. ومن جوزه نظر للاشتراك في الظرفية، أفاده المغني.
قوله: (معنى في) هو الظرفية، ومعنى تضمنه له إشارته إليه لكون الحرف مقدراً في نظم الكلام. وإن لم يصح التصريح به في الظروف التي لا تتصرف. ولذلك أعرب لأن الحرف يؤدي معناه بنفسه محذوفاً لا أن معناه انتقل للظرف وصار الحرف غير منظور إليه كتضمن الاسم معنى الهمزة مثلاً حتى يقتضي بناءه فتدبر.
قوله: (باطراد) أي بأن يتعدى إليه سائر الأفعال مع بقاء تضمنه لذلك الحرف كما سيشير له الشرح فخرج وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ}
(النساء:127)
---(1/435)
لأنه وإن تضمن معنى في على قول لكن لا يطرد في غير هذا الفعل على أن النكاح ليس زماناً ولا مكاناً، فلا حاجة لإخراجه بذلك إلا أن يجعل مكاناً اعتبارياً للرغبة. لا يقال يخرج بالاطراد ما صيغ من الفعل، إذ لا ينصب إلا بمادته لأنه مستثنى من شرط الاطراد بدليل ما سيأتي. وكذا أسماء الممقادير لا تنصب إلا بأفعال السير.
قوله: (من نحو دخلت البيت) أي مما سمع انتصابه بالواقع فيه. وهو اسم مكان مختص فإنه لا ينصب إلا بما سمع معه وهو: خلت وسكنت ونزلت فلا يقال: نمت البيت مثلاً لكن في ذكره ذهبت الشأم نظر لأنه على معنى: إلى، لا في، فهو مما نصب بحذف الخافض توسعاً، لأن الذهاب لم يقع في الشام بل في طريقها إليها، وكذا: توجهت مكة فلا يأتي فيه قول الجمهور إنه ظرف حقيقة لأنه ليس مما نحن فيه، فتأمل.
قوله: (على التشبيه بالمفعول به) أي لإجراء القاصر مجرى المتعدي قاله الإسقاطي فيما سيأتي. وهذا غير القول بأنها مفعول به على التوسع بإسقاط الخافض، لأن الشارح حكاه معه فيما سيأتي.
قوله: (لم تكن متضمنة) أي فهي خارجة بالتضمن فلا يحتاج لقيد الاطراد لأن الفعل أجري مجرى المتعدي بنفسه، فنصبها بلا ملاحظة حرف أصلاً، كما لا يحتاج إليه على أنها مفعول به حقيقة.g وأما على نصبها بحذف الخافض فقال ابن المصنف لا يحتاج إليه لأنها لم تتضمن معنى في، بل لفظها. لأن المراد بالتضمن اللفظي ما يعم وجود لفظها أو ملاحظته بعد حذفه توسعاً. وأما المعنوي فهو الإشارة إلى معناها من غير توسع بحذفها سواء أمكن النطق بها أم لا، لكن المشهور أن المراد باللفظي وجود لفظها في الكلام وبالمعنوي خلافه. فقيد الاطراد محتاج إليه على هذا كما درج عليه الأشموني وأما على أنها ظرف حقيقة فلا يصح ذلك القيد، فتدبر.
---(1/436)
قوله: (وهو المصدر) فيه تسامح لأن الواقع في الظرف هو الحدث لا المصدر لأنه لفظ. وأيضاً الحدث لم يقع في الظرف اصطلاحاً وهو اللفظ بل في مدلوله، أي نفس الزمان والمكان ففي المتن حذف مضافين أي فانصبه بدال الواقع في مدلوله أي باللفظ الدال على الحدث بالمطابقة، أو بالتضمن فيدل المصدر وغيره، ويندفع اعتراض الشارح الآتي أو فيه استخدام بجعل ضمير انصِبْه للظرف الاصطلاحي، وضمير فيه لمدلوله فيستغنى عن المضاف الثاني فقط. والأول لا بد منه. والمراد بالواقع ما شأنه أن يقع فدخل: ما صمت اليوم.
قوله: (متى جئت الخ) هي لطلب تعيين الزمان خاصة، كأين في المكان، وكم لطلب تعيين المعدود زماناً أو مكاناً أو غيرهما، فهي أعم وقوعاً.
قوله: (صفة الخ) كذا يجب في المشتغل عنه كيوم الجمعة صمت فيه، ولا يقال صمته لأن ضمير الظرف لا ينصب على الظرفية بل يجب جره بفي، كما في التصريح. لكن قال الشاطبي: قد ينصب توسعاً بحذفها. وفي المسموع بالحذف كقولك لمن ذكر أمراً تقادم حينئذ الآن أي وجد ما تقوله حين إذ كان كذا واسمع الآن قولي فهما من جملتين والمقصود نهيه عن ذكر ما يقوله وأمره بسماع ما يقال له. واعلم أن الظرف المضموم لقطعه عن الإضافة لا يقع صفة ولا نحوها كما في التصريح قال يس، ومحله إذا لم يعلم المضاف إليه لعدم الفائدة حينئذ وإلا وقع.
قوله: (وكل وقت) أي داله وقوله ذاك أي النصب على الظرفية، والمراد الوقت الظاهر لما مر في الضمير وشمل كلامه ما صيغ من الفعل مراداً به الزمان كقعدت مقعد زيد أي زمن قعوده فإنه يكون ظرف زمان كما يكون مكاناً.
قوله: (وما صيغ من الفعل) أي من مصدره أو مادته ليوافق مذهب البصريين، ويندفع اعتراض الشارح الآتي وهو معطوف على (مبهما) كما يفصح به صنيع الشارح الآتي لا على الجهات لئلا يفيد أنه مبهم مع أنه من المختص اتفاقاً نصب تشبيهاً بالمبهم كما في النكت.
---(1/437)
قوله: (مبهماً كان) المراد بالمبهم ما دل على زمن غير مقدر كحين ووقت ومدة، وبالمختص ما دل على مقدر معلوماً كان، وهو المعروف بالعلمية كرمضان، أو بالإضافة كزمن الشتاء، أو بأل كسرت اليوم. أو غير معلوم وهو النكرة المعدودة كسر يوماً أو يومين، أو الموصوفة كسرت زمناً طويلاً كذا في الأشموني فقول الشاعر: كلحظة وساعة، ينبغي تقييدها بما إذا أريد بهما مطلق زمن لا اللحظة المقدرة بطرفة العين. والساعة المقدرة بخمس عشرة درجة وإلا كانا من المختص، وانتصاب المبهم على جهة التأكيد اللفظي لزمن الفعل إذ لا يزيد عليه كليلاً من: أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً}
(الإسراء:1)
إذ السري لا يكون إلا ليلاً فالظرف يكون مؤكداً كالمصدر إلا أن تأكيده لزمن عامله.
قوله: (بإضافة) لم تضف العرب لفظ شهر إلا لرمضان والربيعين مع جواز تركها، والراجح جواز إضافته إلى غير الثلاثة قياساً عليها.
قوله: (إلا نوعان) أي لضعف دلالة الفعل، وهو أصل العوامل، على المكان لكونها بالالتزام فلم يتعدَّ إلى جميع أسمائه، بل إلى المبهم دلالته عليه في الجملة، وإلى ما هو من مادته لقوة دلالته عليه حينئذ، ولما قويت دلالته على الزمان بالتضمن تعدى إلى جميع أسمائه.
---(1/438)
قوله: (أحدهما المبهم) المراد بالمبهم هنا ما ليس له صورة، أي هيئة وشكل محسوس. ولا حدود محصورة أي نهايات مضبوطة من جوانبه، والمختص بخلافه كالدار وإن شئت قلت: المبهم ما لا تعرف حقيقته بنفسه، بل بما يضاف إليه، وهو معنى قول الموضح تبعاً لابن المصنف: ما افتقر إلى غيره في بيان صورة مسماه أي صورة هي مسماه كمكان لا تعرف حقيقته إلا بالمضاف إليه كمكان زيد وكالجهات وما ألحق بها من عند ولدى ووسط وبين وإزاء وحذاء ونحو ذلك. ونقل الدماميني عن المصنف أن نحو داخل وخارج وظاهر وباطن وجوف البيت لا تنصب على الظرفية، بل يجب جرها بفي، قال: لأن فيها اختصاصاً ما، إذ لا تصلح لكل بقعة. وكذا استثناها الحفيد نقلاً عن الرضي وزاد عليها جانب وما بمعناه من جهة ووجه وكنف ثم قال فقول بعضهم سكنت ظاهر باب الفتوح لحن ا هـ لكن ذكر الموضح مما يشبه الجهات في الشياع جانب وناحية ومكان، فتعقب شارحه ذكر جانب فقط بأنه يجب جره بفي بمقتضاه صحة نصب ناحية مكان، وهو ما يفيده الهمع فيهما وفي جانب أيضاً ونحوها كجهة ووجه. ولعل هذا هو الأوجه فتدبر.
قوله: (ويمين وشمال) مثلها «ذات اليمين وذات الشمال» أي البقعة ذات اليمين الخ.
قوله: (والمقادير) جعلها من المبهم أحد مذاهب ستأتي.
قوله: (غلوة) بفتح المعجمة مائة باع والميل عشر غلوات فهو ألف باع، والفرسخ ثلاثة أميال، والبريد أربعة فراسخ، وفي المصباح الغلوة الغاية وهي رمية سهم أبعد ما يقدر عليه، ويقال ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة والجمع غلوات كشهوة وشهوات.
قوله: (من لفظه) إنما لم يكتفوا بالتوافق المعنوي كما اكتفوا به في: قعدت جلوساً، لأن نصب ذلك مخالف للقياس لكونه مختصاً فلم يتجاوز به السماع بخلاف: قعدت جلوساً.
---(1/439)
قوله: (أي كائن مقعد القابلة) أي في مقعدها، ومنِّي متعلق بذلك المحذوف أيضاً، ومن بمعنى إلى أي هو مستقر مني أي بالنسبة إلي في مكان قريب كقرب مقعد القابلة أي محل قعودها عند ولادة المرأة، ومثله هو مني معقد الإزار أي هو مستقر مني في مكان قريب كقرب مكان عقد الإزار وهو وسط الشخص.
قوله: (ومزجر الكلب) أي هو مستقر مني أي بالنسبة إلي في مكان بعيد كبعد مكان زجر الكلب من زاجر فهو ذم، ومناط الثريا مدح، أي هو بالنسبة إليّ في مكان بعيد كبعد مكان نوط الثريا أي تعلقها من الشخص الرائي أي لا أدركه في الشرف كما لا يدرك محل الثريا.
قوله: (ولكن نصب شذوذاً) أي على تقدير المتعلق كائن أو مستقر فلو قدر بعد مني أي بالنسبة إلي، وزجر مني وناط مني لم يكن شاذاً.
قوله: (لما في أصله الخ) المراد بالأصل المادة لا المصدر فلا يرد أنه في: أعجبني جلوسك مجلس زيد، ظرف لأصله لا لما اجتمع معه فيه.
قوله: (مبهمان) أي لأن المتبادر عطفهما على الجهات، وقد أشار الشارح فيما مر إلى أن ما صيغ عطف على مبهماً فيفيد أنه ليس منه وغرضه هنا التنبيه على أن فيه تفصيلاً.
قوله: (مجهولة الصفة) أي لعدم تعين محلها.
قوله: (ليست من المبهمة) أي فتكون مستثناة من المختص وفي قول ثالث صححه أبو حيان. وهو أنها مبهمة حكماً أي تشبه المبهم في عدم التعين في الواقع لأن الميل مثلاً يختلف بدءاً ونهاية وجهة بالاعتبار، ويحتمل جري المصنف على هذا بأن أراد المبهم حقيقة أو حكماً.
قوله: (من رمى الخ) قد علمت دفعه.
قوله: (مع دخل وسكن) مثلهما نزل كما في الرضي.
قوله: (ونصب الشام) أي فقط، وكذا مكة مع توجه.
قوله: (على الظرفية شذوذاً) قيل هو مذهب سيبويه والمحققين، وصححه ابن الحاجب، ونسبه الشلوبين للجمهور تشبيهاً بالمبهم لكن لا يظهر في ذهبت الشام لما مر.
قوله: (على إسقاط الخافض) هو مذهب الفارسي والناظم، ونسب لسيبويه.
---(1/440)
قوله: (على التشبيه بالمفعول به) أي لإجراء القاصر مجرى المتعدي، وبقي قول رابع إنها مفعول به حقيقة لأن نحو: دخل، يتعدى بنفسه وبالحرف، وكثرة الأمرين فيه تدل على أنهما أصلان ا هـ. إسقاطي.
قوله: (أو شبهها) عطف على محذوف أي لزم ظرفية فقط أو ظرفية أو شبهها، بانصباب اللزوم على الأحد الدائر بين الظرفية وشبهها، ولا يجوز عطفه على ظرفية المذكورة في المتن لاقتضائه أن بعض الظروف يلزم شبه الظرفية فقط إن جعلت، أو تنويعة مع أنه ليس كذلك، أو أن غير المتصرف هو ما يلزم أحدهما الدائران جعلت على بابها فلا يكون فيه تعرض لما يلزم الظرفية بعينها، وكذا يقال في قول الشارح إلا ظرفاً أو شبهه، والحاصل أن غير المتصرف قسمان ما يلزم الظرفية، فقط، وما يلزمها أو شبهها. وكلام الشرح والمتن لا يفيد ذلك إلا بالتقدير المذكور.
قوله: (نحو سحر) مثال لما يلزم الظرفية فلا يخرج عنها أصلاً إذا كان معيناً، واعتراضه بأنه متصرف بدليل نجيناهم بسحر فيه نظر ظاهر لأن هذا غير معين كما هو صريح الشرح، والكلام في المعين، ومما لزم الظرفية أيضاً قط وعوض، ظرفين للماضي والمستقبل، ولا يستعملان إلا بعد نفي أو شبهه، وبدل بمعنى مكان كخذ هذا بدل هذا لا بمعنى بديل فإنه اسم متصرف لا ظرف ومكان بمعنى بدل إما بمعناه الأصلي فظرف متصرف، والظروف المركبة كصباح مساء، وبين بين، وبينا وبينما، ومذ ومنذ عند من جعلهما خبرين، فكل ذلك لا يخرج عن الظرفية أصلاً ومنه غير ذلك.
قوله: (وفوق) فيه نظر لجره بمن في قوله تعالى: مِنْ فَوْقِهِمْ.... وَمِنْ تحتِهِمْ}
(الزمر:16)
---(1/441)
فهما من القسم الثاني كعند بل أجاز بعضهم تصرفهما في نحو: فوقك رأسك وتحتك رجلاك بالرفع على الابتداء والخبر بخلاف فوقك قلنسوتك، وتحتك نعلك فبالنصب للفرق بين الرأس والرجل وغيرهما. لكن المسموع نصبهما في ذلك كما حكاه الأخفش. نعم وقع لبعض رواة البخاري، وفوقه عرش الرحمن، ويتوقد تحته ناراً بالرفع وإنما يتخرج على التصرف، دماميني.
واعلم أن الظروف أربعة أقسام: ما يمتنع تصرفه أصلاً كما مر ومنه عند ونحوها، وما يتصرف كثيراً كيوم وشهر ويمين وشمال وذات اليمين وذات الشمال، وما تصرفه متوسط كأسماء الجهات إلا فوق وتحت فيمتنع لما مر. وإلا يمين وشمال وذت اليمين وذات الشمال فمن الكثير، وكبين المجرد من التركيب ومن ما والألف ومن تصرفها: مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ}
(العنكبوت:25)
بالجر لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}
(الأنعام:94)
بالرفع، ومن قرأ هذا منصوباً على أنه مرفوع المحل على الفاعلية فحملاً له على أغلب أحواله من كونه ظرفاً كما قيل بمثله في: ومنا دون ذلك إما بين المركبة والمقرونة بما أو الألف فغير متصرفة، وما تصرفه نادر كالآن وحيث ودون لا بمعنى رديء ووسط بسكون السين أما بفتحها فيتصرف كثيراً ولهذا إذا صرح بفي فتحت السين انظر الصبان.
قوله: (عند) مثلث العين والكسر أكثر وهي اسم لمكان شيء حاضر أو قريب فالأول نحو: فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}
(النمل:40)
والثاني: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى}
(النجم:12 ـ 14)
وقد يكون الحضور والقرب معنويين كقال الذي عنده علم من الكتاب: رب ابنِ لي عندك بيتاً. وقد تكون للزمان كعند الليل كما في تحرير النووي، ومنه: إنما الصبر عند الصدمة الأولى قاله الدماميني.
---
قوله: (بمن) أي فقط لكثرة زيادتها في الظروف فلم يعتد بدخولها على ما لا يتصرف وقد شذ قياساً قولهم حتى متى، وإلى متى وإلى أين.(1/442)
قوله: (ينوب المصدر الخ) ومما ينوب عن الظرف مطلقاً صفته وعدده وكليته وجزئيته كجلست طويلاً من الدهر شرقي الدار، وسرت عشرين يوماً ثلاثين بريداً، ومشيت كل اليوم كل البريد أو بعض ذلك، وينوب عن ظرف الزمان ألفاظ مسموعة توسعوا فيها فنصبوها على الظرف المجازي لتضمنها معنى في نحو: أحقاً أنك ذاهب؟ أي أفي حق ذهابك، وقد نطقوا بفي في قوله:
235 ــــ أَفِي الحَقِّ أَنِّي مُغْرَمٌ بِك هَائِمُ
ولنيابته عن الزَّمان لا يخبر به إلا عن المعنى لا الجثة، ومثله غير شك، أو ظناً مني أنك قائم أي في غير شك، وفي ظن مني قيامك. هذا مذهب سيبويه والجمهور. وذهب المبرد، وتبعه المصنف إلى أن حقاً مصدر بدل من اللفظ بفعله، وأن ومعمولاها فاعله أي أحق، وثبت قيامك، ورده أبو حيان تصريح.
قوله: (ويكثر الخ) أي لقوة دلالة الفعل على الزمن كما مر. وشرطه إفهام تعيين وقت كما مثله أو بيان مقداره وإن لم يعين كانتظرته نحر جزور وحلب ناقة، أي مقدار ذلك فحذف المضاف، وأقيم المصدر مقامه، وقد يضاف ذلك المصدر إلى اسم عين فتقوم مقامه كلا آتيه الفرقدين، أي مدة بقائهما ولا أكلمه القارظين أي مدة غيابهما، وهما رجلان خرجا يجنيان القرظ الذي يصبغ به فلم يعلم خبرهما فضرب بهما المثل والله أعلم.
المَفْعُولُ مَعَهُ
قال الجلال: أخَّره عن المفاعيل لاختلافهم في قياسيته ولوصول العامل إليه بالحرف دون باقيها.
قوله: (تالي الواو) فيه إشارة إلى أنه لا يفصل منها أي ولا بالظرف وإن فصل به بين الواو العاطفة ومعطوفها لتنزيل واو المعية من المفعول معه منزلة الجار والمجرور يس.
---
قوله: (في نحو سيرى) فعل أمر للمؤنثة، والطريق مفعول معه ومسرعةً حال من الياء قوله: (بما الخ) خبر مقدم عن ذا النصب ومن الفعل بيان لما فهو حال منها أو من ضميرها في سبق الذي هو صلتها.(1/443)
قوله: (هو الاسم) أي الفضلة، وقوله: بعد واو الخ أي وتلك الواو بعد جملة ذات فعل أو اسم فيه معناه وحروفه كما يفهمه قوله بما من الفعل الخ فخرج بالاسم الجملة كجاء زيد والشمس طالعة، والفعل كلا تأكل السمك وتشرب اللبن. فلا يسميان مفعولاً معه وإن كانت واوهما للمعية قاله الموضح وقال حفيده: ينبغي أن يكون ذلك في غير نصب تشرب، وإلا فهو اسم تأويلاً، فينبغي أن يكون مفعولاً معه، وبه صرح بعضهم وهو الحق، وبالفضلة اشترك زيد وعمرو، وبكونه بعد الواو بقية المفاعيل. ونحو: جئت مع عمرو وبعت العبد بثيابه، مما يفيد المعية بغير واو هو وإن خرج بقول الشارح المنتصب لكنه حكم من أحكامه لا ينبغي جعله قيداً في التعريف، والمراد بكونها للمعية أنها للتنصيص على مصاحبة ما بعدها لمعمول العامل السابق في زمان تعلقه به سواء صاحبه في حكم العامل أيضاً كجئت وزيداً. فإن العدول عن العطف إلى النصب يدل على قصد المعية أم لا كاستوى الماء والخشبة على ما سيبين عكس واو العطف فإنها تنص على المصاحبة في الحكم سواء مع الزمن أم لا لكونها لمطلق الجمع. فخرج بذلك المراد ما لم تنص على ما ذكر لصحة تسلط العامل نصباً على ما بعدها كضربت زيداً وعمراً، فللعطف اتفاقاً. وكذا أشركت زيداً وعمراً وخلطت البر والشعير لأن المعية فيه من العامل، وخرج بتلوها لجملة كل رجل وضيعته إن قدر الخبر مقترنان مثلاً فيجب رفع ضيعته، فإن قدر مفرداً قبل الواو جاز نصبها لأنه حينئذ من قبيل جئت وزيداً، أي كل رجل موجود هو وضيعته، وبكون الجملة ذات فعل الخ نحو: هذا لك وأباك، فلا يتكلم به خلافاً لأبي علي بل يجب جر أبيك لعدم اشتمال الجملة على حروف الفعل.
---(1/444)
قوله: (أو شبهه) أي في العمل بشرط عمله في المفعول به كما في المغني فخرج الصفة المشبهة وأفعل التفضيل، ودخل اسم الفعل كحسبك وزيداً درهم، فزيداً مفعول معه ودرهم فاعل حسب بمعنى يكفي، والكاف مفعوله فإن جعل حسب صفة مشبهة بمعنى كافي مبتدأ ودرهم خبره فزيداً مفعول به لمحذوف أي، ويحسب زيداً لا مفعول معه.
قوله: (مقيس فيما كان مثل ذلك) أي، فيما يمتنع فيه العطف من حيث المعنى. خلافاً لابن جني في اشتراطه صحته، وإنما امتنع فيما ذكر لأن الطريق لا يصح إسناد السير إليه فلا يمكن أن يقال: سرت وسار الطريق بل المعنى أوجدت السير حال كونه مصاحباً للطريق، ومثله استوى الماء والخشبة أي ارتفع الماء حال كونه مصاحباً للخشبة فإن جعل بمعنى: تساوى الماء والخشبة في العلو، صح العطف بل الظاهر حينئذ وجوب رفع الخشبة لأن العامل لا يقوم إلا باثنين كاشترك زيد وعمرو، فتأمل. وأما: سرت والنيل، فالظاهر أنه مما يصح فيه العطف معنًى لصحة إسناد السير للنيل لكنه ضعيف لفظاً لما يأتي، والمعنى على النصب: سرت مصاحباً في سيري للنيل بلا نظر لكون النيل سائراً أو لا، وعلى العطف: سرت وسار النيل، ولا نظر لكونهما مصطحبين زمناً أم لا.
قوله: (وهذا هو الصحيح) قد علمت مقابله لابن جني.
قوله: (والصحيح منعه) أي خلافاً لابن جني ولا حجة في قوله:
236 ــــ جَمَعْتُ وَفُحْشاً غَيبَةً ونَمِيْمَةً
ثَلاثُ خْصَالٍ لَسْتُ عَنْها بِمُرْعَوِي
لأنه من تقديم الواو ومعطوفها للضرورة لا المفعول معه.
قوله: (من لسان العرب) أي بعضهم وأكثرهم على الرفع في مثل ذلك.
---(1/445)
قوله: (بفعل مضمر) أي جوازاً لا وجوباً خلافاً للأشموني، ولذلك اكتفوا بتقديره هنا دون: هذا لك وأباك لتنزيل جواز إظهاره منزلة ذكره بخلاف ما ذكر فإن إظهار الفعل فيه ممتنع، ولا يرد جواز النصب في مالك وزيداً مع امتناع ذكر الفعل لأن فيه مقتضياً آخر لتقدير الفعل، وهو الاستفهام الذي هو أولى به فقوي طلبه للفعل بخلاف الأول فإن فيه مقتضياً واحداً وهو الظرف. والحاصل أن المسوغ للنصب هو الاستفهام وجد ظرف أم لا لأنه يشتد طلبه للفعل فقدّروه بعده عاملاً هذا ولقائل أن يقول قد جوز سيبويه إضمار الفعل في قوله:
237 ــــ أَزَمَانُ قَوْمِي وَالجَمَاعةِ كالَّذِي
الخ، أي أزمان إن كان قومي مع الجماعة مع أنه ليس فيه استفهام ولا ظرف يقتضي تقديره، فكان النصب في: هذا لك وأباك أولى لوجود مقتضى الفعل. إلا أن يقال إنه لا يمكن تخريج البيت على غير ذلك فيكون مقصوراً على السماع بخلاف المثال، وإنما يصح هذا الجواب بإثبات أن أبا علي أجازه قياساً، ولم يسمعه فتأمل. وتقدم الكلام على البيت في كان.
قوله: (مشتق من الكون) لكن يجوز تقدير غيره كتصنع إذا صلح له الكلام كالمثالين لبيان حاصل المعنى.
قوله: (ما تكون الخ) هي في المثالين ناقصة، والاستفهام خبرها، واسمها ضمير المخاطب مستتر فيها، فلما حذفت برز وانفصل. قال يس عن الدماميني: ويجوز التمام مع كيف لجواز كونها حالا بخلاف ما اهـ وسوى بينهما ابن هشام لجواز جعل ما مفعولاً مطلقاً أي أيّ وجود توجد مع زيد.
قوله: (كالأخوين) مقتضاه جواز النصب في هذا المثال، وهو مبني على قول الأخفش: إن ما بعد المفعول معه يطابقهما معاً قياساً على العطف وهو ضعيف، والصحيح المؤيد بالقياس والسماع كما قاله ابن هشام كونه بحسب ما قبل الواو فقط. فالعطف في المثال متعين. ولذا مثل النصب في القطر بكنت أنا وزيداً كالأخ.
---
قوله: (للفصل) أي بين الضمير المتصل والمعطوف عليه كما سيأتي في قوله:(1/446)
وَإِنْ عَلَى ضَمِيرِ رَفْعٍ مُتَّصِلْ
عَطَفْتَ فافْصِلْ بالضَّمِيرِ المُنْفَصِلْ
وقوله: والتشريك أي في الحكم لصحة توجه العامل إلى المعطوف أولى من عدمه، لئلا تصير العمدة فضلة، ولأن الأصل في الواو العطف. ولم يختلف في قياسيته، وأما النصب فقصره الأخفش على السماع، ومثل ذلك قوله تعالى: اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ}
(البقرة:35)
فعطفه على الضمير المستتر أولى لما ذكر. ولا يرد أن فعل الأمر لا يتوجه للظاهر لأنه يغتفر في التابع فجعله فاعلاً فمحذوف أي وليسكن زوجك، والمعطوف الجملة لا داعي إليه على أن حذف الفعل بلام الأمر شاذ، ويجوز النصب في ذلك عربية أي اسكن الجنة مصاحباً لزوجك لكنه ضعيف لما مر واعلم أن المعنى يختلف بالرفع والنصب لأن النصب نص في المعية، والرفع لمطلق الجمع كما هو شأن الواو العاطفة فكيف يرجح العطف مع اختلاف المعنى؟ فالوجه أن يقال: إن قصدت المعية نصاً فالنصب أو بقاء الاحتمال والإبهام فالرفع، أو لم يقصد شيء جاز الأمران. ولعل هذا الأخير محمل كلامهم، دماميني.
قوله: (بضعف) أي من جهة اللفظ كما مثل أو المعني كقولهم: لو تُرِكت الناقةُ وفَصِيلَهَا لِرَضِعَها فإن المعنى لا يصح مع العطف إلا بتكلف كإن يقدر: لو تركت الناقة ترأم فصيلها. أي تعطف عليه، وتركت فصيلها يرضعها أي يتمكن منه لرضعها لأن رضاعه لا يتسبب عن مجرد تركهما لاحتمال نفرتها منه. وكذا قوله:
l
238 ــــ إِذَا أعْجَبتْكَ الدَّهرَ حالٌ مِنِ امْرِىءٍ
فَدَعْهُ وواكِلْ أَمْرَهُ واللَّيالِيَا(3)
فيحتاج العطف إلى تقدير واكل أمره لليالي، والليالي لأمره. وفي النصب سلامة من ذلك أي لو تركت الناقة مع فصيلها أي حساً ومعنًى، وواكل أمره مع الليالي قيل ومن الضعف المعنوي نحو: كن أنت وزيداً كالأخ وقوله:
---
239 ــــ فَكُونُوا أَنْتُمُ وبَنِي أَبِيكُمْ
مَكَانَ الكلْيَتَيْنِ مِنَ الطِّحالِ(4)(1/447)
فإن العطف يقتضي توجه الأمر إلى ما بعد الواو، وأنت لا تريد إلا أمر الخاطب بأن يكون معه كذلك. لكن هذا التعليل ينتج وجوب النصب كما استظهره أبو البقاء، وتبعه المصرح لا ترجحه لفساد المراد بدونه، وأيضاً يمنع العطف في المثال عدم مطابقة الخبر للمعطوفين، إذ لو كان المأمور كلاً منهما لقال: كالأخوين ففيه منع لفظي ومعنوي. وليس في البيت إلا الثاني. فإن قيل: كالأخوين تعين العطف كما مر.
قوله: (وإن لم يمكن عطفه) أي لعدم صحة توجه العامل إليه إما لفساد المعنى ولو في القصد أو للزوم محذور لفظي كم مر في مثال الأخ، ونحو: ما لك وزيداً، لامتناع العطف على ضمير الجر بلا إعادة الجار عند الجمهور.
قوله: (أو على إضمار فعل) صريحه إن ما امتنع فيه العطف يُخَيَّر فيه بين المعية وإضمار العامل، ويرد عليه امتناع المعية كالعطف في: علفتها الخ ونحو:
340 ــــ وزُجَّجْنَ الحوَاجبَ والعُيُونَا
---(1/448)
إذ الماء لا يشارك التبن في معنى العلف ولا زمانه، والعيون لا تصاحب الحواجب في معنى الترجيح. وهو تدقيقها وتطويلها، ومصاحبتها في الزمان أمر معلوم لا فائدة في قصده فيجب فيهما تقدير العامل أي وسقيتها ماء، وكحلن العيون فينبغي جعل أو في المتن تنويعية كما في الأشموني. أي إن ما امتنع فيه العطف نوعان: ما يجب فيه تقدير العامل كما ذكره، وما يجب فيه المعية كسرت والطريق، ومشيت والحائط، ومات زيد وطلوع الشمس. لكن فيه أن امتناع التقدير في ذلك غير مسلم إذ لا مانع من تقدير: سرت ولابست النيل. فالمخلص جعلها تنويعية مع ملاحظة أن ضمير يجب يعود للنصب لا بقيد المعية فيصدق بجواز الإضمار، وقوله: أو اعتقد الخ أي أوجب ذلك فالنوع الأول يجوز فيه الأمران، والثاني يجب فيه الإضمار. وتقدم نوعان ترجح النصب وترجح العطف، وبقي خامس وهو تعين العطف ككل رجل وضيعته. واشترك زيد وعمرو وجاء زيد وعمرو قبله أو بعده لعدم شروط النصب السابقة ونحو: كن أنت وزيد كالأخوين لما مر فتذكر.
قوله: (فلا يصح أن يقال أجمعت الخ) أي لأن أجمع بالهمزة إنما يتعلق بالمعاني لا بالذوات. يقال أجمع أمره وأجمع عليه أي عزم. وأما جمع فمشترك بينهما بدليل فجمع كيده جمع مالاً فنصب شركاءكم إما لكونه مفعولاً معه، أو لكون الواو لعطف مفرد على مفرد بتقدير مضاف أي وأمر شركائكم أو جملة على جملة بتقدير: واجمعوا شركاءكم بوصل الهمزة وفتح الميم أمراً من جمع. وقيل إن أجمع يستعمل في الذوات أيضاً. وعليه فلا إشكال في العطف، وكذا على قراءة فاجمعوا وصل الهمزة ويقرأ برفع شركاء عطفاً على الواو في أجمعوا. ومما يمتنع فيه العطف: والَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ}
(الحشر:9)
---
لأن الإيمان لا يتبوّأ فهو إما مفعول معه، أو لمحذوف أي وأخلصوا الإيمان ولك تأويل العامل المذكور بفعل يتعدى لهما كناولتها تبناً الخ. وحسن الحواجب الخ. ولزموا الدار الخ، فتدبر والله أعلم.(1/449)
الاستثناء
هو لغةً: استفعال من الثني بمعنى العطف لأن المستثنى معطوف عليه بإخراجه من الحكم أو بمعنى الصرف لأنه مصروف عن حكم المستثنى منه. وحقيقته اصطلاحاً الإخراج بألا، أو إحدى أخواتها لما كان داخلاً، أو كالداخل، لكن المراد به في الترجمة المستثنى بدليل ذكره في المنصوبات. وقد يقال: يمكن إرادة المعنى المصدري وذكره فيها باعتبار متعلقة كما في تعدي الفعل ولزومه فالإخراج جنس، وبإلا يخرج التخصيص بالوصف أو الإضافة والتقييد بالشرط ونحوه، وما كان داخلاً أي في مفهوم اللفظ لغة وإن كان خارجاً في النية من أول الأمر، أو المراد بإخراجه إظهاره لأنه يجب ملاحظة خروج المستثنى من أول الكلام بحيث يكون المستثنى منه عاماً مستعملاً في خاص، وهو ما عداه بقرينة الاستثناء لئلا يلزم التناقض لإدخال الشيء ثم إخراجه والكفر ثم الإيمان في لا إله إلا الله، أو كالداخل لإدخال المنقطع على ما ستراه. وأما المفرغ فداخل في المستثنى منه المقدر حقيقة، فالدخول الحقيقي إما لفظي أو تقديري، سم.
قوله: (ما استثنت الخ) إلا فاعل استثنت، والجملة صلة ما حذف عائدها أي استثنته، وينتصب خبرها. والمراد إلا الاستثنائية وستعلم الوصفية وإنما بدأ بها لأنها أصل الأدوات وغيرها يقدر بها. والمقصود هنا عملها النصب، وذكر المرفوع استطرادي لتتميم القسمة فلا يقال: كان الأولى تقديم ما ينصب أبداً كليس ولا يكون.
قوله: (مع تمام) أي للكلام السابق بأن يذكر المستثنى منه ولو بالضمير المستتر أي ومع إيجابه أيضاً بقرينة قوله وبعد نفي الخ فإنه مقيد بالتمام أيضاً كما بينه الشرح.
---
قوله: (وعن تميم فيه) الأظهر أن الظرفين متعلقان بوقع، وهو خبر عن إبدال، وسوغ الابتداء به التنويع لأن المنقطع يجوز فيه نوعان من الإعراب عن تميم، فتدبر.(1/450)
قوله: (النصب إن وقع الخ) قيل هو حينئذ واجب اتفاقاً، ويرده جواز الإتباع في لغة حكاها أبو حيان وخرج عليها قراءة: فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}
(البقرة:249)
بالرفع بدلاً من الواو، وانظر هل هذه اللغة خاصة بالمتصل كالآية أم لا. وقيل إن الآية نفي لا إيجاب لأن شربوا في تأويل لم يكونوا مني. بدليل: فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي}
فالمختار فيه الإبدال، وجعل الفراء قليل مبتدأ خبره محذوف أي لم يشربوا. والجملة في محل نصب على الاستثناء فلم يخرج عن اللغة الفصحى، لأن وجوب النصب عندهم إنما هو بالنسبة لعدم الإتباع في المفرد. فلا ينافي جواز الرفع مبتدأ خبره محذوف أو مذكور، ويكون المستثنى حينئذ جملة كما في قوله تعالى: لَسْتُ عَلَيهِمْ بِمُسَيْطِرٍ إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ فَيُعَذِّبُهُ الله}
(الغاشية:24)
قال ابن خروف: مَنْ مبتدأ، ويعذبه خبر والجملة في محل نصب بالاستثناء المنقطع فهي من الجمل التي لها محل من الإعراب كما عدها صاحب المغني ومتى كان ما بعد إلا جملة هي بمعنى لكن ولو كان متصلاً لكن إن نصب تالي فكلكن المشددة كما سيأتي، أو رفع فكالمخففة، أفاده الصبان عن الدماميني.
قوله: (بواسطة إلا) أي فتكون معدية له إلى ما بعدها كحرف الجر لكن تعديه في العمل فقط لا في المعنى. وهذا رأي السيرافي وعزاه ابن عصفور وغيره إلى سيبويه والفارسي وجماعة من البصريين. وقال الشلوبين: هو مذهب المحققين: وقيل إن الناصب ما قبلها مستقلاً لا بواسطتها. وقيل استثنى محذوفاً، وقيل غير ذلك.وعلى الأولين فلو لم يكن قبلها ما يصلح لعمل النصب من فعل أو شبهه كالقوم أخوتك إلا يداً أوّل به كتأويل أخوتك بالمنتسبين لك.
---(1/451)
قوله: (غير هذا الكتاب) أي ويشعر به كلامه هنا حيث قال ما استثنت إلا الخ، ثم قال وألغ إلا فإن ظاهره ألغها عن النصب المذكور قبل، وإنما عملت لنيابتها عن استثنى كحرف النداء عن أدعو. وظاهر الشرح جريان الخلاف في المنقطع أيضاً فيكون منصوباً على الاستثناء والعامل فيه إلا عند المصنف. وهو المختار عند المتأخرين لكونها فيه بمعنى لكن فعملت عملها، وخبرها محذوف غالباً نحو: جاء القوم إلا حماراً، أي لكن حماراً لم يجيء، وقد يذكر نحو: إِلاَّ قَوْمَ يُونِسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا}
(يونس:98)
وعند سيبويه نصبه بما قبل إلا كالمتصل فما بعد إلا عنده مفرد في المتصل وغيره وهي كلكن العاطفة في وقوع المفرد بعدها. وإن لم تكن للعطف، ولذا وجب فتح أن بعدها كزيد غني إلا أنه شقي، أفاده الرضي.
قوله: (على النفي) أي لفظاً ومعنًى كما سيمثله أو لفظاً فقط نحو: لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ المُطَهَّرُونَ}
(الواقعة:79)
فإنه نهي في المعنى، وقد يراد بالنهي الآتي ما يشمل المعنوي فيدخل فيه هذا. أو معنى فقط كقراءة فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}
(البقرة:249)
كما مر، ونحو: أقل رجل يقول ذلك إلا زيد أي لا رجل يقول الخ. وقوله:
241 ـــــ وبالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلِقٌ
عَافٍ تَغيَّرَ إِلاَّ النُّؤْيُ والوَتَدُ
فتغير بمعنى لم يبق على حال، والصريمة رملة منصرمة أي منقطعة عن معظم الرمل، والنؤي بضم النون وسكون الهمزة حفيرة تعمل حول الخباء لمنع المطر. ومن النفي المعنوي ويَأْبَى الله إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}
(التوبة:32)
أي لا يريد إلا ذلك وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الخَاشِعِينَ}
(البقرة:45)
---
أي لا تسهل إلا عليهم لكن هذين من المفرغ وليس الكلام فيه. وأما نحو: لو جاء القوم إلا زيداً لأكرمتهم، فيتعين فيه النصب لأن نفي لو ضمْني لا قصدي. وأما الرفع في لَوْ كَانَ فِيهِما آلهَةٌ إِلاَّ الله}
(الأنبياء:22)
فلما سيأتي.(1/452)
قوله: (والاستفهام) أي المؤول بالنفي إنكارياً كان، وهو ما متعلقه غير واقع ومدعيه كاذب، ويسمى إبطالياً أيضاً نحو: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ الله حَدِيثاً} أو توبيخاً وهو ما متعلقه واقع ومدعيه صادق لكنه ملوم عليه نحو: أَئِفْكَاً آلِهَةً}
(الصافات:86)
الخ فهو بمعنى نفي الأنبغاء واللياقة. ومثال الشرح يصلح لهما.
قوله: (بعضاً مما قبله) عدل عن قول غيره: من جنسه لئلا يدخل في المتصل: جاء القوم إلا حماراً، وجاء بنوك إلا ابن زيد لاتفاقهما في الجنس مع أنه منقطع، وتأويل الجنس بالنوع لا ينفع في الثاني وإن صح في الأول. ولئلا يخرج منه نحو: أحرقت زيداً إلا يده، مما كان المستثنى فيه جزءاً مما قبله لأنه لا يصدق عليه أنه من جنس كله مع أنه متصل. فقوله: بعضاً، المراد به ما يشمل الفرد والجزء لكنه يدخل فيه كالأول نحو: لا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوْتَ إِلاَّ المَوْتَةَ الأُولَى}
(الدخان:56)
وَلاَ تأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَينَكُمْ بالبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً}
(النساء:29)
---
فإن المستثنى بعض مما قبله ومن جنسه، مع أنه منقطع، فينبغي أن يقال: المتصل ما كان بعضاً محكوما عليه بنقيض ما قبله لا مطلق بعض، والمنقطع بخلافه إمَّا لِفَقْدِ القيد الأول كقام بنوك إلا حماراً أو إلا ابن زيد، أو الثاني كالآيتين، فإنه لم يحكم على الموتة الأولى بذوقهم لها في الجنة الذي هو نقيض عدم ذوق الموت فيها. ولا على التجارة بجواز أكلها بالباطل الذي هو نقيض منع أكلها بالباطل. قاله القرافي، والأسهل أن يقال: المتصل إخراج شيء دخل فيما قبل إلا مثلاً بها صبان واعلم أن كلاً من المتصل والمنقطع ويسمى بالاستثناء حقيقة عرفية بلا نزاع كما في التلويح. وأما ما اشتهر من أنه حقيقة في المتصل مجاز في المنقطع فالمراد به أدواته لا تسميته.(1/453)
قوله: (وهو المختار) أي إن لم يتقدم المستثنى لما يأتي في المتن ولم يطل الفصل وإلا اختير النصب، كما جاءني أحد حين كنت جالساً هنا إلا زيداً. ومنه الحديث القدسي: «مَا لِعَبْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفيَّةُ مِنَ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الجَنَّةَ» بالنصب لأن الإتباع إنما يختار للتشاكل. وهو لا يظهر مع الطول، وكذا يختار النصب في نحو: ما قاموا إلا زيداً رداً لمن قال: قاموا إلا زيداً ليحصل التشاكل، ودعوى تعين النصب في هذه مردودة بل نازع أبو حيان في اختياره فيها وفي التي قبلها. وكل ذلك ما لم ينتقض النفي بإلا وإلا كان إثباتاً فينصب ما بعد إلا الثانية وجوباً كما شرب أحد إلا الماء إلا زيداً لأنه بمنزلة شربوا الماء إلا زيداً.
---(1/454)
قوله: (بدل من متبوعه) أي بدل بعض عند البصريين ولا يرد احتياجه للرابط وهو مفقود لحصول الربط بإلا لدلالتها على إخراج الثاني من الأول فتفيد أنه كان بعضاً منه، ولا يشترط الربط بخصوص الضمير فإن قلت: كيف يكون بدلاً وهو مثبت ومتبوعه منفي مع أنه يجب تطابقهما ليصح إحلاله محل متبوعه؟ أجيب بمنع ذلك لأن سبيل البدل جعل الأول كأنه لم يذكر، والثاني حالا في موضعه بالنسبة إلى عمل العامل بلا نظر للنفي والإثبات، وهو هنا كذلك. فقولهم البدل هو المقصود بالنسبة أي نسبة مثل العامل، بلا اعتبار نفيه وإثباته. كما قد يتخالف المعطوفان في: زيد قائم لا قاعد، والصفة والموصوف في: مررت برجل لا قصير ولا طويل. وهذا الإشكال إنما يرد على من يجعل البدل هو المستثنى وحده فيجاب بما ذكر. أما على قول المحققين إنه المستثنى مع إلا فلا يرد أصلاً لصحة إحلاله محل الأول بلا انعكاس المعنى، ولو بالتأويل في نحو كلمة الشهادة إذ هي في تأويل ما في الوجود إله إلا الله، ويصح فيها الإحلال حينئذ. وعند الكوفيين أن إلا حرف عطف في الاستثناء خاصة فما بعدها عطف على ما قبلها لا بدل، وهي كلا العاطفة في مخالفة ما بعدها لما قبلها، ويرد عليه أنها تباشر العامل باطراد في: ما قام إلا زيد، والعاطفة لا يباشره. ويجاب بأنها مفصولة تقديراً إذ الأصل ما قام أحد إلا زيد، ويرده أن حذف المعطوف عليه لا يطرد مع أن هذا مطرد.
قوله: (وهذا هو المختار) مثله في المغني. قال الدماميني: ومقتضى تعليل الإتباع بتشاكل المستثنى والمستثنى منه تساوي النصب على البدلية، والاستثناء في هذه الصورة. وفيه أنه لا يحصل بتشاكل في نوع النصب إن حصل في لفظه.
---(1/455)
واعلم أنه إذا تعذر الإبدال على اللفظ، أبدل على الموضع كما جاءني من أحد إلا زيد، ولا أحد فيها إلا زيد، وما زيد شيئاً إلا شيء لا يعبأ به، وليس زيد بشيء إلا شيئاً حقيراً فيجب نصب ما بعد إلا في الأخير ورفعه في الباقي باعتبار المحل لأن من والباء لا يزادان في الإثبات، وما لا لا يعملان بعده. فالمستثنى في الأول والأخير بدل من محل المجرور بمن والباء الزائدتين وهو الرفع في الأول، والنصب في الأخير، وفي الثالث بدل من محل الخبر قبل دخول ما بناء على عدم اشتراط وجود المحرز. أو خبر لمحذوف إن قلنا به أي إلا هو شيء وتكون إلا بمعنى لكن، وأما في الثاني فبدل من محل لا مع اسمها لأن محلهما رفع بالابتداء عند سيبويه، أو من محل الاسم قبل دخول لا أو من الضمير في الخبر. والأقوال الثلاثة تأتي في الاسم الشريف من كلمة التوحيد، ومر في باب لا مزيد لذلك.
قوله: (وأجازه بنو تميم) أي على أن حمار بدل غلط كما صرح به الرضي، وقيل بدل كل بملاحظة معنى إلا إذ المعنى غير حمار. وهو وإن صدق على الأحد وغيره لكن يراد به غير مخصوص. وإنما يبدلون في المنقطع إذا أمكن تسلط العامل على المستثنى وحده. ولو في مادة أخرى كما هو شأن البدل، وإلا وجب النص اتفاقاً نحو: ما زاد هذا المال إلا النقص، وما نفع زيد إلا الضر إذ لا يقال: زاد النقص، ونفع الضر، ومثل ذلك: لاَ عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ الله إِلاَّ مَنْ رَحِمَ}
(هود:43)
فمن رحم في محل نصب على الاستثناء المنقطع، ويمتنع الإبدال لعدم صحة تسلط العامل عليه، وقيل الاستثناء متصل أي إلا الراحم وهو الله، أو إلا مكان من رحم وهو السفينة، ومن الإبدال في المنقطع قوله:
242 ــــ وَبَلْدة لَيْسَ بِهَا أَنِيسُ
إِلاَّ اليَعَافيرُ وَإِلاَّ العِيسُ
وقوله:
243 ــــ وبِنْتُ كِرَام قَدْ نَكَحْنَا وَلَمْ يَكُنْ
لَنَا خَاطِبٌ إِلاَّ السِّنَانُ وعَامِلُهْ
---(1/456)
وعليه قراءة: مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمِ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ}
(النساء:157)
بالرفع، وجعل منه الزمخشري قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَالأَرْضِ الغَيْبَ إِلاَّ الله}
(النمل:65)
فأعرب الجلالة بدلاً من مَنْ الذي هو فاعل يعلم، والاستثناء منقطع، وفيه تخريج قراءة السبعة على لغة مرجوحة فإن النصب هو المختار عندهم. ولذا جعله المصنف متصلاً بتقدير متعلق الظرف من: يذكر في السموات الخ لا استقر، وقيل من مفعول يعلم، والغيب بدل اشتمال منه، والله فاعل. هذا والمسموع من بني تميم إنما هو مجرد رفع ما بعد إلا في تلك الشواهد ونحوها وكونه بدلاً أو غيره من تخريج النحاة فلِمَ اختاروا البدلية على جعله مبتدأ حذف خبره مع أنه مقيس عند الجميع كما مر نظيره إلا أن يكون قد سمع منهم جر ما بد إلا تبعاً لمجرور قبلها.
قوله: (وغير نصب سابق) أي مستثنى سابق على المستثنى منه. والمراد غير نصبه على الاستثناء فيدخل فيه نصبه على الاتباع الآتي في المرفوع. وهذا البيت تقييد لقوله: وبعد نفي الخ.
قوله: (قد يأتي) أي قليلاً، وفي القياس عليه خلاف.
قوله: (إن ورد) أي السابق والرواية كسر إنَّ أي إن أردت ورود السابق أي النطق به فاختر نصبه، أو إن ورد السابق عن العرب فاختر نصبه أي احكم باختياره وإلا فالوارد متَّبع نصباً أو غيره.
قوله: (على المستثنى منه) أي بدون عامله كما مثله لامتناع تقديمه عليهما معاً عند المصنف خلافاً للكسائي. وأما قوله:
244 ــــ خَلاَ اللهَ لاَ أَرْجُو سِواكَ وَإِنَّمَا
أَعُدُّ عِيَالِي شُعْبَةً مِنْ عِيَالِكَا(3)
فضرورة، ويجوز تقديمه على العامل فقط كالقوم إلا زيداً ضربت.
---
قوله: (بدلاً) أي بدل كل من كل لأن العامل فرِّغ لما بعد إلا فهو معرب بما يقتضيه العامل، والمؤخر عام أريد به الخصوص فصح إبداله من المستثنى، وقد كان المستثنى قبل تقديمه بدل بعض، فقلب المتبوع تابعاً كما في نحو: ما مررت بمثلك أحد.(1/457)
قوله: (وإن يفرغ سابق) بالتنوين، وإلا مفعوله وإضافته لها تخل الوزن.
قوله: (يكن) أي السابق، أو ما بعد.
وقوله: «كما لو الخ»، لو زائدة وما مصدرية أو عكسه وإلا فاعل بمحذوف يفسره عدم إن بني للمجهول فإن بني للفاعل كانت إلا مفعوله، وفاعله ضمير السابق، أو ما بعد أي يكون السابق أي حكمه كحكم انعدام إلا أو كحكم عدمه إلا في تسلط العامل على ما بعدها. وهذا عند الكسائي. أما هو فيجوز النصب في نحو: ما قام إلا زيد لتجويزه حذف الفاعل.
قوله: (المفرغ) سمي به لتفرغ العامل لما بعد إلا في الظاهر وإن كان معموله في الحقيقة. وهو المستثنى منه مقدراً، ويجوز التفريغ لجميع المعمولات إلا المفعول معه، والمصدر والحال المؤكدين فلا يقال: ما سرت إلا والنيل، وما ضربت إلا ضرباً، ولا تعث إلا مفسداً لتناقضه بالنفي والإثبات، وإما: إن نظن إلا ظناً فتقديره إلا ظناً عظيماً فهو نوعي لا مؤكد.
قوله: (فلا يقال ضربت إلا زيداً) أي لاستحالة ضربك جميع الناس غيره، ووجود قرينة على إرادة جماعة مخصوصة أو المبالغة نادر فأطلق المنع طرداً للباب إلا إذا أمكن تأويله بالنفي نحو: وَيَأْبَي الله إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ}
(التوبة:32)
كما مر. هذا مذهب المصنف، وجوز ابن الحاجب التفريغ في الموجب بشرط كونه فضلة وأن تحصل به فائدة كقرأت إلا يوم كذا لإمكان أن تقرأ في غيره من الأيام ورد بأنه نادر فمنع طرداً للباب كما اتفقا على الجواز في النفي، وإن لم يستقم المعنى كما مات إلا زيد لذلك.
---
قوله: (إلا العلا) بفتح العين ممدوداً بمعنى الشرف لكن قصره للضرورة، ويجوز ضم العين مع القصر جمع علياء كذلك، وعلى كل ففيه حذف مضاف، أو نحوه كما في: زيد عدل.
قوله: (إذا كررت إلا) أي في الإيجاب أو النفي كما يفهمه الإطلاق هنا، والتقييد بعده.
قوله: (وهذا معنى إلغائها) أي فالمراد ألفها عن إفادة معنى الاستثناء أو عنه وعن العمل فيه بناءً على الخلاف المار.(1/458)
قوله: (في البدل) أي بدل الكل كما مثل، وكذا البعض والاشتمال والاضراب كما أعجبني أحد إلا زيد إلا وجهه أو علمه أو عمرو.
قوله: (والعطف) أي بخصوص الواو.
قوله: (فالعلا بدل من الفتى) أي إن نصب الفتى على الاستثناء لا إن جعل بدلاً من الضمير في بهم، لأن الجمهور يمنعون الإبدال من البدل، ويرد على الأول أن العامل في البدل نظير العامل في المبدل منه فإلا الثانية محتاج إليها لتعمل في البدل لا مؤكدة ملغاة، فاللائق جعله عطف بيان لا بدلاً ا هـ سم. كن هذا لا يظهر إلا في بدل الكل فيبقى الإشكال في بدل البعض، والاشتمال والغلط وقد يقال: العامل في البدل منوي لا ملفوظ، فيستغني عن الثانية بالمنوية فكانت لمحض التوكيد لا عاملة، فتدبر.
قوله: (ثم غيارها) بالغين المعجمة من غارت الشمس أي غابت، وفي نسخ: ثم غيابها بالموحدة بدل الراء.
قوله: (مالك من شيخك) أي جملك، والرسيم والرمل نوعان من السير.
قوله: (فرسيمه بدل) أي بدل بعض لأن المراد بالعمل مطلق السير.
قوله: (وإن تكرر) بالبناء للمجهول ونائب فاعله يعود على إلا قوله لا لتوكيد عطف على محذوف أي لتأسيس لا لتوكيد وفي نسخ دون توكيد، وعلى كلِّ فالظرف المحذوف أو المذكور متعلق بتكرر أو حال من مرفوعه.
---(1/459)
قوله: (بالعامل) المراد به ما قبل إلا. وقوله: دع في واحد الخ، أي اترك تأثير العامل الذي قبل إلا باقياً في واحد، وانصب سواه بإلا كما قدره الأشموني. وهو مقتضى صنيع الشرح فقوله: اجعل الخ، بيان لحاصل المعنى لا أنه تفسير لدع باجعل لأنه غير معهود في اللغة، وليس المراد اترك التأثير بالعامل في واحد، وأبقه فيما سواه كما يوهمه ظاهر المتن لفساده. نعم إن أريد بالعمل الأصح أي أترك التأثير بها في واحد، وانصب بها ما سواه فيكون قوله: مما بإلاّ، إظهاراً في محل الإضمار للضرورة، ويؤيد هذا عدم التقدير في قوله: دع، ويؤيد الأول خلوه من الإظهار وتصريحه بحكم الواحد المتروك. وأما على الثاني فمسكوت عنه وإن كان يعلم من قوله سابقاً: وأن يفرغ الخ، فتدبر.
قوله: (وليس عن نصب الخ) معنى اسم ليس وعن نصب متعلق به، والخبر محذوف أي موجوداً أو الاسم ضمير مستتر يعود إلى الواحد أو التأثير، ومغني خبرها، وُقِف عليه بالسكون على لغة ربيعة.
قوله: (ونصبت الباقي) أي وجوباً بالامتناع شغل العامل بأكثر من واحد، ولا يجوز على قصد بدل البداء لأن إلا حينئذ تكون مؤكدة وليس الكلام فيها.
قوله: (ودون تفريغ الخ) دون ومع متعلقان باحكم، وحذف نظيرهما من التزم لدلالتهما أو الفعلان تنازعاهما بناء على جوازه في المتقدم، ونصب مفعول لمحذوف يفسره احكم أي أمضِ نصب الجميع لا باحكم، لأنه لا يتعدى بنفسه ولأخذه معموله ولا بالتزم، لأن ما بعد الواو لا يعمل فيما قبلها ولما كان الحكم بالنصب لا يستلزم وجوبه قال: والتزم بفتح التاء ليفيد ذلك.
---(1/460)
قوله: (كما لو لكان الخ) قال المكودي في موضع الحال من واحد لتخصيصه بالصفة وهي منها وما زائدة ولو مصدرية أو عكسه، وكان تامة فاعلها ضمير الواحد ودون حال منه، وفيه حذف مضاف أي وجيء بواحد كحال وجوده دون زائد عليه ا هـ، وفيه تسمُّح لأن الواحد يكون مشبهاً بحال وجوده دون زائدة عليه فالأولى جعل كما خبراً لمحذوف، والجملة حال من واحد أو صفة له، أي وجيء بواحد منها وجوده مثل وجوده دون زائد عليه في الحكم. ويصح جعل ما اسماً واقعاً على الواحد، وجملة كان الخ صفتها أو صلتها، أفاده الصبان.
قوله: (سواء كان الكلام موجباً الخ) لا يعارضه قول المصنف فيما مر، وغير نصب سابق في النفي الخ ولأنه في غير تكرر المستثنى.
قوله: (وهو المختار) أي في المتصل أما في المنقطع فيجب نصب الجميع على الفصحى نحو ما قام أحد إلا حماراً إلا جملاً إلا فرساً، ويجوز الإبدال في واحد على لغة تميم.
قوله: (فامرؤ بدل من الواو) أي وعلىّ منصوب سكن وقفاً على لغة ربيعة، ولك عكسه، إذ لا يتعين واحد للإبدال.
قوله: (حكم المستثنى الأول) أي إذا لم يكن استثناء بعضها من بعض كما مثله فإن أمكن ذلك كله نحو على عشرة إلا أربعة إلا ثلاثة إلا اثنين فقيل: الحكم كذلك. وإن الكلَّ خارج من أصل العدد فيكون في المثال مقرّاً بواحد، ولكن الصحيح إن كل عدد مستثنى مما قبله فيكون مقراً بسبعة، وطريق معرفته أن تجمع الأعداد الواقعة في المراتب الوترية وهي الأولى والثالثة والخامسة، وتخرج منها مجموع الأعداد الواقعة في المراتب الشفعية وهي الثانية والرابعة والسادسة مثلاً، أو تسقط آخر الأعداد مما قبله، ثم باقيه مما قبله، وهكذا فما بقي فيهما فهو المراد.
---(1/461)
قوله: (من الدخول) أي إن كان الكلام منفياً، والخروج إن كان موجباً لأن الاستثناء من النفي إثبات عكسه والمراد الدخول في النسبة الثبوتية والخروج منها فلا ينافي أن الاستثناء إخراج دائماً لأن المراد به الخروج مما قبل إثباتاً أو نفياً.
قوله: (بغير) بالتنوين تنازعه كل من استثن، ومجروراً ومعرباً حال من غير لقصد لفظه.
قوله: (ويعرب غير الخ) أي لفظاً، وقد يبنى على الفتح جوازاً في الأحوال كلها، إذا أضيف لمبني كما في التسهيل نحو: ما قام غير هذا، ومنه قوله:
245 ــــ لم يَمنَعِ الشُّربَ غَيْرَ أَنْ نَطَقَتْ
حَمَامَةٌ فِي غُصُونٍ ذَاتِ أَرْقَالِ
بفتح غير لإضافتها إلى أن وصلتها، وأجاز الفراء بناءها على الفتح مطلقاً لتضمُّنها معنى إلا. واعلم أن أصل غير كونها صفة مفيدة لمغايرة مجرورها لموصوفها ذاتاً أو صفة، ولتوغلها في الإبهام لا تتعرف بالإضافة فلا يوصف بها إلا نكرة كـ صَالِحاً غيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ}
(فاطر:37)
أو مشبه لها كـ غَيْرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}
(الفاتحة:7)
---(1/462)
فإن الذين جنس لا قوم بأعيانهم، وقيل إنها إذا وقعت بين ضدين ضعف إبهامها فتتعرف بها، فلذا وصف بها المعرفة في الآية. وأما إلا فأصلها مغايرة ما بعدها لما قبلها نفياً وإثباتاً فلما اتفقا في مطلق المغايرة حملت غير على إلا في الاستثناء بها، أي في المغايرة نفياً وإثباتاً بلا نظر لمغايرة ذات أو صفة فاستحق الاسم بعدها إعراب المستثنى لكنه مشغول بجر الإضافة، فجعل حقه من الإعراب على غير بطريق العارية، ولذلك يجوز في تابعه مراعاة المعنى نحو: ما قام غير زيد وعمرو، بالرفع إذ المعنى: ما قام إلا زيد وعمرو وهذا عند سيبويه من العطف على المحل أي محل مجرور غير الذي كان حقه لولا الإضافة، لأن مدار العطف على المحل كونه يستحق ذلك الإعراب حالاً أو في الأصل. وعند الشلوبيين على توهم وجود إلا، ويمتنع في تابع ما بعد إلا الجر على مراعاة كونها بمعنى غير لعدم استحقاقه له أصلاً. وكما حملوا غير على إلا، حملوا إلا عليها في الوصف بها، فتفيد المغايرة ذاتاً أو صفة بلا نظرة للنفي والإثبات، لكن حمل غير على إلا أكثر لأن التصرف في الاسم أكثر منه في الحرف فلذلك تقع في جميع مواقع إلا، ولا تقع إلا في موقعها إلا بشرط كون موصوفها جمعاً نكرة أو شبههما كـ لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ الله لَفَسَدَتَا}
(الأنبياء:22)
وقوله:
246 ــــ لَوْ كَانَ غَيْرِي سُلَيمَى الدَّهْرَ غَيَّرَهُ
وقَعُ الحَوادثِ إِلاَّ الصَّارمُ الذَّكَرُ
---(1/463)
فإلا صفة لغيري لأنه شبه جمع نكرة، قال جماعة. ولا يوصف بها إلا حيث يصح الاستثاء ويرده الآية لامتناعه فيها معنًى ولفظاً أما الأول فونه يصير التقدير: لو كان فيهما آلهة أخرج منهم الله لفسدتا فيقتضي عدم الفساد مع التعدد إذا لم يخرج وهو باطل لترتبه على مجرد والتعدد ولذا كان هذا الوصف مؤكداً صالحاً للسقوط، إذ من المعلوم مغايرة الجمع للواحد. وأما الثاني فلأنه آلهة جمع منكر في الإثبات فعمومه بدلي، وشرط الاستثناء العموم الشمولي كذا في المغني. فإن قلت: قد جوز الزمخشري في قوله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلاَّ آلَ لُوطٍ}
(الحج:58. 59)
كون آل لوط استثناء منقطعاً من قوم وهو نكرة في الإثبات، قلت: أجاب الدماميني بأن العموم فيه ليس من ذات النكرة بل بقرينة الآية الأخرى إنا أرسلنا إلى قوم لوط. والقصة واحدة أفاده الصبان. ومن أمثلة سيبويه: ولو كان معنا رجل إلا زيد لغلبنا، مع امتناع الاستثناء فيه لعدم شموله وأيضاً فقد شرط ابن الحاجب عدم صحة الاستثناء عكس ما قاله أولئك، وجعل من الشاذ قوله:
247 ــــ وَكُلُّ أخٍ يُفَارِقُهُ أَخُوهُ
لَعَمْرِ أَبِيكَ إلاَّ الفَرْقَدانِ
---(1/464)
لصحته فيه بل قيل إنها فيه للاستثناء على لغة من يلزم المثنى الألف، وقال الرضي: مذهب سيبويه جواز الوصف مع صحة الاستثناء نحو: ما أتاني أحد إلا زيد بالرفع، بدلاً أو صفة، وعليه أكثر المتأخرين تمسكاً بهذا البيت ا هـ وما مر عن المغني من أن عموم آلهة بدلي الخ كلام اقناعي للنظر فيه مجال لأن عموم الجمع إنما يكون بدلياً بالنظر لكل جملة يصدق عليها الجمع. أما بالنظر لأفراده الداخلة تحته فشمولي قطعاً، فيصح استثناء المفرد منه كلفظ الجلالة لشموله له بخلاف الجمع. وليس المستثنى هنا جمعا حتى يتجه ما ذكره، كذا قيل. وهو مردود إذ كل جملة يصدق عليها أنها جمع لم يتحقق دخول المستثنى فيها فآلهة في الاية يصدق بكل جمع من الآلهة بدلاً عن الآخر، وإن لم يكن منهم الذات الأقدس فكيف يصح استثناؤه منهم؟ فكلام المغني هو الحق. وما جوُّزه الزمخشري في آل لوط لا يرد لأن العموم الشمولي إنما يشترط للمتصل لا المنقطع كما يفهم من كلام الصبان قبل ذلك، وهو مقتضى ما مر في تعريف المنقطع فتدبر. وهل إذا وصف بها تبقى على حرفيتها فيكون الوصف مجموعها مع ما بعدها، وظهر إعراب هذا المجموع في آخره أو تكون اسماً بمعنى غير مضافة إلى ما بعدها، وظهر إعرابها عليه بطريق العارية كما في: زيد لا قائم، ولا قاعد قولان، وعلى الثاني فما بعدها مجرور تقدير الحركة العارية بإضافتها إليه.
قوله: (ينصب غير) أي على الاستثناء كما اختاره ابن عصفور، وقياساً على نصب ما بعد إلا وإن كان العامل فيه إلا على الصحيح، وفي غير ما قبلها من فعل أو شبهه. وقيل على التشبيه بظرف المكان لإبهام كل، وجعلها الفارسي حالاً فتؤوّل بمشتق أي: قام القوم مغايرين لزيد، وكذا يقال في سوى.
---(1/465)
قوله: (فالمشهور فيها كسر السين الخ) ظاهره أنه يستثنى بها في جميع لغاتها، ومحل ذلك ما لم تكن الأولى بمعنى مستوٍ نحو مكاناً سوى أي مستو طريقنا وطريقك إليه كما قاله المفسرون ولا الثانية بمعنى وسط نحو: فَأَلقَوْهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ}
(الصافات:97)
أو تام نحو هذا درهم سواء، أو مستوٍ نحو فهم فيه سواء}(2) أي مستوون فلا يستثنى بشيء من ذلك.
قوله: (الفاسي) نسبة إلى فاس مدينة بالمغرب، وحكاها أيضاً ابن هشام في الجامع وأبو حيان وابن الخباز.
قوله: (إلا ظرفاً) أي مكانياً ملازماً للنصب على الظرفية بدليل أنه يوصل بها الموصول. فمعنى: جاء الذي سواك في الأصل. جاء الذي استقر في مكانك عوضاً عنك ثم توسعوا فاستعملوا سواك، ومكانك بمعنى عوضك. وإن لم يكن ثم حلول فظرفيتهما مجازية، ومن ثم أشعرت بالاستثناء وفيه أنه لا مانع من جعلها في ذلك خبراً لمحذوف، والجملة صلة الموصول حذف صدرها لطولها بالإضافة أو حالاً من فاعل ثبت مقدراً مع أن وقوعها صلة لا يدل على ملازمتها للظرفية.
قوله: (إلا في ضرورة الشعر) أي فلا ترد الأبيات الآتية لكن يرد عليه الحديثان الآتيان، أما الأول فلأنها خرجت فيه عن الظرفية إلى شبهها، وأما الثاني فخرجت فيه عنهما، ولا ضرورة فيهما. وحمل ذلك على الشذوذ كما حمل عليه قول بعض العرب: أتاني سواك لا يليق، وأما قول أبي حيان لا يحتج بالأحاديث على إثبات القواعد فقد مر رده في الابتداء.
قوله: (بما تعامل به غير) أي من وقوعها في الاستثناء المتصل والمنقطع، وجر ما بعدها بالإضافة، وجواز مراعاة المعنى في تابع المستثنى بها ووقوعها صفة لنكرة أو شبهها، وقبولها تأثير العامل.
قوله: (ولا ينطق الفحشاء) نصب بنزع الخافض أي بالفحشاء أو مفعول مطلق على حذف مضاف أي نطق الفحشاء أو مفعول به بتضمين ينطق معنى يذكر ومن في قوله منّا وَلا من سوائنا بمعنى في متعلقة بينطق.
---(1/466)
قوله: (وإذا تباع كريمة) أي خصلة كريمة، وأو بمعنى الواو كما في العيني، وقيل على بابها. فقوله: فسواك بائعها راجع للأول، وما بعده للثاني أي إذا وجد بيع فليس إلا من غيرك أو شراء فليس إلا منك.
قوله: (دناهم كما دانوا) أي جزيناهم كجزائهم، والجملة جواب لما في قوله:
248 ــــ فَلَمَّا أَّصْبَحَ الشَّرُّ
فَأَمْسَى وَهْوَ عَريَانُ(6)
ولم يبق الخ.
قوله: (لديك كفيل) أي عندك جود كفيل الخ أو هو تجريد والمراد: أنت كفيل.
قوله: (محتمل للتأويل) أي بأنه ضرورة أو شاذ، بعضهم لا يخرج الظرف عن اللزوم وهو الجر بمن، ومذهب الرماني والعكبري أنها تكون ظرفاً غالباً وكغير قليلاً. وهذا أعدل المذاهب لعدم تكلفه في بعض المواضع.
قوله: (بليس الخ) تنازعه استثن، وناصباً نظير ما مر، قوله بعد لا حال من يكون لقصد لفظه، والاستثناء بهذه الأفعال الخمسة لا يكون إلا مع التمام والاتصال.
قوله: (ولا يكون زيداً) أي لا تعد ولا تحسب فيهم زيداً فلا منافاة بين استقباله ومضى قاموا سم.
قوله: (عائد على البعض الخ) أي نظير قوله تعالى: فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} فإن النون عائدة على البعض المفهوم من كلِّه السابق فإن أولادكم يشمل الذكور الإناث، والنون للإناث فقط. وقيل الضمير للأولاد وأنثه باعتبار الخبر وإنما كان هذا هو المشهور لاطِّراده في جميع المواد بخلاف عوده إلى الوصف أو المصدر المفهومين من الفعل السابق كما قيل بكل، أي ليس هو القائم زيداً أو ليس هو أي قيامهم قيام زيد فلا يطردان في نحو: القوم أخوتك ليس زيداً لعدم الفعل وشبهه كذا قيل. وقد يقال يُتصيَّد من الكلام ما يمكن عود الضمير إليه كأن يقال: ليس هو أي المنتسب إليك بالأخوة زيداً أو ليس نسب أخوتهم نسب زيد. نعم المصدر لا يؤدي مقصود الاستثناء من إخراج زيد من القوم، والحكم عليه بعدم القيام على ما هو المختار. وكذا يقال في فَاعِلَيْ خلا وعدا.
---(1/467)
قوله: (مستتر وجوباً) أي لأن هذه الأفعال محمولة على إلا في تلو المستثنى لها ليكون ما بعدها في صورة المستثنى بإلا، وظهور الفاعل يفصل بينهما فيفوت الحمل.
قوله: (وخلا وعدا فعلان) أي جامدان لوقوعهما موقع إلا ونصب الاسم بعدهما على أنه مفعول به لأنهما متعديان بمعنى جاوز، أما عدا فتعد قبل الاستثناء أيضاً كعدا فلان طوره أي جاوزه. وفي القاموس أنه يتعدى بنفسه وبعن، ومعناه جاوز وترك. وأما خلا فأصله لازم نحو: خلا المنزل من أهله، وقد يتضمن معنى جاوز فيتعدى بنفسه، والتزم ذلك في الاستثناء لينصب ما بعدها كالذي بعد إلا وحسن ذلك أن كلَّ مَن خلا عن شيء فقد جاوزه.
قوله: (عائد على البعض الخ) أي لا على الوصف أو المصدر على ما مر. لكن اعترض الرضى هنا بأنه لا يلزم من مجاوزة البعض لزيد في القيام مثلاً ومجاوزة الكل له الذي هو المقصود، وأجيب بأن مرجع الضمير بعض مبهم فلا تتحقق مجاوزته إلا بمجاوزة الكل وفيه نظر ظاهر. أو أن المراد بالبعض من عدا المستثنى وإن كان إطلاق البعض على الأكثر قليلاً. وبحث الصبان عوده فيما عدا ليس، ولا يكون للاسم السابق لكن التزم فيه التذكير والإفراد ليكون كالاستثناء بإلا ولجريانه كالمثل مثل حبذا الزيدان. فلا يرد تنظير الرضي كما لا يرد على عوده للوصف أو المصدر ثم الجملة من هذه الأفعال الخمسة حال على التأويل باسم الفاعل أي قام القوم حال كونهم مجاوزين زيداً، لا يرد وجوب اقتران الحال الماضي بقد لأنه في غير الاستثناء كما قاله أبو حيان وقيل مستأنفة أي لم تتعلق بما قبلها في الإعراب، وإن تعلقت به معنًى فلا محل لها وصححه ابن عصفور، تصريح.
قوله: (بسابقي يكون) أي باللذين سبقاها في الذكر وهما خلا وعدا.
---(1/468)
قوله: (حرفا جر) أي يتعلقان بما قبلهما من فعل أو شبهه فموضع مجرورهما نصب به كسائر حروف الجر، وقيل لم يتعلقا بشيء تشبيهاً بالزائد وإنما محل مجرورهما نصب عن تمام الكلام أي الجملة قبله فهي الناصبة له محلاً على الاستثناء كما أن نصب تمييز السنة كذلك قيل. وهذا هو الصواب لعدم اطِّراد الأول في نحو: القوم أخوتك خلا زيد، ولأنهما لا يعديان معنى الأفعال إلى الأسماء بل يزيلانه عنها فأشبها في عدم التعدية الحروف الزائدة، ولأنهما بمنزلة إلا، وهي لا تتعلق بشيء، ويرد الأول بما مر من تصيُّد الفعل من الكلام، والثاني بأن التعدية إيصال معنى الفعل إلى الاسم على الوجه الذي يقتضيه الحرف من ثبوت أو نفي لا الثبوت فقط. ألا ترى أن انتفاء الفعل في نحو: لم أضرب زيداً لا يخرجه عن كونه مفعولاً به، والثالث بأنه لا يلزم مساواتها لا في جميع الوجوه ألا ترى أنهما يجريان وهي لا تجر.
قوله: (ولم يحفظ الخ) أليس كذلك بل ذكر الجر بخلا.
قوله: (تركنا الخ) ذكر البيت الأول ليدل على أن القافية مجرورة فيتم الشاهد من الثاني والحضيض بمعجمتين موضع، وبنات عوج أي بنات خيل عوج جميع أعوج، وهو فرس مشهور عند العرب، وعواكف أي مقيمين خاضين تأكل منها النسور لإبطال منعتها، وحيهم مفعول أبحنا فقتلاً تمييز محول عنه، أو هو المفعول، وحيهم نصب بنزع الخافض أي في حيهم والشمطاء هي المرأة التي يخالط سواد شعرها بياض الشيب لكبرها والرجل أشمط.
---(1/469)
قوله: (وجب النصب) أي لتعينهما بها للفعلية لأن ما المصدرية لا يليها حرف لكن يشكل عليه أنها لا توصل بفعل جامد كما في التسهيل، وأجيب باستثناء هذين أو أن المنع في الجامد أصالة، وهذان بالعروض، وموضع ما وصلتها نصب اتفاقاً فقيل على الظرفية، وما وقتية نابت هي وصلتها عن الوقت أي قاموا وقت مجاوزتهم زيداً وهو المعد ولأنه كثير ما يحذف الزمان وينوب عنه المصدر. وقال ابن خروف على الاستثناء، كما ينتصب غير في: قاموا غير زيد وقال السيرافي على الحال وفيها معنى الاستثناء أي قاموا مجاوزتهم زيداً أي مجاوزين له. وفيه أنهم صرحوا بمنع وقوع المصدر المؤول حالاً لتعرفه بالضمير المشتمل عليه.
قوله: (على جعل ما زائدة) إن قاله قياساً على زيادتها مع بعض الجر ففاسد. لأن ما لا تزاد قبل الجار بل بعده نحو عما قليل فيما رحمة أو سماعاً فهو من الشذوذ بحيث لا يحتج به.
قوله: (وحيث جرا) متعلق بالنسبة المأخوذة من قوله: فهما حرفان أي تثبت حرفيتهما جرا، وأدخل الفاء لإجراء الظرف بحرفي الشرط على حد: وإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ}
(الأحقاف:11)
أو أنه جرى على إجازة الفراء شرطية حيث مجردة من ما.
قوله: (كما هما) الظاهر أن ما مصدرية وصلت بجملة هما فعلان، والكاف متعلقة بنسبة الجملة قبلها على أنها صفة لمصدر متصيد منها أي تثبت حرفيتهما حيث جرَّا ثبوتاً كثبوت فعليتهما إن نصبا فتأمل.
قوله: (تستعمل فعلاً) ويأتي في فاعلها ومحلها جملتها ما مر على المشهور، وقال الفراء هي فعل لا فاعل له ولا مفعول، ونصب ما بعده على الاستثناء بالحمل على إلا ولم ينقل عنه ذلك في خلا وعدا مع إمكانه فيهما.
قوله: (وحرفاً فتجر) في متعلقها ما مر.
---(1/470)
قوله: (حاشا الشيطان) ليس بنظم كما قد يتوهم، وأبا الأصبع بفتح الهمزة فمهملة ثم معجمة، وإنما أتى بحاشا تهكماً لأنها إنما تستعمل في تنزيه المستثنى عن نقص كضربت القوم حاشا زيداً، ولا يحسن: صلى الناس حاشا زيداً، إلا إذا أريد المبالغة في خسته كما هنا فكأنها تنزه المغفرة عن الشيطان لخسته، عما بعده لالتحاقه به.
قوله: (ما حاشا فاطمة) تبع الشارح ابن المصنف في جعل ما في الحديث مصدرية، وحاشا استثنائية جامدة بناء على أنها من كلامه صلى الله عليه وسلّم، فاستدل به على أنه يقال: قام القوم ما حاشا زيداً، وليس كذلك بل ما نافية وحاشا فعل ماض متصرف متعدِّ من قولك: حاشيته أحاشيه إذا استثنيته على حد قوله:
249 ــــ ولا أَرَى فاعِلاً فِي النَّاسِ يُشْبِهُهُ
ولا أحاشِي مِنَ الأقْوَامِ مِنْ أَحَدِ(3)
فهي من كلام الراوي أي أنه صلى الله عليه وسلّم قال: أسامة أحب الناس إليّ ولم يستثن فاطمة بدليل ما في معجم الطبراني(4): ما حاشا فاطمة ولا غيرها وأما البيت فشاذ.
قوله: (رأيت الناس الخ) الظاهر أن مفعول رأيت الثاني محذوف، أي دوننا، كما قاله الدماميني. فالفاء تعليلية لهذا المحذوف أو تفريع عليه، أو أن جملة فأنا الخ هي المفعول الثاني بزيادة الفاء على رأي الأخفش في نحو: زيد فقائم. وقد روي: فأما الناس فالفاء في جوابها، وإن بالكسر على كل حال. وما قيل إنها تفتح إذا كانت هي المفعول الثاني لطلب العامل لها، ولا معلق له، سهو ظاهر لأن كونها مفعولاً ثانياً في باب ظننت مما يوجب كسرها نحو: ظننت زيداً أنه قائم، لأنها في الأصل خبر عن اسم ذات كما مر.j فكذا هذا وفعالاً بفتح الفاء أي كرماً أما بكسرها فجمع فعل.
---(1/471)
قوله: (حاش وحشا) ظاهره كالمتن، وشرح الكافية أنهما لغتان في حاشا الاستثنائية، وظاهر التسهيل أنهما في التنزيهيَّة وهو الأقرب لأنها لا تكون حرفاً باتفاق فتكون أقبل للتصرف مما يكون حرفاً، واعلم أن حاشا ثلاثة أقسام: الاستثنائية، وكونها فعلاً متصرفاً بمعنى استثنى وقد مرا، والثالث التنزيهيَّة أي الدالة على تنزيه ما بعدها عن نقص كحاش لله}(3). والصحيح أنها اسم لا فعل خلافاً للكوفيين بدليل تنوينها في قراءة ابن السماك حاشا الله، وإضافتها في قراءة ابن مسعود حاش الله كمعاذ الله وسبحان الله. وهل هي مصدر أو اسم فعل؟ صرح ابن الحاجب بالثاني قال: ومعنى حاش لله برىء الله، فاللام زائدة في الفاعل: كـ هَيْهَاتَ هَيْهَاتِ لِمَا تُوعَدُونَ}(4)
(المؤمنون:36)
وهو لا يظهر على قراءة الإضافة، وفسرها الزمخشري ببراءة الله فتكون مصدراً مرادفاً للتنزيه بدلاً من اللفظ بفعله أي تنزيهاً لله، كما يقال: رعياً لزيد. والعامل فيه فعل من معناه كويح وويل. والوجه أنها عند ترك تنوينهاً وإضافتها مبنية لشبهها بحاشا الحرفية لفظاً ومعنًى وقد مر أن الشبه اللفظي مما يجوّز البناء ولا يوجبه والله أعلم.
الحَالُ
الأفصح في ضميره، ووصفه التأنيث، وفي لفظه التذكير بأن يجرد من التاء فيقال: حال حسنة. ومنه قوله:
250 ــــ إِذَا أعجَبَتْكَ الدَّهرَ حَالٌ مِنِ امْرِىٍء
وألفها بدل على واو لجمعها عن أحوال وتصغيرها على حويلة، مشتقة من التحول، وهو التنقل.
قوله: (في حال) بلا تنوين لأن المضاف إليه منوي الثبوت أي في حال كذا وهو في محل جر بإضافة مفهم إليه من إضافة الوصف لمعموله على حذف مضاف أي مفهم معنًى في حال أي إن قولك: جاء زيد راكباً يفيد المعنى الذي في قولك: جاء زيد في حال الركوب، وهو بيان هيئة صاحبه كما سيذكره الشارح.
---(1/472)
قوله: (بأنه الوصف) المراد به ما دل على معنًى وذات متصفة به، وهو اسم الفاعل والمفعول والصفة المشبهة وأمثلة المبالغة وأفعل التفضيل، والمراد الوصف ولو تأويلاً لتدخل الجملة وشبهها والحال الجامدة لتأويل كل بالوصف المشتق.
قوله: (الفضلة) المراد بها ما ليس ركناً في الإسناد، وإن توقف صحة المعنى عليه نحو: ومَا خَلَقْنَا السَّموَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ}
(الأنبياء:16)
وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى}
(النساء:142)
.
قوله: (المنتصب) أي أصالة، وقد يجر بلفظه بالباء الزائدة بعد النفي كقوله:
251 ــــ فَمَا رَجَعَتْ بِخَائِبَةٍ ركابٌ
حَكِيمُ بْنِ المُسَيَّبِ مُنْتَهاهَا
ولا يرد أن النصب حكم من أحكام الحال فأخذه في تعريفه يؤدي للدور لتوقفه على التصور، والتصور على التعريف لأنه يكفي في الحكم التصور بوجه ما ولو بالاسم. فلا يتوقف على التصور المستفاد من الحد أو أن قوله المنتصب خبر لمحذوف، والجملة معترضة لا قيد في التعريف، وهذا ما يقتضيه صنيع الشارح حيث لم يخرج به شيئاً.
قوله: (للدلالة على الهيئة) أي هيئة صاحبه، وصفته وقت وقوع الفعل.
قوله: (لبيان المتعجب منه) أي لبيان جنسه هو بمعنى من البيانية لا في.
قوله: (بل لتخصيص الرجل) أي المقصود منه ذلك وإن كان فيه بيان الهيئة أيضاً لكن بطريق اللزوم والتبع لا بالقصد. فقوله: مفهم في حال، أي قصد المخرج هذا.
قوله: (لكن ليس مستحقاً) فائدته مع ما قبله دفع توهم كون غير الغالب واجباً في الفصيح كما قاله سم. وضمير ليس إما للكون فمستحقاً بفتح الحاء، أو للحاء فبكسرها، ومتعلقه حينئذٍ محذوف أي ليس مستحقاً له.
قوله: (أن يكون منتقلاً) أي لأنه مأخوذ من التحول، وهو التنقل، ومشتقاً لأنه صفة لصاحبه في المعنى، وهي لا تكون إلا مشتقة.
---(1/473)
قوله: (وقد تجيء الحال غير منتقلة) أي في ثلاث مسائل: إحداها كون عاملها مشعراً بتجدد صاحبها كما بعد مثاله الأول ونحو خُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً}
(النساء:28)
الثانية أن تكون مؤكدة إما لعاملها كـ أُبعثُ حَيّاً}
(مريم:33)
أو لصاحبها نحو: لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً}
(يونس:99)
أو لمضمون جملة قبلها كزيد أبوك عطوفاً، الثالثة أن يكون مرجعها السماع ولا ضابط لذلك كمثال الشرح الأول ونحو: قَائِماً بِالْقِسْطِ}
(آل عمران:18)
أُنْزِلَ إِلَيْكُمُ الكِتَابُ مُفَصَّلاً}
(الأنعام:114)
.
قوله: (الزرافة) بفتح الزاي أفصح من ضمها، حيوان معروف سمي له لطول عنقه زيادة عل المعتاد من زرف في الكلام زاد، كذا في القاموس. وقيل لأنها في صورة جماعة من الحيوانات فرأسها كالإبل، وجلدها كالنمر، وقرنها وقوائمها وأظلافها كالبقر، وذنبها كالظبي، والجماعة من الناس تسمى زرافة بالفتح والضم كما في المصباح، ويديها بدل بعض منها، وأطول حال من الزرافة كما في شرح الشذور، وقيل من يديها، ويروى يدها أطول مبتدأ وخبر، والجملة حال من الزرافة أو صفة لها لكون أل فيها جنسية. قال الغزالي: لما كانت الزرافة ترعى الشجر وتقتات به جعل يداها أطول ليسهل عليها ذلك.
قوله: (وجاءت به) أي ولدته أمه سبط العظام بفتح فسكون أو فكسر لكن في غير البيت أي ممتد القامة حسنها، واللواء الرية الصغيرة أي إن عمامته كاللواء في الارتفاع، والعلو على الرؤوس.
---(1/474)
قوله: (إذ المعنى مسعراً الخ) أي بفتح العين إن جعل مداً حالاً من المفعول، وهو الهاء الراجعة للبر مثلاً. وبكسرها إن جعل حالاً من الفاعل، وبكذا صفة لمداً أي كائناً بكذا، والمشتق المؤول به مأخوذ منه مع صفته، ويصح كون مد مبتدأ سوغه الوصف المقدر أي مد منه، وبكذا خبر، والجملة حال. وكذا يقال في: يداً بيد، أي يداً كائنة مع يد أو يد منه مع يد منك. ومن هذا يعلم أن قول المصنف وفي مبدي تأول عام بعد خاص لأن السعر من المؤول.
قوله: (أي مناجِزَة) بكسر الجيم اسم فاعل مضاف لضمير المشتري المعلوف من السياق أي مقابضة، ويصح قراءته بفتح الجيم مع تاء التأنيث على أنه مصدر فيؤول باسم الفاعل.
قوله: (أي مشبهاً لأسد) الأسد على هذا مستعمل في حقيقته والتجوّز. إنما هو بحذف الكاف. أما على قول التوضيح كرَّ زيد أسداً أي شجاعاً فمجاز لغوي بناء على مذهب السعد من تجويز الاستعارة في مثله.
قوله: (لظهور تأويلهما بمشتق) مثلهما ما دل على ترتيب كادخلوا رجلاً رجلاً، أو رجلين رجلين أي مرتبين، وضابطه أن يذكر المجموع أولاً ثم يفصل ببعضه مكرراً، والمختار أن كلاً منهما نصب على الحال وإن كانت الحال هي مجموعها، لكن لما لم يقبل المجموع من حيث هو مجموع النصب، جعل في أجزائه كما مر في حلو حامض، وجعل ابن جني الثاني صفة بتقدير مضاف أي رجلاً ذا رجل، أو مفارق رجل واستحسن بعضهم عطفه على الأول بتقدير الفاء إذ لا يعطف لفظاً بغيرها. وقال الرضي: وقد تعطف بثم ا هـ. ومن العطف لفظاً ادخلوا الأول فالأول أي مرتبين إلا أن هذا فاته الاشتقاق والتنكير أيضاً لتأوله بهما فهذه مع ما في المتن أربع مسائل تقع فيها الحال جامدة مع ظهور تأويلها بالمشتق بلا تكلف، وبقي ست مسائل لا يظهر تأويلها إلا بتكلف، وهي كونها موصوفة نحو: قُرْآناً عَرَبِيّاً}
(يوسف:2)
فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}
(مريم:17)
---(1/475)
بناء على أن تمثل بمعنى تشخص، أما على أنه بمعنى تصور فنصب بشراً بإسقاط الباء لا الحال لأن التصور في حال الملكية لا البشرية قاله اللقاني. والفرق بين هذه وبين: مداً بكذا ويداً بيد مع أن الكل موصوف، أن المقصود هنا الصفة وحدها وذكر ما قبلها تمهيداً وتوطئة لها. ولذلك تسمى حالاً موطئة كالخبر الموطىء في: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}
(النحل:55)
والحال في مداً الخ مجموعهما كما مر. أو كونها دالة على عدد نحو: فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً}
(الأعراف: 142)
أو على طور فيه تفضيل بالضاد المعجمة كهذا بسراً أطيب منه رطباً، أو نوعاً لصاحبها كهذا مالك ذهباً أو فرعاً له كهذا حديدك خاتماً: وَتَنْحَتُونَ الجِبَالَ بُيُوتاً}
(الأعراف:74)
أو أصلاً له كهذا خاتمك حديداً: أأسْجُدُ لَمَنْ خَلَقْتَ طِينَاً}
(الإسراء:61)
فهذه لا تؤول أصلاً لما فيها من التكلُّف والخفاء بخلاف الأربعة الأولى. ولهذا كثر وقوعها دون هذه. وقال ابن الناظم تبعاً لشرح الكافية: يجب تأويل الجميع أو مقروءاً عربياً ومتصفاً بصفات البشر من استواء الخلقة ونحوها، ومعدوداً ومطور بطور البسر والرطب، ومنوعاً ومصنوعاً ومتأصلاً. وفيه تكلف، وجعل الموضح السعر من القسم الثاني ليكون المصنف متعرضاً للقسمين فقوله: وفي مبدي تأول عطف مغاير لا عام لكن فيه أن تأويلها ظاهر بلا تكلف، فالأولى ما مر.
قوله: (إلا نكرة) أي لأن الغالب تعريف صاحبها فلو عرفت مع كونها مشتقة لتوهم أنها نعت عند نصب صاحبها أو خفاء الإعراب، وحمل غير الغالب عليه.
قوله: (وإن ما ورد) أي عن العرب، لأن تعريفها سماعي، كما قاله الشاطبي.
قوله: (الجمَّاء) بفتح الجيم وشد الميم ممدوداً كحمراء من الجموم وهو الكثرة ومنه قوله تعالى: حُبّاً جَمّاً}
(الفجر:20)
---(1/476)
أي كثيراً، وأنثه لأنه صفة المؤنث أي الجماعة الجماء أي الكثيرة، والغفير من الغفر وهو الستر أي الساترين لكثرتهم وجه الأرض، وحذف التاء منه وإن كان فعيل بمعنى فاعل تجب فيه المطابقة لأنه قد يحمل على فعيل بمعنى مفعول في إستواء المذكر والمؤنث فيه أو باعتبار معنى الجمع. ويقال أيضاً: جاؤوا جمّاء غفيراً بالنكير والمد، وجماء الغفير، وجم الغفير بالإضافة، والجم الغفير كما في الصحاح والقاموس فلا نظر لما قيل لا يذكر الغفير إلا مع الجماء بالمد لا الجم.
قوله: (وأرسلها العراك) أي في قول الشاعر:
252 ــــ فأَرسَلَها العِرَاك ولَمْ يَذُدْهَا
وَلَمْ يُشْفِقْ على نَغصِ الدِّخَالِ(2)
والضمير في أرسلها للإبل أو الخيل أو الأتن أي أرسلها للشرب معتركة، ولم يذدها أي لم يمتنعها عن ذلك ونغص الدخال أي تنغصها من مداخلتها في بعضها، وازدحامها على الماء فيتكدر وينغص عليها فلا تتم الشرب.
قوله: (واجتهد وحدك) هو مصدر وحد ويحد وحداً كوعد بعد وعداً إذا انفرد، فلذلك أُوِّلَ من تأويل المصدر باسم الفاعل وهو في ذلك حال من الفاعل قطعاً. وكذا في نحو: رأيت زيداً وحده، عند سيبويه، لأن المصادر إنما تجيء أحوالاً من الفاعل غالباً فالهاء مفعولة بحذف الجار أي حال كوني منفرداً به أي برؤيته، ولك جعله اسم مصدر لا وحده بالهمزه أي أفرده مؤولاً باسم الفاعل، فالهاء مفعوله بلا حذف، أي حال كوني موحده أي مفرده بالرؤية، وأجاز المبرد كونه حالاً من المفعول، وأوجبه ابن طلحة وضعف.
---(1/477)
قوله: (فاه إلى في) ما ذكره الشارح من أن فاه حال أحد أقوال، وإلى للتبيين كهي في سُقْيَاً لَكَ فلا تتعلق بشيء كما قال الدماميني، واستظهر الصبان أنها صفة لفاه كما في مداً بكذا، أي الكائن إلى في أي الموجه إليه ا هـ. وهذا من الجامد المؤول بالمشتق، والمؤول به مجموع فاه إلى في لدلالته على التفعل كما في يداً بيد أي مشافهة لكن انتفى فيه الاشتقاق والتنكير كأدخلوا الأول فالأول، وقيل: إن فاه نصب بمحذوف هو الحال أي جاعلاً فاه فناب عنه في الحالية، وقيل غير ذلك، ويروى فوه إلى في فالحال الجملة قال في التسهيل: ولا يقال قياساً على ذلك جاورته منزله إلى منزلي، وناضلته قوسه إلى قوسي خلافاً لهشام، لخروجه عن القياس بالتعريف والجمود، وعن الظاهر عن الرفع بالابتداء، وجعل الجملة حالاً، وينبغي جوازه عند بقية الكوفيين لأنه عندهم مفعول لمحذوف اعتماداً على فهم المعنى وذلك مقيس ا هـ دماميني.
قوله: (معتركة) الأولى معاركة لأن اسم فاعل العراك وقيل: العراك مفعول مطلق، والحال عامله المحذوف أي تعارك العراك أو عامله أرسلها على حذف مضاف ولا حال أي أرسلها إرسال العراك.
قوله: (مشافهة) إما مصدر أو اسم فاعل كما مر في مناجزة.
قوله: (مطلقاً) أي تضمن معنى الشرط أولاً قياساً على الخبر وعلى ما سمع منه.
قوله: (يقع بكثرة الخ) كلامه يشعر بأن وقوع المصدر المعرف حالاً قليل وهو كذلك وهو نوعان: علم جنس كجاءت الخيل بَدَادِ، بوزن حذام، فبداد علم جنس على التفرق. ومعرف بأل الجنسية كأرسلها العراك. والصحيح أنه مؤول بنكرة مشتقة كما في المنكر أي متبددة ومعتركة.
---(1/478)
قوله: (ليس بمقيس) أي عند سيبويه لأن الحال نعت في المعنى، والنعت بالمصدر لا يطرد فكذا ما بمعناه. وقد يقال غاية ما في ذلك إطلاق المصدر على الوصف مجازاً. ويكفي في صحة المجاز ورود نوعه على الصحيح، وقد ورد هنا فكيف لا يقاس عليه، والمجاز لا حجر فيه اللهم إلا أن يكون مبنياً على اشتراط، ورود شخص المجاز أو أن هذا اصطلاح للنحاة غير اصطلاح البيانيين لكن استظهر ابن هشام اطِّراده مطلقاً كما نقل عن المبرد أي سواء كان نوعاً كجاء زيد سرعة، أم لا كاطِّراده خبراً. فإن الحال أشبه به من النعت بدليل أنك لو حذفت عامل الحال تعين كونها خبراً عن صاحبها لتنكيرها وتعريفه. ولا كذلك النعت ولكثرة ما ورد منه.
قوله: (حق صاحب الحال) أي لأنه مبتدأ في المعنى وهو لا يكون في الغالب إلا معرفة أو نكرة بمسوغ.
قوله: (منها أن يتقدم الحال) أي فالتقديم هو المسوغ لكون صاحبها نكرة قياساً على المبتدإ إذا قدم خبره بناء على أن المسوغ هو التقديم.
قوله: (شحوب) كقعود بمعجمة فمهملة مصدر شحب جسمه من باب قعد إذا تغير، ويقال شحب شحوبة كسهل سهولة.وهو مبتدأ خبره بالجسم،، ومني صفة للجسم، وبيناً حال من شحوب على مذهب سيبويه من مجيء الحال من المبتدإ. وفيه حينئذ الشاهد. أما على مذهب الجمهور من امتناعه فهو حال من المستكن في الخبر. ولا شاهد فيه إذن. وكذا المثال قبله، وجملة لو علمته بكسر التاء خطاباً لمؤنث معترضة، وجواب لو محذوف أي لرحمتني.
---(1/479)
قوله: (فيها يفرق الخ) أي فأمراً حال من أمر الأول لتخصيصه بالوصف بحكيم أي محكم، والأمر الأول واحد الأمور، والثاني واحد الأوامر ضد النهي، أي حال كونه مأموراً به من عندنا. كذا عربه الناظم وابنه مع قولهما بامتناع الحال من المضاف إليه إلا بشرطه، وهو مفقود هنا. فالأولى كما قاله ابن هشام أنه حال من كل، أو من الضمير في حكيم، أو من فاعل أنزلناه، أي حال كوننا آمرين، أو من مفعوله، أو هو مفعول به لمنذرين، أو مصدر معنوي ليفرق أي يؤمر أو مفعول لأجله. ا هـ وقد يجاب عن الناظم بأن المضاف هنا كالجزء في صحة الاستغناء عنه من حيث أن لفظ كل بمعنى الأمر لأنها بحسب ما تضاف إليه فيسوغ مجيء الحال منه، أفاده الفارضي وزكريا.
قوله: (في فلك) بضمتين، وماخر بكسر المعجمة صفة له وهو الذي يشق البحر بسيره ومنه وَتَرَى الفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ}
(النحل:14)
واليم البحر، والشاهد في: مشحوناً أي مملوءاً حيث وقع حالاً من فلك مع أنه نكرة لتخصيصه بالوصف.
قوله: (ما حُمَّ) بضم المهملة أي ما قدر، وحمى بمعنى حماية نائب فاعله، وواقياً حال منه ومن موت متعلق بواقياً.
قوله: (لتقدم النفي) وفيه مسوغ آخر وهو اقترانها بالواو الحالية لأنها من المسوغات كقوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وهِيَ خَاوِيَةٌ}
(البقرة:259)
.
قوله: (خلافاً للزمخشري) أي في جعله الجملة صفة لقرية في نحو ذلك، الواو بينهما لتأكيد التصاق الصفة بالموصوف في المعنى، وإن فصلت بينهما لفظاً.
قوله: (بعد الاستفهام) أي إنكارياً أو غير على الأظهر.
قوله: (يا صاح) مرخم صاحب على غير قياس لكونه غير علم، وباقياً حال من عيش، وقوله فترى جواب الاستفهام الإنكاري أي فلا ترى.
قوله: (مستسهلاً) أي للبغي.
---(1/480)
قوله: (قطري) بفتح القاف والطاء المهملة نسبة إلى موضع يدعى قطراً بين البحرين وعُمان، والفجاءة بضم الفاء ممدوداً، وقطري هذا خارجي مكث عشرين سنة يقاتل(3) الحجاج، وغيره وسلم عليه بالخلافة ثلاث عشرة سنة، ثم قتل سنة ثمانية وسبعين من الهجرة كما في العيني، وصرح الشارح باسمه رداً على ابن المصنف حيث نسب البيت للطَّرِمَّاحِ بكسرتين وشد الميم آخره مهملة.
قوله: (إلى الإجحام) بتقديم الحاء المهملة على الجيم وعكسه مصدر أحجم كذلك إذا تأخر، والوغى بالمعجمة الحرب، والحِمام بكسر المهملة وتخفيف الميم الموت، ومتخوفاً حال من أحد، وبقي من المسوغات كون الحال جملة مع الواو كما مر لأنها ترفع توهُّم النعتية وكون الوصف بها على خلاف الأصل لجمودها نحو: هذا خاتم حديداً. وكون النكرة مشتركة مع معرفة أو نكرة مخصصة في الحال نحو: هذان زيد ورجل، أو رجل صالح وامرأة منطلقين.
قوله: (بلا مسوغ) هو مقيس عند سيبويه لأن الحال إنما دخلت لتقييد العامل، فلا معنى لاشتراط المسوغ في صاحبها وقصره الخليل ويونس على السماع.
قوله: (قعدة) بكسر القاف أي مقدار قعدته.
قوله: (مائة بيضاً) بكسر الباء حال من مائة لا تمييز لأن تمييز المائة يجب كونه مفرداً مجروراً بإضافتها إليه، تصريح.
قوله: (وسبق حال) مفعول مقدم لأبوا وهو مصدر مضاف لفاعله، وما مفعوله وجملة جر صلتها أي منعوا أن يسبق الحال على صاحبها المجرور بالحرف وكذا بالإضافة لكن هذا مجمع عليه فلا يجوز تقديم مسرعاً في عرفت قيام زيد مسرعاً إجماعاً، وكذا تقديمها إذا كانت محصوراً فيها نحو: وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ}
(الأنعام:48)
---(1/481)
أو كان صاحبها منصوباً بكأن أو ليت أو لعل أو فعل تعجب أو كان ضميراً متصلاً بصلة أل كالقاصدك صائلاً زيد، أو بصلة حرف مصدري كأعجبني أن ضربت زيداً مؤدباً، ويجب تقديمها على صاحبها المحصور كما جاء راكباً إلا زيد، والمضاف إلى ضمير ملابسها كجاء زائر هنداً أخوها.
قوله: (وذهب الفارسي الخ) محل الخلاف إذا كان حرف الجر أصلياً، أما الزائدة فتقدم عليه اتفاقاً كما جاء راكباً من رجل.
قوله: (هيمان صادياً) كلاهما بمعنى عطشان.
قوله حالان مترادفان لأن صاحبهما واحد وهو الياء، ويجوز جعل الثانية حالاً من الضمير في هيمان، فتكون متداخلة.
قوله: (فإنك تك أذواد) بالذال المعجمة جمع ذود وهو من الإبل ما بين الثلاثة إلى العشرة وفرغاً بكسر الفاء وفتحها مع سكون الراء آخره معجمة من قولهم ذهب دمه فرغاً أي هدراً لم يطلب بثأره، وحبال اسم ابن أخي الشاعر.
قوله: (عمله) أي عمل الحال أي العمل فيه. وهو نصبه بأن كان المضاف مما يعمل عمل الفعل، وقيل: الضمير للمضاف إليه أي إذا اقتضى المضاف العمل في المضاف إليه، من حيث أنه كالفعل لا من حيث الإضافة، وإنما اشترط أحد الأمور الثلاثة لوجوب اتحاد عامل الحال وصاحبها عند الجمهور كالنعت والمنعوت وصاحبها. إذا كان مضافاً إليه معمول للمضاف وهو لا يعمل في الحال إلا إذا أشبه الفعل بأن كان مصدراً أو صفة، وحينئذ فالقاعدة موفاة، فإن كان المضاف جزءاً أو كالجزء لمضاف إليه صار هو كأنه صاحب الحال لشدة اتصال الجزء بكله، فيصح توجه عامله للحال بخلاف غير ذلك. وذهب سيبويه إلى جواز اختلاف الحال وصاحبها في العامل لأنه أشبه بالخبر من النعت، وعامل الخبر غير عامل صاحبه وهو المبتدأ على الصحيح، ومقتضى ذلك صحة مجيئه من المضاف إليه مطلقاً، فليحرر، ثم رأيت في الصبان التصريح به.
---(1/482)
قوله: (إليه مرجعكم) مصدر ميمي بمعنى الرجوع، والقياس فتح جيمه لأن مضارعه مكسور العين مع صحة لامه فقياسه في المصدر الفتح، وفي الزمان والمكان الكسر.
قوله: (تقول ابنتى الخ) واحداً حال من الكاف المضاف إليها المصدر، والروع بفتح الراء الخوف، والمراد سببه وهو الحرب، وتاركي خبر إن مضاف لمفعوله الأول، وجملة لا أباليا مفعوله الثاني لأنه بمعنى مصيري، وخبر لا محذوفاً أي موجوداً.B
قوله: (إذ يصح الاستغناء الخ) وأيضاً فالملة لا تفارق الشخص كما لا يفارقه جزؤه.
قوله: (وقول ابن المصنف الخ) هو تابع لأبيه في شرح التسهيل.
قوله: (صرفا) بشد الراء صفة لفعل أي بأن يتغير من الماضي مثلاً إلى غيره قوله: (أشبهت المصرفا) أي الفعل المتصرف.
قوله: (يجوز تقديم الحال الخ) أي ولو مقترنة بالواو عند الجمهور، خلافاً للمغاربة.
قوله: (أو صفة الخ) مثلها المصدر النائب عن فعله كمجرد اضربا زيداً، وقد يعرض للمتصرف ما يمنع تقديم الحال عليه كاقترانه بلام ابتداء أو قسم: كأنَّ زيداً ليقوم طائعاً ولأصبرن محتسباً، أو كونه صلة لحرف مصدري نحو: لك أن تنتقل قاعداً، أو صلة لأل كأنت المصلي فذا فلا يقدم الحال في شيء من ذلك لأن اللام لها الصدر، ومعمول الصلة لا يتقدم.
قوله: (وقبل التأنيث الخ) أي قبولاً غير مقيد بشيء ليصح إخراج أفعل التفضيل فإنه إنما يقبل ذلك مع أل أو الإضافة لا مطلقاً وفيه أن فعيلاً بمعنى مفعول إنما يقبل ما ذكر إذا لم يجرِ على موصوف لا مطلقاً مع جواز تقديم الحال عليه فلعله مستثنى صبان.
قوله: (مخلصاً الخ) فيه تقديم معمول الخبر الفعلي على المبتدأ.
قوله: (كأفعل التفضيل) مثله اسم الفعل كنزال مسرعاً.
---
قوله: (مستقراً) حال مؤكد لعاملها، وهو في هجر كما قاله ابن قاسم وهو صريح في أن المراد به الاستقرار العام إذ هو المفهوم من الظرف. وقيل: خاص أي غير متحرك فهو حال مؤسسة على حد فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ}
(النمل: 40)(1/483)
لأن العام يجب حذفه لكن حقق بعضهم أن محل وجوب حذف العام إذا كان له معمول يقوم مقامه، وإلا جاز ظهوره. وهذا هو المتعين إذ لا شك في صحة: هذا ثابت هذا حاصل مثلاً، أفاده الصبان أي، وما هنا كذلك لأن الظرف في المثال معمول للخبر المحذوف لا لمستقراً، وفي الآية لرآه.
قوله: (وهو ما تضمن الخ) أي لفظ تضمن فليس المراد بالمعنوي هنا ما قابل اللفظي كالابتداء والتجرد فإن ذلك لا يعمل في الحال أصلاً، إذ لا يعمل إلا الرفع، وما ذكره المتن والشارح من العوامل المتضمنة ما ذكر خمسة: الظرف والمجرور والإشارة وحرفا التمني التشبيه، وبقي حرف الترجي كلعل زيداً أميراً قادم، والتنبيه كها أنت زيد راكباً فراكباً، حال من زيد أو من أنت على رأي سيبويه، والعامل فيه ها لتضمنها معنى أنبه والاستفهام المقصود به التعظيم:
253 ــــ كَيَا جَارَتَا ما أنت جارة
بناء على أن جارة حال لا تمييز، والنداء نحو: يا أيها الرجل قائماً، وعاشرها أما نحو: أما علماً فعالم، بناءً على تقدير مهما يذكر أحد في حال علم فالمذكور عالم فعلماً حال من مرفوع فعل الشرط الذي نابت عنه أما فلا تقدم الحال في شيء من ذلك على عاملها لضعفه قال الصبان: ويظهر أن من ذلك إن وأن ولكن. ا هـ وفي الكرخي على الجلال عند قوله تعالى: أَنَّ القُوَّةَ لله جَمِيعاً}
(البقرة:165)
ما قد يؤيده هذا، وفي المغني: المشهور لزوم اتحاد الحال وصاحبها في العامل وليس بلازم عند سيبويه ويشهد له: أعجبني وجه زيد متبسماً وصوته قارئاً. فإن عامل الحال الفعل، وعامل صاحبها المضاف وفي قوله:
254 ــــ لِميَّةَ مُوحِشاً طَلَلُ
---
عمل فيها الظرف وفي صاحبها الابتداء، وفي إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةٌ وَاحِدَةً}
(المؤمنون:52)
وَ أِنَّ هَذَا صِرَاطِي مسْتَقِيماً}
(الأنعام:153)
عمل فيها حرف التنبيه أو الاشارة، وفي صاحبها أن وفي قوله:
هَا بَيِّنا ذاً صريحِ النُصْحِ فاصْغ لهُ(1/484)
عمل فيها التنبيه وفي صاحبها غيره. ذلك أن تمنع أن موحشاً حال من طلل بل من ضميره في الظرف ليكون حالاً من المعرفة. وأما البواقي فالاتحاد موجود فيها تقديراً، إذ المعنى أشير إلى أمتكم وإلى صراطي، وتنبه لصريح النصح أي فالعامل في الحقيقة الفعل الذي أشير إليه بهذه الأدوات كأتمنى وأترجى، وفعل الشرط في أما فإسناد العمل إليها ظاهري فقط، وأما مثالا الإضافة فصلاحية المضاف فيهما للسقوط تجعل المضاف إليه كأنه معمول الفعل وعلى هذا فالشرط عند الجمهور الاتحاد تحقيقاً أو تقديراً. ا هـ ومن هنا يظهر وجه منعهم الحال من المبتدإ لأن الابتداء لا يصلح عاملاً في الحال لضعفه، فيحتاج إلى عامل غيره والاختلاف ممنوع. وأجازه سيبويه بناء على مذهبه من جواز ذلك. قال الرضي: وهو الحق، إذ لا دليل على وجوب الاتحاد، ولا ضرورة تلجىء إليه.
قوله: (وأحرف التمني والتشبيه) جمع الأحرف لأن التشبيه كأن والكاف فذكر الجر عام بعد خاص.
قوله: (وقد ندر الخ) أي فما ورد من ذلك يحفظ ولا يقاس عليه عند البصريين، وقاسه الفراء والأخفش مطلقاً ورجحه في الجامع والكوفيون إن كان صاحبها ضميراً كأنت قائماً في الدار، وقيل إن كانت الحال ظرفاً قوي تقديمها والأضعف. ورجحه في التسهيل. وضابط المسألة أن يكون الظرف خبراً مؤخراً، والحال بينه وبين المبتدإ كما رأيت أما تقدم الحال على الجملة كقائماً زيد في الدار، فممتنع إجماعاً كما في شرح الكافية ومحله إذا تأخر الخبر كالمثال. فإن تقدم بعد الحال كفداً لك أبي أمي، جاز عند الأخفش، وأجازه ابن برهان إذا كانت الحال المتقدمة ظرفاً نحو: هُنَالِكَ الوِلاَيَةُ لله الحَقِّ}
---
(الكهف:44)
فالعامل في الحال ظرف وهو لله، وتقدمت على الجملة لكونها ظرفاً.(1/485)
قوله: (في قراءة من كسر التاء) هو الحسن البصري وهي شاذة فمطويات حال متوسطة بين عاملها الظرفي الواقع خبراً وهو بيمينه. وبين مبتدئه وهو السموات أي، والسموات كائنة بيمينه حال كونها مطويات، وصاحب الحال إما السموات أو ضميرها في الخبر. ورد المانعون ذلك بأن السموات عطف على الضمير المستتر في قبضته لأنها بمعنى مقبوضة، ومطويات حال من السموات، وبيمينه ظرف لغو متعلق بمطويات، والتقدير: والأرض جميعاً مقبوضة له هي والسموات حال كونها مطويات بيمينه، والفصل المشروط للعطف على الضمير المستتر حاصل هنا بقوله: يوم القيامة.
قوله: (ونحو زيد الخ) مبتدأ خبره مستجاز، ويَهِنْ بالكسر أي يضعف وأصله يوهن حذفت الواو لوقوعها بين عدوّتيها الياء والكسرة، ونحو مضاف، وجملة زيد مفرداً إلى قوله: معاناً مضاف إليه لقصد لفظها، ولا حاجة إلى تقدير قول محذوف وهذا في قوّة الاستثناء من قوله:
أَوْ صِفَةٌ أَشْبَهَتِ المُصَرَّفا
كما بينه الشرح.
قوله: (وهما حالان) فقائماً حال من الضمير في أحسن، وقاعداً حال من الضمير المجرور بمن، والعامل فيهما أحسن.
قوله: (منصوبان بكان الخ) صريح في أن كان ناقصة، والذي في التصريح وشرح الجامع عن السيرافي أنها تامّة، والمنصوبات حالان من فاعلها. ونسب في شرح الجامع نقصانها لبعض المغاربة. ويرده أن فيه تكلف إضمار ستة أشياء إذا وكان واسمها أو فاعلها، أولاً وثانياً ويلزم عليه إعمال أفعل النصب في إذا مع تقدمها عليه فيقع في مثل ما فر منه إلا أن يجاب بالتوسع في الظروف دون الحال.
قوله: (زيد إذا كان الخ) أي يؤتى بإذا للاستقبال، وبإذ للماضي.
قوله: (فاعلم) جملة معترضة تعريضاً برد قول ابن عصفور الآتي.
---(1/486)
قوله: (يجوز تعدد الحال) أي لشبهه بالخبر في كونه محكوماً به في المعنى على صاحبها، وبالنعت في إفهام الاتصاف بصفة وإن لم يكن ذلك بالقصد، بل بالتبع بما هو المقصود منه وهو تقييد العامل وبيان كيفية وقوعه. ويجب تعدده مع إما نحو: إِمَّا شَاكِراً وإِمَّا كَفُوراً}
(الإنسان:3)
ومع لا كجاء زيد لا خائفاً، ولا آسفاً. وأما قوله:
255 ــــ قَهَرْتُ العِدَا لا مُسْتَعِيناً بِعَصْبَةٍ
ولكن بأنواع الخدائع والمكر
فضرورة.
قوله: (حالان من زيد) أي فهي حال مرادفة فإن جعلت الثانية حالاً من الضمير في الأولى كانت متداخلة. ومنع جماعة ابن عصفور ترادف حالين فأكثر على شيء واحد، لزعمهم أن العامل الواحد لا ينصب أكثر من حال قياساً على الظرف. فالمنصوب الثاني إما نعت للأول، أو حال متداخلة، واستثنوا أفعل التفضيل فإنه يعمل في حالين كما مر، لأنه باعتبار ما تضمنه من معنى المفاضلة بين شيئين في قوة عاملين إذ المعنى: زيد يزيد حسنه في حال قيامه على حسنه قاعد، أورد بأن القياس على الظرف مع الفارق. أذ يستحيل وقوع الفعل في زمانين أو مكانين بخلاف تقييد الحدث بقيدين مختلفين فجائز كالوصفين.
قوله: (ومثال الثاني) أي تعدد الحال لتعدد صاحبها. وهذا القسم إن اختلف فيه لفظ الحالين أو معناهما وجب تفريقهما إما مع تأخيرهما كما مثله. أو مع إيلاء كل حال صاحبها كلقي مصعداً زيداً منحدراً. وإن اتحدا لفظاً ومعنًى، وجب جمعهما لأنه أخصر. سواء اتحد معنى العامل عمله في صاحب الحال نحو: وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ دَائِبَيْنِ}
(إبراهيم:33)
والشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ}
(الأعراف:54)
---(1/487)
أو اختلف معنى العمل كجاء زيد وذهب عمرو مسرعين، أو عمله كضربت عمراً قائمين، وجاء زيد وضربت عمراً راكبين، ونقل عن الرضي أنه لا مانع من التفريق حينئذٍ كلقيت راكباً زيداً راكباً، أو لقيت زيداً راكباً راكباً. ويظهر أن العامل في الحال عند تعدد العامل مجموع العاملين لا كل مستقلاً، لئلا يجتمع عاملان على معمول واحد، أفاده الصبان.
فإن قلت: حيث إن تعدد الحال بالحمل على تعدد النعت فينبغي أنه لا يجمع إلا حيث يجوز جمع النعت وذلك بأن يتحد العامل معنًى وعملاً. وإلا وجب التفريق فلا يقال: جاء زيد وضربت عمراً العاقلين ولا: جاء زيد وذهب عمرو العاقلان، بل: يجعل كل نعت بجنب صاحبه لئلا يجتمع عليه مؤثران مختلفان، ويكون مرفوعاً منصوباً.
فالجواب أن الحال لكونه منصوباً أبداً لا يضره اختلاف عمل العاملين في صاحبه فيمكن ادعاء أن العامل فيه مجموعهما لاتحاد عملهما فيه، بخلاف النعت فإنه تابع لمنعوته في العمل فيلزم كونه مرفوعاً منصوباً مثلاً، وحمل عليه اختلاف المعنى فقط طرداً للباب فتدبر.
قوله: (إلى مايليق به) أي تقدم أو تأخر.
قوله: (بجعل أول الحالين لثاني الاسمين) ليتصل بصاحبه، ولا يعكس عند الجمهور للزوم فصل كل من صاحبه مع عدم القرينة فإن جعل كل حال بجنب صاحبها فلا كلام في جوازه.
قوله: (إلى مؤكدة) وهي التي يستفاد معناها بدونها. وادعى المبرد والفراء والسهيلي أن الحال لا تكون مؤكدة بل هي مبنية أبداً، لأن الكلام لا يخلو عند ذكرها من فائدة.
قوله: (وغير مؤكدة) ويقال لها مؤسسة ومبينة لأنها تبين هيئة صاحبها، ولا يستفاد معناها بدونها وهي الغالب.
قوله: (على قسمين) زاد الموضح ثالثاً وهي المؤكدة لصاحبها نحو: لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً}
(يونس:99)
.
---(1/488)
قوله: (لا تعث) يقال عثا يعثو عثواً، من باب قعد. وعثى عثياً من باب فرح. وعلى الثاني جاءت الآية وأما مثال الناظم، فإن كان بفتح المثلثة كلا تخش، فكذلك أو بضمها كلا تدع فمن الأول.
قوله: (مضمون الجملة) هو مصدر مسندها مضافاً للمسند إليه إن كان المسند مشتقاً كقيام زيد في: زيد قائم وقام زيد والكون المضاف للمسند إليه مخبراً عنه بالمسند إن كان جامداً ككون زيد أخاك في: زيد أخوك عطوفاً. وهذا هو الممكن هنا لما سيأتي من اشتراط جمود جزأي الجملة والتأكيد في الحقيقة للازم الكون أخاً وهو العطف، والحنوّ كما قاله الشنواني ففي كلامه حذف مضاف أي ما أكدت لازم مضمون الجملة.
قوله: (وشرط الجملة الخ) يمكن أخذ هذه الشروط من المتن فتعريف جزأيها من كونها مؤكدة بالحال إذ لا يؤكد إلا ما عرف عند البصريين، والاسمية والجمود من إضمار عامل الحال أو من كونها مؤكدة للجملة. إذ لو كان في الجملة فعل أو مشتق لكان عاملاً في الحال فلا يضمر عاملها، وتكون هي مؤكدة له لا لمضمون الجملة. والمراد الجمود المحض ليخرج نحو: أن الأسد مقداماً، فإنها مؤكدة لعاملها وهو الأسد لتأويله بالشجاع لا للجملة لأن ليس جامداً محضاً. وكذا زيد أبوك عطوفاً وهو الحق بيَّناً كما في التسهيل لتأويل الأب بالعاطف، والحق بالواضح فجمودهما ليس محضاً ولما كان عطف الأخ وحنوّه قليلاً بالنسبة للأب، وغير لازم له لزومه للأب لم يؤول به بل جعل جامداً محضاً بخلاف الأب.
قوله: (أنا ابن دارة) هي اسم أمه، ويا للاستغاثة وإنما كان معروفاً مؤكداً للجملة لاشتهار نسبه بذلك حتى لا يجهل.
قوله: (محذوف وجوباً) أي لأن الجملة كالعوض منه، ولا يجمع بين العوض والمعوض.
قوله: (في الأول) يعني به: زيد أخوك الخ، ويعني بالثاني الاثنين بعده، ومراده أن المبتدأ إذا كان غير أنا يقدر الفعل مبنياً للفاعل، ومع أنا للمفعول أو يقدر حقني فعل أمر.
---(1/489)
قوله: (أحقه) بفتح فضم من حققت الأمر بالتخفيف أي تحققته أو بضم فكسر من أحققته بمعنى أثبته، وأحق الثاني بضم ففتح لا غير.
قوله: (ولا يجوز تقديم الخ) أي لضعف عاملها بوجوب حذف فوجب تأخيرها عما هو كالعوض منه بخلاف المؤكدة لعاملها فإنها كالمصدر المؤكد يجوز تقديمه.
قوله: (وموضع الحال) ظرف مكان لتجيء شاذ لعدم اجتماعه معه في المادة، والمراد موضع الحال المفردة أو الأصلية فلا ينافي أن الجملة حال حقيقة لا نائبة عنها، بدليل تقسيمه الحال إلى مفرد وجملة، كالخبر والنعت.
قوله: (ولا بد فيها من رابط) لا بد أيضاً من كونها خبرية غير تعجبية، ولا مصدرة بعلم استقبال كسوف، ولن وأداة الشرط. فلا يقال: جاء زيد إنْ يسأل يعطَ لاستقبالها كما قاله المطرزي فإن أردت صحة ذلك فقل: وهو أن يسأل الخ فتكون جملة اسمية، دماميني. وصحح بعضهم وقوعها حالاً في نحو لأضربنه إن ذهب أو مكث، لانسلاخ الشرط حينئذ عن أصله إذ المعنى: لأضربنه على كل حال، وجعل منه: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ}
(الأعراف:176)
على كل حال لكن يبعد الانسلاخ في الآية وجود جواب الشرط فتأمل.
قوله: (وواو الابتداء) أي لدخولها كثيراً على المبتدإ وإن لم تلزمه أو لوقوعها في ابتداء الحال.
قوله: (صحة وقوع إذ موقعها) أي لأنها تشبه إذ في كونه هي وما بعدها قيداً للعامل السابق كما أن إذ كذلك. وليس المراد أنها بمعناها إذ الحرف لا يرادف الاسم.
قوله: (إن صدرت بمضارع) خرج المصدر بمعموله فتربط بالواو. ولذا جوِّز البيضاوي جعل: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين}
(الفاتحة:5)
حالاً من فاعل نعبد، وقوله مثبت أي غير مقترن بقد وإلا لزمته الواو نحو: وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ الله}
(الصف:5)
وكما تمتنع في المثبت تمتنع في المنفي بلا، كما في الشارح نحو: وَمَا لَنَا لاَ نُؤْمِنُ} مَا لِي لاَ أَرَى الهُدْهُدَ}
---
والمنفي بما كقوله:(1/490)
256 ــــ عَهِدتُك ما تَصْبُو وَفِيكَ شَبِيبَةٌ
فَمَا لَكَ بَعْدَ الشَّيبِ صَبّا مُتيَّماً
بخلاف المنفي بلم أو لما، فإن مضية يقربه من الماضي الجائز الاقتران بها. وكذا تمنع في الجملة المعطوفة على حال قبلها نحو: فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَائِلُونَ}
(الأعراف:4)
والمؤكدة لمضمون جملة كهو الحق لا شك فيه: ذلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ}
(البقرة:2)
والجملة التالية الاسمية كانت كما ضربت أحداً إلا زيداً خير منه أو ماضوية. كما تكلم زيد إلاّ قال حقاً: وَمَا يَأتِيهِم مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كَانُوا}
(الحجر:11)
الخ وشذ قوله:
257 ــــ نِعْمَ امْرَأ هَرِمٌ لَمْ تَعْرُ نَائِبةٌ
إِلاَّ وَكَانَ لِمُرتَاعٍ بِهَا وِزْرَا(2)
وقيل غير شاذ، وجملة الماضي المتلو بأو نحو لأضربنه ذهب أو مكث ومنه قوله:
258 ــــ كُنْ لِلْخَلِيل نَصِيراً جَارَ أَوْ عَدَلاَ
وَلاَ تَشِحَّ عَلَيْهِ جَادَ أَوْ بَخِلا(3)
فهذه سبع مسائل تمتنع فيها الواو غير المضارع المثبت.
قوله: (تُقاد الجنائبُ) جمع جنيبة وهي الفرس تساق بين يدي الأمير بلا ركوب.
قوله: (أظافيرهم) أي أسلحتهم.
قوله: (إما أن تكون اسمية الخ) يؤخذ من كلامه ست صور تمتنع الواو في واحدة، وتجوز في الخمسة الباقية. وليس على إطلاقه في بعضها كما مر، وسننبه عليه.
قوله: (الجمل الاسمية) أي غير المؤكدة لمضمون جملة، والمعطوفة على حال، والواقعة بعد إلا كما مر.
قوله: (والمضارع النفي) أي بغير لا وما.
قوله: (والماضي المثبت) أي غير التالي لِلاَ، والمتلوُّ بأو. واشترط البصريون اقترانه بقد مطلقاً ظاهرة أو مقدرة. والمختار لا تلزمه إلا مع الواو كجاء زيد وقد قام أبوه، فإن قيل: وقام أبوه وجب تقدير قد، ويجوز إثباتها وعدمه في غير ذلك إلا ما يمتنع قرنه بالواو، فتمتنع فيه قد أيضاً.
---(1/491)
قوله: (خطل) بمهملة فمعجمة أي منع قوله: (يحذف عامل الحال) أي غير المعنوي أما هو كالظرف واسم الإشارة فلا يحذف عُلِم أو لا أما الحال نفسها فالأصل جواز حذفها لأنها فضلة، وقد يمتنع ككونه محصوراً فيه نحو ما ضربت زيداً إلا قائماً، أو نائباً عن عامله: كـ هَنِيئاً مَرِيئاً} أي كُلْه هنيئاً أو توقف عليه المراد كـ قَامُوا كُسَالَى}
(النساء:142)
أو جواباً، أو نائباً عن خبر كان، ومثالها في الشرح فلا تحذف الحال في شيء من ذلك.
قوله: (اشترتيه الخ) أي من كل حال تفهم ازدياداً أو نقصاً بتدريج، ويجب اقترانها بالفاء أو بثم كما يجب حذف عاملها. وصاحبها كما قدره الشارح بقوله: فذهب الثمن، فالمعطوف بالفاء جملة خبرية محذوفة فإن قدر فاذهب بالعدد صاعداً كانت إنشائية. وكذا يجب حذف العامل في الحال الواقعة توبيخاً نحو: أقائماً. وقد قعد الناس أي أتثبت قائماً، وحذف العامل في كل ذلك قياسي، أما في نحو هنيئاً فسماعي، والله سبحانه وتعالى أعلم.
التَّمْييزُ
هو لغةً تخليص شيء من شيء ومنه: وَامتَازُوا اليَوْمَ أَيُّهَا المُجْرِمُونَ}
(يس:59)
أي انفردوا عن المؤمنين أطلق على الاسم الآتي مجازاً من إطلاق المصدر على اسم الفاعل، ثم صار فيه حقيقة عرفية.
قوله: (اسم) أي صريح لأن التمييز لا يكون جملة، ومبين صفة لاسم، ولا يصح، جره صفة لمن، لأنها معرفة لقصد لفظها فلا توصف بالنكرة، ولا نصبه حالاً منها إذ لا يساعده الرسم إلا عند ربيعة.
---(1/492)
قوله: (بما قد فسره) الضمير المستتر في: فسره يعود للتمييز، والبارز لما فهو صلة جرت على غير صاحبها. ولم يبرز لأمن اللبس كما مر. واعترضه الموضح بأنه يقتضي نصب التمييز بالمفسر به مفرداً كان أو نسبة. مع أن تمييز النسبة إنما ينصب بغير مفسره، وهو نفس الجملة أو ما فيها من فعل أو شبهه على الخلاف الآتي لا بالنسبة المفسرة، وأجاب الأشموني بأن كلاًّ من الجملة والفعل يوصف بالإبهام من حيث نسبته فيصح كون التمييز مفسراً لهذا أو لهذا باعتبار نسبتهما. فيصدق أنه نصب بمفسره، فالمتن على عمومه، ويجري على كل من القولين، أو يقال هو خاص بتمييز المفرد بدليل قوله: انصبن بأفعلا، فإنه يدل على أن أفعل ليس مفسراً به وإلا كان محض تكرار فيقاس عليه ما أشبهه من تمييز النسبة أو أنه مقيد بقوله: كشبر أرضاً، بأن يجعل حالاً من ما، أي ينصب بالذي فسره حال كونه كشبر أرضاً، فيخرج تمييز النسبة. وعلى هذين فإنما خص المفرد بالذكر لأنه جامد غالباً، فربما يتوهم أنه لا يعمل.
قوله: (وقفيز برا) مقدار القفيز من الأرض مائة وأربعة وأربعون ذراعاً، ومن الكيل ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع كما في الصبان، وفي السجاعي صاعان ونصف، وفي الصحاح المكوك ثلاث كيلجات، والكيلجة مناً وسبعة أثمان منا، والمنا كعصا أفصح من المن بالتشديد: رطلان، وتثنية منوان، وجمعه أمناء ا هـ. وهذا أقرب إلى الثني فالقفيز مقدار مساحي وكيلي، والمراد هنا الثاني لذكر المساحي في شبر أرضاً، والوزني في منوين كما يؤخذ من صنيع الشارح، وجمعه أقفزة وقفزان كركبان وهو للعراقي كالأردب لمصر، والمربد للحجاز، والرستاق لخراسان.
قوله: (كل اسم الخ) لاحظ في التعريف كونه ضابطاً فأدخل فيه كل التي للأفراد.f وليس حداً حقيقياً وارداً على الماهية حتى تنافيه كل، لكن اعترض بأنه يشمل نحو: عندي عشرةٌ دراهمَ بتنوين عشرة: واثْنَتَيْ عَشْرَةً أَسْبَاطاً}
---
(الأعراف: 16)(1/493)
لأنه على معنى من، مع أنه ليس تمييزاً بل بدل، لأن تمييز العشرة لا يرفع، وتمييز العدد المركب لا يجمع. ويجاب بأنه ليس على معنى من بل المراد عشرة هي دراهم، واثنتي عشرة هي أسباط، وأما المجرور في نحو: رطل زيت وقفيز بر بالإضافة فلا يرد لأنه يسمى تمييزاً. كما هو مقتضى كلام المصنف والشارح فيما سيأتي وغيرهما. وعلى منع ابن هشام تسميته بذلك يحتاج لإخراجه من الضابط بملاحظة قيد النصب، كما فعل في التسهيل، وإن كان حكماً.
قوله: (نكرة) خرج المعرفة في نحو: حسن وجهه بالنصب فإنه مشبه بالمفعول به لا تمييز عند البصريين، ولا يرد: وطبت النفس، لأن أل فيه زائدة.
قوله: (تضمن معنى من) ليس المراد أنها مقدرة في الكلام إذ قد لا يصلح لتقديرها بل إنه مفيد لمعناها، وهو بيان ما قبله أي بيان جنسه. ولو بالتأويل كما أن من البيانية كذلك فشمل تمييز العدد والمقادير ونحوهما. فإنه يبين جنس المعدود مثلاً وتمييز النسبة فإنه يبين جنس الشيء المقصود نسبة العامل إليه فمثلاً: طاب زيد نفساً، في تأويل طاب شيء زيد أي شيء يتعلق به وجنس هذا الشيء مبهم ففسر بنفساً.
قوله: (كاسم لا) مقتضى صنيعه أنه أراد بمعنى من ما يعم البيان وغيره من معانيها حتى يدخل فيه اسم لا يحتاج لإخراجه بقيد البيان، لكن يرد عليه حينئد أن الحال لا تخرج بقوله: بمعنى من لأنها ترد للظرفية نحو: إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ}
(الجمعة:9)
بل بمبين مع ملاحظة قيد آخر أي مبين للذوات لا للهيئات. وقد يجاب بأن المراد معاني من المشهورة لها كالابتداء والتبعيض والاستغراق، فتخرج به الحال لأن الظرفية لم تشع فيها فمبين على هذا مخرج لاسم لا فقط أو أنه أراد بمعنى من خصوص البيان فيخرج به اسم لا كالحال، فقوله مبين قرينة على المراد للإخراج، والأول أكثر فائدة.
---(1/494)
قوله: (إجمال نسبة) التحقيق كما قاله ابن الحاجب أن التمييز إنما يفسر الذوات مطلقاً. غاية الأمر أنها مقدرة في تمييز النسبة، إذ لا إبهام في تعلق الطيب بزيد مثلاً الذي هو النسبة، بل في متعلقها المنسوب إليه الطيب فيحتمل كونه داره أو علمه مثلاً. فالتمييز في الحقيقة لأمر مقدر يتعلق بزيد كما مر بيانه، وإنما سمي تمييز نسبة نظراً للظاهر.
قوله: (بعد المقادير) أي ونحوها مما أجرته العرب مجراها لشبهه بها في مطلق المقدار، وإن لم يكن معيناً، كذنوب ماء ونحى سمناً، لشبهه بالكيل وعلى التمرة مثلها زيداً لشبهه بالوزن أو المساحة، والحاصل أن تمييز المفرد يكون في أربعة أنواع كما في التوضيح المقادير وما يشبهها، والعدد. والرابع ما كان فرعاً للتمييز كخاتم حديداً، وليس هذا حالاً عند المبرد والمصنف لجموده وتنكير صاحبه ولزومه. والغالب في الحال خلاف ذلك أما نحو: خاتمك حديداً فيتعين حالاً لتعريف صاحبه، وأوجب سيبويه فيهما الحالية لأنه ليس مقداراً ولا شبهه، دماميني. وأما تمييز التعجب فسيأتي ما فيه.
قوله: (والأعداد) ظاهره أن العدد من المقادير. وعليه ابن الحاجب، وجعله المصنف قسيمها لا قسماً منها لعدم صحة إضافة المقدار إليه، فلا يقال عشرة، كما يقال: مقدرا شبر إسقاطي، أي فالمراد بالمقدار ما يقدر به غيره كالرطل للزيت مثلاً. وأما العدد فهو نفس المعدود، إذ العشرة هي نفس الرجال. وعلى هذا فيعطف قوله، والأعداد عن المقادير لا على الممسوحات.
قوله: (بما فسره) أي بلا خلاف وإنما عمل المفسر بالفتح مع جموده لشبهه اسم الفاعل في الاسمية، وطلب معموله في المعنى، ووجوده ما به تمام الاسم وهو التنوين والنون فعشرون درهماً شبيه بضاربين زيداً، ورطل زيتاً، بضارب زيداً. وقيل لشبهه بأفعل من، ورجحه المصرح.
---(1/495)
قوله: (لبيان ما تعلق العامل الخ) صريح في أن المبهم ليس هو النسبة بل ذات مقدرة كما مر عن ابن الحاجب، فالتقسيم المار إنما هو بحسب الظاهر.
قوله: (من فاعل أو مفعول) بيان لما، واقتصاره عليهما يقتضي أن تمييز النسبة لا ينقل عن غيرهما. وسيأتي ما في أفعل التفضيل، ثم أنه قد يكون غير محوّل أصلاً كتمييز التعجب في: لله دره فارساً، ونحوه، بناء على أنه من تمييز النسبة. وككرم زيد رجلاً أو ضيفاً، إن كان هو الضيف فإنه غير محوّل عن شيء، ولا يصح تحويله عن الفاعل بتقدير أن الأصل كرمت رجولية زيد أو ضيافته لأن هذا المصدر عين التمييز فإن كان الضيف غير زيد كان محولاً عن الفاعل، ومنه امتلأ الإناء ماءً، بناءً على أن المحوّل عن الفاعل لا بد من صحة كونه فاعلاً للفعل المذكور إما على الاكتفاء بصحة كونه فاعلاً ولو للازم المذكور وهو التحقيق، فمحوّل عن الفاعل. والأصل ملأ الماء الإناء والضابط أنه متى كان المنسوب إليه الحكم ظاهراً نفس التمييز في المعنى، كان غير محوّل أصلاً كنعم رجلاً زيد، وما أحسن زيداً رجلاً. وإن كان في المعنى فاعلاً في الأول، ومفعولاً في الثاني بخلاف: ما أحسن زيداً أدباً، فإنه محوّل عن المفعول أي ما أحسن أدب زيد لأنه غير المنسوب إليه الحسن في المعنى، فتدبر.
قوله: (نحو طاب زيد نفساً) أي ونحو: عجبت من طيب زيد نفساً وزيداً طيب نفساً، فهو محوّل عن فاعل المصدر أو الوصف، والأصل عجبت من طيب نفس زيد، وزيد طيبة نفسه. فالنسبة المميزة لا يلزم كونها في جملة بل تكون في غيرها كما مثل.
---(1/496)
قوله: (ومثله اشتعل الخ) أي في أنه محوّل عن الفاعل إذ الأصل: اشتعل شيب الرأس، فحوّل الإسناد عن المضاف إلى المضاف إليه وهو الرأس فارتفع بدله، وحصل في الإسناد إليه إبهام فجيء بذلك المضاف الذي كان فاعلاً، وجعل تمييزاً لأن التفصيل بعد الإجمال أوقع في النفس. وكذا يقال في الباقي. وقد شبه سريان الشيب في جميع الرأس باشتعال النار في الحطب بجامع العموم أو البياض أو استعقاب الفناء في كلِّ، فاشتعل استعارة تبعية لمعنى امتلأ، أو شبه الشيب بالنار استعارة بالكناية، واشتعل تخييل، والجامع ما مر.
قوله: (هو العامل الذي قبله) أي من فعل أو شبهه كما مر مثاله. وقيل: الناصب له نفس الجملة، ولذلك يسمى التمييز المنتصب عن تمام الكلام أي عن تمام الجملة، لأنها هي الناصبة له. واختاره ابن عصفور وقد مر صحة حمل المتن على المذهبين.
قوله: (بعد ذي) أي المقدرات ونحوها أي مما يشبهها كيلاً أو وزناً أو مساحة. وقوله: إذا أضفتها أي إلى التمييز بقرينة البيت بعد لأنه تقييد لهذا، أي فتمييز المقدرات إذا أضيفت له جر، أو لغيره نصب.
قوله: (كمد حنطة) مبتدأ، وغذا خبر كما في المكودي، أو الخبر محذوف أي عندي وغذا بدل أو حال، والكاف جارة للجملة لقصد لفظها.
---(1/497)
قوله: (إن كان مثل الخ) اسم كان ضمير يعود على ما الموصولة أو على المضاف المفهوم من أضيف، ومثل خبرها أي إن كان المقدار الذي أضيف مثل المضاف في: ملء الأرض ذهباً، في أنه مضاف لغير التمييز، وجب النصب بعده، هذا ما يفيده حل الشارح. وقال الأشموني والمرادي: إن كان أي المضاف مثل ملء الخ أي في أنه لا يصح إغناؤه عن المضاف إليه، ومثله قدر راحة سحاباً إذ لا يقال: ملء ذهب ولا قدر سحاب، فإن صح إغناء المضاف عن المضاف إليه جاز النصب والجر بالإضافة بعد حذف المضاف إليه الأول كأشجع الناس رجلاً وأشجع رجل ا هـ، وفيه أن الذي يغني عن المضاف إليه في أشجع الناس الخ ليس هو المضاف بل التمييز كما يستفاد من الهمع، لأنه الذي يحل في محله فالأولى على هذا أن يعود اسم كان إلى التمييز المعلوم من المقام، أي إن كان التمييز مثل ملء الخ، في أنه لا يصح إغناؤه عن المضاف إليه وجب نصبه، وينبغي أن يراد بقوله: بعد ما أضيف أي لغير التمييز ما يعم المقدرات وغيرها ليكون للتقيد بقوله: إن كان الخ.
فائدة: إذ محترزه وهو ما يغني عن المضاف إليه لا يكون في المقدرات وشبهها فلا حاجة لإخراجه منها. ولأن مما يجب فيه النصب لإضافته لغير التمييز مع عدم إغناؤه نحو: لله دره فارساً، وويحه رجلاً، كما في الهمع. لكن يرد على هذا أن التمييز ليس للمضاف الذي هو در وويح، بل للمضاف إليه وهو الضمير على ما سيأتي. فالأوجه أو وجوب النصب فيه ليس لما ذكره بل لعدم تأتِّي إضافة المميز إليه فتأمل.
قوله: (فيجوز جر التمييز الخ) ظاهره كالمتن أنه يسمى تمييزاً عند جره. وقال ابن هشام بخلافه، وإنما يجوز الجر إذا أريد بالشبر ونحوه نفس الشيء المقدر من البر والأرض مثلاً، فإن أريد به الآلة التي يقدر بها وجب الجر لكن هذا ليس تمييزاً أصلاً، لأنه على معنى اللام لا من. ولذا لم يتعرض له المصنف والشارح.
---(1/498)
قوله: (فإن أضيف الدال على المقدار) قيد به لأن الكلام في المقدرات وإن كان غيرها كذلك، ولذا أطلقه المرادي والأشموني، لكن الشارح جعل قوله: إن كان الخ، لبيان الواقع وبيان المراد من أضيف لا للاحتراز كما مر، فلا يضره التقييد بها.
قوله: (وجب نصب التمييز) أي بالنسبة إلى عدم الإضافة فلا ينافي جواز جره بمن أخذاً مما سيأتي.
قوله: (والفاعل المعنى) مفعول لأنصبن قدمه مع تأكيده بالنون للضرورة. والمعنى نصب بنزع الخافض كما في السندوبي، أو هو مفعول للفاعل إما منصوب أو مجرور بإضافته إليه من إضافة الوصف لمعموله، أي الفاعل الذي فعل المعنى أي قام به لأن فاعل العلو مثلاً في الحقيقة أي القائم به العلو هو المنزل.
قوله: (إذ يصح جعلهما فاعلين الخ) ظاهره كالمتن. إن هذا التمييز محوّل عن الفاعل الاصطلاحي كما ذهب إليه بعضهم ويؤيده حصره فيما مر تمييز النسبة في الفاعل والمفعول، وفيه أنه يفوت التفضيل المستفاد من أفعل، إذ لم تبنِ العرب فعلاً يؤدي معناه حتى يوضع مكانه. ولذا حقق ابن هشام أنه محوّل عن مبتدإ مضاف. والأصل منزلك أعلى فجعل المبتدأ تمييزاً والضمير المضاف إليه مبتدأ فانفصل وارتفع. وعلى هذا فمراده بقوله، والفاعل المعنى أن هذا التمييز هو المنسوب إليه المعنى أي المتصف به في الحقيقة لا أنه محوّل عنه ا هـ. وقد يجاب بإمكان أن يراد: علا علواً زائداً، وكثر كثرة زائدة، فلا يفوت التفضيل بتحويله عن الفاعل أو بأن فواته غير ضار إذ لا يجب بقاؤه في الفعل الموضوع مكان أفعل في غير هذا الباب فكذا فيه، فتدبر.
قوله: (ومثال ما ليس بفاعل الخ) ضابطه أن يكون أفعل بعضاً من جنس التمييز بأن يصح وضع لفظ بعض مكانه فتقول في مثاله: زيد بعض الرجال وهند بعض النساء، فيجب فيه الجر لوجوب إضافة أفعل لما هو بعضه وإنما نصب: في أكرم الناس رجلاً، مع أنه بعضه، لتعذر إضافة أفعل مرتين. فالحاصل أن تمييز أفعل ينصب في صورتين ويجر في صورة.
---(1/499)
قوله: (وبعد كل الخ) قيل لا فائدة في هذا البيت إذ الإتيان بالتمييز جائز بعد التعجب وغيره فلا خصوصية له، وأجيب بأن المراد بقوله: ميز أي بالنصب وجوباً كما يشعر به المثال فيمتنع جره بالإضافة.
قوله: (ما دل على تعجب) أي بالوضع وهو ما أفعله وأفعل به أو بالعرض نحو: لله دره فرساً، وما بعده. والتمييز في كل ذلك من تمييز النسبة كما قاله الموضح لكن نقل سم عن شرح التسهيل أن التمييز في نحو: لله دره فارساً لا يكون من تمييز النسبة إلا إذا علم مرجع الضمير كزيد لله دره فارساً ويا له رجلاً، وحسبك به ناصراً ولله درك عالماً، أو كان بدل الضمير ظاهراً كللَّه در زيد رجلاً، فإن جهل المرجع كان من تمييز المفرد لأن افتقار الضمير المبهم إلى بيان عينه أشد من افتقاره لبيان نسبة التعجب إليه، والضمير المعلوم بالعكس، ا هـ وهو في الرضي أيضاً، ثم قال ما ملخصه: فتمييز النسبة قد يكون نفس المنسوب إليه كهذه الأمثلة، إذ المعنى: لله در رجل هو زيد وكفى رجل هو زيد الخ. وهو في ذلك غير محول كما مر، وقد يكون متعلقه كما في طبت علماً ا هـ. والظاهر جريان هذا التفصيل في ضمير ما أفعله وأفعل به، وأما الضمير في نعم وبئس فقال الرضي وغيره من تمييز المفرد وإن علم مرجعه لأنه لا يعود إلا على التمييز، ونقل عن المصنف أنه من تمييز الجملة ومثله: رُبَّهُ رجلاً. وأما تمييز كم فمن تمييز العدد لأنه كناية عنه.
قوله: (ولله درك عالماً) الدر بفتح الدال اللبن. فيحتمل أنه كناية عن فعل الممدوح أو يراد به لبن ارتضاعه أي ما أعجب هذ اللبن الذي نشأ به مثل هذا المولود الكامل في هذه الصفة. وعلى كلِّ فإضافته لله للتعظيم لأنه منشىء العجائب.
---
قوله: (يا جارتا) مضاف لياء المتكلم المنقلبة ألفاً كيا غلاماً، وما للاستفهام التعظيمي مبتدأ، وأنت خبره، وجارة تمييز للنسبة لأن الضمير معلوم المرجع بالخطاب، أي لبيان جنس ما وقع عليه التعجب وهو الجوار.(1/500)
قوله: (إن شئت) أشار به إلى جواز الجر لا أنه واجب، وقوله غير ذي العدد أي الصريح فلا ينافي أن تمييز كم يجر بمن وهو من ذي العدد لأنها غير صريحة فيه.
قوله: (والفاعل) بالجر عطف على ذي أي وغير الفاعل، والمعنى منصوب أو مجرور على ما مر.
قوله: (إن لم يكن فاعلاً) أي محولاً عنه فالشرط عدم تحويله عن الفاعل الاصطلاحي، ومنه أفعل التفضيل على ما مر. وكذا عن المفعول لأن المحول عنهما مفسر للنسبة أو لذات مقدرة على ما مر فلا يصلح للحمل على المذكور قبله. وذلك شرط في مجرور من البيانية، وكذا التمييز في: عشرون رجلاً، لا يصلح للحمل. لأنه مفرد، وما قبله متعدد فامتنعت من في هذه الثلاثة بخلاف غيرها من تمييز المفرد غير العدد وتمييز النسبة غير المحول أصلاً، وإن كان فاعلاً أو مفعولاً في المعنى كلّله درك فارساً، وأبرحت جاراً وما أحسن زيداً رجلاً فيجوز جره بمن وإن كان في الأولين فاعلاً في المعنى لأن مدلوله الظاهر والضمير شيء واحد إذ المعنى عظمت فارساً وعظمت جاراً، وفي الثالث مفعولاً معنًى لكنه غير محول لأنه عين ما قبله ومن الجر قوله:
354 ــــ يا سيِّداً ما أَنْتَ مِنْ سَيِّدٍ
مُوَطَّأ الأَكْنَافِ رحب الذِّراعْ(3)
وكذا يجر في: نعم رجلاً زيد، لأنه غير محول كما مر كقوله:
260 ــــ فَنِعْمَ المَرءُ مِنْ رَجُلٍ تَهَامِي(4)
قوله: (غرست الأرض الخ) مثال غير صحيح لأنه محول عن المفعول. وقد سمعت ما فيه.
قوله: (سبقا) ماضي مجهول ونائب فاعله يعود للفعل، ونزراً صفة مصدر محذوف أي سبق سبقاً نزراً لا حال من ضمير سبق كما قيل لأن القصد إسناد القلة للسبق لا للفعل المتصرف.
---
قوله: (لا يجوز تقديم التمييز) أي لأنه كالنعت في الإيضاح فلا يتقدم مثله.
قوله: (ووافقهم المصنف) أي قياساً على سائر الفضلات المنصوبة بفعل متصرف وتمسكاً بما سمع منه كقوله:
261 ــــ أَنَفْساً تَطِيبُ بِنَيْلِ المُنَى
وَدَاعِي المَنُونِ يُنَادِي جَهَارا(2/1)
وليس من التقديم قوله:
262 ــــ إِذَا المَرْءُ عَيْناً قرَّ بِالعَيْشِ مُثْرِيَا
وَلَمْ يُعْنَ بِالإِحْسَانِ كَانَ مُذَمَّمَا
لأن المرء فاعل بمحذوف يفسره قرَّ والمحذوف هو العامل في التمييز والله سبحانه وتعالى أعلم.
حُرُوفُ الجَرِّ
سميت بذلك لأنها تعمل الجر، كما قيل حروف النصب والجزم لذلك. أو لأنها تجر معاني الأفعال إلى الأسماء أي تضيفها وتوصلها إليها ومن ثم سماها الكوفيون حروف الإضافة. ولا يرد خلا وعدا في الاستثناء من حيث إنهما للإخراج لا للتوصيل لأن المراد أنها تربط معنى الفعل بالاسم على ما يقتضيه الحرف من ثبوت أو نفي، والمراد بالجر على هذا معناه المصدري، وعلى الأول الإعراب المخصوص، وقدمها على الإضافة لأنها تقدر بالحرف دون العكس. ولما قيل إن الجر في الإضافة بالحرف المقدر.
قوله: (هاك) اسم فعل بمعنى خذ، وحروف مفعوله، والكاف حرف خطاب تتصرف تصرف الكاف الاسمية من تذكير وغيره كالكاف في رويدك وذلك وإياك وأرأيتك بمعنى أخبرني، وقد تبدل في هاك همزة متصرفة كذلك فيقال هاء هاؤم الخ.
قوله: (في موضعين) زيد عليهما ثالث وهو ما المصدرية وصلتها كقوله:
263 ــــ إِذا أنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فَإِنَّمَا
يُرجَّى الفَتَى كَيْمَا يَضُرُّ ويَنْفَعُ
أي للضر والنفع لمن يستحقها قاله الأخفش. وقيل: ما كافة لكي عن العمل كما تكف رب.
قوله: (ما الاستفهامية) أي المستفهم بها عن العلة.
---
قوله: (وجيء بالهاء) أي وقفاً لتحفظ الفتحة الدالة على الألف وكذا يفعل بها مع سائر حروف الجر كما سيأتي في قوله:
وَمَا فِي الاسْتِفْهَامِ إِن جُرَّتْ حُذِفْ
أَلِفُهَا وَأَوْلِهَا الْهَا إِنْ تَقِفْ(2/2)
قوله: (بأن مضمرة) اعلم أن كَي إن ذكرت أن بعدها كانت جارة بمعنى اللام قطعاً، أو ذكرت اللام قبلها كانت مصدرية ناصبة بنفسها قطعاً، وإن خلت عنهما كمثاله احتملت الجارة بتقدير أن بعدها، والمصدرية بتقدير اللام قبلها، والثاني أولى لأن ظهور أن معها ضرورة، وظهور اللام كثير فالأولى الحمل عليه وإن قرنت بهما، فالأرجح كونها جارة مؤكدة للام فما جرى عليه الشرح احتمال مرجوح.
قوله: (عقيل) بالتصغير وكذا هذيل الآتي.
قوله: (أبي المغوار) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة كنية رجل، ويروى: أبا علي عملها عمل كان، وأول البيت:
265 ــــ فَقُلْتُ ادْعُ أُخْرَى وَارْفَعِ الصَّوتَ جَهْرَةً(3)
لعل الخ.
قوله: (شريم) بالشين المعجمة أي مشرومة، أي مفضاة.
قوله: (مبتدآن) أي ورفعهما محلي أو مقدر للجار الشبيه بالزائدة على ما مر.
قوله: (حرف جر زائد) صوابه شبيه بالزائد، ومثلها لولا ورب، لأن الزائد لا يفيد شيئاً غير التوكيد. وهذه تفيد الترجي والامتناع والتقليل. وإنما أشبهت الزائد في أنها لا تتعلق بشيء كما في المغنى، وكذا أحرف الاستثناء في قول مر، ولا زائد على ذلك. فقوله: كالباء الخ، أي في عدم التعلق فقط لا من كل وجه.
قوله: (وروي أيضاً حذف اللام الخ) ولا يجوز الجر في غير هذه الأربعة من لغات لعل، تصريح.
قوله: (يريدون من كمه) أي فهي عندهم بمعنى من الابتدائية.
---
قوله: (شربن الخ) ضمنه معنى روين فعداه بالباء أو هي بمعنى من التبعيضية، واللُّجج جمع لجة بالضم وهي معظم الماء. ونئيج بنون فهمزة فياء فجيم كصهيل أي صوت عال وجملة لهن نئيج حال من نون شربن العائدة للسحاب، لزعم العرب والحكماء أنها تدنو من البحر الملح في أماكن مخصوصة، فتمتد منها خراطيم عظيمة كخراطيم الإبل فتشرب من مائه بصوت مزعج، ثم تصعد في الجو فيلطف ذلك الماء ويعذب بإذن الله تعالى في زمن صعودها في الهواء، ثم تمطره حيث شاء الله تعالى.(2/3)
قوله: (ولم يعد المصنف لولا) كذا لم يعدها التنبيه وهمزة الاستفهام إذا عوضتا عن باء القسم فإنه يقال لله بالمد مع وصل الهمزة، وها الله لأفعلن بقطع همزة الله ووصلها مداً وقصراً، وأضعفها القطع مع القصر بل أنكرها ابن هشام. ويقال الله بالقطع والقصر بلا تعويض شيء عن الباء لما في التسهيل أن الجر بالباء المعوض عنها لا بهما خلافاً للأخفش. ومن وافقه لكن يؤيد الأخفش أن الجر بواو القسم وتائه مع أن الواو عوض من الباء، والتاء عوض من الواو.
قوله: (إنها من حروف الجر) أي الشبيهة بالزائدة فلا تتعلق بشيء كرب ولعل الجارة، كما مر.
قوله: (مجرورة بلولا) أي مع كونها في محل رفع بالابتداء، والخبر محذوف فلها محلان على رأي سيبويه، فإن عطف عليها ظاهر تعين رفعه على محل الابتداء إجماعاً، لأنها لا تجر الظاهر. فقوله: وزعم الأخفش أنها في محل رفع أي فقط.
قوله: (ووضع ضمير الجر الخ) أي كما عكسوا في قولهم: ما أنا كأنت ولا أنت كأنا، ولا يرد أن النيابة إنما عهدت في الضمائر المنفصلة لوجودها في المتصلة أيضاً في: عساك وعساه، على قول تقدم في باب أن وهذا الوضع غير لازم عند سيبويه وإن كان الضمير مبتدأ لأن معنى كون الهاء ونحوها ليست من ضمائر الرفع أنها لا تكون في محل رفع فقط فلا ينافي أنها تكون في محل رفع وجر. كعجبت من ضربك زيداً.
---
قوله: (أتطمع) بالضم من الإطماع والأحساب جمع حسب وهو ما يعد من المآثر، وحسن هو ابن الإمام علي سبط الرسول صلى الله عليه وسلّم، والبيت تحريض لمعاوية على قتاله.t(2/4)
قوله: (وكم موطن الخ) كم خبرية بمعنى كثير، ظرف لطحت، أو مبتدأ خبره جملة لولاي طحت أي طحت فيه بكسر الطاء وضمها من طاح يطوح ويطيح أي هلك، وتاؤه للخطاب، وما مصدرية وهوى أي سقط، وفاعله منهوي أي ساقط، والإجرام جمع جرم أي جثة، والقنة بضم القاف وشد النون أعلى الجبل كالقلة وزناً ومعنًى، وكذا النيق بكسر النون وسكون التحتية آخره قاف من إضافة المسمى إلى الاسم.
قوله: (بالظاهر اخصص) الباء داخلة على المقصور عليه عكس قوله الآتي: واخصص بمذ الخ، وكذا يختص به كي لعل ومتى فالجملة عشرة لا تجر الضمير لضعف كل منها باختصاصه بقبيل كالوقت أو المنكر أو الآخر والمتصل به أو بكونه عوضاً من باء القسم لا أصلاً فيه، أو بغرابة الجر به، أو بتأديته إلى اجتماع مثلين في نحو كك، فطرد المنع، وما عداها يجرهما.
قوله: (والتاء لله ورب) بفتح الراء يوهم التسوية بينهما مع أنها قليلة مع رب إلا أن تؤخذ القلة من تأخيرها عن الجلالة.
---
قوله: (إلا أسماء الزمان) أي لأنهما إذا كانا اسمين يكون مدلولهما الزمان فخصا به حرفين طلباً للمناسبة بين معنييهما، ولا يرد قولهم ما رأيته منذ أن الله خلقه لأن الزمن مقدر فيه، أي منذ زمن أن الله الخ، وأما الداخلة على الفعل، والجملة الاسمية فليست حرف جر بل اسم بمعنى الزمن كما سيأتي وشروط الزمان المجرور بهما كونه متعيناً لا مبهماً كمنذ زمن، وماضياً أو حالاً لا مستقبلاً كمنذ غد، ومتصرفاً لا غيره كمنذ سحر تريد به معيناً، وشرط عاملهما كونه ماضياً إما منفياً يصح تكرره كما رأيته منذ يوم الجمعة، أومثبتاً متطاولاً كسرت مذ يوم الخميس بخلاف: قتلته أوما قتلته مذ كذا. فإن قلت: ما قتلت مذ كذا، بلا هاء، صح لأن القتل المتعلق بمعين لا يكرر بخلاف غيره ما لم يتجوز بالقتل عن الضرب فتدبر. ومن أسماء الزمان الظروف الاستفهامية كمذ كم أو منذ متى أو مذ أي وقت سرت.(2/5)
قوله: (وقد شذ جرها الضمير) قال ابن هشام الخضراوي(3): وكذا لا تعطفه أيضاً فهي مختصة بالظاهر عاطفة وجارة، وقيل تعطف المضمر كضربتهم حتى إياك.
قوله: (لا يُلفِي) بضم الياء وكسر الفاء أي لا يجد أناس فتًى حتى يجدوك، فحينئذٍ يجدون الفتى.
قوله: (تحياتك) أي وحياتك فالتاء بدل عن واو القسم.
قوله: (ولا تجر رب إلا نكرة) أي موصوفة غالباً إن لم تكن هي وصفاً لا لزوماً خلافاً للمبرد كما في التسهيل، ولا تتعلق بشيء وإنما تدخل لإفادة التكثير غالباً كحديث: يَارُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَة يَوْمَ القِيَامَةِ» أو التقليل قليلاً كقوله:
266 ــــ ألا رُبَّ مَوْلودٍ وَلَيْسَ لَهُ أبٌ
وذي وَلَدٍ لَمْ يَلْدَهْ أَبَوَانِ
فمجرورهما إما مبتدأ كما ذكر وخبره في الحديث عارية. وفي البيت إما جملة ليس له أب وواوها زائدة كهي في آية: وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا}
(الزمر:73)
---(2/6)
أو هو محذوف أو ثابت، والواو حالية، وذلك المولود هو عيسى، وذي ولد الخ هو آدم عليهما السلام أو مفعول به كمثال الشرح أو من باب الاشتغال إن قلت فيه: لقيته بالهاء. واعلم أن كونها حرف جر مذهب البصريين، وذهب الكوفيون والأخفش إلى اسميتها، وأيده الرضي بأنها مثل كم التكثيرية، وهي اسم اتفاقاً. فكما أن معنى: كم رجل عندي كثير من جنس الرجال عندي كذلك معنى رب رجل عندي كثير أو قليل من هذا الجنس عندي. وجنح إليه الدماميني قال: وعلة بنائها حينئذ تضمنُّها معنى الإنشاء كما قيل في كم أو شبهها وضع الحرف في لغة تخفيفها، وحمل التشديد عليه وعلى هذا فما بعدها مجرور بإضافتها إليه، ومحل العامل لها نفسها مثل كم لا لمجرورها. وفيها سبع عشرة لغة: ضم الراء وفتحها مع فتح الباء مجردة من التاء أو معها ساكنة، أو مفتوحة ورب بضمتين، وكل من هذه السبعة إما مع تخفيف الباء أو تشديدها ورُبَّتا بضم ففتح مشدد ورُبَّ بضم الراء أو فتحها مع إسكان الباء أفاده الصبان عن الهمع. وفي السجاعي ثمانية عشر منها عشرة هنا، والثمانية: ضم الراء وفتحها مع شد الباء وخفتها. وكل من الأربعة مع ما فقط أو مع ما والتاء فالجملة خمسة وعشرون.
قوله: (وقد شذ جرها ضمير الغيبة) أي شذ قياساً لا استعمالاً لكثرته، ويلزم هذا الضمير الإفراد والتذكير عند البصريين، ويلزم تفسيره باسم مؤخر عنه مطابق للمعنى المراد فهو من تمييز المفرد نحو: ربه رجلاً أو امرأة أو رجالاً أو نساء.
قوله: (واه) اسم فعل من وهي أي ضعف مجرور برب محذوفه أي ورب واه ورأبت براء فهمزة فموحدة أي أصلحت. ووشيكاً أي سريعاً صفة لمصدر محذوف أي رأباً وشيكاً، وهن أعظمه مفعول رأيت، وعطباً بكسر الطاء أي مشرفاً على العطب وهو الهلاك بدليل: أنقذت أي أبعدته منه.
قوله: (وأم أوعال الخ) صدره.
خَلِّي الذُّنَابَاتِ شِمَالاً كَثَبا(4)
---(2/7)
وضمير خلي لحمار وحشي، والذنابات بالذال المعجمة اسم موضع، وشمال ظرف أي ناحية شماله، وكثباً بفت الكاف والمثلثة أي قريباً منه، والمفعول الثاني لخلي إما شمالاً وكثَبَا حال أو بالعكس، وإم أوعال اسم موضع مرتفع عطف على الذنابات، أو مبتدأ خبره كها أي كالذنابات، وأقرب على الأولى عطف على محل كها وعلى الثاني عطف على الهاء.
قوله: (ولا ترى بعلاً) أي زوجاً ولا حلائلاً أي زوجات. كه أي كالحمار الوحشي، ولا كهن أي الأتن إلا حاظلاً أي إلا بعلاً مانعاً أنثاه من التزوج بغير كالعاضل. واعلم أن جر الكاف لضمير الغيبة المتصل خاص بالضرورة عند البصريين فيجوز استعماله فيها حتى لنا والكوفيون لا يخصونه بها، وجرها لغيره من الضمائر شاذ نثراً ونظماً كقول الحسن: أنا كك وأنت كي، وقولهم ما أنا كانت وما أنت كأنا وما أنا كإياك وما أنت كإياي.
---(2/8)
قوله: (في الأمكنة) متعلق بابتدى وبمن تنازعه الثلاثة قبله فأعمل فيه الأخير، وحذف من غيره ضميره لكونه فضلة. واعلم أن ما ذكر لهذه الحروف من المعاني المتعددة إن تبادرت كلها من الحروف كالابتداء والبيان والتبعيض في من والاستعانة والمصاحبة والسببية في الباء كإن حقيقة في جميعها بطريق الاشتراك اللفظي فراراً من التحكم إذ المتبادر علامة الحقيقة، ولا يرد أن المجاز أولى من الاشتراك كما في جمع الجوامع وغيره، لأن محله عند تيقن حقيقة أحد المعاني، وجهل حال الآخر لا عند تبادر الجميع. وإن لم تتبادر منها كالابتداء والانتهاء في الباء نحو: شربن بماء البحر. وأحسن بي فمذهب البصريين منع استعمالها في ذلك قياساً فلا ينوب بعضها من بعض كما لا تنوب حروف النصب والجزم عن بعضها وما أوهم ذلك فهو إما مؤول بما يقبله اللفظ من تضمينه الفعل معنى فعل يتعدى بذلك الحرف كتضمن شربن معنى روين وأحسن معنى لطف أو حمل على المجاز كالظرفية المجازية في جذوع النخل لتشبهها بالظرف الحقيقي بجامع التمكن. وفي تخييل وأما من باب نيابة كلمة عن أخرى شذوذاً فالتجوز عندهم في غير الحرف أو فيه مع الشذوذ، وهذا الثاني محمل الباب كله عند الكوفيين وبعض المتأخرين بلا شذوذ قال في المغني وهو أقل تعسفاً.
قوله: (للتبعيض) علامتها صحة حلول بعض مكانها كما قرأ ابن مسعود: حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}
(آل عمران:92)
وعلامة البيانية صحة الإخبار بما بعدها عما قبلها. والابتدائية أن يحسن في مقابلتها إلى أو ما يفيد فائدتها كأعوذ بالله من الشيطان. فإن معنى أعوذ به ألتجىء إليه منه فالباء أفادت الانتهاء، والغالب فيها الابتداء حتى قيل إن سائر معانيها ترجع إليه، فكان ينبغي تقديمه. والمراد بالغاية المسافة إطلاقاً لاسم الجزء على الكل إذ الغاية هي النهاية وليس لها ابتداء وبهذا يظهر معنى قولهم: إلى لانتهاء الغاية.
---(2/9)
قوله: (في غير الزمان) إشارة إلى أن المراد بالأمكنة في المتن ما ليس زمناً فيشمل نحو: من فلان إلى فلان: إنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ}
(النمل:30)
ويمكن جعل الأشخاص أماكن بالتأويل لملازمة المكان لها.
قوله: (ومن الناس من يقول) المتبادر أن من الناس خبر عن من يقول، ولا يظهر له فائدة ولذا قال بعضهم: أن من اسم بمعنى بعض مبتدأ، ومن يقول خبر وممن صرح التبعيضية اسم الإمام الطيبي. وقال السعد بعد كلام قرره: فالوجه أن يجعل مضمون الجار والمجرور مبتدأ اهـ، وما قبل التبعيضية يكون أقل مما بعدها دائماً. فمن يقول أقل من مطلق الناس وهو قبلها تقديراً والبيانية بالعكس. فالرجس أكثر من الأوثان. وقد يكون أقل كخاتم من حديد.
قوله: (من أول يوم) إن أريد بالتأسيس البناء فالابتداء ظاهر أو مجرد وضع الأساس فمن بمعنى في كما قاله الرضي. قال: ومَنْ في الظروف كثيراً ما تقع بمعنى في نحو: جئت من قبل زيد ومن بعده: وَمِنْ بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ}
(فصلت:5)
اهـ صبان.
قوله: (تخيرن) ماض مجهول ونون النسوة للسيوف ويوم حليمة من أيام حروب العرب المشهورة، وحليمة بنت الحارث بن أبي شمر ملك غسان، وجه أبوها جيشاً إلى المنذر بن ماء السماء فطيبتهم بطيب من عندها فلما قدموا على المنذر قالوا له: صاحبنا يدين لك ويعطيك حاجتك فتباشر هو وأصحابه وغفلوا بعض الغفلة فحمل عليهم الجيش، وقتلوا المنذر ويقال أنه ارتفع في ذلك اليوم من العجاج أي الغبار ما غطى عين الشمس، والتجارب كمساجد جمع تجربة كما في المصباح.
قوله: (إلا بشرطين) بقي ثالث وهو كون مجرورها فاعلاً كـ: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ}
(الأنبياء:2)
أو مفعولاً كـ«هل تحسن منهم من أحد»، أو مبتدأ ولو منسوخاً كـ«هل من خالق غير الله}، وما ظننت من رجل قائماً، أو مفعولاً مطلقاً على ما قاله ابن هشام نحو: مَا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}
(الأنعام:38)
---(2/10)
أي من تفريط، فلا تزاد مع غير الأربعة عند الجمهور وفائدتها التنصيص على العموم إن لم تختص النكرة بالنفي كما مثل أو تأكيد النص عليه إن اختصت به كما قام من أحد. ومعنى زيادتها أن مدخولها مطلوب للعامل بدونها فهي مقحمة بين الطالب ومطلوبه لا أنها لا تفيد شيئاً إذ سقوطها يخل المراد منها.
قوله: (أن يسبقها نفي) فلا تزاد في الإثبات إلا في تمييز كَمْ الخبرية إذا فصل منه بفعل متعدَ نحو: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ}
(الدخان:25)
كما نقله السعد عن القوم.
قوله: (والاستفهام) أي بهل وكذا الهمزة على الأوجه، ولم تسمع مع غيرهما لأنه لا يطلب به إلا التصور بخلاف هل فللتصديق، والهمزة له وللتصور.
قوله: (خلافاً للأخفش) أي في عدم الشرطين معاً.
قوله: (يغفر لكم الخ) أجاب عنه الجمهور بأن من فيه تبعيضية لا زائدة فهي، بمعنى بعض، مفعول به. وذنوبكم مضاف إليه ولا ينافيه قوله تعالى: إنَّ الله يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً}
(الإسراء: 1)
لأن هذا لنا معشر الأمة المحمدية والأولى لأمة نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام على أن الموجبة الجزئية لا يناقضها إلا السالبة الكلية لا الموجبة. وفي الإتقان عن بعضهم أن يغفر لكم حيث كانت للمؤمنين تجر عن من بخلافها للكفارة تفرقه بينهما.
قوله: (قد كان من مطر) أجيب بأنها تبعيضية كما مر. أو بيانية لمحذوف أي قد كان شيء من مطر أو أن زيادتها في ذلك حكاية لسؤال مقدر كأنه قيل: هل كان من مطر؟ فأجيب بذلك حكاية للسؤال. والظاهر صحة البيان في الآية أيضاً، وجملة ما ذكره هنا لمن أربعة معان وسيأتي: البدلية، وبقي الظرفية كـ: إِذَا نُودِيَ للصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ}
(الجمعة:9)
والتعليل مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا}
(نوح:25)
والمجاوزة كعن قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا}
(الأنبياء:97)
---(2/11)
حَتَّى يُمَيَّزَ الخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ} والاستعانة كالباء يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيَ}
(الشورى:45)
والاستعلاء كعلى ونَصَرْنَاهُ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَبُوا}
(الأنبياء:77)
فالجملة عشرة.
قوله: (على انتهاء الغاية) أي المسافة في الزمان والمكان كما مر.
قوله: (حتى مطلع) مثال للثاني، وهي متعلقة بتنزل لا بسلام كما نقله يس عن ابن هشام أي: تَنَزَّلُ المَلاَئِكَةُ والروح فيها}
(القدر:4)
إلى طلوع الفجر ويلزم عليه الفصل بين العامل والمعمول بجملة سلام هي. ومثال الآخر: أكلت السمكة حتى رأسها وسرت حتى آخر الليل. واعلم أن حتى الجارة قسمان جارة للمفرد. ولا تكون إلا غائية وهي التي لا تجر إلا الآخر والمتصل به، والثانية جارة لأن والمضارع، وهذه تكون غائية وتعليلية واستثنائية كما سيأتي، ثم إن دلت قرينة على دخول الغاية في إلى وحتى أو عدم دخولها عمل بها وإلا فالصحيح دخولها في حتى لا في إلى حملاً على الغالب فيهما عند القرينة.
قوله: (ولم تجر غيرهما) خالفه في التسهيل.
قوله: (لم تأكل المرققا) أي الرغيف الرقيق، والبقول خضراوات الأرض.
قوله: (شنوَ الإغارة) أي فرقوا أنفسهم لأجل الإغارة، والإغارة مفعول له ومفعول شنوا محذوف.
قوله: (للملك) هي الواقعة بين ذاتين ثانيهما يملك كما مثله، وشبه الملك هو الاختصاص وهي الواقعة بين ذاتين ثانيهما لا يملك بفتح الياء كما مثله أيضاً أو أولهما لا يملك بضمها كأنت لي وأنا لك ولزيد أخ. فإن وقعت بين معنى وذات كالحمد لله ولِلْكَافِرِينَ النَّارُ}
(الأنفال:14)
أي عذابها كانت للاستحقاق، قد يعبر عن الثلاثة بالاختصاص.
قوله: (الجُل) بضم الجيم وفتحها ما يلبس للدابة السرج لمنع البرد ونحوه.
قوله: (وللتعدية) أي المجردة عن إفادة معنًى فلا ينافي في بقية المواضع لتعدية معنى العامل لمجرورها.
---(2/12)
قوله: (فهب لي الخ) جعلها في شرح التسهيل لشبه التمليك فتكون في: وهب لزيد مالاً للتمليك قال في المغني: والأولى أن تمثل التعدية المجردة بما أحب زيداً لعمرو وما أضربه لبكر أي لأن ما بعدها مفعول حقيقي للفعل لكونه متعدياً له أصالة فلما بني للتعجب صار لازماً بالنسبة إليه عند البصريين فعدي له باللام. وأما الهمزة فتعديه لمفعول آخر، وعند الكوفيين باقٍ على تعديته الأصلية، فاللام حينئذ ليست للتعدية بل مقوية للعامل لضعفه باستعماله في التعجب.
قوله: (وزائدة) أي إما لتقوية عامل ضعف بالتأخير من معموله كمثالي الشارح أو بكونه فرعاً في العمل نحو: مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ}
(الرعد:35)
فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}
(هود:107)
وإما لمجرد التأكيد وهي الواقعة بين الفعل ومفعوله المؤخر عنه كضربت لزيد، أي بين المتضايفين كلا أبا لك، في قول. وفائدة هذه تقوية المعنى دون العامل فلا تتعلق بشيء أصلاً لكونها زائدة محضة، وأما الأولى فلا تتعلق بالعمل الذي قوته وإن لم تكن معدية لتعديه بنفسه، فهي واسطة بين المعدية والزائدة كما في التوضيح وشرحه.
قوله: (خشاش) مثلث الخاء والفتح أشهر وهو هوام الأرض وحشراتها، وقيل غير ذلك.
قوله: (للاستعانة) هي الداخلة على آلة الفعل فلذا تسمى باء الآلة، وباء السببية هي الداخلة على سبب الفعل وعلته فلا تندرج إحداهما في الأخرى.
قوله: (وللتعدية) أي الخاصة وهي تعدية الفعل إلى مفعول كان قاصراً عنه بأن كان قبلها فاعلاً فتصيِّره مفعولاً فهي كالهمزة في ذلك وأكثر ما تعديه الفعل القاصر كذهبت بزيد، أي أذهبته. ولذا قرىء: أَذْهَبَ الله نُورَهُم} أما تعدية معنى العامل إلى المجرور فعامة في كل الحروف غير الزائدة.
---(2/13)
قوله: (وللتعويض) وتسمى باء المقابلة وهي الداخلة على الأعواض والأثمان، ففيها مقابلة شيء بشيء أي دفع شيء وأخذ آخر في مقابلته. أما باء البدل فليس فيها مقابلة من الجانبين بل اختيار أحد الشيئين على الآخر. واستظهر في الهمع أن باء البدل تدل على اختيار الشيء أعم من كونه مقابلاً بشيء آخر أم لا، فهي أعم مطلقاً.
قوله: (اشتروا الحياة الخ) أي حيث بدلوا ما في التوارة مما يصدق نبينا صلى الله عليه وسلّم خوف انقطاع ما يأخذونه من أسافلهم، فكأنهم جعلوا الآخرة ثمناً دفعوه من عندهم بسبب الكتمان، وأخذوا بدله الدنيا من أسافلهم فهو ثمن معنوي لا حسي كقوله تعالى: ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
(النحل:32)
لأن هذه باء التعويض أيضاً لدخولها على الثمن المعنوي وهوالعمل، ومن المعلوم أن ما يؤخذ بعوض قد يعطى مجاناً وليست باء السببية خلافاً للمعتزلة بناء على زعمهم بوجوب الصلاح. تعالى الله عن قولهم: عُلُوّاً كَبِيراً}
(الإسراء:4)
بدليل حديث: «لنْ يدْخُلَ أَحَدُكُمُ الجَنَّةَ بَعَمَلِهِ»(3) فإن المنفي فيه التسبب الذي لا يمكن تخلفه، والمثبت في الآية التعويض والمجازاة.
قوله: (وللإلصاق) هذا المعنى لا يفارقها، ولذا اقتصر عليه سيبويه فكان ينبغي تقديمه ثم هو إما حقيقي كأمسكت بزيد إذا قبضت على جسمه، أو ما يحبسه من ثوب أو غيره. أو مجازي كمثال الشارح فإن فيه إلصاق المرور بمكان يقرب من زيد لا بزيد نفسه. واستظهر الدماميني أنه في قبض الثوب مجازي كالمرور فقال الشمني لا يليق باللغة هذ التدقيق فماسك ثوب زيد يقال له في اللغة: ماسك زيدً بخلاف المرور.
قوله: (وبمعنى مع) أي المصاحبة فذكره لها بعد مكرر، وعلامتها أي يصلح في موضعها مع ويغني عنها وعن مدخولها الحال: اهْبِطْ بِسَلاَمٍ}
(هود:48)
أي معه أو مسلماً: وَقَدْ دَخَلُوا بِالكُفْرِ}
(المائدة:61)
---(2/14)
كذلك قال في المغني وقد اختلف في الباء من قوله تعالى: فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ}
(البقرة:3)
فقيل للمصاحبة، والحمد مضاف للمفعول أي سبحه حامداً له أي نزِّهه عما لا يليق به. وأثبت له ما يليق به، وقيل للاستعانة، والحمد مضاف للفاعل أي سبحه بما حمد به نفسه إذ ليس كل تنزيه بمحمود، ألا ترى أن تسبيح المعتزلة عطل كثيراً من الصفات. وهذا معنى ما قاله ابن الشجري في قوله: فتسبحون بحمده. واختلف في: سبحانك اللهم وبحمدك، فقيل جملة واحدة على زيادة الواو فيأتي في الباء ما ذكر وقيل جملتان على أنها عاطفة، ومتعلق الباء محذوف أي وبحمدك سبحتك فيأتي ما مر. وقال الخطابي: المعنى وبمعونتك التي هي نعمة توجب علي حمدك سبحتك لا بحولي يريد أنه من إقامة المسبب وهو الحمد مقام سببه وهو المعونة التي هي نعمة ا هـ بتصرف.
قوله: (وبمعنى عن) أي المجاوزة قيل: وتختص حينئذ بالسؤال نحو: فَاسْأَلِ بِهِ خَبِيراً}
(الفرقان:59)
بدليل يَسْأَلُون عَنْ أَنْبَائِكُمْ}
(الأحزاب:20)
وقيل لا بدليل يَسْعَى نُورهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ }
(الحديد:12)
أي وعن أيمانهم.
قوله: (بعن الخ) متعلق بعنى، ومن قد فطن فاعله، وتجاوزا بضم الواو مفعوله مقدم.
قوله: (كما على الخ) ما مصدرية، وعلى مبتدأ خبره جعلا، وألفه للإطلاق وموضع عن ظرف لجعل غير قياسي إلا أنه من غير مادته، والجملة الاسمية صلة ما إن كان الغالب وصلها بالفعلية أي كجعل على الخ.
قوله: (للاستعلاء) أي العلو، فالسين والتاء زائدتان لا للطلب وهو حقيقي إن كان العلو على نفس المجرور حساً كمثاله أو معنًى: كـ فَضِّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ}
(البقرة:253)
ولهم عليّ ذنب. ومجازي إن كان العلو على ما يقرب من المجرور نحو: أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدَى}
(طه:10)
---(2/15)
أي هادياً، دماميني. قال الفارضي:وأما نحو توكلت على الله فمن باب الإضافة والإسناد أي أضفت توكلي وأسندته إلى الله اذ لا يعلو عليه تعالى شيء، لا حقيقة ولا مجازاً.
قوله: (للمجاوزة) هي بعد شيء مذكور أو غيره عن مجرورها بسبب الحدث قبلها فالأول: رميت السهم عن القوس أي جاوز السهم القوس بسبب الرمي، والثاني: رضي الله عنك أي جاوزتْك المؤاخذة بسبب الرضا، ثم المجاوزة إما حقيقة كما ذكر أو مجاز كأخذت العلم عن زيد كأنه لما عرفك المسألة جاوزته بسبب التعلم المعبر عنه بالأخذ، أفاده سم. وكذا سألته عن كذا لما عرفك بالمسؤول عنه جاوزه بسبب السؤال لكن هذا لا يظهر إلا إذا أجيب عما سأل بخلاف ما إذا لم يجب فالأولى أن يقال: كأنك لما سألته جاوزتك المسألة بسبب السؤال.g ويلزم من مجاوزتها لك مجاوزتك إياها فيصدق أنه بعد شيء وهو السائل عن المجرور، فتأمل.
قوله: (طبقاً عن طبق) أي حالاً بعد حال ولم يذكر لها البصريون غير المجاوزة وتأولوا غيرها ففي الآية متعلقة بمحذوف أي طبقاً متباعداً في الشدة عن طبق فكل حال أعظم مما قبله.
قوله: (لاه ابن عمك) أي لله در ابن عمك حذف لام الجر، واللام الأولى من الجلالة شذوذاً فيهما، وحذف المضاف وهو در وأناب عنه المضاف إليه، وقد يستغني عن ذلك المضاف، وأفضلت أي زدت ودياني بشد التحتية أي مالكي والقائم بأمري فتخزوني أي تسوسني وتقهرني، وهو بسكون الواو تخفيفاً وللقافية وإن كان منصوباً بعد فاء السببية أو هو مرفوع عطفاً على الجملة الاسمية قبله أي: ما أنت دياني، فما أنت تخزوني.
قوله: (إذا رضيت عليّ) يحتمل أنه ضمن رضي معنى عطف فعلى على بابها، وقشير بالتصغير.
قوله: (قد يعنى) التقليل بالنسبة إلى التشبيه وإلا فتعليلها كثير كما في شرح الكافية.
قوله: (أي لهدايته) أي فما مصدرية.
---(2/16)
قوله: (ليس كمثله شيء) أي للزوم المحال على عدم زيادتها وهو إثبات المثل له تعالى لأن النفي بعود إلى الحكم فقط، وهو المشابهة المأخوذة من الكاف لا إلى متعلقاته وهو لفظ مثل ولفظ شيء فيكونان مثبتين ألا ترى أن قولك: ليس كابن زيد أحد يداً ظاهراً على أن لزيد ابناً وإن احتمل أن نفي المشابهة للابن لعدمه. وإنما زيدت الكاف في الآية لتوكيد نفي المثل لأن زيادتها كإعادة الجملة كذا قال الأكثرون، ومنع آخرون زيادتها فمنهم من قال: المثل بمعنى الصفة أو الذات أي ليس كصفته أو كذاته شيء. والمحققون منهم على أنها باقية على حقيقتها من نفي مثل مثله تعالى وذلك كناية عن نفي المثل للمبالغة في التنزيه كما في قولهم: مثلك لا يبخل حيث نفوا البخل عن مثله. والمراد لازمه أي أنت لا تبخل وعدلوا عن ذلك تنزيهاً عن تعلق البخل به ولو على سبيل النفي فكذا في الآية المراد لاذمها وهو نفي المثل إذ لو كان له مثل لكان هو مثلاً لمثله لأن المماثلة إنما تتحقق من الجانبين فلا يصح نفي مثل مثله. أما حقيقتها المقتضية لإثبات المثل فليست مرادة أصلاً، وقد صرحوا بأنه لا يضر في الكناية استحالة المعني الحقيقي فضلاً عن استحالة لازمه هذا ما ذكروه. وطالما كنت أجد في نفسي منه شيئاً لأن محصل هذا الوجه أن نفي المثل لازم لحقيقة الآية. وقد تقرر سابقاً أنها تقتضي إثباته، ولذا أولوها بهذه الأوجه فكيف يعقل أن إثبات الشيء ونفيه يلزمان معاً لشيء واحد مع تصريحهم بأن تنافي اللوازم يقتضي تنافي الملزومات، وبفرض صحة أن كلاً منهما لازم لها فقصرها على هذا دون ذاك تحكم مع أن القصد إبطال دلالتها على المحال. ولا يكفي فيه قولنا: إنه غير مراد كما لا يخفى. ثم ظهر أن إثبات المثل ليس لازماً للحقيقة بل محتملاً فقط كما تحتمل نفيه وإن كان الأول أقرب نظير ما مر في ليس كابن زيد أحد لكن عارضه في خصوص هذه المادة ما ذكر من أنه لو كان له مثل الخ فبطل ذلك الاحتمال من أصله.(2/17)
---
فالتعويل في نفي المثل على هذه المقدمة القطعية وهي قرينة الكناية بخلاف المثال فتفهم ذلك فإنه مما تحير فيه الإفهام. وقد أوضحناه ولله الحمد.
قوله: (لواحق الإقراب) جمع لاحق بمعنى ضامر، والإقراب جمع قرب كعنق. وقفل هي الخاصرة، أو من الشاكلة إلى مراق البطن، والمَقَقُ بفتح الميم والقاف الأولى الطول الفاحش مع رقة. وهو مبتدأ خبره فيها أي الخيل كما في العيني يصفها بضمور البطن والطول، وقيل الضمير لحمر الوحش.
قوله: (اسماً قليلاً) خصه سيبويه والمحققون بالضرورة كقوله:
267 ــــ يضحكن عن كالبرد المنهم(2)
أي عن سن مثل البرد الذائب وقوله:
365 ــــ بكاللقْوَةِ الشغْواءِ جَلَّتْ فلم أكُنْ
لأُولَعَ إِلاَّ بِالْكَمِيِّ المُقَنَّعِ
وأجازه كثيرون منهم الفارسي اختياراً فهي في: زيد كالأسد، إما خبر مضافة للأسد كما في المغني أو تعلقة بمحذوف هو الخبر.
قوله: (أتنتهون الخ) الهمزة للإنكار والشطط الظلم والجور وجملة: ولن ينهي حال من واو تنتهون، وجملة يذهب حال من الطعن فإن قلت: يحتمل في هذه الشواهد أنها حرف، وهي ومجرورها صفة لمحذوف أي شيء كالطعن وبفرس كاللقوة أجيب بأن حذف الموصوف بالظرف كالجملة له مواضع ليس هذا منها.
قوله: (عند دخول من) ظاهره قصر اسميتها على ذلك. وليس كذلك فإن قولك: زيد على السطح وسرت عن البلد يحتمل الحرفية والاسمية فإذا دخلت من تعيناً للاسمية وكذا غير من فإن عن جرت بعلى نادراً، ولذا جعل المتن دخولها شاهداً للاسمية لا ضابطاً فكان الأولى للشارح موافقته. ومما يرد اسماً إلى بمعنى المنتهى، وترد منونة بمعنى النعمة، ومن بمعنى بعض كما مر عن الزمخشري والطيبي، وترد علا فعلاً ماضياً من العلو ومن أمراً من المين، وهو الكذب فاستكملا أقسام الكلمة.
---(2/18)
قوله: (غدت الخ) أي سارت القطاة من عليه أي الفرخ والظِّمءُ بكسر الظاء المشالة وسكون الميم مهموزاً مدة صبرها عن الماء وهو ما بين الشرب إلى الشرب. قال الدماميني يستعمل في الإبل لكن استعارة لقطاة. ويروي خمسها بكسر الخاء وهو الشرب في كل خمسة أيام وهذ أيضاً للإبل لا للطير لأنها لا تصير كذلك لكن ضربه مثلاً، وتصل بفتح الفوقية وكسر المهملة أي تصوت أحشاؤها من العطش وعن قيض عطف على من عليه. وهو بفتح القاف وسكون التحتية بعدها ضاد معجمة قشر البيض الأعلى، وزيزاً بزاءين معجمتين مكسورة أولاهما، وقد تفتح كما قاله السيوطي وبينهما تحتية أرض غليظة ومجهل كمقعد القفر الذي لا يهتدي فيه لعدم علاماته لا يثنى ولا يجمع كما في القاموس وهو مجرور بإضافة زيزاء إليه لا نعت لها، لأن اسم المكان لا ينعت به عند البصريين فزيزاء مجرور بالكسرة لأن الإضافة تبطل منع صرفه بالألف الممدودة إلا أن يجعل بدلاً، فيجر بالفتحة.
قوله: (دريئة) بهمزة بعد التحتية الساكنة مفعول ثان لأرى وهي الحلقة التي يتعلم عليها الرمي والطعن. وفي شرح شواهد المغني للسيوطي جواز باء موحدة بدل الهمزة.
قوله: (حيث رفعا) بالبناء للفاعل. وقوله أو أوليا الفعل ماض مجهول والألف نائب فاعله. وهي مفعوله الثاني، والفعل مفعوله الأول لأنه الفاعل معنًى أي جعل الفعل، والياً لهما، والمراد الفعل الماضي فلا يقال: مذ يقوم لأن عاملها لا يكون إلا ماضياً فلا يجتمع مع المستقبل ولو قال أو أوليا الجملة نحو: مذ دعا لشمل الجملة الاسمية أيضاً قوله:
269 ــــ فَمَا زِلتُ أَبْغِي الخَيْرَ مُذْ أَنَا يَافِعٌ
وَلِيداً وَكَهْلاً حِيْنَ شِبْتُ وأمْرَدَا(3)
لكن اقتصر على الفعل، وتبعه الشارح لكونه الغالب فهو مثال لا قيد.
---(2/19)
قوله: (اسم مبتدأ) وسوغه كونها معرفة في المعنى ونها إن كان الزمان ماضياً كالمثال الأول فمعناها أول مدة عدم الرؤية كذا وإن كان حاضراً كالمثال الثاني، أو معدوداً كما رأيته مذ يومان. فمعناها نفس المدة أي مدة عدم الرؤية شهر أو يومان.
قوله: (وكذلك منذ) أي تكون مبتدأ، ومعناها ما ذكر والخبر ما بعدها كمذ وهو واجب التأخير فيهما إجراء لهما اسمين مجراهما حرفين في التقدم على الزمان إلا أن اسمية مذ أغلب من الحرفية، ومنذ بالعكس.
قوله: (خبرين) أي ظرفيين بمعنى بين وبين متعلقين بمحذوف هو الخبر عما بعدهما فمعنى ما لقيته مذ يومان بيني، وبين لقائه يومان، واعترض بأن فيه ظرفية الشيء وهو يومان في نفسه. وهو مذ لأنها حينئذ زمانية بمعنى بين. وأجيب بأن هذا يرد على قولهم: بيني وبين لقائه يومان وهو جائز بلا نكير فما كان جواباً عنه فهو الجواب عن هذا دماميني، وحاصل الجواب أن الزمان المتخيَّل يكون ظرفاً للحقيقي كما في قولهم: أمس قبل اليوم أي في زمن متخيل قبل اليوم وهذا منه. بقي أن هذا التفسير لا يطرد فيما إذا قلت في يوم الأحد: ما رأيته مذ يوم الجمعة لأن بينك وبين الرؤية الجمعة والسبت لا الجمعة فقط. وأجيب بأنه على حذف العاطف أي الجمعة وما بعده إلى الآن وجملة مذ وما بعدها على هذا القول وما قبله مستأنفة استئنافاً بيانياً. لا مرتبطة بالجملة الأولى، وقيل إنهما ظرفان مضافان لجملة فعلية لأن المرفوع بعدهما فاعل بمحذوف أي مذ كان أو مضى يومان، وهما متعلقان بمضمون ما قبلهما بملاحظة استمراره إلى آن التكلم فمعنى ما رأيته مذ يوم الجمعة انتفت الرؤية وقت وجود الجمعة أو مضية، واستمر إلى الآن فلا يصدق بالرؤية بعده. وقبل التكلم حتى ينافي المقصود وكذا يقال في: سرت مذ كذا، فتدبر.
---(2/20)
قوله: (اسم منصوب الخ) أي فهو ظرف لمضمون ما قبله، ومضاف للجملة بعده فعلية كانت كما مثله أو اسمية كالبيت المار، ويأتي فيه ما مر من ملاحظة الاستمرار إلى آن التكلم ليوافق المقصود، وقيل إنهما حينئذ مبتدآن، والجملة بعدهما خبر بتقدير زمن مضاف إليها، والتقدير في: جئت مذ دعا وقتاً لمجيء هو زمن دعائه، وفي البيت المار أول وقت طلبي الخير هو وقت كوني يافعاً أي مقارباً للبلوغ فجملة مذ الخ مستأنف كما مر.
قوله: (بمعنى من) أي البيانية هذا إن كان مجرروهما معرفة كمثال. فإن كان نكرة فهما بمعنى من وإلى معاً، ولا تكون النكرة إلا معدودة لفظاً كمذ يومين أو معنًى كمذ شهر لما مر من أنهما لا يجرَّان المبهم أي ما رأيته من ابتداء يومين إلى انتهائهما.
قوله: (إن كان حاضراً) ولا يجوز في الحاضر بعدهما إلا الجر عند أكثر العرب. أما الماضي فبعد منذ يترجح جره وبعد مذ رفعه، والرجح أن أصل مذ منذ حذفت النون تخفيفاً بدليل ضمها لملاقاة ساكن كمذ اليوم وإلا لكسرت على أصل التخلص، وبعضهم يضمها بلا ساكن أصلاً. وقيل هما أصلان مطلقاً، وقيل عند كونهما اسمين فقط.
قوله: (وبعد من) متعلق بزيد بكسر الزاي ماض مجهول، وما نائب فاعله، والضمير في يعق عائد على ما أي فلم تكف ما الزائدة هذه المذكورات عن العمل لأنها لا تزيل اختصاصها بالأسماء، وإنما يحكم بزيادتها مع الاسم المفرد كما مثله فإن وقع بعدها جملة فهي موصول حرفي نحو: بِمَا نَسَوا يَوْمَ الحِسَابِ}
(ص:26)
أي بنسيانهم.
قوله: (مما خطيئاتهم) الأولى التمثيل بقراءة مما خطيئاتهم كما في المغني لظهور جرها لا يقال يحتمل في جميع ما ذكر أن ما اسم بمعنى شيء، والذي بعدها بدل منها فلا شاهد فيه لأنه خلاف الظاهر.
قوله: (وقد يليهما) فاعله ضمير يعود على ما كنائب فاعل زيد، وذكره باعتبار لفظها، وضمير التثنية لرب والكاف.
---
قوله: (فتكفهما) أي غالباً، وحينئذ يدخلان على الجمل كما مثله.(2/21)
قوله: (فإن الحمر) جمع حمار وسكنت ميمه للضرورة أو تخفيفاً من الضم، والحَبِطَاتُ مبتدأ خبره شر، وهم جماعة من تميم سموا باسم أبيهم الحبط بفتح المهملة وكسر الموحدة أو بفتحتين وهو الحارث بن مالك بن عمر وسمي به لأنه أكل نباتاً بالبادية يسمى الزرق وهو الحندقوق فانتفخ بطنه وانتفاخ البطن من أكله يسمى الحَبَطُ بفتحتين، والمنتفخ بطنه يسمى الحبط بفتح فكسر، وجعل أبو حيان ما موصولاً حرفياً بناء على جواز وصفها بالجملة الاسمية لا كافة لأنها لا تكف الكاف عنده أي ككون الحبطات شر الخ.
قوله: (ربما الجامل) بالجيم وهو قطيع الإبل مع رعاته، والمؤبل بشد الموحدة المعد للقنية، والعناجيج بعين مهملة وجيمين الخيل الجياد، والمهار بكسر الميم جمع مهر بضمها وهو ولد الفرس، والأنثى مهرة، وفيهم خبر الجامل، وحذف خبر العناجيج لعلمه منه، ودخول رب المكفوفة على الجملة الاسمية كالبيت نادر حتى قال الفارسي يجب أن تجعل ما اسماً بمعنى شيء والجامل خبر لمحذوف، والجملة صفة ما، وفيهم حال أي رب شيء هو الجامل حال كونه فيهم، ولم تجعل جملة الجامل فيهم صفة لما لعدم الرابط فيها. والغالب دخولها على الماضي نحو:
رُبَّمَا أَوَفَيْتُ فِي عِلْمٍ
تَرْفَعْنَ ثَوْبِي شَمَالات
أو المضارع المنزل منزلته لتحقق، وقوعه نحو: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كفَرُوا}
(الحِجْر:2)
كما أن الغالب على غير المكفوفة كون العامل فيما بعدها ماضياً نحو: رب رجل كريم لقيته بل أوجبه بعضهم.
قوله: (كما الناس) ما زائدة، والناس مجرور بالكاف، وقوله: مجروم عليه الخ من الجرم وهو الظلم، وروي مظلوم عليه وظالم.
---
قوله: (ماوي الخ) منادى مرخم ماوية، ويا للتنبيه، والشاهد في ربتما غارة حيث زيد فيها ما ولم تكفها عن جر غارة، والشعواء بالعين المهملة أي الغاشية المتفرقة، وكاللذعة خبر الغارة والميسم بكسر الميم آلة الوسم، أي الكي بالحديد.(2/22)
قوله: (وحذفت رب فجرت الخ) صريحه كالشارح أن الجر بعد المذكورات برب المحذوفة لا بها، وهو الصحيح عند البصريين في الواو. وحكى في التسهيل الاتفاق عليه في بل والفاء، ولعله لم يعتبر ما نقل عن بعضهم من الجر بهما لنيابتهما مناب رب كما قال الكوفيون في الواو.
قوله: (قليلاً) أخذه من تقييد المصنف الشيوع بالواو لكنه بعد بل أقل من الفاء، ومع التجرد أقل منهما.
قوله: (فمثلك الخ) مجرور برب المحذوفة وهو مفعول طرقت، أي أتيتها ليلاً. وحبلى بدل منه ومرضع عطف عليه وألهيتها أشغلتها عن ذي تمائم، أي عن ولد ذي تمائم، أي تعاويذ معلقة عليه لخوف العين، والمُحْوِلُ بضم الميم أي عمره حول، ويروى مغيل بضم الميم وسكون المعجمة، وفتح الياء التحتية وهو الذي تؤتى أمُّهُ وهي ترضع، وإنما خص الحبلى والمرضع لأنهما أزهد النساء في الرجال ومع ذلك تعلقتا به ومالتا إليه.
قوله: (بل بلد) أي رب بلد، والفجاج بكسر الفاء جمع فج بفتحها وهو الطريق، والقتم بفتح القاف والمثناة الفوقية الغبار كالقتام، والقتم بفتح فسكون، وجهرمه بفتح الجيم أصله جرمية بياء النسبة وهي بسط تنسب إلى جهرمة قرية بفارس فحذف ياء النسبة للضرورة، وقيل الجهرم بساط من الشعر، وجواب رب قطعت في بيت بعده.
قوله: (رسم دار) بالجر، أي رب سم دار وهو ما بقي من آثارها لاصقاً بالأرض كالرماد، والطلل ما شخص أي ارتفع من آثارها كالوتد والأثافي، وقوله من جلله بفتح الجيم واللام الأولى أي من أجله أو عظم شأنه لأن الجلل يطلق بمعنى من أجل، وبمعنى عظيم وحقير أيضاً، وأما جلل بالبناء على السكون فحرف بمعنى نعم.
---
قوله: (كقول رُؤْبة) بضم الراء وسكون الهمزة ابن العجاج، وهو من فصحاء العرب. قال الزمخشري، وهو من أمضغ العرب للشيح والقيصوم، يريد بذلك تحقيق كونه بدوياً لا حقيقة المضغ لأن هذين النبتين لا يمضغهما الآدميون، تصريح.
قوله: (على خير) أي أو بخير.(2/23)
قوله: (أشارت كليب) بالجر مصغراً اسم قبيلة، والأصابع فاعل أشارت، أي أشارت الأصابع بالأكف إلى كليب، والباء إما بمعنى مع أي مع الأكف أو هو مقلوب أي أشارت الأكف بالأصابع.
قوله: (وكريمة) أي ورب رجل كريمة، والتاء للمبالغة على غير قياس لأن أمثلتها فعالة كنسابة، وفعولة كفروقة ومفعالة كمهذارة. وليس منها فعيلة كما في العيني وإن المعنى: ورب نفس كريمة. وذكر في ألفته على تأويلها بالشخص، وقيس بمنع الصرف للعلمية والتأنيث على معنى القبيلة، وألفته بفتح اللام من باب ضرب أي أعطيته ألفاً، وأما ألفته بالكسر فبمعنى أحببته. وتبذخ بمثناة فوقية فموحدة فمعجمتين بمعنى تكبر وارتفع من البذخ بفتحتين وهو الكبر، والأعلام الجبال وهو محل الشاهد حيث جره بإلى محذوفة.
قوله: (والمطرد الخ) منه لفظ الجلالة في القسم بدون تعويض عن الباء نحو ألله لأفعلن، وكي المصدرية حيث يقدر قبلها اللام جارة لها مع صلتها وإن وأن مع صلتهما لأنهما في محل جر بالحرف المقدر عند الخليل والكسائي أما عند سيبويه فمحلهما نصب بنزع الخافض. وكذا يطرد الحذف بعد ما تضمن مثل المحذوف سواء كان بعد استفهام نحو زيد بالجر، جواباً لمن قال: بمن مررت؟ ونحو: أزيد بن عمرو جواباً لمررت بزيد أو بعد تحضيض كهلا دينار لمن قال: جئت بدرهم أو شرط. كامرر بأيهم شئت إن زيد وإن عمرو بالجر أو عطف نحو: فِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِنْ دَابَّةٍ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}
(الجاثية:4)
---
واختلاف أي وفي اختلاف فهو خبر عن آيات بعده، وليس مجروراً بالعطف على خلقكم لئلا يعطف على معمولي عاملين مختلفين العاملان في، والابتداء. والمعمولان خلقكم وآيات ونحو قوله:
270 ــــ ما لِمُحبِّ جَلَدٌ إنْ هَجَرا
ولا حَبِيْبٍ رأفةٌ فَيَجْبُرَا(2)
أي ولا لحبيب ونحو ذلك، وكذا يطرد الحذف في المعطوف على خبر ليس، وما الصالح لدخول الباء كقوله:
271 ــــ بدا لِيَ أني لستُ مُدْرِكُ ما مَضَى(2/24)
ولا سابِقٍ شَيْئاً إِذَا كَانَ جَائِيَا
بجر سابق على توهم الباء في مدرك.
خاتمة: لا بد لكل من الظرف والجار غير الزائد وشبهه من متعلق يتعلق به لأن الظرف لا بد له من شيء يقع فيه، والجار موصل معنى الفعل إلى الاسم، فالواقع في الظرف، والموصل معناه إلى الاسم هو المتعلق العامل فيهما وهو: إما فعل أو ما يشبهه من مصدر، أو اسم فعل أو وصف ولو تأويلاً نحو: وَهُوَ الله فِي السَّمواتِ وَفِي الأَرْضِ}
(الأنعام:3)
فالجار متعلق بلفظ الجلالة لتأوله بالمعبود أو المسمى بهذا الاسم، وإما مشير إلى معنى الفعل نحو: مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}
(القلم:2)
فنبعمة متعلق بما لأنها تشير إلى معنى الفعل، وهو النفي بناءً على جواز التعلق بحروف المعاني، ومذهب الجمهور منعه. فالمتعلق هو الفعل الذي تشير إليه أي انتفى جنونك بنعمة ربك والله أعلم.
الإضافة
---
هي لغةً: مطلق إسنادٍ لشيء أي إمالته له، أو نسبته إليه، واصطلاحاً: نسبة تقييديَّة بين اثنين توجب لثانيهما الجر أبداً وإن شئت قلت: إسناد اسم لآخر منزلاً الثاني من الأول منزلة التنوين، أو ما يقوم مقامه كنون الجمع في لزومه لحالة واحدة وهي الجر أبداً ويسمى الأول مضافاً والثاني مضافاً إليه، وقيل بالعكس، وقيل: كل منهما لكل منها. قال يس: وعينها ياء لأخذها من الضيف لاستناده إلى من ينزل عليه أي فأصلها أضياف كإكرام، فعل بها ما فعل بإقامة وإجازة وسيأتي في أبنية المصادر.
قوله:
(نوناً تلي الإعراب)(2/25)
أي حرف الإعراب وهي نون المثنى والجمع، وما ألحق بهما بخلاف نون بساتين وشياطين، فلا تحذف للإضافة لأنها لا تلي الإعراب بل علامته هي التي تليها بمعنى أنها تابعة لها في الرتبة تبعية الحال للمحل. وإن كان الأصح أن الإعراب مقارن لآخر الكلمة وجوداً لا متأخراً عنه ا هـ.. وظاهر أن المقارن إنما هو الحركة بقطع النظر عن وصفها بالإعراب لما هو معلوم من أن الكلمة قبل التركيب لا معربة ولا مبنية. فوصف الحركة بكونها إعراباً أو بناءً، متأخر عن وجود الكلمة وعن تركيبها.
قوله:
(مما تضيف)
أي تريد إضافته. وقوله: احذف، أي إن كان ما ذكر موجوداً وإلا فلا حذف في نحو: لبيك وذوي مال لعدم النطق بالنون ولا في نحو: أفضل القوم ولدن زيد والحسن الوجه، لعدم ظهور التنوين لمشابهة الفعل في الأول، والحرف في الثاني ولوجود أل في الثالث إلا أن يراد الحذف لفظاً أو تقديراً، وإنما وجب حذفهما لدلالتهما على تمام الكلمة وانفصالها عما بعدها والإضافة تدل على الاتصال.
قوله:
(كَطورِ سِينا)
بالقصر للضرورة، وأصله المد، وهو جبل بالشأم ويقال: طور سينين، وهو مثال لحذف التنوين.
قوله:
(وانو من أو في)
أي معناهما، وهو بيان الجنس المشوب بتبعيض والظرفية، وليس المنوي لفظهما إذ قد لا يصلح الكلام لتقديره.
قوله:
(إذا لم يصلح)
---(2/26)
أي بحسب القصد بأن أريد الظرفية في: بيع البلد وحصر المسجد، والتبعيض في: مصارع مصر، وقوله: لما سوى ذينك، أي مما لم يرد فيه ذلك بأن أريد فيما ذكر مجرد الاختصاص والنسبة، فهي على معنى اللام لأن المظروف والبعض له اختصاص بظرفه وكله أفاده يس. وبهذا يعلم أن نحو: مكر الليل يجوز كونه بمعنى في أو اللام بحسب الإرادة، وعلى الثاني لا يلزم كونه مجازاً عقلياً كما أطلقوه بل إن أريد اختصاص الظرفية فلا مجاز أصلاً أو اختصاص الفاعلية بجعل الليل ماكراً كان فيه مجاز عقلي في النسبة الإضافية كما يكون في الإسنادية كهزم الأمير الجند، وفي الإيقاعية كنومت الليلة، أي أوقعت النوم على أهلها ومنه قوله تعالى: وَلا تُطِيعُوا أمْرَ المُسْرِفِينَ}
(الشعراء:151)
حيث أوقع الإطاعة على الأمر، وهي للآمر فتأمل.
قوله:
(بالمضاف)
هو مذهب سيبويه والجمهور بدليل اتصال الضمير به وهو إنما يتصل بعامله، ولأنه يقتضي المضاف إليه ويطلبه كطلب العامل معموله مع تضمنه معنى الحرف الجار فلا يرد أن الأسماء المحضة لا حظ لها في العمل، وقيل إنه نائب عن حرف الجر.
قوله:
(عند جميع النحويين)
فيه نظر فقد قال أبو حيان تبعاً لابن درستويه إن الإضافة ليست على تقدير حرف أصلاً، وإلا لزم أن: غلام زيد، يساوي: غلام لزيد، وليس كذلك: فإن معنى المعرفة غير النكرة. وأجيب بأن قولنا غلام لزيد ليس تفسيراً مطابقياً من كل وجه بل لبيان الملك أو الاختصاص فقط ويمكن أن الشارح لم يعتبر ذلك القول لضعفه.
قوله:
(وهو اختيار المصنف)
---(2/27)
اختار ولده والرضي وغيرهما مذهب سيبويه، والجمهور أنّها بمعنى اللام أو من فقط، وما أوهم معنى في محمول على اللام توسعاً، فمعنى: ضرب اليوم، ضرب له اختصاص باليوم بملابسة الوقوع فيه، وكذا مكر الليل ا هـ، ولا حاجة للتوسع لأن معنى لام الاختصاص ظاهر في الظرف وإنما لم ترد التي بمعنى من اللام كما قال به بعضهم لظهور الاختصاص فيها أيضاً لأنها كثيرة فاستحق أن تجعل قسماً مستقلاً بخلافها بمعني في فقليلة فردت إلى اللام تقليلاً للأقسام فتحصَّل أن الأقوال أربعة.
قوله:
(جنس المضاف)
يلزم من ذلك صحة الإخبار بالثاني عن الأول فلا حاجة لجعله شرطاً ثانياً بخلاف التعبير بكون المضاف بعض المضاف إليه، فلا بد عليه من زيادة صحة الإخبار لأن البعض يشمل الجزء والجزئي، وصحة الإخبار تخرج الأول فنحو: يد زيد وبعض القوم على معنى اللام لا من لعدم صحة الإخبار، أما على ما نقله في الهمع عن ابن كيسان والسيرافي من الاكتفاء بالبعضية فعلى معنى من، ومنها عند ابن السراج، واختاره المصنف إضافة الأعداد إلى المعدودات كثلاثة دراهم والمقادير إلى المقدرات كَشِبرِ أرض لوجود الشرطين فيها، وعند الفارسي على معنى اللام. وإما إضافة عدد إلى عدد كثلاثمائة فقد اتفقا على أنها بمعنى من، ولا يضر في صحة الإخبار الاحتياج إلى تأويل مائة بمئات.
قوله:
(ظرفاً)
أي زمانياً أو مكانياً، حقيقياً أو مجازياً كـ: مَكْرُ اللَّيْلِ}
(سبأ:33)
يا صَاحِبَي السِّجْنِ}
(يوسف:41)
أَلَدُّ الخِصَام}
(البقرة:204)
.
قوله:
(بمعنى اللام)
---(2/28)
أي وإن لم يصح التصريح بها كيوم الأحد، وعلم الفقه فيكفي إفادة مدلولها وهو الاختصاص، وبهذا يرتفع الإشكال عن مواد الإضافة اللامية كما في الجامي، وقد يصح إظهارها عند إبدال اللفظ بمرادفه أو مقاربه كذي مال وعند زيد ومع بكر وكل رجل، لأنه بمعنى صاحب مال ومكان زيد ومصاحب بكر، وأفراد الرجل ومن اللامية الإضافة اللفظية كما صرح به ابن جنّي والشلوبين، لكن قضية كلام القطر وابن الحاجب أنها ليست على معنى حرف، ولا يدل للأول ظهورها في فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ}
(هود:107)
حَاِفِظَاتٌ لِلْغَيْبِ}
(النساء:34)
لأن هذه لام التقوية، لا لام الاختصاص.
قوله:
(تخصيصاً)
ليس المراد به ما يشمل التعريف، بل قلة الاشتراك فقط. فلا يرد أن التعريف داخل فيه فكيف يجعل قسيمه.
قوله:
(وتعريفاً)
أي نوعاً من أنواعه المقررة في أل، فإن الإضافة تأتي لما تأتي له اللام من العهد وغيره، وإنما تؤثر التعريف إذا كان المضاف قابلاً له بخلاف نحو: غيرك ومثلك وحسبك وناهيك، فلا يتعرف لتوغله في الإبهام. وكذا نحو: رب رجل وأخيه وكم ناقة وفصيلها وجاء وحده، لأن رب وكم لا يجران المعارف فهما في تأويل أخ له وفصيل له وفصيل لها، وقيل: معرفتان للتسامح في التابع وأما وحده فحال وهو واجب التنكير وهل الإضافة إلى الجمل تفيد التعريف لأنها في تأويل مصدر مضاف لفاعلها أو مبتدئها أو التخصيص لأن الجمل نكرات؟ استظهر الروداني الأول، ولا ينافيه وقوعها صفة للنكرة لأنه باعتبار ظاهرها وقطع النظر عن التأويل، وظاهر أن محل ذلك إذا كان الفاعل أو المبتدأ معرفة، كما هو مفاد التعليل وإلا كانت للتخصيص.
قوله:
(وإن يشابه إلخ)
هذا كالاستثناء من قوله: واخصص أولاً إلخ، وكني بيفعل عن المضارع مطلقاً.
قوله:
(وصفاً)
حال من المضاف لازمة لأنه لا يشابه يفعل إلا حينئذ.
قوله:
(كرب راجينا)
---(2/29)
استشكل بأن رب تصرف ما بعدها للمضي وإضافة الوصف الماضي محضة. وفيه نظر لأن الذي يجب مضيه عند الأكثر هو العامل في محل المجرور ولا المجرور نفسه وقال في التسهيل: لا يلزم مضي عاملها ولا وصف مجرورها، فتدبر.
قوله:
(وذي الإضافة إلخ)
ذي اسم إشارة مبتدأ، والإضافة نعته أو بدل منه، والمراد إضافة الوصف لمعموله وجملة اسمها لفظية خبره، وكما تسمى بذلك لرجوع فائدتها للفظ بتخفيفٍ أو تحسين، تسمى غير محضة لأنها في تقدير الانفصال بالضمير المستتر في الوصف، ومجازيه لأنها لغير الغرض الأصلي من الإضافة، وهو التخصيص أو التعريف.
قوله:
(محضة ومعنوية)
أي وحقيقية لنظير ما قبله، وظاهره انحصارها في النوعين لكن زاد في التسهيل ثالثاً وهي الشبيهة بالمحضة. وحصرهُ في سبعة أنواع منها إضافة الموصوف لصفته، والمسمى إلى اسمه وعكسهما، كما بينه الأشموني.
قوله:
(كل اسم فاعل)
منه أمثلة المبالغة كشرَّاب العسل.
قوله:
(بمعنى الحال إلخ)
أي لأنه حينئذٍ يكون بمعنى المضارع فيعمل في محل المفعول به، والفعل لا يتعرف، فكذا ما هو بمعناه. فإضافته لمعموله لا تفيد إلا التخفيف بخلاف الماضي أو مطلق الزمن فلا يقوى على العمل في محل المفعول به لبعده عن المضارع فهو مضاف لغير معموله، فيتعرف به. فإن كان بمعنى الاستمرار فقال الرضي: هو كالحال. وقال السعد في شرح الكشاف دافعاً للتنافي بين كلاميه في مَالِكِ يَوْمِ الدَّينِ} وجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَناً}
(الأنعام:96)
---(2/30)
الاستمرار يحتوي على الأزمنة الثلاثة فتارة يعتبر الماضي فلا يعمل، ويتعرف بالإضافة كمالك يوم الدين بدليل وصف المعرفة به، وتارة يُعْتَبرُ جانب الحال والاستقبال فيعمل ولا يتعرف كجاعل الليل سكناً، وذلك لئلا يلزم مخالفة الظاهر بقطع مالك عن الوصفية إلى البدلية، وبجعل سكناً منصوباً بمحذوف أي يجعله سكناً والتعويل على القرائن والمقامات اهـ. وفي الدماميني وغيره ما يوافقه، واختار السيد في دفع التنافي أن الاستمرار في: مالك يوم الدين ثبوتي، وفي: جاعل الليل تجدُّدي بتعاقب أفراده فكان الثاني عاملاً، وإضافته لفظية لورود المضارع بمعناه دون الأول وفي حواشي السعد إنما وصف بمالك المعرفة لأن إضافة الوصف إلى الظرف معنوية عند الجمهورا هـ، ولا يلزم مثله في: جاعل الليل سكناً مع قولهم بأنها لفظية، لأن الليل مفعول جاعل لا ظرفه بخلاف يوم فإنه ظرف لمالك إِذ المعنى: مالك الأمر والنهي في يوم الدين، بدليل قراءة: ملك، فتدبر.
قوله:
(أو صفة مشبهة)
---(2/31)
هي ما دل على فاعل الحدث، وأفاد الدوام سواء وازنت المضارع أم لا واسم الفاعل هو ما وازن المضارع، وأفاد الحدوث، فإن أفاد الدوام كان صفه مشبهة حقيقية على ما في التوضيح وغيره. وقال الزمخشري وابن الحاجب: إن الصفة لا توازن المضارع أصلاً، وما أريد به الدوام مما وازنه كضامر البطن ومطمئن القلب ومعتدل القامة، فأسماء فاعلين ألحقت بالصفة حكماً، وليست منها حقيقة، ولم يقيدها الشارح بغير الماضي كسابقها لأنها للدوام أبداً ولا تكون للماضي وحده أصلاً ومقتضاه أن إضافته لفظية أبداً وهو ما في الرضي والتصريح قيل: لأنها تشبه المضارع في بعض أحواله وذلك إذا أفاد الاستمرار. وقال الرضي: لأنها جائزة العمل أبداً، إِما رفعاً أو نصباً. وأما اسما الفاعل والمفعول فعملهما في مرفوع جائز مطلقاً لأن أدنى رائحة الفعل يكفي في عمل الرفع لشدة اختصاص المرفوع بالفعل فإضافتهما إلى مرفوعهما معنى لفظية أبداً كضامر بطنه ومسودُّ وجهه، وأما عملهما النصب فيحتاج إلى شرط الحال أو الاستقبال أو الاستمرار ليشبها المضارع الصالح لهذه الثلاثة فيقويا على عمل النصب، وإضافتهما حينئذٍ لفظية دون الماضي لبعده عنه فلا يقوى على العمل. فإذا أضيف لمنصوب معنًى كان مضافاً لغير معموله فتعرف به وهذا ظاهر إن قلنا إن الوصف الاستمراري إضافته لفظية بلا تفصيل كما هو ظاهر إطلاق الرضي. أما على ما مر عن السعد من أن فيه اعتبارين فَيُشْكِلُ اعتبارهما فيه دون الصفة مع أنها منها حقيقة أو ملحق بها على القولين ودفعه في حواشي السعد بأن اسم الفاعل قد يتمحض للماضي في بعض أحواله فتكون إضافته معنوية، فلذا اعتبر جانبه في الاستمراري والصفة لا تتمحض له أصلاً فلا يحسن اعتباره وحده فيها ومقتضى ما مر عن السيد من أن الاستمراري الثبوتي لا يعمل، وإضافته معنوية أن الصفة كذلك دائماً لأن استمرارها ثبوتي أبداً، وإلا أشكل الفرق بينهما، فتأمل، فإن في المقام دقة.
قوله:
(كالمصدر)(2/32)
---
مثال لغير الوصف، وقيل إضافته لفظية لأنه عامل في محل مجروره رفعاً أو نصباً فأشبه الصفة ورد بنعته بالمعرفة في قوله:
272 ـــ إن وجدِي بكِ الشَّدِيدَ أَرَاني
عَاذِراً فِيكِ مَنْ عَهِدتُ عذُولا
وبأن تقدير الانفصال في الوصف بالضمير المستتر فيه، ولا ضمير في المصدر.
قوله:
(واسم الفاعل إلخ)
مثل للوصف غير العامل، ومنه أفعل التفضيل لأنه لا يعمل في المفعول به، فإضافته محضة كما هو مذهب سيبويه بدليل نعته بالمعرفة.
قوله:
(لا يفيد تخصيصاً)
أي لحصوله بالمعمول قبل أن يضاف إليه.
قوله:
(التخفيف)
أي بحذف التنوين الظاهر كما في: ضارب زيد، وأصله ضارب زيداً، أو المقدر نحو: حواج بيت الله، أو حذف نون المثنى والجمع، وحصر فائدتها في التخفيف إنما هو بالنسبة للتعريف والتخصيص وإلا فتفيد رفع القبح أيضاً كما في: الحسن الوجه. فإن في رفع الوجه قبح خلو الصفة عن ضمير الموصوف، وفي نصبه تشبيهاً بالمفعول به قبح إجراء وصف القاصر مجرى المتعدي وفي الجر تخلص منهما، ومن ثم امتنع: الحسن وجهه والحسن وجه بالجر لعدم فائدته بل الأول فاعل لوجود ضمير الموصوف، والثاني تمييز لأنه نكرة.
قوله:
(على تقدير الانفصال)
أي بالضمير المستتر في الوصف كما مر.
قوله:
(بذا المضاف)
أي المشابه يفعل فالمضاف بدل من اسم الإشارة أو نعت له.
قوله:
(لا يجوز إلخ)
أي لأن المقصود الأصلي من الإضافة التعريف، فيلزم من دخول أل تحصيل الحاصل، أو اجتماع معرفين على شيء واحد.
قوله:
(من أنهما)
أي الإضافة وأل.
قوله:
(بشرط إلخ)
---(2/33)
اعترض بأنه لا فائدة للإضافة حيئنذٍ لا تخفيفاً لعدم التنوين فيه، ولا رفع قبح لأن الوصف متعدَ فلا قبح في نصبه المفعول به فكان القياس منْع الإضافة كما منعت في: الحسن وجه والحسن وجهه لعدم فائدتها كما مر. وأجيب بأن هذا الشرط بحسب الأصالة إنما هو لجواز إضافة الصفة المشبهة المحلاة بأل كالحسن الوجه. لأن رفع القبح فيها لا يكون إلا بذلك الشرط كما مر. فحمل عليها: الضارب الرجل في جواز الجر لاشتراكهما في تعريف الجزأين كما حملوها عليه في جواز النصب وإن كان قبيحاً فيها، وأيضاً ليكون دخول أل على المضاف الذي هو خلاف الأصل كالمشاكلة.
قوله:
(أو على ما أضيف إليه)
أي لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد فلذلك لا يجوز أن يكون بين الوصف وما فيه أل أكثر من اسم واحد فيمتنع: الضارب رأس عبد الجاني. وبقي من صور الجواز الإضافة إلى مضاف لضمير ما فيه أل كقوله:
273 ــــ الوُدُّ أنْتِ المُسْتَحِقَّةُ صَفْوِهِ
وأوجب المبرّد في هذه النصب وهو محجوجٌ بالسَّماع، والأفصح في المسائل الثلاث النصب بالوصف.
قوله:
(امتنعت المسألة)
أي مسألة الإضافة، ووجب النصب، وأجاز الفراء الإضافة للمعارف مطلقاً كالضارب زيد والضاربه، هذا والضاربه فيجوز نصب الثلاثة أو جرها بالإضافة بخلاف: الضارب رجل فيتعين النصب لامتناع إضافة المعرفة للنكرة، ووافقه المبرد والرماني في الضمير دون غيره لكن أوجبا فيه الجرَّ. ومذهب سيبويه أن الضمير كالظاهر الخالي من أل يتعين فيه المفعولية إن كان الوصف مْحَلَّى بها كالضاربك لفقد شرط الإضافة، ويتعين فيه الجر إن كان مجرداً كضاربه، لفقد التنوين. وأما: الضارباك والضاربوه، فالجرُّ فيه جائز لوجود شرطه، وهو كون الوصف مثنًى أو جمعاً، وكذا النصب أيضاً ولا يمنع منه حذف النون لأنها قد تحذف مع نصب الظاهر تخفيفاً كما تحذف في الإضافة كقوله:
274 ــــ الفَارِقُو الحقَّ لِلْمُدِلِّ بهِ
---
والمُستَقِلُّو كثيرَ ما وَهَبُوا(2/34)
بنصب الحق وكثير. ورد ذلك جماعة بأن الأصل أن لا تسقط النون إلا للإضافة فلا يعدل عنه إلا إذا تعين غيره بظهور النصب وذلك في الظاهر دون الضمير. هذا وظاهر مذهب سيبويه تعيُّن النصب في نحو: الرجل أنت الضاربه، وإن عاد الضمير لما فيه أل ولينظر الفرق بينه وبين: الود أنت المستحقة صفوه، فإن هذا أولى منها لقربه من المضاف فتأمل.
قوله:
(فلا تقول: هذا الضارب رجل)
أي لانتفاء فائدة الإضافة، وليس له ما يحمل عليه بخلاف ما مرَّ فيجب نصب رجل مفعولاً للوصف، وكذا زيد عند غير الفراء.
قوله:
(وكونها في الوصف إلخ)
الجار يتعلق بالكون إن كان تاماً وخبره من حيث النقصان إن كان ناقصاً، كان خبره من حيث الابتداء وإن وقع بفتح الهمزة في تأويل مصدر فاعل بكاف، ومتعلقة محذوف أي وجود أل في المضاف يكفي في اغتفاره وقوعه مثنى إلخ. وقيل: إن وقع مبتدأ ثانٍ خبره كاف، والجملة خبر الكون حذف رابطها أي في اغتفاره، ونقل عن المصنف كسر الهمزة فتكون شرطية حذف جوابها لدلالة ما قبلها عليه. وعليه حل الشارح، أي إن وقع الوصف مثنَّى أو جمعاً فوجود أل فيه مُغْنٍ عن وجودها في المضاف إليه لكن فيه أن الكافي عن وجودها في المضاف إليه ليس هو وجودها في المضاف، بل وقوعه مثنَّى إلخ لأن وجودها في المضاف خلاف الأصل فيحتاج لمسوغ وهو مشاكلة كونها في المضاف إليه كأمر أو وقوعه مثنى أو جمعاً لأنه لما طال بالتثنية والجمع ناسبه التخفيف فلم يحتج لاتصالها بالمضاف إليه، أفاده الصبان.
قوله:
(ولا يضاف اسم إلخ)
في نسخ تأخير هذا البيت مع شرحه عما بعده، وعليها شرح الأشموني.
قوله:
(لما به اتَّحد معنى)
---
أي فقط كقمح برَ أو معنى ولفظاً كزيد زيد، مراداً بهما ذات واحدة فيجب فيهما الإتباع على التوكيد اللفظي، وخرج عنه المشترك المتَّحد اللفظ دون المعنى لفظياً كان كعين العين وزيد زيد مراداً بهما ذاتان أو معنوياً كأَب الأب وابن الابن، فإن ذلك صحيح سائغ.
قوله:(2/35)
(وما ورد إلخ)
مقتضاه كالمتن أنه يقتصر في ذلك على المسموع وإن التأويل المذكور إنما هو تخريج للمسموع على وجهٍ صحيح لا مسوغ لارتكابنا مثله، ولا ينافي ذلك ما تقدم في باب العلم من قوله:
وإنْ يَكُونَا مُفْرَدَيْنِ فَأَضِفْ
لأن معناه: أبقِ الإضافة الواردة مؤولاً لها بما هنا كما أسلفناه هناك.
قوله:
(مؤولاً)
أجاز ه الكوفيون بلا تأويل بشرط اختلاف اللفظين.
قوله:
(فيؤول الأول بالمسمى إلخ)
أي إذا كان الحكم مناسباً للمسمَّى، فإن ناسب الاسم ككتبت سعيد كرز، عكس التأويل أي كتبت اسم هذا المسمى.
قوله:
(كيوم الخميس)
فيه أنه ليس من المترادفين بل من إضافة الأعم للأخص، وهي جائزة لإفادتها تخصيص الأعم، وأما عكسها فممتنع.
قوله:
(حبة الحمقاء)
بالمد هي الرجلة، وصفت بالحمق لأنها تنبت في مجاري الماء فتمر بها السيول فتقطعها وتطؤها الأقدام، وفي القاموس بقلة الحمقاء بدل حبّة وتأويلها أن يقال: الأصل بقلة الحبة الحمقاء، ولا شك أن الحبة التي هي بزر الرجلة توصف بالحمق كما توصف به نفس الرجلة لأنها من جملة ما ينبت في المجاري، فكل من العبارتين موهمُّ لإضافة الصفة للموصوف ولا مانع من جعلها من إضافة الأعم للأخص، فلا تحتاج لتأويل باعتبار أن الحمقاء صار كالعلم على تلك البقلة وإن كان خلاف الظاهر، واعلم أن التأويل في هذه المذكورات يصيُر الإضافة حقيقية على معنى لام الاختصاص.
قوله:
(مؤهَلاً)
---
بفتح الهاء من أوهله لكذا بمعنى أهله أي جعله أهلاً له، والمراد لازم ذلك وهو كون المضاف أهلاً في نفسه للحذف فهو من إطلاق المسبب وهو التأهيل وإرادة سببه، وهو كونه أهلاً.
قوله:
(وإقامة المضاف إليه إلخ)(2/36)
هذا مع ما بعده تفسير لصلاحيته للحذف، وليس شرطاً مستقلاً أي معنى كونه صالحاً للحذف أنه يُستغنى عنه في إفادة المعنى المراد بالمضاف إليه، ويشترط أيضاً كونه بعضاً من المضاف إليه أو كبعضه، فالأول نحو: قطعت بعض أصابعه، يَلْتَقِطُهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ}
(يوسف:10)
كما شرقت صدر القناة من الدم والثاني كمر الرياح الآتي وكقوله:
275 ــــ أَتْيُ الفواحشِ عندَهم معروفةٌ
ولدَيْهُم، تركُ الجَميلِ جميلُ(2)
زاد الدماميني: أو كونه كل المضاف إليه نحو يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ}
(آل عمران:30)
فلا يقال: أعجبتني يوم العروبة، لأن المضاف ليس كلاً ولا بعضاً ولا كبعض وإن كان صالحاً للحذف.
قوله:
(مشين)
أي النسوة كما اهتزت أي مشياً كاهتزاز رماح تسفهت أي أمالت ومر الرياح أي مرورها فاعله، وفيه الشاهد.
قوله:
(فاكتسب التذكير)
أي بالشروط المذكورة ففي كلام المتن اكتفاء، ومما يكتسبه المضاف أيضاً ما مر من التعريف والتخصيص والتخفيف ورفع القبح، وكذا الظرفية ككل حين، والمصدرية ككل الميل، ووجوب التصدر كغلام من عندك، والجمع كقوله:
276 ــــ فما حُبُّ الدِّيارِ شَغَفْنَ قَلْبي
ولكن حُبُّ مَنْ سكنَ الدِّيارَا(3)
أو البناء بالإضافة إلى مبني كما سيأتي قِيلَ: والإعراب كهذه خمسة عشر زيد برفع عشر لإضافته للمعرب، وفي أن إعرابه إنما هو لمعارضة الإضافة شبه الحرف لا لاكتسابه من المضاف إليه بدليل أن من يعربه لا يخصه بإضافة المعرب، بل مع المبني أيضاً كهذه خمسة عشرك كما قاله الدماميني.
قوله:
(واكتسب التذكير إلخ)
أي بدليل قوله: قريب، وإلا لقال: قريبة، ويرد عليه لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ}
---
(الشورى:17)(2/37)
حيث ذكره بلا إضافة فالأوجه أن التذكير في الآيتين لإجراء فعيل بمعنى فاعل مجراه بمعنى مفعول في أنه يستوي فيه المذكر والمؤنث، وقيل: بل هو بمعنى مفعول أي مقربة، وقيل: إنهم التزموا تذكير قريب في غير النسب للفرق بينهما. وقيل: الرحمة بمعنى الغفران أو المطر بقي أن في كلام الشرح إطلاق التذكير عليه تعالى وهو سوء أدب. والجواب أن التذكير هنا وصف للفظ الجلالة لمعناه، فلا ضرر فيه صبان. ولك أن تقول: المراد اكتسب حكم التذكير الثابت له تعالى لأنه إذا أخبر تعالى بحكم لا يكون إلا كالمذكر وإن لم يصح وصفه بالتذكير وليس المراد اكتسب التذكير نفسه إذ الإضافة لا تصيُر المؤنث مذكراً حقيقة بل بإعتبار أن يصير الحكم عليه كالحكم على المذكر فتدبر.
قوله:
(وبعض الأسماء إلخ)
يشعر بأن الأصل، والغالب في الأسماء صلاحيتها للإضافة وعدمها. وقوله: وبعض ذا إلخ، يشعر بأن الأصل في ملازمة الإضافة أن لا يقطع عنها. واعلم أن أقسام الاسم بالنسبة للإضافة وعدمها عشرة: ما تجوز إضافته وهو الغالب، وما تمتنع كالمضمرات والإشارات وغير أي من الموصولات، وأسماء الشرط والاستفهام وما تجب إضافته للجملة فإما لخصوص الفعلية وهو إذا ولما الحينية عند من جعلها اسماً، أو لمطلق الجملة، ولا يقطع عنها لفظاً وهو حيث، أو يقطع وهو إذ وما تجب إضافته للمفرد مطلقاً. فأما لفظاً أو نية وهو غير ومع والجهات ونحوها ككل إذا لم يقع توكيداً ولا نعتاً أو لفظاً فقط ككلا وكلتا وعند وما عطف عليه في الشرح أو للمفرد الظاهر وهو: أولو وأولات وذو وذات وفروعهما كذوا وذواتا وكل المنعوت بها فيما يظهر كزيد الرجل كل الرجل، أو للضمير مطلقاً كوحدك وكل في التوكيد، أو لخصوص ضمير المخاطب كلبيك وأخواته.
قوله:
(وقُصارى)
بضم القاف مقصوراً، وحماداه بحاء مهملة بوزنه، وقوله: بمعنى غايته راجع لهما ويقال في الأول قصيراً كالمصغر.
قوله:
---
(حتماً)
أي إضافة حتماً، أي واجبة.
قوله:(2/38)
(إيلاؤه)
مصدر أولى المتعدي بالهمزة بمعنى اتباعه له أي امتنع أن يجعل الاسم الظاهر تابعاً له فالهاء مفعوله الثاني، واسماً مفعوله الأول لأنه هو الذي كان فاعلاً قبل الهمزة، وقوله الآتي: وشذ إيلاء يدي مصدر مضاف لمفعوله الأول، وللبي مفعوله الثاني، ولامه للتقوية هذا هو الصواب.
قوله:
(وحدك)
هو مصدر ملازم للإفراد والتذكير والنصب فقيل: على المصدرية لفعل لم يلفظ به كفعل الأبوة والخؤلة. وقيل: لفظ به حكى الأصمعي وحد يحد وحداً كوعد يعد وعداً إذا انفرد، وقيل أصله إيحاد مصدر أوحده بمعنى أفرده حذفت زوائده، وقيل على الحال لتأويله بموحد أي منفرداً على ما مر في بابه، وقد يُجَرُّ بعلى كجلس على وحده، أو بإضافة كنسيج وحده بوزن كريم، أي لا نظير له في الخير وكذا قريع وحده بالقاف والراء والعين المهملة وهو السيد، ويقال جُحَيْشٌ وحده وعُيَيْرٌ وحده مصغر حجش وعير وهو الحمار أي لا نظير له في الشر.
قوله:
(لبيك)
أصله ألبُّ لك البابين أي أقيم على طاعتك وإجابتك إقامتين، من ألب بالمكان إذا أقام به فحذف الفعل، وأقيم المصدر مقامه فصار البابين لك، ثم حذفت زوائده، وحذف الجار، وأضيف للضمير كل ذلك ليسرع المجيب إلى سماع خطاب مناديه، ويقال في الباقي نظير ذلك ويجوز كونه من لب بمعنى ألب أي أقام فلا يكون محذوف الزوائد، قاله الرضي.
قوله:
(إدالة)
الأنسب تداولاً بعد تداول أو مداولة بعد مداولة لأن الإدالة هي الغلبة ولا تناسب هنا بخلاف التداول فإنه التناوب أي تداولاً لطاعتك ومناوبة فيها.
قوله:
(وسَعْدَيْك)
لا تستعمل إلا بعد لبيك لأنها توكيد لها.
قوله:
(ودوني زوراء)
---(2/39)
بالزاي ثمّ الراء هي الأرض البعيدة، والجملة حال من ياء دعوتني، والمترع البحر من قولهم: حوض ترع، بفتح التاء الفوقية والراء، أي ممتلىء. وبيون بفتح الموحدة وضم المثناة التحتية أي واسعة بعيدة الأطراف، وفي قوله: لبيه، التفاتٌ من الخطاب إلى الغيبة على حد إذَا كُنْتُم فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ}
(يونس:22)
.
قوله:
(دعوت إلخ)
قائله لزمته ديةٌ، فدعا مسوراً لحملها فلباه، أي أجابه بقوله: لبيك. فقوله: فلبى، فعل ماض فاعله ضمير مسور عطف على دعوت، والفاء الثانية سببية أي فأجيبه إجابة بعد إجابة إذا سألني في أمر نابه، وخص يديه لأنه أعطاه بهما، ففيه إشارة إلى أنه أجاب بالفعل كالقول.
قوله:
(مثنى)
أي بحسب الأصل، ثم قصد به التكرار وانسلخ عن التثنية، وألحق بها في الإعراب نظراً لأصله.
قوله:
(على المصدرية)
أي المفعولية المطلقة وقد علمت أنها مصادر محذوفة الزوائد لا أسماء مصادر وقوله: بفعل محذوف أي من ألفاظها إلا لبيك وهذاذيك بذالين معجمتين فمن معناهما فيقدر في سعديك أسعد أي أعاون، وفي دوليك أداول، وفي حنانيك أتحنن أو أحن، وفي هذاذيك أسرع، لأن معناه الإسراع، وفي لبيك أقيم لأنه لا فعل لهما من لفظهما كذا قيل. وفيه أن لبيك مأخوذ من ألب بالمكان إذا أقام به أو من لب بمعناه كما مر فله فعل من لفظه ولا ضرر في كونه محذوف الزوائد على الأول لأنه مثل سعديك ودواليك في ذلك. نعم ذكر جماعة أن معنى لبيك إجابة، بعد إجابة وعليه فهو منصوب بفعل من معناه أي أجيب لأن لب وألب ليسا بمعنى أجيب، ا هـ صبان.
لا يقال: قد وجد له فعل من لفظه على هذا أيضاً وهو لبَّى كما في البت المارِّ فإن معناه أجاب كما مرَّ لأنا نقول مدلول لبَّى أنه قال: لبيك فلا يصح أن يشتق منه لبيك للزوم الدور فتأمل.
قوله:
(ثم ارجع البصر)
أي ردده في نواحي السماء كرَّتين، أي مرتين. وقوله في الآية هَلْ تَرَى مِنْ فطور}
---
(الملك:3)
أي من خلل بصدع أو غيره.(2/40)
قوله:
(أنه ليس بمثنى)
أي لبيك فخلاف يونس في خصوصه، وغلط ابن الناظم في إجرائه في أخوته أيضاً.
قوله:
(وإن ينون)
نائب فاعله ضمير يعود على إذ، ونائب فاعل يحتمل هو قوله: إفراد إذ، ولم يقل إفرادها إيضاحاً لئلا يتوهم عود الضمير إلى المذكور من حيث وإذ.
قوله:
(وما كإذ)
مبتدأ خبره كإذ الثاني، ومعنى منصوب على نزع الخافض أي والذي مثل إذ في المعنى من حيث كونه ظرفاً مبهماً ماضياً مثله في الإضافة إلى الجمل، وقوله: أضف جوازاً كالاستداراك على قوله: كاذبين به أنه مثله في مطلق الإضافة لا في وجوبها. ويحتمل أن الخبر قوله: أضف، والرابط محذوف، وكإذ صفة لمصدر محذوف على حذف مضاف أي والذي مثل إذ أضفه إضافة كإضافة إذ في كونها للجمل حال كونها جائزة.
قوله:
(هو حيث وإذ)
الأول ظرف مكان لا يخرج عن الظرفية إلا نادراً، وقد يراد بها الزمان، وثاؤها مثلثة، وقد تبدل ياؤه واواً، قيل وألفاً وبنو فقعس يعربونها، ولا يضاف إلى الجملة من أسماء المكان غيرها، والثاني ظرف زمان ماض، وقد ترد للاستقبال في الأصح بدليل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ}
(النحل:55)
إِذ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}
(غافر:71)
وتلزم النصب محلاً على الظرفية ما لم يضف إليها زمان كيومئذٍ، وإلا كانت في محل جر بالإضافة فلا تقع مفعولاً به، ولا بدلاً منه عند الجمهور وأما نحو وَاذْكُروا إِذ أَنْتُمْ قَلِيلٌ}
(الأنفال:36)
واذْكُرْ في الكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ}
(مريم:16)
فمؤوّل بأنها ظرف لمحذوف أي واذْكُرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْتُمْ}
(آل عمران:103)
واذكر قصة مريم إذ انتبذت، وترد للتعليل نحو: وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ}
(الزخرف:39)
---
الخ أي لأجل ظلمكم وهل هي حينئذٍ حرف كاللام أو ظرف، والتعليل مستفاد من قوة الكلام قولان، وترد للمفاجأة بعد بينا أو بينما كقوله:
277 ــــ فبينما العسرُ إذْ دارَتْ مَياسيرُ(2)(2/41)
وهل هي حينئذٍ ظرف زمان أو مكان أو حرف لمعنى المفاجأة، أو زائد؟ أقوال.
قوله:
(إلى الجملة الاسمية)
قال في التصريح شرط الاسمية بعد حيث أن لا يكون خبرها فعلاً، وبعد إذ أن لا يكون خبرها فعلاً ماضياً نصَّ على ذلك سيبويه ا هـ. ولعل ذلك شرط للحسن لا للجواز لما في المغني أن نصب زيد في: جلست حيث زيداً أراه: أرجح من رفعه على الابتداء لأن إضافة حيث إلى الفعلية أكثر ا هـ. وفي الهمع يقبح إضافة إذ إلى اسمية عجزها فعل ماض كجئت إذ زيد قام دون: إذ زيد يقوم، لأن إذ للماضي فيقبح أن تفصل منه.
قوله:
(أما ترى الخ)
تمامه:
278 ــــ نجماً يُضيءُ كالشِّهاب لامعا
وترى بصرية مفعولها طالع، وحيث ظرف مكان متعلق بطالعاً، وقيل مفعولها حيث، وطالعاً حال منها أي: ترى مكان سهيل حال كونه طالعاً فيه، أو من سهيل، والشاهد اضافة حيث إلى المفرد وهو سهيل، وهل هي حينئذٍ مبنية على أصلها أو معربة لزوال سبب البناء وهو الإضافة للجملة قولان، وقيل سهيل بالرفع مبتدأ حذف خبره، أي حيث سهيل مستقرُّ طالعاً فلا شاهد فيه.
قوله:
(إذ قام زيد)
يشعر باشتراط مضي الفعل لفظاً كهذا المثال، ومثله الماضي معنًى نحو وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ القَوَاعِدَ} لا غيرهما
(البقرة:127)
.
قوله:
(ويجوز حذف الجملة الخ)
مثل إذ في ذلك إذاً كقوله تعالى: وَلَئِنْ أطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنكُمْ إِذا لَخَاسِرُونَ}
(المؤمنون:34)
وقد يحذف جزء الجملة بعد إذ كقوله:
279 ــــ والعَيْشُ مُنْقَلِبٌ إذْ ذَاكَ أفنانَا
أي إذ ذاك كذلك، وليست مضافة لمفرد كما توهم..
قوله:
(غير محدود)
---(2/42)
أي ليس له اختصاص أصلاً كما مثله ومنه يوم لا يختص بالنهار إلا بقرينة كأن يقال: ما رأيته يوماً وليلة، وإلا كان بمعنى وقت وحين فلا يختص بِلَيْلٍ ولا نهار أوله اختصاص من بعض الوجوه كغداة وعشية وليلة ونهار وصباح ومساء، فكل هذا يضاف للجملة بخلاف المحدود، وهو ما دلَّ على عدد كيومين وأسبوع وسنة وعام أو على تعيين وقت كأمس وغداً.
قوله:
(بل إلى الفعلية)
هذا مذهب سيبويه من أن مشبه إذ وإذا يعامل معاملتها فيضاف الأول إلى الجملتين، والثاني إلى الفعلية فقط مثلهما. ووافقه الناظم في مشبه إذ ولذلك اقتصر عليه دون مشبه إذا فجوز إضافته للاسمية بدليل يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ}
(الذاريات:13)
وقوله:
280 ــــ فكُنْ لي شَفِيعاً يومَ لا ذُو شَفَاعةٍ
بِمُغْنٍ فَتِيلاً عَنْ سَوادِ بن قَّاربِ
فإن يوم فيهما مستقبل كإذا، وأجيب بأنه نزل المستقبل منزلة الماضي لتحقق وقوعه. فيوم فيهما مشبه لإذ لا لإذا، وقد صرح الشاطبي بأن مشبه إذا يجوز إعرابه وبناؤه على التفصيل في مشبه إذ ا هـ.
قوله:
(نحو شهر وحول)
أي وسنة وعام كما قاله السيوطي والدماميني، وقيل: يضافان للجملة كسنة أو عام كان كذا انظر الصبان.
قوله:
(أو اعرب)
بنقل فتحة الهمزة إلى الواو للوزن.
قوله:
(ما كإذ)
تنازعه الفعلان قبله.
قوله:
(متلوّ فعل)
أي الذي تلاه فعل مبنيُّ.
قوله:
(يجوز فيه الإعراب والبناء)
قيده في الكافية بما إذا لم يكن مثنًى فقال:
281 ــــ وما كإذ أجْري ثُمَّ ثُنِّي
فَلَيْسَ عَنْ إعرَابهِ يَسْتَغْنِي
---(2/43)
وكما يجوز بناء الظرف المبهم المذكور مع الجملة، يجوز بناؤه عند إضافته لمفرد مبني كيومئذٍ وحينئذٍ، وكذا كل اسم مبهم غير ظرف كغير ومثل ودون وبين فهذه ونحوها مما هو شديد الإبهام إذا أضيفت لمفرد مبني جاز أن تكتسب من بنائه كما تكتسب النكرة التعريف من المضاف إليه بخلاف المختص لأن المبهم له شدة تعلق بما بعده لأن معناه لا يتضح إلا بما أضيف إليه. فهو أهل لاكتسابه منه البناء نحو: مِثْلَ مَا أنكم تنْطِقُون}
(الذاريات:23)
لَقَدْ تَقْطَّعَ بَيْنَكُمْ}
(الأنعام:94)
ومنّادون ذلك} بفتح الجميع للبناء وهي في محل رفع الأول صفة لحق، والثاني فاعل تقطع، والثالث مبتدأ فتحصل أن الإضافة تجوّز البناء في ثلاثة أنواع: إضافة الظرف المبهم إلى الجملة، وإضافته إلى مفرد مبني، وإضافة المبهم غير الظرف إلى مبني، ومنع ابن الناظم الأخيرين قائلاً لا يجوز أن تكون الإضافة إلى المفرد المبني سبباً للبناء لا في الظرف ولا غيره. لأنها تكف سبب البناء لاختصاصها بالأسماء فكيف تكون سبباً فيه والفتحات فيما ذكر إعراب لأن مثل حال من الضمير في حق، وبينكم حال من فاعل تقطع وهو ضمير المصدر المفهوم من الفعل، ودون صفة لمبتدإٍ محذوف أي: منَّا قوم دون ذلك، ا هـ. أي وأما يومئذٍ فنصب على الظرفية لا مبني.
تنبيه:
---(2/44)
عُدَّ في الشذور هذا البناء بأنواعه الثلاثة مما يُبنى على الفتح لا غير إلا أنه جعله نوعين فقط؛ أحدهما الزمان المبهم المضاف للجملة، والثاني الاسم المبهم زمنا أو غيره المضاف لمبني، فبناء الأول لإضافته للجملة، ولما كانت جائزة كان جائزاً بخلاف حيث، وأما الثاني فلاكتسابه من المضاف إليه كما مرَّ. وبُنِيَا على حركةٍ إشعاراً بعروض البناء في الجميع مع التقاء الساكنين في البعض كيوم، وخُصَّا بالفتح تخفيفاً لثقل الإضافة للجملة والمبني حتى آثروه على اتباع الكسرتين بعده في يومئذٍ، لذلك فعلم أنه لا يجوز بناء المذكورات على غير الفتح لا قياساً ولا سماعاً لأنه لو سمع لم يذكرها صاحب الشذور وغيره فيما بني على الفتح لا غير. وقد صرح الصبان في عل الآتية بأن البناء الجائز بالإضافة إلى المبني هو الفتح لا الضم فكذا الإضافة إلى الجملة لأنهما من وادٍ واحد وهذا مما لا يخفى على من له أدنى إلمام بالعلم وأهله، لكنه خفِيُّ على مُتَعَصِّبِي زمننا حتى جادلوا فيه بما لا ينبغي ذكره.
قوله:
(بفعل ماض)
الأولى مبني كعبارة المصنف لشموله المضارع مع إحدى النونين.
قوله:
(على حين الخ)
أي في حين، وكذا ما يأتي لما مر أن على الجارة للظروف بمعنى في وتمامه:
282 ــــ فقلتُ أَلَمَّا أَصْحُ والشَّيْبُ وازعُ(2)
بالزاي والعين المهملة أي مانع من اللهو.
قوله:
(ومذهب البصريين الخ)
---(2/45)
عللوه بأن سبب البناء مع الماضي طلب المشاكلة فلا وجه له مع الاسم والفعل المعرب. وأجابوا عن الآية بأن اسم الإشارة عائد للمذكور قبله، ويوم ظرف متعلق بمحذوف خبره وفيه أنه يلزم عليه مخالفة معنى هذه القراءة لقراءة الرفع والأصل عدمها. وأيضاً فالمشاكلة إنما تطلب بين المضاف والمضاف إليه وهو الجملة بتمامها وهي مبنية مطلقاً لا الفعل وحده، إلا أن يقال: الفعل هو المقصود بالذات فاعتبرت مشاكلته وإن كانت الإضافة إلى مجموع الجملة، وعلله المصنف بأن سبب البناء شبه الظرف المضاف للجملة بحرف الشرط في جعل الجملة بعده مفتقرة إليه وإلى غيره بعد أن كانت كلاماً تاماً وذلك عامٌّ في كل جملة.
قوله:
(جمل الأفعال)
بنقل حركة الهمزة إلى اللام للوزن.
قوله:
(كهن)
بضم الهاء من هان يهون إذا سهل، أي تواضع إذا اعتلى، أي تكبَّر غيرك.
قوله:
(إلى الجمل الفعلية)
أي الماضوية غالباً ويقلُّ للمضارعية. وقد اجتمعا في قول أبي ذؤيب:
283 ــــ والنَّفْسُ رَاغِبَةٌ إذا رَغَّبْتَها
وإذا تُرَدُّ إلى قليل تَقْنَعُ
وإنما لزمتها لتضمنها معنى الشرط غالباً، وإن خالفت الشروط في أنها لا تجزم اختياراً وفي اختصاصها بالمتيقن، والمظنون بخلاف باقي الأدوات فإنها للمشكوك والمستحيل كـ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ}
(الزخرف:81)
وأما نحو {أَفإنْ مِتُّ}
(الأنبياء:34)
فلتنزيله منزلة المشكوك لإبهام زمن الموت، وقد تجرد عن الشرط نحو وإذا ما غَضِبُوا هُم يَغْفِرونَ}
(الشورى:37)
بدليل خلو جملة: هم يغفرون من الفاء، ومن ذلك الواقعة في القسم نحو: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى}
(الليل:1)
وَالنَّجْمِ إذا هَوَى}
(النجم:1)
وهي ظرف للمستقبل، وقد تجيء للماضي كآية وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً}
(الجمعة:11)
---(2/46)
وللحال كالواقعة في القسم عند جماعة بناء على أن عاملها فعل القسم وهو حالي، ولا تخرج عن الظرفية أصلاً عند الجمهور. وأما قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: «إني لأَعْلَمُ إذا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً» فهي فيه ظرف للمفعول المحذوف لا مفعول كما توهم أي لا علم شأنك إذا كنت الخ وقوله تعالى: حَتَّى إذا جَاؤوهَا}
(الزمر:71،73)
حتى فيه ابتدائية لا غائية جارة لإذا وهي منصوبة بجوابها عند الأكثر لا بشرطها، لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف، واقتران جوابها بالفاء، وإذا الفجائية لا يمنع عمله فيها لتوسعهم في الظروف وإن لم تستحق التصدير فما ظنك بما يستحقه. أو يقال محل عمل جوابها فيها إذا لم يقترن بهما وإلا كان عاملها محذوفاً يدلُّ عليه الجواب. ومن جعل شرطها هو العامل فيها كسائر الشروط وقال إنها غير مضافة إليه مثلها كما يقول الجمع فيها إذا جزمت كما في المغنى. وحينئذٍ فالفرق بينها وبين إذ وحيث أنها يحصل الربط فيها بين جملتي الجواب والشرط بكونها شرطاً كما في أين ومتى، وأما إذ وحيث فلولا الإضافة ما حصل بهما ربط، وعند تجرُّدها عن الشرط تكون مضافة للجملة بعدها بلا خلاف فيما يظهر ليحصل بها الربط فتدبر. ومثل إذا لما الحينية، وتسمى الوجودية وهي الرابطة لوجود شيء بوجود غيره بناءً على قول المصنف إنها ظرف فيه معنى الشرط فتضاف لشرطها، وتنصب بجوابها كما في القطر، وقيل ليست مضافة كسائر الشروط، وتختص بالماضي فلا يكون شرطها وجوابها إلا ماضيين عند كثيرين. ولذا اختار في المغني كونها بمعنى إذ لا بمعنى حين كما قيل وأما نحو: فَلَمَّا نَجَاهُمْ إِلَى البَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ}
(لقمان:32)
فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ البُشْرَى يجَادِلُنَا}
(هود:74)
فالجواب فيهما محذوف أي: انقسموا قسمين، وأقبل يجادلنا ولا تضاف إلا إلى الجمل الفعلية كإذا وأما قوله:
---(2/47)
284 ــــ أقولُ لِعَبْدِ الله لَمَّا سِقَاؤُنا
ونحن بوادي عبدِ شمسٍ وهاشِم
فعلى حد وَإِنْ أَحَدٌ منَ المُشْرِكينَ اسْتَجَارَكَ}
(التوبة:6)
لأن سقاؤنا فاعل بمحذوف يفسره وهي أي سقط، وشم فعل أمر بمعنى انظر مقول القول، ومذهب س أنها حرف وجود لوجود فلا محل لها.
قوله:
(بفعل محذوف)
أي يفسره المذكور مثله إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ}
(الانشقاق:1)
وأما قوله:
285 ــــ إذا باهليٌّ تَحْتَهُ حَنْظَلِيَّةٌ
لَهُ وَلَدٌ منْهَا فَذاكَ المُذَرَّعُ
فعلى إضمار كان أي: إذا كان باهلي نسبة إلى باهلة أرذل قبيلة من قيس، وحنظلية نسبة إلى حنظلة أكرم قبيلة من تميم، والمذرع بذال معجمة من أمه أشرف من أبيه.
قوله:
(وخالفه الأخفش)
أي تبعاً للكوفيين كما أجازوا دخول أداة الشرط على الجمل الاسمية.f
قوله:
(بلا تفرُّق)
أي بأن تكون الدلالة عى اثنين بكلمة واحدة لا بكلمتين لأنهما موضوعان لتأكيد المثنى فالشروط ثلاثة: التعريف وإفهام اثنين وعدم التفرق.
قوله:
(إن للخير الخ)
المدى الغاية، والوجه والقبل بفتحتين الجهة أي: وكلا ذلك المذكور من الخير والشر ذو جهة يصرف إليها فذلك مفرد لفظاً مثنى معنًى على حد عَوَانٌ بَيْنَ ذلِكَ}
(البقرة:68)
أي المذكور من الفارض أي المسنة، والبكر أي الشابة، والعوان االنصف.
قوله:
(واجدي)
بكسر الدال خبر عن كلا باعتبار لفظها ولو راعى المغني لقال واجد أي بالألف لأنه خبر مرفوع والياء مفعوله الأول، وعضداً مفعوله الثاني.
قوله:
(أيا)
أي شرطية كانت أو موصولة أو استفهامية أو وصفية، وضمير كررتها لأي لا بالعموم السابق لأن الوصفية لا تكرر ولا تنوي بها الأجزاء.
قوله:
(أو تنوِ الاجزا)
مجزوم بحذف الياء لعطفه على كررتها، وفصل بينهما بجواب الشرط لكونه ليس أجنبياً، ولا يرد أن تقديم الجواب على الشرط وهو: تنو، ممتنع لأنه يغتفر في الثواني فأفاده يس.
قوله:
(وأخصصن بالمعرفة)
---(2/48)
أي غير ما سبق منعه وهوالمفرد المعرف غير المنوي به الأجزاء، والباء داخلة على المقصور عليه، وأيا مفعول أخصصن، وموصولة حال منه مقدمة.
قوله:
(بالعكس)
عطف على المعرفة فهو متعلق بأخصص، والصفة عطف على أيا فهي مفعوله، أي واخصص أيا الصفة بعكس المعرفة، وهو النكرة، والأولى بالضدِّ لأن العكس لغة تبديل أول الشيء آخره، وليس مراداً هنا. ويحتمل أن الصفة مبتدأ مؤخر خبره بالعكس، أي والصفة ملتبسة بعكس ذلك الحكم أي خلافة، فإن العكس قد يطلق على مطلق التغير.
قوله:
(فمطلقاً)
إما صفة لمصدر محذوف أي تكميلاً مطلقاً، أو حال من الهاء، في بها أي سواء أضيفت لنكرة أو معرفة غير ما سبق منعه، لكن يرد على هذا أن الحال لم تطابق صاحبها في التأنيث إلا أن يجعل مصدراً ميمياً أي ذات إطلاق لا اسم مفعول.
قوله:
(إلا إذا تكررت)
، ولا يجب إضافة الأولى منهما لضمير المتكلم خلافاً لبعضهم.
قوله:
(أو قصدت الأجزاء)
مثله قصد الجنس كأي الدينار دينارك، وأي الكسب أطيب وكذا العطف بالواو كأي زيد وعمرو قام.
قوله:
(إذا قصد بها الاستفهام)
الحصر ممنوع فإن التكرار وقصد الأجزاء يأتيان في الموصولة والشرطية أيضاً دون الحالية والوصفية وهما وإن شملهما عموم قول المصنف: وإن كررتها الخ لكن خرجا منه بقرينة أنهما لا يضافان لمعرفة أصلاً ـ أفاده سم ـ فالشرطية المكررة كأبي وأيك جاء يكرم وذات الأجزاء أي زيد أعجبك أعجبني، والموصولة أضرب أي زيد وأي عمرو هو قائم، واقطع أي زيد هو قبيح أي الجزء الذي هو قبيح منه.
قوله:
(إلا إلى المعرفة)
غير ما سبق منعه.
قوله:
(إلا إلى نكرة)
أي مماثلة للموصوف لفظاً ومعنًى كالمثال الأول أو معنى فقط كالذي بعده، وكمررت برجل أي فتى، وهي حينئذٍ دالة على الكمال أي رجل كامل.
قوله:
(حبتر)
هو اسم رجل، فتى، بنصب أي حال منه، وما زائدة وفتى مضاف إليه.
قوله:
(فإنهما لا يضافان إليه الخ)
---
قد علمت ما فيه.
قوله:
(لدن)(2/49)
كعضد على الأشهر، ويقال لدن كجير، ولدن كبيد،ولدن كقلت بكسر التاء ولد كهل كقل ولد بفتح فضم وغير ذلك، وإذا أضيفت المنقوصة النون إلى مضمر وجب ردُّ النون فلا يقال: لده، سم.
قوله:
(فجرّ)
فائدته بيان أن عامل الجر هو المضاف لا الإضافة، ولا الحرف المقدر لأنه لم يصرح بذلك في هذا الكتاب اكتفاءً باستفادته من ذلك ومن قوله في إعمال المصدر:
وبعد جرِّه الذي أُضِيفَ له
وفي اسم الفاعل:
وانصبْ بِذَا الاعمالَ تلواً واخْفِضِ
وفي الصفة المشبهة:
فارفع بها وانصبْ وجُرّ
وفي أسماء الأفعال:
ويعملان الخفضَ مصدرين
قوله:
(ومع مع الخ)
الأولى بفتح العين عطف على لدن فهو مفعول ألزموا كما أشار له الشارح، والثانية بالسكون مبتدأ خبره قليل، والجملة مستأنفة لبيان لغة السكون لا خبر عن مع الأولى لأنه لا يفيد لزومها الإضافة مع أنه المقصود.
قوله:
(الملازمة للإضافة)
أي لفظاً فقط لظاهر أو ضمير.
قوله:
(ومع)
أي الظرفية فهي الملازمة للإضافة بخلاف المفردة في نحو جاؤوا معاً فلازمة للحالية على ما سيأتي.
قوله:
(فلابتداء الخ)
عبارة غيره لمبدإ غاية زمان الخ قال الدماميني فسماها نفس المبدإ لا الابتداء، ومن ثم كانت اسماً بخلاف مِنْ وَمُذْ.
قوله:
(وهو الظرفية وابتداء الغاية وعدم الخ)
---(2/50)
أي إن الثلاثة مجموعة فيها في وقت واحد بخلاف عند، فإنها وإن لزمت الظرفية أو شبهها كلدن لا تلزم ابتداء الغاية بل قد تكون له مع من، وقد لا تكون ولذا يجوز: جئت من عنده ومن لدنه وجلست عنده لا لدنه لعدم الابتداء فيه وأيضاً فيجوز وقوع عند فضلة كما مثل وعمدة كزيد عندك والسفر من عند البصرة لأنها جزء خبر، ولا يجوز في لدن إلا كونها فضلة فبنيت لشبهها الحرف في الجمود، حيث لزمت ما ذكر بخلاف عند، وليس جمودها بلزوم الظرفية أو شبهها كما قيل. لأن عند كذلك وقيل بنيت لشبهها وضع الحرف في بعض لغاتها،وحمل الباقي عليه، ومر لها في أسباب البناء علة أخرى عن أبي حيان، وكذا الجواب عن بنائها مع إضافتها فانظره. واعلم أن لدن تخالف عند في بنائها عند الأكثر ولزومها ابتداء الغاية وعدم الإخبار بها كما ذكر. وكذا في أن الغالب جرها بمن، ويجوز إفرادها قبل غدوة كما سيأتي وتضاف إلى الجمل كقوله:
286 ــــ وتذكرُ نُعْماهُ لَدُنْ أنتَ يافعُ(5)
وقوله:
287 ــــ صَرِيعُ غوانٍ راقَهُنَّ وُرُقْنَهُ
لَدُنْ شبَّ حَتَّى شَابَ سُودُ الذَّوائِبِ(6)
وهي حينئذٍ تتمحض للزمان كما صرح به الرضي، إذ لا يضاف إلى الجملة من ظروف المكان غير حيث. كما قاله ابن برهان، وهو الحق فتلك ستة أمور، وأما لدى فمثل عند مطلقاً حتى في الإعراب كما صرح به في المغنى إلا أنها يمتنع جرها بالحرف، وقد مرَّ الكلام على عند في باب الظرف.
قوله:
(هو الكثير)
من غيره ما مر من قوله لدن شب، ولدن أنت يافع.
قوله:
(وقيس تعربها)
أي تشبهها بعند، وإعرابها عندهم مخصوص بلغتها المشهورة وهي كعضد فتحرك النون بالإعراب كما في التسهيل والهمع.
قوله:
(لكنه أسكن الدال الخ)
أي وكسر النون للإعراب، ولا ينافيه أن إعرابها عندهم مخصوص بضم الدال لأن هذا السكون عارض للتخفيف بدليل إشمامها الضمَّ كما صرح به في الهمع، ونقل عن الفارسي أن كسر النون للتخلص من سكونها مع الدال لا للإعراب.
قوله:
---(2/51)
(ويحتمل الخ)
أي كما يحتمل أن الكسر للساكنين.
قوله:
(مزجر الطلب)
ظرف مكان متعلق بمحذوف خبر زال، فإن قدر من مادته كمزجوراً كان قياساً وإلا فسماعيٌّ كما مر.
قوله:
(على التمييز)
أي للدن لأنها اسم لأول زمن مبهم ففسر بغدوة فهو تمييز لمفرده، ولدن على هذا منقطعة عن الإضافة لفظاً ومعنًى.
قوله:
(ولهذا قال الخ)
فإن المتبادر منه أن الباء للآلة فيفيد أنها هي الناصبة لغدوة، وفيه أنه يصدق بنصبها على التشبيه بالمفعول به كما قيل به لشبه لدن باسم الفاعل في ثبوت نونها تارة وحذفها أخرى، ويضعفه سماع النصب بها محذوفة النون، واسم الفاعل لا ينصب بلا تنوين إلا مع أل فإن جُعِلَتِ الباء للمصاحبة صدق بإضمار كان.
قوله:
(لدن كانت الساعة)
أي أو الوقت مثلاً، والدال على تقدير ذلك كلمة لدن وغدوة، واستحسن الناظم هذا الوجه لبقائها على ما ثبت لها من الإضافة للجملة.
قوله:
(الجر)
أي بإضافة لدن إليها.
قوله:
(للأصل)
أي الغالب في تالي لدن من الجر فالمقتضى للجر كون المعطوف عليه واقعاً في مكان مجرور غالباً كنصب المعطوف على مجرور غير في الاستثناء، وإلا فغدوة ليس في محل جر أصلاً فهو من العطف على التوهم.
قوله:
(مرفوع بكان)
أي التامة.
قوله:
(لمكان الاصطحاب)
أي فقط كزيد مع عمرو، والله معكم. ولذا صح الإخبار به عن الذات أو وقته فقط كجئت مع العصر، وقد تحتملهما كأكل أو جلس زيد مع عمرو فإنه محتمل لزمان الاجتماع في الأكل أو الجلوس ولمكانه. ولذا مثل في الشارح للمكان، وقد تأتي لزمان يقرب من آخر نحو: إنَّ مَعَ الَعُسْرِ يُسْراً}
(الشرح:5)
أن مع اليوم أخاه غداً، وهي حينئذٍ ملازمة للنصب على الظرفية وللإضافة، وقد ترادف عند فتُجرُّ بمن حكى س: ذهبت من معه، ومنه قراءة هذا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ}
(الأنبياء:24)
---(2/52)
بتنوين ذكر(2) أي من عندي، وقد تفرد عن الإضافة فترد لامها، وتنصب على الحال دائماً كجاء الزيدان أو الزيدون معاً، وقيل كثيراً، ويقل كونها ظرفاً مخبراً به كالزيدان أو الزيدون معاً فأصلة: معى فعل به كفتى، وإعرابه مقدر على الألف المحذوفة عند المصنف، ومذهب الخليل أن فتحته إعراب، وليس مقصوراً واختاره أبو حيان وعلى الأول فهي ناقصة في الإضافة تامة في الإفراد عكس أب وأخ، وأما يد فناقصة فيهما، وغالب الأسماء تام فيهما فالأقسام أربعة، وما ذكر من أن معاً بمعنى جميعاً هو ما قاله المصنف، ومال إليه في المغني وفرق بينهما ثعلب بأن ما تدل على اتحاد الوقت بخلاف: جميعاً، ويرد عليه قول امرىء القيس:
288 ــــ مِكرَ مفرَ مُقْبلٍ مُدْبِرٍ مَعاً(3)
إذ وقت الكرِّ والإقبال غير وقت الفرِّ والإدبار، إلا أن يخصَّ ذلك بعدم القرينة وهي في البيت استحالة الاجتماع.
قوله:
(فتح إعراب)
أي لشبهها بعند في وقوعها خبراً أو حالاً وصفة وصلة، ودالة على حضور نحو نجني ومن معي}(4) أو على قرب كما مرَّ، نقله سم عن المصنف ا هـ صبان. ولينظر ما هذا التعليل مع أن إعراب الأسماء لا يحتاج لعلة. ولو سلم فالتعليل بلزوم الإضافة المعارضة لشبه الحرف الآتي أولى فتأمل.
قوله:
(فريشي الخ)
المراد به اللباس الفاخر أو المال، ولماماً بكسر اللام أي وقتاً بعد وقت، والبيت لجرير يمدح به هشام بن عبد الملك.
قوله:
(مبنيَّة على السكون)
قيل لجمودها بلزوم الظرفية، وقيل لتضمُّنها معنى المصاحبة، وإن لم يوضع له حرف.
قوله:
(فالذي ينصبها الخ)
ظاهره أن كلام المصنف على التوزيع، والأقرب فيه أن الوجهين للساكنة فالفتح طلباً للخفة والكسر على أصل التخلص. وذلك لأن الفتح لا يكون لأجل السكون المتصل إلا في الساكنة ولأن فتح الإعراب مرَّ ذكره في قوله: ومع مع، فذكره ثانياً تكرار.
قوله:
(واضمم بناء الخ)
---(2/53)
مفعول مطلق على حذف مضاف أي ضم بناء، أو حال من المفعول، وهو غير أو من فاعل أضمم، وعليه فيتنازع هو وأضمم في غير لأنه بمعنى بانياً. وكذا يقال في قوله: وأعربوا نصباً الخ. ولو قال وغير واضممها إذا اعدمت ما الخ لأفاد لزومها للإضافة لعطفها على لدن إلا أن يقال: راعى جواز قطعها لفظاً ومعنى بقلَّة.
قوله:
(قبل كغير)
مبتدأ وخبر، ويجوز البناء فيهما وفي حسب حكاية لحال نية المضاف إليه، والإعراب مع التنوين لقصد لفظها، وليس فيها ما يوجب تركه، وأما الباقي فيتعين فيه ترك التنوين للوزن مع إعرابها أو بنائها وهي إما عطف على قبل بحذف العاطف في بعضها، أو مبتدآت حذف خبرها لدلالة ما قبلها.
قوله:
(وأعربوا نصباً)
أي أو جراً بمن، واقتصر على النصب لأنه أصل الظروف.
قوله:
(وما من بعده قد ذكرا)
دخل فيه غير لذكرها بعد قبل في قوله: قبل كغير، فيجوز إعرابها نصباً كما سيأتي لكنها ليست ظرفاً فينبغي أن يراد بقوله نصباً ما تَعُمُّ نصب الظرف وغيره.
قوله:
(وهي غير)
أي إذا وقعت بعد ليس، وعلم المضاف إليه فجواز الأحوال الأربعة مشروط بذلك كقبضت عشرة ليس غيرها، ويجوز ليس غير بالبناء على الضم لنيَّة معنى المضاف إليه لأنها كقبل في الإبهام كما قاله المبرد، وجعله الأخفش ضم إعراب، ولم تنون لنية لفظ المضاف إليه، ويجوز رفعها منونةً لقطعها عن الإضافة رأساً، على كلِّ فهي اسم ليس والخبر محذوف أي: ليس غيرها مقبوضاً، أو هي الخبر على الأول في محل نصب، والاسم محذوف أي ليس المقبوض غيرها، ويجوز قليلاً نصبها على الخبرية منونةً لقطعها عن الإضافة، وبلا تنوين لنيَّة اللفظ كما في التوضيح لا أنها حينئذٍ فتحة بناءٍ لإضافتها للمبني لأن حذفه يضعفه عن تأثير البناء، ويجوز الحذف أيضاً بعد لا، كما حققه في القاموس وردَّ على من جعله لحناً بسماعه في قوله
289 ــــ جواباً بهِ تنْجُو اعْتَمِدْ فَوَرَبِّنَا
---
لَعَنْ عَمَلٍ أَسَلْفتَ لاَ غَيَر تُسْأَلُ(2/54)
وحينئذ فتبنى على الضم في محل نصب على أنها اسم لا، والخبر محذوف. ويجوز فتحها فإن قُطِعَتْ عن الإضافة لفظاً ومعنى كانت فتحة بناء كفتحة لا رجل، وإن نوى لفظ المضاف إليه ففتحة إعراب لإضافتها تقديراً، فإن قدرت لا عاملة كليس تعين ضمها اسماً لها فإن نوي معنى المضاف إليه كان ضم بناء أو لفظه فإعراب كما إذا نويت لقطعها عن الإضافة رأساً فتدبر.
قوله:
(وحسب)
اعلم أن لها استعمالين كما في التوضيح وغيره، أحدهما: إضافتها لفظاً فتكون معربة بمعنى كافٍ اسم فاعل لا يتعرف بالإضافة، فتارة تعطي حكم المشتقات نظراً لمعناها فتكون وصفاً لنكرة وحالاً من معرفة كمررت برجل حسبك من رجل، أو بزيد حسبك من رجل، وتارة تعطي حكم الجوامد نظراً للفظها فتقع مبتدأ أو خبراً في الحال أو في الأصل نحو حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ}
(المجادلة:8)
---(2/55)
بحسبك درهم فإن حسبك الله}، وبهذين رد على من زعم أنها اسم فعل بمعنى يكفي، لأن العوامل اللفظية لا تدخل على أسماء الأفعال اتِّفاقاً. الثاني: قطعها عن الإضافة لفظاً فتشرب معنى النفي زيادة على معناها الأصلي فتكون بمعنى لا غير وتبنى على الضم أبداً، وتلزم الوصفية كرأيت رجلاً حسب، أو الحالية كهذا زيد حسب أي حسبي أو حسبك أي كافيك عن طلب غيره، أو الابتداء كقبضت عشرة فحسب، فالفاء زائدة لتزيين اللفظ، وحسب مبتدأ حذف خبره أي فحسب ذلك أو عكسه أي فذلك حسبي وهذا أولى لأنها نكرة كما مرَّ فيخبر بها عن المعرفة، ولا يجوز فيها غير هذين الاستعمالين وحينئذ فكلام المصنف والشارح منتقد لأن قوله: وأعربوا نصباً إلخ يقتضي أن يقال فيها حسباً بالتنوين لقطعها عن الإضافة لفظاً ومعنًى، كما هو المراد بقوله: إذا ما نكراً، مع أنه لم يسمع ولا وجه له في القياس وأيضاً قوله: نكراً يقتضي بمفهومه أنها عند إضافتها لفظاً أو معنى معرفة كغيرها مع أنها نكرة دائماً لما علمت، إلا أن يحمل قوله: وما من بعده قد ذكرا، على المجموع لا على كل فرد حتى لا يرد عليه حسب، ولا على الآتية أفاده المصرح.
قوله:
(وأول)
---(2/56)
الصحيح أن أصله أو أل بواو بين همزتين بدليل جمعه على أوائل قلبت الهمزة الثانية واواً وأدغم، وقيل أصله ووأل بهمزة بعد واوين، قلبت الهمزة واواً، والواو الأولى همزة، وكان حقه حينئذ أن يجمع على ووائل لكنهم استثقلوا واوين أول الكلمة، وله استعمالات، فتارة يراد اسماً بمعنى مبدأ الشيء نحو: ما له أول ولا آخر، وتارة يرد وصفاً بمعنى سابق نحو: لقيته عاما أو لا بالتنوين لأنه قد يؤنث بالتاء ووزن أفعل لا يمنع من الصرف إلا إذا لم تلحقه التاء كما سيأتي، وتارة بمعنى أسبق فتليه من، ويمنع الصرف للوصفية ووزن الفعل لتجرده من التاء كهذا أول من هذين وهل هو حينئذ أفعل تفضيل لا فعل له من لفظه، أو جار مجراه في تجرده من التاء، وتلو من له خلاف وتارة يرد ظرفاً كرأيت الهلال أول الناس، أي قبلهم قال ابن هشام: وهذا هو الذي يبني على الضم لقطعه عن الإضافة. قاله يس ا هـ صبان بزيادة.
قوله:
(ودون)
هو اسم للمكان الأدنى، أي الأقرب من مكان المضاف إليه كجلست دون زيد، أي قريباً من مكانه. ثم تُوُسِّعَ فيه فاستعمل في المكان المفضول ثم في الرتبة المفضولة تشبيهاً للمعقول بالمحسوس كزيد دون عمرو فضلاً، ثم في مطلق تجاوز شيء لشيء كفعلت بزيد الإكرام دون الإهانة، وأكرمت زيداً دون عمرو.
قوله:
(ويمينك وشمالك)
مثله في التوضيح والهمع وغيرهما، وخالف الرضي فمنع قطعهما، عن الإضافة مبنيين على الضم أو معربين بلا تنوين.
قوله:
(وعل)
أعلم أنها بمعنى فوق، وتوافقها في البناء على الضم لنيَّة معنى المضاف إليه كمثال الشارح، وفي الإعراب منونة لقطعها عن الإضافة أصلاً بأن أريد بها علوُّ مجهول كقوله:
290 ــــ كجُلْمُودِ صَخْرٍ حَطَّهُ السَّيلُ مِنْ عَلِ
---(2/57)
بكسر اللام، أي من شيء عال فحقها التنوين لكنه ترك للروي لا لنية ثبوت لفظ المضاف إليه كما قيل، لأن المضاف إليه لا يحذف، وينوى لفظه أو معناه إلا إذا علم كما مرَّ، وهنا ليس كذلك إذ المراد من أي شيء عال لا علو شيء بخصوصه، وتخالفها في أنها لا تستعمل إلا مجرورة بمن ولو معربة ولا يجوز نصبها، وفي أنها لا تضاف لفظاً أصلاً. وأما قوله:
291 ــــ يا رُبَّ يَوْمٍ لِيَ لا أظلِّلُه
أرْمَضَ مِنْ تَحت وأَضْحى مِنْ عَلُهْ(4)
فالهاء فيه للسكت بدليل بنائه على الضم، إذ لا وجه له لو كان مضافاً، ولا يقال بني لإضافته إلى الضمير المبني لأنه كان يجب فتحه كما مر، وهذا مضموم. وحينئذ فما يقتضيه جعلها في عداد هذه الأسماء من أنها تضاف لفظاً وأنه يجوز نصبها قال الموضح: ما أظن شيئاً منهما واقعاً. وأما قول الصحاح يقال: أتيته من عل الديار، بالإضافة فسهو كما في شرح الشذور ويجاب بما مر عن المصرح.
قوله:
(ومن قبل نادى إلخ)
بجر قبل بلا تنوين، أي ومن قبل ذلك وقرابة مفعول نادى فمولى بالتنوين أو مجرور بإضافة مولى إليه، والمفعول محذوف أي نادى كل صاحب قرابة قرابته، ومولى الثاني مفعول عطفت والعواطف فاعله، والمراد بها الأمور المقتضية للعطف من المروءة والصداقة ونحوهما.
قوله:
(من قبل ومن بعد)
بالتنوين قراءة شاذة.
قوله:
(أغص)
بفتح الهمزة والغين المعجمة مضارع غصَّ من باب فرح إذا وقف في حلقه الماء ونحوه، وجاء في لغة بضم الغين من باب قتل، ويقال: أغصصته، متعدياً بالهمزة فعلى هذا يكون أغصُّ بضم ففتح مبنياً للمفعول، والفرات العذب ويروي بدله الحميم أي البارد، ويطلق أيضاً على الحارِّ فهو من الأضداد.
قوله:
(ونوى معناه)
---(2/58)
اشتهر أن المراد بذلك أن ينوي معنى الإضافة وهي النسبة الجزئية الخاصة في: بعد زيد، مثلاً. وذلك المعنى هو نسبة البعدية إلى خصوص زيد وأمّا نيَّة اللفظ، فهي أن يكون لفظ المضاف إليه ملحوظاً ومقدراً في نظم الكلام كالثابت. واعترض بأن معنى الإضافة لا يتحقق إلا بمجموع المتضايفين، لأنه حال بينهما فلا وجه لتخصيصه بالمضاف إليه. قال الأمير في حواشي الشذور على أنها ليست معنى لما صدق المضاف إليه كما هو المراد، ثم يقال: ما الدليل على أن المنوي لنا في هذه الحالة المعنى، وفي تلك اللفظ، والذي يخطر بالبال أنه عند الحذف لا ينوى إلا اللفظ. في تلك الحالة يجوز الإعراب والبناء على حدِّ: نحو يوم إذا أضيف للجملة، ويقويه أنه لم يوجد هنا سبب ينهض للبناء بل يقولون علَّته تضمُّن معنى الحرف من النسبة الجزئية مع أن بعد مثلاً لم تستعمل في ذلك كاستعمال من في الشرط والاستفهام وتارة يقولون غير ذلك مما سيأتي هنا ولا يخفى ما فيه ا هـ. وقال الصبان: الذي يظهر لي أن المراد بنية المعنى أن يلاحظ المضاف إليه معبراً عنه بأي عبارة كانت، فخصوص اللفظ غير ملتفت إليه بخلاف نية اللفظ فإنه يكون ملاحظاً بعينه ومقدراً كالثابت وإنما لم تقتض الإضافة مع نية المعنى الإعراب لضعفها بخلافها مع نية اللفظ، فهي قوية لنية لفظ المضاف إليه ا هـ وفيه أن ضعف الإضافة بنية المعنى، وإن لم تقتضِ الإعراب فلا تقتضي البناء الذي هو المراد، والإعراب أصل في الأسماء فلا يحتاج لمقتضٍ، ولا يزال عنها إلا بموجب وكون اللفظ غير ملاحظ بخصوصه لا يظهر موجباً للبناء، وليس له نظير يحمل عليه بخلاف الأَوْجه الآتية فتأمل والجواب عن الأول أن الإضافة وإن كان نسبة بين المتضايفين لكن خص بها الثاني لأنه العمدة في إفادتها لأنك إذا قلت: وبعد، وسكتَّ، كانت البعدية كليَّة تشمل بعديَّة زيد وغيره، فما جاءت البعدية الخاصة وهي النسبة الجزئية إلا من المضاف إليه. فقولهم: وينوى
---(2/59)
معناه، أي المعنى المتحصل والمتعين به، فإضافة المعنى له لأدنى ملابسة، وإنما خص بناؤه بهذه الحالة لأنه معنى جزئي لا يستقل بالمفهومية فحقُّه أن يؤدى بالحرف وقد أُدي هنا بالمضاف وحده فصار مشبهاً للحرف في المعنى وهذا معنى قولهم: لتضمنه معنى الإضافة، أي لإفادته معناها ودلالته عليها في الجملة وإن كانت بعد مثلاً لم تستعمل فيها كاستعمال من في الشرط لأن البناء العارض يكفيه أدنى سبب أو لأنه لما أدى بالمضاف وحده، واستغنى به عن المضاف إليه صار مشبهاً لأحرف الجواب في الاستغناء به عما بعده فمن ثم يسمونها الغايات لأنها صارت غاية أي آخراً في النطق بعد الحذف، وأما في نية اللفظ فلم يؤدِّ معنى الإضافة بالمضاف وحده بل الثاني ملاحظ في نظم الكلام ومقدر فلم يبن، ويقال الدليل على نية المعنى في تلك الحالة سماعه مبنيا بلا موجب، فاحتيج إلى التماس تلك العلة المترتب عليها شبه الحرف تصحيحاً للقواعد كما قالوا في نحو عمر، أن الدليل على عَدْلِهِ سماعه غير مصروف مع علة واحدة، ولا يخفى أن في ذلك مقنعاً يكفي في التفرقة بين حالتي البناء والإعراب، وأما الاقتصار على حالة واحدة يجوز فيها الإعراب والبناء فهو وإن كان خالياً عن التكلف، لكنه مخالف لإجماعهم فيما نعلم على تعدد الحالتين، وإن حالة البناء لا يجوز فيها الإعراب وبالعكس، فتدبر والله أعلم.
قوله:
(فإنها تُبْنَى)
---(2/60)
أي لما مر من تضمُّنها معنى الإضافة أو شبهها بأحرف الجواب أو لشبهها الحرف في الجمود بلزومها استعمالاً واحداً وهو الظرفية غالباً وعدم التثنية والجمع أو لافتقارها للمضاف إليه وإن كان مفرداً لأن هذا البناء عارض يكفيه أدنى شيء بخلاف البناء الأصلي فلا بد فيه من الافتقار للجملة، وإنما أعربت عند ذكر المضاف إليه أو نية لفظه مع افتقارها إليه لمعارضته بالإضافة لفظاً أو تقديراً وحرِّكت للدلالة على طروّ البناء، وكانت ضمة جبر الفوات إعرابها بأقوى الحركات، ولتستوفي باقي الحركات إذ في حالة إعرابها لا تضم بل تنصب أو تجر بمن فقط. لكن نقل المصري على الأزهرية وغيره جواز الرفع على الابتداء في بعد إذا قطعت عن الإضافة أصلاً فيقال: أما بعد فكان كذا: والمسوغ للابتداء بالنكرة حينئذ الوصف المعنوي، والرابط محذوف أي إما زمن تال للزمن السابق فكان فيه كذا وهذا الوجه مع بعده يمكن جريه مع عدم القطع أيضاً.
قوله:
(أقب)
من القبب وهو رقة الخصر يصف فرساً بأنه ضامر البطن عريض الظهر فقوله: من عل، أي من علوه وهو ظهره.
قوله:
(من أول)
أي من أول غيره أي من قبله.
قوله:
(إعراب ما لا ينصرف)
لا ينافيه أن الكلام في أول التي هي ظرف بمعنى قبل لا في التي وصف بمعنى أسبق لأنه ذكر الفتح استطراداً لتتميم ما حكاه الفارسي ولعل المعنى حينئذٍ أبدأ بذلك في وقت أسبق من غيره.
قوله:
(يأتي خلفاً إلخ)
أي غالباً بدليل قوله: وربما جروا إلخ.
قوله:
(لقيام قرينة)
أي تدفع اللبس فلا يجوز: جاءني زيد، تريد غلام زيد، لحصول اللبس بخلاف أمثلة الشارح، فإن القرينة فيها استحالة قيام الحكم بالمذكور ولا بد من صلاحية الثاني لإعراب الأول فلا يحذف المضاف للجملة، لأنها لا تصلح لإعرابه.
تنبيه:
قد يحذف مضافان فأكثر فيقوم الأخير مقام الأول نحو وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تَكْذِبُونَ}
(الواقعة:82)
---(2/61)
أي وتجعلون بدل شكر رزقكم تكذيبكم فكان قاب قوسين}، أي فكان مقدار مسافة قربه قاب قوسين كما قدره الزمخشري بناءً على تفسير القاب بالقدر، فإن فسِّر بما بين مقبض القوس وطرفها احتيج إلى مضاف آخر في الخبر أي مثل قاب قوسين وعليه قيل: في الآية قلب، أي مثل قابي قوس. والأصح أن الحذف تدريجي، حُذف الأول فخلفه الثاني، ثم الثاني فخلفه الثالث وهكذا.
قوله:
(بإعرابه)
مثله باقي أحكامه لأنه يخلفه أيضاً في التذكير والتأنيث والإفراد والتنكير وغير ذلك، كما بينه الأشموني.
قوله:
(وربما جروا)
أي استداموا جرَّه.
قوله:
(كما قد كان)
أي كالجر الذي قد كان، والمغايرة بين المتشابهين باعتبار اختلاف صورتي التركيب لا بالذات أو بناء على أن العرض لا يبقي زمانين ووجه الشبه كون كلِّ من الجرين أثراً للمضاف، ودفع ذلك توهم أنه جرُّ جديد بغير المضاف.
قوله:
(لكن بشرط إلخ)
أي ليكون المعطوف عليه دليلاً على المحذوف.
قوله:
(توقد)
مضارع أصله تتوقد.
قوله:
(فحذف كل إلخ)
وإنما لم يعطف نار الأول على امرىء الأول العامل فيه كل، والثاني على الثاني العامل فيه تحسبين لأن العطف على معمولي عاملين مختلفين ممنوع عند س، أما على حذف كل فالعطف على معمولي عامل واحد وهو تحسبين.
قوله:
(فى قراءة من جر الآخرة)
هي مخالفة للقياس من جهة أن المضاف بعض المعطوف وهو الجملة لا معطوف وحده قيل: ومن جهة فصل العاطف من المجرور بغير لا مع أن شرط الحذف اتصاله به كالبيت أو فصله منه بلا كقوله:
292 ــــ ولم أرَ مِثْلَ الخَيْرِ يَتْركُهُ الفَتَى
ولا الشَّرِّ يأتِيهِ امرؤٌ وهو طائِعُ(2)
أي ولا مثل الشر ونحو: ما كل سوداء فحمة، ولا بيضاء شحمة، أي ولا كل بيضاء، لكن نقل سم عن الأكثرين عدم اشتراط ذلك.
قوله:
(والأول أولى)
أي تقدير باقي، فيكون مقابلاً للمعطوف عليه والشيء كثيراً ما يحمل عل مقابله.
قوله:
(كحاله)
---(2/62)
حال من الأول، وإذا ظرف لحاله، أي فيبقى الأول كائناً كحاله وصفته وقت اتصاله به.
قوله:
(إذا عطف إلخ)
أي ولو بغير الواو.
قوله:
(اسم مضاف إلى مثل المحذوف)
أي أو عامل في مثله بغير الإضافة كقوله:
293 ــــ مَهْ عَاذِلِي فَهَائماً لَنْ أبْرَحا
بِمِثْلِ أَوْ أَحْسَنَ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى(2)
وقد يترك تنوين المضاف لعطفه هو على مضاف لمثل المحذوف وهو عكس الأول كقول أبي برزةٌ(3): غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبع غزوات أو ثمانيَ بفتح الياء بلا تنوين أي ثماني غزوات.
قوله:
(سهل وحزنها)
بدلان من الأرضين، والحزْن بفتح المهملة وسكون الزاي ضد السهل، ونيطت أي تعلقت وفي عرى الآمال استعارة بالكناية وتخييل، ونيطت ترشيح.
قوله:
(ومن قبل ذلك)
وقيل: الأصل ومن قبلي، فحذفت الياء وبقيت الكسرة دليلاً عليها فلا شاهد فيه، لأن حذف ياء المتكلم جائز كثير بدون ذلك الشرط.
قوله:
(فلا خوف عليهم)
أي بالضم بلا تنوين مع كسر الهاء، وهي قراءة ابن محيصن، ولا مهملة أو عاملة كليس وقرأ يعقوب بالفتح بلا تنوين على عملها عمل كان مع ضم الهاء فإن قدرت الفتحة إعراباً كان في الشاهد أيضاً أو بناءً فلا.
قوله:
(وعند الفراء إلخ)
خصه الفراء بما يكثر اصطحابهما في الذكر كاليد والرجل والنصف والربع وقبل وبعد، فكأن العامل في المضاف إليه شيءٌ واحد فلا يرد توارد عاملين على معمول واحد بخلاف نحو: رأيت دار وغلام زيد، فيمتنع لعدم الإصطحاب.
قوله:
(فصل مضاف)
مفعول بأجر وهو مصدر مضاف لمفعوله، وشبه فعل بالجر نعت لمضاف، وما نصب في موضع رفع فاعل بفصل، وعائد ما محذوف أي نصبه، ومفعولاً إلخ حال ما أو من ضميرها المحذوف أي: أجز أن يفصل المضاف المشابه للفعل منصوبه حال كونه مفعولاً للمضاف أو ظرفاً له.
قوله:
(فصل يمين)
نائب فاعل يعب.
قوله:
(بأجنبي)
---(2/63)
متعلق بمحذوف حال من ضمير وجد أي وجد المضاف مفصولاً بأجنبي للضرورة، ولا يصح تعلقه بضمير وجد على رجوعه للفصل لأن ضمير المصدر لا يعمل عند من قال به إلا بارزاً وهذا مستتر.
قوله:
(أجاز المصنف)
أي تبعاً للكوفيين وهو المختار، وخصه البصريون بالضرورة مطلقاً ولما تبعهم الزمخشري رد قراءة ابن عامر الآتية مع تواترها وشرط الفصل مطلقاً أن لا يكون المضاف إليه ضميراً لأنه لا يفصل من عامله.
قوله:
(من مفعول به)
أي غير جملة فلا يجوز: أعجبني قول زيد منطلق عمرو، بجر عمرو ورفع زيد، وتردد سم في جواز الفصل بالثلاثة فاستظهر الصبان منعه للطول مع أن المتضايفين كالشيء الواحد.
قوله:
(قتل أولادهم)
برفع قتل نائب فاعل زين، وهو مضاف إلى شركاء من إضافة المصدر لفاعله باعتبار أمرهم به، وأولادهم مفعوله فصل به بين المتضايفين، وحسن ذلك كونه فضلة غير أجنبي من المضاف إليه الفاعل فلا يعتمد به لكونه في غير مركزه، ولذا يستكره الفصل بالمرفوع اختياراً لتمكنه في موضعه.
قوله:
(ترك يوماً إلخ)
ليس بنظم ويوماً ظرف لترك فصله من فاعله وهو نفسك المضاف إليه، ومفعوله محذوف أي: ترك نفسك شأنها مع هواها يوماً، ويحتمل أنه مضاف لمفعوله والفاعل محذوف أي تركك نفسك وهو مبتدأ خبره سعى.
قوله:
(بنصب وعده)
هو المفعول الثاني لمخلف، وقد فصل به بين اسم الفاعل ومفعوله الأول المضاف إليه وهو رسله.
قوله:
(تاركو لي صاحبي)
أي فتاركو مضاف لصاحبي بدليل حذف النون منه، وقد فصل بينهما بالجار والمجرور قال الدماميني: ويحتمل أن حذف النون للتخفيف كقراءة الحسن وَمَا هُمْ بِضَاري بِهِ مِنْ أَحَدٍ}
(البقرة:102)
لا للإضافة.
قوله:
(بالقسم)
زاد في الكافية مما يفصل به اختياراً. أما كقوله:
294 ــــ هما خَطتا إمَّا إِسار وَمِنَّة
وإمَّا دم والقَتْلُ بِالحُرِّ أجْدَرُ
---(2/64)
أي الخطتان المعلومتان من السياق هما خطتا أسر أو قتل، والخطة بالضم الخصلة لكن المضاف في هذا كالقسم ليس مشبهاً للفعل فمقتضاه عدم اشتراط ذلك فيهما، فتأمل.
قوله:
(بأجنبي)
المراد به معمول غير المضاف سواء كان ظرفاً لغيره كما مثله أو مفعولاً كقوله جرير:
295 ــــ تسقي امتِيَاحاً نَدَى المِسْوَاكَ رِيقَتِها
كَمَا تَضَمَّنَ ماءَ المُزَنةِ الرَّصَفُ
أي تسقي المسواك ندى ريقتها، والامتياح الاستياك فهو إما ظرف أي وقت امتياح أو حال أي ممتاحة والرصف حجارة مرصوف بعضها إلى بعض، وماؤها أرقُّ وأصفى من غيره أو فاعلاً لغيره كقوله:
296 ــــ أنجبَ أيامَ والداهُ بهِ
إذ نَجَلاهُ فَنِعْمَ ما نَجَلا
أي أنجب والداه به أيام إذ نجلاه ومن المختص بالضرورة أيضاً الفصل بفاعل المضاف لما مر، إلا أنه أسهل من الفاعل الأجنبي كقوله:
297 ــــ نرى أسهُماً للموتِ تُصمي ولا تنمي
ولا ترعوي عن نَقْضٍ اهواؤُنا العزمِ
وقوله:
298 ــــ ما إنْ وَجَدْنا لِلْهَوَى مِن طِبِّ
ولا عَدِمْنا قَهْرَ وجدٍ صبِّ
برفع أهواؤنا ووجد وجر العزمِ وصب ومنه غير ذلك.
قوله:
(كما خط إلخ)
ما مصدرية هي وصلتها عن محذوف أي: رسم هذه الدار كخط الكتاب إلخ، ويقارب، أي يبين حروف الكتابة، ويزيل بفتح الياء أي يباعد بينها، والجملة صفة يهودي فالضمير في الفعلين له.
قوله:
(نجوت إلخ)
---(2/65)
قاله معاوية حين اتفق ثلاثة من الخوارج على قتله وقتل علي وعمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهم فسموا سيوفهم وتواعدوا لسبع عشرة ليلة من رمضان فلما خرج علي كرم الله وجهه لصلاة الفجر ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي، نسبة إلى مراد، بضم الميم قبيلة باليمن على صلعه ثم حمل على الناس بسيفه فأفرجوا له وتلقاه المغيرة بن نوفل بقطيفة رماها عليه وضرب به الأرض فحبسوه حتى مات الإمام علي بعد يومين فقتلوه، وأما معاوية فضربه صاحبه فأصاب أوراكه وكان سميناً فقطع منه عرق النكاح فلم يولد له بعد ذلك، وأما عمر فاشتكى تلك الليلة فلم يخرج للصلاة وأناب رجلاً من بني سهم يقال له خارجة فضربه الرجل فقتله، فلما أخذ وسمعهم يخاطبون عمر بالإمارة قال أو ما قتلت عمراً قالوا بل خارجة قال أردت عمرا وأراد الله خارجة فقتله عمر وفي ذلك يقول الشاعر:
299 ــــ وَلَيْتَها إذ فَدَتْ عَمْراً بخارِجةٍ
فَدَتْ علياً بِمَنْ شاءَتْ مِنَ البَشَرِ(4)
قوله:
(الأصل إلخ)
أي ففصل فيه بين المضاف وهو أبي والمضاف إليه وهو طالب بنعت المضاف وهو شيخ الأباطح، وفيه أنه ليس نعتاً لنفس المضاف بل لمجموع المتضايفين لأن العلم مركب منهما، لكن لما كانت تبعيته في الإعراب إنما هي للجزء الأول جعل نعتاً له.
قوله:
(وفاق كعب إلخ)
قال بجير بالجيم مصغراً أخو كعب بن زهير صاحب بانت سعاد يحرض به كعباً على الإسلام لأنه أسلم قبله.
قوله:
(كأن برذون إلخ)
قال ابن هشام يحتمل أن أبا مضاف إليه على لغة من يلزمه الألف، وزيد بدل منه فلا شاهد فيه، والله أعلم.
المضاف إلى ياء المتكلم
أفرده بالذكر لأن له أحكاماً ليست في الباب السابق.
قوله:
(معتلاًّ)
المراد به خصوص المنقوص والمقصور بقرينة تمثيله لا نحو ظبي فإنه كالصحيح هنا وإن كان المعتل يشمله.
قوله:
(أو يك كابنين)
في حيز النفي كالذي قبله أي إذا لم يكن واحداً من هذه المذكورات.
قوله:
(فذي)
---(2/66)
مبتدأ أول، وجميعها ثان، والياء ثالث، وفتحها رابع، وبعد بالضم حال من الياء أي بعد هذه المذكورات أو متعلق باحتُذِي بضم التاء ماض مجهول، أي اتبع وهو خبر عن فتحها، والجملة خبر عن الياء ربطت بالهاء من فتحها، والجملة خبر عن جميعها، والرابط محذوف وهو المضاف إليه بعد، والجملة عن ذي فإن جعل جميعها تأكيداً فالمبتدآت ثلاثة فقط وحق المقابلة أن يقول: فذي جميعها سكون آخرها احتذي، لأن كلامه أوّلاً في آخر المضاف لا في حال الياء لكنه اكتفى بقوله: وتدغم الياء، وقوله: وألفاً سلم لاستلزام ذلك السكون.
قوله:
(تدغم الياء)
أي التي في آخر الاسم المضاف. وقوله: فيه، أي في ياء المتكلم المذكورة بقوله: جميعها الياء، وذكره هنا لتأولها باللفظ.
قوله:
(والواو)
أي بعد قلبها ياءً ولم يذكره المصنف للعلم بأن الإدغام إنما يكون في المثلين وللإشعار به من قوله: وإن ما قبل واو ضم فاكسره.
قوله:
(يهن)
بضم الهاء أي يسهل في النطق وكسر الهاء مفسد للمعنى لأنه من الوهن وهو الضعف، ولو قال: يلن لسلم من عيب السناد.
قوله:
(يكسر آخر المضاف إلخ)
أي مع سكون الياء وفتحها كما سيذكره فهذان وجهان ويجوز حذف الياء اكتفاء بالكسر قبلها وقلبها ألفاً بعد فتح ما قبلها كغلاماً، وقد تحذف الألف اكتفاء بالفتحة فالجملة خمسة أوجه، ولا تختص الثلاثة الأخيرة بالنداء خلافاً للتسهيل لكنها تختص بالإضافة المحضة، أما في غيرها كمكرمي فلا حذف ولا قلب لأنها في نيَّة الانفصال فلم تكن الياء كجزء الكلمة.
قوله:
(كالمفرد إلخ)
ذكر أربعة أشياء يكسر فيها آخر الاسم كما يسكن في أربعة.
قوله:
(فتقول قاضي)
إعرابه مقدر على ما قبل ياء المتكلم لتعذره مع سكون الإدغام، وإن كان قبل ذلك ثقيلاً فقط.
قوله:
(رأيت غُلامي)
بفتح الميم وزيدي بكسر الدال وكذا ما بعده.
قوله:
(فحذفت اللام والنون للإضافة)
---(2/67)
قال الصبان: هذا هو التحقيق عندي وإن اشتهر أن حذف اللام للخفة والنون للإضافة فليس في الشارح تسمح خلافاً لمن توهمه ا هـ، ولعل وجه ما اشتهر أن اللام لا تنافي الإضافة للجمع بينهما في نحو لا أبا لك عن سيبويه كما مر في باب لا.
قوله:
(لتصح الياء)
أي المنقلبة عن الواو.
قوله:
(زيدي)
هو مرفوع بواو مقدرة لتعذرها مع الياء، وقيل بالواو المنقلبة ياءً وهو المختار كما مرَّ في باب الإعراب.
قوله:
(تقلب ألفه ياءً)
أي جوازاً عوضاً عن الكسرة التي يستحقها ما قبل الياء فهو مما ناب فيه حرف عن حركة في غير باب الإعراب، ومثله لا رجلين ا هـ يس قال الموضح: واتفق الجميع على قلب الألف ياءً في: على ولدي مع كل ضمير لا خصوص الياء كعليه ولدينا ا هـ، ومثلهما إلى.
قوله:
(سبقوا هوى)
قاله أبو ذؤيب في قصيدة يرثي بها بنيه الخمسة هلكوا جميعاً في طاعون وأعنقوا، أي أسرعوا من العَنَق بفتحتين نوع من السير وتخرموا ماض مجهول، أي خرمتهم المنية، أي أخذتهم.
قوله:
(أن ياء المتكلم تفتح إلخ)
أي في الكثير الشائع، وتكسر قليلاً إذا كانت مشددة بأن أدغم فيها كمسلميَّ وقاضيَّ، وبها قرأ حمزة بِمْصِرخِي}
(إبراهيم:22)
وكسر الحسن والأعمش ياء عصاي وهو أضعف من الكسر مع التشديد لكنه مطرد في لغة بني يربوع، وأما تسكين مَحْيَايَ}
(الأنعام:162)
لورش فمن إجراء الوصل مجرى الوقف.
قوله:
(وأما ما عدا هذه الأربعة)
هو المفرد وجمع التكسير الصحيحان، والمعتل المشبه للصحيح وجمع المؤنث السالم فكل هذه يجوز فيها التسكين كما هو الأصل في كل مبنى، والفتح لأنه الأصل فيما كان على حرف واحد فهو أصل ثان، وكذا يجوز الحذف والقلب بوجهيه كما مر.
تنبيه:
---(2/68)
إذا كان آخر الاسم ياء مشددة قبل الإضافة كبني تصغير ابن وكرسي وحواري فهو من المعتل المشبه للصحيح لكن إذا أضيف للياء وجب حذفها لتوالي الأمثال، مع أنه كان يختار حذفها بدون توالٍ كما مر، وليس بعد الاختيار إلا الوجوب، وإذا حذفت فإما أن يبقى كسر ما قبلها، أو يفتح على حذفها بعد قلبها ألفاً لأنها بدل ثقيل، أو تحذف إحدى الياءين الأوليين وتدغم الثانية في ياء المتكلم فتفتح على الأصل فيها، والله أعلم.
إعمال المصدر
قوله:
(بفعله المصدر إلخ)
اعترض بأنه يقتضي أن عمل المصدر لشبهه بالفعل كالوصف، وليس كذلك بل لأنه أصل للفعل ولذلك عمل ماضياً وغيره لأنه أصل الكل والوصف لا يعمل إلا إذا كان بمعنى ما أشبهه وهو المضارع، وقد يجاب بأنه من إلحاق الفرع في العمل بالأصل فيه وهو الفعل لا من إلحاق المشبه به بالمشبَّه، فعلَّة الإلحاق مسكوتٌ عنها.
قوله:
(في العمل)
أي لا في غيره لأنه يخالف الفعل في أنه لا يعمل إلا بالشروط الآتية، وفي جواز حذف فاعله ولا يتحمل ضميره إذا حذف إلا إذا كان نائباً عن فعله، وفي رفعه نائب الفاعل خلاف، واختار بعضهم الجواز بشرط أمن اللبس كعجبت من قراءة في الحمام القرآن، ومن أكل وشرب الماء، بخلاف الفعل في الجميع.
قوله:
(إن كان إلخ)
فعل اسم كان ومع أن أو ما صفته وجملة يحلُّ خبرها.
قوله:
(نائباً مناب الفعل)
قيل عمله سماعي، وقيل، ينقاس في الأمر والدعاء والاستفهام فقط، وقيل: والإنشاء نحو: حمد الله والوعد نحو:
300 ــــ قَالَتْ نَعَمْ وَبُلُوغاً بُغْيَةً وَمُنًى
والتوبيخ كقوله:
301 ــــ وَفَاقَانِيَ الأَهْوَاءُ والغِيُّ والهَوَى
ا هـ صبان: وأما نفس المصدر فقد مر في المفعول المطلق الخلف في ناصبه.
قوله:
(أن يكون مقدراً إلخ)
---(2/69)
في التسهيل أن ذلك غالب لا شرط، ومن غير الغالب قول بعض العرب: سمْع أذني أخاك يقول ذلك فسمع مبتدأ مضاف لفاعله، وأخاك مفعوله، ويقول حال سدت مَسَدّ الخبر على حد: ضربي العبد مسيئاً، أي سمْع أذني أخاك حاصل إذا كان يقول ذلك ونحو: إن ضربك زيداً قبيح وكان إكرامك بكراً حسناً، ولا إعراض عن أحد فهذه المصادر عاملة مع أنه يمتنع تأويلها بالفعل لالتزام العرب عدم وقوعه في هذه المواضع لأنهم كما في الدماميني لا يقولون: أن اضرب العبد مسيئاً، ولا يوقعون أن وصلتها بعد أن وكان إلا مفصولة بالخبر نحو: إنْ لَكَ أَنْ لا تَجُوعَ فِيها}
(طه:118)
---(2/70)
ولا الحرف المصدري وصلته بعد لا غير المكررة ا هـ وعلل بعضهم الأول بأنه لا يصح تقديره بما ولا بأن المخففة لاشتراط أن يسبقهما طالب يعمل فيهما، ولا بأن المصدرية لأنها تخلص المضارع للاستقبال والقصد للإخبار بأن السمع حاصل لا سيحصل ا هـ ونظر فيه بأنه يصح تقدير أن مع الماضي، فالأول أولى لكن أجاب عنه من جعل ذلك شرطاً بأن التقدير سائغ بحسب الأصل، وإن امتنع لهذا العارض وهو الوقوع في تلك المواضع وبأنه لا يلزم من كون اللفظ مقدراً بآخر صحة النطق به مكانه فالحاصل أن الشرط كون المصدر بمعنى الفعل وإن لم يصح حلوله محله، ويخرج به المصدر الذي لم يرد به الحدوث كما مر عن الشذور في: مررت فإذا له صوت صوت حمار من أن العامل في صوت الثاني محذوف، لأن الأول لم يرد به الحدوث حتى يؤول بالفعل ويعمل، بل إنك مررت به وهو في حال تصويت وكذا المصدر المراد به اسم عين أو معنى كأن يراد بالصوت الأول في هذا المثال الشيء المسموع فإنه لا يؤول بالفعل، وكذا المصدر المؤكد والمبين للعدد لأن تأويل الثاني يفوت العدد، وتأويل الأول يجعله نوعياً بإسناد الفعل إلى فاعله، والقصد أنه لمجرد التوكيد. أما النوعي فيعمل ولو في حالة كونه مفعولاً مطلقاً كضربت زيداً ضرب عمرو بكراً، أي مثل ضرب عمرو بكراً فتأمل وفي الإسقاطي قال ابن هشام: قد يرد على هذا الشرط أن المحلَّى بأل لا يحل محله فعل مع أنه يعمل، والجواب أنه يحل وأل كالجزء منه ا هـ.
تنبيه:
يشترط أيضاً أن لا يكون مضمراً خلافاً للكوفيين ولا مصغراً ولا بتاء الوحدة كضربت، أما التي في أصل بنيته كرحمة فلا تضر ولا مفصولاً من مفعوله بتابع أو غيره فلا يجوز: أعجبني ضربك المبرح زيداً بخلاف: ضربك زيداً المبرح، لأن معموله كالصلة من الموصول فلا يفصل بينهما، وأما قوله تعالى: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى}
(الطارق:8 ـــــ 9)
---(2/71)
إلخ فيوم معمول لمحذوف أي يرجعه لا لرجعه للفصل بينهما بخبر إن، ولا محذوفاً ولهذا ضعف تقدير متعلق البسملة اسماً كابتدائي كما مر مع جوابه هناك، ولا مؤخراً عن معموله لكن جوز الرضي تقديم معموله الظرفي، واختاره السعد وغيره لتوسعهم فيه ومنه فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ}
(الصافات:102)
وَلاَ تَأْخُذْكَمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ}
(النور:2)
وَلاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلاً}
(الكهف:108)
اللهم اجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً، وجعل الظرف متعلقاً بمحذوف حالا من المصدر تكلف وأن يكون مفرداً، وشذ إعمال غيره كقوله:
302 ــــ قدْ جَرّبُوهُ فما زادَتْ تَجَارِبُهُمْ
أبا قُدَامَةَ إلاَّ المَجْدَ والفَنَعَا
بالفاء والنون والعين المهملة أي الخير والكرم، وترك المصنف الشروط لإغناء ما ذكره عنها إذ المضمر لا يقدر بالفعل بل لا يسمى مصدراً أصلاً، وتأويل المصغر وذو التاء، والمجموع يفوت المقصود منها وأما المفصول والمؤخر فلأن معمول الصلة لا يفصل بأجنبي ولا يتقدم على الموصول وإنما أطلنا في ذلك للاحتياج إليه، فتدبره والله أعلم.
قوله:
(ويقدر بما إلخ)
مقتضاه أن ما لا تقدر مع الماضي ولا المستقبل وليس كذلك، بل هي صالحة للأزمنة الثلاثة إلا أن يقال إنما خصوها بذكر الحال لتعذره مع أن ولأن دلالة أن مع الماضي على المضي، ومع المضارع على المستقبل أشد من دلالة ما عليهما.
قوله:
(أكثر من المنوّن)
أي في الاستعمال إلا فالمنوّن أقيس لشبهه الفعل في التنكير، ويليه المضاف لأنه كثيراً ما ينوي فيه الانفصال.
قوله:
(بضرب)
متعلق بأزلنا، والهام جمع هامة وهي الرأس كلها، وتطلق على جمجمة الدماغ وحدها. فإضافته لضمير الرؤوس للتأكيد على الأول وسهله اختلاف اللفظين ومن إضافة الجزء للكل على الثاني، وأراد بالقيل العنق لأنه محل إقالة الرأس أي استقرارها.
قوله:
(يخال الفرار إلخ)
أي يظن الهرب من الحرب يمنع الموت.
---
قوله:
(فإنك والتأبين)(2/72)
هو مصدر أبنت الرجل لشد الموحدة وإسكان النون إذا بكيته وأثنيت عليه بعد الموت. ومن معانيه أن يعاب الإنسان في وجهه أو يذكر بقبيح، وكلها مناسبة هنا وفي بعض نسخ العيني: والتأنيب بنون فتحتية فموحدة وفسَّره بالتعنيف، وهو منصوب على أنه مفعول معه أو عطفاً على اسم أن وعروة مفعوله، وخبر إن في بيت بعده، ودعاك أي طلبك لنصرته، ويروى: رعاك أي حفظك، وشوارع أي ممتدة لقتله.
قوله:
(أولى المغيرة)
أي أوائل الخيل المغيرة على العدو، وأنكل أي أعجز مثلث الكاف وماضيه بالفتح والكسر ومصدره النكول كما في القاموس ومسمع كمنبر اسم رجل مفعول الضرب.
قوله:
(في الدلالة على معناه)
أي على معنى المصدر وهو الحدث لكن بواسطة، فإن الصحيح الذي صوبه بعضهم أن مدلول اسم المصدر مباشرة لفظ المصدر لا الحدث فهذا فرق معنوي، وما ذكره الشارح لفظي، وخرج بهذا القيد نحو: الكحل والدهن بضمِّ أولهما فإنه، وإن اشتمل على حروف الفعل، لم يدل على الحدث بل على ذات وهو الجوهر المعلوم.
قوله:
(من بعض ما في فعله)
أي من الحروف الأصلية أوالزائدة فإن حق المصدر أن يتضمن حروف فعله إما بمساواة له كتكلم تكلماً أو بزيادة كأكرم إكراماً فإن نقص دون تعويض كان اسم مصدر كتوضأ وضؤاً وتكلَّم كلاماً.
قوله:
(دون تعويض)
متعلق بخلوه.
قوله:
(ولكن عوض عنه)
أي سواء كان العوض في آخره كما ذكره أولاً: كلَّم تكليماً وسلَّم تسليما فأنه نقص عن فعله إحدى اللامين المكررين، ولكن عوض عنها التاء في أوله لا المدة قبل آخره لوجودها لغير تعويض في نحو: إكراماً.
قوله:
(وزعم ابن المصنف إلخ)
---(2/73)
لم ينفرد به بل تبع والده وجرى عليه الدماميني في شرح التسهيل، فقال: ينبغي أن يقيد لبعض الناقص بكونه أكثر من حرف كما قيده المصنف في شرحه كالوضوء والغسل والكلام والعرف والعون والكبر لبعد ما بينها وبين أفعالها أي توضأ واغتسل وتكلم واعترف وأعان وتكبر، وأما نحو: العطاء والثواب، فمصدران لقربهما من الفعل، إذ الأصل إعطاء وأثواباً فحذف زائدهما وهو الهمزة وحرِّك ما بعدها ليصح الابتداء به ا.هـ.
قوله:
(وبعد عطائك)
اسم مصدر ومضاف لفاعله والمائة مفعوله أي المائة من الإبل، والرتاع بالفوقية جمع راتعة.
قوله:
(من قبلة الرجل)
اسم مصدر مضاف لفاعله، وامرأته مفعوله، والجار والمجرور خبر مقدم عن الوضوء.
قوله:
(إذا صح عون الخالق إلخ)
هو بمعنى قوله:
إذا كان عون الله للعبد مُسعِفاً
تهيَّا لهُ في كُلِّ أَمْرٍ مُرَادُه
وإن لم يكن عَوْنٌ مِنَ الله لِلْفَتَى
فَأَوَّلُ ما يَجْنِي عَلَيْهِ اجْتِهَادُهُ
قوله:
(فلا تُريَنْ)
مضارع مجهول، وألوفاً بفتح الهمزة وضم اللام أي محباً مفعوله الثاني.
قوله:
(فإن الخلاف فيه مشهور)
محله اسم المصدر غير العلم وغير المبدوء بميم زائدة لغير مفاعلة أما العلم فلا يعمل اتفاقاً كيسار وفجار وبرة إن كانا من أفجر وأبر، أي صيَّره ذا فجور وبر، وإلا فهما مصدران لفجر وبرَّ، ولا يرد ذلك على قوله: ولاسم مصدر عمل لأنه مقيد بقيد المصدر وهو صحة تأويله بالفعل، وأما المبدؤ بالميم المذكورة فيعمل اتفاقاً كالمضربة والمحمدة ومنه قوله:
303 ــــ أَظَلُومٌ انَّ مُصابَكُمْ رَجُلاً
أهْدَى السَّلامَ تَحِيَّةً ظُلْمُ(2)
---(2/74)
فالهمزة للنداء، ومصابكم اسم إن مضاف لفاعله، ورجلاً مفعوله، وجملة أهدى السلام صفة رجل، وتحية مفعول مطلق لأهدى كقعدت جلوساً أو حال من الفاعل وظلم خبر إنَّ واحترز بغير المفاعلة من نحو: ضارب مضاربة فإنه مصدر لا اسمه كذا في التوضيح، وتبعه الأشموني هنا وذكر غيرهما أن ذا الميم مصدر مطلقاً، وجرى عليه في الشذور.
قوله:
(الصيمري)
بفتح الميم نسبة إلى صيمرة بلدة بالعجم.
قوله:
(وبعد جره إلخ)
فيه أفاده أن جر المضاف إليه بالمضاف لا بالإضافة، ولا الحرف المقدر وقوله: كمل، أي إن أردته وإلا فهو غير لازم فيزاد على صور الشارح الثلاثة صورتان إضافته للفاعل مع حذف المفعول نحو وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبْرَاهيمَ}
(التوبة:114)
أي ربه، وعكسه نحو: لا يسأم الإنسان من دعاء الخير أي من دعائه الخير.
قوله:
(تنفي يداها)
أي الناقة المذكورة قبل، والهاجرة وقت اشتداد الحر نصف النهار، ونفي الدراهيم مفعول مطلق أي نفياً كنفيها وهو جمع درهام لغة في درهم، فالياء منقلبة عن ألف المفرد لا للإشباع بخلاف ياء صياريف، لأنه جمع صيرف، وتنقاد بمعنى النقد فاعل نفي وكل مصدر جاء على تفاعل فهو بفتح التاء إلا تلقاء وتبيان، فبالكسر.
قوله:
(وليس كذلك)
أي لأن حج المستطيع ليس إلا على نفسه لا غيره، وإلا لزم تأثيم جميع الناس بترك مستطيع، واحد وهذا الرد مبنيُّ على أن أل في الناس للاستغراق فإن جعلت للعهد الذكري صح الاستشهاد لتقدم ذكر الناس رتبة من رتبة المبتدأ وهو حج مع متعلقاته التقديم فالمعنى حج البيت من استطاع واجب على الناس المذكورين وهم المستطيعون، وأصرح منه في الاستشهاد حديث: «وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً»(2).
قوله:
(فمن بدل من الناس)
أي بدل بعض، والرابط محذوف أي منهم كما أشار إليه الشارح، ويلزم على ذلك الفصل بين البدل والمبدل منه بأجنبي وهوالمبتدأ.
قوله:
(وقيل من مبتدأ)
---
وهي إما شرطية أو موصولة.
قوله:
(وجرَّما يتبع إلخ)(2/75)
ما الأولى مفعول جر، والثانية مفعول يتبع، وقوله: فحسن، خبر لمحذوف أي فرأيه حسن. وإنما يجرُّ التابع إذا عدم المانع لا في نحو: أعجبني إكرامك وزيداً لإقناع العطف بلا إعادة الخافض عند غير المصنف.
قوله:
(حتى تهجر إلخ)
أي سار ذلك الحمار الوحشي في الهاجرة أي شدة الحر، والرواح من الزوال إلى الليل، وهاجها أي أثار أنثاه المرافقة له في طلب الماء وطلب المعقب مصدر لهاج على حد: قعدت جلوساً مضاف إلى فاعله وهو المعقب بكسر القاف المشددة أي الغريم الطالب لغريمه من عقب في الأمر طلبه بجد، وحقه مفعول طلب، والمظلوم صفة المعقب على محله أي هاجها هيجاناً كطلب المظلوم حقه.
قوله:
(قد كنتُ داينْتُ)
بتقديم التحتية على النون أي أخذت تلك الجارية المعلومة في دَيْنٍ لي عليه، والليان بفتح اللام أكثر من كسرها: المماطلة والله أعلم.
إعمال اسم الفاعل
---
عرفه التسهيل بأنه الصفة الدالة على فاعل الحدث، الجارية في مطلق الحركات والسكنات على المضارع من أفعالها، وفي حالتي التذكير والتأنيث، المفيدة لمعنى المضارع أو الماضي فخرج بالدالة على الفاعل اسم المفعول وما بمعناه كقتيل، وبالجارية على المضارع الجارية على الماضي كفرح، وغير الجارية على فعل ككريم، وبالتأنيث نحو أهيف فإنه لا يجري على المضارع إلا في التذكير لأن مؤنثه هيفاء ولمعناه أو معنى الماضي لإخراج نحو: ضامر الكشح، مما دلَّ على الاستمرار، ويخرج به أيضاً أفعل التفضيل لأنه للدوام كما خرج بما قبله فهذه المخرجات ما عدا الأول والأخير صفات مشبهة لا اسم فاعل هذا هو الاصطلاح المشهور وأما ما سيأتي في أبنية أسماء الفاعلين من أنه يطلق عليها اسم الفاعل فباعتبار اصطلاح آخر وهو مجاز كما سيأتي وإن شئت فقل اسم الفاعل ما دلَّ على فاعل الحدث، وجرى مجرى الفعل في إفادة الحدوث فخرج بالأول اسم المفعول، والثاني الصفة بجميع أوزانها، وأفعل التفضيل.
قوله:
(في العمل)(2/76)
أي لا في غيره، فإنه يضاف لمعموله. ويطَّرد جر معموله المتأخر بلام التقوية بخلاف الفعل، والمراد عمل التعدي أن تعدِّي فعله، واللزوم إن لزم، والجار متعلق بما تعلقت به الكاف أو بها نفسها لما فيها من معنى التشبيه بناءً على جواز التعلق بالحرف الذي فيه معنى الفعل.
قوله:
(بمعزل)
بكسر الزاي كما هو الرواية فيكون اسم مكان والباء ظرفية، و: عن مضيِّه، متعلق به لاكتفاء الظرف برائحة الفعل وإن كان اسم المكان لا يعمل في غيره. والمعنى إن كان مكان عزل أي إبعاد عن مُضِيِّ حدثه، والمكان هنا مجازيُّ وهو التركيب، ولا يصح جعله بمعنى الحدث، والباء للملابسة أي إن كان ملتبساً بانعزالٍ لأنه كان يجب فتح زائه كما هو قياس مفعل للحدث من مكسور عين المضارع كما سيأتي.
قوله:
(إن كان مستقبلاً أو حالاً)
---
مثله الدال على الاستمرار على ما مر في الإضافة، ويشترط أيضاً أن لا يكون مصغراً ولا موصوفاً قبل عمله كالمصدر لأنهما من خواص الأسماء فيبعدانه عن الفعل، ولا تضرُّ التثنية والجمع لأنهما لا يغيران صيغة المفرد كالتصغير، ولأن علامتهما تلحق الفعل وإنما أبطلا عمل المصدر لبعده عن الفعل بضعف دلالته على الزمان جداً لأن لزومه له غير بيِّن بخلاف الوصف.
قوله:
(وإن كان بمعنى الماضي لم يعمل)
أي إلا إذا صح وقوع المضارع موقعه نحو: كان زيد ضاربا عمراً أمس لصحة: كان زيد يضرب إلخ بخلاف: هذا ضارب زيدا أمس لعدم صحة يضرب بدله.
قوله:
(فهو مشبه له)
أي للماضي معنى لكونه بمعناه لا لفظاً لأنه لم يوازنه.
قوله:
(وأجاز الكسائي إلخ)
محل الخلاف في نصبه المفعول كالمثال أما الفاعل فإن كان ضميراً رفعه اتفاقاً أو ظاهراً فكذلك على ظاهر كلام سيبويه، واختاره ابن عصفور. قال السيوطي: وهو الأصح لكن بشرط الاعتماد على شيء مما ذكروه ا هـ، ومقتضاه أنه يرفع الضمير وإن لم يعتمد في نحو: ضارب أنت أمس.
قوله:
(حكاية حال)(2/77)
أي بدليل: ونقلبهم دون وقلبناهم، والمعنى يبسط ذراعيه. والمشهور في حكاية الحال أن يقدر الماضي واقعاً زمن التكلُّم، وقيل أن يقدر المتكلم نفسه موجوداً في زمن وقوع الفعل، ويعبر على كلِّ بما يدل على الحال وكون الآية من ذلك إنما هو باعتبار المخاطبين لا الخالق جلَّ وعلا فإن الدنيا عنده كاللحظة الواحدة وقيل لا حاجة إلى الحكاية لأن حال أهل الكهف مستمر إلى الآن فيجوز أن يلاحظ في باسط جانب الحال فيعمل، وفي كلامهم ما يؤيده.
قوله:
(إلا إذا اعتمد على شيء)
---
أي ليَقِرَّ به من الفعل. وأشار الشارح إلى أن ما في هذا البيت في معنى الشرط الواحد وهوالاعتماد على أحد المذكورات فإن لم يعتمد لم يعمل خلافاً للأخفش والكوفيين وهذا شرطه لعمله في المفعول وفي الفاعل الظاهر كما مر، وعدم المضي شرط لعمله في المفعول فقط فقول المغني: إن اشتراط الجمهور الاعتماد وكونه بمعنى المضارع إنما هو لعمل النصب، يعني به مجموع الأمرين وإلا فالاعتماد شرطٌ لعمل الرفع في الظاهر أيضاً عند الجمهور قاله الدماميني والشمني، أفاده الصبان.
قوله:
(أو حرف ندا)
الصواب أن المسوغ الاعتماد على الموصوف المقدر إذ التقدير يا رجلاً طالعاً جبلاً لأن حرف النداء مختص بالاسم فكيف يقربه من الفعل وقد يقال: لم ندع أن حرف النداء مسوغ بل إذا وليه الوصف عمل وهذا لا ينافي كون المسوغ الموصوف المقدر وإنما صرح به هنا مع دخوله في قوله: وقد يكون الخ، لدفع توهم أن النداء يبعده من الفعل فلا يعمل.
قوله:
(والنفي)
أي ولو تأويلاً نحو: إنما ضارب زيد عمراً، وغير مضيع نفسه عاقل.
قوله:
(أو مفعوله)
أي مفعول ناسخه.
قوله:
(محذوف عرف)
أي بقرينة حالية كاختصاص الصفة نحو: مررت بعاقل، أو مقالية كبيتي الشارح بدليل بقيتهما، وكالنداء لأنه ظاهر في العاقل بخلاف: مررت بقائم.
قوله:
(وكم مالىء إلخ)(2/78)
كم خبرية مبتدأ: حذف خبرها أي لا يفيده نظره شيئاً، ومالىء اسم فاعل من ملأ يملأ تمييز لكم مجرور بإضافتهما إليه، وعينيه مفعوله، ومن شيء غيره أي ملك غيره متعلق به وراح تامة بمعنى ذهب، والبيض أي النساء الحسان فاعلها، وكالدُّمى حالٌ منه وهو بضمِّ الدال جمْع دمية كذلك وهي الصورة من العاج شبه بها النساء لحسنها وبياضها فإن جعلت راح ناقصة بمعنى صار كان خبرها نحو الجمرة أي صار البيض كائنة نحو الجمرة، وكالدمى حال أيضاً، والمعنى على تمامها أظهر فتدبر.
قوله:
(ليوهيها)
---
بالياء التحتية بعد الهاء يقال: أُوْهِيَ الشيء يوهيه أي أضعفه، ويروى بالنون بدل الياء بمعناه والوعل ككتف وذهب التيس الجبلي.
قوله:
(قد ارتضى)
أي بلا شرط اعتمادٍ كما في التصريح، ولا عدم تصغير ولا وصف كما في ألفية ابن معطي والسيوطي.
قوله:
(لا يعمل مطلقاً)
أي وأل فيه معرفة لا موصولة.
قوله:
(وزعم ابنه إلخ)
هو ما في شرح الكافية، ولعله لم يعتبر الخلاف لضعفه.
قوله:
(بديل)
خبر عن المذكورات قبله على حد والمَلائِكَةُ بَعُدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ}
(التحريم:4)
أو لأن العطف بأو التي للأحد الدائر أي كل واحد منها على حدته بدليل، وسوغ الابتداء بها كونها أعلاماً على أوزان خاصة. وقوله: في كثرة، أي في التنصيص عليها كمَّا أو كيْفاً، وأما فاعل فمحتمل لها وللقلَّة.
قوله:
(يصاغ للكثرة)
في نسخ من الثلاثي، وأخذه من قول المصنف عن فاعل لأنه إنما يجيء من الثلاثي فلا تُبنى هذه الأمثلة من غيره إلا ما شذَّ من قولهم: دراك وسآر من أدرك وأسأر أي أبقى في الكأس بقية، ومعطاء ومهوان من أعطى، وأهان وسميع ونذير من أسمع وأنذر، وزهوق من أزهق.
قوله:
(فتعمل عمل الفعل)(2/79)
أي كلها على الصحيح حملاً على أصلها وهو اسم الفاعل، وأنكر الكوفيون إعمالها لزيادتها بالمبالغة على معاني أفعالها، ولزوال الشبه الصوري، والنصب بعدها بفعل مضمر تفسره هي وأنكر أكثر البصريين الأخيرين والجرمي فعلاً فقط.
قوله:
(على حد اسم الفاعل)
أي بشروطه وفاقاً وخلافاً.
قوله:
(أما العسل فأنا شراب)
فيه رد على منع الكوفيين تقديم المنصوب عليها وكون ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها إنما هو مع غير أما كما مر وسيأتي.
قوله:
(أخا الحرب)
---
كناية عن ملازمته لها، وإلى بمعنى اللام، وأراد بالجلال بكسر الجيم جمع جُلّ بضمها ما يلبس في الحرب من الدرع ونحوه، والولاج فقال: من الولوج وهو الدخول، والخوالف بالخاء المعجمة جمع خالفة وهي في الأصل عماد البيت، وأراد بها البيت نفسه، وأعقلا بمهملة فقاف من أعقل الرجل إذا اضطربت رجلاه من الفزع وهو حال أو خبر ثانٍ لليس.
قوله:
(لمنحار بوائكها)
جمع بائكة وهي الناقة السمينة.
قوله:
(عشية إلخ)(2/80)
نصب على الظرفية وسعدى بالضم اسم امرأة مبتدأ خبره الجملة الشرطية أي: لو تراءت إلخ، والجملة في محل جر بإضافة عشية إليها على ما في الصبان، فهي ظرف لشيء غير مذكور في البيت أي: كان كذا وكذا عشية كون سعدى من الجمال بحيث لو تراءت إلخ، ويحتمل أنها ظرف لتراءت فلا تكون مضافة ولم تنوَّن حينئذٍ للضرورة أو لمنع صرفها بأن أراد بها عشية معينة، أي لو تراءت سعدى لراهب وقت العشية فلا إلخ، وبدون صفة لراهب وهي بضم الدال قرية بين الشام والعراق تسمى دومة الجندل وتُجرُّ، وحجيج مرفوعان بالابتداء، ودونه خبر والجملة صفة ثانية لراهب، وهما اسما جمع لتاجر وحاج لا جمعان لأن الصحيح إن فعلاً وفعيلاً ليسا من صيغ الجموع قيل: والمسوغ للابتداء بهما العطف وفيه أنه لا يسوغ إلا بشرط كون أحد المتعاطفين فقط مسوغاً ولا مسوغ هنا فإن اعتبر في أحدهما كونه وصفاً لمحذوف أي قوم تجر مثلاً على حد مُؤْمِن خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ}
(البقرة:221)
أو الوصف المقدر أي تجر كثير لأن المقام للمبالغة فالثاني مثله في ذلك ولا حاجة للعطف، وقلا بالقاف أي أبغض جواب لو واهتاج أي ثار وإخوان العزاء أي الملازمين للتصبُّر مفعول مقدم لهيوج لأنه من هاج المتعدي لا اللازم يقال هاج الشيء بنفسه وهجته أنا أي أثرته.
قوله:
(أتاني أنهم إلخ)
---
إن ومعمولاها فاعل أتى ومزقون بفتح فكسر جمع مزق كذلك من مزقت الثوب قطعته، والعرض محل المدح والذم من الإنسان والكرملين بكسر الكاف وفتح اللام ماء في جبل طيء تشرب منه الجحاش، والفديد بفاء ودالين مهملتين التصويت أي هم مثل جِحَاش إلخ.
قوله:
(فأموراً منصوب بحذر)
أي لاعتماده على المبتدأ المقدر أي هو حذر وكذا ما ليس ينجيه منصوب بآمن.
قوله:
(وما سوى المفرد)
مبتدأ خبره جعل، ومثله مفعول ثانٍ لجعل وحيث ظرف له، وما زائدة وجملة عمل مضاف إليها حيث أو إن حيثما شرطية وعمل فعل الشرط، وجوابه محذوف أي جعل مثله،
قوله:(2/81)
(وهو المثنى والمجموع)
أي من اسم الفاعل، وأمثلة المبالغة كما يعلم من الشواهد.
قوله:
(أوالفاً)
جمع آلفة من الألفة وهي المحبة، وهو حال من القاطنات في قوله:
304 ــــ القَاطِنَاتُ البَيْتَ غير الريمِ(2)
بضم الراء وشد التحتية جمع رائمة بمعنى ذاهبة ومكة مفعول أوالفاً، والورق جمع ورقاء وهي الحمامة التي يضرب بياضها إلى سواد، والحمى بفتح فكسر أصله الحمام حذفت الميم الأخيرة وقلبت الألف ياء والفتحة كسرةً للروي.6
قوله:
(ثم زادوا أنهم إلخ)
بفتح الهمزة على تقدير الباء أي زادوا على غيرهم بأنهم إلخ، أو بكسرها على الاستئناف لبيان سبب الزيادة وحذف معمول زادوا للعموم وكذا عند تقدير اللام مع الفتح وغفر وفخر بضمتين جمع غفور وفخور بالخاء المعجمة أي غير مفتخرين أو بالجيم من الفجور وهوالكذب، وذنبهم مفعول غفروا إضافته لأدنى ملابسة أي ذنب الغير معهم.
قوله:
(وانصب إلخ)
---
أفاد بتقديم النصب أنه أولى لأنه الأصل. وقيل: الخفض للخفة وقيل سواء. وأفاد أيضاً أن العامل لا يضاف للفاعل لأنه لا ينصب وكذا لا يضاف للحال ولا التمييز بل للمفعول، وحكي إضافته للخبر في: أنا كائن أخيك لشبهه به، وأما قائم الأب فأضيف إلى فاعله لعدم عمله النصب، ومحل جواز الوجهين في الظاهر أما الضمير المتصل فيتعين جره بالإضافة لعدم التنوين كهذا مكرمك، وجعله الأخفش وهاشم في محل نصب كالهاء في الدرهم زيد مُعْطِيكَهُ، كما مر في الإضافة.
قوله:
(وهو لنصب ما سواه)
أي ما سوى التلو وهو ما فصل عن الوصف بفاصل ولو غير مضاف إليه نحو: إنِّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَلِيَفةً}
(البقرة:20)
وإنما ينصب ما سواه إذا لم يكن فاعلاً، وإلا وجب رفعه كهذا ضارب زيد أبوه ولم يكن التُّلُوُّ مما يفصل به بين المتضايفين وإلاُّ جاز جره كهذا معطي درهماً زيد و مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ}
(إبراهيم:47)
ولم ينبه على ذلك لظهوره من مواضعه.
قوله:
(العامل)(2/82)
خرج غيره فتجب إضافته لتاليه ونصب ما سواه ولو أكثر من واحد لامتناع الإضافة لشيئين كهذا معطي زيد أمس درهما ومعلم بكر أمس عمراً قائماً، ونصبه بفعل مقدر عند قوم لعدم أهلية الوصف له وعند السيرافي بالوصف وإن كان ماضياً لشبهه المحلى بأل في عدم التنوين بسبب الإضافة ولطلبه له فعمل فيه كغيره من المقتضيات، ولما تعذرت الإضافة تعين النصب للضرورة وعليه يخرج وَجَعَلَ الليل}
(الأنعام:96)
بلا احتياج إلى اعتبار الاستمرار فتأمل.
قوله:
(فتقول إلخ)
وبالوجهين قرىء إنَّ الله بَالِغٌ أَمْرَهُ}
(الطلاق:3)
(2) هل هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ}
(الزمر:38)
(3).
قوله:
(وجب نصب الآخر)
أي بالوصف لأنه عامل.
قوله:
(تابع الذي إلخ)
---
شمل جميع التوابع لأنه مفرد مضاف فيعُمُّ، والمثال لا يخصَّص. وقوله: انخفض، مخرج لتابع المنصوب فلا يجوز جره خلافاً للبغداديين لأن شرط الإتباع على المحل كونه أصلياً، والأصل في الوصف المستوفي للشروط النصب لا الجر وأشار بتقديم الجر إلى أرجحيته ما لم يمنع منه مانع كمنعه في نحو: الضارب الرجل وزيداً، لئلا يلزم إضافة الوصف المحلى بأل إلى الخالي منها، وجوّزه سيبويه لأنه يغتفر في التابع.
قوله:
(على إضمار فعل)
الأرجح إضمار وصف منون ليطابق المذكور ولأن حذف المفرد أسهل من الجملة فإن كان الوصف المذكور غير عامل تعين الفعل نحو: وَجَعَلَ اللَّيْلِ سَكَناً والشَّمْس}
(الأنعام:96)
أي ويجعل الشمس.
قوله:
(وهو الصحيح)
أي عند سيبويه لفقد الطالب للمحل فلا يعطف عليه إذ الوصف لا ينصب إلا إذا كان منوناً، أو بأل أو مضافاً إلى أحد مفاعيله، وضارب ليس كذلك.
قوله:
(الواهب إلخ)(2/83)
الهجان ككتاب الإبل البيض الكرام يستوي فيه المفرد المذكر وغيره، وهو بالجر صفة للمائة وعوذاً بضم المهملة وآخره معجمة حال منها وهو جمع عائذ أي الناقة الحديثة النتاج بعشرة أيام أو خمسة ثم هي مطفل، وتزجي بزاي فجيم مضارع مجهول أي تساق بينها أطفالها ويلزم على جر عبد إضافة الوصف المحلى بأل للخالي منها وهو جائز عند سيبويه لاغتفارهم في التابع كما مر، أو يخرج على مذهب المبرد من أنه يضاف إلى مضاف لضمير ما فيه أل.
قوله:
(دينار)
اسم رجل وكذا عبد رب وأخا عون بدل من عبد رب وابن مخراق صفة لأخا.
قوله:
(وكل ما قرر إلخ)
جعله مفعولاً ثانياً ليعطي، واسم مفعول نائب فاعله أولى من رفعه بالابتداء خبره جملة يعطي لسلامته من حذف الرابط إن جعل اسم مفعول نائب الفاعل أي يعطاه ومن إنابة المفعول الثاني مع وجود الأول إن جعل النائب ضمير كل واسم مفعولاً ثانياً.
قوله:
(بلا تفاضل)
---
متعلق بيعطي أي لأنه لا يشترط فيه زيادة على شروط اسم الفاعل، وذلك لم يستفد من قوله وكل ما إلخ حتى يكون تأكيداً كما قيل بل هو تأسيس.
قوله:
(فهو كفعل)
الأظهر كون الفاء فصيحة، أي إذا أردت كيفية عمل اسم المفعول المستوفي للشروط فهو كفعل إلخ ولا يظهر كونها تفريعية لأن ما بعدها لم يعلم من الكلية السابقة.
قوله:
(في معناه)
أي في جزئه وهو الحدث، والمراد في عمله من إطلاق السبب وإرادة المسبب لأن عمل اسم المفعول مسبب عن كونه بمعنى فعله فلا يرد أن الكلام في العمل لا المعنى.
قوله:
(كالمعطي إلخ)
ألا فيه موصولة مبتدأ نقل إعرابها إلى صلتها وهو معطي لكونها بصورة الحرف، وفي معطي ضمير يعود إلى أل هو نائب فاعله، وكفافاً كسحاب مفعوله الثاني وهو ما يكفي الإنسان من الرزق بلا إسراف ولا تقتير ويكتفي خبر المبتدأ.
قوله:
(وقد يضاف ذا)(2/84)
أي اسم المفعول إجراءً له مجرى الصفة المشبهة في جواز الإضافة إلى المرفوع لكن بشرط كونه على وزنه الأصلي بأن يكون من الثلاثي كمفعول، ومن غيره كمضارعه المجهول فإن حوِّل إلى فعيل ونحوه امتنع فيه ذلك فلا يقال جاء رجل كحيل عينه وقتيل أبيه بالجر خلافاً لابن عصفور.
تنبيه:
قال الموضح في الحواشي إذا أريد باسم المفعول الثبوت كان صفة مشبهة فيعرب مرفوعه فاعلاً كما هو شأن الصفة لا نائبة لانسلاخه عما كان له قبل فأعطي حكم الصفة.
قوله:
(فتضيف اسم المفعول إلخ)
---
ظاهره أنه ينتقل من الرفع إلى الجر وليس كذلك لأن الوصف عين مرفوعه معنًى إذ مدلول المضروب هوالعبد فيلزم إضافة الشيء إلى نفسه، بل يحول الإسناد عن المرفوع كالعبد والمقاصد ويجعل نائب الفاعل ضمير الموصوف مبالغة بجعله هو المضروب والمحمود مثلاً لا غيره فيصير ذلك المرفوع فضلة والوصف منوّن فينصبه تمييزاً وتشبيهاً بالمفعول، ثم يجر بالإضافة رفعاً لقبح إجراء وصف المتعدي لواحد مجرى المتعدي لاثنين. فالجر فرع النصب وهو فرع الرفع كما هو شأن الصفة المشبهة ولم ينبِّه المصنف على جواز النصب فيه أيضاً كالصفة للزومه للإضافة لما علمت أنها فرعه ولأنها أكثر منه، وتحويل الإسناد مجاز عقلي لإسناد الشيء إلى غير من هو له.
قوله:
(ولا يجوز ذلك في اسم الفاعل إلخ)
أي المتعدي لأكثر من واحد اتفاقاً فإن تعدى لواحد جاز عند المصنف إن لم يلتبس فاعله بمفعوله كمثال الشارح، وقيل إن حذف مفعوله اقتصاراً جاز وإلا فلا، واختاره ابن عصفور وغيره، والجمهور على المنع مطلقاً ويشهد للجواز قوله:
305 ــــ ما الرَّاحمُ القلبَ ظلاَّماً وإنْ ظَلَمَا
ولا الكريمُ بمنَّاع وإِنْ حرَمَا
أما القاصر فيجوز فيه ذلك اتفاقاً إن أريد به الدوام كضامر البطن لأنه يصير صفةً مشبَّهة حقيقة، أو ملحقاً بها على ما مرَّ في الإضافة والله أعلم.
أبنية المصادر(2/85)
قدم أعمال البابين على صيغهما لأن العمل أهم لكونه من علم الإعراب والصيغ من الصرف فذكْرها هنا استطراديُّ فلا يرد أن معرفة الذات تقدم على معرفة الصفة كالعمل.
قوله:
(فعل)
بفتح فسكون أي موازنه ومن ذي ثلاثة حال، ومن للتبعيض أي حال كون ذلك المعدى بعض الأفعال الثلاثية.
قوله:
(على فعل قياساً)
---
يستثنى منه ما دل على صناعة فقياسه فِعَالَة كحاكه حياكة وخَاطَه خِيَاطة وحجمه حجامة قيل: وعبر الرؤيا عبارة، والمراد بالقياس هنا عند سيبويه والجمهور أنه إذا ورد فعل لم يعلم كيف تكلموا بمصدره فإنك تقيسه على هذا لا أنك تقيس مع السماع خلافاً للفراء.
قوله:
(فتقول إلخ)
عدد المثال إشارة إلى أنه لا فرق في المتعدي بين كونه مضاعفاً أو مفتوح العين أو مكسورها أما مضمومها فخاص باللازم ولا فرق أيضاً بين كونه صحيحاً كضرب ضرباً أو معتل الفاء كوعد وعداً ووطىء وطئاً أو العين كباع بيعاً وخاف خوفاً، أو اللام كرمى رمياً ورِقِيَ بالكسر أي صعد السلَّم رقياً وورد فيه أيضاً رقياً بضم فكسر على فعول كما في الصحاح أو مهموزاً كأكل أكلاً وأمن أمناً.
قوله:
(لا ينقاس)
أي لأن مصادر الأفعال الثلاثية لا تدرك إلا بالسماع فإذا عدم لا يقاس على شيء منها.
قوله:
(وفعل اللازم)
أي المكسور العين أما مفتوحها ففي البيت بعده والمكسور المتعدي سبق.
قوله:
(بابه فعل)
أي قاعدة مصدره موازن فعل بفتحتين إلا إذا دل على لون فالغالب فيه فُعلة بالضم كسمر سمرة وشهب شهبة ودهم دهمة.
قوله:
(كفرح إلخ)
مثل للصحيح والمضاعف ومعتل اللام ومنه عمي عمى وبقي بقى والجوى حرقة العشق ونحوه، وبقي معتل الفاء كوجع وجعاً، والعين كعور عوراً، والمهموز كأسف أسفاً.
قوله:
(وشلت يده)
أي فسدت عروقها وبطل عملها وأصله شُلِلَتْ بالكسر.
قوله:
(مثل قعداً)
---(2/86)
حال من الضمير في اللازم وقوله كغدا عطف على مثل قعداً بإسقاط العاطف إذ لا وجه لعدم العطف مع أنه مثال ثانٍ لا أن يجعل قعد مثالاً للازم من حيث فتح العين، وغداً مثالاً له من حيث المصدر وأشار به إلى أنه لا فرق فيه بين الصحيح والمعتل، وبقي المضاعف كمر مروراً والمعتل إما باللام كغدا غُدوُّاً وعتا عُتُوّاً وعلا عُلُوّاً أو الفاء كوَصَل وُصُولاً. أما معتل العين فالغالب فيه فعل كصام صوماً ونَامَ نوماً أو فِعَال كصام صِيَاماً وقام قِيَاماً، أو فِعَالَة كناح نِياحَة، ويقل فيه فُعُول كغابت الشمس غُيُوباً.
قوله:
(بإطراد)
حال من المستكنّ في له.
قوله:
(مستوجباً)
أي مستحقاً فِعالاً بكسر الفاء أو فَعَلاَناً بفتحات، أو فُعالاً بالضم أي، أو فعيلاً كما يؤخذ من قوله: وشمل إلخ.
قوله:
(كأبى)
أي اللازم كما هو فرض الكلام بمعنى امتنع وجاء أيضاً للمتعدي بمعنى كره ففي القاموس: أبى الشيء يأباه ويأبيه إباء وإباءة بكسرهما كرهه ا هـ.
قوله:
(للدّا)
بالقصر للضرورة.
قوله:
(أو لصوت)
هو مع قوله: وشمل إلخ، يفيد أن الصوت ينقاس فيه كل من فِعَال وفعِيل فإدا سمعا فيه فذاك كنعق نعيقاً ونعاقاً أو أحدهما فقط اقتصر عليه عند سيبويه والأخفش كبغم الظبي بِغَاماً وصهل الفرس صهيلاً وإن لم يرد أحدهما جاز فيه كل كما هو قياس الباب اسماعهما في غيره. وكذا يقال في قوله: الآتي فعولة فعالة إلخ، فلا يرد اعتراض سم بأنه إن أراد التخيير فبعيد وإلا لزم الوقوف على السماع وقد لا يحصل.
قوله:
(وشمل)
يتعين فتح ميمه للروي وإن جاز كسرها.
قوله:
(كصهل)
من بابي ضرب ومنع كما في القاموس.
قوله:
(إذا لم يستحق إلخ)
---(2/87)
الحاصل أن فعل بالفتح القاصر يطرد في مصدره فعول إلا في الخمسة التي ذكرها المصنف ويزاد عليها ما دل على حرفة أو ولاية فمصدره فعالة بالكسر كتجر تجارة وسفر سفارة وأمر إمارة ونقب نقابة أي صار نقيباً أي عريف القوم فتحصل من هذا مع ما مر أن فعالة ينقاس في الحرفة والولاية من فعل المفتوح لازماً كان كما هنا أو متعدياً كما مر ومنه نحو: نجر نجارة بالنون والجيم وكتب كتابة، وأما إتيانها لفعل بالكسر اللازم في الحرفة والولاية فنادر كولي عليهم ولاية.
قوله:
(وشرد إلخ)
بمعنى نفر ومن الامتناع أيضاً جمح جماحاً وأبق إباقاً.
قوله:
(تقلب)
هو تحرك مخصوص مع اهتزاز واضطراب لا مطلق تحرك فلا يرد: قام قياماً وقعد قعوداً ومشى مشْياً.
قوله:
(جال)
بالجيم بمعنى طاف، ونزا بالنون والزاي يقال نزا الفحل على أنثاه أي وثب وهو خاص بذي الحافر والظلف والسباع.
قوله:
(وزكم)
هو من الأفعال اللازمة للمجهول فالتمثيل به لفعل المفتوح بالنظر لأصل المقدر وجعلوه من المفتوح إيثاراً للأخفِّ وحملاً على النظائر وما في القاموس من أنه يقال زكم كعني، وأزكمه فهو مزكوم لا يدل على أنهم نطقوا بأصله لأن كلامنا في زكم بلا همز لا المهموز لكن في نسخ منه: زكمه وأزكمه فهو مزكوم لا يقال: أصله متعدِّ بدليل بنائه للمفعول والكلام في اللازم لأنا نقول: اللازم يبنى للمجهول سماعاً كجُنَّ فيجعل هذا منه، أو يقال لما لم ينطق بهذا الأصل كان في حكم اللازم على أن بناءه لذلك صوري فقط، وفي الحقيقة مبني للفاعل فمرفوعه فاعل لا نائبه ومثله نتجت الشاة وعني بحاجتك أي اعتنى وزهى علينا أي تكبر، وسقط في يديه أي ندم. فهذه الخمسة أفعال مبنية للمفعول صورة.
قوله:
(نعب)
بنون فمهملة فموحدة أي صوت.
قوله:
(وأزَّت القدر)
بشد الزاي أي غلت من شدة النار.
قوله:
(ذمل)
بالمعجمة أي سار بلين ورفق.
قوله:
(نعب نعيباً إلخ)
---(2/88)
أفاد بهذا مع ما مر أنه قد يجتمع في الصوت فعيل وفُعال ومنه صرخ صُراخاً وصريخاً وقد ينفرد فعيل كصهل صهيلاً وصخد الطائر صخيداً بمهملة معجمة ولم يمثل لانفراد فعال كبغم الظبي بغاماً بالموحدة فمعجمة، وضبح الثعلب ضباحاً بمعجمة فموحدة فمهملة كل ذلك بمعنى صوَّت أما الداء فيختص به فعال وبالسير فعيل.
قوله:
(فعولة فعالة إلخ)
فيه ما مر فلا تغفل وقد ذكر ابن الناظم ضابطاً لكل منهما فقال في شرح اللامية: إذا كان الوصف من فعل المضموم على فعيل كمليح وظريف وشجيع فقياسه فَعَالة كمَلاَحة وظَرَافة وشَجَاعة أو على فعل كسهل وصعب وعذب فقياسه فُعُولة كسُهُولة وصعُوبة وعُذوبة ا هـ، وهو أغلبي فإن ضخم وصفه على فعل ومصدره ضخامة وملح أي صار مالحاً مصدره مُلوحة وليس وصفه على فعل ولا فعيل.
قوله:
(فبابه النقل)
أي السماع.
قوله:
(كسخط ورضى)
قال الأشموني: بضم السين وكسر الراء، وقياسهما فعل بفتحتين فاعترض بأنه يقال سخطه ورضيه متعديين فقياسهما كضرب لا كفرح ورد بأن تعدِّيهما توسُّع بحذف الجار، والأصل سخط عليه ورضى عنه، وهذا الاعترض لا يرد على المصنف أصلاً لأنه لم يتعرض لمصدرهما القياسي، وليس في كلامه ما يدل على أنهما مثالان للازم أو المتعدي كما لا يخفى خلافاً لمن توهمه، ومثلهما في أن قياسه كفرح حزن وبخل بالضم مصدر أحزن. وبخل بالكسر.
قوله:
(ذهاباً)
قياسه ذهيباً لدلالته على السير، لا ذُهوباً كما قيل.
قوله:
(وشكر شكراناً)
قياسه كضرب لتعدِّيه.
قوله:
(وعظم عظمة)
قياسه عِظامة وعُظومة، أو الأول فقط على الضابط المار ومثله قبح قُبْحاً وحسن حسناً والله أعلم.
قوله:
(وغير ذي ثلاثة إلخ)
---(2/89)
الأحسن في إعرابه أن غير مبتدأ أول ومقيس بمعنى قياس ثانٍ، ومصدره مضاف إليه وكقدس خبر الثاني، والجملة خبر الأول، والتقديس حينئذ نائب فاعل قدس أو كقدس حال من هاء مصدره، والتقديس هوالخبر أي غير الثلاثي قياس مصدره كائن كقدس إلخ أو قياسه حال كونه كقدس هو التقديس، وأما جعل مقيس اسم مفعول خبر غير ومصدره بالرفع نائب فاعله، وكقدس إلخ خبر لمحذوف، أي وذلك كقدس إلخ كما في المعرب، فيقتضي أن مصدر غير الثلاثي مقيس دائماً وليس كذلك بدليل قوله: وغير ما مر السماع عاد له إلا أن يقال: مراده أن كل فعل غير ثلاثي لا بد له من مصدر مقيس كما فسَّره الأشموني بذلك.
قوله:
(إجمال من إلخ)
من موصولة مضاف إليه وتجملاً بضم الميم مصدر مقدم على عامله وهو تجمل الثاني بفتح الميم فعل ماض فاعله ضمير من والجملة صلتها أي إِجمال من تجمَّل تجمُّلاً وقوله الآتي: وضم ما يربع إلخ، يعمُّ ذلك فهو من ذكر العام بعد الخاص.
قوله:
(وغالباً إلخ)
ذا مبتدأ خبره لزم، والتاء مفعوله مقدم أو هي مبتدأ ثانٍ خبره لزم، والجملة خبر ذا حذف رابطها أي هذا المذكور من استعاذة وإقامة التاء لزمته غالباً أي صحبته لئِلا ينافي في الغلبة ولم ترجع ذا إلى إقامة فقط ليكون لذكر الاستعاذة هنا فائدة لزومها التاء، وإلا فهي داخلة في البيت بعده.
قوله:
(وما يلي إلخ)
الآخر فاعل يلي، ومفعوله محذوف، أي: ومُدَّ الحرف الذي يليه الآخر وافتحْه.
قوله:
(مع كسر)
متعلق بمد، ومما افتتحا حال من تلوّ.
قوله:
(ما يربع)
من ربعت القوم من باب منع: صرت رابعَهم.
قوله:
(في أمثال إلخ)
---(2/90)
متعلق بضم، والمراد المماثلة في الحركات والسكنات وعدد الحروف، والبدء بتاء المطاوعة وشبهها وإن لم يكن من بابه وذلك عشرة أبنية: تفعَّل كتجَمَّل تجمُّلاً، وتَفَاعل كَتَغَافل تَغَافُلاً، وتفعْلَلَ كَتَلَمْلَم تلملماً وتدحرج تَدَحْرُجاً، وَتَفَيْعَلَ كَتَبَيْطَرَ تَبَيْطُراً، وتَمَفْعَلَ كتَمَسْكَنَ تَمَسْكُناً، وتَفَوْعَلَ كتَجَوْرَبَ تَجَوْرُباً، وتَفَعْنَلَ كَتَقْلَنَس تَقَلْنُساً، وتَفَعْوَلَ كَتَرَهْوَلَ، تَرَهْوُلاً، وَتَفَعْلَتَ كَتَعَفْرَتَ تَعَفْرُتاً، والعاشر تَفَعْلَى كَتَدَلَّى تَدَلِّياً وَتَدَنَّى تَدَنِّياً وَتَسَلْقَى تَسَلْقِياً. فكل ذلك يضم رابعه لكن تقلب ضمة الأخير كسرة لمناسبة الياء.
قوله:
(ويأتي على فعال)
ويأتي أيضاً على تَفْعِلَة قليلاً كجرَّب تَجْرِبَة.
قوله:
(بانت تُنزي)
بضم التاء وفتح النون وشد الزاي مكسورة أي تحرك، والشهلة العجوز.
قوله:
(وتفعلة)
هو أغلب من تفعيل.
قوله:
(وحذفت)
أي العين بعد قلبها ألفاً لتحرُّكها بحسب الأصل، وانفتاح ما قبلها الآن فلما التقت ساكنة مع الألف الثانية حذفت، فإن قلت: لا حاجة للقلب كما هو ظاهر الشارح لوجود الساكنين قبله وأيضاً فشرط قلب الواو والياء ألفاً تحرُّك ما بعدهما كما سيأتي في قول المصنف: إن حرك التالي وإن سكن كف إعلال غير اللام إلخ ولذا صحت العين في نحو: بيان وطويل وخورنق لسكون ما بعدها قلت: أجاب سم بأن هذا الشرط إنما هو فيما يستحق الإعلال لذاته كالفعل لوجود سببه فيه بخلاف المصدر فبالحمل عليه وهو جواب سديد بخلاف الجواب بأن هذا الشرط إنما هو معتل اللام ليخرج غزواً ورمياً مسند الاثنين فلا يخفى خلله على من فهم قوله: إن حرك التالي إلخ، هذا وصريح الشارح أن المحذوف العين من إقامة ونحوها كإفادة وإجارة وإعادة فوزنها إفالة، وهو مذهب الفراء والأخفش والراجح مذهب الخليل وسيبويه أن المحذوف الألف الزائدة فوزنها أفعلة.
---
قوله:(2/91)
(وقد جاء حذفها)
هو مقصور على السماع.
قوله:
(وإن كان في أوله همزة وصل)
أي ثابتة أصالة فخرج ما أصله تفاعل أو تفعَّل فلا يكسر ثالث مصدره ولا يزال قبل آخره الألف كأطاير وأطير بشد الطاء فإن أصلهما تطاير وتطيُّر، أدغمت التاء في الطاء، وأتى بهمزة الوصل فيقال أطَّاير يطَّاير أطَّاير أو أطير يطير أطيراً.
قوله:
(فعلال)
بكسر الفاء وجوباً إلا في المضاعف، وهو ما فاؤه ولامه الأولى من جنس، وعينه ولامه الثانية من جنس، فيجوز فيه الفتح كزلزال ووسواس وقلقال لكن الأكثر كون المفتوح اسم فاعل نحو: مِنْ شَرِّ الوَسْوَاس}
(الناس:4)
أي الموسوس وليس في العربية فعلال بالفتح غيره والأصل كسره كما أنه ليس فيها تِفْعال بالكسر إلا تِلْقَاء وتِبْيَان، وما عداهما بالفتح كَتَذْكَار وتَعْدَاد وتَنْفَاد، ورجح المصنف أن التفعال مصدر لفعل المشدد لا المخفف كما قيل وهل ينقاس فيه كالتفعيل كذكر تذكيراً وتذكاراً أو سماعي قولان.
قوله:
(وسرهف)
يقال سَرْهَفْتُ الصبيَّ، أحسنت غذاءه.
قوله:
(وهو المقيس فيه)
أي الفعللة هوالمقيس في فعلل كما مثله وكذا فيما ألحق به كجَلْبب جلْببة إذا صوت وبيطر بيطرة إذا عالج الخيل وقلنس قلْنسة، وأما الفعلال فسماعي كسرها فقال في التوضيح وشرحه إلا في المضعف كزلزال فقياسي، ولم يسمع في: دحرج دحراجاً كما قاله الصيمري وغيره، ولا في الملحق بفَعْلَلَ إلا في حَوْقَلَ وحِيْقَالاً إذا كبر وضعف عن الجماع.H وبذلك يقيد قول الناظم فعلال أو فعللة لفعللا ا هـ فقول الشارح دحراجاً مجرد مثال، وليس مسموعاً، وقيل إنه قياس مطلقاً.
قوله:
(وبرهم)
بالميم أي نظر مع سكون طرفه وفي نسخ بهرج بالجيم أي أتى بالباطل والرديء من الشيء.
قوله:
(الفاعل الفعال إلخ)
---(2/92)
قال الدماميني والمطرد دائماً عند سيبويه المفاعلة، وأما الفعَّال فقد يترك كجالسه مُجالسة، ولم يقولوا جلاَّساً وتتعين المفاعلة فيما فاؤه ياء كَيَاسَرَهُ مُيَاسَرَة ويَامَنَه مُيَامنة لثقل الابتداء بالياء المكسورة، وشذ ياومه يواماً لا مُياومة.
قوله:
(عادله)
فعل ماض من المعادلة كما يشير إليه الشارح، وفاعله ضمير السماع أو أن عاد فعل ماض بمعنى رجع وفاعله ضمير السماع أيضاً وضمير له يعود لغير ففيه قلب، وعكس الضميرين، وإن أغنى عن القلب لكن فيه جريان الخبر على غير ما هو له فكان يجب الإبراز.
قوله:
(بثبت)
بفتح الباء أي بدليل ونقل عن العرب وأما بسكونها فهو الرجل الثابت القلب.
قوله:
(وشر حيقال)
الذي في الشواهد، وبعض حيقال وتقدم معناه.
قوله:
(تملاقاً)
بكسر التاء والميم وشد اللام يقال: تملَّقه وتملق له تملُّقاً وتملاقاً تودَّد إليه وتلطَّف له قال:
306 ــــ ثلاثة أحبابٍ فحبُّ علاقةٍ
وحبُّ تملاَّقٍ وحبُّ هو القَتْلُ(2)
صحاح.
قوله:
(وفعلة لمرة)
أي من مصدر الثلاثي بقرينة ما بعده، ولا فرق فيه بين أن يكون مصدره الأصلي على فعل كضرْبة من الضَّرْب أو لا كجلسة من الجلوس، ثم فعلة التي للمرة إنما تكون لما يدل على فعل الجوارح الظاهرة المحسوسة كأمثلة الشارح لا لما يدل على الفعل الباطني كالعلم والجهل، أو الصفة الثابتة كالحسن والظرف.
قوله:
(الهيئة)
أي لهيئة الحدث وكيفيته.
قوله:
(فإن بنى عليها)
أي مع الفتح لا مع الضم ككدرة ولا الكسر كنشْدة فإنهما يفتحان للمرة.
قوله:
(بكسر الفاء)
أي ما لم يبن المصدر المطلق عليها كنشْدة وذُرْبة وهي الحدة في الشيء وإلاَّ دلَّ على الهيئة بالصفة أو غيرها كنشدة عظيمة، ودخل في ذلك فُعلة بالضم أو الفتح فيكسران للهيئة.
قوله:
(بالتا المرة)
أي في غير ما بني عليها كإقامة وإلاَّ دلَّ عليها بالوصف.
قوله:
(كالخمرة)
---
بكسر الخاء المعجمة من اختمرت المرأة غطت رأسها.
خاتمة:(2/93)
يصاغ من الثلاثي مفعَل بفتح العين للزمان والمكان والحدث إذا اعتلَّت لامه مطلقاً أو صحَّت ولم تكسر عين مضارعه كمَقْتَل ومَذْهَبَ فإن صحَّت مع كسر العين كيَضْرِب فُتِحَتْ في المصدر، وكُسرت في الزمان والمكان ولا فرق في صحيح اللام بتفصيله المذكور بين كونه واويَّ الفاء كوعد أولا عند طيء، وأما غيرهم فيكسرون واويها للثلاثة مطلقاً كسرت عين مضارعه أولا عند أكثر العرب وأما من غير الثلاثي فالمصدر والزمان والمكان بزنة اسم المفعول وقد نظم ذلك بعضهم فقال:
يصاغُ مِنَ الفِعْلِ الثُّلاثي مَفْعَل
بفتح إذا ما اعْتل بالاَّم مُطْلقا
بمعنى زمانٍ أو مكانٍ ومصدرٍ
كمَغْزَى ومرماهُ ومرقاهُ من رقَى
كذاك صحيحُ اللام حيثُ مضارعٌ
أتاكَ بغيرِ الكَسْرِ فاعْلَمْ وحقِّقا
وإلا ففتح للمراد لَمَصْدَرٍ
وفي غيره كسرٌ فقلْ فيهِ مَنْطِقا
وإن رُمْتَ مِنْ غيرِ الثِّلاثيِّ هذِه
فجيءْ باسمِ مفعولٍ كمجْرى ومرتَقَى
وما جاءَ من لفظٍ على غير هذِهِ
فذلك أضْحَى بالسَّماعِ مُعَلَّقا
والله أعلم.
أبنية أسماء الفاعلين والمفعولين والصفات المشبهة بها
---(2/94)
إضافة أبنيةٍ لأسماء للبيان، وإضافة أسماء لما بعده لامية، والصفات عطف على أسماء لا على الفاعلين لأن اللامية لا تصح فيها أي أبنية هي أسماء للذوات الفاعلين إلخ، وغلب العاقل من تلك الذوات على غيره فجمعه بالياء والنون فما قيل إن أسماء الفاعلين ألفاظاً وهي لا تجمع كذلك لأنها من غير العاقل غفلة عجيبة لأن الفاعلين ليس وصفاً للألفاظ بل للذوات. وقوله بها أي بأسماء الفاعلين كطاهر القلب، أو المفعولين كمحمود المقاصد كما هو المتبادر من الترجمة، ويؤيد ما مر من أن اسم المفعول إذا أريد به الدوام كان صفة مشبهة حقيقة، ومرفوعه فاعل لا نائبه لكن الموافق لقوله الآتي: الصفة المشبهة باسم الفاعل رجوع الضمير للأول فقط وهو المشهور وإنما ذكر الصفة هنا لأنه باب الأبنية، وجميع ما فيه يصلح لكونه صفة مشبهة إذا أريد به الدوام وأما الترجمة الآتية فلأحكامها كما أفرد عمل اسم الفاعل بترجمة.
قوله:
(كفاعل إلخ)
إما حال من اسم فاعل أي صغ اسم فاعل حال كونه موازناً لفاعل إذا كان من الثلاثي، أما من غيره فلا يوازن فاعل، أو صفة لمصدر محذوف أي صوغاً كصوغ فاعل، وإذا ظرف مجرد عن الشرط متعلق بصغ، أو شرطية حذف جوابها العامل فيها لدلالة صغ عليه لأن الشرط لا يعمل فيه ما قبله.
قوله:
(كغذا)
بمعجمتين يستعمل لازماً كغذا الماء أي سال ومتعدياً كغذوت الصبي باللبن أي ربيته وكلاهما صحيح ففي تمثيله به إشارة لعدم الفرق بينهما كما يشعر به أيضاً التقييد فيما بعده بقوله غير معدِّى لأنه حال من فعل المكسور.
قوله:
(بل قياسه فعل)
---(2/95)
أي إن دلَّ على معنى عارض غير مستقر كفرح فهو فرح وأشر وبطر فهو أشر وبطر أي لا يحمد النعمة، وشذ مريض وكهل إذ قياسهما كفرح لأنهما عرضان، وقوله: وأفعل، أي إن دل على لون كحمر فهو أحمر أو خلقة أي حال ظاهرة في البدن كعور وحور وجهر فهو أعور وأحور وأجهر أي لا يبصر في الشمس، وقوله فعلان أي إن دل على الامتلاء كروي فهو ريان أو حرارة الباطن كصدي فهو صديان أي عطشان.
قوله:
(نحو أمن)
أي اللازم كأمن البلد أي اطمأن أهله، وقد يتعدى كأمنت العدو.
قوله:
(وفعل أولى إلخ)
لعله لم يصرح بالقياس لأنهما لم يكثرا في المضموم كثرة تقطع بقياسهما فيه عنده قال الشاطبي وغير المصنف يرى قياسية فعيل لا فعل.
قوله:
(والفعل جمل)
ليس حشواً بل يخرج به جميل من: جملت الشحم بالفتح أي أذبته فجمل هو بالبناء للمجهول فهو جميل أي مجمول قاله الشاطبي، ويرده أن كون الفعل جمل بالضم معلوم من كون الكلام في فعل المضموم فالأولى أنه مستأنف لبيان الواقع لا للاحتراز.
قوله:
(قد يغنى)
مضارع غنى يغنى كفرح يفرح أي يستغني.
قوله:
(ضخم)
هو الغليظ والشهم الجلد ذكي الفؤاد.
قوله:
(خضب)
بالخاء والضاد المعجمتين أي أحمر إلى الكدرة.
تنبيه:
جميع هذه الصفات التي ليست على فاعل صفات مشبهة إن قصد بها الثبوت وإن لم تضف لمرفوعها، وإطلاق اسم الفاعل عليها حينئذٍ مجاز في الاصطلاح الشائع فإن قصد بها الحدوث كانت أسماء فاعلين، ونقل الإسقاطي أنه إذا أريد بها النص على الحدوث حوّلت إلى فاعل فيقال حاسن لا حسن، وأما موازن فاعل كضارب وقائم فاسم فاعل إلا إذا دل على الثبوت، وأضيف لمرفوعه فيكون صفة مشبهة أو ملحقاً بها على ما مر، وبقية الأوصاف الآتية وهي اسم الفاعل من غير الثلاثي، واسم المفعول من الثلاثي وغيره كفاعل في هذا التفصيل.
قوله:
(بعد زيادة ميم)
أي بدل حرف المضارعة لا معه كما بينه المثال.
قوله:
(ويكسر ما قبل آخره)
---(2/96)
أي ولو تقديراً كمعتل ومختار اسمي فاعل فيقدر فيهما الكسر وشذ منتن بضم التاء اتباعا للميم اسم فاعل كما شذ الفتح في ألفاظ كأحصن فهو محصن وألفح بالفاء والحاء المهملة فهو مُلْفِح أي فقير مفلس، وأسَهَب فهو مُسْهِب إذا تكلم بما لا يعقل، أما في المعقول فيكسر على القياس.
قوله:
(ولكن تفتح منه)
أي ولو تقديراً كمعتل ومختار اسمي مفعول فيقدر فيهما الفتح.
قوله:
(كآت من قصد)
أي وذلك كوزن آتٍ من مصدر وهو مقصود بوزن مفعول، ومما هو بوزنه أيضاً مبيع ومقول ومرمى إلا أنها غيرت إذ أصلها مبيوع ومقوول ومرموي نقلت حركة الياء والواو في الأولين إلى الساكن قبلهما فحذفت واو مفعول للساكنين وقلبت ضمة الأول كسرة لتسلم الياء، وقلبت واو الثالث ياءً لاجتماعها ساكنةً مع الياء فأدغم وكسر ما قبلها.
تنبيه:
مراده بالثلاثي فيما مر المتصرف، أما الجامد فلا يبنى منه اسم فاعل ولا مفعول.
قوله:
(وناب نقلاً)
أي سماعاً وهو مصدر بمعنى اسم المفعول حال من ذو فعيل أي ناب صاحب هذا الوزن عن مفعول حال كونه منقولاً عن العرب.
قوله:
(وليست مقيسة)
فلا يقال: ضريب وعليم بمعنى مضروب ومعلوم.
قوله:
(خلافاً لبعضهم)
أي في نوع منه وهو ما بينه الشارح بعد قوله:
(فيما ليس له فعيل الخ)
أي لأنه لا لبس فيه بخلاف ماله ذلك فيلبس بالفاعل.
قوله:
(كعليم)
أي وقدير ورحيم، فالحاصل إن كان فعل سمع له فعيل بمعنى فاعل لا ينقاس فيه بمعنى مفعول وما لم يسمع فيه ذلك كضرب انقاس فيه هذا مفاده.
قوله:
(فترفع عبده بجريح)
مفرع على المنفي فهو منفي لأن العمل المنفي شامل للرفع لكنه عند المصنف يرفع الضمير المستتر لإطلاقه القول بأن الخبر المفرد المشتق متحمل للضمير فالمعنى أنه لا يعمل في الظاهر.
قوله:
(وقد صرح غيره إلخ)
---
هو مذهب ابن عصفور حيث قال في المقرب اسم المفعول وما بمعناه من الصفات حكمه بالنظر إلى ما يطلبه من المعمولات حكم الفعل المجهول والله تعالى أعلم.(2/97)
الصفة المشبهة باسم الفاعل
أي في دلالتها على حدث، ومن قام به وقبولها الإفراد والتذكير وغيرهما غالباً، فعملت النصب كالمتعدي لواحد لكن عملها أحط منه لأنها لم تفد الحدوث مثله. وأما اسم التفضيل فيخالفه مطلقاً للزومه الإفراد والتذكير، وإفادته الدوام فلم يعمل النصب أصلاً.
قوله:
(صفة استحسن الخ)
خبر مقدم عن المشبهة ومعنى تمييز أو نصب بنزع الخافض وقيد به لأنّ الصفة لا تضاف للفاعل إلا بعد تحويل إسنادها إلى ضمير الموصوف فلم يبق فاعلاً إلا في المعنى، والمراد استحسان الجر بنوعها لا بشخصها لئلا يرد صور امتناع الجر وضعفه الآتية قيل: استحسان الجر بها يتوقف على معرفة كونها صفة مشبهة، وقد جعل ذلك الاستحسان علامة لها فتتوقف معرفتها عليه وهو دور ورد بمنع توقف الاستحسان على العلم بكونها صفة بل على النظر في معناها الثابت لفاعلها بحيث لو حول الإسناد عنه لم يقبح، ولم يلبس فيستحسن حينئذٍ الجر وإن لم يعلم بأنها تسمى بذلك فلا دور.
قوله:
(والأصل حسن وجهه)
ظاهره أن الجر فرع عن الرفع، وليس كذلك بل عن النصب كما علم مما مر.
قوله:
(فلا تقول زيد ضارب الأب إلخ)
أي لأن اسم الفاعل المتعدِّي لواحد تمتنع إضافته لفاعله عند الجمهور وإن قصد ثبوته لإلباسه بالإضافة للمفعول كما مر. أما اللازم كقائم الأب فإنما تمتنع إضافته إذا قصد به الحدوث فإنه قصد به الدوام كان صفة مشبهة، وانطلق عليه اسمها.
قوله:
(أن اسم المفعول الخ)
أي بشرط قصد الدوام.
قوله:
(وصوغها)
عطف على جر أي، واستحسن صوغها بالمعنى الشامل للوجوب. أو مبتدأ حذف خبره أي وصوغها من ذلك واجب، أو قوله من لازم خبر فيفيد الحصر أي إنما يكون صوغها من لازم الخ لا من غيره.
قوله:
---
(لا تصاغ من متعدِّ)
أي ما لم ينزل منزلة اللازم أو يحول إلى فعل بالضم كما قيل به في العليم والرحمن والرحيم.
قوله:
(إلا للحال)(2/98)
أي الذي هو من لوازم دلالتها على الدوام في الأزمنة الثلاثة لا خصوص الحال. أما اسم الفاعل فيدل على أحد الثلاثة بدلاً عن الآخر وإفادتها الدوام عقلية كما نقله يس. لا وضعية لأنها لما انتفى عنها الحدوث، والتجدُّد ثبت الدوام عقلاً لأن الأصل في كلِّ ثابت دوامه.
قوله:
(على نوعين)
أي بخلاف اسم الفاعل فإنه يلزم موازنته المضارع، وإطلاقه على غير موازنه مجاز كما مر في تعريفه. ومذهب الزمخشري وابن الحاجب أنها لا توازن المضارع أصلاً، ونحو: طاهر القلب ومنطلق اللسان اسم فاعل قصد به الدوام فأُعطي حكم الصفة، وليس منها حقيقة، والمختار خلافه.
قوله:
(المعدَّى)
أي لواحد، والمراد العمل صورة، وإلا فمنصوبه مفعول به حقيقة، ومنصوبها شبيه به أو تمييز.
قوله:
(على الحد)
حال من المستكن في لها الواقع خبراً عن عمل.
قوله:
(وهو أنه لا بد الخ)
لم يذكر كونها للحال أو للاستقبال للزومه للدوام المدلول لها فلا معنى لاشتراطه فيها وإنما يشترط الاعتماد لعملها النصب على التشبيه بالمفعول به كما أشار إليه بقوله: المعدى أما عمل الرفع أو نصب آخر فلا يتوقف على ذلك الحد كما أن اسم الفاعل كذلك، قال في النهاية: وهي تنصب المصدر والحال والتمييز والمستثنى والظرفين والمفعول له ومعه والمشبه بالمفعول به وفي موضع آخر أنها لا تنصب المصدر ا هـ يس.
قوله:
(وسبق الخ)
---
هذان مما تخالف الصفة فيه اسم الفاعل، وهما عدم تقدُّم معمولها، وكونه ذا سببية أي ذا تعلق وارتباط بموصوفها لاشتماله على ضميره كما سيبين، وتقدم منه تصريحاً وتلويحاً أربعة هي: استحسان الجر بها، وصوغها من اللازم، وكونها للدوام وعدم لزوم جريها على المضارع، ويؤخذ واحد من قوله الآتي: وما اتصل بها الخ وهو أنه لا يفصل معمولها منها منصوباً كان أو مرفوعاً بخلاف اسم الفاعل كزيد ضارب في الدار أبوه عمراً وبقي أشياء في التصريح وغيره.
قوله:
(فلم يجز تقديم معمولها)(2/99)
أي الشبيه بالمفعول به لأنه الذي يفترقان فيه أما المرفوع والمجرور فلا يتقدمان مطلقاً لأنه فاعل أو مضاف إليه، وأما المنصوب على وجه آخر فيقدم مطلقاً كزيد بك واثق وفرح.
قوله:
(كما جاز في اسم الفاعل)
أي لأنه يجوز تقديم مفعوله إلا إذا كان هو بأل أو مجروراً بإضافة أو حرف أصلي كهذا غلام قاتل زيداً، ومررت بضارب زيداً فيمتنع تقديم زيد لا في نحو: لست بضارب زيداً لزيادة الجار.
قوله:
(فلا تقول زيد الخ)
أي بنصب الوجه على التشبيه بالمفعول. أما رفعه مبتدأ ثانياً على تقدير الوجه منه حسن فليس مما نحن فيه.
قوله:
(إلا في سببي)
---
أي إذا عملت النصب على التشبيه بالمفعول، وكذا الجر لأنه فرعه فلا بد من كون معمولها سببياً، أما المنصوب على وجه آخر أو المرفوع فلا يشترط فيهما ذلك لأن عملها فيهما بالحمل على الفعل لا بشبه اسم الفاعل فيجوز كونهما أجنبيين نحو: أحسن الزيدان وما قبيح العمران وزيد بك فرح، نعم يجب ذلك في مرفوعها إذا جرت على موصوف نحو: زيد حسن وجهه، كما أن اسم الفاعل كذلك كزيد قائم أبوه فلا مخالفة بينهما إلا في التشبيه بالمفعول كما مر. والمراد بالسببي ما ليس أجنبياً من الموصوف فيشمل ما هو مشتمل على ضمير الموصوف، ولو تقديراً كحسن الوجه أي منه، وقيل أل خلف عن الضمير ويشمل الضمير نفسه. فيجوز كما في التسهيل كون معمولها ضميراً بارزاً متصلاً، وصوره ثلاثة لأنه: إما متصل بالصفة مع أل كالحَسَن الوجه الجميلة، أو بدونها كقوله:
307 ــــ حسنُ الوَجْهِ طَلْقُهُ أنتَ في
السِّلم وفي الحرب كَالِحٌ مْكَفَهِرُّ(2/100)
فأعمل طلق في الهاء المضاف إليها وأصلها النصب لأنها ليست أجنبية من الموصوف لعودها على الوجه المشتمل على خلف الضمير وهو أل، وإما مفصول منها بضمير آخر مع خلِّوها من أل كقريش نجباء الناس ذرية وكرامهم ومحل الضمير جر في الثانية لخلو الصفة من أل مع مباشرتها له، ونصب على التشبيه بالمفعول به في الباقيين، وأما انفصال الضمير منها مع قرنها بأل فلم يذكره أحد لعدم جوازه.
قوله:
(مع أل)
حال من الضمير المجرور بالباء، ودون أل عطف عليه ومصحوب أل بالنصب تنازعه الثلاثة قبله فأعمل فيه الأخير، وحذف ضميره مما قبله لكونه فضلة.
قوله:
(من أحوال ستة)
---(2/101)
بقي ستة أخرى: وهي كون المعمول موصولاً كحسن ما تحت نقابه، أو موصوفاً يشبهه في كون صفته كحسن نوال أعطاه، أو مضافاً إلى أحدهما كحسن كل ما تحت نقابه وكل نوال أعطاه، أو مضافا إلى ضمير يعود على مضاف لمضاف لضمير الموصوف كمررت بامرأة حسن وجه جاريتها جميلة أنفه، فهاء أنفه راجعة للوجه المضاف للجارية المضافة لضمير الموصوف، أو مضافاً إلى ضمير معمول صفة أخرى كمررت برجل حَسَن الوجنةِ جَميلٍ خالُها، والفرق بين هذه والتي قبلها أنه لا يشترط في الأولى كون مرجع الضمير معمولاً لصفة أخرى كزيد عبد ابنه حسن وجهه، بخلاف هذه، فتكون صور السببي اثني عشر وكلها تدخل في كلام المصنف لأن قوله مصحوب أل واحد، وقوله مضافاً يشمل ثمانية ذكر الشارح منها أربعة فقط، والمجرد يشمل ثلاثة ذكر الشارح أنها أربعة فقط، والمجرد يشمل ثلاثة ذكر الشارح منها واحداً، وترك الموصول والموصوف تضرب هذه الاثنا عشر في كون الصفة بأل، أولاً يحصل أربعة وعشرون في أحوال إعراب المعمول الثلاثة تبلغ اثنين وسبعين ضعف ما ذكره الشارح وهي التي جدولها الأشموني، ويزاد عليها صور كون المعمول نفسه ضميراً تبلغ خمسة وسبعين. ثم إن الصفة إما مفردة أو مثناة أو مجموعة بسلامة أو تكسير مذكرة أو مؤنثة فتلك ثمانية، ومعمولها كذلك فتلك أربعة وستون في أحوال إعراب الصفة الثلاثة، فتلك مائة واثنان وتسعون في الخمسة والسبعين المارَّة، تبلغ أربعة عشر ألفاً وأربعمائة. يتعذر منها مائة وأربعة وأربعون لأن الصور الثلاثة من كون المعمول نفسه ضميراً لا تتعدد في جمعي التصحيح والتكسير بل مطلق جمع فقط فيسقط منها ثلاثة جمع التصحيح مثلاً مذكرا، ومؤنثاً بستة في أحوال الصفة الثمانية أي كونها مفردة الخ، بثمانية وأربعين في أحوال إعراب الصفة بمائة وأربعين فهي المتعذِّرة، والباقي منه الجائز والممتنع. وستعلم ضابطه هذا ما ذكره المصرح وغيره. وعند التأمل تزيد الصور على ذلك كثيراً لأن أنواع(2/102)
---
السببي الاثني عشر منها ستة في كونه مضافاً للضمير أو لما هو مشتمل عليه وعلى كل منها مرجع الضمير إما بأل أولا، ويختلف في بعضها كما يعلم مما يأتي فتكون أنواع السببي ثمانية عشر في أحوال إعرابه بأربعة وخمسين في كون الصفة بأل أولا، بمائة وثمانية ثم ثلاثة كون المعمول ضميراً. أما مرجعه بأل أولا بستة فالجملة مائة وأربعة عشر تضرب في المائة والاثنين والتسعين المارة تبلغ أحداً وعشرين ألفا وثمانمائة وثمانية وثمانين يتعذر منها ضعف ما مر لأنه يضرب في كون المرجع بأل أولاً، فتأمل والله أعلم.
قوله:
(إما أن يرفع)
أي على الفاعلية للصفة. وجوز الفارسي كونه بدل بعض من ضمير مستتر في الصفة حيث أمكن.
قوله:
(أو ينصب)
أي تشبيهاً بالمفعول به إن كان معرفة، وعليه أو على التمييز إن كان نكرة.
قوله:
(أو مجرداً)
تحته ثلاث صور: الموصول والموصوف وغيرهما كما مر.
قوله:
(يدخل تحت قوله مضافاً الخ)
كذا يدخل تحته المضاف للموصول، أو للموصوف أو لضمير عائدٍ على مضاف لمضاف لضمير الموصوف، أو لضمير معمول صفة أخرى فتحته ثمان صور كما مر.
قوله:
(أربع مسائل)
---(2/103)
أي من العدد الذي ذكره هو، وهي تسعة من الاثنين والسبعين المارة عن الأشموني، وضابطها كل ما لزم عليه إضافة الصفة المُحَلاَّة بأل إلى الخالي منها، ومن الإضافة لتاليها، ولضمير تاليها كما صرح بهذا في التسهيل. وإنما يكون هذا من الأنواع المارة باعتبار صدقه على المضاف لضمير معمول صفة أخرى. فهذه ثلاثة تسقط من أنواع السببي الاثني عشر يبقى ما ذكر، ثم تزيد باعتبار الضروب المارة ووجه المنع لزوم إضافة المعرفة للنكرة في نحو: الحسنى وجه ووجه أب لأن أل في الصفة المشبهة معرفة على الأصح، ولأن هذه الإضافة لا تفيد تخفيفاً في نحو: الحسن وجهه أو وجه غلامه، أو ما تحت نقابة أو نوال إعطائه كما مر في بابها. وظاهر أن محل المنع حيث لم تكن الصفة مثناةً، ولا مجموعة وإِلاَّ جاز لحصول التخفيف بحذف النون كما مر.t وما سوى ذلك جائزٌ كما يفيد قوله وما لم يخل الخ، مع قوله: فارفع بها إلخ، أي وما لم يخل من أل لا من الإضافة لتاليها ولو بواسطة ضميره فهو بجواز الجر وسماً. فهذه ثلاث صور تضم للرفع والنصب في صور السببي الاثنى عشر بسبعة وعشرين تضم للستة والثلاثين التي في خلوِّ الصفة من أل، فالجملة ثلاث وستون كلها جائزة لكن فيها الضعيف وغيره، ثم تزيد.
قوله:
(الحسن وجهه)
ينبغي أن محل منعها إذا كان الموصوف بغير أل كزيد، وإِلاَّ جاز الجر كمررت بالرجل الحسن وجهه لأن معمول الصفة حينئذٍ مضاف لضمير ما فيه كما مر عن التسهيل ومنه قوله:
308 ــــ سَبَتْني الفتاةُ البَضَّةُ المتجردِ الـ
لطيفةُ كشحِه وما خِلْتُ أَن أُسْبَى
---(2/104)
بجر كشحه لإضافته لضمير ما فيه أل وهو المتجرد أي البدن إذا تجرد عن ثيابه، والبضة بفتح الموحدة وشد الضاد المعجمة رقيقة الجلد ممتلئته، والكشح ما بين الخاصرة والضلع، ومر في الإضافة أن المبرد يمنع هذه الصورة وفي الصبان عن سم أن مثل ذلك في هذا التفصيل نحو: الحسن وجه أبيه الحسن كل ما تحت نقابة الحسن وجه جاريتها الجميلة أنفه، فمحل منع جرها إذا كان الموصوف خالياً من أل كزيد وهند وإلا جاز ا هـ وفيه نظر ظاهر لما مر في الإضافة من اشتراط أن لا يكون بين الوصف وذي أل أكثر من اسم واحد حتى صرحوا بامتناع: الضارب رأس عبد الجاني، فضمير المحلى بها في نحو الرجل الحسن وجه أبيه أولى بذلك، وكذا ما بعده فتأمل.
قوله:
(يجوز جره كما يجوز الخ)
لكن منه القبيح، وضابطه أن ترفع الصفة بأل أولاً نكرة وذلك أربعة: الحسن وجه، أو وجه أب، وحسن وجه أو وجه أب لخلو الصفة لفظاً عن ضمير الموصوف. وإنما جازت لتقدير الضمير فيها ودونها في القبح رفع المعمول بأل أو مضافاً لما هي فيه وهو أربعة أيضاً: الحسن الوجه أو وجه الأب أو حسن الوجه أو وجه الأب لأن أل خلف عن الضمير فتقوم مقامه في رفع بعض القبح، ومنه الضعيف وضابطه أن تنصب الصفة المنكرة المعارف مطلقاً، وهي ثمانية من صور السببي كحسن الوجه أو وجه الأب أو وجهه أو وجه أبيه، أو ما تحت نقابه، أو تجرها سوى المعرف بأل والمضاف لتاليها كحسن وجهه، أو ما تحت نقابه ووجه الضعف في الأولى أنها لا تقوى قوة المصوغ من المتعدِّي، وفي الثانية ما فيها من شبه إضافة الشيء لنفسه، فتأمل والله أعلم.
التعجب
هو انفعال في النفس عند شعورها بما يخفى سببه. ولذا يقال: إذا ظهر السبب بطل العجب. ولا يطلق على الله تعالى متعجب لأنه لا يخفى عليه شيء وما ورد منه في الشرع فإما مصروف إلى المخاطبين نحو: فَمَا أَصْبَرَهُم عَلَى النَّارِ}
---
(البقرة:175)(2/105)
أي يجب أن يتعجب من ذلك، وإما مراد لازمه وهو الرضا والتعظيم كحديث «عجب ربنا من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل» أي وهم أسارى المشركين يؤل أمرهم إلى الإسلام فيدخلون الجنة.
قوله:
(تعجباً)
مفعول لأجله كما يشير له قول الشارح بعد ما للتعجب، أو حال من فاعل انطق، أي ذا تعجب أو متعجباً.
قوله:
(للتعجب صيغتان)
أي المبوّب لهما عند النحاة وإلا فله صيغ كثيرة يبوّب نحو: كَيْفَ تَكْفُرُونَ بالله}
(البقرة:28)
(سبحان الله أن المؤمن لا ينجس). لله دره فارساً، وغير ذلك وسيأتي في باب نعم وبئس صيغة وهي فعُل بالضم كشرف وظرف.
قوله:
(فما مبتدأ)
ويجب تقديمه إجماعاً لجريانه مجرى المثل فلا يغير.
قوله:
(نكرة تامة)
أي غير موصوفة بالجملة بعدها لأن التعجب. إنما يكون فيما يجهل سببه فيناسبه التنكير والمسوّغ للابتداء قصد الإبهام كما في التسهيل.
قوله:
(ضمير مستتر)
أي وجوباً عائد على ما ولذا أجمعوا على أسميتها، ويجب إضماره مفرداً مذكراً غالباً لا يتبع بتابع.
قوله:
(والتقدير الخ)
---(2/106)
هذا باعتبار الأصل، ثم نقل لإنشاء التعجب من حسنه، وانمحى عنه معنى الجعل فجاز استعماله في التعجب مما يستحيل كونه مجعولاً كصفاته تعالى وفاقاً للسبكي وجماعة نحو: ما أقدر الله وما أعظمه لأنه اقتصر من اللفظ على ثمرته وهى التعجب سواء كان مجعولاً وله سبب أو لا كما قاله الرضي، فلا يرد أنه تعالى عظيم لا بجعل جاعل لانمحاء هذا المعنى فلم ينظر إليه أصلاً على أنه لو كان منظوراً إليه لقلنا: معنى شيء أعظم الله شيء وصفه بالعظمة، أي دل عليها وهو مصنوعاته أو ذاته أي أنه تعالى عظيم لذاته لا لشيء جعله عظيماً. والتعجب على هذا حقيقة كما نقل عن ابن حجر وغيره، وكذا على الوجه الأول وكونه منقولاً إلى إنشاء التعجب كما مر عن الرضي ولا يقتضي كونه مجازاً لأن ذلك التقدير بيانٌ لما حق التركيب أن يكون مفيداً له وإلا فالعرب لم تقصد منه هذا المعنى كما قالوا في أصل: قال، قول: أي ماحق التركيب أن يكون عليه، وإن لم ينطق به فاستعماله في التعجب حقيقة لغوية في صفاته تعالى وغيرها فتأمل. أما إذا أريد به في جانبه تعالى الإخبار بأنه في غاية العظمة، وأن عظمته مما تحار فيها العقول لقصد الثناء عليه بذلك، فمجاز.
قوله:
(ففعل أمر)
أي صورة ماض حقيقة والمجرور بعده فاعله على المختار وأصله: أحسن زيد بهمزة الصيرورة أي صار ذا حسن فهو في الأصل خبر ثم نقل إلى إنشاء التعجب فغيَّروا لَفظَه من الماضي إلى الأمر ليكون بصورة الإنشاء، فقبح إسناد صيغة الأمر إلى الظاهر، فزيدت الباء في الفاعل ليكون بصورة المفعول به كأمر بزيد رفعاً للقبح، فلزمت إلا إذا كان الفاعل أن وصلتها كقوله:
309 ــــ وأحبب إلينا أن تكونَ المُقُدَّمَا
أي بأن تكون لإطراد الحذف معها، وصار في حكم الفضلة فلم يؤنث الفعل له، وجاز حذفه للقرينة كما سيأتي، وأما الباء في فاعل كفى فلا تلزم كقوله:
310 ــــ يا ما أميْلحَ غزلاناً شَدَنَّ لَنَا
---
فشاذّ لا يدل للاسمية.
قوله:(2/107)
(ومستبدل الخ)
مجرور بواو رب، والغضبى بمعجمتين فموحدة بوزن سلمى المائة من الإبل كما في الصحاح، وتعقبه في القاموس بأنه تصحيف، والصواب أنه بالمثناة التحتية، بدل الموحدة، وصريمة تصغير صرمة وهي نحو الثلاثين من الإبل وقوله: وأحر بالمثناة التحتية، أي به حذف فاعله لدلالة الأول عليه. ومن طول فقر بيان للضمير أي ما أحرى ذلك المستبدَل وما أحقه بطول الفقر.
قوله:
(لكونه مفعولاً)
لكنه خالف المفاعيل في عدم حذفه إلا لدليل، ولا يتقدم على عامله ولا يفصل بينهما إلا بالظرف. ويجب كونه معرفة أو نكرة مختصة ليكون للتعجب منه فائدة، وكذا فاعل أفعل.
قوله:
(نكرة موصوفة)
هو قول للأخفش أيضاً وله قول ثالث كقول سيبويه، وهو الصحيح المار.
قوله:
(يضح)
بكسر المعجمة أي يتضح والمراد به مطلق الظهور لأنه لا يشترط الوضوح الحقيقي قيل: ولا يبعد قراءته بالمهملة.
قوله:
(يجوز حذف المتعجب منه)
أي من وصفه أو فعله لأن التعجب إنما هو من ذلك لا من ذاته سم. وإنما يحذف إذا كان ضميراً لا في نحو: ما أحسن زيداً أو أحسن بزيد، لعدم الدليل عليه، ولا في نحو: زيد ما أحسن زيداً، لئلا تفوت نكتة الإظهار في مقام الإضمار وهي التفخيم.
قوله:
(فحذف بهم)
أي لأن لزوم جره كساه صورة الفضلة وإن كان فاعلاً، وقيل: لم يحذف بل استتر بعد حذف الباء.
قوله:
(فذلك أن يلق الخ)
التمثيل به لجواز الحذف في: أفعل به يقتضي أن الشرط وجود مطلق دليل على المحذوف وهو الأوجه وقيل: يشترط عطفه على مثل المحذوف كالآية، فهذا البيت شاذ.
قوله:
(من ذي ثلاث)
أي من مصدر فعل ذي ثلاث، وقابل صفة لفعل المقدر أو حال.
قوله:
(سبعة شروط)
---
لم يعد الفعل شرطاً لأنه جعله موضوع الشروط فلا يصاغان مما لا فعل له كالحمار، قيل والجلف. فلا يقال ما أحمره، وما أجلفه لكن في القاموس جَلَف جَلْفاً كفرح فرحاً، وجلافة صار جافياً غليظاً، فأثبت له الفعل فيجوز: ما أجلفه.
قوله:
(مما زاد عليه)(2/108)
وشذ: ما أتقاه، وما أملأ القربة من: اتقى وامتلأ، واختلف في أفعل كأكرم وأظلم فأجازه سيبويه مطلقاً، واختاره في التسهيل، وقيل: إن كان همزته لغير النقل نحو: ما أظلم الليل، وقيل بالمنع مطلقاً.
قوله:
(متصرفاً)
أي تصرفاً تاماً ليخرج نحو: يدع ويذر.
قوله:
(للمفاضلة)
أي الزيادة والنقص، ويظهر ذلك في أوصافه تعالى من حيث أن مطلق العلم والقدرة مثلاً قابل لذلك وإن كانت في جانبه تعالى لا تقبله.
قوله:
(منفياً)
أي لالتباسه بالمثبت.
قوله:
(ما عاج الخ)
مضارعه يعيج أن ينتفع أما عاج يعوج بمعنى مال يميل فيجىء في الإثبات أيضاً ومجيء الأول في الإثبات نادر كقوله:
311 ــــ وَلَمْ أرَ شَيْئاً بَعْدَ لَيْلَى الَذُّهُ
ولا مشرباً أُرْوَى بِهِ فَأعِيجُ
أي فانتفع.
قوله:
(أن لا يكون الوصف منه على أفعل)
أي لالتباس أفعل التفضيل بوصفه. فمنعوه هو والتعجب لاشتراكهما في أمور كثيرة.
قوله:
(فلا تقول ما أسوده)
وكذا: ما أسمر عمراً، وما أصفر هذا الطائر، وما أبيض هذه الحمامة، وما أحمر هذا الفرس، إن أردت اللون في كل ذلك. فإن أردت السيادة والسمر أي الحديث ليلاً وصفير الطائر وبيض الحمامة ونتن فم الفرس جاز إسقاطي أي لأنه يقال: حَمِر البرذون بالكسر يَحْمرُّ حمراً كفرح يفرح فرحاً إذا أنتن فوه من أكل الشعير، وإذا عُيِّرَ أحد بالبخل يقال له: يا فا فرس حمر أفاده في الصحاح.
قوله:
(لئلا يلتبس)
فإن أمن اللبس جاز كما في التسهيل بأن كان الفعل ملازماً للبناء للمجهول فتقول: ما أعناه بحاجتك، وما أزهاه علينا وكذا إن قامت قرينة على أنه من فعل المفعول.
قوله:
(وأشدد)
---
بوزن أسمع بهم وأشد بفتح الهمزة والشين وفعلهما شد الثلاثي كما ذكره الناظم في شرح العدة لا اشتد حتى يرد أنهما شاذان فكيف يتوصل بهما إلى القياس، وأما أشد الرباعي فلم يسمع إلا ما قاله في الصحاح والقاموس: أشد الرجل إذا كان معه دابة شديدة، ويبعد أن يبنى منه نحو: ما أشد استخراجه.(2/109)
قوله:
(يخلف ما الخ)
وكذا يخلف ما استكمل الشروط كما أشد ضربه، ولا يرد هذا عليه لأن مراده ما يخلف وجوباً.
قوله:
(ومصدر العادم)
أي مصدر الفعل الفاقد بعض الشروط ينتصب الخ وذلك شامل للمنفي والمجهول إلا أن مصدرهما يكون مؤولاً لا صريحاً كما أكثر أن لا يقوم، وما أعظم ما ضرب زيد، وأشدد بهما. وأما الجامد والذي لا يتفاوت فلا يتعجب منهما ألبتة ا هـ. لكن الأولى في المنفي المصدر الصريح نحو: ما أكثر عدم قيامه. واعلم أن أشد ونحوه قد يكون للتعجب ابتداء نحو: ما أكثر إبله، وما أشد عبده فلا يؤتى بالمصدر بعده.
قوله:
(أو بحرف جر)
أو مانعة خلو فَتُجُوِّزَ الجمعُ قياساً على نظائره مما مر. وإن اقتضى كلام الدماميني خلافه ا هـ صبان.
قوله:
(بأجنبي)
المراد به غير المفعول في: ما أحسن زيداً، وغير الفاعل في: أفعل به فيشمل الحال فلا يفصل به على المختار فلا تقول: ما أحسن جالساً زيداً، ولا أحسن جالساً بزيد.
قوله:
(ولا فرق في ذلك بين المجرور)
أي المعمول لغير فعل التعجب. كما مثله بقوله: نحو ما أحسن بزيد ماراً فإن الجار متعلق بماراً لا بأحسن، ومثله: أحسن عندك بجالس أما المعمول ففيه الخلاف الآتي.
قوله:
(والمشهور الخ)
محل الخلاف ما لم يكن في المعمول ضمير يعود على المجرور ولا تعيَّن الفصل كما أحسن بالرجل أن يصدق، وما أقبح به أن يكذب وقوله: خليلي ما أحرى، البيت نقله في النكت عن أبي حيان ففي تمثيل الشارح بذلك لمحل الخلاف نظر إلا أن يقال هو تمثيل لمجرد الفصل بلا نظر للخلاف.
قوله:
(عمرو بن معد يكرب)
---
صحابي من فرسان الجاهلية والإسلام قتل سنة إحدى وعشرين من الهجرة.
قوله:
(في الهيجاء)
بالمد والقصر أي الحرب، واللزبات بفتح اللام وسكون الزاي جمع لزبة وهي الشدة والقحط، والمكرمات جمع مكرُمة بضم الراء فيهما أي الكرم.
قوله:
(أعزز علي)(2/110)
تمثيل للفصل بالمجرور وهو على لأن الأصل أعزز بأن أراك كذا على أي ما أعز ذلك وأشده علي وفيه الفصل أيضاً بالنداء وهو أبا اليقطان فهو شاهد لجوازه.
قوله:
(خليلي ما أحرى الخ)
الأصل: ما أحرى أن يرى ذو اللب صبوراً أي: ما أحق الرؤية صبوراً بصاحب العقل، فإن يرى مفعول أحرى فصل بينهما بذي اللب، وهو فصل واجب لمكان الضمير في يرى كما مر، ومثله قوله:
312 ــــ أخلقْ بذي الصَّبر أنْ يَحْظَى بحاجَتهِ
ومُدْمِنِ القَرْعِ للأبوابِ أن يَلِجَا(3)
فإن يحظى فاعل بأخلق حذفت منه الباء، وفصل بينهما بذي الصبر وجوباً، والأصل: أخلق بأن يحظى الصابر بحاجته أي ما أحق الفوز بالمطلوب بالصابر وما أحق الولوج أي الدخول لمدمن قرع الأبواب أي الملازم له، والله تعالى أعلم.
نعم وبئس وما جرى مجراهما
أي في إفادة المدح والذم كحبذا وساء ومجرى بفتح الميم لأن فعله جرى الثلاثي ولو قال: وماأجرى بالهمز لوجب ضمها. واعلم أنهما يستعملان تارة للإخبار بالنعمة والبؤس فيتصرفان كسائر الأفعال تقول: نعم زيد بكذا ينعم به فهو ناعم، وبئس زيد يبأس فهو بائس، وأخرى لإنشاء المدح والذم فلا يتصرَّفان لما سيأتي وهو المراد هنا.
قوله:
(فعلان)
خبر مقدم عن نعم وبئس، وغير صفته، ورافعان خبر لمحذوف أي هما رافعان لا نعت ثان لفعلان لأن المبتدأ فاصل بينهما وهو أجنبي من المنعوت ومقارني أل صفة لاسمين أي أل المعرفة لأنها المرادة عند الإطلاق فخرج لفظ الجلالة والذي.
قوله:
(يرفعان)
عطف على رافعان من عطف الفعل على الاسم المشبه له.
قوله:
(إلى أنهما اسمان)
---(2/111)
أي بمعنى الممدوح والمذموم، وبنيا على الفتح لتضمنهما معنى الإنشاء وهو من معاني الحروف، ولا يراد أن المفيد له الجملة بتمامها لأنهما العمدة في إفادته فهما مبتدآن، وما كان فاعلاً على القول الأول بدل على هذا أو عطف بيان، والخبر هو المخصوص، ويحتمل العكس، والمعنى الممدوح الرجل زيد أفاده في البسيط قال سم: ويبقى النظر في نحو: نعم رجلاً زيد فيحتمل أن رجلاً تمييز للنسبة التي في ضمن نعم لكونها بمعنى الممدوح أي الممدوح من جهة الرجولية، أو هو حال ثم قياس ما ذكر جر الولد ونحوه فيما استدلوا به لأنه تابع للمجرور أي ما هي بالممدوح الولد، فإن كان مروياً بالرفع فلعلَّه مقطوع عما قبله.
قوله:
(على بئس العَيْر)
بفتح العين المهملة وسكون التحتية هو الحمار وجمعه أعيار كبيت وأبيات الأنثى عيرة.
قوله:
(ما هي بنعم الولد الخ)
قاله حين بُشِّر ببنت.
قوله:
(نصرها بكاء)
أي أنها إذا أرادت أن تنصر أباها مثلاً على أعدائه لا تقدر على الدفع عنه بنفسها بل تصرخ لتستغيث بالناس، وبرها بكسر الباء، وبالراء أي إذا أرادت أن تبر أحداً سرقت له من زوجها أو غيره، ويحتمل أنه بفتح الباء وبالزاي بمعنى السلب والأخذ قهراً ومنه قولهم: من عزيز أي من غلب أخذ السلب أي أنها لا تقدر على الأخذ قهراً جهاراً كالرجل بل سرقة خفية.
قوله:
(لا يتصرفان)
أي لخروجهما عن أصل الأفعال من إفادة الحدث والزمان ولزومهما إنشاء المدح والذم على سبيل المبالغة، والإنشاء من معاني الحروف وهي لا تتصرف فكذا شبهها.
قوله:
(للجنس)
أي في ضمن جميع الأفراد فهي أل الاستغراقية كما عبر به بعضهم. وقوله حقيقة أي أنه أريد بمدخولها جميع أفراد الجنس حقيقة.
قوله:
(من أجل زيد)
---(2/112)
أي فالجنس كله ممدوح تبعاً لزيد، والمقصود بالمدح زيد فقط فكأنه قيل: ممدوح جنسه لأجله، وقيل مدح الجنس كله الشامل لزيد بطريق القصد حتى لا يتوهم كون ذلك المدح طارئاً على زيد وإن جنسه ناقص، بل استحقاقه له لاستحقاق جنسه له، وعلى كلِّ يلزم المناقضة في قولك: نعم الرجل زيد وبئس الرجل عمر، ولأن الجنس الواحد صار ممدوحاً ومذموماً معاً، وأجيب باختلاف جهتي المدح والذم، ولا تناقض مع اختلاف الجهة.
قوله:
(مجازاً)
أي مرسلاً من إطلاق العام على الخاص لأن وضع الاستغراقية العموم. وقد أريد بها فرد معين بإدعاء أنه جميع الجنس لجمعه ما تفرق في غيره من الكمالات، أو بالاستعارة بأن يشبه زيد بجميع الأفراد بجامع الإحاطة في كل فغير هذا الفرد ليس ممدوحاً لا قصداً، ولا تبعاً.
قوله:
(للعهد)
أي الذهني لأن مدخولها فرد مبهم كادخل السوق واشترِ اللحم، ثم فسر ذلك الفرد بعد إبهامه بزيد مثلاً تفخيماً للمدح والذم، وقيل للعهد الخارجي، والمعهود هو المخصوص فكأنك قلت زيد نعم هو فوضع الظاهر موضع الضمير لزيادة التقرير والتفخيم وهذا ظاهر إن قدم المخصوص كما ذكر وكذا إن أخر وأعرب مبتدأ خبره الجملة قبله لتقدمه رتبة لا إن أعرب خبر المحذوف، أو مبتدأ خبره محذوف، ولا تنافي بين العهد والإنشاء لتعلق الإنشاء بالمدح وهو فعل الشخص المادح والعهد بالممدوح.
قوله:
(مضافاً إلى ما فيه أل)
أي أو مضافاً لمضاف لما فيه أل كقوله:
313 ــــ فنعم ابنُ أُخْتِ القَوْمِ غَيْرَ مُكَذَّبٍ
وأما كونه مضافاً لضمير ما هي فيه كقوله:
314 ــــ فنِعْمَ أخُو الهَيْجَا وَنِعْمَ شَبَابُها
فالصحيح لا يقاس عليه، وإضافته للنكرة ضرورة عند الجمهور كقوله:
315 ــــ فنعم صاحبُ قَوْمٍ لا سِلاَحَ لَهُمْ
قوله:
(أن يكون مضمراً)
---(2/113)
أي مستتراً لازما للإفراد فلا يبرز في تثنية ولا جمع استغناء بجمع تمييزه، وشذَّ قول بعضهم: نعموا قوماً، كما شذ جره بالباء الزائدة في: نعم بهم قوما كما حكاه الفارضي، ويجب عوده لما بعده وهو التمييز فهو مما يعود على متأخر لفظاً ورتبة كما مر. ولا يتبع بتابع لأن لفظه ومعناه لا يتضحان إلا بشيء منتظر بعد، وشذ تأكيده في: نِعْمَ هم قوماً أنتم، ومثله في كل ذلك ضمير الشأن وهل إذا فسر بمؤنث تلحقه التاء وجوباً كنعمت امرأة هند، أو جوازاً، أو تمتنع أقوال.
قوله:
(مُفَسَّراً بنكرة)
أي عامة متكثرة الأفراد فلا يجوز: نعم شمساً هذه الشمس إذ لا ثاني لها أما نعم شمساً شمس هذا اليوم فيجوز لتعددها بتعدد الأيام، ومن أحكام هذا التمييز وجوب تأخيره عن العامل وتقديمه على المخصوص، وشذ: نعم زيد ومطابقته للمخصوص إفراداً وتذكيراً وغيرهما، وقبوله أل المعرفة لأنه خلف عما يجب قرنة بها وهو الفاعل فاعتبر صلاحيته لها فخرج مثل وغير وأفعل من، وجوِّز المصنف حذفه إذا فهم المعنى كقوله(3) صلى الله عليه وسلّم: ونعمت أي فبالسنة أخذ ونعمت خصلة تلك الفعلة، وهي الوضوء يوم الجمعة.
قوله:
(ومعشره مبتدأ)
أي خبره الجملة قبله على ما سيأتي، والرابط إعادة المبتدأ بمعناه إن أريد بالمستتر معهود معين وهو المخصوص، وعمومه للمبتدأ وغيره إن أريد به الجنس.
قوله:
(وهو الفاعل)
أي وأغنى ذلك الفاعل عن المخصوص.
قوله:
(تمييز)
أي محوّل عن الفاعل، والأصل: نعم القوم معشره فحول إسناد نعم عن القوم إلى معشره فنصب القوم تمييزاً بعد تنكيره وكذا: نعم رجلاً زيد.
قوله:
(بئس الظالمين بدلاً الخ)
تمييز للفاعل المستتر والمخصوص محذوف لعلمه مما قبله أي إبليس وذريته.
قوله:
(لنعم موئلاً)
أي ملجأ تمييز للضمير المستتر المولى هو المخصوص، والإِحَن بكسر الهمزة وفتح المهملة جمع إِحْنَة بكسر فسكون وهي الحقد.
قوله:
(تقول عرسي)
---(2/114)
أي زوجتي والعومرة بالعين المهملة الصياح والصخب، ولي بمعنى معي، والشاهد في بئس امرأ وأما المرة بفتح الميم والراء لغة في المرأة ففاعل، بئس الثانية لأنها بأل وحذف المخصوص من كل منهما للإشعار به أي: بئس امرأ أنت وبئس المرأة أنا.
قوله:
(وفاعل)
بالجر عطف على تمييز أو جملة ظهر صفة فاعل.d
قوله:
(لا يجوز)
أي لعدم إبهام الظاهر حتى يميز وتأوّلوا ما ورد بجعل المنصوب حالاً مؤكدة، أو ضرورة ورد بأن رفع الإبهام غير لازم للتمييز فقد يرد لمجرد التأكيد كقوله:
316 ــــ ولقد علمتُ بأنَّ دينَ مُحمَّدٍ
مِنْ خير أَدْيانِ البَرِيَّةِ دِينَا(3)
فكذا ما ورد من هذا.
قوله:
(والتغلبيون)
نسبة لتغلب بالغين المعجمة كتضرب لكن تفتح لامه في المنسوب لثقل كسرتين مع ياء النسبة، وقد تكسر كما قاله الجوهري وهم قوم من نصارى العرب بقرب الروم منهم الأخطل، وقد هجاه جرير بهذا البيت وأراد بالفحل الأب وهو فاعل بئس، وفحلاً تمييز مؤكد له، وفحلهم هو المخصوص، ويؤخذ منه أنه لا يجب تقديم تمييز الظاهر على المخصوص. وهو كذلك بخلاف مميز الضمير كما مر والزَلاَّء بفتح الزاي وشد اللام المرأة اللاصقة العجز الخفيفة الألية، والمنطيق صيغة مبالغة من النطق يستوي فيه المذكر وغيره، ومعناه البليغ لكن المراد هنا المرأة التي تعظم عجيزتها بإزارها قاله العيني. وفي القاموس المنطيق البليغ، والمرأة المتأزّرة بحشية تعظم بها عجيزتها. ا هـ وكان الثاني مأخوذ من النطاق وهو شقة تحتزم عليها المرأة وترسل أعلاها على أسفلها.
قوله:
(تزود الخ)
الشاهد في: زاداً آخر البيت فإنه تمييز لفاعل نعم الظاهر، وزاد أبيك هو المخصوص، وقيل زاداً مفعول تزود ومثل حال منه، وإن كان نكرة لتأخره فلا شاهد فيه.
قوله:
(فتقول نعم ما)
أي بلا إدغام الميمين.
قوله:
(نكرة منصوبة الخ)
---(2/115)
وهي إما ناقصة، والفعل بعدها صفتها، والمخصوص محذوف أي نعم وهو شيء بقوله: الفاضل ذلك الشيء أو تامة لا تحتاج لصفة والجملة بعدها وأما صفة لمخصوص محذوف أي نعم هو شيئاً شيء بقوله الخ أو صلة لما أخرى محذوفة هي المخصوص أي نعم شيئاً الذي يقوله الخ ولا يرد أنّ التامة تساوي الضمير إبهاماً فكيف تميزه لأنه يراد بها شيء له عظمة أو حقارة بحسب المقام فتكون أخص منه على أن التمييز قد يكون للتأكيد.
قوله:
(هي الفاعل)
أي فهي مستثناة من وجوب قرنه بأل.
قوله:
(وهي اسم معرفة)
أي إما تامة لا تحتاج لصلة، والجملة صفة لمخصوص محذوف أي: نعم الشيء شيء بقوله الخ، وإما موصولة بالجملة، والمخصوص محذوف أي: نعم الذي يقوله الفاضل ذلك القول، أو أغنت هي وصلتها عن المخصوص، ولا حذف وقيل هي نكرة تامة، أو موصوفة بالجملة على قياس ما مر. وقيل غير ذلك فإن وليها مفرد نحو فَنِعِمَّا هِيَ}
(البقرة:90)
فهي إما نكرة تامة تمييز للفاعل المستتر، أو معرفة تامة هي الفاعل، والمخصوص على كل ما بعدها أو هي مركبة مع الفعل. ولا موضع لها من الإعراب كحبذا وما بعدها فاعل فإن لم يلها مفرد ولا جملة، كدققته دقاً نعمّاً فهي إما معرفة تامة فاعل، أو نكرة تامة تمييز، والمخصوص على كل محذوف أي نعم الشيء أو شيئاً ذلك الدق.
قوله:
(يذكر بعد نعم الخ)
أي وجوباً على ظاهر كلامه هنا، وفي الكافية وغالباً على ما في التسهيل وهو الأرجح ويجب أيضاً كونه بعد تمييز الضمير لا الظاهر كما مر.
قوله:
(هو المخصوص)
شرطه مطابقة الفاعل معنًى ولو بالتأويل كـ بِئْسَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذِينَ}
(الجمعة:5)
أي مثل الذين وكونه معرفة أو قريباً منها، وأخص من الفاعل لا مساوياً له. ولا أعم ليحصل التفصيل بعد الإجمال فيكون أوقع في النفس ولذا وجب تأخيره.
قوله:
(والجملة قبله خبر عنه)
هذا مذهب سيبويه وهو الصحيح، والرابط عموم الفاعل أو تكرير المبتدأ بمعناه كما مر.
---
قوله:(2/116)
(وقيل هو مبتدأ الخ)
لم يحملوا المتن على هذا مع احتماله له لعدم صحته كما في شرح التسهيل لأن هذا الحذف لازم ولم نجد خبراً يلزم حذفه إلا ومحله مشغول بما يسدُّ مسدَّه، وبقي قول رابع بدل من الفاعل، ويردُّه أن البدل لا يلزم وهذ لازم، وأنه لا يصلح لمباشرة الفعل، وقد يقال: يغتفر في التابع كما في أنك: إنت قائم فإن أنت بدل مع عدم صلوحه لمباشرة إن ولا ضرر في لزومه لكونه المقصود بالحكم وإن كان تابعاً كما لزم تابع مجرور رب.
قوله:
(وإن يقدم مشعر الخ)
عبارته هنا وفي الكافية توهم منع تقديم المخصوص وأن المتقدم مشعر به فقط وإن صلح له حيث قال أولاً: ويذكر المخصوص بعد ثم قال: وإن يقدم الخ ثم مثل بمثال يصلح المقدم فيه لكونه مخصوصاً إذا أخر لأن العلم مبتدأ خبره بالجملة بعده وهو خلاف ما صرح به في التسهيل من جواز تقديمه، واختاره الموضح بشرط صلاحيته للتأخير. ولذا اعترض مثال المتن بأنه من تقديم المخصوص لا المشعر به إلا أن يجعل العلم مفعولاً بمحذوف أي الزم العلم أو خبر المحذوف أي الممدوح العلم أو عكسه، وجملة: نعم المقتنى، مستأنفة فيكون من تقديم المشعر لا المخصوص لعدم صلاحيته للتأخر كونه من جملة أخرى. ويراد بقوله ويذكر المخصوص بعد أي غالباً، وقوله وإن يقدم مشعر به أي بمعناه كفى عن ذكره مؤخراً أعم من كون المتقدم مخصوصاً إن صلح أو غيره إن لم يصلح، وإذا قدم المخصوص كان مبتدأ خبره الجملة بعده قولاً واحداً، ولا يأتي فيه الخلاف المتقدم.
قوله:
(مسجلاً)
أي مطلقاً عن التقييد بحكم دون آخر.
قوله:
(إلى أن كل فعل ثلاثي الخ)
من ذلك ساء فإن أصلها سوأ بالفتح فحول إلى فعل بالضم ليلتحق بأفعال الغرائز أي الطبائع وليصير قاصراً كبئس، وإنما أفردها بالذكر لكثرتها ولأنها للذم العام فهي أشبه ببئس من نحو حَمُق ولَؤُم لأنه ذم خاص، وقيل للإنفاق عليها دون فعل.
قوله:
---
(يجوز أن يبنى منه الخ)(2/117)
لكن بشرط صلوحه لبناء التعجب منه لكونه متصرفاً تاما إلخ لتضمنه معناه.
قوله:
(معاملة نعم الخ)
لكن فعل يخالفها ستة أمور اثنان في معناه إشرابه التعجب وكونه للمدح الخاص. واثنان في فاعله الظاهر جواز خلوه من أل نحو وَحَسُنَ أولئكَ رَفِيقاً}
(النساء:69)
وكثرة جره بالباء الزائدة تشبيهاً بأسمع بهم كقوله:
318 ــــ حَبَّ بالزُّورِ الذي لا يُرى
منه إلا صفحةٌ أو لمام
واثنان في فاعله المضمر: جواز عوده ومطابقته لما قبله، ففي: زيد كرم رجلاً يحتمل عود الضمير إلى رجلاً كما في نعم، وإلى زيد كما في فعل التعجب لتضمنه معناه وتقول: الزيدون كرم رجالاً على الأول وكرموا رجالاً على الثاني فقول المصنف: كنعم مسجلاً ليس على سبيل الوجوب في كل الأحكام، والكلام في غير ساء أما هي فتلازم أحكام بئس كما يشير له الشرح، واستظهره الدماميني قال: هذا إن تحقق كان وجهاً آخر لافرادها بالذكر.
قوله:
(لأن العرب الخ)
في كلام السيوطي أن الذي شذَّ في هذه الثلاثة بعض العرب، ومنهم من يحولها فيصح التمثيل بعلم.
قوله:
(ومثل نعم حبذا)
أي حب من حبذا مثل نعم في كونها نقلت لإنشاء المدح العام وفي الفعلية على الأصح والمضي والجمود، وتزيد بإشعارها بأن المحمود محبوب للنفس فلذا جعل فاعله ذا ليدل على الحضور في القلب، وتفارقها في جواز دخول لا عليها وفي لزومها هيئة واحدة وفي غير ذلك.
قوله:
(الفاعل ذا)
وهو كفاعل نعم لا يجوز اتباعه فإذا وقع بعده اسم كحبذا الرجل فهو مخصوص لا تابع لاسم الإشارة.
قوله:
(أخطأ عليه)
ضمنه معنى جار فعَدَّاه بعلى.
قوله:
(وجعلتا اسماً)
أي بمنزلة قولك: المحبوب، وغلب جانب الاسمية على الفعلية مع تركُّبه منهما لشرفها.
قوله:
(وأول ذا الخ)
---(2/118)
فعل أمر من أولى الشيء بالشيء إذا أتبعه لا بمعنى أعطِ كما قيل، وذا مفعوله الثاني، والمخصوص الأول أي اجعل المخصوص والياً ذا أي تابعاً له، وأيا اسم شرط منصوب خبراً لكان. وهي فعل الشرط، واسمها ضمير المخصوص، والجواب قوله: لا تعدل بذا حذفت فاؤه للضرورة.
قوله:
(بعد ذا)
فلا يجوز تقديمه على حبذا وإن قدم على التمييز كحبذا زيد رجلاً وحبذا رجلاً زيد. أما مخصوص نعم فيقدم على الفعل دون تمييز الضمير كما مر.
قوله:
(الصيف الخ)
مثل لمن يطلب الشيء بعد تفريطه فيه، والصيف بالنصب ظرف لضيعت بكسر التاء خطاباً بالمؤنث، وأصله أن امرأة طلقت زوجاً غنياً لكِبره وأخذت شاباً فقيراً فلما جاء الشتاء أرسلت للأول تطلب منه لبناً فقال ما ذكر أي ضيعت اللبن في زمن الصيف فكيف تطلبينه الآن فقالت: هذا ومذقه خير أي هذا الشاب ولبنه المخلوط بالماء خير من ذلك الشيخ الغني.
قوله:
(أو فجر)
الفاء زائدة لا عاطفة لأن العاطف لا يدخل على مثله أو هي في جواب شرط مقدر أي وإن شئت فجُرَّ.
قوله:
(ودون ذا)
حال من محذوف للعلم به أي وانضمام الحاء من حب حال كونها دون ذا كثر.
قوله:
(وجره بباء زائدة)
كما في فاعل فعل بالضم لأن حب عند تجردها من ذا تكون من بابه بخلاف فاعل نعم كما مر.
قوله:
(وجب فتح الحاء)
أي إن جعلتهما كلمة واحدة بالتركيب فإن بقيا على أصلهما بلا تركيب جاز الوجهان كما في التصريح.
قوله:
(جاز ضم الحاء)
أي بنقل ضمة العين إليها لأن أصله حبب بالضم أي صار حبيباً، وجاز فتحها بحذف الضمة بلا نقل، وهذا النقل والحذف جائزان في كل ما حول إلى فعل لقصد المدح أو الذم سواء كان حلقى الفاء كحب أولاً كضرب فتقول: ضُرْب الرجل زيد بسكون الراء مع ضم الضاد أو فتحها كما في التوضيح.
قوله:
(فقلت اقتلوها الخ)
---(2/119)
أي اخلطوا الخمر بمزاجها وهو الماء من: قتلت الشراب إذا مزجته به لأنه يكسر حدَّته والشاهد في وحب بها مقتولة أي ممزوجة فالهاء في بها فاعل حب مجرور بالباء الزائدة، ومقتولة تمييز والله أعلم.
أفعل التفضيل
هذه الترجمة صارت في الاصطلاح اسماً لكل ما دل على الزيادة تفضيلاً كانت كأحسن أو تنقيصاً كأقبح وإن لم يكن على وزن أفعل كخير وشر فلا اعتراض.
قوله:
(وصف الخ)
أي فهو اسم لقبوله علامات الأسماء غير مصروف للزومه الوصفية ووزن الفعل، ويؤخذ منه تعريف أفعل التفضيل بأنه الوصف الموازن لأفعل أي ولو تقدير الدال على زيادة صاحبه في أصل الفعل فالوصف جنس والموازن لا فعل مخرج لغيره من صيغ اسم الفاعل، والتعجب، والدال الخ مخرج لموازنه من ذلك، وقولنا: ولو تقديراً لإدخال خير وشر. فأصلهما أخْيَر وأشرّ، وقد يستعملان كذلك كقراءة: من الكذاب الأشَرّ} وقوله:
319 ــــ بلالُ خيرُ النَّاسِ وابنُ الأخْيَرِ
حذفت همزتها لكثرة الاستعمال فهو شاذ قياساً لا استعمالاً، وفيهما شذوذ آخر وهو كونهما لا فعل لهما، وقد يْحمل عليهما في الحذف أحب كقوله:
320 ــــ وَحَبُّ شَيْءٍ إلَى الإنْسَانِ ما مُنِعا
وهو قليل.
قوله:
(من فعل زائد الخ)
وفي بنائه من أفعل الخلاف المار في التعجب. ومما سمع منه هو أعطاهم للدراهم وأولاهم بالمعروف وهما شاذان عند من يمنعه مطلقاً، أو إن كانت الهمزة للنقل لأن همزتهما كذلك. وهذا المكان أقفر من غيره وهو شاذ على الأول فقط لأن همزته ليست للنقل.
قوله:
(مبني للمفعول)
فيه التفصيل المار بين خوف اللبس فيمتنع، وأمنه بأن كان مجهولاً لزوماً فيجوز كأنت أزهى من ديك وأعنى بحاجتك وكذا مع القرينة كهو أشغل من ذات النحيين أي أكثر مشغولية وليس هذا من المجهول لزوماً خلافاً لابن الناظم بدليل شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا}
(الفتح:11)
.
قوله:
(حلك الغراب)
---(2/120)
بفتح المهملة واللام هوالسواد الشديد، وكذا حنك الغراب بالنون بدلها، وهو منقاره يقال أسود حالك وحانك أي شديد السواد ا هـ صحاح.
قوله:
(وما به الخ)
فيه تقديم نائب الفاعل وهو به على الفعل وهو وصل للضرورة كما يقدم الفاعل لذلك بل الظاهر جواز تقديم النائب الظرفي في: اختياراً لأن علة المنع وهي التباس الجملة بالاسمية لا تأتي فيه أفاده الصبان، وقوله: لمانع متعلق بوصل، والحرفان بعده بوصل آخر البيت الواقع خبراً عن ما.
قوله:
(يتوصل الخ)
لكن أشد ونحوه في التعجب فعل، وهنا اسم، ويستثنى المجهول والمنفي فلا يُتَوَصَّل إليهما هنا بذلك لأن مصدرهما يجب كونه مؤولاً كما مر فيكون معرفة بالمسند إليه فلا يصح نصبه تمييزاً لأشد بخلاف التعجب كذا قيل، وفي ذكر المنفي نظر لما مر من صحة الإتيان فيه بالمصدر الصريح مع لفظ عدم فكذا هنا نحو: هو أكثر عدم قيام. أما المجهول بلا قرينة فمصدره الصريح ملتبس بالمعلوم فتأمل.
قوله:
(فلا بد أن تتصل به من)
ولا يفصل بينهما إلا بمعمول أفعل نحو النَّبِيُّ أَوْلَى بِالمُؤْمِنينَ مِن أَنْفُسِهِمْ}
(الأحزاب:6)
أو بلو وما اتصل بها كقوله:
321 ــــ ولَفُوك أطيبُ لو بَذَلت لنا
من ماءِ موهبةٍ على خمرِ(2)
والموهبة نقرة يستنقع فيها الماء ليبرد، وكذا بالنداء كما صرح به الدماميني لا بغير ذلك قال المبرد ومن هذه لابتداء الغاية في الارتفاع في الخير أو الانحطاط في الشر وقال المصنف للمجاوزة فمعنى: زيد أفضل من عمر، وأنه جاوز عمراً في الفضل لا للابتداء وإلا جاز أن يقع بعدها إلى للانتهاء ا هـ وأجيب بأن الانتهاء قد لا يخبر به لجهل غايته أو عدم قصده وذلك أبلغ في التفضيل إذ المعنى ابتداء زيد في الارتفاع من عمرو إلى ما لا نهاية له وإذا بنى أفعل مما يتعدى بمن جاز تقديمها على من هذه وتأخيرها نحو: هو أقرب من كل خير من عمرو وأقرب من عمر ومن كل خير.
قوله:
---
(للدلالة عليها)
أي فيمتنع حذفها بلا دليل.(2/121)
قوله:
(لا تصحبه من)
أي التي الكلام فيها وهي الجارة للمفضول لأنها إنما تذكر توصلاً لمعرفته مع المجرد، وهو مذكور في المضاف صريحاً، وفي المحلَّى بأل حكماً لأنها عهدية لتقدم ذكر مدخولها لفظاً أو حكماً وذلك يشعر بالمفضول.
قوله:
(وأكثر ما يكون ذلك)
أي حذف من ومجرورها من المجرد للقرينة.
قوله:
(خبراً)
أي منسوخاً.
قوله:
(دنوت أجمل إلخ)
إشارة إلى أن: كالبدر مفعول ثانٍ لخلناك أي ظنناك.
قوله:
(ألزم تذكير إلخ)
أي لأن المجرد يشبه أفعل التعجب وزناً واشتقاقاً ودلالة على المزية فلزم لفظاً واحداً مثله ومن ثمّ لحنوا أبا نواس في قوله:
322 ــــ كان صُغرى وكُبرى مِنْ فَقاقِعِها
حصباء دُرِّ على أرضٍ مِنَ الذَّهَبِ
لأن حقه أصغر وأكبر لتجرده وسيأتي الجواب عنه، والمضاف لنكرة كالمجرد في التنكير فأعطي حكمه من امتناع مطابقته للموصوف لكنها تجب في المضاف إليه كأمثلة الشارح الآتية، وأما قوله تعالى: وَلاَ تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ}
(البقرة:41)
فتقديره أول فريق كافر، والفريق جمع معنى فطابق الواو من تكونوا واعلم أن أفعل التفضيل لا يضاف إلا لما هو من جنس موصوفه فلا يقال: زيد أفضل امرأة لأنه بعض ما يضاف إليه.
قوله:
(وتلو أل طبق)
أي وتالي أل مطابق لما قبله لأن قرنه بها أضعف شبهه بأفعل التعجب.
قوله:
(عن ذي معرفة)
تعريض برد قول ابن السراج الآتي.
قوله:
(معنى من)
أي الحاصل عندها، وهو التفضيل لأنه ليس معنى لها بل لأفعل وظاهره إن قصد التفضيل وعدمه خاصان بالمضاف إلى معرفة وليس كذلك بل مثله المجرد لكن فيه خلاف كما سيأتي.
قوله:
(والهندات الفضل)
بضم ففتح جع تكسير لفُضْلى بضم فسكون والفضليات جمع تصحيح لها.
قوله:
(لا يجوز أن تقترن به من)
هذ زائد على كلام المصنف هنا وهو محترز قوله أولاً إن جرد فحقه أن يذكر هناك كما في نسخ.
قوله:
---
(ولست بالأكثر إلخ)(2/122)
بتاء الخطاب، وحصى أي عدداً تمييزاً لأكثر، والكاثر بالمثلثة الغالب في الكثرة من كثرة بالتخفيف غلبه فيها.
قوله:
(وقصد به التفضيل)
أي على المضاف إليه خاصة.
قوله:
(أحرص الناس)
بفتح الصاد مفعول ثان لتجدوهم مفعول أول، ولو طابقه لكسرت الصاد فيكون جمع تصحيح حذفت نونه للإضافة، وياؤه للساكنين، وبقيت الكسرة قبلها.
قوله:
(وكذلك جعلنا إلخ)
الأولى تفسير الجعل بالتمكين كما في البيضاوي فأكابر مجرميها مفعوله، وفي كل قرية ظرف لو متعلق به وأما كونها بمعنى صيرنا، وأكابر مجرميها مفعوله الأول، وفي كل قرية الثاني، ففيه ركة وتوهين للمعنى، والشاهد إضافة أكابر لمجرميها مع مطابقته لموصوفه المقدر أي قوماً أكابر إلخ وهذا مما يرد قول ابن السراج رداً واضحاً فإن أجاب بأن أكابر ليس مضافاً مفعولاً ثانياً ومجرميها مفعول أول لزمه المطابقة في المجرد من أل والإضافة، وهي ممنوعة فإن قال: إن أكابر، منوي إضافته للمعرفة أي أكابرها وقع فيما فرَّ منه.
قوله:
(وقد اجتمع الاستعمالان)
أي حيث أفرد أحب، وأقرب وجمع أحسن، وقال الزمخشري إنما جمع أحسن لأنه قصد به الزيادة المطلقة، وأفرد أحب وأقرب لقصد التفضيل الخاص.
قوله:
(الموطِّؤون)
بصيغة المفعول من وطأه بشد الطاء المهملة إذا مهده وسهله، والأكناف الجوانب أي الذين سهلت أخلاقهم، ولانت جوانبهم فلا يتأذَّى منهم أحد.
قوله:
(فإن لم يقصد التفضيل)
---(2/123)
أي على المضاف إليه وحده بأن قصد تفضيل مطلق أي عليه وعلى غيره، أو لم يقصد تفضيل أصلاً بأن أول باسم فاعل أو صفة مشبهة فتجب المطابقة فيهما لشبهه بالمعرف بأل في التعريف، وخلوه من لفظ من ومعناها، وفي هاتين الحالتين لا يلزم كونه بعض ما يضاف إليه كما يلزم عند قصد التفضيل الخاص بل قد يكون بعضه كمحمد صلى الله عليه وسلّم أفضل قريش أي أفضل الناس من بينهم، وقد لا يكون كيوسف أحسن أخوته أي أحسن الناس من بينهم، أو حسنهم ولا يصح فيه التفضيل الخاص بأن يراد أحسن منهم لأن إضافة الإخوة للضمير تمنع أن يراد بهم ما يشمل يوسف لئلا يضاف إلى ضمير نفسه فلا يكون أحسن بعض ما أضيف إليه فلو قيل: أحسن الإخوة أو أحسن أبناء يعقوب، أي أحسن منهم لجاز فتأمل. والمراد بكونه بعضه أن موصوفه داخل في المضاف إليه بحسب مفهوم اللفظ قبل الإضافة، وإن كان خارجاً عنه بعدها بحسب الإرادة لئلا يلزم تفضيل الشيء على نفسه.
قوله:
(الناقص)
هو يزيد بن عبد الملك بن مروان سمي به لنقصه أرزاق الجند، والأشَجُّ بالجيم وعمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه سمي به لِشَجَّةٍ كانت في وجهه أضيفا إلى بني مروان ليعرف أنهما منهم لا للتفضيل عليهم إذ لا عادل فيهم سواهما.
قوله:
(ومن استعمال إلخ)
فصله بقيل لأن ما تقدم في المضاف إلى معرفة ولا خلاف في جواز عروُّه عن التفضيل مع وجوب مطابقته حينئذ، وأما هذا ففي المجرد عن أل والإضافة ومن، وفيه الخلاف الآتي، وإذا عَري المجرد عن التفضيل فالأكثر فيه عدم المطابقة حملاً على أغلب أحواله، وقد يطابق لخلوه عن من لفظاً ومعنًى، وعلى هذا يخرج بيت أبي نواس المار، وقول العروضيين فاصلة صغرى وكبرى خلافاً لمن جعله لحناً.
قوله:
(أي هين)
أي لأن جميع الأشياء بالنسبة لقدرته تعالى كالشيء الواحد فلا يكون بعضها أهون من بعض.
قوله:
(إذ أجشع القوم)
من الجشع وهو شدة الحرص على الأكل.
قوله:
---
(بعجلهم)(2/124)
أي فالنفي أصل العجلة لا زيادتها فقط بقرينة مدح نفسه، وأما أعجل الثاني فلا مانع من كونه على بابه كما يشير له اقتصاره على الأول لكن فيه أن الأول مضاف لمعرفة لا مجرد فليس من محل الحلاف فتأمل.
قوله:
(إن الذي سمك)
يستعمل متعدياً بمعنى رفع كما هنا ومصدره سمكاً كضرباً، ولازماً بمعنى ارتفع، ومصدره سموكاً كقعوداً وأراد بالبيت الكعبة، والدعائم جمع دعامة بالكسر وهي الأسطوانة أي العمود.
قوله:
(عزيزة طويلة)
لم يحمل على معنى أعز من بيوتكم لأن قصده نفي المشاركة بالأصالة مع أن النزاع ليس في ذلك يس.
قوله:
(وهل ينقاس ذلك)
أي عروّ المجرد عن التفضيل، وحاصله ثلاثة أقوال أشار إلى ثالثها بقوله: لا يرون ذلك، أي يمتنع قياساً وسماعاً قال في شرح التسهيل، والأصح قصره على السماع والأكثر فيما سمع منه عدم المطابقة.h
قوله:
(لا حجة في ذلك)
أي لتأويله فأهون وارد على ما يعرفه المخاطبون من أن الإعادة أهون من البدء مع قياسهم الغائب على الشاهد، وأما أعلم بكم فتفضيل على من يعلم بعض الوجوه من الناس وإن كان لا مشارك له تعالى في علمه، وأما أعجل وأعز وأطول فلا مانع من حملها على التفضيل خصوصاً إذا أريد بالبيت بيت الشرف والمجد كما قاله السعد.
قوله:
(يجب تقديم من ومجرورها)
أي على أفعل فقط لا على جملة الكلام كما فعل المصنف، وجاراه عليه الشارح لأن صدارة الاستفهام إنما هي بالنسبة للعامل فيه لا مطلقاً ويلزم على تمثيله الفصل بين العامل وهو خير والمعمول وهو ممن بأجنبي لأن المبتدأ ليس من معمولات الخبر فلو قال الشارح: أنت ممن خير، لكان حسناً، وأما المصنف فقد يعتذر عنه بالضرورة.
قوله:
(أهلاً وسهلاً)
منصوبان بمحذوف أي أتيتم أهلاً ووجدتم مكانا سهلاً، وقوله: جنى النَّحل أي شبيهه بدليل ما بعده، والاستشهاد بالبيت مبني على أن منه متعلق بأطيب لا بزوَّدت.
قوله:
(غير أن إلخ)
---(2/125)
من تأكيد المدح بما يشبه الذم، والقطوف بفتح القاف آخره فاء المتقارب الخطا.
قوله:
(ظعينة)
هي في الأصل الهودج فيه امرأة أوْ لا ثم سميت به المرأة ما دامت فيه قيل، وقد يطلق عليها مطلقاً وأملح أي أحسن.
قوله:
(ورفعه الظاهر)
المراد به ما قابل المستتر فيشمل الضمير المنفصل، وعبارة الشذور يعمل أفعل في تمييز وحال وظرف وفاعل مستتر مطلقاً لا في مصدر، ولا مفعول به مطلقاً ولا في فاعل ملفوظ به إلا في مسألة الكحل.
قوله:
(عاقب فعلاً)
فيه قلب أي عاقبه فعل أي صح أن يعقبه، ويقع في مكانه فعل.
قوله:
(إلا في لغة ضعيفة)
أي فتجعل أفضل نعتاً لرجل مجرور بالفتحة وأبوه فاعله، وأكثر العرب يرفعونه خبراً مقدماً عن أبوه، والجملة نعت لرجل.
قوله:
(بعد نفي)
أي ليتوجه إلى قيده وهو الزيادة فيزيلها ويبقى مع النفي بمعنى الفعل المثبت فيعمل عمله فيصير المعنى: انتفت زيادة حسن الكحل في عين أي رجل على حسنه في عين زيد فيبقى أصل الحسن وذلك صادق بمساواته لحسن زيد ونقصه عنه، ومقام المدح يعين الثاني فإذا وضع الفعل المثبت مكانه بأن قيل: حسن الكحل في عين رجل كحسنه في عين زيد أفاد المساواة الصادق بها أفعل، ثم يتوجه النفي إلى ذلك الفعل فتنفي المساواة كالزيادة، ويثبت النقص المراد كالأول، فكون أفعل مع النفي كالفعل المثبت إنما هو في الجملة وإلا فلا بد من توجه النفي إلى ذلك الفعل ليفيد المعنى المراد فتأمل.
قوله:
(أو شبهه)
هو النهي كلا يكن أحد أحب إليه الخير منه إليك، والاستفهام الإنكاري كهل أحد أحق به الحمد منه بمحسن لا بمن قال في شرح التسهيل، ولم يرد بهذين سماع لكن لا بأس باستعماله بعدهما.
قوله:
(أجنبياً)
أي لم يتصل بضمير الموصوف ليخرج: ما رأيت رجلاً أحْسَن منه أبوه وإن خرج أيضاً بقوله مفضلاً على نفسه باعتبارين لاختلاف المفضلين فيه بالذات لكن لا يعترض بالمتأخر على المتقدم.
قوله:
(باعتبارين)
---(2/126)
أي باعتبار محلين كعين زيد، والعين الأخرى فالمفضل، والمفضل عليه شيء واحد لكن فضل باعتبار مكان على نفسه في مكان آخر وهذ القيد يغني عما قبله لأن غير الأجنبي لا يختلف بالاعتبار بل بالذات، وإنما اعتبر ذلك ليضعف أفعل بخروجه عن أصل التفضيل من اختلاف المفضَّلين بالذات، فيقوى النفي على إخراجه أيضاً إلى معنى الفعل حتى يعمل عمله بخلاف ما إذا جرى على أصله كما رأيت رجلاً أحسن منه أبوه فلا يقوى النفي على ذلك القوة أفعل حينئذ وبقي قيد اعتبره المصنف وابن الحاجب وهو كون أفعل صفة لاسم جنس ليعتمد عليه، ويقوى على رفع الظاهر، ولم يكتف بالنفي كما في اسم الفاعل لضعفه عنه، ولذا لا ينصب المفعول به.
قوله:
(ما رأيت إلخ)
---(2/127)
إن جعلت بصرية فأحسن صفة رجلاً أو علمية فهو مفعولها الثاني والكحل فاعل أحسن، وفي عينه حال منه أو ظرف لغو متعلق بأحسن كقوله: منه وفي عين زيد حال من الهاء في منه، والأصل في هذا المرفوع الظاهر أن يقع بين ضميرين: أولهما للموصوف، وثانيهما المجرور بمن للمرفوع نفسه كهذا المثال، وقد يحذف الثاني فتدخل من على الاسم الظاهر المفضل عليه، أو على محله أو على ذي المحل كما رأيت رجلاً أحسن في عينه الكحل من كحل عين زيد أو من عين زيد أو من زيد، فتحذف مضافاً أو اثنين. وقد تدخل من على ملابس ذلك الظاهر بغير المحلية نحو: ما أحد أحسن به الجميل من زيد فأصله من الجميل في زيد فأضيف الجميل لزيد لملابسته له ثم حذف ودخلت من على ملابسته وهو زيد، ومثله مثال المتن إذ أصله: لن ترى رفيقاً أولى به الفضل من الفضل في الصديق فالصديق ملابس الفضل، ويصح كونه محله فعل به ما ذكر وليس الأصل من ولاية الفضل الصديق ومن حسن الجميل بزيد كما قيل لأن المفاضلة إنما هي بين الفضل ونفسه باعتبارين لا بينه وبين ولايته أو حسنه، وقد لا يؤتى بشيء بعد المرفوع كما رأيت كعين زيد أحسن فيها الكحل، فالحاصل أن الضميرين قد يذكران معاً، وقد يحذفان معاً وقد يذكر أحدهما دون الآخر.
قوله:
(ما من أيام إلخ)
من زائدة وأيام اسم ما الحجازية وأحب خبرها أو هما مبتدأ وخبر، وإلى الله متعلق بأحب وفيها حال من الصوم وهو مرفوع نائب فاعل أحب لأنه بمعنى محبوب من حب الثلاثي ففيه شذوذ لبنائه من المجهول إلا عند من جوزه مع أمن اللبس وفي عشر حال من الهاء في منه في رواية «أحب إلى الله فيها الصوم من أيام العشر»(3) فهو كمثال الناظم.
قوله:
(مررت إلخ)
---(2/128)
جملة ولا أرى حالية، ووادياً مفعول أول لأرى، وكوادي مفعوله الثاني إن جعلت علمية، وإلا فهو حال من وادياً مقدم عليه، وأقل به بالنصب صفة وادياً، وركب فاعل أقل وفيه الشاهد، وجملة أتوه صفة ركب، وتَئيَّة بمثناة فوقية فهمزة مكسورة فتحتية مشددة أي مكثاً وهو تمييز لأقل فيما يظهر لا صفة لمصدر محذوف، ولا حال كما قيل لأن المعنى لا يظهر عليهما أي ولا أرى وادياً أقل به ركب أتوه من جهة المكث منه أي من الركب في وادي السباع أي لم أرَ ركباً يقل مكثه في واد كقلته في وادي السباع، وأخوف عطف على أقل وفاعله ضمير الركب، وما مصدرية، والاستثناء مفرغ أي في كل وقت إلا وقت وقاية الله تعالى فتأمل والله أعلم.
قوله:
(مررت إلخ)
جملة ولا أرى حالية، ووادياً مفعول أول لأرى، وكوادي مفعوله الثاني إن جعلت علمية، وإلا فهو حال من وادياً مقدم عليه، وأقل به بالنصب صفة وادياً، وركب فاعل أقل وفيه الشاهد، وجملة أتوه صفة ركب، وتَئيَّة بمثناة فوقية فهمزة مكسورة فتحتية مشددة أي مكثاً وهو تمييز لأقل فيما يظهر لا صفة لمصدر محذوف، ولا حال كما قيل لأن المعنى لا يظهر عليهما أي ولا أرى وادياً أقل به ركب أتوه من جهة المكث منه أي من الركب في وادي السباع أي لم أرَ ركباً يقل مكثه في واد كقلته في وادي السباع، وأخوف عطف على أقل وفاعله ضمير الركب، وما مصدرية، والاستثناء مفرغ أي في كل وقت إلا وقت وقاية الله تعالى فتأمل والله أعلم.
النعت
يرادفه الوصف والصفة على المختار لكنَّ النعت عبارة الكوفيين وهما للبصريين.
قوله:
(الأسماء)
---
خصها بالذكر لأنها الأصل، ويتصور فيها جميع التوابع فلا يرد أن التوكيد اللفظي والبدل والنسق قد تتبع غير الاسم وفي قوله الأول إشارة إلى منع تقديم التابع على متبوعه وهوالمشهور ويصرح به في النعت قوله الآتي: متِمٌّ ما سبق، وأجاز صاحب البديع تقديم الصفة إذا كانت لمتعدد تقدم بعضه كقوله:(2/129)
323 ــــ ولستُ مُقِرّاً للرِّجال ظُلامةً
أبَى ذاك عمَّاي الأكرمانِ وخاليا
وأجاز الكوفيون تقديم المعطوف بشروط تأتي واعلم أنه يمتنع فصل التابع من متبوعه بأجنبي محض عن كل منهما كمررت برجل على فرس عاقل أبيض بخلاف ما ليس كذلك كمعمول التابع نحو: حشر علينا يسير أو المتبوع كيعجبني ضربك زيداً الشديد، وكعامل المتبوع نحو: زيداً ضربت القائم، ومنه أَغَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّموَاتِ}
(الأنعام:14)
ومعمول عامله نحو: عَمَّا يَصِفُونَ عَالِم الغَيْبِ}
(الصافات:159)
ومنه: ولا يَحْزَنّ وَيَرْضَيْنَ بما آتيْتَهُنَّ كُلَّهُنَّ}
(الأحزاب:51)
ومفسر عامله نحو: إن امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ ولَدٌ}
(النساء:176)
والقسم نحو: زيد والله العاقل وجوابه نحو: بَلَى وَرَبِّي لَتأْتِيَنَّكُمْ عَالِم الغَيْبِ}
(سبأ:3)
والاعتراض نحو: وإنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ}
(الواقعة:76)
والاستثناء نحو: قُم اللَّيْلَ إلاّ قَلِيلاً نِصْفَهُ}
(المزمل:2)
وغير ذلك مما نقله الصبان عن الهمع.
قوله:
(في إعرابه)
قيل أي وجوداً وعدماً ليدخل نحو: قام قام، ولا لا مما ليس معرباً لكن هذا خارج بقوله: الاسم فلا يصح إدخاله هنا، وقد مر الاعتذار عن التقييد به، والمراد الإعرب وما يشبهه من حركة عارضة ليدخل نحو يا زيد الفاضل بالضم مما أتبع فيه المنادى على لفظه فإنه مشارك في شبه الإعراب، وكذا في نفس الإعراب لكنه محلِّي في زيد، ومقدر في الفاضل لأن ضمته لمجرد اتباع لفظ زيد لا بناء، ولا إعراب لعدم مقتضيهما فتدبر.
قوله:
(مطلقاً)
---
أي الحاصل في ذلك التركيب، والمتجدد في غيره وزاد ابن الناظم وغيره قيد غير خبر ليخرج نحو حامض من قولك: الرمان حلو حامض، فإنه مشارك في الإعراب الحاصل والمتجدِّد بالنسخ وليس تابعاً.
قوله:
(على خمسة أنواع)(2/130)
والعامل فيها عند الجمهور هو العامل في متبوعها إلا البدل فعامله مقدر خلافاً للمبرد وقيل: العامل في الجميع مقدر، وقيل العامل في النعت والبيان، والتوكيد التبعية، وفائدة الخلاف جواز الوقف على المتبوع على القول بتقدير العامل دون غيره وإذا اجتمعت التوابع فأعمل بترتيب قوله:
قدِّم النَعتَ فالبيانَ فأكِّدْ
ثمَّ أبْدلْ واختمْ بعطفِ الحُروفِ
قوله:
(يوسمه)
الهاء فيه، وفي به عائدة لما سبق وهو المتبوع، والباء سببية، والوسم إما اسم بمعنى العلامة ففيه حذف مضاف أي متم متبوعه بسبب بيان علامته أي صفته وعلى هذا حل الشارح أو مصدر بمعنى التعليم بها من وسمته بالسمة، وسما علمته بالعلامة أي متمٌّ متبوعه بسبب تعليمه أي دلالته على معنى فيه إن كان نعتاً حقيقياً، وفيما تعلق به إن كان سببياً.
قوله:
(المكمل متبوعه إلخ)
أي أصل وضعه التكميل ببيان الصفة للإيضاح بها أو التخصيص، وأما كونه للمدح ونحوه فمجاز كما في الصبان، أو المراد بالمكمل المفيد ما يطلبه المنعوت بحسب المقام من تخصيص أو مدح مثلاً فيشمل جميع أقسامه، وهذا أقرب لصنيع الشارح فتدبر.
قوله:
(لما عدا النعت)
---
أي لأنه ليس شيء من التوابع يدل على صفة المتبوع أو صفة ما تعلق به سوى النعت ولذلك وجب فيه الاشتقاق ليدل على الذات، والمعنى بها فيخرج البدل والنسق بالمكمل لأنه لا يقصد بهما وضعاً التكميل بإيضاح، ولا تخصيص، ويخرج البيان والتوكيد ببيان الصفة لأنهما وإن كملا بالإيضاح ورفع الاحتمال لكن لا ببيان الصفة بل بكون لفظهما أصرح من الأول إذ هما عين متبوعهما، وكذا البدل إذا عرض له الإيضاح كمثاله، وتقليل الاشتراك المعنوي في النكرات وهو المشهور باسم التخصيص كجاء رجل تاجر.
قوله:
(نفخة واحدة)(2/131)
لا شك أن واحدة للتأكيد لأن المرَّة مستفادة من تحويل المصدر الأصلي وهو نفخاً إلى فعلة وليس هذا كرحمة وبغتة مما بني على التاء حتى يكون قوله: واحدة تأسيساً لا تأكيداً كما قيل فتأمل.
قوله:
(في التعريف والتنكير)
في بمعنى من البيانية لما الأولى لا الثانية لأنها واقعة على المنعوت، والواو بمعنى أو لأن الثابت للمنعوت أحدهما، وقوله: تلا صلة أو صفة للثانية جرت على غير ما هي له، ولم يبرز لا من اللبس على مذهب الكوفيين، ونائب فاعل يعط ضمير النعت، وما الأولى مفعوله الثاني أي وليعط النعت ما ثبت للمنعوت الذي تلا هو من التعريف أو التنكير.
قوله:
(مجرى الفعل إذا رفع ظاهراً)
أي في وجوب تأنيثه بالتاء لتأنيث مرفوعه وتجريده من علامة التثنية والجمع على اللغة الفصحى سواء كان منعوته مفرداً مؤنثاً أم لا، نعم يجوز على هذه اللغة تكسير الوصف إذا كان مرفوعه جمعاً كمررت برجل كرام آباؤه بل هو الأفصح لأنه يخرج عن موازنة الفعل بالتكسير فلم يجرِ مجراه، ومقتضى كونه كالفعل جواز تثنيته وجمعه تصحيحاً على لغة أكلوني البراغيث كالفعل فيقال: مررت برجل كريمين أبواه وحسنين غلمانه وهو كذلك، ومقتضاه أيضاً جواز: برجل قائم اليوم أمه بلا تأنيث للفصل وبامرأة حسن نغمتها لمجازية التأنيث وبه صرح بعضهم سم.
قوله:
---
(طابق المنعوت في أربعة إلخ)
أي ما لم يمنع مانع ككون الوصف يستوي فيه المفرد وغيره كصبور وجريح وكونه أفعل تفضيل مجرداً أو مضافاً فالنكرة فإنه يلزم التذكير والإفراد.
قوله:
(وذرب)
بالذال المعجمة هوالحادّ اللسان مطلقاً أو في الشر فقط أو الحاد من كل شيء أو بالمهملة الخبير بالأشياء المعتاد لها.
قوله:
(إلا بمشتق إلخ)(2/132)
أي عند الأكثرين وذهب جمع محققون كابن الحاجب إلى أنه لا يشترط في النعت كونه مشتقاً بل الضابط دلالته على معنى في متبوعه كالرجل الدال على الرجولية دماميني، وعلى هذا فيجوز في اسم الجنس المحلى بأل بعد اسم الإشارة كونه نعتاً ككونه بدلاً أو بياناً نحو هذا الرجل قائم، أما على الأول فلا يجوز كونه نعتاً إلا المشتق كهذا القائم رجل.
قوله:
(وهو اسم الفاعل إلخ)
أفاد بالحصر أن أسماء الزمان والمكان والآلة لا تدخل في المشتق بهذا المعنى إذ لا تدل على صاحب الحدث بل على زمانه أو مكانه أوآلته، وهو اصطلاح النحاة أما تفسير الصرفيين له بما أخذ من المصدر للدلالة على معنى وذات منسوب لها فيشملها، وخل في اسم الفاعل ما بمعناه من أمثلة المبالغة وفي اسم المفعول ما بمعناه من نحو قتيل وصبور.
قوله:
(كأسماء الإشارة)
أي غير المكانية أما هي فظرف يتعلق بمحذوف هو الوصف كمررت برجل هناك أي كائن.
قوله:
(ذو)
أي وفروعها.
قوله:
(والموصولة)
لا يشملها قول المتن، وذي بالياء إلا على لغة إعرابها لأن المبنية تلزمها الواو، ومثلها في الوصف بها سائر الموصولات المبدوءة بأل وأل نفسها بخلاف من وما وأي.
قوله:
(مؤولة بالنكرة)
أي لا نكرة حقيقة وإن جرى على الألسنة قال الرضي لأن التعريف والتنكير من خواصِّ الاسم والجملة من حيث هي جملة ليست اسماً وإن أوّلت به فنحو: جاء رجل قام أبوه وأبوه قائم، في تأويل: جاء رجل قائم أبوه، ونحو: جاء رجل أبوه زيد في تأويل كائن أبوه زيد.
قوله:
(الجنسية)
---
هي لام الحقيقة في ضمن فرد مبهم، ولذا كان مدخولها في معنى النكرة وتسميها البيانيون لام العهد الذهني لعهد الحقيقة في الذهن.
قوله:
(وآية لهم الليل)
أي حقيقته في ضمن أي فرد في الليالي لأن السلخ من الأفراد لا الحقيقة.
قوله:
(حالين)(2/133)
أي نظراً لصورة التعريف لا يقال: الحالية تفيد تقييد السب بحال المرور مع أن المراد أنه دأبه وعادته أبداً وإن لم يمر عليه لأنه لا مانع من إرادة التقييد بل قوله: فمضيت إلخ، يدل على أنه مر عليه حال السب وتغافل عنه، ولئن سلم فجعل الحال لازمة مفيد لذلك.
قوله:
(من ضمير يربطها)
أي فهي كالخبر في أصل الربط وإن لم يتعين فيه الضمير حينئذ كما مر لأن طلب المبتدأ له أقوى من طلب المنعوت للنعت فاكتفى فيه بأدنى ربط بخلاف النعت، ولم يقل ما أعطيته حالاً للإشارة إلى أن جملة النعت أشبه بالخبر من الحال ولذا لا تربط بالواو خلافاً للزمخشري.
قوله:
(وما أدري إلخ)
قبله.
324 ــــ كتبتُ إليهمُ كُتُباً مِرَاراً
فلم يرجِعْ إليَّ لها جَوابُ(2)
وما أدري إلخ.
قوله:
(وامنع هنا إلخ)
في قوة الاستثناء من قوله: فأعطيت إلخ كما أشار له الشارح، ففي البيت الأول شرطان وهذا ثالث وبقي وجوب ذكر منعوتها كما سيأتي آخر الباب.
قوله:
(لا تقع إلخ)
أي لأن النعت يعين منعوته، ويخصصه فلا بد من كونه معلوماً للسامع قبل ليحصل به ما ذكر والإنشائية ليست كذلك لأنه لا خارج لمدلولها إذ لا يحصل إلا بالتلفظ بها ولما لم يكن الخبر معرفاً للمبتدأ ولا مخصصاً له جاز كونه إنشائياً.
قوله:
(حاؤوا بمذق)
أي بلبن مخلوط بالماء كثيراً حتى قَلَّ بياضه وأشبه لون الذئب في زرقته.
قوله:
(فإن قلت إلخ)
حاصله على القول الصحيح من وقوع الإنشاء خبراً هل يحتاج لإضمار القول أم لا المختار لا وقد مر تحقيقه في المبتدإ.
قوله:
(كثيراً)
---
ومع كثرته مقصور على السماع كوقوعه حالاً وإن كان أكثر من النعت، وقد يشير إليه قوله: ونعتوا، وشرط المصدر كونه مفرداً مذكراً كما في المتن ومنكراً وصريحاً مؤولاً وثلاثياً أو بزنته وأن لا يبدأ بميم زائدة كمزار ومسير قيل وإلا امتنع النعت به رأساً وفائدة هذه الشروط ضبط ما سمع لا القياس عليها.
قوله:
(فالتزموا الخ)(2/134)
أي لأن المصدر من حيث هو مصدر لا يثنى ولا يجمع فأجروه على أصله تنبيهاً على أن حقه أن لا ينعت به لجموده، وأنهم توسعوا بحذف المضاف أو قصداً للمبالغة.
قوله:
(مجازاً)
أي مرسلاً من إطلاق المعنى على محله، وهو الذات وأما على الأول فمن إطلاق اللازم وهو المصدر على الملزوم وهو المشتق وعلى الثاني مجاز بالحذف، وقوله: أو ادعاء أي بأن يدعي أن الذات هي نفس المعنى لا غيره مبالغة في اتصافها به بلا احتياج إلى تأويل أصلاً كما نقل عن ابن هشام.
قوله:
(ونعت غير واحد)
بالرفع مبتدأ خبره جملة إذا اختلف إلخ لا نصب بمحذوف يفسره فرقه لأن ما بعده فاء الجزاء لا يعمل فيما قبله فلا يفسَّر عاملاً فيه، والمراد بغير الواحد ما ل على متعدد مثنَّى كان أو جمعاً كما مثله الشارح أو اسم جمع كقوله:
325 ــــ فوافَيْناهمُ مِنَّا بجمعٍ
كأُسْدِ الغاب مرُدان وشيب
أو اسم جنس جمعي كعندي غنم بيض وسود، قيلَ أو أسماء متعاطفة كجاء زيد وعمرو الطويل والقصير لكن هذا يجوز فيه وضع كل نعت بجانب صاحبه، ولا يتعين فيه العطف.
قوله:
(إذا اختلف)
أي النعت لفظاً ومعنًى كالضارب والكريم أو معنى فقط كالضارب من الضرب بالعصا والضارب من الضرب في الأرض أي السير فيها أو لفظاً فقط كالذاهب والمنطلق، فكل ذلك تفريقه واجب.
قوله:
(بالعطف)
---
أي بخصوص الواو جماعاً ولذا اعترضوا على ابن الحاجب في قوله الإدغام أن تأتي بحرفين: ساكن فمتحرك قيل: إلا نعت اسم الإشارة فلا يفرق كمررت بهذين الطويل والقصير لأن نعته لا يكون إلا طبقه لفظاً، وفي الحقيقة لا استثناء لأنه لا يجوز نعته بمختلف حتى يفرق. نعم جوز بعضهم ذلك المثال على البدل لا النعت، ومما اختص به نعت اسم الإشارة كونه محلَّى بأل فلا ينعت بغيره، وامتناع قطعه وفصله منه ولو بغير أجنبي وأما كونه جنساً لا مشتقاً فغالب، دماميني.
قوله:
(كريمين)(2/135)
ولا يجوز كريم وكريم، نعم يجوز: مررت بإنسانين كريم وكريمة، لاختلافهما تأنيثاً ويجوز كريمين نظراً للتغليب، ومحل وجوب الجمع في المتفق إذا عدم مانعه، وإلا فيمتنع أعطيت زيداً أخاه الكريمين لأن التابع في حكم المتبوع، ولا يكون اسم واحد مفعولاً أولاً وثانياً بل يفرد كلُّ بوصف، أو يجمعان في نعت مقطوع كما إذا اختلف العامل في المنعوتين، نص على ذلك الرضي.
قوله:
(ونعت معمولي إلخ)
---
نعت مفعول مقدم لأتبع ووحيدي صفة لمحذوف أي، ونعت معمولي عاملين وحيدي إلخ ومعنى، وعمل بالجر لإضافة وحيدي إليهما وقوله بغير استثناء أي اتبع مطلقاً سواء كان المعمولان مرفوعي فعلين أو خبري مبتدأين أو منصوبين أو مخفوضين خلافاً لمن خص الإتباع بالأولين، وهذا البيت متعلق بقوله: لا إذا ائتلف، حيث أفاد أن نعوت غير الواحد إذا كانت متفقة لفظاً ومعنى لا تفرق بل تجمع في لفظ واحد فكأنَّ قائلاً قال: وهل إذا جمعت تكون نعتاً تابعاً أو مقطوعاً؟ فأفاد أنه لا يجوز الإتباع إلا إذا اتحد عاملا المنعوتين معنىً وعملاً كما مثله الشارح، والقطع في ذلك منصوص على جوازه بشرطه فقوله: أتبع، أي إن أردته وسكت عن نعت معمولي عامل واحد، وحكمه أنه إذا اتَّحد عمله ونسبته إليهما في المعنى كقام زيد وعمرو العاقلان جاز الإتباع والقطع بشرطه وإن اختلفا كضرب زيد عمراً العاقلان وجب القطع وكذا إن اختلفت النسبة دون العمل كأعطيت زيداً أباه العاقلان كما مر عن الرضي وإن اختلف العمل دون النسبة كخاصم زيد عمراً وجب القطع عند البصريين وهو الصحيح، وجاز هو والإتباع عند غيرهم فقيل: يتبع بالرفع تغليباً له وقيل: بأيهما شئت لأن كلاهما مخاصِم ومخاصَم.h
قوله:
(متَّحدَي المعنى والعمل)(2/136)
زاد بعضهم شرطاً ثانياً وهو اتفاق المنعوتين تعريفاً وتنكيراً لتعذر اتباع المعرفة بالنكرة وبالعكس وثالثاً وهو أن لا يكون أول المنعوتين اسم إشارة كجاء هذا وجاء عمرو فلا يجوز العاقلان بالإتباع لأن نعت اسم الإشارة لا يفصل منه فإن أخِّر جاز لعدم الفصل لكن مر أن نعته لا يكون إلا طبقه في اللفظ فتأمل.
قوله:
(فإن اختلف معنى العاملين)
---
أي ولو بالخبرية والإنشائية فلا اتباع في: قام زيد وهل قام عمرو العاقلان، لاختلافهما خبراً وإنشاء وإن اتحد معناهما أما نحو: هذا أبوك، ومن أخوك؟ فيمتنع فيه القطع كالاتباع لاختلافهما خبراً وإنشاء مع كون أحد المنعوتين مجهولاً فيجب فيه تفريق النعتين كما قاله الرضي إذ المعلوم لا يخلط بالمجهول ويجعلان كشيء واحد.
قوله:
(وجب القطع)
أي بالنسبة لامتناع الاتباع فلا ينافي جواز التفريق وإيلاء كل نعت صاحبه، وإنما امتنع الإتباع لئلا يعمل عاملان متنافيان في شيء واحد إذ العامل في التابع هو العامل في المتبوع ولا يمكن أن يجعل العامل مجموعهما لأن الشيء الواحد لا يمكن جعله مرفوعاً ومنصوباً في آن واحد أما اتحادهما معنًى وعملاً فيجعلهما كالشيء الواحد، وفي ذلك بحث قدمناه في باب الحال. والحاصل أن نعوت غير الواحد إن اختلف لفظها أو معناها وجب تفريقها إما بالعطف أو بإيلاء كل صاحبه سواء اتحد عامل المنعوتين أولا، وإن اتحدت لفظاً ومعنًى فإن اتحد عاملا المنعوتين معنًى وعملاً أو كان العامل واحداً واتحد عمله ونسبته إليهما واتحد المنعوتان تعريفاً وتنكيراً وجب جمعها مع كونها تابعةً أو مقطوعة فإن انتفى شرط من ذلك جاز تفريقها وجاز جمعها مقطوعة دون اتباعها فتأمل.
قوله:
(إذا تكررت النعوت)(2/137)
ليس بقيد بل النعت الواحد يجوز قطعه خلافاً للزجاج فشرط القطع تعين المنعوت بدون النعت واحداً أو أكثر، واعلم أن النعت إذا قطع خرج عن كونه نعتاً كما ذكره ابن هشام، وتكون جملته مستأنفة لا محل لها كما قاله الشاطبي.
قوله:
(وجب اتباعها)
اعترض بأن القطع لا يزيد على تركها بالكلية فكيف منعوه مع جواز الترك؟ وأجيب بأنها محتاج إليها بمقتضى الغرض، والقطع يشعر بالاستغناء فبينهما تنافٍ.
قوله:
(أو اتبع)
---
بنقل فتحة الهمزة إلى الواو لأنه من أتبع الرباعي فهمزته للقطع مفتوحة أما قوله في البيت الآتى: أوِ انصب، فبكسر الواو على أصل التخلص من الساكنين لأنه من نصب الثلاثي فهمزته للوصل.
قوله:
(أو بعضها اقطع)
مقتضى حل الشارح أن بعضها بالجر عطفاً على دونها أي وإن يكن معيناً ببعضها ويحتمل عطفه على الهاء في دونها على مذهب المصنف من جواز العطف على الضمير المخفوض بلا إعادة الخافض أي وإن يكن معيناً بدون بعضها، وعليهما فمفعول اقطع محذوف أي اقطع ما سواه على الأول أو اقطعه وحده على الثاني، ويكون مصرحاً بمسألتي الاستغناء عن جميع النعوت، وعن بعضها فقط. أما إن جعل بعضها بالنصب مفعول اقطع كما قاله المعرب والتقدير: إن يكن معيناً بدونها فاقطع جميعها، أو أتبع جميعها أو اقطع بعضها دون بعض فالمسألة الثانية مسكوت عنها في النظم معلومة بالمقايسة.
قوله:
(الإتباع والقطع)
أي بشرط تقديم المتبع، ولا يجوز عكسه على الصحيح ويستثنى من إطلاقه نعت اسم الإشارة، والنعت المؤكد نحو إلهَيْنِ اثْنَيْنِ}
(النحل:51)
والملتزم الذكر نحو: الشعري العبور فلا يجوز قطعها.
تنبيه:
محل التفصيل المتقدم إذا كان المنعوت معرفة، أما النكرة فيتعين إتباع الأول من نعوتها، ولا يجوز في الباقي القطع سواء افتقر إلى جمعها أم لا، لأن القصد من نعتها تخصيصها وقد حصل بالأول فإن كان نعتها واحداً فقط امتنع قطعه على المشهور إلا في الشعر.
قوله:
(مضمراً)(2/138)
بكسر الميم حال من فاعل ارفع أو فاعل انصب، وحذف حال الآخر للدلالة عليه، ولا تنازع لأن الحال لا تضمر، ومبتدأ مفعول مضمراً وناصب عطف عليه، والألف في: لن يظهرا للتثنية كما حلَّ عليه الشارح لأن أو التنويعية لا يفرد الضمير بعدها.
قوله:
(وهذا صحيح إلخ)
أي ليكون حذفه الملتزم أمارة على قصد الإنشاء للمدح ونحوه ولو صرح بذكره لخفي ذلك القصد وتوهم كونه خبراً مستأنفاً.
قوله:
---
(فإما إذا كان لتخصيص)
مراده ما يشمل التوضيح كما مر بدليل مثاله وفي ذلك بحث طالما توقفت فيه وهو أن شرط القطع تعين المنعوت بدون النعت كما مر فكيف يتأنَّى في نعت التخصيص مع أن المنعوت يفتقر إليه في تخصيصه وتعينه به ثم ظهر لي جوابه من التنبيه المتقدم وهو أن نعت التخصيص ليس على إطلاقه بل المراد به خصوص غير الأول من النعوت المتعددة لنكرة، والشرط موجود فيه لتعين النكرة تعيناً ما بنعتها الأول فيصدق أنها متعينة بدون النعت المقطوع مع أنه للتخصيص لكونه نعت نكرة، وأما التعين في نعت التوضيح في المعارف فظاهر.
واعلم أن النعت المقطوع إلى النصب لا يقدر بأعني إلا في نعت التخصيص أما في نعت المدح ونحوه فيقدر بأذكر أو أمدح مثلاً كما نقله الدماميني عن المحققين والله أعلم.
قوله:
(وما من المنعوت إلخ)
يشمل حذفهما معاً نحو: لا يَمُوتُ فيها وَلا يَحْيَى}
(طه:74)
أي حياة نافعة.
قوله:
(وإقامة النعت مقامه)
أي بشرط صلوحه لمباشرة العامل بأن لا يكون جملة ولا شبهها مع كون المنعوت فاعلاً أو مفعولاً أو مجروراً أو مبتدأ إذ الجملة لا تصلح لذلك بخلاف الخبر والحال فلا يحذف المنعوت بها في غيرهما بإطِّرادٍ إلا إذا كان بعض اسم مجرور بمن أو في نحو: منَّا ظَعَنَ، ومنَّا أقام وفينا سلم، وفينا هلك أي فريق ظعن إلخ ومنه قوله:
326 ــــ لو قُلْتَ ما فِي قَوْمِها لَمْ تيثمِ
يَفْضُلُهَا فِي حَسَبٍ وَمَيسَمِ(2/139)
أي لو قلت: ما في قومها أحد يفضلها لم تأثم فكسر التاء من تأثم وقلب الألف ياء وحذفه في غير ذلك ضرورة كقوله:
327 ــــ يَرْمِي بَكَفِّي كان مِنْ أَرْمَى البَشَرْ
أي بكفي رجل كان إلخ.
قوله:
(دل عليه دليل)
إما بمصاحبة ما بينه نحو أن: اعْمَلْ سَابِغَاتٍ}
(سبأ:11)
بعد:أَلَنَّا لَهُ الحَدِيدَ}
(سبأ:10)
وإما باختصاص الصفة به كمررت بكاتب وصاهل أو غير ذلك والله أعلم.
---
التوكيد
هو بالواو أكثر من الهمزة وبها جاء التنزيل يقال: أكد ووكد تأكيداً وتوكيداً، أطلق على التابع الآتي من إطلاق المصدر على اسم الفاعل.
قوله:
(بالنفس أو بالعين)
أي مراداً بهما جملة الشيء وحقيقته، وإن لم يكن له نفس ولا عين حقيقة فإن أريد بالنفس الدم وبالعين الجارحة كسفكت زيداً نفسه، وفقأت زيداً عينه لم يكونا توكيداً فهما في المثال بدل بعض أو لمنع الخلوِّ فتُجوِّز الجمع وإذا جمعا وجب تقديم النفس لأنها تطلق على الذات حقيقة بخلاف العين، وقيل يحسن فقط، ويجوز جرهما بباء زائدة كجاء زيد بنفسه وعمرو بعينه بخلاف باقي ألفاظ التوكيد، وأما: جاؤوا بأجمُعهم، فبضم الميم مفرده جمع كفِلْس أو أَفْلُس أي بجماعاتهم فالباء أصلية وليس هو أجمع التوكيدي وإلا وجب تجريده من الضمير كما هو حكمها وحكم إخواتها كذا في المغني، لكن نقل الدماميني وغيره فتح الميم.
قوله:
(طابق المؤكدا)
أي إفراداً وتذكيراً أو غيرهما.
قوله:
(بأفعل)
أي: جمعاً ملتبساً بوزن أفعل أو على أفعل وهذه العبارة أحسن من قوله في التسهيل: جمع قلة لأن عيناً تجمع في القلة على أعيان ولا يؤكد به على المختار.
قوله:
(ما ليس واحداً)(2/140)
هو المثنى والجمع وظاهره وجوب جمعهما فيهما لكن نقل الأشموني وغيره جواز غيره في المثنى كجاء الزيدان نفسهما ونفساهما والمختار أنفسهما لأن المثنى جمع في المعنى ولكراهة اجتماع مثنيين، وكذا كل مثنى في المعنى أضيف إلى ما يتضمنه كقطعت رأس الكبشين ورأسي الكبشين والمختار رؤوسهما.
قوله:
(جاء زيد نفسه)
إضافتها للضمير من إضافة العام للخاص لا الشيء إلى نفسه لأن النفس أعلم من زيد.
قوله:
(توهم أن يكون إلخ)
---
أي فهو رافعٌ لتوهمُّ المجاز بالحذف أو هو رافع لاحتمال المجاز العقلي بإسناد المجيء لغير من هو له لتعلقه به كضرب الأمير أي جنده، وأما توكيد الشمول فيحتمل رفع المجاز المرسل بإطلاق الكل على بعضه كما يحتمل رفع قائماً يكون باللفظي كما نقله سم عن السعد والسيد، ثم المراد بالرفع في ذلك الإبعاد لا الرفع بالكلية كما استظهره ابن هشام بدليل الإتيان بألفاظ متعددة ولو صار نصاً بالأول لم يؤكد ثايناً.
قوله:
(جاء خبر زيد)
مثله جاء القوم أنفسهم فإنه يرفع توهم جاء خبر القوم أو رسولهم لا توهم جاء بعضهم لأنه ليس للشمول فتدبر.
قوله:
(ذا أجزاء)
أي ولو بالنسبة لعامله كاشتريت العبد كله، ورأيته جميعاً لصحة: اشتريت نصفه، ورأيت بعضه بخلاف جاء زيد كله لأن المجيء لا يتعلق بالبعض.
قوله:
(ويؤكد بكلا وكلتا المثنى)
أي الدال على اثنين ولو بالعطف بشرط اتحاد المسند إليهما لا نحو: جاء زيد وذهب عمرو كلاهما، ولا يشترط حلول المفرد محلهما عند الجمهور خلافاً للأخفش والفراء فيجوز: اختصم الزيدان كلاهما وإن لم يصح إسناد الاختصام للواحد لأن التوكيد قد يكون للتقوية لا لرفع الاحتمال.
قوله:
(ولا بد من إضافتهما إلخ)
أي لفظاً كما يفيده قول المصنف: بالضمير موصلاً فلا يكتفي بنيتها خلافاً للزمخشري ولا حجة في قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الأرْضِ جَميعاً}
(البقرة:29)(2/141)
ولا في قراءة: أنا كلا فيها} على أن المعنى جميعه وكلنا لأن جميعاً حال من ما الموصولة، وكلا بدل من اسم أن لا تأكيداً وفرض الكلام فيما إذا جرت على المؤكد فلا يرد، وَكُلُّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}
(الأنبياء:33)
.
قوله:
(فاعله)
أي موازنها حال كونه مأخوذاً من عم، ولم يقل عمه لما فيها من الجمع بين الساكنين الذي لا يتأتَّى في الشعر وقوله: مثل النافلة، حال من فاعله.
قوله:
(مضافاً إلى الضمير)
---
أي لفظاً ككل، ولا يؤكد به إلا ذو أجزاء كما يؤخذ من التشبيه.
قوله:
(لأن أكثر النحويين لم يذكرها)
فيه أن سيبويه ذكرها وهو من أجلهم فليست زائدة وأيضاً فجميع لم يذكره الجمهور، ولم ينبه عليه فلعله أراد مثل النافلة لزوم التاء لها مع المذكر وغيره كاشتريت العبد عامته كما قال تعالى: وَيَعْقُوب نَافِلَةً}
(الأنبياء:72)
أي زائد على ما طلبه إبراهيم.
قوله:
(بأجمع)
وقد يجاء بعد أجمع بأكْتَع ثم بأبْصَع زاد الكوفيون: ثم بأبتع وكذا بعد أجمعون وأخواته ولا يجوز تقديم بعضها على بعض، وقدمت كل لنصها على الإحاطة ثم أجمع لصراحته في الجمعية على الباقي، ثم اكتع لأنه من تكتُّع الجلد إذا انقبض واجتمع، ثم أبصع لأنه من تبصُّع العرق إذا سال، وهو لا يسيل حتى يجتمع، ثم أبتع لأنه من البَتْع، وهو الشدة أو طول العنق ولا يخلو عن اجتماع فكل واحد أضعف مما قبله في الدلالة على الجمعية، وهذه الألفاظ يمتنع إضافتها للضمير لأنها معارف إما بنيَّتها، أو بالعلمية الجنسية لمعنى الإحاطة والشمول، وعلى هذا فأجمع ونحوه غير مصروف للعلمية والوزن وجمع لها وللعدل لأنه جمع فحقه جمع بسكون الميم كحمراء وحمر على الأول تبدل العلمية بالوصفية، وقال الدماميني يشبه العلمية في التعريف بدون معرف لفظي وأما جمعاء فلألف التأنيث الممدودة مطلقاً.
قوله:
(الذلفاء)(2/142)
بالذال المعجمة والفاء اسم امرأة، وتطلق على المرأة الحسناء، والشاهد في أجمع حيث أكد به الدهر غير مسبوق بكل وفيه أيضاً الفصل بين المؤكد والمؤكد بجملة أبكي، ومثله في التنزيل وَيَرْضَيْنَ بِمَا آتَيْتَهُنَّ}
(الأحزاب:51)
.
قوله:
(لا يجوز توكيد النكرة)
أي لأن ألفاظ التوكيد كلها معارف سواء المضاف لفظاً وغيره فيلزم تخلفهما تعريفاً وتنكيراً، وهو ممنوع عندهم.
قوله:
(المحدودة)
---
أي الموضوعة لمدة لها ابتداء وانتهاء كما مثله فالشرط عند الكوفيين حد النكرة مع شمولية التوكيد ككل وأجمع وعامة لا المطابقة تعريفاً وتنكيراً ولم يشترط الرضي والشاطبي سوى حصول الفائدة ومثلا بهذا أسد نفسه وعندي درهم عينه.
قوله:
(حولاً أكتعا)
أي فحولاً نكرة محدودة البدء والنهاية وتأكيده من ألفاظ الشمول من قولهم: حول كتيع أي تام، وفيه شاهد أيضاً لأفراد أكتع عن أجمع.
قوله:
(قد صرت)
من الصرير وهوالتصويت، والبكرة بسكون الكاف هنا للوزن وفتحها لغة والمراد بكرة البئر، أي لم ينقطع الاستقاء من البئر طول اليوم.
قوله:
(واغن)
أمر من عنى كفرح بمعنى استغنى.
قوله:
(في مثنى)
أي في تأكيد ما دل على اثنين، وإن لم يسمَّ في الاصطلاح مثنى كجاء زيد وعمرو كلاهما.
قوله:
(عن وزن فعلاء)
أي عن تثنية موازن فعلاء من الألفاظ المارة في قوله: وبعد كل أكدوا بأجمعا إلخ وكان الأولى ذكر هذا بعدها لأنه من تعلقاتها، وأشد مناسبة بها من توكيد النكرة.
قوله:
(وأجاز ذلك الكوفيون)
أي مع اعترافهم بعدم السماع، وقياس مذهبهم جوازه في توابع أجمع كأكْتَعَان وكَتْعَاوَان.
قوله:
(فبعد المنفصل)
أي فأكده بهما بعد المنفصل لئلا يقع اللبس في نحو: هند ذهبت نفسها وسعدى خرجت عينها، لتبَادر أنهما فاعل لا توكيد فإذا قيل ذهبت هي نفسها اندفع ذلك، وطَرْداً للباب في غير ذلك، وإنما اختص الحكم بالنفس والعين لكثرة استعمالهما في غير التوكيد كعلمت ما في نفسك بخلاف باقي الألفاظ.(2/143)
قوله:
(المرفوع المتصل)
أي بارزاً كان كما مثله أو مستتراً كزيد قام هو نفسه.
قوله:
(بضمير منفصل)
الشرط مطلق فاصل ولو غير ضمير نحو: قوموا في الدار أنفسكم كلكم كما يقتضيه كلام التسهيل.
قوله:
(وما من التوكيد إلخ)
---
ما موصول مبتدأ أو لفظي خبر لمحذوف، والجملة صلة ما، ومن التوكيد حال من الضمير في لفظي لأنه في تأويل المشتق، وجملة يجيء خبر ما أي والذي هو لفظي حال كونه من التوكيد يجىء مكرراً وحذف صدر الصلة لطولها بالظرف.
قوله:
(وهو تكرار اللفظ الأول)
أي إما بعينه كما مثله ولا يضر فيه بعض تغيير نحو فَمَهِّلِ الكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ}
(الطارق:17)
كما قاله السيوطي أو بمرادفه كقوله:
328 ــــ أنْتَ بِالخَيْرِ حَقِيقٌ قَمِن(2)
ومنه تأكيد الضمير المتصل بالمنفصل، والمراد تكراره إلى ثلاث فقط لاتفاق الأدباء على انتفاء أكثر منها في كلام العرب، وأما ما في سورة الرحمن والمرسلات فليس بتأكيد لأنها لم تتعدد على معنى واحد بل كل آية قيل فيها ذلك فالمراد التكذيب بما ذكر فيها.
قوله:
(دكاً دكاً)
منع بعضهم كونه تأكيداً لأن الثاني غير الأول إذ المراد دكّاً بعد دكِّ، وإنما هو حال لتأويله بمكرر أدكها كما أول ادخلو رجلاً رجلاً بمتناوبين، وعلمته الحساب باباً باباً بمجموعاً أبوابه، ومثله صَفّاً صفّاً}
(الفجر:22)
أي صفوفاً مختلفة والحال في ذلك مجموع الكلمتين ولما لم يمكن إعراب المجموع من حيث هو مجموع ظهر إعرابه في كل من جزأيه دفعاً للتحكم، كذا قيل. ورده الفارضي بأن الدكَّ في القيامة مرة واحد بدليل فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً}
(الحاقة: 14)
فيتعين كون الثاني تأكيداً وكذا صفا صفاً إن قلنا إن الملائكة تكون يوم القيامة صفاً واحداً لا يعلم طوله إلا الله تعالى.
قوله:
(كذا الحروف)
وكذا الموصولات لا تؤكد إلا بإعادة الصلة.
قوله:
(نعم)
---(2/144)
حرف جواب يصدق المخبِر، ويعلم المستخبر، ويوعد الطالب، ومثلها في ذلك جَيْرِ بفتح الجيم وسكون التحتية مبنياً على كسر الراء وأجل بفتح الجيم مبنياً على سكون اللام وأي بكسر الهمزة كما في المغنى فكل ذلك يقرر ما قبله من إيجاب أو نفي، وأما لا فلإبطال الإيجاب خاصة فلا يجاب بها نفي أصلاً عكس بلى فإنها لا يجاب بها إلا النفي لتبطله وهو إما مجرد كَزَعْمِ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يَبْعَثُوا قُلْ بَلَى}
(التغابن:7)
أو مع استفهام حقيقي كبلى في جواب: أليس زيد قائماً أي لم ينتفِ قيامه أو توبيخه نحو أمْ يَحْسَبُون أنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُم وَنَجْواهُم بَلَى}
(الزخرف:80)
أو تقريري كآية أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}
(الأعراف:172)
وكان القياس أن الإيجاب بها هذا لأنه إثبات معنى لأن همزة التقرير للنفي، ونفي النفي إيجاب ولهذا يمتنع إدخال أحد بعده لملازمته للنفي لكنهم راعوا لفظ النفي وحده فردوه ببلى في الأكثر لتقرر إبطاله المستفاد من الهمزة وتوكده، ويجوز إجابته بنعم نظراً لمعنى الإيجاب بشرط أمن اللبس بأن لا يتوهم بقاء النفي وعدم إبطاله كما هو شأن نعم، ولهذا نازع جماعة كالسهيلي فيما نقل عن ابن عباس لو قالوا نعم لكفروا لعدم صراحته في الكفر إذ يحتمل أن نعم تصديق للإيجاب المستفاد من مجموع الهمزة والنفي أي أنار بكم كما يحتمل أنها تصديق للنفي نفسه بقطع النظر عن الهمزة، ولا كفر على الأول نعم هو غير كاف في الإقرار لاحتماله غير المراد، ولذا لا يدخل في الإسلام بلا إله إلا الله برفع إله لاحتماله نفي الوحدة أفاده في المغني والله أعلم.
العطف
هو لغة الرجوع أطلق على التابع المخصوص لأن المتكلم رجع إلى الأول فأوضحه بالثاني أو شركه معه في الحكم.
قوله:
(الجامد)
---
قال في التسهيل أو بمنزلته بأن كان صفة فصار علماً بالغلبة كالصعق والرحمن الرحيم.
قوله:
(إيضاح متبوعه)(2/145)
أي إن كان معرفته، وتخصيصه إن كان نكرة، وقد يكون للمدح ففي الكشاف أن البيت الحرام عطف بيان للكعبة على جهة المدح لا التوضيح للتوكيد كما قاله بعضهم في قوله: يا نَصْرُ نَصْرٌ نَصْرَا
لكن اختار المصنف جعل هذا تأكيداً لفظياً.
قوله:
(فخرج بقوله الجامد الصفة)
، وتخرج أيضاً بقوله شبه الصفة لأن شبه الشيء غيره، وقوله حقيقة القصد به منكشفة يصلح كونه بياناً لوجه الشبه إن نظرنا إلى مطلق انكشاف، وكونه بياناً لوجه الفرق بينه وبين الصفة إن نظرنا لقوله به أي إن عطف البيان يفارق النعت في أنه يكشف المتبوع بنفسه، والنعت يكشفه ببيان معنى فيه كما يفارقه في أنه جامد لا يؤول بالمشتق وإن أمكن بخلاف النعت فلا بد من تأويله إذا ورد جامداً.
قوله:
(لا يوضحان)
أي الأصل فيهما ذلك وقد يعرض لهما الإيضاح.
قوله:
(لأنه مستقل)
ظاهره أن البدل خرج بعدم الاستقلال دون ما قبله، وليس كذلك لأنه يخرج بقيد الإيضاح أيضاً فلا حاجة لذكر الاستقلال، ولا يرد على إخراجه أن كل عطف بيان يصح بدلاً إلا ما استثنى كما سيأتي لأن جواز الأمرين منزَّل على مقصدي الإيضاح والاستقلال.
قوله:
(فأولينه)
تفريع على قوله شبه الصفة لأن المتبادر منه الصفة الحقيقية التي توافق المنعوت في أربعة من عشرة فما أشبهها كذلك، وأول بمعنى أعط، والهاء مفعوله الأول، وقوله: أولاً من وفاق بيان لمحذوف مضاف إلى ما هو المفعول الثاني وما بعده بيان لما ولا تكرار فيه لأن التقدير: أعط عطف البيان من موافقة أوله وهو المبين مثل ما تولاه النعت من موافقة أوله وهو المنعوت وإنما قدرنا مثل لأن المعطى لعطف البيان ليس هو عين ما يعطى للنعت بل مثله فتدبر.
قوله:
(وتعريفه)
---(2/146)
أي فلا يجوز تخالفهما تعريفا وتنكيراً. وأما قول الزمخشري: إن مقام إبراهيم} عطف بيان على آيات فمخالف لإجماعهم، ولا يصح تخريجه على مختار الرضي من جواز تخالفهما في التعريف لتخالفهما إفراداً وتذكيراً أيضاً وهو ممتنع وكذا لا يصح اعتذار المغني عنه بأن مراده أنه بدل وعبر عنه بالبيان لتآخيهما في كثير من الأحكام لنصهم على أن المبدل منه إذا تعدد، ولم يف البدل بالعدة، تعين قطعه فيخرج على البدلية فالأولى جعله مبتدأ حذف خبره أي مقام إبراهيم منها.u
قوله:
(فقد يكونان)
تفريع على قوله فأولينه أي إذا أثبت أن له مع متبوعه ما للنعت مع منعوته فقد يكونان إلخ وأتى به مع علمه مما قبله رداً على المخالف.
قوله:
(ذهب أكثر النحويين إلخ)
أي محتجين بأن البيان بيان كاسمه، والنكرة مجهولة فلا تبين غيرها ورد بأن بعض النكرة أخص من بعض فيبين غيره، وكما يجوز ذلك في النعت.
قوله:
(صديد)
هو الدم المختلط بالقيح، والمخالف يجعل ذلك كله بدلاً.
قوله:
(وصالحاً لبدلية)
أي لبدل الكل دون غيره.
قوله:
(يا غلام)
منادى مبني، ويعمر بضم الميم وفتحها علم منقول من مضارع عمر يعمر، وهو منصوب عطف بيان على محل غلام.
قوله:
(مسألتين إلخ)
---(2/147)
ضبط ابن هشام ما يمتنع فيه البدل دون البيان بما لا يستغني عنه التركيب أو لا يصح حلوله محل الأول اهـ. والشق الأول لم يتعرض له المصنف ولا الشارح ومن أفراده أن تفتقر جملة الخبر إلى رابط وهو في التابع كهند قام زيد أخوها، فلو أعرب أخوها بدلاً لخلت جملة الخبر عن الرابط لأنه من جملة أخرى تقديراً وكذا جملة الصلة والصفة كجاء الذي أو: رجل قام زيد أخوه والحال كهذا أخوه، وأما الشق الثاني فيدخل فيه مسألة المتن لأن المنع فيهما لعدم صحة إحلاله محلَّ الأول كما بينه الشارح ومن أفراده أيضاً كون تابع المنادى اسم إشارة أو محلى بأل كيازيد هذا، أو الحرث وأن يتبع وصف أي في النداء، ووصف اسم الإشارة بالخالي من أل كيا أيها الرجل زيد ويا ذا الرجل غلام زيد وجاء هذا الرجل عمرو، وإن يتبع ما أضيف إليه كلا وكلتا بمفرق كجاء كلا أخويك زيد وعمرو وذهبت كلتا أختيك هند ودعد، فيمتنع البدل في كل ذلك لامتناع إحلاله محل الأول إذ لا يدخل حرف النداء على المحلى بأل ولا ينادى اسم الإشارة بدون أن يوصف ولا توصف أي في النداء ولا اسم الإشارة بالخالي من أل ولا تضاف كلا وكلتا لمفرَّق كما يعلم من أبوابها ومن أفراده أيضاً أن يضاف أفعل التفضيل إلى عام أتبع بقسميه كزيد أفضل الناس الرجال والنساء لأن أفضل بعض ما يضاف إليه فيلزم كون زيد بعض النساء، والمنع في هذه الصور كصورتي المتن مبني على أن البدل لا بد من صحة حلوله محل الأول، ومنعه بعضهم لأنه يغتفر في الثواني، وقد جوزوا في أنك أنت زيد كون أنت بدلاً مع امتناع: إن أنت وغير ذلك مما هو كثير.
قوله:
(التارك البكري)
---(2/148)
وصف مضاف لمفعوله وجملة عليه الطير حال من البكري وجملة ترقبه حال من ضمير الطير المستكن في عليه أي: أنا ابن الذي ترك البكري بشراً(2) حال كون الطير كائنة عليه ترقبه لأجل وقوعها عليه، فمتعلق وقوعاً محذوف لا أنه هو عليه المذكور، وخبر الطير جملة ترقبه لئلا يلزم تقديم معمول المعمول للخبر الفعلي على المبتدإ والمصرح بجوازه تقديم معمول نفسه، أفاده الصبان، والمعنى أنه ترك بشراً المذكور مثخناً بالجراح يعالج طلوع الروح، فالطير واقفة عليه ترقب موته لتزل تأكل منه لأنها لا تقع عليه ما دام حياً والله أعلم.
عطف النسق
بفتح السين اسم مصدر من نسقت الكلام أنسقه عطفت بعضه على بعض، والمصدر نسقاً بالسكون قيل: وبالفتح أيضاً ويقال: نسقت الدر نظمته، ونسقت الشيء بالشيء إذا أتبعته إياه والمراد هنا المنسوق إطلاقاً للمصدر على المفعول، والمعنى هذا باب العطف الواقع في الكلام المنسوق بعضه على بعض.
قوله:
(تال بحرف إلخ)
أي معطوف النسق تابع بسبب حرف أو مع حرف ولو تقديراً لأن حذف العاطف جائز عند المصنف ولو في غير سرد الأعداد، وقوله: متبع أي مشرك للثاني بالأول في الحكم مخرج لأي تفسيرية في: رأيت غضنفراً أي أسداً فإن أسداً عطف بيان بالأجلى لا نسق، وإن كان تابعاً بحرف لأنه غير مشرك خلافاً للكوفيين، وليس لنا عطف بيان يتبع بحرف سوى هذا تصريح، ودخل في التعريف النعوت المعطوفة فإن إعرابها بالعطف، ولا تسمى نعوتاً في الاصطلاح.
قوله:
(مطلقاً)
أي لفظاً ومعنى كما يفسره التقييد بعده وهو حال من المبتدإ على رأي سيبويه أو من ضميره في الخبر على مذهب الأخفش والمصنف من جواز تقديم الحال على عاملها الظرفي.
قوله:
(أم أو)
بنقل فتح الهمزة للميم.
قوله:
(أحدهما ما يشرك إلخ)
---(2/149)
قال الناظم هذا هو الصحيح في أم وأو وإن قال الأكثر بعدم تشريكهما في المعنى لأن ما بعدهما مشارك لما قبلهما في المعنى المراد منهما من مساواة أو شك مثلاً نعم إذا اقتضيا إضراباً شركا لفظاً فقط كبل، ولم ينبه عليه هنا لقلته، والخلاف لفظي لأن نظر الأكثر إلى عدم تشريكهما في معنى العامل إذ القيام مثلاً لم يثبت إلا لأحد المتعاطفين لا لهما معاً، والثاني نظر إلى معناهما المفاد بهما من احتمال كل من المتعاطفين لثبوت القيام ونفيه وصلاحيتهما له.
قوله:
(فحسب)
الفاء زائدة لتزيين اللفظ، وحسب مبتدأ مبني على الضم لحذف المضاف إليه، ونية معناه والخبر محذوف أو هي خبر لمحذوف أي فحسبك ذلك أو فذلك حسبك أي كافيك عن طلب غيره.
قوله:
(طلا)
بفتح المهملة مقصوراً هو ولد الظبية أول ما يولد، وقيل ولد البقرة الوحشية، وقيل ولد ذوات الظلف مطلقاً والجمع أطلاء كسبب وأسباب وأما الطلاء بالكسر ممدود فالخمر، وأما المضموم فممدوده الدم ومقصوره الأعناق، أو أصولها جمع طلية أو طلاة كما في القاموس.
قوله:
(لمطلق الجمع)
أي الإجماع في الحكم وهو بمعنى الجمع المطلق أي عن التقييد بمعيَّة أو غيرها فلا فرق بين العبارتين وأما الفرق بين مطلق ماء وماء مطلق فاصطلاح للفقهاء في خصوص ذلك.
قوله:
(ورد إلخ)
أي لأن مراد المشركين بقولهم: ونحيا الحياة الدنيا لا حياة البعث لإنكارهم له، واعلم أن استعمالها عند عدم القرينة في المعية أرجح وأكثر وفي سبق ما قبلها راجح وكثير وفي تأخره مرجوح وقليل.
قوله:
(لا يغني متبوعه)
---(2/150)
أي لكون الحكم لا يقوم إلا بمتعدد كالاختصام ونحوه وإنما اختصت بذلك الواو لترجح المعية فيها. قال في التصريح: ذكر المصنف مما اختصت به ثلاثة أحكام هذا وعطف السابق على اللاحق وعطف عامل حذف، وبقي معموله كما سيأتي آخر الباب ثم أوصلها إلى أحد وعشرين وفي بعضها انتقاد كما بيَّنه الصبان فإن حتى تشاركها في الثاني على الصحيح كمات كل أب لي حتى آدم، والفاء في الثالث كاشتريته بدرهم فصاعداً.
تنبيه:
زعم الكوفيون أن الواو تقع زائدة فيكون دخولها كخروجها وجعلوا منه قوله تعالى: حتى إذا جَاؤوها وَفُتحتْ أبْوَابُها وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا}
(الزمر: 73). وقوله فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِين وَنَادَيْنَاهُ}
(الصافات:103)
فالأولى فيهما أو الثانية زائدة وما بعدها جواب إذا، ولما قيل هما عاطفتان أو للحال بتقدير قد والجواب فيهما محذوف أي كان كيت وكيت، والزيادة ظاهرة في قوله:
329 ــــ فَمَا بالُ مَنْ أَسْعَى لأَجْبُرَ عَظْمَهُ
حِفَاظاً وَيَنْوِي مِن سَفَاهَتِهِ كَسْرِي
وقوله:
330 ــــ وَلَقَدْ رَمَقْتُكَ فِي المَجَالِسِ كُلِّها
فَإذا وَأنتَ تُعِينُ مَنْ يَبغِينِي
فإن ما بعد إذا الفجائية لا يقترن بالواو وجملة ينوي حال من مَن وهو مضارع مثبت لا يقترن بالواو إلا أن يقدر له مبتدأ أي وهو ينوي، أفاده المغني.
قوله:
(باتصال)
المراد به التعقيب وهو في كل شيء بحسبه كتزوّج زيد فوُلِد له إذا لم يكن بينهما إلا مدة الحمل وإن طالت ولا يرد على الترتيب قوله تعالى: أَهْلَكْنَاها فَجَاءَهَا بَأْسُنَا}
(الأعراف:4)
من حيث إن الإهلاك بعد البأس لا قبله لأن المعنى: أردنا إهلاكها فجاءها، وكذا يقال في حديث «توضأ فغسل وجهه» إلخ ولا يرد على الثاني قوله تعالى: أَخْرَجَ المَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً}
(الأعلى:5)
ولا قوله: فَتُصْبِحَ الأرْضُ مُخْضَرَّةً}
(الحج:63)
---(2/151)
من حيث إن جعله غثاءً أحوى أي أسود من شدة اليبْس لا يعقب إخراجه واخضرار الأرض لا يعقب إنزال الماء لأن التقدير: فمضت مدة فجعله غثاء أو فتصبح الأرض لا يقال مضي المدة بتمامها لا يعقب الإخراج والإنزال لأنه يكفي تعقيب أولها وقيل الفاء فيهما نائبة عن ثم، أو هو من باب تزوّج فولد له.
قوله:
(أي تدل الفاء إلخ)
والغالب إذا وليها جملة أو صفة أن تدل على السببية مع العطف والتعقيب نحو: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}
(القصص:15)
لآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ}
(الصافات:66)
ومن غير الغالب عدم السببية نحو: فَرَاغَ إلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ فَقَرَّبَه}
(الذاريات:26 ـ 27)
لَقَدْ كُنْتُ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فكَشَفْنَا}
(ق:22)
فَأَقْبَلَتِ امْرأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ}
(الذاريات:29)
فَالزَّاجِرَاتِ زجراً فَالتَّالِياتِ ذِكْراً}
(الصافات:2)
ولا يرد على كون السببية تفيد التعقيب نحو: إن يسلم فهو يدخل الجنة، لأن عدم التعقيب فيه لعدم تمام السبب إذ السبب التام للجنة وحدها هو الإسلام، واستمراره إلى الموت بلا موجب لتطهيره بالنار أولاً قاله الدماميني.
قوله:
(وثم على تأخيره إلخ)
اعترض بقوله تعالى: خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا}
(الأعراف:189)
فإن خلق بني آدم متأخراً عن خلق زوجته حوَّاء وأجيب بأنها عاطفة على محذوف صفة للنفس أي من نفس أنشأها ثم جعل إلخ أوان ثم بمعنى الواو وزعم الأخفش والكوفيون أنها تزاد كما في قوله تعالى: ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمُ}
(التوبة:118)
ليتوبوا فإن تاب جواب إذا قبله ورد بأن الجواب محذوف أي حتى إذا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ}
(التوبة:118)
إلخ كان كيت وكيت ثم تاب إلخ.
قوله:
(اختصت الفاء بأنها إلخ)
---(2/152)
اقتصر على ذلك مراعاة للمتن وإلا فتختص بعكسه أيضاً وهو عطف الصلة على ما ليس صلة كجاء الذي تقوم هند فيغضب هو، وكذا تختص بعطف جملة لا تصلح للخبر أو الوصف أو الحال على ما تصلح له وعكسه كزيد يقوم فيقعد عمرو، ومررت برجل أو بزيد يقوم فيقعد عمرو وعكس ذلك، فلو قال: وتنفرد الفاء بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة أو صفة أو خبر أو حال لكان أولى وفي التسهيل تختص أيضاً بعطف مفصل على مجمل متَّحدين معنًى نحو: وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ}
(هود:45)
فقال إلخ، والترتيب في مثله ذكري لا معنوي لاتحاد معناهما، ويمكن أن يجعل من ذلك: توضأ فغسل وجهه إلخ.
قوله:
(الذي يطير إلخ)
جملة يطير صلة الذي وعائدها الضمير المستتر في يطير، وجملة يغضب زيد عطف عليها خلت من العائدة لعطفها بالفاء السببية، والذباب خبر الذي.
قوله:
(بعضاً)
أي جزأ كأكلت السمكة حتى رأسها أو فرداً كأكرمت القوم حتى زيداً أو نوعاً كما مثله، وكذا ما هو مثل البعض في شدة الاتصال كأعجبتني الجارية حتى حديثها بخلاف حتى ولدها، وأما قوله:
331 ــــ ألْقَى الصَّحِيفَةَ كَيْ يُخَفِّفَ رَحْلَهُ
وَالزَّادَ حَتَّى نَعْلَهُ ألقَاها
بنصب نعل فعلى تأويله بألقى ما يثقله، والنعل بعضه فصح عطفه، وألقاها على هذا تأكيد أو إن حتى ابتدائية ونعله نُصب بمحذوف ويفسره ألقاها كما إذا رفع على الابتداء، والخبر ويروى بالجر على جعلها جارة فيكون إلقاء النعل آخراً.
قوله:
(في زيادة أو نقص)
---(2/153)
أي معنويين كما مثله،، ويعبر عنهما بالشرف والخسة أو حسيين كوهبت الأعداد الكثيرة حتى الألوف المؤمن يجزي بالحسنة حتى مثقال الذرة ويشترط أيضاً كونه مفرداً لا جملة صريحاً مؤولاً قيل وظاهر إلا ضميراً كما هو شرط مجرورها والحق عدم هذا فيجوز: قام الناس حتى أنا، فشروط معطوفها أربعة فقط سواء كان آخراً أم لا، وأما مجرورها فشرطه أن يكون مفرداً وظاهراً وآخراً أو متصلاً به سواء كان صريحاً كـ حَتَّى مَطْلَعِ الفَجْرِ} أو مؤولاً كـ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْنَا مُوسَى}
(طه:91)
وسواء كان غاية في خسّة أو شرف أم لا فلكل منهما عموم وخصوص ففي: أكلت السمكة إلخ تصلح للعطف، والجر لأن الرأس آخر وهي غاية في الخسة لاستقذارها غالباً وفي: حتى يرجع تتعين للجر لاتصال الرجوع بآخر العكوف مع كونه ليس صريحاً ولا بعضاً ولا غاية في زيادة أو نقص، وفي أمثلة الشارح تتعين للعطف لأن ما بعدها ليس آخراً، أما إن وقع بعدها جملة اسمية كحتى ماء دجلة أشكل أو ماضوية كحتى عفواً أو مضارع مرفوع لكونه حالاً أو ماضياً كحتى بقوله الرسول فهي ابتدائية لأنها هي الداخلة على جملة مضمونها غاية لشيء قبلها وسيأتي لذلك مزيد.
تنبيه:
حتى العاطفة لمطلق الجمع كالواو ولا للترتيب في الحكم فيجوز: مات كل أب لي حتى آدم، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام «كل شيء بقضاء وقدر حتى العجز والكيس» إذ لا يتأخر تعلق القضاء والقدر بهما عن غيرهما فتدبر. نعم هي تفيد ترتيب أجزاء ما قبلها ذهناً أي تدريجها من الأضعف إلى الأقوى وعكسه وإذا كان معطوفها آخراً. مجروراً وجب كما في التسهيل إعادة الجار لئلا تلتبس بالجارة كاعتكف في الشهر حتى فى آخره بخلاف غير الآخر كعجبت من القوم حتى بنيهم.
قوله:
(إثر همز التسوية)
---(2/154)
أي بعدها، وهي الهمزة الواقعة بعد لفظ سواء وما أبالي كما اقتصر عليه الرضيّ، وأما الواقعة بعد: ما أدري ونحوه كلا أعلم وليت شعري فلطلب التعيين كما قاله الدماميني لا التسوية أي: ما أدرى جواب هذا الاستفهام خلافاً لما في المغني بل مال بعضهم إلى أنها بعد ما أبالي كذلك بدليل تعليقها الفعل عن لفظ جزأي الجملة بعده مع أنه متعدِّ بنفسه، ويقل بالباء فمعنى: ما أبالي أزيد قائم أم عمرو لا أكترث جواب هذا الاستفهام أي لا أعتنيه ولا أفكر فيه ازدراء به وربما يؤيد ذلك أن أي الاستفهامية تخلفها كقوله:
332 ــــ وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسلِماً
عَلَى أيِّ حَالٍ كان في الله مَصْرَعي
فتأمل:
قوله:
(ومتصلة)
سميت بذلك لوقوعها بين شيئين لا يكتفي بأحدهما لأن التسوية في النوع الأول وطلب التعيين في الثاني لا يتحققان إلا بين متعدد، وتسمى أم المعادلة أيضاً لمعادلتها الهمزة في التسوية أو الاستفهام، وهي منحصرة في النوعين، ويجب فيهما كما في الهمع تأخر المنفي فيمتنع: سواء علي ألم يقم زيد أم قام.
قوله:
(سواء علينا إلخ)
أعرب الجمهور سواء خبراً مقدماً عن الجملة بعده لتأولها بمصدر أي جزعنا وصبرنا سواء علينا أو عكسه لأن الجار المتعلق بسواء فيسوغ الابتداء به وجعلوه من مواضع سبك الجملة بلا سابك هذَا يَوْمُ يَنْفَعُ}
(المائدة:119)
---(2/155)
مما أضيف فيه الظرف إلى الجملة «وتسمع بالمعيدي خير من أن تراه» مما أخبر فيه عن الفعل بدون تقدير أن ولا يرد أن سواء لاقتضائها التعدد تنافي أم التي لأحد الشيئين لانسلاخ أم عن ذلك، وتجردها للعطف، والتشريك كما انسلخت الهمزة عن الاستفهام واستعيرت للإخبار باستواء الأمرين في الحكم بجامع استواء المستفهم عنهما في عدم التعيين فالكلام معها خبر لا يطلب جواباً، ولذا لم يلزم تصدير ما بعدها فجاز كونه مبتدأ مؤخراً وعلى هذا فيمتنع بعدها العطف بأو لعدم انسلاخها عن الأحد كأم، ولذا لَحَن في المغني قول الفقهاء سواء كان كذا أو كذا وصوابه أم لكن نقل الدماميني عن السيرافي أن أولا تمتنع في ذلك إلا مع ذكر الهمزة لا مع حذفها قال: وهذا نص صريح يصحح كلام الفقهاء، وأما التنافي المذكور فيتخلص منه بما اختاره الرضي من أن سواء خبر مبتدأ محذوف أي الأمران سواء، والهمزة بمعنى أن الشرطية لدخولها على ما لم يتيقن حذف جوابها للدلالة عليه، وأتى بها لبيان الأمرين أي: إن قمت أو قعدت فالأمران سواء. فأما للأحد كأو أو الجملة غير مسبوكة، ونقل عن السيرافي في مثله ا هـ وإذا تأملت ذلك علمت أنه على إعراب الجمهور لا تصح أو مطلقاً لمنافاتها التسوية إلا أن يدعي انسلاخها عن الأحد كأم وعلى إعراب الرضي تصح مطلقاً فلا وجه لقصر جوازها على عدم الهمزة إذ المقدر كالثابت على أن التسوية كما قاله المصنف مستفادة من سواء لا الهمزة وإنما سميت همزة التسوية لوقوعها بعدما يدل عليها، وحينئذ فالإشكال في اجتماع أو مع سواء لا الهمزة فتأمل بإنصاف.
قوله:
(مغنية إلخ)
---(2/156)
أي هي مع أم يغنيان عن أي في طلب التعيين لا الهمزة وحدها كما حققه الدماميني، وتخالف همزة التسوية بأمرين الأول أنها لم تنسلخ عن الاستفهام كتلك فتطلب جواباً بتعيين أحد الشيئين لا بنعم، أولاً لأنك إذا قلت: أزيد قام أم عمر وكنت عالماً بثبوت القيام لأحدهما دون من ثبت له فيجلب بتعيينه، وقد يجاب بلا تَخْطِئَة للسائل في اعتقاده ثبوت أحدهما كما في قصة ذي اليدين وقياسه جواز نعم لإثباتهما معاً تخطئة للسائل في اعتقاد أحدهما فقط ا هـ صبان. وفيه أن تعميم النفي في حديث ذي اليدين ليس بمجرد لا بل بقوله: كل ذلك لم يكن فقياسه في الإثبات أن لا يقتصر على نعم بل يؤتى بما يدل عليه كان يقال وقع كل ذلك فتأمل هذا كله مع أم فإن أتى بأو بدلها كان السؤال عن الثبوت للأحد أو عن النفي أصلاً كأنك قلت: أثبت القيام لأحدهما أو لا فيجاب بنعم أو لا، ويجوز بالتعيين لأنه جواب وزيادة. الثاني: أن الغالب دخولها على مفردين، ويتوسط بينهما ما لا يسأل عنه نحو: أأنْتُم أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ}
(النازعات:27)
أو يتأخر نحو: وإنْ أدرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ}
(الأنبياء:109)
وقد تدخل على فعليتين كقوله:
333 ــــ فَقُمْتُ لَلطَّيْفِ مُرْتَاعاً فأرَّقَنِي
فَقُلْتُ أهي سَرَتْ أمْ عادَنِي حُلُمُ
إذ الأرجح أن هي فاعل بمحذوف يفسره سرت واسميتين نحو: ما أدري أزيد قائم أم هو قاعد، ومفرد وجملة نحو: قال إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً بخلاف همزة التسوية فلا تدخل غالباً إلا على جملتين من جنس أو جنسين في تأويل المفرد عند الجمهور كما مر، وتقل على مفرد وجملة كقوله:
334 ــــ سَوَاءٌ عَلَيْكَ النَّفْرُ أَمْ بِتَّ لَيْلَةً
بأهْلِ القِبابِ مِنْ عُمَيْرِ بْن عامِرِ(3)
قوله:
(وبمعنى بل)
---(2/157)
عطف لازم على ما قبله وضمير وفت وقيدت وخلت لام في قوله: وأم بها اعطف فالمقصود لفظها هنا وهناك، وسميت منقطعة لانقطاع الجملة بعدها عما قبلها فلا تعلق لإحداهما بالأخرى.
قوله:
(إن تك مما قيدت به خلت)
أي بأن لا تسبق باستفهام ولا تسوية أصلاً بل بالخبر المحض نحو: لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ العَالَمِينَ، أَم يَقُولُونَ افْتَرَاهُ}
(السجدة)2 ـ 3)
أو تسبق باستفهام بغير الهمزة نحو: هلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالبَصِيرُ أَم هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ}
(الرعد:16)
إلخ أو تسبق بهمزة لغير التسوية وطلب التعيين كالإنكار والنفي في أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ}
(الأعراف:195)
وكالتقرير أي جعل الشيء مقرراً ثابتاً نحو: أفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أم ارْتَابُوا}
(النور:50)
فهي في جميع ذلك منقطعة بمعنى بل كما في الدماميني لأنه يكفي في صحة الكلام أحد المذكورين معها لانقطاع كل عن الآخر، وكذا تكون مع الهمزة إذا كان ما بعدها نقيض ما قبلها كأزيد عندك أم لا؟ لأنه لو اقتصر على الأول لأجيب بنعم أو لا فلم يفتقر السؤال إلى الثاني، وإنما يذكر لبيان أنه عرض له ظن الانتفاء فاستفهم عنه ضارباً عن الثبوت ولولا ذلك لضاع قوله: أم لا، بلا فائدة كما نص عليه سيبويه، وأما إذا لم يكن نقيضه كأزيد قام أم عمرو؟ فتحتملهما فإن كان السؤال عن تعيين القائم مع تيقن قيام أحدهما فمتصلة، وإن كان السائل عرض له ظن أن القائم عمرو بعد ظنه زيداً فاستفهم عن الثاني ضارباً عن الأول فمنقطعة كما نص على ذلك سيبويه.
قوله:
(وتفيد الإضراب)
أي لزوماً لا تفارقه وكثيراً ما تفيدمعه استفهاماً حقيقياً كأنها الإبل أم شاء أي: بل أهي شاء فاضرب عن الإخبار بكونها إبلاً إلى الاستفهام عن كونها شاء، وقد لا تقتضيه أصلاً نحو: أمْ هَلْ تَسْتَوي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ}
(الرعد:16)
---
أمْ مَنْ هذا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ}
(الملك:20)(2/158)
إذ لا يدخل استفهام على استفهام، وكذا: أم يقولون افتراه، كما يفيده تقدير الشارح لعدم احتياج المقام إلى الاستفهام وجعل الدماميني هذه للاستفهام التوبيخي.a
قوله:
(بل أهي شاء)
إنما قدر هي لأن أم المنقطعة ليست عاطفة كما نص عليه الرضي وابن جني بل بمعنى بل الابتدائية، وحرف الابتداء خاص بالجمل، وعلى هذا فذكرها هنا اسْتِطْرَادي لتتميم أقسام أم، وقيل: تعطف الجمل فقط، وقال المصنف: وكذا المفرد بقلة سمع: إن هناك لإبلاً أم شاء، وأوِّل بأن شاء نصب باري محذوفاً.
قوله:
(للتخيير وللإباحة)
قال الشمني أي بحسب العقل أو العرف في أي وقت كان وعند أي قوم كانوا إلا الشرعيين لأن الكلام في المعنى اللغوي قبل ظهور الشرع أي فالمراد ما يعمُّ الشرعيين كتزوج هنداً أو أختها وغيرهما كمثال الشارح، فإن امتناع الجمع وإباحته فيهما إنما يؤخذان من قرائن الحال قال في المغني: ومن المعجب أنهم ذكروا الإباحة والتخيير لصيغة أفعل ومثلوهما بهذين المثالين، ثم ذكروهما لأو، ومثلوهما بذلك لكن في ابن يعقوب على التلخيص أن المستفاد من الصيغة مطلق الإذن، ومن أو الإذن في الأحد الدائر وما وراء ذلك من جواز الجمع وعدمه فمن القرائن. فالفرق الذي في الشارح ليس راجعاً للفظ، أو بل للقرائن المنضمة إلى الكلام واعلم أن التخيير والإباحة إنما يكونان بعد الطلب وبقية المعاني بعد الخبر كما في التوضيح لكن صرح الشاطبي بأن المختص بالخبر هو الشك والإبهام فقط، وأما الباقي كالتقسيم والإضراب ففي الموضعين، وكلام المغني يشعر به.
قوله:
(وللإضراب)
---
أي بشرط تقدم نفي أو نهي، وإعادة العامل عند سيبويه كما قام زيد أو ما قام عمرو، ولا يقم زيد أو لا يقم عمرو، ولم يشترط الكوفيون وأبو علي ذلك، ويشهد لهم بيت الشارح وقراءة أبي السمال(3) «أوْ كُلَّمَا عَاهَدُوا» بسكون الواو ولكن يحتمل أنها فيهما بمعنى الواو.
قوله:
(ماذا ترى إلخ)(2/159)
قاله جرير لعبد الملك بن مروان. وقوله: قد بليت يروى: قد بَرِمْتُ بفتح الموحدة وكسر الراء أي ضجرت وسئمت.
قوله:
(عاقبت الواو)
أي جاءت بمعناها وهو مطلق الجمع.
قوله:
(جاء الخلافة)
قاله جرير يمدح عمر بن عبد العزيز، ويروى إذا كانت بدل أو ولا شاهد فيه حينئذ.
تنبيه:
أو بعد النفي أو النهي لنفي الجميع كقوله تعالى: وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً}
(الإنسان:24)
لا الأحد فقط.
قوله:
(في القصد)
أي المعنى لا في العطف ففيه إشارة لرد القول بأنها عاطفة.
قوله:
(أما الثانية)
أي إن ذكرت كما هو الغالب وقد تحذف لذكر ما يغني عنها كإما أن تتكلم بخير وإلا فاسكت وقوله:
335 ــــ فإمَّا أنْ تكونَ أَخِي بِصِدْقٍ
فَأعْرِفَ مِنْكَ غَثِّي من سَمِيني
وإلا فاطْرَحْنِي واتَّخِذْنِي
عَدُوّاً أتَّقِيكَ وتَتَّقِينِي
قوله:
(ما تفيده أو)
أي من المعاني المشهورة المتفق عليها فخرج الإضراب ومعنى الواو فلا تأتي لهما إما ولم ينبه عليهما لقلتهما والخلاف فيهما.
قوله:
(وليست أما هذه)
أي الثانية ولا خلاف في أن الأولى غير عاطفة لأنها تعترض بين العامل ومعموله كقام إما زيد وإما عمرو.
قوله:
(وأول لكن الخ)
---
أي اجعلها والية أي تابعة لذلك فلا تعطف في الإثبات خلافاً للكوفيين في العطف بها فيه فتنقل الحكم إلى ما بعدها، وتصير الأول مسكوتا عنه كبل في الإثبات، وإنما تكون فيه حرف ابتداء لمجرد الاستدارك فتختص بالجمل كقام زيد لكن عمرو لم يقم، ويمتنع لكن عمرو بالعطف على الأصح فإن قدر له خبر جاز، ويشترط أيضاً أن لا تقترن بالواو وإلا كانت كذلك نحو مَا كَانَ مْحَمَّدٌ أبا أحَدٍ مِنْ رِجَالِكُم وَلَكِنْ رَسُولَ الله}
(الأحزاب:40)(2/160)
أي ولكن كان رسول الله. وليس رسول معطوفاً بالواو وعلى أبا لاختلافهما إيجاباً وسلباً، وذلك ممتنع في عطف المفرد بالواو. بل المعطوف بها الجملة ولكن حرف استدراك وأن يكون معطوفها مفرداً فلا تعطف الجمل سواء كانت بعد نفي أو نهي أو أمر، أو إثبات بل تتمحض للاستدراك، ولا تقع بعد الاستفهام فشروط عطفها ثلاثة.
قوله:
(ولا الخ)
لا مبتدأ خبره جملة تلا ونداء الخ مفعول تلا أي شرط العطف بلا أن تتلو نداءً أو أمراً أو إثباتاً وكذا الدعاء والتحضيض، ويشترط أيضاً أن لا يصدق أحد متعاطفيها على الآخر فلا يجوز: جاءني رجل لا زيد، وعكسه كما في التسهيل بخلاف لا امرأة، وأن يكون ما بعدها مفرداً ليس صفة لما قبلها ولا خبراً ولا حالاً وإلا خرجت عن العطف ووجب تكرارها نحو إنَّها بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ}
(البقرة:68)
وزيد لا كاتب ولا شاعر وجاء زيد لا ضاحكاً ولا باكياً، وأن لا تقترن بعاطف وإلا كان العطف به وتمحَّضت هي للنفي تأسيساً كجاء زيد لا بل عمرو أو تأكيداً كما جاء زيد ولا عمرو كما في المغني.
قوله:
(وبل كلكن)
---
أي في المعنى وبعد حال من بل أي إذا تلت بل نفياً أو نهياً كانت مثل لكن في المعنى فتكون حرف عطف واستدراك يقرر حكم ما قبله، ويثبت نقيضه لما بعده كما ذكره الشارح فهي لقصر القلب لا غير ومثلها في هذا المعنى وإن لم يذكره المصنف لكن إلا أنه مشهور لها فليس فيه حوالة على مجهول فإن تلت إيجاباً أو أمراً نقلت الحكم إلى ما بعدها كما ذكره المصنف فيصير ما قبلها كالمسكوت عنه ثبوتاً ونفياً، وهي حينئذ حرف عطف وإضراب انتقالي كما في المغني فلا تعطف إلا بعد هذه الأربعة لكن يختلف معناها كما رأيت، ويشترط أيضاً إفراد معطوفها على الصحيح وإلا كانت حرف ابتداء للإضراب الإبطالي نحو بَلْ عِبَادٌ مُكرمونَ}
(الأنبياء:26)
أي بل هم عباد أمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالحَقِّ}
(المؤمنون:70)(2/161)
أو الانتقالي من غرض إلى آخر نحو قَدْ أفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ}
(الأعلى:14 ـ16)
.
قوله:
(في مربع)
كمقعد منزل القوم في الربيع خاصة، والتيهاء بفوقية فتحتية كصحراء وزناً ومعنًى لكن قصرت للوقف، سميت بذلك لتوهان الماشي فيها.
قوله:
(الجلي)
أي الظاهر وقيد به ليخرج العرض والتحضيض، والتمني لأن الأمر قد يُراد به ما فيه معنى الطلب فيشملها فليس حشواً.
قوله:
(أو فاصل ما)
بالجر عطفاً على ما قبله، وما نكرة صفة لفاصل لقصد التعميم أي: أيّ فاصل كان.
قوله:
(على ضمير الرفع المتصل)
أي سواء كان مستتراً أو بارزاً وإنما اشترط الفصل لأنه كالجزء من عامله لفظاً ومعنًى، ولا يعطف على جزء الكلمة فإذا فصل بالضمير المنفصل حصل له نوع استقلال فصح العطف عليه، وألحق به مطلق فصل لحصول الطول به.
قوله:
(فزوجك معطوف الخ)
---
لا يرد عليه تسلط فعل الأمر على الاسم الظاهر وهو ممنوع، ولذا قيل إنه فاعل بمحذوف والمعطوف الجملة أي: وليسكن زوجك كما سيأتي لأنه يغتفر في الثواني ورب شيء يصح تبعاً لا استقلالاً.
قوله
(قلت إذ أقبلت)
أي المحبوبة وزهر أي ونسوة زهر جمع زهراء كحمر وحمراء، وتهادى أصله تتهادى أي تتبختر حذفت إحدى التاءين، والمراد بالنعاج بقر الوحش، والفلا بالفاء اسم جنس جمعي للفلاة أي الصحراء وتعسفن جملة حالية أي ملن عن الطريق المسلوك ورملاً نصب بنزع الخافض أي في رمل وقيد بتعسفن الخ لأنه أقوى في التبختر لبعدها حينئذٍ عن المارة.
قوله:
(المستتر في سواء)
أي لتأويله بمستوٍ هو والعدم، ومثال العطف على المتَّصل البارز بلا فصل قوله صلى الله عليه وسلّم: «كنت وأبو بكر وعمر»(2).
قوله:
(لازمة)(2/162)
أي سواء كان الخافض حرفاً أو اسماً لئلا يعطف على ما هو كالجزء وتأكيده بالمنفصل غير ممكن لتعذر الانفصال في الجر إلا بالاستعارة فجعل إعادة الجار عوضاً عن الفصل، واعلم أن المعطوف هو المجرور وحده، وهل جر بالعامل الأول لأن الثاني كالعدم معنًى وعملاً بدليل قولهم: بيني وبينك، مع أن بين لا تضاف إلا لمتعدد أو بالثاني وهو لمجرد التأكيد كالباء في كفى بالله، وكالاسم الزائد في قوله: ثم اسم السلام عليكما قولان أصحهما الثاني.
قوله:
(بجر الأرحام)
أي وتخفيف تساءلون، وجعل الجمهور الواو للقسم على عادة العرب من تعظيم الأرحام والأقسام بها، وجملة إن الله جوابه، وأجابوا عن البيت بشذوذه.
قوله:
(والفاء قد تحذف)
قال ابن هشام هذا والبيتان بعده تتعلق بحروف العطف فكان ينبغي تقديمها على قوله وإن على ضمير الخ، لأنه من أحكام المعطوف، وتكون بعد قوله: واخصص بفاء الخ، قال سم: وقد يقال هذه أيضاً تتعلق بالمعطوف من حيث إنه يحذف مع عاطفه أو يحذف ويبقى معموله.
قوله:
(والواو)
---
عطف على الضمير في تحذف للفصل بالظرف أو مبتدأ حذف خبره أي كذلك وإذ ظرف متعلق بتحذف مضاف إلى جملة لا لبس أي تحذف الفاء والواو وقت عدم اللبس بأن يدل عليهما دليل.
قوله:
(وهي)
أي الواو ومزاد بضم الميم نعت لعامل أي محذوف، وجملة قد بقي معموله نعت ثان له، ولا فرق بين كون المعمول الباقي مرفوعاً كاسكن أنت وزوجك}(2) أو منصوباً كـ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإيمَانَ»}
(الحشر:9)(2/163)
وكبيت الشارح ومجروراً كما كل بيضاء شحمة ولا سوداء فحمة فالمعطوف في كل ذلك العامل المحذوف أي وليسكن زوجك وألفوا الإيمان، ولا كل سوداء، وقوله: دفعاً، تعليل لمحذوف أي وإنما لم يجعل المعطوف هو المعمول المذكور لأجل دفع الوهم أي المحذور من تسلط فعل الأمر على الظاهر في الأول وكون الإيمان مُتَبَوَّأ أي مسكوناً في الثاني وإنما يتبوأ المنزل والعطف على معمولي عاملين مختلفين في الثالث العاملان، ما وكل، والمعمولان بيضاء وشحمة.
قوله:
(وكذا الواو)
وتشاركهما أم كقوله:
336 ــــ فَمَا أَدْرِي أَرُشْدٌ طِلاَبُها(3)
أَيْ أَمْ غَيٌّ، وسكتَ عنه لندوره.
قوله:
(طليحان)
بفتح الطاء المهملة أي ضعيفان مهزولان، وتثنية هذا الخبر دليل على المحذوف.
قوله:
(فالعيون منصوب بمحذوف)
أي لأن التزجيج هو ترقيق الحواجب بأخذ الشعر من أطرافها حتى تصير مقوسة حسنة وذلك لا يصح في العيون لكن أكثر المتقدمين على أنه لا حذف بل ضمن الفعل المذكور معنى يناسب المتعاطفين فضمن زَجِّجْن معنى زيَّنَ وتَبَوَّؤوا معنى استحسنوا أو آثروا.
قوله:
(وحذف متبوع)
هوالمعطوف عليه، وقوله: هنا أي في هذا الموضع وهو العطف بالواو والفاء لأن الكلام فيهما لكن الحذف مع الفاء قليل كما في التسهيل.
قوله:
(أفلم تكن الخ)
---
مثله أفنضرب عنكم الذكر صفحاً أو لم يسيروا ونحو ذلك، فالهمزة في ذلك كله بمحلها الأصلي والفاء والواو عطفا الجملة بعدهما على جملة مقدرة بينهما وبين الهمزة أي: أنهملكم فنضرب عنكم وأعجزوا ولم يسيروا ويضعفه أنه تكلف، ولا يطرد في نحو أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ}
(الرعد:33)
مع أن الزمخشري جزم في مواضع بمذهب الجمهور من أن الهمزة قدمت من تأخير تنبيهاً على صدرها، والأصل فألم تكن فالمعطوف جملة الاستفهام بتمامها.
قوله:
(وفي الأفعال)(2/164)
أي بشرط اتحادها زمناً سواء اتَّحد نوعها أم لا كماض مستقبل المعنى على مضارع نحو: يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وعكسه نحو تَبَارَك الَّذِي إنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ} الآيَةَ
(الفرقان:10)
على قراءة ويجعل بالجزم لعطفه على الجواب وهو جعل لأنه مستقبل بسبب الشرط، والدليل على أن المعطوف الفعل وحده لا جملة الفعل، والفاعل ظهور النصب والجزم في نحو: يعجني أن تقوم وتخرج ولم تقم وتخرج.
قوله:
(فالمغيرات)
أي فالخيل اللاتي أَغَرْنَ صُبْحاً على العدو فَأَثَرْن به أي بذلك الوقت أو بمكان الإغارة نقعاً أي غباراً بشدة حركتهن فظهر أن أثرن لا محل له لعطفه على صلة، أل وهي كذلك وأما جرها فبالعارية من أل.
قوله:
(فألفيته)
أي وجدته ويبير بضم التحتية وكسر الموحدة آخره راء أي يهلك، والشاهد في قوله، ومجر اسم فاعل من الإجراء حيث عطفه على جملة يبير لأنها في تأويل الاسم إذ هي مفعول ثانٍ لألفيته فمجر نصب بفتحة مقدرة على الياء المحذوفة للضرورة، وعطاء مفعوله والمعابر جمع معبر وهو المركب.
قوله:
(بات يعيشهاالخ)
---
يصف الشاعر رجلاً بات يعاقب امرأته بالعضب الباتر أي السيف القاطع، وتسمية العقاب عشاء استعارة، ويقصد من القصد ضد الجوار في محل جر صفة ثانية لعضب في تأويل قاصد لأن الأصل في الوصف الإفراد لا حال بدليل جر المعطوف عليه، والأسْوُق كَأفْلُس جمع ساق والله أعلم.
البدل
هو لغة العوض قال تعالى: عَسَى رَبُّنَا أن يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْهَا}
(القلم:32)
واصطلاحاً ما ذكره المصنف.
قوله:
(هوالمسمى بدلاً)
أي عند البصريين أما الكوفيون فقيل يسمونه ترجمة وتبييناً وقيل تكريراً.
قوله:
(المقصود بالنسبة)
أي الحكم المنسوب إلى متبوعه إثباتاً أو نفياً.
قوله:
(بلا واسطة)
المراد بها حرف العطف وإلا فالبدل من المجرور قد يكون بواسطة نحو لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ}
(الأحزاب:21)(2/165)
الخ ونحو لَنَا عيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنا}
(المائدة:114)
.
قوله:
(مكمل للمقصود)
أي بتخصيصه أو رفع الاحتمال عنه أو إيضاحه.
قوله:
(المعطوف ببل)
---
أي بعد الإثبات كما مثله، وكذا المعطوف بـ لكنْ بعده بناء على قول الكوفيين به فإن كلا منهما هو المقصود بالحكم السابق، وهو الإثبات دون ما قبلهما لأنه صار كالمسكوت عنه لكن ذلك بواسطة بل ولكن أما المعطوف بهما بعد النفي فليس مقصوداً به أصلاً كما أن المعطوف بلا ليس مقصوداً بما قبلها بل يثبت له نقيض الأول، والحاصل أن عطف النسق ثلاثة أنواع: ما ليس مقصوداً أصلاً بالحكم الأول، وهو هذه الثلاثة فتخرج بقيد المقصود كسائر التوابع، وما هو مقصود دون ما قبله، وهو معطوف بل ولكن في الإثبات فيخرج بعدم الواسطة، وما هو مقصود مع ما قبله. وهو ما عدا ذلك، وأخرجه الشارح بقيد عدم الواسطة نظراً لكونه مقصوداً والموضح بالقصد لأن المراد المقصود وحده، وهذا ليس كذلك فظهر أن المبدل منه ليس مقصوداً أصلاً. وهو معنى قولهم في نيَّة الطرح لكنه إنما يظهر في بدل الغلط لا في غيره فإنه لا يصح حذف زيد من: قطعت زيداً يده لعدم ما يعود إليه الضمير إلا أن يقال معنى كونه في نية الطرح أنه لم يقصد بحكم العامل ومعناه فلا ينافي قصده في اللفظ لشيء آخر كعود الضمير في المثال، وكتأنيث الخبر في قوله:
337 ــــ إن السُّيوفَ غُدُوُّها ورَواحُها
تَرَكَتْ هَوَازِنَ مِثْلَ قَرْنِ الأعْضَبِ
أو المراد أن عامله مطروح ليس عاملاً في البدل، وقال الزمخشري معنى طرحه أن البدل مستقل بنفسه لا متمم له.
قوله:
(مطابقاً)
مفعول ثان ليلفي مقدم عليه، ونائب فاعله يعود إلى: بدلاً، في البيت قبله.
قوله:
(أو ما يشتمل)
---(2/166)
ما واقعة على بدل، ويشتمل مبني للفاعل، وهو ضمير فيه يعود لما وهاء عليه للمبدل منه المشعور به من لفظ البدل أي أو بدلاً يشتمل على المبدل منه بناء على قوله في التسهيل إن المشتمل هو البدل، أما على أنه المبدل منه كما أشار إليه الشارح بقوله: الدال على معنى في متبوعه فيعكس الضميران لكن يلزم عليها عيب السناد، وعلى الثاني جريان الصلة على غير ما هي له مع خوف اللبس فينبغي على الثاني بناء يشتمل للمجهول، وعليه نائب فاعله ليسلم منهما، ثم يرد على القولين أن الثاني لا يطرد في: سرق زيد ثوبه لعدم اشتمال زيد على الثوب ولا الأول في: نفعني زيد علمه لعدم اشتمال العلم على زيد بل العكس فيهما إلا أن يراد بالاشتمال مطلق الملابسة والتعلق بغير الكلية والجزئية لا الاحتواء الظرفي حقيقة أو مجازاً، واختار الموضح أن المشتمل هو العامل قيل: وهو التحقيق فإنه يشتمل على معنى البدل أي بدل عليه إجمالاً لكونه لا يناسب المبدل منه فيفهم أنه مرتبط بشيء آخر كأعجبني زيد علمه أو حسنه إذ الإعجاب لا يتعلق حقيقة بذات زيد بل بمعنى فيها كالحسن، وكذا سرق زيد ثوبه أو فرسه إنما يفيد تعلق السرقة بشيء منسوب لزيد لا بذاته، وكذا يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}
(البقرة:217)
فإن السؤال إنما يكون عن معنى واقع في الشهر لا عن ذاته لأنه معروف عندهم فقد دل العامل على معنى البدل إجمالاً وهو معنى اشتماله عليه، وفيه أنه لا يطرد في نحو: زيد ماله كثير مما عامله الابتداء فإنه يتعلق بالأول حقيقة فلا بدل على البدل، ولا يحسن تخريجه على أن الخبر هو العامل في المبتدإ لضعفه، وأيضاً يرد عليه قُتِلَ أصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ}
(البروج:4)
---(2/167)
فإن أصحاب ينسب للأخدود حقيقة فلا يدل على البدل، ولا يشتمل عليه. ولذا قال ابن غازي: معنى اشتمال العامل تعلق معناه بالبدل وإن تعلق في اللفظ بغيره، ولا يرد أن بدل البعض والكل كذلك، لأن وجه التسمية لا يوجبها. والحاصل أنه يراد بالاشتمال في كل من الأقوال الثلاثة مطلق الارتباط والتعلق بغير الكلية والجزئية وإلا لم يطرد في شيء منها.
قوله:
(وذا)
أي الذي كالمعطوف ببل أعزُ بضم الزاي أي أنسبه للإضراب بأن تقول: هو بدل إضراب إن قصد متبوعه معه، وقوله ودون قصد ظرف لمحذوف يدل عليه صحب أي وإن وقع للمتبوع أي قصد صحيح بأن لا يقصد المتبوع أصلاً بل يسبق إليه اللسان أو يقصد، ثم يتبين فساده كما قاله سم. وهو المسمَّى ببدل النسيان، وغلط خبر مبتدأ محذوف على حذف مضاف أي هو بدل غلط، وجملة به سلب صفته، ونائب فاعل سلب يعود للحكم المفهوم من السياق أي سلب ببدل الغلط الحكم عن الأول، وأثبت للثاني فالصفة جرت على غير صاحبها هذا إعراب المرادي. ويصح رجوع ضمير سلب للغلط بمعنى الخطأ بعد رجوع هاء به له بمعنى بدل الغلط عن الاستخدام أي وإن وقع دون قصد فهو بدل غلط موصوف بكونه سلب به الخطأ في نسبة الحكم إلى الأول.
قوله:
(أو ما يشتمل)
---(2/168)
ما واقعة على بدل، ويشتمل مبني للفاعل، وهو ضمير فيه يعود لما وهاء عليه للمبدل منه المشعور به من لفظ البدل أي أو بدلاً يشتمل على المبدل منه بناء على قوله في التسهيل إن المشتمل هو البدل، أما على أنه المبدل منه كما أشار إليه الشارح بقوله: الدال على معنى في متبوعه فيعكس الضميران لكن يلزم عليها عيب السناد، وعلى الثاني جريان الصلة على غير ما هي له مع خوف اللبس فينبغي على الثاني بناء يشتمل للمجهول، وعليه نائب فاعله ليسلم منهما، ثم يرد على القولين أن الثاني لا يطرد في: سرق زيد ثوبه لعدم اشتمال زيد على الثوب ولا الأول في: نفعني زيد علمه لعدم اشتمال العلم على زيد بل العكس فيهما إلا أن يراد بالاشتمال مطلق الملابسة والتعلق بغير الكلية والجزئية لا الاحتواء الظرفي حقيقة أو مجازاً، واختار الموضح أن المشتمل هو العامل قيل: وهو التحقيق فإنه يشتمل على معنى البدل أي بدل عليه إجمالاً لكونه لا يناسب المبدل منه فيفهم أنه مرتبط بشيء آخر كأعجبني زيد علمه أو حسنه إذ الإعجاب لا يتعلق حقيقة بذات زيد بل بمعنى فيها كالحسن، وكذا سرق زيد ثوبه أو فرسه إنما يفيد تعلق السرقة بشيء منسوب لزيد لا بذاته، وكذا يَسْأَلونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ}
(البقرة:217)
فإن السؤال إنما يكون عن معنى واقع في الشهر لا عن ذاته لأنه معروف عندهم فقد دل العامل على معنى البدل إجمالاً وهو معنى اشتماله عليه، وفيه أنه لا يطرد في نحو: زيد ماله كثير مما عامله الابتداء فإنه يتعلق بالأول حقيقة فلا بدل على البدل، ولا يحسن تخريجه على أن الخبر هو العامل في المبتدإ لضعفه، وأيضاً يرد عليه قُتِلَ أصْحَابُ الأُخْدُودِ النَّارِ}
(البروج:4)
---(2/169)
فإن أصحاب ينسب للأخدود حقيقة فلا يدل على البدل، ولا يشتمل عليه. ولذا قال ابن غازي: معنى اشتمال العامل تعلق معناه بالبدل وإن تعلق في اللفظ بغيره، ولا يرد أن بدل البعض والكل كذلك، لأن وجه التسمية لا يوجبها. والحاصل أنه يراد بالاشتمال في كل من الأقوال الثلاثة مطلق الارتباط والتعلق بغير الكلية والجزئية وإلا لم يطرد في شيء منها.
قوله:
(وذا)
أي الذي كالمعطوف ببل أعزُ بضم الزاي أي أنسبه للإضراب بأن تقول: هو بدل إضراب إن قصد متبوعه معه، وقوله ودون قصد ظرف لمحذوف يدل عليه صحب أي وإن وقع للمتبوع أي قصد صحيح بأن لا يقصد المتبوع أصلاً بل يسبق إليه اللسان أو يقصد، ثم يتبين فساده كما قاله سم. وهو المسمَّى ببدل النسيان، وغلط خبر مبتدأ محذوف على حذف مضاف أي هو بدل غلط، وجملة به سلب صفته، ونائب فاعل سلب يعود للحكم المفهوم من السياق أي سلب ببدل الغلط الحكم عن الأول، وأثبت للثاني فالصفة جرت على غير صاحبها هذا إعراب المرادي. ويصح رجوع ضمير سلب للغلط بمعنى الخطأ بعد رجوع هاء به له بمعنى بدل الغلط عن الاستخدام أي وإن وقع دون قصد فهو بدل غلط موصوف بكونه سلب به الخطأ في نسبة الحكم إلى الأول.
قوله:
(على أربعة أقسام)
زيد خامس وهو بدل كل من بعض كلقيته غُدْوة يوم الجمعة بنصب يوم إذ لا يصح جعله ظرفاً ثانياً لأن ظرف الزمان لا يتعدد بلا عطف قال السيوطي ووجدت له شاهداً في التنزيل قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ ولاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً جَنَّاتِ عَدْنٍ}
(مريم:60)
وفيه أنه يصح كونه بدل كلِّ من كل بجعل أل في الجنة للجنس.
قوله:
(بدل الكل)
سماه المصنف بدل مطابق لوقوعه في أسمائه تعالى نحو: إلى صِرَاطِ العَزِيزِ الحَمِيدِ الله}
(إبراهيم:1، سبأ: 6)
بالجر وإنما يطلق الكل على ذي أجزاء تعالى الله عن ذلك.
قوله:
(المساوي له في المعنى)
---(2/170)
أي بحسب القصد بأن يقع اللفظان على ذات واحدة فيتفقان ما صدقا، وإن اختلفا مفهوماً كزيد أخوك.
قوله:
(بدل البعض)
أي قليلاً كان أو مساوياً أو أكثر كأكلت الرغيف ثلثه أو نصفه أو ثلثيه. ولا بد فيه وفي بدل الاشتمال من ضمير يعود للمبدل منه عند الجمهور خلافاً لما في شرح الكافية وهو إما مذكور كما مثله، أو مقدر نحو: مَنِ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبيلاً}
(آل عمران:97)
إن جعل بدلاً من الناس أي منهم، وكمثال المصنف فإن تقديره قبله اليد منه أو أل عوض عن الضمير أما بدل الكل فلا يحتاج لرابط لأنه عين المبدل منه في المعنى كجملة الخبر إذا كانت عين المبتدأ قيل، وإدخال أل على كل وبعض خطأ لملازمتهما الإضافة لفظاً أو نية كقبل وبعد وأي. لكن جوزه بعضهم لعدم ملاحظة إضافة أصلاً.
قوله:
(وهو الدال الخ)
أي فمتبوعه مشتمل عليه كما مر.
قوله:
(الإضراب)
أي الانتقالي لا الإبطالي.
قوله:
(وبدل البداء)
بفتح الموحدة والدال المهملة مع المد أي الظهور لأن المتكلم بعد ذكره الأول قصداً بدا أي ظهر له ذكر الثاني وبعضهم نفاه، وجعل التابع معطوفاً بحذف الواو لا بل لأنه لم يثبت حذفها.
قوله:
(بدل الغلط والنسيان)
أي بدل شيء ذكر غلطاً بأن سبق اللسان إليه أو نسياناً بأن قصد أولاً، ثم تبين فساد قصده لا أن البدل نفسه هو الغلط أو النسيان بل هو لدفعهما فتبين أن الغلط متعلق باللسان والنسيان بالجنان فهو نوع ثالث كما قاله الموضح لكن الشارح تبعاً للمصنف، وكثير لم يفرقوه من الغلط.
قوله:
(لكل من القسمين)
أي وللثالث أيضاً إن كان أراد أولاً الأمر بأخذ النبل نسياناً وهو اسم جمع للسهم، ثم بان له فساد تلك الإرادة وأن الصواب أخذ المدى فذكره.
قوله:
(وهي الشفرة)
بفتح الشين المعجمة هي السكين العريضة والجمع شفار ككلبة وكلاب وشفرات كسجدة وسجدات، والمدى بضم الميم في المفرد والجمع.
قوله:
(ومن ضمير الحاضر)
---(2/171)
أي متكلماً كان أو مخاطباً بخلاف ضمير الغائب وغير الضمير.
قوله:
(أو اقتضى)
عطف على جلا أي إلا ما أي بدلاً جلا إحاطة أي أظهرها بأن كان بدل كلِّ دالاً على الشمول أو بدلاً اقتضى بعضاً الخ، وسكوته عن بدل الإضراب يقتضي عدم الجواز فيه لكن صرح الجامي بجوازه.
قوله:
(كإنك)
بكسر الهمزة أي كهذه الجملة وابتهاجك أي فرحك بدل اشتمال من الكاف، وجملة استمالاً بالسين المهملة خبر أن، والسين والتاء، زائدتان أو للصيرورة أي أن ابتهاجك أمال القلوب أو صيرها ماثلة إليك، ولكون المبدل منه في نية الطرح راعى في الخبر ضمير الابتهاج وإلا لقال استملت.
قوله:
(لأولنا الخ)
أي لجميعنا على عادة العرب من ذكر الطرفين وإرادة الجميع كـ سبحان الله بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
(الأحزاب:42)
أي كل وقت، وفي إعادة اللام دليل على أن البدل على نية تكرار العامل كما هو قول الأكثر.
قوله:
(امتنع)
أي عند جمهور البصريين، وأجازه الأخفش.
قوله:
(والأداهم)
جمع أدهم وهو قيد الحديد، وشثنة بشين معجمة فمثلثة فنون أي غليظة، والمناسم جمع منسم بفتح الميم وكسر السين المهملة أصله خف البعير استعير لقدم الإنسان بجامع الغلط.
قوله:
(فرجلى)
أي الأولى بدل من الياء وقيل منادى استهزاء بالموعد.
قوله:
(مطلقاً)
أي بدل كل أو غيره.
قوله:
(إن ضمير الغيبة الخ)
---(2/172)
قال الصبان أي البارز وإن لم يحضرني الآن التصريح به لا المستتر فلا يجوز: هند أعجبتني جمالها، كما لا يجوز: تعجبني جمالك ا هـ. وهو غير مسلَّم لتصريحهم في كلمة الشهادة بأن لفظ الجلالة بدل من المستكن في الخبر ونحوه كثير وأما امتناع ما ذكره فليس للاستتار بل لأن أعجبتني ماض مؤنث فلا يُسْنَد للمذكر بناء على وجوب صحة حلول البدل محل الأول، وتعجبني مضارع مبدوء بتاء الخطاب فلا يسند للظاهر، وأما في نحو: زيد أعجبني جماله فلا مانع من جعل جماله بدلاً من الفاعل المستتر على أنه مر في عطف البيان عن الدماميني إن صحة الإحلال غير لازمة لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع فتأمل بإنصاف.
واعلم أنه لا يبدل مضمر من مضمر ولا من ظاهر مطلقاً إلا إذا أفاد إضراباً. وأما نحو: قمتَ أنت ومررتُ بك أنت، فتوكيد اتفاقاً وكذا: رأيتك أنت عند الكوفيين والمصنف ونحو: رأيت زيداً إياه، غير مسموع ولو سُمع كان توكيداً.
قوله:
(وبدل المضمن الهمز)
---(2/173)
أي وبدل الاسم الذي ضمن معنى همزة الاستفهام يلي الخ، وكذا بدل المضمن معنى الشرط يلي أن الشرطية كمَن يقم إن زيد وإن عمرو أقم معه وما تصنع إن خيراً وإن شراً نُجزَ به ومتى تسافران ليلاً وإن نهاراً أتبعك، وخرج بالمضمن ما صرح معه بحرف الاستفهام أو الشرط فلا يلي بدله ذلك نحو: هل أحد جاءك زيداً وعمرو وإن تضرب أحداً زيداً أو عمراً أضربه سم. ويرد على الشرط قوله صلى الله عليه وسلّم: «أيما أمةٌ ولدت من سيدها فهي حرة عن دبر منه» برفع أمة بدلاً من أي مع أنه لم يلِ حرف الشرط. والجواب أن ذلك ليس بواجب في الشرط بل غالب ففي الكشاف أن يومئذ بدل من إذا زلزلت وكذا قال أبو البقاء. ولذا لم يذكره هنا ولا في التسهيل مع كثرة جمعه فيه وأجاب الصبان في مجلس سئل فيه عن ذلك بأن البدل إنما يلي حرف الشرط إذا وقع بعد فعل الشرط لا قبله كما يؤخذ من أمثلتهم. واستحسنه حاضروه مع أنه ترد عليه آية الزلزلة، وقد ظهر جواب آخر وهو أن المفهوم من أمثلتهم أن حرف الشرط إنما يذكر في بدل التفصيل فلا ترد آية الزلزلة، ولا الحديث لكونه فيهما ليس تفصيلاً فتأمل.
قوله:
(كمن ذا الخ)
من اسم استفهام مبتدأ خبره ذا، وسعيد بدل من من، والجملة في محل جر بالكاف لقصد لفظها.
قوله:
(ويبدل الفعل الخ)
---(2/174)
أي بشرط الاتحاد في الزمان دون النوع كما في العطف فيجوز: إن جئتني تمشِ إليّ أكرمْك، قاله ابن هشام ثم ألحق كما قاله الشاطبي مجيء الأقسام كلها فيه فبدل الكل كهذا المثال فإن المجيء هو نفس المشي، وبدل الاشتمال كالآية والبيت اللذين في الشارح فإن لقيّ الآثام يستلزم مضاعفة العذاب، وقيل: هي هو فهو بدل كل والمبايعة تستلزم الآخذ كرهاً أو طوعاً، ومنه مثال المتن فإن وصول قاصد الاستعانة يشتمل على الاستعانة، وإن كان مطلق الوصول لا يشتمل عليها، أو يقال إن الإستعانة بهم تشتمل على وصول المستعين إليهم بنفسه أو رسوله بناء على أن البدل هو المشتمل. وإنما رتب قوله يمن على الاستعانة مع أنه قد يستعين ولا يعان لادعاء المتكلم أنه من الكرام فلا يخيب قاصده، وبدل البعض نحو أن تَصلِّ تسجدْ لله يَرْحَمْك، ومن جعل هذا بدل اشتمال لأن الصلاة تشتمل على السجود فقد أبعد لما مر من أن المراد الاشتمال بغير الكلية والجزئية وإلا كان كل بدل بعض، كذلك أفاده الصبان وبدل الغلط جوزه سيبويه وجماعة، والقياس يقتضيه كإن تُطعمْ زيداً تكْسُه جبَّةً يشكرك ا هـ.
قوله:
(إن عليّ الخ)
قاله الشاعر لرجل تقاعد عن مبايعة الملك أي الانقياد إليه، وعليّ بشد الياء خبر إن مقدماً، والله نصب بنزع الحافض وهو واو القسم، وإن تبايعا بكسر الياء اسم إن، وتؤخذ بدل اشتمال من تبايعا وكرهاً مفعول مطلق بتقدير مضاف أي أخذ كره أو حال أي كارهاً وهو أنسب بقوله طائعاً.
تنبيه:
الدليل على أن البدل في هذه الأمثلة هو الفعل وحده لا جملة الفعل، والفاعل ظهور إعراب الأول من نصب أو جزم على الثاني فهو بدل مفرد من مفرد أما بدل الجملة من الجملة فكقوله تعالى: أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ أَمَدَّكُم بأنْعَامٍ وَبَنِينَ}
(الشعراء :133)
لأن الأولى صلة الذي، والثانية بدل بعض منها والله سبحانه وتعالى أعلم.
---(2/175)
- النداء -
هو بكسر النون أكثر من ضمها، والمد فيهما أكثر من القصر فلغاته أربع لكن المكسور الممدود مصدر قياسي لأن قياس فاعل كنادى الفعال وغيره سماعي، لكن وجه الضم مع المد أنه لما انتفت المشاركة في نادى كان بمنزلة الثلاثي الدال على صوت، وقياسه فعال بالضم كصرخ صراخاً راعى اللفظ كسر ومد، ومن راعى المعنى ضم ومد ثم قصر كل منهما تخفيفاً، قيل: المضموم اسم لا مصدر والهمزة منقلبة عن واو ككساء كما في العزى وهو لغة الدعاء بأي لفظ واصطلاحاً طلب الإقبال بيا أو إحدى أخواتها، والمراد بالإقبال مطلق الإجابة فدخل: يا الله ولا تناقض في يا زيد ولا تقبل لأن يا لطلب إقباله ليسمع النهي فلم يتوجه له النهي إلا بعد إقباله، ولا ينادى حقيقة إلا المميز لأنه الذي تتأتى إجابته. وأما غيره كيا جبال ويا أرض فاستعارة مكنيَّة حيث شبهه بالمميز في النفس ويا تخييل.
قوله:
(وللمنادى)
الأظهر فتح داله وإن صح الكسر أيضاً، والناء صفته من النَّأْي وهو البعد والكلف في كالناء بمعنى مثل أي مماثل معطوفة على مدخول أل الموصولة، وياؤها محذوفة للضرورة أي وللمنادى الذي هو ناء أو مماثلة يا الخ وإنما قدمها لأنها أعم الأدوات إذ تدخل كل نداء، ولا يقدر عنه الحذف غيرها، وتتعين في الجلالة والمستغاث وأيها وأيتها لعدم سماعها بغيرها إلا لبعدها حقيقة أو تنزيلاً فإنه غير لازم في ياء.
قوله:
(وأي)
بفتح الهمزة مقصورة، وقد تمد كما في التسهيل فتكمل الأدوات ثمانية.
قوله:
(وآ)
هو همزة ممدودة.
قوله:
(والهمز)
أي المقصور للداني أي القريب.
فائدة:
ذهب بعضهم إلى أن حروف النداء أسماء أفعال تتحمل ضمير المنادى بالكسر فيكمل للهمزة أقسام الكلمة فهي حرف للاستفهام، وفعل أمر من الوأي وهو الوعد واسم فعل بمعنى أدعو لكنها في الثاني مكسورة، ولها في ذلك نظائر مرت كعلى ومن.
قوله:
(فله الخ)
---(2/176)
أي لأن البعيد يحتاج لمد الصوت ليسمع، وهذه الأدوات مشتملة على حرف المد لكن هذا ظاهر في غير أي بالقصر، ومذهب المبرد أن أيا وهيا للبعيد، وأي والهمزة للقريب ويا للجميع، وكذا ابن برهان إلا أنه جعل أي للمتوسط، وأجمعوا على جواز نداء القريب بما للبعيد لتنزيله منزلته كما أشار له الشارح بقوله: أو في حكمه، وكذا لمجرد التأكيد اهتماماً بما يتلو النداء، وعلى منع عكسه للتأكيد لعدم تأتيه ولا مانع منه للتنزيل سم.
قوله:
(وازيداه)
وا حرف نداء وندبة وزيداً منادى مضموم تقديراً لمناسبة ألف الندبة والهاء للسكت.
قوله:
(قد يُعرى)
بضم الياء وشد الراء أي يجرد من حرف النداء لفظاً.
قوله:
(وذاك)
أي التعري المفهوم من يعرى.
قوله:
(والمشار له)
حقه أن يقول: والمشار به أي اسم الإشارة لأنه الذي تدخل عليه يا، لكنه عطفه على الجنس أي في اسم الجنس، واسم المشار له أي الاسم الدال عليه من حيث أنه مشار له، وهو اسم الإشارة، وظاهر كلامه أنه ينادى مطلقاً، وقيده الشاطبي بغير المتصل بكاف الخطاب فلا يقال: يا هذاك.
قوله:
(لا يجوز حذف الخ)
أي لأن الحذف ينافي مد الصوت المطلوب في المندوب والمستغاث، ويفوت الدلالة على نداء المضمر لكونه شاذاً قليلاً لا يقاس عليه على الصحيح. بل منعه بعضهم مطلقاً وأول ما سمع منه كيا إياك قد كفيتك وقوله:
338 ــــ يا أبجرُ بنَ أبْجَرٍ يا أَنْتَا
أَنْتَ الَّذي طلَّقْتَ عام جُعْتَا
أبان يا فيه للتنبيه، وإياك مفعول لمحذوف يفسره كفيتك، وأنت مبتدأ مؤكد بأنت الثانية، والذي خبره، ومحل الخلاف ضمير المخاطب أما غير فلا ينادى اتفاقاً، وأما حديث «يا هو يا من لا هو إلا هو» فلفظ هو في مثله اسم الذات العلية لا ضمير، وقولك: يا أنا لحن.
قوله:
(كذا مع اسم الجنس)
---(2/177)
قيده في التسهيل بالمبني للنداء هو النكرة المقصودة أما غير المقصودة كيا رجلاً خذ بيدي فيلزمه الحرف كما في شرح الكافية، وظاهر الأشموني بلا خلاف لكن صرح المرادي بأن بعضهم أجاز الحذف معه، أيضاً ولعله لم يعتبره لضعفه فهذا موضع رابع يمتنع فيه التعري، ويزاد لفظ الجلالة لئلا تفوت الدلالة على النداء لكونه بأل، والمنادى البعيد لاحتياجه لمد الصوت المنافي للحذف، والمتعجب منه لأنه كالمستغاث لفظاً وحكماً كيا للماء والعشب تعجباً من كثرتهما. فالجملة سبعة، وفي الإشارة واسم الجنس المعين الخلاف الذي في الشارح.
قوله:
(حتى إن أكثر النحويين منعوه)
أي الحذف فيهما وهو مذهب البصريين وحملوا المسموع على ضرورة أو شذوذ ولحنوا من استعمله من المولدين وهو عند الكوفيين مقيس مطرد فيهما، والإنصاف القياس على اسم الجنس لكثرته نظماً ونثراً، وقصر اسم الإشارة على السماع إذ لم يرد إلا في الشعر، وقد قال في شرح الكافية، وقول الكوفيين في اسم الجنس أصح.
قوله:
(ثم أنتم هؤلاء الخ)
أوله البصريون بأن هؤلاء بمعنى الذين خبر أنتم، وتقتلون صلته، أو هو اسم إشارة خبر أنتم أو عكسه وتقتلون حال.
قوله:
(ذا ارعواء)
مصدر نائب عن فعله أي: يا هذا انكفِ عن دواعي الصبا انكفافاً.
قوله:
(أصبح ليل)
مثل يضرب عند إظهار الكراهة من الشيء أي أئت بالصبح يا ليل وأصله أن امرأ القيس وقع على امرأة كانت تكرهه فقالت له: أصبحت أصبحت يا فتى، فلم يلتفت لقولها فرجعت إلى خطاب الليل كأنها تستعطفه ليخلصها مما هي فيه بمجيء الصبح.
قوله:
(أطرق كرا)
أي يا كروان فَرُخِّمَ بحذف النون على لغة من لا ينتظر فتبعتها الألف لكونها ليناً زائداً ساكناً رابعاً كما سيأتي، ثم قلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وأكله حلال إجماعاً كما في حياة الحيوان وهذا مثل تمامه أن النعام في القرى يضرب لمن تكبر، وقد تواضع أشرف منه.
قوله:
---
(وابن المعرف)(2/178)
أي سواء سبق تعريفه النداء كالعلم أو حصل به، وهو النكرة المقصودة فإن تعريفها إنما هو بالقصد والإقبال عليها، والصحيح بقاء العلم على تعريف العلمية، ويزيد بالنداء وضوحاً أنه ينكر قبل النداء إذ المنادى قد لا يقبل التنكير كالجلالة واسم الإشارة، وإنما نكر عند إضافته لأن مقصودها الأصلي التعريف أو التخصيص فلو بقيت العلمية لغت الإضافة، وأما النداء فمقصوده الأصلي طلب الإصغاء لا التعريف فلا حاجة للتنكير سم، وإنما لم يجتمع النداء مع أل لئلا يجمع بين أداتي تعريف ظاهرتين بخلاف العلمية فإنها بغير أداة ظاهرة فتدبر.
قوله:
(بني الخ)
قيل علة بنائه شبهه بكاف ذلك خطاباً وإفراداً عن الإضافة ورد بأن النكرة غير المقصودة كذلك مع إعرابها وإنما هي شبهه بكاف الضمير في نحو: أدعوك، خطاباً وإفراداً وتعريفاً. وهي مشابهة لكاف ذلك لفظاً ومعنًى. فهو مشبه للحرف بالواسطة فخرج بالإفراد المضاف وشبهه، وبالتعريف النكرة وبني على حركة إيذاناً بعروض البناء، كانت ضمة لدفع اللبس الحاصل بغيرها إذ الكسر يلبس بالمضاف لياء المتكلم بعد حذفها، والفتح يلبس به قلبها ألفاً وحذفها. وأما ضمه بعد حذف يائه فقليل لا يبالى باللبس به.
قوله:
(بالضمة)
أي ظاهرة أو مقدرة فيجب تقديرها في: يا موسى ويا قاض، ويحذف تنوين قاض اتفاقاً لبنائه، وتثبت ياؤه عند الخليل إذ لم يبق موجب لحذفها، وتستمر محذوفة عن المبرد لأنه نودي منوناً محذوف الياء فحذف تنوينه للبناء، وبقي حذف يائه أفاده الصبان، والظاهر جريان ذلك الخلاف في: يا فتى.
قوله:
(يا زيدان)
---
الظاهر أنه من النكرة المقصودة إذ لا يُثَنَّى العلم ولا يجمع إلا بعد تنكيره ولذا تلزمه أل في غير النداء عوضاً عن العلمية. فكذا يعوض عنها تعريف النداء، وما يفيده صنيع الشارح من أنه مثال للعلم حيث ذكر: يا رجلان بعده للنكرة المقصودة فإنما ذلك باعتبار أنه قبل التثنية كان علماً.
قوله:
(يا رجيلون)(2/179)
صغَّره ليسوَّغ جمعه الواو والنون.
قوله:
(فعل مضمر)
أي عند سيبويه، وقال المبرد نصب بحرف النداء لسدِّه مسدَّ الفعل، فعلى المذهبين: يا زيد جملة إلا أن جزأيها مقدران عند سيبويه وهما الفعل والفاعل، وعند المبرد سد حرف النداء مسد الفعل وحده، واستتر، الفاعل فيه لأنه لما عمل عمله تحمل الضمير مثله. وأما المنادى ففضلة مفعول به إلا أنه واجب الذكر لئلا يفوت النداء.
قوله:
(فحذف أدعو)
أي لزوماً لكثرة الاستعمال ولسد الحرف مسده في طلب الإقبال، ولا يرد أن أدعو خبر فلا يكون أصلاً للإنشاء وهو النداء: لجواز أن يقصد بالفعل الإنشاء أيضاً ولذا كان الأولى تقديره ماضياً لأنه الغالب في الإنشاء.
قوله:
(في أنه يتبع بالرفع الخ)
أي ولا يجوز اتباع حركته الأصلية في نحو: يا سيبويه ويا هؤلاء لبعدها بأصالتها عن حركة الإعراب بخلاف الضم فإنه بعروضه أشبه الإعراب العارض بالعامل، وبهذا ينحلُّ اللغز المشهور في هؤلاء وكذا المحكي فيبنى على ضم مقدر للحكاية كإعرابه في غير النداء، ويرفع تابعه، وينصب كيا تأبط شراً المقدام والمقدام، ولا يجوز اتباع حركته الأصلية، وفي قوله: بالرفع تسامح من يعلم الفصل الآتي.
قوله:
(والمضافا)
أي لغير ضمير الخطاب وإلا فلا ينادى أصلاً لئلا يلزم جمع خطابين لشخصين في جملة واحدة إذ النداء للمضاف، والضمير لغيره وهو ممتنع.
قوله:
(عادماً خلافاً)
أي في الجملة وإلا فثعلب يجوّز الضم إضافته غير محضة أو كما قيل:
وليسَ كلُّ خلافٍ جَاءَ مُعْتَبراً
إلا خلافٌ له حظُّ مِنُ النَّظرِ
قوله:
(أو مشبهاً به)
---(2/180)
هو ما اتصل به شيء من تمام معناه. فيطول به كالمضاف إما بكونه عاملاً فيه رفعاً أو غيره كيا حسناً وجهه ويا طالعاً جبلاً ويا رفيقاً بالعباد وكذا يا غافلاً والموت يطلبه إن جعلت الجملة حالاً من الضمير في غافلاً أو بعطفه عليه في التسمية قبل النداء كيا ثلاثة وثلاثين، وكذا النكرة الموصوفة قبل النداء عند كثير سواء وصفت بمفرد أو غيره كحكاية الفراء يا رجلاً كريماً أقبل. وكقوله صلى الله عليه وسلّم في سجوده «يا عظيماً يرجى لكل عظيم ويا حليماً لا يعجل» وقول الشاعر:
339 ــــ أداراً بِحُزْوَى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرَةً
لأن النداء لما ورد على الوصف صار كأنه من تتمة المنادى كالمعمول من العامل، ولا يلزم مثل ذلك في المعرفة الموصوفة لعدم احتياجها للوصف كالنكرة، فإن وصفت بعد النداء وجب البناء لأنها حينئذٍ مفردة مقصودة، وإن احتمل الأمر إن جاز وجاز ولا يرد أن النكرة تتعرف بالنداء فلا يصح وصفها بعده بنكرة ولا بجملة، لأنه يغتفر في المعرفة الطارئة، وأما الموصوفة قبل النداء فيرد التعريف عليهما معاً لا المنعوت وحده أفاده المصرح وفي التسهيل أن الموصوف قبل النداء من المفرد لاشبه المضاف لكن نصبه أرجح كالحديث والبيت فقوله هنا وابن المعرف المفرد أي وجوباً في غير الموصوف، وجواز فيه قال سم، وبحصر الشبيه بالمضاف فيما ذكر يعلم أن الموصول في نحو: يا من فعل كذا من المفرد فيقدر ضمه كما يقدر في سيبويه.
قوله:
(أيا راكباً الخ)
أن شرطية مدغمة في ما الزائدة. وعرضت أي أتيت العروض وهي مكة والمدينة وما بينهما ونجران بلد باليمن.
قوله:
(ويا ضارب عمرو)
أشار به للرد على ثعلب في الإضافة غير المحضة.
قوله:
(ويا ثلاثة وثلاثين)
---(2/181)
أي فيمن سميته بذلك فيجب نصبهما بلا خلاف، الأول لشبهه المضاف في الطول والثاني لعطفه على المنصوب، ويمتنع حينئذٍ إدخال يا على الثاني لأنه جزء علم كعبد شمس فإن ناديت جماعة هذه عدتهم فإن لم تتعين نصبتهما أيضاً، وإن عينت فإن أردت بهما جماعتين معينتين ضممت الأول لأنه نكرة مقصودة، وعرفت الثاني بأل على المختار لأنه نكرة أريد بها معين، ولم يكتفِ بتعريف النداء لأن يا لم تباشره ونصبته أو رفعته لأنه تابع المضموم إلا إذا أعيدت يا فيجب ضمه مجرداً من أل، وإن أريد بهما عدد واحد معين فالظاهر نصبهما كما في التسمية سم.
قوله:
(ونحو زيد)
مفعول ضم، ومفعول افتحن ضمير محذوف يعود عليه ومن نحو الخ حال من زيد، ولا تهن بفتح التاء من: وهن يهن إذا ضعف أو بضمها من أهان غيره أذله.
قوله:
(إذا كان المنادى مفرداً الخ)
ذكر ستة شروط أفادها المتن بالمثال، وسيأتي محترزها وبقي سابع كون المنادى ظاهر الإعراب فنحو يا عيسَى ابْنَ مَرْيَمَ}
(المائدة:116)
يتعين فيه تقدير الضم إذ لا ثقل مع التقدير حتى يخفف بالفتح، وثامن وهو كون ابن مفرداً لا مثنًى ولا جمعا ولا يخفى أخذهما من صنيع المصنف وموضوع المسألة إعراب العلم الأول بالحركات حتى يصحَّ فتحه وضمه، فالمثنى والجمع على حده خارجان عن ذلك. وانظر جمع التكسير كيا زيود ابن بكر وابن عمرو وابن خالد هل هو كالمفرد أم لا ومقتضى تعليلهم جواز الفتح بكثرة الاستعمال امتناعه في ذلك إذ لا يكثر كالمفرد، وقد يكون خارجاً بالمفرد كما خرج به المضاف فتأمل وشرط النووي في شرح مسلم كون البنَّوة حقيقية.
قوله:
(وصف بابن)
أي أو ابنه بخلاف بنت لقلة استعمالها في نحو ذلك.
قوله:
(مضاف إلى علم)
---(2/182)
أي مذكر أو مؤنث، وكذا العلم الأول كيازيد بن فاطمة ويا هند ابنة زيد بالضم والنصب، وغلطوا من اشترط تذكير العلمين ولا فرق بين كون العلم الثاني مفرداً أم لا صبان.g وحقه أن يقول: مضافاً بالنصب على أنه حال من ابن لأنه معرفة بقصد لفظه فلا يوصف بنكرة.
قوله:
(وجهان)
أما الضم فعلى الأصل، وأما الفتح فإتباع لفتحة ابن لكون الحاجز بينهما ساكناً غير حصين، أو هو فتح بنية على تركيب الصفة مع الموصوف كخمسة عشر، أو فتح إعراب على إقحام ابن وإضافة زيد إلى سعيد لأن ابن الشخص يضاف إليه لملابسته له. وأما فتحة ابن فعلى الأول إعراب، وعلى الثاني بناء وضم النداء مقدر عليه كما يقدر في خمسة عشر، وعلى الثالث لا إعراب ولا بناء كما في التصريح لأنه زائد لم يطلبه عامل فتقول في إعرابه على الأول: زيد منادى قدر ضمه لفتحة اتباعه لابن وابن صفته منصوب بالفتحة الظاهرة لأنه مضاف على الثاني زيد ابن منادى وضمه مقدر على ابن لحركة البناء التركيبي، وعلى الثالث زيد منادى منصوب لإضافته إلى سعيد، ولفظ ابن مفحم بينهما لا محل له. ولا يصح بدلاً ولا عطف بيان لعدم تمام الأول إلا بالمضاف إليه. وهل يجوز كونه توكيداً لفظياً بالمرادف كما سيأتي في سعد سعد الأوس؟ فتكون فتحته إعراباً تأمل.
قوله:
(ويجب حذف ألف ابن خطاً)
---(2/183)
أي بالشروط السابقة كما يصرح به قوله: والحالة هذه ما لم يقع أول سطر أو تقطع همزته للشعر. وإلا ثبتت وكذا إن عدم شرط كأن لم يقع بعد علم كجاء ابن بكر أو ابن بكر علي أو فصل منه أو لم يكن صفة له بل بدلاً أو خبراً ولو منسوخاً أو نصب بأعني أو كان منادى كجاء زيد ابن بكر أي يا ابن بكر أو كان مستفهماً عنه كهل زيد ابن بكر أو ثنى الابن أو جمع أو وقع بعد مثنى، أو جمع كما مر مثاله أو لم يضف لاسم أبيه حقيقة بل لضميره أو لجده أو معلمه أو للفظ ابن أو أخ مثلاً قال الدينوري في كتاب الرسم: أو للقلب غلب على أبيه أو صناعة اشتهر بها كجاء زيد ابن الأمير أو القاضي زاد الطبلاوي في نظم له: أو لأمه كعيسى ابن مريم فكل ذلك تثبت فيه الألف وهو مُقتضَى الشروط المارَّة لكن مر أنهم غلطوا من شرط تذكير العلمين في مسألة جواز الفتح. وقد قال في التسهيل: كل ما جوز فتح المنادى المضموم أوجب حذف تنوينه في غير النداء إلا لضرورة، وحذف ألف ابن خطأً ا هـ وفي الصبان: ومثل ابن في ذلك ابنة نظير ما مر. ولا فرق في كل ذلك بين كون العلم اسماً أو كنية أو لقباً على ما صرح به ابن خروف، وجزم الراعي بوجوب التنوين وثبوت الألف إذا كان العلم الأول مضافاً كجاء أبو محمد ابن زيد، واختاره الصفدي بعد نقله الخلاف فيه وكذا اختاره في إضافة الثاني كجاء زيد ابن عبد الله ا هـ.
قوله:
(والضم الخ)
مبتدأ خبره قد حتما. وإن لم يل شرط ويل الثاني عطف عليه والواو فيه بمعنى أو لأن انتفاء أحدهما كافٍ في تحتم الضم، والجواب محذوف لوجود شرط حذفه اختياراً وهو مضي فعل الشرط في المعنى كما سيأتي في عوامل الجزم أي فالضم متحتِّم أو إن قد حتما جوابه حذفت فاؤه للضرورة والشرط جوابه خبر المبتدأ ربط بالضمير في حتم. والوجه الأول أولى لعدم احتياجه إلى ضرورة كما مر غير مرة.
قوله:
(أي إذا لم يقع الخ)
---(2/184)
دخل في هذا محترز ثلاثة شروط من المتقدمة عدم العلم الأول والفصل بينه وبين ابن كما ذكره الشارح، وكذا عدم ذكر ابن كيا زيد الفاضل إذ يصدق عليه أنه لم يقع الابن بعد علم لأن السالبة تصدق بنفي الموضوع، وقوله أو لم يقع الخ هو مفاد عجز البيت. وهو محترز شرط رابع أي عدم العلم الثاني فكل ذلك يجب فيه ضم العلم الأول كما إذا كان الابن غير صفة له بأن كان بدلاً منه أو عطف بيان وهو محترز شرط خامس. وكذا يجب الضم إن ثنى الابن أو جمع أو وقع بعد مثنى، أو جمع أو لم تكن البنوة حقيقية أما إذا كان العلم الأول غير مفرد وهو محترز الأول كيا عبد الله بن زيد فيجب نصبه.
قوله:
(يا غلام ابن عمر)
اعترض وجوب ضمه بأن النكرة الموصوفة يجب نصبها، أو يجوز على ما مر إلا أن يقال لعله وجوب نسبي بمعنى امتناع الفتح للاتباع، أو التركيب فلا ينافي في جواز النصب كشبيه المضاف أفاده الصبان.
قوله:
(وأضمم الخ)
في تعبيره بالضم والنصب إشارة إلى أن المنون اضطراراً يكون مبنياً إذا ضم كحاله قبل الاضطرار ومعرباً إذا نصب رجوعاً لأصل الأسماء، وحينئذٍ يتعين في تابعه النصب، وفي الضم يجوز معه النصب.
قوله:
(مما له الخ)
بيان لما الأولى وحال منها، واستحقاق مبتدأ خبره بيِّنا، وله متعلق به بتضمينه معنى أثبت، وجملة المبتدإ والخبر صلة ما الثانية.
قوله:
(ضربت صدرها إلى)
أي متعجبة من نجاتي مع ما لاقيت من الحروب على عادة النساء من ضرب صدورهن عند التعجب فإلي بمعنى مني متعلق بحال محذوفة كما ذكر، أو بضربت لتضمينه معنى تعجبت وأصل أواقي وواقى جمع واقية أي حافظة فأبدلت الواو الأولى همزة لما سيأتي في قوله: وهمزاً أول الواوين رد الخ.
قوله:
(في قريض)
فعيل بمعنى مفعول من قرضت الشيء قطعته سمي به الشعر لاقتطاعه من الكلام.
قوله:
(بين حرف النداء)
إشارة إلى أن ذكر المصنف يا، مثال لا قيد فمثلها باقي الأدوات.
قوله:
---
(وأما مع اسم الله تعالى الخ)(2/185)
زاد في التسهيل اسم الجنس إذا كان مشبهاً به نحو: يا الأسد شدَّة، أَقْبِل، لأن تقديره يا مثل الأسد فحذف مثل، وأقيم المضاف إليه مقامه فلم تدخل يا في الحقيقة على أل، ولا يلزمه جواز: يا القرية على تقدير: يا أهل القرية لأن ذكر وجه الشبه في الأول يدل على معنى المضاف المحذوف وهو المثلية بخلاف هذا سم، وزاد المبرد ما سمى به من الموصول المحلى بأل مع صلته كيَا الذي قام، وصوبه الناظم وإن منعه سيبويه فإن سمى به بلا صلته منع نداؤه اتفاقاً صبان.
قوله:
(بقطع الهمزة)
أي لأنها لعدم مفارقتها له صارت كجزء من الكلمة فلم تحذف في النداء، وحينئذٍ تثبت ألف يا وجوباً، وقوله وَوَصْلُها، أي نظراً لأصلها وحينئذٍ تثبت ألف أو تحذف ففيه ثلاثة أوجه بخلاف يا المنطلق زيد فيجب قطع همزته مع ثبوت ألف يا لأن ما بدىء بهمزة الوصل فعلاً كان أو غيره يجب قطعها في التسمية به لصيرورتها جزأ من الاسم فتقطع في النداء أيضاً ولا يجوز وصْلها نظراً لأصالتها كما في الجلالة لأن له خواص ليست لغيره.
قوله:
(اللهم بميم الخ)
أي فهو منادى مبني علم ضم الهاء على المختار في محل النصب، والميم عوض عن يا فراراً من دخولها على أل وخصت الميم لمناسبتها ليا في أنها للتعريف عند حمير، وشددت لتكون على حرفين كيا، وأخرت تبركاً بالبداءة باسم الله تعالى إذ لا يجب كون العوض في محل المعوض منه كتاء عدة وألف ابن، أما البدل فيجب فيه ذلك كما في: ماء وماه وثعالي وثعالب فكل بدل عوض ولا عكس ولا يوصف اللهم عند سيبويه. كما لا يوصف غيره مما يختص بالنداء، وأجازه المبرد نحو قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمواتِ}
(الزمر:46)
وحمله سيبويه على النداء المستأنف، وقد تحذف منه أل فيصير: لاهم وهو كثير في الشعر.
قوله:
(إني إذا الخ)
الحدث بفتحتين الأمر الحادث من مكاره الدنيا وألما أي أنزل.
تتمة:
---(2/186)
تستعمل اللهم على ثلاثة أوجه: أحدها النداء المحض كما سمعته. ثانيها: أن يذكرها المجيب تمكيناً للجواب في ذهن السامع نحو: اللهم نعم في جواب: أزيد قائم. الثالث: أن تستعمل دليلاً على الندرة وقلة الوقوع أو بعده نحو: أنا أزورك اللهم لم تدعني، إذ الزيارة مع عدم الطلب قليلة ومنه قول المؤلفين: اللهم إلا أن يقال كذا قيل وهي على هذين موقوفة لا معربة ولا مبنية لخروجها عن النداء فهي غير مركبة لكن استظهر الصبان بقاءها على النداء مع دلالتها على التمكين أو الندرة فتكون معربة كالأول ولو سلم فيقال إنه منادى صورة فله حكمه والله أعلم.
قوله:
(بين حرف النداء)
إشارة إلى أن ذكر المصنف يا، مثال لا قيد فمثلها باقي الأدوات.
قوله:
(وأما مع اسم الله تعالى الخ)
زاد في التسهيل اسم الجنس إذا كان مشبهاً به نحو: يا الأسد شدَّة، أَقْبِل، لأن تقديره يا مثل الأسد فحذف مثل، وأقيم المضاف إليه مقامه فلم تدخل يا في الحقيقة على أل، ولا يلزمه جواز: يا القرية على تقدير: يا أهل القرية لأن ذكر وجه الشبه في الأول يدل على معنى المضاف المحذوف وهو المثلية بخلاف هذا سم، وزاد المبرد ما سمى به من الموصول المحلى بأل مع صلته كيَا الذي قام، وصوبه الناظم وإن منعه سيبويه فإن سمى به بلا صلته منع نداؤه اتفاقاً صبان.
قوله:
(بقطع الهمزة)
أي لأنها لعدم مفارقتها له صارت كجزء من الكلمة فلم تحذف في النداء، وحينئذٍ تثبت ألف يا وجوباً، وقوله وَوَصْلُها، أي نظراً لأصلها وحينئذٍ تثبت ألف أو تحذف ففيه ثلاثة أوجه بخلاف يا المنطلق زيد فيجب قطع همزته مع ثبوت ألف يا لأن ما بدىء بهمزة الوصل فعلاً كان أو غيره يجب قطعها في التسمية به لصيرورتها جزأ من الاسم فتقطع في النداء أيضاً ولا يجوز وصْلها نظراً لأصالتها كما في الجلالة لأن له خواص ليست لغيره.
قوله:
(اللهم بميم الخ)
---(2/187)
أي فهو منادى مبني علم ضم الهاء على المختار في محل النصب، والميم عوض عن يا فراراً من دخولها على أل وخصت الميم لمناسبتها ليا في أنها للتعريف عند حمير، وشددت لتكون على حرفين كيا، وأخرت تبركاً بالبداءة باسم الله تعالى إذ لا يجب كون العوض في محل المعوض منه كتاء عدة وألف ابن، أما البدل فيجب فيه ذلك كما في: ماء وماه وثعالي وثعالب فكل بدل عوض ولا عكس ولا يوصف اللهم عند سيبويه. كما لا يوصف غيره مما يختص بالنداء، وأجازه المبرد نحو قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمواتِ}
(الزمر:46)
وحمله سيبويه على النداء المستأنف، وقد تحذف منه أل فيصير: لاهم وهو كثير في الشعر.
قوله:
(إني إذا الخ)
الحدث بفتحتين الأمر الحادث من مكاره الدنيا وألما أي أنزل.
تتمة:
تستعمل اللهم على ثلاثة أوجه: أحدها النداء المحض كما سمعته. ثانيها: أن يذكرها المجيب تمكيناً للجواب في ذهن السامع نحو: اللهم نعم في جواب: أزيد قائم. الثالث: أن تستعمل دليلاً على الندرة وقلة الوقوع أو بعده نحو: أنا أزورك اللهم لم تدعني، إذ الزيارة مع عدم الطلب قليلة ومنه قول المؤلفين: اللهم إلا أن يقال كذا قيل وهي على هذين موقوفة لا معربة ولا مبنية لخروجها عن النداء فهي غير مركبة لكن استظهر الصبان بقاءها على النداء مع دلالتها على التمكين أو الندرة فتكون معربة كالأول ولو سلم فيقال إنه منادى صورة فله حكمه والله أعلم.
---(2/188)
[فصل] (قوله وتابع ذي الضم)
نصب بمحذوف يفسره ألزمه، والمضاف صفته، دون أل حال من تابع أو من ضميره في المضاف قيل: ولو قال ذي البناء لشمل المثنى والجمع. وأنت خبير بأن البناء عند المصنف لفظي هو نفس الحركات وما ناب عنها فالضم الذي هو أحد أنواعه يصدق بالضمة وما ناب عنها فتدبر. والمراد الضم لفظاً أو تقديراً كيا سيبويه ذا الفضل. والمراد بالتابع هنا ما عدا النسق والبدل وهو النعت والبيان والتوكيد بقرينة ما بعده، واعلم أن تابع المنادى المشتمل على ضميره يجوز فيه الخطاب نظراً لكونه مخاطباً، والغيبة نظراً لكونه اسماً ظاهراً كيا زيد نفسك أو نفسه ويا تميم كلكم أو كلهم ويا ذا الذي قمت أو قام.
قوله:
(وجب نصبه)
أي مراعاة لمحل المنادى، ولا يجوز اتباعه للفظه لتعذر ضم النداء في المضاف وهذا إذا كانت إضافته محضة وإلاَّ جاز لكونها في نية الانفصال كيا رجل ضارب زيد بالضم والنصب، ومثله الشبيه بالمضاف كما قاله الرضي وإن صرح السيوطي بوجوب نصبه إن قلت كيف ينعت المنادى وهو معرفة بالمضاف المذكور وشبهه مع أنه نكرة قلت: لا ينعت بذلك إلا النكرة المقصودة كما في الصبان، وقد مر أنه يتسامح في المعرفة الطارئة. وحينئذٍ فقول الشارح: يا زيد صاحب عمرو مشكل من وجهين كما لا يخفى. إلا أن يراد بصاحب الدوام أو أنه غلبت عليه الاسمية فتكون إضافته محضة، ويتعرف بها.
قوله:
(وما سوى المضاف المذكور)
أي من تابع ذي الضم خاصة فخرج تابع المنصوب فيجب نصبه مضافاً أو غيره محلَّى بأل أولا، إلا النسق والبدل فكمستقلٌّ لما يأتي.
قوله:
(والمفرد)
أي عن الإضافة فقط كيا زيد الظريف أو عنها وعن أل كيا رجل زيد، وكذا يا رجل ظريف بالرفع والنصب، ولا يرد وصف المعرفة بالنكرة لما مر. وكذا المضاف إضافة غير محضة مع خلوه من أل والمشبه به كما مر. عن الرضي.
قوله:
(برفع الكريم)
---(2/189)
فيه تسمُّح فإن ضمة التابع إتباع للفظ المنادى لا إعراب ولا بناء كما قاله الدماميني فهو منصوب بفتحة مقدرة لحركة الإتباع، ولذلك ينوَّن إذا خلا من أل والإضافة لعدم بنائه، واعلم أن محل ذلك في النعت إذا كان طارئاً بعد النداء أما قبله فينصب منعوته لشبهه بالمضاف كما مر فينصب النعت تبعاً له.
قوله:
(ففي حكم المنادى المستقل)
أي لأن البدل على نية تكرار العامل وهو يا والعاطف كنائب عنه.
قوله:
(فيجب ضمه)
أي ضم بناءً فلا ينون كما يفيده ما بعده.
قوله:
(وإن يكن الخ)
اسمها ما نسق، ومصحوب أل خبرها مقدماً وهذا تقييد لقوله: كمستقل الخ، وخص التقييد بالنسق لأن البدل لا يكون إلا خالياً من أل إذ حرف النداء مقدر قبله فلا يجمع بينهما. وقوله: ورفع، مبتدأ سوَّغه التقسيم.
قوله:
(وجهان)
أي لامتناع تقدير حرف النداء قبله بسبب أل فأشبه النعت في أن العامل فيه هو العامل في الأول فجاز فيه مراعاة لفظ الأول ومحله وظاهره جواز رفعه. ولو كان مضافا كيا زيد والحسن الوجه قال الصبان: ولا بعد فيه اهـ أي لأن إضافته تكون غير محضة أبداً في نية الانفصال إذ ما إضافته محضة لا تدخله أل.
قوله:
(والمختار الرفع)
أي تبعاً للفظه لما فيه من مشاكلة الحركة، ولكونه أكثر. واختار أبو عمرو وغيره النصب لأن ما فيه أل لا يباشر حرف النداء فلا يشاكل لفظ ما باشره وتمسكاً بظاهر الآية فقد أجمع فيها القراء سوى الأعرج على نصب الطير عطفاً على محل جبال، وأجيب باحتمال أنه بالعطف على: فضلاً قبله أو بسخَّرنا مقدراً.
قوله:
(وأيها الخ)
مبتدأ خبره يلزم، ومصحوب أل مفعوله مقدَّم عليه، وبعد وصفة وبالرفع أحوال منه أي وأيها يلزم مصحوب أل حال كونه صفة له مرفوعاً كائناً بعده أو مصحوب أل مبتدأ ثانٍ خبره يلزم، والجملة خبر أيها حذف رابطها أي يلزمها.
قوله:
(ورد)
---(2/190)
أفرد ضمير الفاعل إما لتأويله بالمذكور من أيهذا وأيها الذي، أو حذف خبر أحدهما لدلالة الآخر عليه أي ورد أيضاً، وقوله بسوى هذا أي المذكور من مصحوب أل وذا والذي.
قوله:
(فأي منادى مفرد)
أي نكرة مقصودة، وتكون بلفظ واحد وأن ثُنِّيَتْ صفتها أو جُمِعت كيا أيها الرجلان أو الرجال لكن يختار تأنيثها لتأنيث صفتها كيا أيتها النفس} ولا يجب كما قاله الدماميني.
قوله:
(وها زائدة)
أي حرف تنبيه زائد لا محل له لكنها تلزمها عوضاً عما فاتها من الإضافة كما عوضوا عنها ما الزائدة في نحو أَيّاً مَا تَدْعُوا}
(الإسراء:110)
وخصت ها بالنداء لأنه محل تنبيه، وما بالشرط لأنه يناسبه الإبهام، والأغلب فتح هذه الهاء، وقد تضم إذا لم يكن بعدها اسم إشارة.
قوله:
(ويجب رفعه)
أي تبعاً للفظها ففيه التسامح المار. وكذا يجب رفع نعته إذا نعت كيا أيها الرجل الفاضل فيمتنع نصب الفاضل تبعاً للمحل كما في الأشموني. والظاهر أن المانع من ذلك عدم السماع وإلا فتابع أي في محل نصب مثلها كما اختاره الصبان. ولم يوجد مانع من مراعاته في نعته كما وجد في أي.
قوله:
(لأنه المقصود بالنداء)
أي وأي وصلة لندائه لامتناع جمع حرف النداء وأل وهو مفرد فوجب ضمه كما لو باشره الحرف تنبيهاً على أنه المنادى، وخصت أي بالتوصل بها لوضعها على الإبهام واحتياجها للمخصص فتكون ألصق بما بعدها من غيرها ولما شابهها اسم الإشارة في ذلك قام مقامها.
قوله:
(محلى بأل)
أي الجنسية بحسب الأصل وإن صارت الآن للحضور كما تصير كذلك بعد اسم الإشارة، وخرج بها العهدية كالزيدين، والزائدة سواء قارنت الوضع كأليسع والسموأل أو كانت للمح الأصل كالحرث، أو في العلم بالغلبة كالنجم فكل ذلك لا يتوصل لندائه بأي، ولا بذا بل ينادى هو مجرداً من أل. وأجاز في شرح الكافية إدخال يا على أل الزائدة المقارنة للوضع كأليسع.
قوله:
(أو باسم الإشارة)
---(2/191)
أي بشرط خلوه من الكاف فلا يقال: يا أيها ذاك الرجل خلافاً لابن كيسان، ولا يشترط نعته حينئذ بذي أل كما مثله الشارح، وفاقاً لابن عصفور والناظم بدليل قوله:
340 ــــ أيُّهَا ذَانِ كُلاَ زَادَكُما
وَدَعَاني واغِلاً فَيمَن وَغَلْ
بخلاف ما إذا نودي اسم الإشارة نفسه.
قوله:
(كأي في الصفة)
أي في لزومها ولزوم رفعها وكونها بأل من اسم جنس أو موصول دون اسم الإشارة، ولم يستثنه لظهور أنه لا يوصف بمثله، ويراعى فيه حال المشار إليه من جمع وغيره نحو: يا هذان الرجلان بخلاف أي كما مر.
قوله:
(يُفيت)
بضم الياء مضارع أفات الرباعي، ومفعوله الأول محذوف أي يفيت المخاطب معرفة المشار إليه.
قوله:
(إن جعل هذا وصلة لندائه)
بأن قصد نداء ما بعدها كقولك لقائم بين قوم جلوس: يا ذا القائم، ويا ذا الذي قام فإن قصد نداء اسم الإشارة وحده، وقدر الوقف عليه بأن عرفه المخاطب بدون وصف كوضع اليد عليه فلا يلزم وصفه، ولا رفع وصفه إذا وصف كغيره لكن لا يوصف بغير ما فيه أل كحاله في غير النداء.
قوله:
(في نحو سعد الخ)
أي من كل تركيب وقع فيه المنادى مفرداً وكُرِّر مضافا إلى غيره علَماً كان كما مثل أو اسم جنس كيا رجل القوم أو وصفاً كيا صاحب صاحب زيد خلافاً للكوفيين فإن لم يضف الثاني كيا زيد زيد لم يجب نصبه.
قوله:
(يا تيم تيم عدي)
احترز بالإضافة عن تيم مرة من قريش وتيم قيس وغيرهما.
قوله:
(اليعملات)
جمع يعملة وهي الناقة القوية على العمل، والذبل جمع ذابل بمعنى ضامرة وإضافة زيد إليها لاشتهاره بالحداء أي الغناء لها في السير.
قوله:
(فإن ضم الأول)
أي لكونه مفرداً معرفة.
قوله:
(على التوكيد)
---(2/192)
أي للأول باعتبار محله قاله المصنف: وتعقب بأنه لا يصح توكيداً معنوياً لأنه ليس من ألفاظه، ولا لفظياً لاتصاله بما لم يتصل به الأول، ولاختلاف جهتي التعريف إذ تعريف الأول بالعلمية أو النداء، والثاني بالإضافة لأنه لا يضاف حتى يجرد من العلمية. وللمصنف أن يكتفى في التوكيد اللفظي بظاهر التعريف. وإن اختلفت جهته أو اتصل به شيء.
قوله:
(والثاني مقحم)
أي زائد بناءً على جواز زيادة الأسماء. والفصل به بين المتضايفين كلا فصل لاتحاده بالأول لفظاً ومعنًى. وكان حقه أن ينون لعدم الإضافة لكنه ترك للمشاكلة. وعليه ففتحته إتباع للأول فيما يظهر لأنه غير مطلوب لعامل. وصرَّح الأشموني بنصب الثاني توكيداً لفظياً، ويوافقه تفسير الحفيد الإقحام بالتأكيد اللفظي ففتحته أعراب، ويغتفر الفصل به، وعدم تنويه لما مر ولا يصح جعله بدلاً أو بياناً كما كان في صورة الضم إذ لا يكونان إلا بعد تمام الأول كما مر في: زيد بن سعيد.
قوله:
(إنه مضاف إلى محذوف الخ)
أي، ونصب الثاني حينئذ عل أحد الأوجه الخمسة المذكورة عند ضم الأول وبقي مذهب ثالث وهو تركيب الاسمين كخمسة عشر، وجعل مجموعهما منادى مضافاً إلى ما بعد الثاني منصوباً بفتحة مقدرة لحركة البناء التركيبي على الاسم الثاني، وأما حركة الأول ففتحة بنيَّة كما هو ظاهر والله سبحانه وتعالى أعلم.
المنادى المضاف إلى ياء المتكلم
قوله:
(وقد سبق حكمه)
وهو ثبوت ياء المتكلم مفتوحة على الأفصح فيما آخره ألف أو واو أو ياء غير مشددة كفتاي ومسلمي وقاضي، وحذفها فيما آخره ياء مشددة مع كسر ما قبلها أو فتحه كما مر بيانه وتجويز العصام حذفها في المثنى والجمع اكتفاء بيائهما يردُّه الْتِباس الجمع حينئذٍ بالمفرد المضاف للياء ساكنة.
قوله:
(وإن كان صحيحاً)
أي أو معتلاً يشبهه.
قوله:
(جاز فيه خمسة أوجه)
---(2/193)
أي بشرط أن لا يكون المضاف وصفاً مفرداً عاملاً كياء مكرمي وإلا تعين إثبات يائه مفتوحة أو ساكنة لشدة طلبه لها. أما في المثنى والجمع فتفتح فقط لأنه من المعتل.
قوله:
(وهو دون الأول)
ويليه في الكثرة إثبات الياء مفتوحة ثم قلبها ألفاً، ثم حذف الألف فهو أضعفها ولذا منعه الأكثرون لكن أجازه الأخفش والفارسي كقوله:
341 ــــ ولستُ براجعٍ ما فاتَ منِّي
بلَهْفَ ولا بِلَيْتَ وَلا لَوَانِّي
أي بقولي: يا لهفاً، ولم يرتبها المصنف لضيق النَظم. وكان على الشارح بيانه، وتقدَّم أن سكون الياء أصلٌ أول لأنه أصل كل مبني، والفتح أصلٌ ثانٍ لأنه أصل ما بُنِيَ على حرف واحد، وبقي وجه سادس وهو ضم الاسم بعد حذفها كالمفرد اكتفاء بنية الإضافة. وإنما يكون ذلك فيما يكثر نداؤه مضافاً للياء كالرب والأبوين والقوم لا نحو: الغلام قرىء رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إلَيَّ}
(يوسف:33)
وحكي: يا رب اغفر لي ويا أم لا تفعلي بالضم فهو منصوب لإضافته تقديراً لكن منع ظهور نصبه مشاكلة المفرد فعلى هذا لا يجوز في تابعه إلا النصب لكن جوز أبو حيان رفعه إجراء له كالمفرد في حكم التابع أيضاً.
قوله:
(قلب الياء ألفاً)
أي لخفتها، ويُتَوَصَّلُ إليها بفتح ما قبل الياء أولاً ليجري على قاعدة القلب، والظاهر أن هذه الألف اسم في محل جر بالإضافة كأصلها، وإن الفتحة قبلها لمناسبتها ونصب النداء مقدر سم.
قوله:
(وفتح)
مبتدأ سوغه التقسيم، وكسر عطف عليه وحذف الياء عطف على كسر والواو فيه بمعنى مع أي أو كسر مع حذف الياء واستمر أي اطَّرد خبر. وأفرده على إرادة المذكور لا لأن العطف بأو لأنّ أو التقسيمية كالواو.
قوله:
(إلا في ابن أم)
مثل ابن ابنة، وكذا بنت كما في التصريح.
قوله:
(فتحذف الياء منهما)
أي وجوباً، وأما إثباتها في قوله:
342 ــــ يا ابْنَ أمِّي وَيَا شُقَيِّقَ نَفْسِي
وقلبها ألفاً في قوله:
---
343 ــــ يا ابْنَةَ عَمَّا لا تَلُومِي وَاهْجَعِي
فضرورة.(2/194)
قوله:
(وتكسر الميم)
أي لتدل على الياء المحذوفة وهو أجود من الفتح.
قوله:
(أو تفتح)
هو عند الكسائي لمناسبة الألف المحذوفة المنقلبة عن الياء فإعرابه مقدَّر للمناسبة، وعند البصريين فتح بناء لتركيب الاسمين كخمسة عشر، وهو مضاف للياء تقديراً كما قاله الرضي. فإعرابه مقدر لحركة البناء التركيبي، ويحتمل قطعه عن الإضافة أصلاً فيقدر فيه الضم كخمسة عشر.v
قوله:
(ومن الياء)
متعلق بعوض الواقع خبراً عن التاء.
قوله:
(يا أبت)
أي زيادة على اللغات الست في: يا عبدي كما يفيده قول المصنف: عرض. فأبت منادى منصوب لأنه مضاف للياء المحذوفة المعوض عنها تاء التأنيث فهي حرف إذ لم تنقلب الياء إليها كالألف، ونصبه مقدر لفتحة مناسبة التاء إذ هي تقتضي فتح ما قبلها أبداً، وخصت التاء بالتعويض لمناسبتها للياء في أنها تزاد آخر الاسم للتفخيم كعلامة وهو يناسب الأب والأم، وقد تُبْدَل هاءً وَقْفاً وخطاً، وبهما قرىء في السبع ورسمت في المصحف بالتاء كما في التسهيل فالأولى موافقته.
قوله:
(بفتح التاء)
هو الأقيس تبعاً لما هي عوض عنه، والكسر أكثر وهو عوض عن كسر مناسبة الياء لزواله بالتاء وسمع ضمها. وقد قرىء بهن فالجملة تسع لغات في نداء الأبوين.
قوله:
(ولا يجوز إثبات الياء)
ولا الألف المنقلبة عنها، وأما قوله:
344 ــــ أيا أبَتي لا زِلْتَ فِينَا قائِماً
لَنَا أَمَلٌ فِي العَيْشِ ما دُمُتَ عائِشا
وقوله:
345 ــــ يا أبَتا عَلَّكَ أَو عَسَاكَا
فضرورة لكن الثاني أهون لذهاب صورة الياء المعوض عنها بل قيل لا ضرورة فيه لأن هذه الألف لم تنقلب عن الياء، بل هي التي تلحق المنادى البعيد والمندوب والمستغاث فتكون لغة عاشرة والله أعلم.
أسماء لازَمَت النداء
---
لازمت فعل ماض كضاربت لرسم التاء مجرورة فالنداء مفعوله وبقطع النظر عن الرسم يحتمل أنه اسم فاعل كضاربة أماً، منون، والنداء مفعوله أو هو مضاف له.
قوله:
(بعض ما يخص)(2/195)
أفاد أن هناك ألفاظاً أخَر تختص بالنداء كأبتِ وأمتِ واللهم.
قوله:
(وزن يا خباث)
فاعل اطرد وفي سب متعلق به، والأمر عطف على وزن بحذف مضافين أي واطرد اسم فعل الأمر حال كونه كخباث هذا في الوزن والبناء على الكسر. وكذا في الشروط، وقوله: من الثلاثي، متعلق باطَّرد فهو راجع لهما لأنه شرط في كلِّ منهما.
قوله:
(يافل)
بضم الفاء واللام وللأنثى فلة بضم الفاء فقط، وأصلهما عند الكوفيين فلان وفلانة حذفت منهما الألف والنون للترخيم، وكلها كنايات عن الأعلام الشخصية. وكذا قال ابن عصفور والشلوبين والمصنف إلا أن الحذف عندهم للتخفيف لا للترخيم وإلا لقيل للذكر: فُلا وللأنثى فلان كما يُعْلَم مما يأتي قال المصنف: ولا ينقصان في غير النداء إلا للضرورة وهو المراد بقوله هنا: وجر في الشعر فل، والصحيح عند البصريين أن فل وفلة كنايتان عن نكرتين من جنس الإنسان كما أشار إليه الشارح بقوله: أي يا رجل. وهما المختصان بالنداء لا يخرجان عنه أصلاً، وأما الآتي في الشعر فأصله فلان حذف للضرورة ومادتهما فلي بالياء، وأما فلان وفلانة فكنايتان عن الأعلام الشخصية ولا يختصان بالنداء ومادتها فلن بالنون فهما غيرهما معنىً ومادة وحكماً.
قوله:
(يا لؤمان)
بضم اللام وسكون الهمزة هوالعظيم اللؤم أي الشحّ ودناءة النفس وبمعناه وحكمه يا مُلْئِمُ ويا مُلئِمان ويا مُخْبِثانَ ونَومان بفتح النون والأكثر في بناء مفعلان كونه للذم كما ذكر وقد جاء في المدح كيا مطَيبان ويا مكرمان، ولا يخرج عن النداء. وأما قولهم: رجل مكرمان وامرأة ملئمانة فعلى إضمار القول أي مقول فيه يا مكرمان.
قوله:
(وهو مسموع)
---
أي مقصور على السماع بإجماع في جميع الأوصاف المذكورة كما يفيده تعبير المصنف باطرد فيما بعدها إلا مفعلان ففي القياس عليه خلاف.
قوله:
(في النداء الخ)
إنما يختص فُعَال بالنداء إذا كان وصفاً للذم كما ذكر بخلاف العلم كقطام وأما قوله:(2/196)
346 ــــ أُطَوِّفُ ما أُطَوِّفُ ثُمَّ آوِي
إلى بَيْتٍ قَعِيدَتُهُ لَكَاعِ
فعلى تقدير مقول فيها: يا لكاع أو هو ضرورة.
قوله:
(مبنياً على الكسر)
.
اعلم أن فعال أمر كنزال مبني لشبهه الحرف في الجمود كسائر أسماء الأفعال، أو لتضمنه معنى لام الأمر، وفِعال وصفاً مبني لشبهه الأمر وزناً وعدلاً لأنه معدول عن فاعله كما أن الأمر معدول عن افعل. فهو مشبه للحرف بالواسطة، وبنيا على حركة لالتقاء الساكنين، وكانت كسرة لأنها لأصل.
قوله:
(ويا لكاع)
أي يا خبيثة.
قوله:
(للدلالة على الأمر)
ذكره هنا استطرادي لمناسبة خباث في وزنه وبنائه على الكسر وشروطه لأن كلاَّ منهما لا يبنى إلا من ثلاثي تام كامل التصرف فلا يبنيان من مزيد ونحو دَرَاك من أدرك سماعي، ولا من ناقص، ولا جامد، ولا من نحو: يذر ويدع لعدم تمام تصرفهما.
قوله:
(يا فُسَقْ الخ)
بوزن عمر ممنوع من الصرف للوصفية والعدل عن فاسق وغادر. وأما لُكَع فعن ألكع لأنه من لَكَعَ لَكَاعَةً كظرف ظرافةً فهو ألْكَعُ أي لئيم فعُدِلَ عنه إلى لكِع للمبالغة، ولم يسمع من هذا النوع إلا هذه الثلاثة وخبث معدول عن خبيث.
قوله:
(قد تستعمل في الشعر)
ضعيف كما مر.
قوله:
(في لجة)
متعلق بقوله قبله:
347 ــــ تدافع الشيبُ ولم تقبل(2)
والشيب بالكسر حكاية صوت شرب الإبل أطلق عليها نفسها، واللجة بالفتح اختلاط الأصوات في الحرب وأمسك الخ صفة لها بتقدير مقول فيها أمسك الخ يصف الشاعر إبلاً أقبلت متزاحمة متدافعة فشبهها بقوم في لجة متدافعين يقال فيهم: أمسك فلاناً عن فلان أي أحجز بينهم والله أعلم.
---
الاستغاثة
هي نداء من يخلص من شدة، أو يعين على دفعها، ولا يستعمل فيها من حروف النداء إلا يا، ويمتنع حذفها كما مر.
قوله:
(كيا للمرتضى)
أفاد أنه يجوز اقتران المستغاث بأل، وهو إجماع لأن يا لم تباشره بخلاف غيره من المناديات.
قوله:
(فيجر المستغاث بلام)(2/197)
أي فهو معرب وإن كان منادى مفرداً لأن تركيبه مع اللام أعطاه شبهاً بالمضاف، ونصب النداء مقدر فيه لحركة حرف الجر، وإنما يعرب إذا وجدت اللام، وإلا فكغيره من المناديات كما سيأتي. وإذا كان معرباً قَبِل النداء وإلا بقي على بنائه كيا لهذا فذا مبني على السكون في محل نصب على النداء صبان. وينبغي كونه في محل جر باللام، ويجوز في تابع المستغاث الجر على اللفظ والنصب على المحل أي الموضع المقدر وهو النصب لأنه مفعول به، وليس له موضع رفع حتى يتبع به وعن الرضي تعين الجار.
قوله:
(بلام مفتوحة)
أي مع غير ياء المتكلم أما معها فتكسر كقوله:
348 ــــ فَيَا شَوْقُ ما أبْقَى ويا لِي من النَّوَى
ويا دَمْعُ ما أجْرَى ويا قَلْبُ ما أصبَى
أجاز أبو الفتح أن يكون استغاث بنفسه، وكسر اللام لمناسبة الياء. ولكن الصحيح أن: يا لي لا يقع إلا مستغاثاً لأجله والمستغاث به محذوف وفاقاً لابن عصفور، واعلم أنه اختلف في هذه اللام فقيل هي بقية آل، والأصل: يا آل زيد فحذف الهمزة تخفيفاً فالتقت الألف بعدها بألف يا فحذفت إحداهما للساكنين، وبقيت اللام فهي اسم مضاف إلى زيد، ونصب النداء ظاهر فيها لا مقدر في زيد ونقله المصنف عن الكوفيين، ومذهب الجمهور أنها لام الجر وفتحت لما في الشارح وللفرق بين المتسغاث به وله فقيل زائدة لا تتعلق بشيء، والصحيح أنها أصلية فعند سيبويه تتعلق بفعل النداء بتضمينه معنى ما يتعدى باللام كألتجىء، وقيل بحرف النداء نيابته عن الفعل، ولا بد من التضمين هنا أيضاً.
قوله:
(ويجر المستغاث له)
---
أي من أجله وهو إما منتصر له فتتعين اللام كقول عمر: يا لله للمسلمين، أو منتصر عليه فقد تخلفها من لأنها تأتي للتعليل مثلها كقوله:
349 ــــ يا للرِّجالِ ذَوِي الألْبَابِ مِنْ نَفَرٍ
لا يَبْرَحُ السَّفَهُ المُردي لَهُمْ دينا
قوله:
(مكسورة)(2/198)
أي على أصل لام الجر مع الظهر أما مع الضمير فتفتح كيا لزيد بذلك إلا مع ياء المتكلم على ما مر. وإذا قلت: يالك احتمل أن المخاطب مستغاث به وله، وهي متعلقة بفعل مقدر بعد المستغاث به غير فعل النداء أي أدعوك لزيد فالكلام جملتان، وقيل بفعل النداء أو بيا النائبة عنه أو بحال محذوفة من المستغاث به أي مدعوّاً لزيد فهو جملة واحدة.
قوله:
(وافتح)
مفعوله ضمير اللام محذوفاً، وقوله: مع المعطوف، أي مع المُسْتَغاث به المعطوف أن كُررت يا كما تفتح مع المعطوف عليه المذكور في البيت قبله.
قوله:
(أي في سوى المستغاث الخ)
أفاد أن اسم الاشارة في المتن راجع لما في البيت الأول والثاني على تأويلهما بالمذكور فيفيد اختصاص الكسر بالمعطوف بلا ياء، وبالمستغاث له كررت يا أم لا، ولا يصح إرجاعه للتكرار أو المفهوم من كررت ولا للمعطوف مع التكرار لئلاَّ يشمل المستغاث الأول فيناقض قوله: اللام مفتوحاً مع أن أولهما يفيد عدم الكسر في المستغاث له عند التكرار وليس كذلك.
قوله:
(ألف)
مفعول عاقب وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة أو فاعله، والمفعول محذوف أي عاقبتها ألف أي ناوبتها من العقبة، وهي النوبة فكلُّ يجيء نوبة.
قوله:
(عوضاً عنها)
فلا يجمع بينهما، وقد يخلو منهما فيجعل كالمنادى في الحكم كقوله:
350 ــــ ألا يَا قَوْمِ لِلْعَجَبِ العُجَابِ
فقوم بالكسر على حذف ياء المتكلم ونصبه مقدر ويصح ضمه بقطعه عن الإضافة أصلاً.
قوله:
(يا زيدًا)
---(2/199)
الظاهر أنه حينئذ مبني على ضم مقدَّر لمناسبة الألف في محل نصب على النداء قياساً على ما صرح به الشاطبي من أن المفرد مع ألف الندبة ضمه مقدر أفاده سم ويس فيجوز في تابعه الرفع اتباعاً لهذا الضم المقدر والنصب عل المحل ولا وجه لما نقل عن الرضي والجامي من بنائه على الفتح ومنع الرفع في تابعه صبان. فإن لحقت الألف مضافاً كيا غلام زيد أظهر نصبه في الأول، وقدر الجر في الثاني للمناسبة أو مثنى أو جمعاً فالظاهر أن تكون بعد نونهما، وأنهما يبنيان على ما يرفعان به من ألف أو واو فيقال: يا زيد أنا ويا زيدونا فتأمل.
قوله:
(نحو يا للداهية)
أي تعجباً عن عظمها، وقولهم: يا للماء والعشب، تعجباً من كثرتهما وظاهر كلامه أن الاستغاثة غير باقية، بل هو مستعمل في محض التعجب، ويحتمل أنها باقية مع إشراب اللفظ معنى التعجب لكنها ليست استغاثة حقيقية لأنه ليس منادى حقيقة كما صرح به الرضي بل تنزيلاً. فإذا قلت: يا للماء فكأنك تناديه، وتقول: احضر حتى يتعجب منك، ويا لَلْعَجَب احضر حتى يروك فهذا وقتك، فاللام مفتوحة مثلها في يالزيد، ويجوز كسرها باعتبار أنه مستغاث له محذوف أي يالقومي للعجب وللماء وللدواهي فإن أتى بالألف تعين الاعتبار الأول. خاتمة: إذا وقف على المستغاث والمتعجب منه مع الألف جاز إلحاقها هاء السكت كما سيأتي في الندبة والله أعلم.
الندبة
هي بضم النون لغةً: مصدر ندب الميت إذا ناح عليه، وعدد خصاله، وأكثر من يتكلم بها النساء لضعفهن عن احتمال المصائب، وعرفاً: نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه.
قوله:
(ما للمنادى الخ)
---(2/200)
يشير إلى أن المندوب ليس منادى، وهو كذلك لأنه لم يطلب إقباله، ومن ثم أجازوا ندب المضاف لضمير المخاطب كواغلامك مع منع ندائه لما مر تصريح، ونقل الفارضي عن ابن يعيش أنه منادى. ويمكن الجمع بما صرح به الرضي من أنه منادى مجازاً لا حقيقة فإذا قلت: يا محمداه، فكأنك تقول له: أقبل فإني مشتاق إليك، وواحزناه احضر حتى يعرفك الناس فيعذروني فيك.
قوله:
(ولا ما أبهما)
عطف على الضمير المستتر في يندب للفصل بلا على حد ما أَشْرَكْنَا ولا آبَاؤُنا}
(الأنعام:148)
.
قوله:
(ويندب الموصول)
في قوة الاستثناء من المبهم كما بينه الشارح.
قوله:
(بالذي)
متعلق بالموصول لا بيندب. وقوله اشتهر أي به فحذف العائد لجره بما جر الموصول، وإن لم يتَّحد عامل الحرفين لأنه غير شرط عند المصنف كما نقله عنه الشاطبي، أفاده السجاعي.
قوله:
(كبئر زمزم الخ)
مثال للموصول بما اشتهر به، وبئر بالنصب على حكاية مفعوليته لحفر، وقوله: يلي الخ، حال منه، وأصل زمزم زممم بثلاثة ميمات أبدلت الثانية زاياً.
قوله:
(المتفجع عليه)
أي لفقده حقيقة أو تنزيلاً كقول عمر حين أُخبِر بجُدبٍ أصاب بعض العرب: واعمراه واعمراه.
قوله:
(والمتوجع منه)
هو إما سبب الألم كوا مصيبتاه واحزناه وإما محله كواظهراه وارأساه، وقيل هذا يسمى المتوجع له.
قوله:
(إلا المعرف)
أي بالعلمية أو بالإضافة أو بالصلة المشتهرة بشرط الخلوِّ من أل كما في المنادى.
قوله:
(فلا تندب النكرة)
أي لفوات غرض الندبة وهو الإعلام بعظمة المندوب وهذا في المتفجع عليه لا في المتوجع منه فيجوز وامصيبتاه، وإن جهلت المصيبة قيل ومثله المتوجع له كواظهراه لكن يمكن أنه مضاف لياء المتكلم محذوفة.
قوله:
(ولا الموصول)
الأولى، والموصول ليكون مثالاً ثانياً للمبهم لأنه منه، ومنه أيضاً الضمائر وأي فلا يقال واأنتا، ولا واأيهم قائم، لعدم تعينها إلا إذا جعل شيء من ذلك علماً واشتهر.
---
قوله:
(وامن حفر الخ)(2/201)
وا: حرف نداء وندبة. ومن منادى مندوب وضمه مقدر لسكون البناء الأصلي لأن الموصول من المفرد كما مر. ولحاق الألف لم يؤثر فيه شيئاً لعدم اتصالها به، وجملة حفر صلته، وزمزم إن اعتبر مذكراً كالقليب أو المكان فمنصرف تقدر فيه كسرة الجر لمناسبة الألف، أو مؤنثاً كالبئر فغير منصرف وتقدر فيه الفتحة نيابة عن الكسرة، وأما الموجودة فلمناسبة الألف.
قوله:
(ومنتهى المندوب)
أي حقيقة أو حكماً كالعلة فإنها في حكم الآخر.
قوله:
(صله بالألف)
أي جوازاً كما سيأتي.
قوله:
(متلوها)
أي الذي قبلها. وهو آخر المندوب إن كان الفاً مثلها حذف إذ لا يمكن اجتماعهما فالمحذوف آخر المندوب لا ألف الندبة لأنه أتى بها الغرض.
قوله:
(كذاك الخ)
أي كحذف مثل الألف لأجلها يحذف تنوين الاسم الذي تكمل به المندوب لأجلها أيضاً فالصلة جرت على غير صاحبها لأن فاعل كمل ضمير المندوب في البيت الأول، وهاء به للذي لا للتنوين. وقوله من صلة الخ بيان للذي، وسكت عن تنوين المندوب نفسه لأنه إن كان مفرداً فلا تنوين فيه وإلا فالتنوين فيما تكمل به من صلة أو الجزء الثاني من المضاف وشبهه المركب المزجي والإسنادي، وكل ذلك داخل في كلامه. وأما الجزء الأول من شبه المضاف فلا يحذف تنوينه لعدم تلوِّ الألف له فتقول واثلاثة وثلاثينا فمن سميته بذلك
قوله:
(إن كان ألفاً)
أي لينة سواء كانت جزء كلمة كالمقصور، أو كلمة مستقلة كالألف المنقلبة عن ياء المتكلم. أما الهمزة فلا تحذف بل تقع بعدها ألف الندبة كوازكريا آه، وأجاز الكوفيون حذفها فتحذف الألف قبلها أيضاً لالتقائها مع ألف الندابة.
قوله:
(واموساه)
مبني على ضم مقدر للتعذر كما كان قبل الندبة على الألف المحذوفة لالتقاء الألفين، والألف الموجودة للندبة، والهاء للسكت وأتى بها في هذا دون ما قبله ليعرف أنها ألف الندبة لا الأصلية، وأجاز الكوفيون قلب ألفه ياء فقالوا يا موسياه.
قوله:
(تنويناً)
---(2/202)
أخرج نون المثنى والجمع فلا تحذف بل يقال وازيداناه وازيدونا، ويبنيان على الألف والواو كالنداء المحض، وألف الندبة لم تؤثر فيهما شيئاً لعدم اتصالها بحرف الإعراب فتأمل.
قوله:
(والشكل الخ)
المراد به حركة الحرف الذي تليه الألف أي إن كان قلب تلك الحركة فتحة لمناسبة الألف موقعاً في لبس وجب بقاؤها، وتقلب الألف حرفاً مجانساً لها فقوله: أوله أي أتبعه، والهاء مفعوله الثاني، ومجانساً الأول أي: اجعل المجانس تابعاً للشكل، ولا يصح عكسه، لأن الشكل متبوع لا تابع.
قوله:
(لابساً)
من لبست الأمر عليه خلطته.
قوله:
(هاء سكت)
وتسمى هاء الاستراحة.
قوله:
(وإن تشأ الخ)
تصريح بما علم من قوله: إن ترد بالنسبة للهاء لا للمد لأن قوله: بالألف يوهم وجوبه فنبَّه هنا على عدم وجوبها مطلقاً، وقيل تجب أن ندب بيا لئلا يلتبس بالنداء المحض، ثم إن ندب المفرد بلا ألف فكالمنادى فيظهر في نحو: وازيد وامعد يكرب، ويقدر لحركة البناء الأصلي في: واسيبويه وللحكاية في: واقام زيد وأن ندب الألف قدر ضمه في الجمع لكن في الأولين لمناسب الألف، وفي الأخيرين يحتمل أنه كذلك وأنه مقدر لحركتي البناء الأصلي، والحكاية المحذوفين لأجل الألف، كما كانا قبلها قال الصبان: والأول أظهر لأن اعتبار الملفوظ به أولى من المحذوف، ويجوز في تابع ذلك الرفع تبعاً للضم المقدر مع الألف والنصب على المحل كما في المستغاث، وأما المضاف وشبهه كواغلام زيداه، وا طالعاً جبلاه فجزؤه الأول منصوب مطلقاً كالنداء المحض، ويقدر إعراب الثاني مع الألف لمناسبتها وسيأتي المضاف لياء المتكلم.
قوله:
(ألا يا عمرو عمراه)
---(2/203)
من الهزج وعمرو الأول مندوب مبني على الضم الظاهر، والثاني تأكيد له، وليس فيه حرف ندبة لئلاَّ ينكسر الوزن بل الواو بينهما هي واو عمرو الأول، والشاهد في عمراه لأن العروض محل الوصل لا في قوله: وعمرو بن الزبيراه لأن آخر البيت محل وقف، وقد يقال: لا شاهد في الأول أيضاً لأن العروض المصرعة في حكم الضرب.
قوله:
(وقائل)
خبر مقدم، ومن مبتدأ مؤخر وأبدى صلته، والياء مفعول أبدى وذا سكون حال منها.
قوله:
(واعبديا)
بفتح الياء لأجل ألف الندبة، وعبد منصوب بفتحة مقدرة على الدال لمناسبة الياء، والياء مبنية على سكون مقدر لمناسبة الألف.
قوله:
(أو يا عبداً بحذف الياء)
أي لالتقائها ساكنة مع ألف الندبة فتقلب االكسر فتحة لمناسبة الألف فهو مضاف تقديراً ونصبه مقدر إما لمناسبة الألف الموجودة أو الياء المحذوفة نظير ما مر.
قوله:
(واعبدا ليس إلا)
ولا عمل فيه سوى قلب الكسرة فتحة على الأول، وحذف الألف المنقلبة عن الياء على الثالث.
قوله:
(يقال واعبديا)
ولا عمل فيه سوى مجيء الألف بعد الياء، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الترخيم
إطلاقه على الحذف الآتي تسمية قديمة روى لما قرأ ابن مسعود نَادَوْا يا مَالِ}
(الزخرف:77)
قال ابن عباس ما كان أشغل أهل النار عن الترخيم فاستبعد هذه القراءة لأن الترخيم إنما يكون في مقام الانبساط نحوه إذ هو تحسين للفظ وهم في شغل عن ذلك بعقابهم لكن قد توجه بأنه ليس تحسيناً بل لشدة ضعفهم يعجزون عن إتمام الكلمة، وبهذه القراءة رد على من أنكر ورود حذف بعض الكلمة المسمى بالاقتطاع في القرآن. وكذا بفواتح السور إن جعل كل حرف من اسم من أسمائه تعالى أفاده في الإتقان.
قوله:
(ترخيماً)
---(2/204)
نصب على أنه مفعول مطلق لا حذف على حدِّ: قعدت جلوساً لأن الترخيم بمعنى حذف آخر المنادى أو مصدر نائب عن اللفظ بفعله في الطلب أي رخم ترخيماً واحذف الخ تأكيد لفظي بالمساوي، أو حال مؤكدة من فاعل احذف لا من المنادى لأن حال المضاف إليه لا تتقدم على المضاف، أو ظرف لا حذف بحذف مضاف أي وقت ترخيم لكن يلزم على هذا وما قبله تحصيل الحاصل إذ المعنى رخِّم حال كونك مرخِّماً، أو وقت الترخيم إلا أن يقدر مريداً للترخيم، ووقت إرادته وأما جعله مفعولاً له ففيه تعليل الشيء بنفسه مع أنه ليس قلبياً فإن قدر إرادة صار المعنى: رخم لإرادة الترخيم وفيه ركاكة بخلاف ما قبله.
قوله:
(لها بشر الخ)
بعده:
351 ــــ وَعَيْنَانِ قال الله كُونا فَكَانَتَا
فَعُولان بالألْبَابِ ما تَفْعَلُ الخَمْرُ(2)
قالهما ذو الرمة في قصيدة أولها:
352 ــــ ألا يا اسْلَمِي يا دارَ مَيَّ على البِلى
ولا زالَ منهلاًّ بِجَرْعَائِكِ القَطْرُ(3)
والحواشي جمع حاشية وهي ناحية الثوب وغيره كما في القاموس، والمراد هنا نواحي الكلام أي أطرافه وخصها بالذكر لأن تشوق السامع لأول الكلام وآخره أكثرأو على عادة العرب من التعبير بأطراف الشيء عن كله لأنه يلزم عادة من الإحاطة بالأطراف الإحاطة بالكل فهو كناية عن رقته كله وهُراء بضم الهاء وتحفيف الراء أي كثير ونزر ضده أي كلامها مع رقته ولطافته متوسط بين الكثرة المملَّة، والقلة المخلَّة.l
قوله:
(حذف أواخر الخ)
هذا أحد أنواعه وهو المقصود هنا، والثاني ترخيم ضرورة وسيأتي هنا أيضاً، والثالث ترخيم التصغير الآتي في بابه، والتعريف العام لها حذف أواخر الكلم على وجه مخصوص.
قوله:
(مطلقاً)
سيأتي تفسيره وهو حال من الهاء الراجعة للترخيم.
قوله:
(وفره بعد)
---
أي لا تحذف منه شيئاً بعد حذفها ولو كان قبلها لين زائد رابع كأرطا في أرطاة، وأجاز سيبويه ترخيمه ثانياً إن بقي بعد الهاء أربعة فأكثر وجعل منه:(2/205)
353 ــــ أحارِ بْنَ بدرٍ قد وَلِيتَ وِلايَةً
أي حارثة.
قوله:
(فما فوق)
بالضم أي فوقه.
قوله:
(العلم)
بدل من الرباعي ودون إضافة حال من الرباعي.
قوله:
(متم)
اسم مفعول نعت لإسناد أي ودون إسناد تام قال سم: وكأنَّه احترز به عن النسبة الإضافية والتوصيفية ا هـ. وكيف ذلك مع أن قوله: دون إضافة يفيد أن الإضافة تمنع الترخيم كالإسناد، فإن صح الاحتراز فليكن عن التوصيفية إن ثبت أنه يجوز ترخيم العلم المركب من موصوف وصفته فيكون كالمركب المزجي، وإلا فهو بيان للواقع.
قوله:
(أي سواء كان علماً الخ)
بيان لمراده بالإطلاق إشارة إلى أنه لم يرِد الإطلاق الكلي بل عن بعض القيود المذكورة بقوله: إلا الرباعي الخ فإن شرط الترخيم في ذي الهاء وغيره أن لا يكون مضافاً كطلحة الخير وعبد الله، ولا شبهه كطالعة جبلاً وثلاثاً وثلاثين ولا ذا إسناد كقامت فاطمة وبرق نحره. ولا نكرة غير مقصودة كيا امرأة ويا رجلاً خذا بيدي، ولا مختصاً بالنداء كُفُلُ وفُلَهُ، ولا مبنياً قبله كخمسة عشر وحذام، ولا مستغاثاً، ولا مندوباً فكل ذلك لا يرخم وإن كان بالهاء. وأما شرط كونه رباعياً وعلماً فمختص بالمجرد فمراد المصنف الإطلاق عن هذين فقط.
قوله:
(يا شا ادجني)
أي أقيمي في البيت من قولهم: دجن يدجن دجوناً إذا أقام، وشاة داجن إذا ألفت البيوت ولم تسرح مع الغنم وشا بالقصر لأنه مفرد أصله شاة فبعد حذف التاء تحذف ألفه إن لقيها ساكن كهذا المثال، أما شاء بالمد فجمع شاة، وأصلها شوهة لجمعها على شياه، وتصغيرها على شويهة قلبت واوها ألفاً، ثم حذفت هاؤها، وقصد تعويض التاء الموجودة عنها.
قوله:
(الثالث الخ)
قد علمت أنه وما بعده لا يختصان بالمجرد.
قوله:
(وما كان غير علم)
---
أي سواء النكرة المقصودة وغيرها، وشذ عند الأكثر قولهم: يا صاح ويا غضنف وأطرق كرا في صاحب وغضنفر وكروان، وقيل: يجوز ترخيم النكرة المقصودة ولو مجردة من التاء، وعليه فلا شذوذ.
قوله:(2/206)
(الذي تلا)
فاعله ضمير يعود على الآخر وعائد الذي محذوف أي احذف الحرف الذي تلاه الآخر فالصلة جرت على غير صاحبها، ولم يبرز للعلم بأن الآخر تالٍ لا متلوُّ.
قوله:
(إن زيد الخ)
يشمل المثنى وجمعي التصحيح أعلاماً فترخم كلها بحذف الآخر وما قبله، ويمتنع بقاء الألف في هندات لأن تاءه ليست للتأنيث حتى يوفر بعدها. ا هـ فارضي.
قوله:
(ليناً)
حال من الضمير في زيد وهو مخفف لين كما قاله المكودي فهو بفتح اللام ويجوز كسرها مصدراً أي ذا لين.
واعلم أن حروف واي إن سكنت بعد حركة تجانسها سميت حروف علة ولين ومد كقال ويقول ويبيع أو بعد حركة لا تجانسها سميت حروف علة ولين فقط كفرعون وغرنيق، أو تحركت فعلَّة فقط فكل مدَّ لين، وكل لين علة ولا عكس فالألف حرف مد دائماً لأنها دائماً ساكنة بعد فتحة إذا علمت ذلك فقول المصنف ساكناً وصف كاشف للين، والأولى مداً أبدل ليناً ليفيد اشتراط أن يكون قبله حركة تجانسه لفظاً كمنصور أو تقديراً كمصطفون، ويخرج به نحو: فرعون فإن فيه الخلاف الذي ذكره.
قوله:
(بهما)
متعلق بقُفِيَ بالبناء للمجهول أي أُتْبعَ وهو خبره عن فتح، وسوَّغ الابتداء به التنويع فيما يظهر لأنه نوع غير ما تقدم، والجملة صفة لواو ويا أي إذا أتبع بالواو، والياء فتح أي جُعِلا تابعين له مع سكونهما ففي جواز حذفهما مع الآخر خلف.
قوله:
(كمختار)
أي لأن ألفه منقلبة عن أصل إذ أصله مختير بفتح الياء أو كسرها.
قوله:
(أو غير لين)
---
كفرعون جعل اللين بمعنى المد فأخرج به ما ذكر وفيه نظر. يعلم مما مر وأما اللين بمعناه المتقدم فيخرج به نحو: شمأل فإن همزته زائدة، وليست ليناً كما يخرج نحو قنوّر لتحرك واوه واللين لا يكون إلا ساكناً.
قوله:
(كقَنَوَّر)
بفتح القاف والنون وشد الواو آخره راء هو الصعب اليابس من كل شيء، ومثله هبيخ بفتح الهاء والموحدة وشد التحتية فخاء، وهوالغلام السمين الممتلىء لحماً.
قوله:
(كغُرْنَيق)(2/207)
بضم الغين المعجمة وسكون الراء وفتح النون آخره قاف هو طير من طيور الماء.
قوله:
(ففيه خلاف)
محله في غيره جمع المقصور بالواو أو الياء كمصطفون، ومصطفين علمين فإنه تحذف منه الواو والياء مع النون قولاً واحداً لوجود الضم والكسر قبلهما تقديراً.
قوله:
(وقل)
فعل ماض من القلة، وترخيم جملة فاعله.
قوله:
(وذا عمرو الخ)
ذا إشارة لترخيم الجملة وهو إما مفعول مقدَّم لنقل أو مبتدأ خبره الجملة بعده حذف رابطها أي نقله.
قوله:
(إن المركب المزجي يرخم)
شمل نحو سيبويه وخمسة عشر فتقول: يا سيب ويا خمسة بحذف العجز، ومنع الأول الكوفيون، والثاني الفراء، ويشكل على الجواز فيهما ما مر من أن شرط المرخم عدم البناء إلا أن يكون فيه خلاف أو يستثنى منه بناء المركب المزجى، ولو يسمع ترخيمه مطلقاً ولو معرباً، وإنما قاسه النحويون على ما فيه تاء التأنيث لأن عجزه يشبهها في فتح ما قبله غالباً، وفي حذفه للنسب وغير ذلك.
تنبيه:
إذا رخَّمت اثنا عشر واثنا عشرة علمين حذفت الألف مع العجز، وكذا الياء في اثني عشر فتقول: يا اثن ويا اثنت كما تحذفهما مع النون في اثنان واثنتين لأنها لين زائد الخ، والعجز، هنا بمنزلة النون من اثنين. ولذلك لا يضافان، وكانا معربين لعدم التركيب بخلاف ثلاثة عشر.
قوله:
(في أبواب النسب)
---
أي حيث قال فيها: فتقول في النسب إلى تأبط شراً تأبطي، لأن من العرب من يقول: يا تأبط ا هـ فأفاد أن ترخيمه لغة قليلة.
قوله:
(بعد حذف)(2/208)
بالتنوين وما مفعول نويت أي إذا نويت ثبوت المحذوف فاستعمل الباقي ملتبساً بما، أي بحاله الذي أُلف فيه قبل الحذف من حركة أو سكون وصحة أو عتلال، والحاصل أن المرخم إما أن يحذف منه حرف كسعاد، أو حرفان كمروان والمثنى والجمع، أو كلمة كمعدي كرب وخمسة عشر وتأبط شراً، أو كلمة وحرف كاثناً عشر، والباقي بعد الحذف إما مفتوح كمروان ومصطفون، أو مضموم كمنصور وقاضون، أو مكسور كحرث وقاضين، أو ساكن صحيح كقمطر، أو معتلّ كثمود فكل ذلك على هذه اللغة يبنى على ضم مقدر على آخر المحذوف إلا اثنا عشر والمثنى والجمع فعلى الألف والواو والمحذوفين، ويستعمل الباقي في جميعها بحاله قبل الحذف إلا إذا كان سكونه عارضاً للإدغام بعد مده كمُضَارّ ومُحَاجِّ فيحرك بحركة أصله من كسر في اسم الفاعل أو فتح في المفعول وإلا جمع المعتل كمصطفون وقاضون فيرد إليه الحرف الذي كان حذف لالتقائه ساكناً مع واو الجمع أو يائه لزوال سبب الحذف فتقول: يا مصطفى، ويا قاضي برد الألف، والياء، واختار في التسهيل عدم الرد لوجود السبب تقديراً إما على لغة من لا ينتظر فيتعين الرد قطعاً لانتفاء السبب لفظاً، أو تقديراً لكن يلزم عليه التباس الجمع بالمفرد فقياس ما سيأتي من مراعاتهم عدم اللبس امتناع ترخيمه إلا على اللغة الأولى بلا رد وعن الرضي ما يؤيده فتقول: يا مصطفَ بالفتح مطلقاً، ويا قاضُ بالضم في قاضون، وبالكسر في قاضين أفاده الصبان.
قوله:
(كما لو الخ)
في موضع المفعول الثاني لا جعله، وما زائدة، ولو مصدرية وهو أولى من عكسه لكثرة زيادة ما، وجملة تمماً بالبناء للمجهول خبر كان، ووضعاً نصب بنزع الخافض أي اجعله ككونه متمماً بالآخر في الوضع إن لم تنوِ الخ.
قوله:
(قمطر)
---(2/209)
بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء الهملة وهو الجمل القوي الضخم، والرجل القصير كما في القاموس. وفسره في الصحاح بما يصان فيه الكتب قال ويذكر ويؤنث وربما أنث بالهاء فقيل قمطرة، والجمع قماطر.
قوله:
(على الضم)
أي الظاهر إن كان صحيحاً وإلا قدرته فيه كما يقدر المضموم قبل الحذف لوجود الضم الأصلي، ويجوز على هذه اللغة رفع تابعه مراعاة للفظه، وكذا على الأول كم استظهره يس. لأن الحرف المحذوف المقدر عليه الضم كالثابت، وقد أجاز الجمهور وصف المرخم بدليل قوله: أحار بن عمر والخ والمانع يجعله بدلاً.
قوله:
(فتقلب الواو ياء)
أي لتطرفها بعد ضمة كما تقلبها في أَجْرٍ وأَدْلٍ جمع جَرْو ودَلْو لذلك إذ أصلهما: أجرو وأدلو كأفلس فقلبوا الضمة كسرة والواو ياء فصار أجرى أدلى ثم أعلَّ كقاض. وتقول في كروان على الأولى يا كرو بفتح الواو، وعلى الثانية يا كرا بقلبها ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وفي نحو سقاية وعلاوة على الأولى يا سقاي وعلا بفتح الياء والواو، وعلى الثانية يا سقاء وعلاء بقلبهما همزة لتطرفهما بعد ألف زائدة كما فعل برشاء وكساء.
قوله:
(ولا يوجد اسم الخ)
أي لمزيد الثقل بخلاف الياء، وخرج بالاسم الفعل كيدعو لوصفه على الثقل فاحتمل فيه ذلك فإن سمي به فأمر عارض، وبالمعرب المبني كهو وذو الطائية، وبضم ما قبلها نحو دلو، والمراد ضمة لازمة ليخرج: هذا أبوك وأما نحو: سنبو اسم بلد بالصعيد فالظاهر أنه غير عربي كسمند واسم طير.
قوله:
(في كمسلمة)
بضم الميم في الأولى، اسم فاعل ومؤنث، والثاني بفتحها مصدر ميمي من السلامة وإنما لم يلتبس هذه لقلة استعماله بلا تاء بخلاف الأول.
قوله:
(لئلا يلتبس)
---(2/210)
قياس ذلك امتناع الترخيم أصلاً إذا ألبس كل من الوجهين كيا فتاة. وأما تجويز المصنف ترخيم المثنى والجمع بحذف زيادتيهما فإنما هو لغة من ينتظر حتى لا يلتبس بالمفرد فتقول في نحو: زيدان وزيدين علمين: يا زيداه بالفتح في الأول والكسر في الثاني وكذا في المنسوب، ويمتنع الضم لئلا يلتبس بالمفرد. وأما زيدون فيمتنع ترخيمه مطلقاً لذلك. وقد مر ما في جمع المعتل.
قوله:
(صالحة للنداء)
خرج المحلَّى بأل ولذلك خطِّىء من جعل قوله:
354 ــــ قَوَاطِناً مَكَّةَ مِنْ وُرْقِ الحَمِي
مرخَّم الحمام للضرورة والصواب أن ذلك الحذف لا يسمى ترخيماً لعدم الصلاحية للنداء بل حذف الشاعر الميم والألف وكسره الميم الباقية للروي في غاية الشذوذ، ويشترط أيضاً كوزن الاسم إما بالتاء أو أكثر من ثلاثة وإلا فلا يرخم إلا للضرورة، ولا تشترط العلمية بل ترخم النكرة كقوله:
355 ــــ لَيْسَ حَيُّ عَلَى المَنُونِ بِخَالِ
أي بخالد.
قوله:
(تعشو)
بتاء الخطاب أي تسير في العشاء أي الظلام، والخصر بفتح المعجمة فالمهملة شدة البرد وضبطه بمهملتين سهو، زكريا.
تنبيه:
ترخيم الضرورة على لغة من لا ينتظر جائز بإجماع كهذا البيت فإنه حذف الكاف ونوّن الباقي جره بالإضافة كالاسم التام ولو انتظر لم ينون، وأما على اللغة الثانية فأجازه سيبويه، ومنعه المبرد ويشهد للجواز قوله:
356 ــــ ألا أضْحَتْ حِبَالُكُمُ رَمَامَا
وأضْحَتْ مِنكَ شاسعةً أُماما(2)
وقوله:
357 ــــ إنَّ ابْنَ حارث إنْ أَشْتَقْ لرؤيتهِ
أو أمتدحْهُ فإنَّ النَّاسَ قد عَلِموا(3)
فرخم أمامة وحارث بحذف التاء وأبقى ما قبلها على فتحه لانتظارها وإلا لضم الأول، وكسر الثاني منوناً والله أعلم.
---(2/211)
- الاختصاص -
هو لغة مصدر اختصصته بكذا قصرته عليه، واصطلاحاً قصر حكم أسند لضمير على اسم ظاهر معرفة يذكر بعده معمول لأخصُّ محذوفاً وجوباً، والباعث عليه إما فخر كعلى أيها الكريم يعتمد، أو تواضع كإني أيها العبد فقير إلى عفو ربي، أو بيان بالضمير المقصود كنحنُ العربَ أقرى الناس للضيف، ونحن معاشر الأنبياء لا نورث.
قوله:
(باثر ارجونيا)
أي بعده بأن يقال: ارجوني أيها الفتى فارجوا أمر للجماعة، والواو فاعله والياء مفعوله، وأيها مبني على الضم لمشابهة لفظها في النداء في محل نصب بأخص محذوفاً وجوباً، وها للتنبيه لخفتها لما مر في النداء، والفتى صفة أي مرفوع تبعاً للفظها بضمة مقدرة على الألف، والمراد بالفتى هو مدلول الياء، وهوالمتكلم نفسه.
قوله:
(يشبه النداء)
أي فهذا خبر استعمل بصورة النداء توسعاً كما استعمل الخبر بصورة الأمر في: أحسن بزيد، والأمر بصورة الخبر في وَالوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ}
(البقرة:233)
.
قوله:
(من ثلاثة أوجه)
سنزيدك عليها.
قوله:
(لا يستعمل معه حرف نداء)
أي لفظاً ولا تقديراً بخلاف المنادى.
قوله:
(يسبقه شيء)
أي يسبق المخصوص وهو الاسم الظاهر شيء فيقع في أثناء الجملة كنحن العرب الخ أو بعدها كارجونيا أيها الفتى وإلا كثر سبقه بضمير المتكلم كالأمثلة المذكورة، ويقل بعد الخطاب كسبحانك الله العظيم وبك الله نرجو الفضل بنصب الجلالة ولو كان منادًى لَضُمَّ، ولا يقع بعد ضمير غيبة ولا اسم ظاهر فالشيء السابق مخصوص بغير ذلك وهو وجه رابع لمخالفته النداء.
قوله:
(أن تصاحبه)
---(2/212)
أي المخصوص الألف واللام لعدم حرف النداء فيه بخلاف المنادى، ويخالفه أيضاً في أنه يجب كون المخصوص معرفة غير إشارة، ويقل كونه علماً، وينصب لفظاً ولو كان مفرداً إلا أي فتضم، ولا يصح وصف أي هنا باسم الإشارة بخلاف النداء في الكل والحاصل أنه يشترط كون المخصوص اسماً ظاهراً معرفة واقعاً بعد ضمير يخصه كارجونيا الخ، أو يشارك فيه كنحن العرب الخ، ثم هو أربعة أنواع: الأول أيها وأيتها وحكمهما كالنداء فيلزمان الضم لما مر. والوصف بذي أل مرفوعاً تبعاً للفظهما لا باسم إشارة الثاني والثالث المعرف بأل أو الإضافة كنحن العرب أسخى الناس، ونحن معاشر الأنبياء لا نورث فأسخى، ولا نورث خبر نحن، والعرب ومعاشر نصب بأخص محذوفاً وجوباً بالرابع العلم وهو قليل كقوله:
358 ــــ بِنَا تَميماً يُكْشَفُ الضَّبَابُ
ولا يكون المخصوص نكرة ولا اسم إشارة بخلاف النداء، وجملة الاختصاص المحذوفة في محل نصب على الحال من الضمير قبلها على قاعدة الجمل بعد المعارف فالتقدير ارجونياً حال كوني مخصوصاً من بين الفتيان، وفي نحو: اللهم اغفر لنا أيتها العصابة، اغفر لنا مخصوصين من بين العصائب قاله الرضي. أما في مثل نحو: العرب ونحو معاشر الأنبياء فمعترضة كما في المغني.
قوله:
(ما تركنا)
مبتدأ خبره صدقة، وقال الشيعة: ما مفعول نورث، وصدقة حال من مفعول تركنا أي لا نورث ما تركناه حال كونه صدقة أي بخلاف ما تركناه من غير الصدقة فنورثه وحملهم على هذا التحريف الباطل المخالف للرواية كما بينه علماء الحديث اعتقادهم الفاسد ليتوصلوا به إلى الطعن في إمامة أبي بكر حيث منع فاطمة إرثها مستدلاً بهذا الحديث والله سبحانه وتعالى أعلم.
التحذير والإغراء
---
جمعهما لاستواء أحكامهما وإن اختلف معناهم لأن التحذير هو التبعيد عن الشيء والإغراء التسليط عليه وقدم الأول لتقديم التخلية بالمعجمة على التحلية.
قوله:
(إياك الخ)(2/213)
تقدير البيت نصب الشخص المحذر لفظ إياك والشر بعامل وجب استتاره، وقوله: ونحوه، أي الشر كإياك والأسد وإياك والمراء ونحو: إياك كإيّاكما وإياكم وإياكن.
قوله:
(ودون عطف الخ)
حال من أيا أو متعلق بأنسب أي وأنسب هذا الحكم وهو النصب بالعامل المستتر وجوباً بالإياك حال كونه دون عطفه شيء عليه.
قوله:
(وما سواه)
أي المذكور من إياك مع عطف ودونه بأن يحذر بغير إياك.
قوله:
(كالضيغم)
أي الأسد، الساري أي الماشي ليلاً.
قوله:
(سواء وجد عطف)
أي للمحذر منه كالشر على إياك أم لا بأن ذكر المحذر منه مع إياك بلا عطف سواء كرر إياك كقوله:
359 ــــ فإيَّاكَ إياك المِرَاءَ فَإنَّهُ
إلى الشِّرِّ دعَّاءٌ ولِلشَّرِّ جالِبُ
أم لم يكرر كإياك أن تفعل كذا فيجب حذف عامل إياك في كل ذلك لكثرته في التحذير. فجعل بدلاً من اللفظ بالعامل. ولذلك تحمل ضمير الفاعل. فإياك ضمير منصوب متحمل لضمير مرفوع، وهو فاعل الفعل المحذوف فإن أكدت المرفوع بالنفس أو العين أو عطفت عليه فلا بد من الفصل كإياك أنت نفسك، وإياك أنت وزيد بالرفع، يقبح تركه بخلاف إياك في ذلك.
قوله:
(والتقدير إياك أحذر)
---(2/214)
اعلم أنه اختلف في تقدير العامل في إياك والمعطوف عليه فقال السيرافي: وكثير الأصل: اتق نفسك أن تدنو من الشر والشر أن يدنو منك أي امنع نفسك من دنوِّها من الشر إلخ فحذف أن والفعل، وجاره المقدر والجار المتعلق به من كل من المعطوف والمعطوف عليه فصار: اتق نفسك والشر، ثم حذف الفعل والمضاف، وأنيب عنه الضمير فانفصل. وقيل: التقدير باعد نفسك من الشر والشر منك، وهو أقل تكلفاً، وقيل: هو من عطف الجمل فلكل منهما عامل، أي إياك قِ أو باعد واحذر الشر أو دعه، واختار في شرح التسهيل أن الأصل: احذر تلاقي نفسك والشر بجرهما فحذف الفعل، ثم المضاف الأول، وأنيب عنه الثاني فصار نفسك والشر بنصبهما ثم حذف نفس، وأنيب عنه الضمير فانتصب وانفصل فصار إياك والشر فنصبهما إنما هو بطريق النيابة عن المضاف المحذوف الذي عمل فيه الفعل بالأصالة قال: وهو أقل تكلفا إذا علمت ذلك، فقول الشارح: إياك احذر يقرأ بصيغة الأمر ويكون إشارة للقول الأخير لا بصيغة المضارع لاقتضائه أن الشر محذر أيضاً لعطفه على الضمير إلا أن يبنى على أن العامل في الشر مقدَّر أي احذرك ودع الشر كما مشى عليه الشارح فيما سيأتي حيث قد رق رأسك واحذر السيف لكن يكون فيه عطف الإنشاء على الخبر. وفي نسخ: إياك واحذر الشر بالواو وهو تحريف لأنه بصدد تقدير عامل إياك لا الشر فتأمل.
قوله:
(ومثله بدون العطف)
---(2/215)
أي بأن ذكر المحذر منه مع الضمير بلا عطف كمثاله، وكقوله فإياك إياك المراء، واختلف في تقدير العامل حينئذٍ فقال الجمهور: العامل في إياك باعد محذوفاً، ويجب جر المحذر منه بمن لأن باعد لا يتعدى إلى اثنين بنفسه كإياك من الشر أي باعد نفسك منه، ولا يجوز نصب الشر بنزع الخافض لأنه سماعي، وما في البيت ضرورة، وجوزه الناظم بتقدير عامل آخر كدع، وابنه بتقدير عامل يتعدى للاثنين كأحذرك الشر أو جنب نفسك الأسد، ويشهد لهما البيت، ويجوز عندهما: من الشر وأما نحو: إياك أن تفعل كذا فجائز عند الجميع لصلاحيته لتقدير من قال: الحفيد، والأوجه أنه لا يتعين تقدير باعد ولا غيره بل كل فعل يليق بالحال كَدَعْ واتَّقِ وخَلِّ ونَحِّ إذ المقدر ليس متعبداً به. ا هـ.
قوله:
(وإن كان بغير إياك)
.
اعلم أن التحذير يكون بثلاثة أشياء: الأول: بإياك وأخواته ويجب معه ذكر المحذر منه معطوفاً أو بدون عطف، ويجب ستر عامله مطلقاً كرِّر أم لا عطف عليه أم لا كما مر بخلاف الباقي. الثاني باسم ظاهر مضاف لضمير المحذر كرأسك أو نفسك. الثالث: بذكر المحذر منه فقط كالضيغم، وقد يكون بذكرهما معاً كرأسك والسيف فلا يجب الجمع بينهما إلا مع إياك.
قوله:
(إلا مع العطف)
أي بالواو خاصة، وتعطف محذراً على محذر كإياك وزيداً أن تفعل أو محذراً منه على مثله نحو نَاقَةَ الله وَسُقْيَاها}
(الشمس:13)
أي اتركوها وسقياها فلا تمنعوها عنها أو محذراً منه على محذر كرأسك والسيف وإياك والشر، وستر العامل في الجميع واجب كما شمله إطلاق المصنف لأنهم جعلوا العطف والتكرار الآتي كالبدل من الفعل، ويجوز في الأولين دون الثالث كون الواو للمعية فينصب ما بعدها على أنه مفعول معه، ويظهر العامل.
قوله:
(ماز)
بالزاي مرخم مازن اسم رجل.
قوله:
(قِ رأسك واحذر السيف)
---(2/216)
جرى على أن عامل الثاني مقدر، والظاهر جريان باقي الأقوال المارة هنا أيضاً فيقدر: احذر تلاقي رأسك والسيف، أو باعد رأسك من السيف والسيف منها، أو امنع رأسك أن تدنو من السيف والسيف أن يدنو منها لكنها لا تتأتى في نحو: ناقة الله وسقياها وإياك وزيداً أن تفعل بل الظاهر أنَّ العامل فيهما واحد قولاً واحداً، وإنما يتأتَّى الخلاف في عطف المحذر منه على المحذر فتأمل.j
قوله:
(أو التكرار)
أي للمحذر منه كمثاله أو لغيره كرأسك رأسك.
قوله:
(وعن سبيل القصد الخ)
أي من قاس على ذلك انتبذ أي ارتمى، وبعد عن سبيل العدل.
قوله:
(إياي وأن يحذف الخ)
هو أثر عن عمر رضي الله تعالى أوله لِتَذْكُ لكم الأسل والرماح والسهام وإياي الخ. يأمرهم بأنهم يذبحون بالأسل وهو ما رق من الحديد كالسيف والسكين أو الرماح أو السهام عند الرمي بها، وينهاهم عن حذف الأرنب بنحو حجرٍ لأنه لا يحل به والأصل إياي باعدوا عن حذف الأرنب، وباعدوا أنفسكم عن أن يحذف الخ، فهما تحذيران حذف من كل منهما نظير ماأثبته في الآخر إذ المحذر منه، وهو حذف الأرنب ذكره في الثاني دون الأول، والمحذر وهو إياي بالعكس ففيه احتباك.
قوله:
(وإيا الشواب)
بشين معجمة ثم موحدة جمع شابة، ويروى بسين مهملة ثم همزة فتاء فوقية مع سوأة، والتقدير فليحذر تلاقي نفسه وأنفس الشواب، وفيه شذوذات تحذير الغائب وإضافة أيا الظاهر وحذف الفعل مع لام الأمر.
فائدة:
ذكر الرضي أن المحذر المكرر يكون ظاهراً كسيفك سيفك، ومضمراً كإياك إياك وإياه إيّاه إياي وإياي. وفي الهمع أن المحذر منه قد يكون ضمير غائب معطوفا على المحذر كقوله:
360 ــــ فلا تَصْحَبْ أَخَا الجَهْل
ــــلِ وَإيَّاكَ وَإيَّاهُ
فإياه هنا حكم الأسد في إياك والأسد فعلى هذا لا يكون التحذير بضميري الغيبة والتكلم شاذاً إلا إذا جعل محذراً لا محذراً منه والله أعلم.
---(2/217)
- أسماء الأفعال والأصوات -
أي وأسماء الأصوات كما سيصرح به الشارح والإضافة بيانية، وقيل بالرفع عطف على أسماء لأنها ليست أسماء بل ولا كلمات لعدم دلالتها بالوضع على معنى إذ الدلالة تتوقف على علم المخاطب بما وضعت له، والمخاطب بها غير عاقل وأجيب بأن الدلالة كون اللفظ بحيث إذا أطلق فهم منه العالم بوضعه معناه، وهذه كذلك. ولم يقل أحد إن الدلالة كون اللفظ يخاطب به العاقل.
قوله:
(ما ناب عن فعل)
أي ولم يتأثر بالعوامل وليس فضلة فخرج المصدر النائب عن فعله واسم الفاعل لتأثره والحروف لأنها فضلة فبان أن قوله: كشتان تتميم للحد فيجعل حالاً من ضمير ناب ليفيد تقييده بذلك كما في الأشموني، وجعله ابن المصنف مثالاً لا تتميماً فتكون خبراً لمحذوف، وأوقع ما على اسم بدليل الترجمة فتخرج الحروف. والمراد ناب عن الفعل في إفادة معناه، وفي استعماله من كونه عاملاً غير معمول فيخرج المصدر ونحوه ا هـ. وفيه أن الفعل يستعمل معمولاً للجوازم والنواصب فالنيابة عنه تصدق بتأثره بالعوامل فلا يخرج المصدر والجواب بكون المراد أن الفعل لا يكون معمولاً لفعل، ولا لاسم بطريق الأصالة ليخرج اسم الشرط تكلف فالحق ما مر.
قوله:
(كشتان)
بفتح النون وكان الفراء يكسرها.
قوله:
(وكذا أوه)
بفتح الهمزة وشد الواو وفيه لغات منها ما اشتهر من قولهم آه وآه بالضم والسكون فهما اسما فعل بمعنى أتوجع كما في المرادي.
قوله:
(أسماء الأفعال أسماء)
---(2/218)
أي حقيقة عند جمهور البصريين لا أفعال حقيقة كما للكوفيين ولا أفعال استعملت كالأسماء في التنوين وعدمه وفي أنه لا يتصل ضمير الرفع البارز بها، ولا يؤكد طلبيها بالنون كما لبعض البصريين، واستظهر الصبان أن هذا عين ما قبله فإن الكوفيين لا يمنعون استعمالها كالأسماء وإلا كان مكابرة فالخلاف بينهما في العبارة. وعلى الأول فالأرجح أَنّ مدلولها لفظ الفعل كما يفهمه قولهم: اسم فعل لكن من حيث دلالته على معناه لا من حيث كونه لفظاً. ولذلك كان كلاماً تاماً بخلاف الفعل المقصود لفظه كما مر أول الكتاب فلا محل لها على هذا وكذا على أنها أفعال أما على أنها أسماء لمعنى الفعل وهو الحدث والزمان فهي في محل رفع بالابتداء أغنى مرفوعها عن الخبر، وعلى أن مدلولها المصدر النائب عن فعله فمحلها نصب بأفعالها النائبة هي عنها كذا في التصريح، وإنما بنيت حينئذٍ مع إعراب تلك المصادر ولأن دخلها معنى الأمر والمضي والاستقبال التي هي من معاني الحروف قاله المرادي، وعلى هذا فقولهم أسماء الأفعال أي اللغوية وهي المصادر فتأمل.
قوله:
(في الدلالة على معناها)
أي بواسطة دلالتها على لفظها ليوافق الأرجح المتقدم.
قوله:
(بمعنى انكفف)
فسره بذلك لأنه لازم بمعنى امتنع، وفي نسخ بمعنى اكفف فينبغي جعله من اللازم ليوافق المفسر وإن كان غير واجب لأن كف يستعمل لازماً ومتعدياً، تقول: كففته عن الشيء فكُفَّ أي منعته فامتنع كما في الصحاح.
قوله:
(بمعنى افترق)
كذا أطلق الجمهور، وقيده الزمخشري بالافتراق في المعاني والأحوال كالعلم والجهل والصحة والسقم فلا يقال: شَتَّانَ الخصمان عن مجلس الحكم، وتطلب فاعلاً دالاً على اثنين كشتان الزيدان، وقد تزاد بعدها ما كقوله:
361 ــــ شتَّانَ ما نَوْمي على كُورها
ونومِ حَسَّانَ أخِي جابِرِ
فما زائدة وما بعدها فاعل، والمراد بكورها رحل الناقة، وقد تزاد ما بين شتان وما بعدها كقوله:
---(2/219)
362 ــــ فشتان ما بين اليزيدين في النَّدى
فاليزيدين فاعل مرفوع تقديراً وما بين زائدة، وقيل ما موصولة ببين واقعة على المسافة، وهي فاعل شتان بمعنى بعُد لا افتراق أي بعد المسافة التي بينهما أفاده الدماميني، وأما قوله:
363 ــــ جازَيتموني بالوِصَالَ قَطِيعةً
شتَّانَ بينَ صَنِيْعِكُمِ وَصنيعي
فقال في شرح الشذور: لم تستعمله العرب، وقد يخرّج على إضمار ما موصولة ببين اهـ. أي فتكون شتان بمعنى بَعُدَ وما بمعنى المسافة.
قوله:
(هيهات العقيق)
اسم موضع بالحجاز فاعل هيهات، وقد تزاد فيه اللام نحو هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ}
(المؤمنون:36)
وفيه نيف وأربعون لغة منها تثليث تائها.
قوله:
(ووي الخ)
أي كقوله تعالى: وَيْ كأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الكَافِرُونَ}
(القصص:82)
فوي بمعنى أعجب، والكاف إما للتعليل أي أعجب لعدم فلاح الكافرين، أو حرف خطاب توصل بوي، واللام مقدرة بعدها وقيل كأن حرف تشبيه بمعنى التحقيق وكذا يقال في: وَيْ كَأَنَّ الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ}
(القصص:82)
.
قوله:
(وكلاهما غير مقيس)
أي الماضي والمضارع بل لم يثبت ابن الحاجب الثاني، وجعل أوّه ووي بمعنى توجعت وتعجبت وهكذا.
قوله:
(والفعل الخ)
---(2/220)
حاشية الخضري على شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك
محمد بن مصطفى الخضري الشافعي
الملف الثاني
شرح ابن عقيل من اهم الشروحات على الفية ابن مالك في النحو حيث شرحها شرحا" وافيا" وبين المسائل التي تضمنتها، وجاء بالشواهد العربية الثيرة على ذلك، وهذه حاشية على شرح ابن عقيل حيث وضع فيها المحشي تعليقات هامة وزاد في ايضاح المسائل النحوية وايراد اقوال علماء النحو وزاد في ايراد الشواهد القرآنية والشعرية وغيرها من اقوال العرب،
أي فعل الأمر مبتدأ أول، وعليك مبتدأ ثان لقصد لفظه خبره الظرف قبله، والجملة خبر الأول يعنى أن اسم فعل الأمر قسمان: مرتجل كما مر، ومنقول إما عن أحد الظرفين كدونك وعليك، أو عن مصدر كرُوَيْدَ وبَلَه، وهذه الظروف يقتصر فيها على السماع لخروجها عن الأصل وقاس الكسائي منها ما زاد على حرف لا نحو بك ولك ومن المسموع: أمامك بمعنى تقدم ووراءك بمعنى تأخر وإليك أي تنحَّ ومكانك أي أثبت، فيكون لازماً وحكى الكوفيون: مكانك زيداً أي انتظره فهو متعدِّ، ولا تستعمل إلا مع الكاف لأن أمر غير المخاطب قليل، وشذ قياساً واستعمالاً: عليه رجلا غيري أي ليلزمه وعليَّ الشيء أي لألزمه وإليَّ أي لأتخ. وأما قوله عليه الصلاة والسلام «ومن لم يستطع فعليه بالصوم» فقد حسنه الخطاب قبله في: يا معشر الشباب الخ فالهاء فاعل، والصوم مفعول على ما سيأتي، وقال ابن عصفور: عليه خبر مقدم لا اسم فعل، والصوم مبتدأ زيدت فيه الباء، وقيل: عليه أمر للمخاطبين أي ألزموه الصوم أو دلوه عليه. وكذا قيل في: على الشيء أي الزمونيه فالهاء مفعول أول، والصوم ثان، والفاعل مستتر.
قوله:
(عليك زيداً)
---(3/1)
عليك اسم فعل بمعنى الزم وزيداً مفعوله، وقد يتعدى إليه بالباء «كعليك بذات الدين» فيكون بمعنى استمسك مثلاً، وصرَّح الرضي بأنها زائدة لأنها تزاد كثيراً في مفعول اسم الفعل لضعف عمره، وأما الكاف فهي ضمير عند الجمهور لا حرف خطاب لأن الجار لا يستعمل بدونها، ولأن الياء والهاء في قولهم: عليّ وعليه ضميران اتفاقاً، وهل هي فاعل باسم الفعل أو مفعوله، والفاعل مستتر أي الزم أنت نفسك زيداً وإليك بمعنى نحِّ نفسك، وكذا الباقي أو مجرورة بالحرف في نحو: عليك وبالإضافة في نحو: دونك نظراً للأصل قبل النقل، والفاعل مستتر أقوال أصحها ثالثها فإذا قلت: عليكم كلكم زيداً جاز رفع كل توكيد للمستكن، وجره توكيداً للمجرور وبهذا يعلم أن اسم الفعل هو الجار فقط، وفاعله مستتر فيه، والكاف كلمة مستقلة، وقولهم: منقول من جار ومجرور فيه تسامح، ولم تجعل الكاف مجرورة بإضافته بعد النقل لأن اسم افعل لا يعمل الجر، ولا يضاف فتدبر.
قوله:
(رويد زيد)
---(3/2)
أصله أرْوَدَ زيداً إرْوَاداً أي أمهله إمهالا فصغروا الأرواد بحذف زيادتيه وهما الهمزة والألف تصغيرالترخيم، واستعملوه مصدراً نائباً عن فعله وهو أَرْوَدَ وأما بَلَهْ فمصدر لا فعل له من لفظه بل من معناه وهو: اترك فهو نائب عنه كما أشار إليه الشارح، كما أن دعْ فعل لا مصدر له من لفظه بل من معناه، وهو التَّرْك، ثم تارة ينونان فينصبان المفعول، وهو الأصل كرويداً زيداً وبَلْهاً عمراً، وتارة يضافان إليه كِمِثَالَى الشارح فهما فيه مصدران نائبان عن فعلهما، ومضافان لمفعولهما. وقيل بل إضافتهما للفاعل والمفعول محذوف. ولا يرد أن فاعل المصدر نائب عن فعله يجب استتاره لأن محله في المنون بدليل تمثيلهم، ثم نقلوهما عن المصدرية إلى اسم فعل الأمر فقالوا: رويد زيداً وبله عمراً بالبناء على الفتح مع نصب زيد وعمرو، ولا موجب للبناء سوى ما ذكر فقول المتن ناصبين أي مع بنائهما لا مع تنوينهما لأنهما حينئذٍ مصدران، وقد يخرجان عن الطلب فيكون رُويدَ حالاً أو نعتاً على التأويل بالمشتق كساروا رويداً أي مُرْوِدينَ أو سيراً رويداً أي مروداً فيه، ويكون بله بمعنى كيف خبراً عما بعده كبله زيد بالرفع، وقد تقع بمعنى غير مجرورة بمن كالحديث القدسي: «أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر من بله ما أطلعتم عليه» أي من غيره، ويحتمل كما في الشمني أنها على أصلها مصدر بمعنى الترك، ومن تعليلية أي من أجل تركهم ما عملتموه من المعاصي.
قوله:
(وما لما الخ)
ما مبتدأ خبره لها ولما صلتها وتنوب صلة ما الثانية جرت على غير صاحبها، ولم يبرز لا من اللبس، وعنه متعلق بتنوب أي وما استقر للفعل الذي تنوب هي عنه كائن لها ومن عمل بيان لما الأولى حال منها أو من ضميرها في الصلة في الخبر لئلا تتقدم الحال على عاملها الظرف أو من بمعنى في متعلقة بتنوب والأول أوقع.
قوله:
---
(وأخر ما الذي الخ)(3/3)
ما مفعول أخر، ولذي أي أسماء الأفعال خبر مقدم عن العمل، وفيه متعلق بالعمل والجملة صلة ما أي وأخر المعمول الذي العمل فيه كائن لهذه.
قوله:
(ما يثبت لما تنوب عنه)
أي غالباً وإلا فآمين لم يحفظ له مفعول مع نيابته عن متعدَ وهو استجب.
قوله:
(بمعنى اكفف)
فيه ما مر فلا تغفل.
قوله:
(ولا يجوز تقديمه)
أجازه الكوفيون تمسُّكاً بقوله: كتاب الله عليكم، وقول الشاعر:
364 ــــ يا أيُّها المائحُ دلوي دُونَكا
إني رأيتُ النَّاسَ يَقصِدُونَكا
وأجيب بأن كتاب مصدر منصوب بفعل محذوف مؤكد لمضمون حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ}
(المائدة3)
أي كتب ذلك الله عليكم كتاباً فحذف الفعل، وأضيف المصدر إلى فاعله كـ: صِبْغَةَ الله}
(البقرة:138)
ودل على ذلك المحذوف أن التحريم يستلزم الكتابة، وعليكم متعلق بالمصدر أو الفعل المحذوف لا اسم فعل، وأما دلوي فمبتدأ لا مفعول خبره جملة اسم الفعل، وفاعله حذف رابطها أي دونكه، والجملة خبرية مقصود بها الطلب، والمائح هو الذي ينزل البئر عند قلة مائها ليملأ منها الإناء.
قوله:
(بخلاف الفعل)
يخالفه أيضاً في أنه لا يعمل محذوفاً على الأصح، وأجازه المصنف بشرط تأخر دال على المحذوف، وخرّج عليه الآية والبيت المتقدمين. وفي أنه لا يبرز معه ضمير الرفع كالتاء.
قوله:
(لحاق التنوين)
بفتح اللام كما في المختار لها أي لبعضها وتنوينها، وعدمه سماعي كما أشعر به كلام المصنف، والحاصل أن ما سمع غير منون فقط كنزال وآمين وهيهات وأوّه فهو لازم التعريف، ولا يجوز تنوينه، وما سمع منوناً فقط كواهاً وويهاً فهو لازم التنكير، ولا يجوز ترك تنوينه وما سمع بهما كما مثله الشارح فيعرّف وينكر.
قوله:
(وفي حيهل)
---(3/4)
أي بالبناء على الفتح حيهلاً أي بالتنوين، ويبدل في الوقف ألفاً، وقد تثبت في الوصل وهي مركبة من حي بمعنى أقبل، وهل التي للحث، والعجلة لا الاستفهامية فجُعِلَتا كلمة واحدة مبنية على الفتح في الكثير اهـ. فارضي. ويكون بمعنى احضر فيتعدَّى بنفسه كحيهل الثَّرِيد، وبمعنى أقبل فيتعدى بعلى كحيهل على الخير، وبمعنى عجِّل فيتعدى بالباء نحو: إذا ذكر الصالحون فحيهلاً بعمر، وقد تفرد حي عن هل فتكون بمعنى أقبل أو ائتِ كما في الدماميني.
قوله:
(فما نون منها الخ)
قال الرضي: ليس المراد بتنكير اسم الفعل، وتعريفه تنكير الفعل الذي هو بمعناه، وتعريفه لأن الفعل لا يعرف ولا ينكر بل ذلك راجع إلى المصدر الذي هو أصل ذلك الفعل. فصهٍ منوناً بمعنى اسكت سكوتا ما أي افعل مطلق السكوت عن كل كلام إذ لا تعيين فيه، وصه بلا تنوين بمعنى اسكت السكوت المعهود عن هذا الحديث الخاص مع جواز غيره هكذا حُقِّق المقام، ودع الأوهام اهـ. سندوبي وقد يؤخذ منه أنها من قبيل المعرف بأل العهدية وهو الظاهر، ثم هذا الكلام يتمشى على أن مدلولها المصدر وهو ظاهر. وكذا على أن مدلولها الفعل خلافاً للمصرح لأن التعريف يرجع للأصل المشتق منه لا إلى نفس المدلول كما هوصريح ما ذكر.
قوله:
(من مشبه الخ)
بيان لما الأولى وقوله: صوتاً، أي اسم صوت.
قوله:
(في الاكْتِفَاء بها)
أي عدم احتياجها في إفادة المراد إلى شيء آخر كما أن اسم فعل الأمر والمضارع كذلك بحسب الظاهر وإن كان في الحقيقة مركباً مع فاعله المستتر، واسم الصوت مفرد لا ضمير فيه واحترز بذلك من نحو يا ظبيات القاع يا دار مية مما خوطب به غير العاقل، ولم يكتف به في إفادة المراد لأن حرف النداء لا يفيد وحده بل لا بد أن يذكر بعده ما قصد بالنداء.
قوله:
(لزجر الخيل)
---
أي عن البطء، وقوله: للبغل أي لزجره كذلك وهلا بوزن ألا كما في الهمع، وقيل ينون وعَدَسْ بمهملات مفتوح الأولين مبني على السكون.
قوله:
(كقب)(3/5)
بفتح القاف، وسكون الموحدة حكاية صوت السيف على الدرقة.
قوله:
(إلى أن أسماء الأفعال الخ)
يحتمل أنه أراد نوعي الأصوات لتقدم الكلام على أسماء الأفعال أول الكتاب.
قوله:
(في النيابة عن الفعل الخ)
أي في كونها عاملة غير معمولة.
قوله:
(لشبهها بأسماء الأفعال)
أي فهي مشبهة للحرف بالواسطة، ولا حاجة إلى ذلك لإمكان الشبه مباشرة فالأرجح أن بناءها لشبهها بالحروف المهملة في أنها لا عاملة ولا معمولة كلام الابتداء وحرف التنفيس فلا محل لها من الإعراب والله أعلم.
نونا التوكيد
قوله:
(للفعل الخ)
قدم المعمول لإفادة الحصر.
قوله:
(بنونين)
أي بكل منهما على انفراده، وهما أصلان عند البصريين لتخالف بعض أحكامهما كاختصاص الخفيفة بقلبها ألفاً، وحذفها للساكنين، والشديدة بوقوعها بعد الألف كما سيأتي. ورد بأن ذلك لا يدل على الأصالة فهذه أن المفتوحة فرع المكسورة ولها أحكام تخصها، وعند الكوفيين الخفيفة فرع الثقيلة لاختصارها منها، وقيل بالعكس لبساطة الخفيفة فهي أليق بالأصالة، ثم التوكيد بالثقيلة أشد على قاعدة زيادة المبني لزيادة المعنى غالباً، ولذلك قالت زليخا لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا}
الخ لأنها كانت أحرص على سجنه في بيتها لتراه كل وقت من كونه صاغراً.
قوله:
(يؤكدان)
أي جوازاً أو وجوباً على ما سيبين.
قوله:
(أفعل)
أي فعل الأمر ولو دعاء بأي صيغة لا خصوص هذه فهو من إطلاق الخاص على العام وكذا قوله: ويفعل وخرج بهما الماضي ولو لفظاً فقط فلا يؤكد أنه أصلاً لأنهما يخلصان الفعل للاستقبال المنافي للمضي، وكذا الاسم وأما قوله:
365 ــــ دامنّ سُعدِك إن رَحِمْتِ مُتَّيماً
لولاكِ لم يكُ للصبابةِ جانِحا
وقوله:
366 ــــ أقائلنَّ أَحضِروا الشهودا
---
فضرورة شاذة لا يجوز ارتكابها لكن سهل الأول استقباله معنًى لكونه دعاء.
قوله:
(آتياً)(3/6)
حال من يفعل، وذا طلب حال من الضمير في آتيا، والمراد الطلب الحقيقي كالأمر والعرض الخ أما الخبر المراد به الطلب مجازاً كقولك للعاطس: يرحمك الله فلا يؤكد.
قوله:
(أو شرطاً)
عطف على ذا طلب وتالياً صفته وأما بالكسر مفعول تالياً أي أو آتياً فعل شرط تالياً أما أو أن شرطاً بمعنى أداء شرط مفعول تالياً، وأما بدل منه.
قوله:
(أو مثبتاً)
عطف على شرطاً فهو حال أيضاً من ضمير آتياً، ومستقبلاً إما حال من ضمير مثبت أو من ضمير آتياً، ويكون معطوفاً على مثبت بواو محذوفة، وفي قسم متعلق باتياً.
قوله:
(وبعدلا)
أي النافية، ولم يقيدها بذلك لما علم من اطِّراده بعد الطلب الذي من جملته لا الناهية.
قوله:
(وغير)
بالجر عطفاً على لا.
قوله:
(فعل الأمر)
أي بالصيغة كقومن أما الأمر باللام فداخل فيما بعده.
قوله:
(والفعل المضارع)
أعلم أن له خمس حالات: الأول وجوب توكيده وذكرها بقوله: أو مثبتاً الخ، الثانية قربه من الواجب، وذكرها بقوله: أو شرطاً. أما تالياً الثالثة كثرته وهي قوله آتياً ذا طلب. الرابعة: قلته وهي قوله: وقلّ بعدما الخ، وفي هذه مرتبتان: قليل وهو توكيده بعد ما الزائدة أو لا النافية، وأقل وذلك بعد لم وبعد شرط غير أما كذا في التوضيح وبقي سادسة: وهي امتناع توكيده وذلك في جواب قسم بواو منفي، أو حال أو مفصول من لامه كما سيأتي.
قوله:
(وهل تضربن زيداً)
أي الاستفهام بجميع أدواته اسمية كانت أو حرفية ومثله التحضيض والعرض، والتمني كهلا تضربن زيداً وألا تنزلن عندنا وليتك تقيمن معنا فكل ذلك داخل في الطلب، وبقي من أقسامه التي لم يمثل لها الشارح الدعاء والترجي والأول داخل في الأمر والنهي والثاني لم أرَ مَن ذكَره.
قوله:
(شرطاً بعد أن الخ)
---
مذهب سيبويه أن التوكيد حينئذٍ قريب من الواجب، ولم يقع في التنزيل غيره لأن أن المؤكدة بما تشبه القسم المؤكدة باللام، وأوجبه المبرد والزجاج، وحملوا عدمه على الضرورة.
قوله:(3/7)
(مثبتاً مستقبلاً)
أي غير مفصول من لامه، وحينئذ يجب التوكيد باللام والنون معا عند البصريين، وخلُّوه من أحدهما شاذٌّ أو ضرورة فإن خلا منهما معاً نحو: والله أقوم، قُدِّرَ قبله حرف النفي وكان المعنى على نفي القيام. ولذا حكم الحنفية على من قال: والله أصوم بحنثه بالصوم وعند غيرهم يحنث بعدمه لابتناء الإيمان على العرف، وأجاز الكوفيون الاكتفاء حينئذٍ بأحدهما. وقد ورد في الشعر، وحكى سيبويه: والله لأضربه.
قوله:
(لم يؤكد بالنون)
أي ولا باللام أيضاً لامتناعها في المنفي وأما قوله:
367 ــــ ت الله لا يُحمَدنَّ المرءُ مُجْتنِباً
فِعْلَ الكرام ولو فاقَ الورى حَسَبا
فشاذ أو ضرورة، ومن الجواب المنفي غير المؤكد تَالله تَفْتَؤُ تَذْكُرُ يُوسُفَ}
(يوسف:85)
أي لا تفتؤ.
قوله:
(وكذا إن كان حالاً)
أي لا يؤكد بالنون فقط لاقتضائها الاستقبال فيتنافيان، ومنه قراءة ابن كثير لأقسم بيوم القيامة}
(القيامة:1)
وقوله:
368 ــــ يميناً لأَبغض كلَّ امرىء
يُزَخرِفُ قَولاً ولا يَفْعَل(2)
فلم يؤكد بالنون لأن البغض والإقسام أي الحلف موجودان حال التكلم لا مستقبلان، وكذا تمتنع النون في الفعل المفصول من لام القسم نحو: لإَلَى الله تُحْشَرُونَ}
(آل عمران: 158)
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}
(الضحى:5)
.q
قوله:
(وقل دخول النون الخ)
تبع المصنف في التسوية بين المذكورات في القلة، وليس كذلك لتصريح المصنف في غير هذا الكتاب بكثرته بعد ما بل ظاهر كلامه إطراده نعم هو قليل بالنسبة لما مر. ومر عن التوضيح أن مثلها لا وأما بعد لم وبعد شرط غير أما فنادر سواء أكد الشرط أو الجزاء.
قوله:
(بعد ما الزائدة)
---
شمل الواقعة بعد رب حكى سيبويه ربما يقولن ذلك ومنه قوله.
369 ــــ ربَّما أوْفَيتُ في عَلَمٍ
تَرْفَعَنْ ثوبي شِمالاتُ(3)
وظاهر التسهيل أنه لا يختص بالضرورة لكن صرح في شرح الكافية بشذوذه.
قوله:
(بعين ما أرينك)(3/8)
تقوله لمن يخفي عنك أمراً أنت بصير به.
قوله:
(ما لم يعلما)
الشاهد فيه توكيده بالخفيفة المنقلبة ألفاً والشاعر يصف جبلاً عمه الخصب والنبات وقيل: لبَناً في القعب أي الكوز علت عليه رغوته بدليل ما قبله من الأبيات.
قوله:
(لا تصيبن الخ)
الجملة صفة لفتنة فتكون الإصابة عامة للظالمين، وغيرهم قال في شرح الكافية وإنما أكده لأن النافية كالناهية في الصورة، ومثله قول الشاعر:
370 ــــ فلا الجارة الدُّنيا بها تَلْحَيْنَها
ولا الضيفُ فيها إن أناخ مُحَوَّلُ(4)
إلا أن توكيد تصيبن أحسن لاتصاله بلا فهو أشبه بالنهي من تلحينها، وظاهر ذلك إطراده مطلقاً لكن نص غيره على أنه بعد المفصولة ضرورة بل عند الجمهور ضرورة مطلقاً، وحملوا الآية على النية فمنهم من جعل الجملة مستأنفة لنهي الظالمين، والأصل لا تتعرضوا للظلم فتصيبكم الفتنة خاصة فحول النهي عن تعرضهم إلى إصابة الفتنة لأنه سببها وأوقع الذين ظلموا موقع ضمير المخاطبين تنبيهاً على أنهم إن تعرضوا كانوا ظالمين فالإصابة خاصة بالمتعَرضين، ومنهم من جعل الجملة صفة فتنة بتقدير القول: مع تحويل النهي المذكور أي فتنة مقولاً في شأنها: لا تصيبن الخ أي لا تجعلوها تصيبكم خاصة، ولا يصح على هذا تنزيل الفتنة منزلة العاقل فيتوجه النهي إليها بلا تحويل لأنه كان يجب كسر الباء من تصيبن لكونه خطاباً بالمؤنث، وهو الفتنة إلا أن تؤول بالافتتان أو بالعذاب مثلاً فالإصابة حينئذ عامة.
قوله:
(من يثقفن)
بالتحتية مبنياً للمفعول، أو بالفوقية للفاعل، يقال: ثقفته من باب فهم، أي وجدته والآيب الراجع.
قوله:
(يبنى على الفتح)
---
أي أمراً كان، أو مضارعاً صحيحاً أو معتلاً كاغزون وارمين واخشين وهل تغزون الخ وبني لتركبه معها كخمسة عشر وحرك تخلصاً من السكونين في الأمر والمضارع المجزوم، وحمل الباقي عليهما. وكانت فتحة للخفة ومر مزيد لذلك أول الكتاب.
قوله:
(وأشكله الخ)
.(3/9)
أعلم أن المصنف ذكر أصلين واستثنى من كل مسألة الأول فتح آخر المؤكد، واستثنى منه المتصل بالضمير الليِّن فإنه يحرك بما يجانسه وهو المراد بقوله: وأشكله الخ. الثاني: أن ذلك الضمير يحذف إن كان ياء أو واواً وهو المراد بقوله: والمضمر احذفنه الخ، واستثنى منه أن يكون آخر الفعل ألفاً كيخشى فتحذف هي، ويبقى واو الضمير أو ياؤه مشكولين بما يجانسهما وهو المراد بقوله: واحذفه من رافع هاتين الخ أفاده الموضح.
قوله:
(لين)
بفتح اللام مخفف لين صفة لمضمر أو بكسر مصدر نعت به.
قوله:
(ألف)
ليس فيه مع الألف الأولى إيطاء لاختلافهما تعريفاً وتنكيراً.
قوله:
(فاجعله الخ)
مفعوله الأول الهاء، والثاني: قوله ياء أي اجعل الألف الذي في آخر الفعل ياء حال كون تلك الألف من الفعل حال كونه رافعاً غير الياء وغير الواو بأن رفع ألف اثنين أو ضميراً مستتراً أو نون نسوة أو اسماً ظاهراً كما سيأتي.
قوله:
(واحذفه)
أي الألف الذي آخر الفعل من رافع هاتين أي الواو والياء.
قوله:
(فحذفت النون)
أي نون الرفع لتوالي الأمثال أي الزوائد فلا يرد: النسوة جنن، وهذا التوالي في الثقيلة، وحملت عليها الخفيفة طرداً للباب أو الحذف معها للتخفيف.
قوله:
(لالتقاء الساكنين)
ولم يغتفر كما في دابة لأنه هنا ليس على حدِّه، إذ شرطه كون الأول حرف لين، والثاني مدغماً وهما من كلمة واحدة كالمثال، والنون هنا ككلمة منفصلة لكن الصحيح عدم اشتراط الأخير بدليل اتحاجُّوني}
(الأنعام:80)
---(3/10)
وعلة الحذف حينئذ استثقال الكلمة واستطالتها لو بقي الضمير وإنما لم تحذف الألف مع تأتي العلتين فيها لخفتها، ولئلا يلتبس بفعل المفرد، ولا يزول اللبس بكسر النون في فعل الاثنين دون المفرد لأن علة الكسر وقوعها بعد الألف كما سيأتي. فلو حذفت لم تكسر النون، ولم تحذف الألف مع نون النسوة في أضربنانِّ لتفصل بين الأمثال أفاده الصبان. وقوله: بدليل أتحاجوني مقتضاه أن الساكنين فيه وهما الواو ونون الرفع المدغمة في نون الوقاية من كلمتين مع أن كلاًّ منهما جزء من الفعل المسند للواو إذ لا قوام له بدونهما فهما من كلمة واحدة بخلاف نون التوكيد فإنها منفصلة طارئة على ذلك الفعل كما لا يخفى ثم إن بنينا على اشتراط كونهما من كلمة وإن الحذف في نحو: تضربن لكون الالتقاء في الجميع على حده فالحذف في تضربن للثقل والطول كما ذكر فيقال عليه لمَ لم يحذف في تحاجوني؟ لذلك وليس فيه داع لعدم الحذف كما في تضربان اللهم إلا أن يقال الثقل مع نون التوكيد أشد منه مع نون الوقاية فليتأمل.
قوله:
(هل تغزون)
أي بتخفيف النون لأنه غير مؤكد وكذا ما بعده. وأصله تغزوون وترميون وتغزوين بضم الزاي وكسر الميم حذفت ضمة الواو والياء من الأولين وكسرتهما من الأخيرين لثقلهما، ثم حذفت واو الفعل وياؤه للساكنين فصار تَغْزُون الخ.
قوله:
(فتحذف نون الرفع)
أي لتوالي الأمثال وواو الضمير وياؤه لالتقائه ساكناً مع نون التوكيد أو للتخفيف أي وتبقى لام الفعل على حذفها، وتجعل الحركة المجانسة للضمير المحذوف على ما قبلها فإن قلت: كيف قول الشارح فعلت به ما فعلت بالصحيح مع أن الصحيح لا تحذف لامُه؟ قلت: المراد أنه مثله في التغيير لأجل التوكيد من حذف نون الرفع، ثم الضمير وشكر ما قبله بما يجانسه أما حذف لامه فسابق على التوكيد عند إتيان الضمير لا لأجله.
قوله:
(هل تغزُن وهل ترمُن)
بضم الزاي والميم في هذين وكسرهما فيما بعد.
---
قوله:(3/11)
(فإن أسند إلى الألف لم تحذف آخره)
وكذا لا يحذف مع المفرد، ولا نون النسوة كهل تغزون وترمين يا زيد بالفتح وتغزونان وترمينان يا نسوة بالسكون كالصحيح سواء من كل وجه.
قوله:
(كالألف والضمير المستتر)
وكذا نون النسوة، والاسم الظاهر كاسعينان يا نسوة وهل يسعين زيد فتقلب الألف ياء في الجميع لكونها لا تقبل الحركة.
قوله:
(إخشون واخشين)
فعلا أمر مؤكَّدان بالنون الخفيفة مبنيان على حذف النون والواو، والياء فاعل وأصلهما قبل التأكيد: اخشيوا واخشي قلبت لام الفعل ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت للساكنين فصار اخشوا واخشي بفتح الشين فلما دخلت النون التقت ساكنة مع الضمير فلا جائز أن يحذف هو لعدم ما يدل عليه ولا النون لفوات المقصود منها فحرك الضمير بما يناسبه.
قوله:
(هل تخشون)
بفتح الشين فيه وفيما بعده، وأصله تخشيون فعل به ما مر.
قوله:
(ولم تقع إلخ)
شروع فيما تنفر به كل من النونين فهذا للثقيلة وذكر الخفيفة بقوله واحذف إلخ، وخفيفة أما حال من فاعل تقع العائد للنون المعلومة من السياق، أو هي الفاعل وشديدة عطف عليه بلكن أياً كان.
قوله:
(بعد الألف)
أي اسماً كانت بأن أسند إليها الفعل، أو حرفاً بأن أسند للظاهر على لغة أكلوني البراغيث كيضربان الزيدان أو كانت هي التالية لنون النسوة كاضربنان.
قوله:
(فلا تقول اضربان)
أي ولو كان بعدها ما تدغم فيه فلا يجوز اضربان نعمان كما نص عليه سيبويه.
قوله:
(مكسورة)
أي لشبهها بنون المثنى في زيادتها آخراً بعد ألف ومثله: اضربنان الآتي، ويجري فيه خلاف يونس.
قوله:
(في الوقف)
تنازعه أردد وحذفتها، وما مفعول أردد وكان عد ما صلتها ومن أجلها متعلق بعدم.
قوله:
(وأبدلنها إلخ)
مقابل قوله: وبعد غير فتحة إلخ.
قوله:
(لا تهين)
---(3/12)
أصله قبل التوكيد لا تهن بحذف الياء وهي عين الفعل لالتقائها ساكنة مع لامه عند دخول الجازم فلما أكد فتحت اللام، فردت العين لزوال الالتقاء فالجازم سابق النون ليكون دخولها قياسياً لكون الفعل حينئذ طلبياً، وحينئذ فيظهر أنه معرب تقديراً لاستيفاء الجازم مقتضاه قبل النون وليس هو كالفعل المجزوم مع نون الإناث لسبقها على الجازم فهو مبني معها في محل جزم لا معرب قاله السيد البليدي لكن مر في باب الإعراب وسيأتي في إعراب الفعل أنه إذا دخل عليه ناصب أو جازم يكون في محل نصب أو جزم مع كل من النونين فتدبر. وقوله علك لغة في لعلك والمراد بالركوع انحطاط الرتبة، والبيت من المنسرح لكن دخل في مستفعلن أول جزء منه الخبن فصار متفعلن مركب من، وتدين فدخله الخرم بالراء وهو حذف أول الوتد فصار: فاعلن وذلك شاذ وبعده:
371 ــــ وصِلْ حبالَ البَعيد إن وَصَلَ الحبـ
ـلَ وأقُصُّ القريبَ إن قَطَعَهْ
وارْضَ مِنَ الدهرِ ما أَتَاك بهِ
مَن قَرَّ عَيناً بعيشِهِ نَفَعَهْ
قَدْ يَجمعُ المالَ غيرُ آكِلِه
ويأكلُ المالَ غيرُ مَن جَمَعَهْ(2)
قوله:
(وكذا تحذف إلخ)
أي فلها سببان فقط الساكن والوقف، وندر حذفها بدونهما كقوله:
372 ــــ اضرِبْ عَنْكَ الهُمومَ طارقَها
ضربَك بالسَّيفِ قونَس الفَرَس(3)
373 ـــــ وما قيل قبل اليوم خالف تذكرا(4)
بفتح اضرب وخالف وحمل على ذلك قراءة ألم نشرح بالفتح.
قوله:
(في الوقف)
قال أبو حيان الظاهر أن دخول النون في الوقف خطأ لأنها تدخل للتأكيد، ثم تحذف بلا دليل عليها اهـ، ويرد أنه ليس المراد أنها تدخل وقفاً، ثم تحذف بل إنه إذا ورد فعل مؤكد بها وصل وأريد الوقف عليه حذفت ورد المحذوف لأجلها صبان.
قوله:
(وترد إلخ)
---(3/13)
أي وجوباً لزوال علة الحذف وهي التقاء الساكنين، وإنما كان الأكثر في الوقف على نحو قاض عدم رد الياء مع زوال العلة فيه أيضاً لأن المحذوف منه جزء كلمة بخلاف ما هنا فإنه كلمة تامة والاعتناء بها أشد والله أعلم.
- ما لا ينصرف -
ذكره عقب النون لأن له تعلقاً بالفعل بشبهه له كما أنها متعلقة به.
قوله:
(الصرف تنوين)
أي فقط كما هو مذهب المحققين، وأما الجر بالكسر فليس من مسمى الصرف بل تابع له وجوداً وعدماً لتآخيهما في الاختصاص بالاسم المنصرف، والصرف من الصريف وهو الصوت لأن التنوين صوت، وقيل من الانصراف بمعنى الرجوع فكان الاسم رجع عن شبه الفعل.
قوله:
(معنى)
مفعول مبيناً وجملة به يكون إلخ صفة معنى.
قوله:
(أمكنا)
أي زائدة التمكن في باب الاسمية فهو أفعل تفضيل من مَكُنَ بالضم مكانة إذا بلغ الغاية في التمكن لا من تمكن لأن بناءه من غير الثلاثي المجرد شذ.
قوله:
(ومتمكناً غير أمكن)
وعكسه متعذر وبه تتم القسمة العقلية رباعية.
قوله:
(وبدونهما)
هذا محل الافتراق وبينه وبين غير المصروف، وما قبله مشترك.
قوله:
(لغير مقابلة إلخ)
لو اقتصر كالأشموني على قوله: الدال على معنى إلخ، لخرج به المقابلة والتعويض كما يخرج به التنكير ولم يذكره الشارح لاختصاصه بالمبنيات والكلام في المعربات إذ كل من الثلاثة لم يدل على ذلك المعنى بل القصد بها مجرد المقابلة والتعويض، والدلالة على تنكير الاسم.
قوله:
(عدم شبهه الفعل)
---(3/14)
أي والحرف أيضا فهو باق على أصله من التمكن في باب الاسمية ولا يخفى أنه ليس في عبارة الشارح دور كما توهم وإنما هو في عبارة من قال بأن لم يشبه الحرف فيبنى ولا الفعل فيمنع من الصرف، وبيانه أنه يصير حاصل التعريف الصرف هو التنوين الدال على كون الاسم متمكناً أي غير مبني، ولا ممنوع من الصرف فأخذ المعرف وهو الصرف جزأً من تعريفه وهو دور لتوقف المعرف على معرفة جميع أجزاء التعريف فيتوقف على نفسه، وجوابه أن المعتبر في التعريف عدم مشابهة الفعل وذلك ممكن بدون ملاحظة الانصراف وعدمه، وأما قوله فيمنع من الصرف فليس جزءاً من التعريف بل بيان لأمر مرتب على الشبه ولو حذف منه كما فعل الشارح ما ضرّ أفاده سم.
قوله:
(وهو يصحب غير المنصرف)
أي من جمع المؤنث وهو ما سمي به أنثى كما يصحب المنصرف منه، وهو ما كان باقياً على جمعيته كمسلمات وهندات، وما قيل إن كلام الشارح صريح في أن مسلمات غير منصرف سهو ظاهر لأنه قيد غير المنصرف بقوله علم امرأة فأفاد أن الباقي على جمعيته منصرف وهو ما صرح به ابن هشام وغيره، وحينئذ فهو مستثنى من المتن لأن مفهومه أن ما خلا عن التنوين لدال على الأمكنية غير منصرف فيشمل هذا فإن قلت كيف يكون منصرفاً مع أنه لم يقم به الصرف، وهو التنوين المذكور أجيب باحتمال أن الصرف حالة قائمة بالاسم هي أمكنيته، وبقاؤه على أصله والتنوين المذكور علامته، والعلامة لا يجب انعكاسها فمسلمات باق على أصله من الأمكنية لكن لم يدل بتنوينه على ذلك عند الجمهور بدليل ثبوته مع العلتين عند التسمية به بل قصد به مجرد مقابلة النون في جمع المذكر السالم في الدلالة على تمام الاسم وعدم إضافته لا المقابلة مع الصرف كما قيل فتدبر.
قوله:
(كهذين المثالين)
وقد يصحب المنصرف ككل وبعض فيكون للعوض مع الصرف.
قوله:
(ويجر بالفتحة)
---
إلا ما سمي به من جمع المؤنث فإنه يجوز إعرابه كأصله ولا يرد على كلامه لتقدم ذكره ذلك.
قوله:
(بأحمدكم)(3/15)
الأولى بأفضلكم وبالأفضل لأن العلم لا يضاف، ولا تدخله أل حتى ينكر فيكون منصرفاً قبلهما لزوال إحدى العلتين ومر في باب الإعراب مزيد لهذا المحل.
قوله:
(علتان)
أي فرعيتان: لفظية ومعنوية مختلفتان جهة وذلك لأن الفعل متفرع عن الاسم في اللفظ لاشتقاقه منه، وفي المعنى لاحتياجه في إيجاد معناه إلى الفاعل وهو لا يكون إلا اسماً فتوقف على وجود الاسم لفظاً ومعنىً من جهتين مختلفتين فإذا تفرع بعض الأسماء عن غيره كذلك فقد أشبه الفعل، فيعطى حكمه وهو المنع من الصرف تخفيفاً لثقله بشبه الفعل الثقيل فخرج ما ليس فيه فرعية أصلاً كرجل وفرس لأنه مفرد جامد نكرة مذكر، وما فيه فرعية واحدة كزيد فيه العلمية علة معنوية فرع التنكير، وامرأة فيها التأنيث فرع التذكير ومرجعه اللفظ، وكذا ما فيه فرعيتان في اللفظ فقط كإجمال فيه الجمع فرع الإفراد والتصغير فرع التكبير أو في المعنى فقط كحائض وطامث فيهما الوصفية فرع الجمود ولزوم التأنيث فرع عدمه، ويلحق بذلك ما فيه فرعية اللفظ والمعنى من جهة واحدة كدريهم فإن فيه الجمود ولزوم التأنيث اللفظ ومعنى التحقير، وهما فرعان عن عدمهما، وكل منهما نشأ عن التصغير فكل ذلك مصروف لعدم شبه الفعل فيما مر بخلاف نحو أحمد كما سيبين.
قوله:
(علل تسع)
ليس فيها معنوي سوى العلمية والوصفية وباقيها لفظي حتى التأنيث المعنوي لظهوره في اللفظ بتأنيث الضمير والفعل مثلاً.
قوله:
(عدل)
أي تحقيقي أو تقديري، وتأنيث أي لفظي أو معنوي، ومعرفة أي علمية ثم تركيب أي مزجي.
قوله:
(والنون)
عطف على عدل، وزائدة حال منها وجملة من قبلها ألف حال ثانية، ولم يقل: زائدة لعلمه من الأول.
قوله:
(تقريب)
أي لم يبين فيه ما يمنع وحده أو مع العلمية والوصفية، وقد جمعها بعضهم على هذا الوجه بقوله:
لمُنتهى الجموع منْعٌ والألفْ
---
عُرْف مع العُجْمَة تركيبٌ أُلِف
تأنيثُ إلحاقٍ وعرفٌ أو صِفِ
مَعْ وزنِ عَدْلٍ وزيادةٌ تفي
قوله:(3/16)
(أحدهما ألف التأنيث)
إنما استقلت بالمنع لأن في المؤنث بها فرعية اللفظ بزيادتها، وفرعية المعنى بلزومها بخلاف التاء لا تلزم بل في تقدير الانفصال غالباً.
قوله:
(الجمع المتناهي)
إنما استقل بالمنع لأن فيه فرعية المعنى بدلالته على الجمعية، وفرعية اللفظ بخروجه عن صيغ الآحاد العربية لفظاً إذ ليس فيها ما يوازنه وحكماً لأنه لا يصغر على لفظه كالمفرد، ولا يجمع مرة أخرى تكسير ولذا سمي منتهى الجمع لانتهاء الجموع إليه بخلاف غيره من الجموع فإنه يجمع ويصغر كأَنْعَام وأَكْلُبْ يجمعان على أنَاعم وأكَالِب، ويصغران على لفظهما كأُنَيْعَام وَأُكَيْلِب، ويوازنان المفرد كصلصال، وتنضب فعلم أن أفعالا وأفعلاً لم يخرجا عن صيغ الآحاد كهذا الجمع خلافاً لابن الحاجب.
قوله:
(كيفما وقع)
كيفما اسم شرط على مذهب الكوفيين، ووقع فعل الشرط، وجوابه محذوف لعلمه من منع أي كيفما وقع الذي حوى الألف منع الألف صرفه أي علماً كان أولا كما مثله الشارح مفرداً كما ذكر أو جمعاً كجرحى، وأصدقاء اسماً كهذه أو صفة كحبلى وحمراء هذا ما يقتضيه صنيع الشارح كالأشموني، وأما جعل فاعل وقع ضمير الألف كما في المعرب فيرد عليه أن التعميم فيها علم من قوله مطلقاً.
قوله:
(أي سواء كانت إلخ)
تفسير للإطلاق وقوله علماً تفسير لكيفما وقع.
قوله:
(أو ممدودة)
إطلاق المد عليها لمجاورتها له، وإلا فهي الهمزة الأخيرة فقط وأصلها ألف لينة، فأصل حمراء حمرى بالقصر فلما قصدوا المد زادوا قبلها ألفاً فقلبت الأخيرة همزة.
قوله:
(وزائداً فعلان)
---(3/17)
إما مبتدأ حذف خبره أي كذلك أو عطف على الضمير في منع للفصل بالمفعول أي الألف منع الصرف هو وزائدا إلخ، وفعلان مجرور بالفتحة للعلمية على الوزن والزيادة، وهو بفتح الفاء لا غير لما في العصام على الجامي أنه لا يوجد في الصفة فعلان بالكسر مطلقاً، ولا بالضم إلا ومؤنثه فعلانة بالهاء كخمصان وخمصانة، وليس الكلام فيه لأنه مصروف، أما الاسم فعلى الأوزان الثلاثة.
قوله:
(في وصف)
حال من زائداً أو صفة له.
قوله:
(سلم إلخ)
هذا شرط، وفي العمدة وشرحها شرط آخر وهو أصالة الوصفية ليخرج: مررت برجل صفوان قلبه أي قاس فلا يمنع لعروض وصفيته لأن أصله اسم للحجر الصلد أي اليابس، ويمكن أن قوله الآتي: وألغين، عارض الوصفية أي من فعلان وأفعل وتمثيله بأربع لا يخصص الثاني لأن المثال لا يخصص.
قوله:
(للصفة)
هي العلة المعنوية فرع عن الجمود لاحتياجها إلى موصوف تنسب إليه بخلاف الجامد، واللفظية هي زيادة الألف والنون المضارعتين لألفي حمراء في أنهما في بناء يخص المذكر، ولا تلحقهما التاء كما أن ألفي حمراء في بناء يخص المؤنث، ولا تلحقهما التاء فلا يقال: سكرانة كما لا يقال حمراء، وإنما لم يكتفِ بالصفة وحدها مع أن فيها فرعية اللفظ أيضاً باشتقاقها من المصدر لضعف هذه الفرعية فيها لأنها كالمصدر في البقاء على الاسمية والتنكير، ولم يخرجها الاشتقاق إلى أكثر من نسبة الحدث إلى الموصوف، والمصدر صالح لذلك إجمالاً كرجل عدل فكانت كالمفقود، ولذا صرف نحو عالم وشريف.
قوله:
(بشرط أن لا يكون إلخ)
أي بأن يكون مؤنثه فعلى بالفتح والقصر كما مثل، أولا مؤنث له أصلاً كلحيان لكبير اللحية ورحمن، والأول غير مصروف اتفاقاً، والثاني على الصحيح لأنا لو فرضنا له مؤنثاً لكان فعلى لكثرته أولى به من فعلانة.
قوله:
(والمؤنث على فعلانة)
لم يجىء من ذلك إلا ألفاظ معدودة جمعها المصنف في قوله:
اجزِ فَعلى لفعلانا
---
إذا استَثْنَيْتِ حَبْلانا
ودَخْناناً وسَخْنَانا(3/18)
وسيفاناً وصَحْيَانا
وصَوْجاناً وَعَلاَّنا
وقَشْواناً ومُصَّانا
ومَوْتاناً ونَدْمَانا
وأتْبِعْهُنَّ نَصَرانا
وذيَّله المرادي بقوله:
وزِدْ فِيهنَّ خُمصانا
على لغةٍ، وأليانا
فهذه أربعة عشر لفظاً كلها بفتح الفاء، ومؤنثها فعلانة وما عداها من أوزان فعلان بالفتح يجب في مؤنثه فعلى فقول المصنف: أجز في مقابلة الامتناع فيصدق بالوجوب، وقد نظمها الشارح الأندلسي مع تفسيرها فقال:
6
كلُّ فعلانَ فهو أنثاهُ فَعْلَى
غيرُ وصفِ النديمِ بالنَدْمَان
ولذي البطن جاء حبلانُ أيضاً
ثم دَخْنَانُ للكثيرِ الدُّخانِ
ثم سفيانُ للطويل وصَوْجانُ
ولذي قوة على الحملان
ثم صحيان إن حوى اليوم صَحْواً
ثم سخنانُ وهو سخنُ الزَّمانِ
ثمَّ موتانُ للضعيف فُؤَادا
ثم علاَّنَ وهو ذو النسيانِ
ثم قشوانُ للذي قَلَّ لَحْماً
ثمَّ نصرانُ جاء في النصراني
ولذي أليةٍ كبيرةٍ الْيان
وخمصانُ جاء في الخمصانِ
ثم مُصان للئيم وفي لحيانَ
رحمن يفقد النَّوعانِ
والبيت الذي قبل الأخير نظمه الصبان لما زاده المرادي، والخمصان ضامر البطن، وفيه لغتان الضم والفتح وكل منهما يؤنث بالتاء، والمصان بميم فصاد مهملة، والقشوان بقاف وشين معجمة، والعلان بعين مهملة والصوجان بالمهملة والجيم الجمل القوي، وكل صلب من الدواب والناس، وخرج بندمان بمعنى النديم أي المنادم ندمان من الندم فلا يصرف لأن مؤنثه فعلى.
قوله:
(صرف)
أي لضعف زيادته بشبهها الأصول في لزومها للمذكر والمؤنث وقبولها علامة التأنيث فكأنها لم توجد ويشهد لذلك أن بني أسد يصرفون كل صفة على فعلان لأنهم يؤنثونه بالتاء مطلقاً.
قوله:
(ووصف)
عطف على الضمير في منع لا على زائد الآن الصحيح أن العطف بحرف غير مرتب على الأول أو مبتدأ حذف خبره كما مر، وأصلي بنقل حركة همزته إلى التنوين قبلها والواو في قوله ووزن بمعنى مع.
قوله:
---
(ممنوع إلخ)(3/19)
حال من وزن أفعل، أو من أفعل نفسه لأنه علم على الوزن، وشرط مجيء الحال من المضاف إليه موجود لصحة الاستغناء عن المضاف.
قوله:
(كأشهلا)
الشهلة اختلاط سواد العين بزُرْقة.
قوله:
(ولم تقبل التاء)
أي إما لأن مؤنثها فعلاء بالفتح والمد كأشهل وأحمر أو فعلى بالضم والقصر كأفعل التفضيل، أو لا مؤنث له أصلاً كأكمر لكبير كمرة الذكر، وآدر لكبير الإدرة فهذه الثلاثة لا تصرف للوصف الأصلي، وهو فرعية المعنى ووزن الفعل، وهو فرعية اللفظ لأن هذا الوزن أصل في الفعل، وهو به أولى لدلالة الهمزة على معنى التكلم فيه دون الاسم وما كانت زيادته لمعنى أصل لغيره فالوزن المانع مع الوصف هو ما كان الفعل أحق به لما ذكر فالأولى تعليق المنع عليه لا على وزن أفعل فقط لئلا يخرج نحو: أحيمر وأفيصل من المصغر مع أنه لا ينصرف لأنه على وزنٍ متأصِّل في الفعل كأبيطر مضارع بيطر إذا عالج الداب، ولا على وزن الفعل مطلقاً لئلا يشمل نحو بطل مع أنه مصروف لأنه وزن مشترك ليس الفعل أولى به فظهر أن الوزن المعتبر هنا هو وزن المضارع المبدوء بالهمزة في بعض صيغه دون غيره من باقي الأفعال لعدم وجودها في الأوصاف أو لأنها مشتركة بخلافه مع العلمية كما سيأتي.
قوله:
(صرفت)
أي عند غير الأخفش لضعف شبهها بلفظ المضارع لأن التاء لا تلحقه.
قوله:
(برجل أرمل)
خرج قولهم: عام أرمل أي قليل المطر فإنه لا يصرف لأن يعقوب حكى فيه: سنة رملى فلا يقبل التاء.
قوله:
(وألغين إلخ)
تصريح بمفهوم قوله: أصلي وعارض الوصفية من إضافة الصفة للموصوف أو بمعنى من وكذا: عارض الإسمية.
قوله:
(كأربع)
بفتح الباء كمررت بنسوة أربع فإنه في الأصل اسم للعدد المخصوص لكن العرب وصفت به فهو منصرف نظراً لأصله، والتمثيل لذلك لا ينافي أن فيه ملغياً آخر وهو قبوله التاء لكن الأولى التمثيل بأرنب أي جبان فإنه منصرف مع عدم قبوله التاء لعروض وصفيته.
---
قوله:
(القيد)(3/20)
بيان بالأجلى مفسر للأدهم كما تقول: البر القمح والعقار الخمر اهـ سندوبي وفيه أن المراد من الأدهم لفظه لأنه هو الذي يوصف به، ويمنع من الصرف لا معناه وهو قيد الحديد حتى يصح بيانه بالقيد، ولا يصح جعله بدلاً لأنه لا يستقل بالحكم إذ لا يصح التمثيل به، وقد يقال كونه عطف بيان منظور فيه للمعنى وإن كان التمثيل بلفظ فالمراد لفظ الأدهم الذي معناه القيد.
قوله:
(وأجدل)
هو الصقر، وفي المثل: بيض القطا يحضنه الأجدل يضرب للوضيع يُؤويه الشريف.
قوله:
(وأخيل)
طائر أخضر على جناحه نقط كالخيلان جمع خال، وهو نقطة تخالف لون البدن والعرب تتشاءم به تقول: أشأم من أخيل.
قوله:
(ومع هذا فيمنع)
مثله أسود اسماً للحية العظيمة، وأرقم اسما لحية فيها نقط كالرقم.
قوله:
(لتخيل الوصف إلخ)
لكن المنع في أفعى أبعد منه في الأولين لأن أجْدَلِ من الجَدْلِ بالسكون، وهو الشدة، وأخيل من الخيول وهي كثرة الخيلان، وأما أفعى فلا مادة لها في الاشتقاق لكن عند ذكرها يتصور ضررها وخبثها فأشبهت بذلك المشتق، وقيل: مشتقة من فَوَعَان السم أي حرارته فأصلها: أفوع قلبت العين موضع اللام، وقيل: من فعوة السم أي شدته فلا قلب.
قوله:
(ومنع عدل)
مصدر مضاف لفاعله، ومفعوله محذوف أي منعه الصرف مع وصف صفة عدل، ومعتبر خبر منع.
قوله:
(في لفظ مثنى)
مع قوله، ووزن مثنى يفيد اشتراط عدم تغير هذه الألفاظ لا بتصغير ولا غيره وإلا صرفت للإخلال بالعدل أفاده سم.
قوله:
(ووزن مثنى)
أي موازنه والكاف من كهما بمعنى مثل مضافة للضمير لا حرفية لأن جرها الضمير شاذ كما مر وقوله: من واحد حال من ضمير الخبر أي حال كون موازن مثنى مأخوذاً من واحد لأربع لكن فيه تكرار بالنسبة لمثنى وثلاث فلو قال: من واحد وأربع لسلم منه.
قوله:
(العدل)
---(3/21)
هو تحويل الاسم من حالة إلى أخرى مع بقاء المعنى الأصلي لغير قلب، أو تخفيف، أو إلحاق، أو معنى زائد فخرج من المعدول نحو: أيس مقلوب يئس وفخذ بالسكون مخفف المكسور، وكوثر يزيادة الواو في كثر لإلحاقه بجعفر، ورجيل مصغر رجل لزيادة معنى التحقير فليست معدولة عنها، والعدل ضربان أحدهما في المعارف وله في المذكر فعل معدولاً عن فاعل غالباً كعمر وفي المؤنث فعال عن فاعلة كخذام بشرطه الآتي. والثاني في الصفات وهو إما في العدد وله صيغتان: فعال ومفعل كأحاد وموحد، أو في غيره وهو أخر وفائدته، أما تخفيف اللفظ باختصاره كما في مثنى وأخر وتخفيفه مع تمحضه للعلمية كما في عمر وزفر عن عامر وزافر لاحتمالهما لهما قبله للوصفية، ثم هو تحقيقي إن دل عليه غير منع الصرف بحيث لو سمع مصروفاً لعلم كونه معدولاً كما سيأتي في مثنى وأخر وتقديري إن لم يدل عليه غيره وهذا خاص بالأعلام كما سيبين عمرو نحوه.
قوله:
(على فعال)
بضم الفاء ومفعل بفتح الميم والعين.
قوله:
(فثلاث معدول إلخ)
أي فقولك: جاؤوا ثلاثة ثلاثة بالتكرار فعدل عن هذا المكرر إلى ثلاث اختصاراً وتخفيفاً والدليل على العدل كونه بمعنى المكرر وكذا يقال في أخواته، ولا تستعمل هذه الألفاظ إلا ملحوظاً فيها معنى الوصف وإن كان أصلها أسماء للعدل، ولا يقال إن وصفيتها عارضة كأصلها فلا تؤثر المنع لأن وضع المعدول غير وضع المعدول عنه أفاده الرضي فتكون نعوتاً كـ أولي أجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ}
(فاطر:1)
كقوله تعالى فَانْكِحُوا ما طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى}
(النساء:3)
وأخباراً كصلاة الليل مثنى مثنى وكرر هنا للتأكيد إذ لو اقتصر على واحد لَوَفَى بالمقصود.
قوله:
(وزعم بعضهم إلخ)
هو الصحيح كما قاله أبو حيان، ونقله عن جمع من أهل اللغة.
قوله:
(أُخَر التي في قولك إلخ)
---(3/22)
أي فهو جمع أخرى بمعنى مغايرة في مقابلة آخرين بالفتح جمع آخر كذلك بمعنى مغاير، ومعنى المقابلة أن أخر وصف لجمع المؤنث كما أن آخرين لجمع المذكر، وكلها في الأصل أفعال تفضيل بمعنى أشد تأخراً في صفة من الصفات، ثم صارت لمعنى المغايرة وصوب الموضح في الحواشي أنها ليست منه لعدم الزيادة فيها، وإنما تعطى حكمه لشبهها به في الوصفية وزيادة الهمزة وقيام معناها باسمين مغاير ومغاير كما أن أفعل لا بد له من مفضل عليه، وخرج بذلك أخر جمع أخرى بمعنى متأخرة مقابل آخرين جمع آخر بكسر الخاء فيهما فإنه مصروف لعدم عدله إذ ليس أفعل تفضيل ولا في حكمه، وأخرجه في الكافية بقوله:
وَمنْعُ العَدْلَ وَوَصْفُ آخَرا
مُقَابِلاً الآخَرِينَ فاحْضُرَا
قوله:
(وهو معدول عن الآخر)
أي بضم ففتح معرفاً بأل بدليل أنه أفعل تفضيل أو في حكمه فحقه أن لا يجمع ولا يؤنث إلا مقروناً بأل أو مضافاً لمعرفة فحيث وجد بدون ذلك حكمنا بعدله عما يستحقه من التعريف بأل هذا قول أكثر النحويين، وفيه أنه في نحو: نسوة أخر وأيام أخر نكرة فكيف يعدل عن المعرفة مع أنه ليس بمعناه فالتحقيق أن عدله عن آخر بالفتح، والمد مراداً به جمع المؤنث لأن حق أفعل التفضيل أن يكون في حال تجرده من أل والإضافة مفرداً مذكراً في جميع أحواله نحو: لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إلى أَبِينا}
(يوسف:8)
قُلْ إنْ كانَ آباؤُكُمْ ـ إلى قوله ـ أَحَبَّ إلَيْكُمْ}
(التوبة:24)
ونحو هند أو الهندات أحب إليك فكأن قياس أخر كذلك لتجرُّده لكنه ورد بغير ذلك قال الله تعالى فَتُذَكَّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى}
(البقرة:282)
فَعِدَّةٌ من أَيَّامٍ أُخَرَ}
(البقرة:184)
وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا}
(التوبة:102) فَآخَرَانِ يِقُومَانُ}
---(3/23)
فعلمنا أن من هذه معدول عما يستحقه وهو آخر بالفتح والمد، وإنما خصوا العدل بآخر لأن أثره لا يظهر في غير إذ الأخرى فيها ألف التأنيث أوضح من العدل، وآخرون وآخران لا مدخل لهما هنا لإعرابهما بالحروف، وآخر المفرد لا عدل فيه بل في فروعه، وإنما منع للوصف والوزن كذا في التوضيح، والأولى حذف الآية الأولى لأن الأخرى فيها ليست معدولة بل إنما أنثت لقرنها بأل فتدبر.
قوله:
(وكن لجمع إلخ)
لغلبته وليس بقيد بدليل قوله الآتي: ولسراويل إلخ فكل لفظ أشبه هذين الوزنين بالشروط الآتية منع وإن كان مفرداً.
قوله:
(وضابطه إلخ)
---(3/24)
فيه قصور وحقه أن يقال: كل جمع فتح أوله، وكان ثالثة ألفاً ليس عوضاً، وبعدها حرفان أو ثلاثة أوسطها ساكن لم ينو بذلك الساكن وبما بعده الانفصال وبعدها أيضاً كسر أصلي ولو مقدراً كدواب وعذارى إذ أصلهما دوايب وعذاري بكسر ما بعد الألف فأدغم الأول، وقلبت كسرة الراء في الثاني فتحة، والياء ألفاً فمتى استوفى الجمع هذه الشروط السبعة استقل بالمنع لخروجه عن صيغ الآحاد العربية إذ لا نجد مفرداً عربياً بهذه الأوصاف وأما سراويل فأعجمي، ومتى انتفى أحدها صرف لأنه إما مفرد أو بزنته فخرج مضموم الأول كعذافر بمهملة معجمة الجمل الشديد واسم للأسد، وكذا إن كانت ألفه غير ثالثة كصلصال أو كانت عوضاً عن إحدى ياءي النسب كيمان وشآم أصلهما يمنى وشأمي بشد الياء حذفوا إحدى الياءين تخفيفاً وعوضوا عنها الألف ففتحت همزة شآمي بعد سكونها فصار: يماني وشآمي ثم أُعِلَّ كقاض فصار يمان وشآم، ومثل ذلك ثمان فإنه منسوب حقيقة إلى الثمن بالضم وهو الجزاء الذي صير السبعة ثمانية كما قاله الجوهري فأصله ثمني فتحوا أوله لكثرة التغيير في النسب ثم حذفت إحدى الياءين إلى آخر ما مر فهذه الثلاثة مصروفة، ولا يتوهم أنها جوارٍ حتى يكون تنوينها للعوض بل هو تنوين صرف بفوات صيغة الجمع وما جاء في الشعر غير مصروف فعلى التوهم فتقول في النصب: رأيت ثمانياً وشآمياً بالتنوين بخلاف جوار، وفي الجر تقدر الكسرة على الياء المحذوفة للتنوين كما يقدر الرفع، وتعود الياء للإضافة كياء قاض فتقول ثمانيمائة وحذفها لحن، وخرج أيضاً ما ليس بعد ألفه كسر كتدارك أو كان غير أصلي كتدان إذ أصله الضم كسر لمناسبة الياء، أو تحرك وسط الثلاثة بعد الألف كطواعية وكراهية ومن ثم صرف ملائكة وصيارفة أو كان ساكناً منوياً انفصاله بأن يكون مشددة عرضت للنسب حقيقة بأن تأخر وجودها عن الألف كرباحي وظفاري نسبة إلى رباح وظفار بلد باليمن، أو تقديراً بأن بنيت الكلمة عليهما معاً كحوالي للمحتال(3/25)
---
وحواري للناصر فكل ذلك مصروف لفوات الصيغة، وإنما قدر والنسب في الآخرين لسماعهما مصروفين بخلاف ما إذا وجدت الياء المشددة بنية المفرد قبل وجود الألف كقمري وبختي وكرسي فإن جمعها وهو قماري وبختي وكراسي يمنع لعدم عروض الياء المشددة فلا تخل بالصيغة فتأمل ذلك وقد ظهر أن صيغة مفاعل ومفاعيل لا تكون في العربية إلا لجمع أو منقول عنه لا لمفرد بالأصالة والله أعلم.
قوله:
(وذا اعتلال)
مفعول لمحذوف يفسره أجره، ومنه أي من الجمع المتقدم صفة لذا أو حال منه وكذا قوله: كالجواري، وخرج به المعتل الذي ليس مثله كالعذارى فلا يجري كسار بل يقلب كسره الأصلي فتحاً اتباعاً قبل الألف فتقلب ياؤه ألفاً، وقوله أجره كساري أي، في حذف الياء وثبوت التنوين فقط لا من كل وجه فإن جواري يجر بفتحة مقدرة وتنوينه للعوض بخلاف سار فيهما.
قوله:
(وجره)
أي فتقدر فيه الفتحة نيابة عن الكسرة وإنما لم تظهر كفتحة النصب لأنها بدل ثقيل.
قوله:
(فحذفت الياء إلخ)
---(3/26)
ظاهر الشرح أن أصله جواري بلا تنوين بناء على تقديم منع الصرف على الإعلال فتحذف الضمة، وفتحة الجر لثقلهما على الياء، ثم الياء تخفيفاً، ويعوض عنها التنوين والأرجح تقديم الإعلال لتعلقه بجوهر الكلمة مع ظهور سببه وهو الثقل على منع الصرف لأنه حال من أحوالها مع خفاء سببه وهو شبه الفعل فأصله جوارميُّ بتنوين الصرف حذفت الحركة لثقلها على الياء، ثم الياء للساكنين، ثم التنوين لوجود صيغة منتهى الجمع تقديراً إذ المحذوف لعلة كالثابت فخيف رجوع الياء لزوال سبب حذفها فعوض عنها التنوين قطعاً لطمع رجوعها هذا مذهب سيبويه، وذهب المبرد والزجاجي إلى أنه عوض عن حركة الياء بناء على تقدم منع الصرف فأصله جواري بلا تنوين حذفت الحركة لثقلها، وعوض عنها التنوين فحذفت الياء للساكنين، ويرده أن التعويض عن حركة المقصور كموسى وعيسى أولى من هذا لعدم ظهور أثر العامل فيه بالكلية فاحتياجه إلى التعويض أشد من المنقوص الذي يظهر فيه النصب.
قوله:
(ولسراويل إلخ)
هو اسم جنس مفرد أعجمي نكرة مؤنث جاء على وزن مفاعيل فمنع الصرف لما عرفت أن هذا الوزن لا يكون إلا لجمع أو منقول منه فحق ما وازنه بالشروط المارة المنع وإن كان مفرداً فيقال فيه: غير مصروف لموازنته منتهى الجمع وليس جمع سروالة سمي به المفرد كما زعم لأن سرواله لم يسمع. وأما قوله:
374 ــــ عَلَيْهِ مِنْ اللُّؤْم سِروالَةٌ
فَلَيْسَ يَرِقُّ لَمُسْتَعْطِفِ
فمولد ولو سلم فهي لغة في سراويل لأنها بمعناه فليس جمعا لها كما في شرح الكافية.
قوله:
(وزعم بعضهم)
هو ابن الحاجب، وأشار المتن إلى رده بقوله: عموم المنع أي في جميع الاستعمالات.
قوله:
(وإن به سمي)
نائب فاعله لفظ به، وإن تقدم عليه لما مر أن النائب الظرفي يصح تقدمه لعدم إيقاعه في لبس بخلاف غير الظرف.
قوله:
(كشراحيل)
بالشين المعجمة والحاء المهملة علم لعدة أشخاص من الصحابة والمحدثين وغيرهم قاموس،
قوله:
(للعَلَمية وشبه العجمة)(3/27)
---
وعلى هذا لو نكر بعد التسمية به صرف لزوال العلمية كما هو مذهب المبرد ومذهب سيبويه منعه مطلقاً لشبهه بأصله كما منعوا سراويل، وهو نكرة لزنة مفاعيل والله أعلم.
قوله:
(والعلم إلخ)
إعلم أن ما لا ينصرف نوعان: أحدهما لا ينصرف في تعريف ولا تنكير وهوالخمسة الماضية، والثاني لا ينصرف في التعريف، وينصرف في التنكير وهو ما كانت إحدى علتيه العلمية وهو السبعة الباقية وقد شرع يذكرها الآن.
قوله
(تركيب مزج)
أي خلط خرج تركيب الإضافة فإنه مصروف والإسناد فإنه محكي كما مرّ في باب العلم مع تعريف الثلاثة.
قوله:
(نحو معدي كربا)
يحتمل أنه للاحتراز عن نحو سيبويه فإنه مبنيٌّ تغليباً لجزئه الثاني كما مر أو هو لمجرد التمثيل ليدخل ما ذكر عند من يعربه غير مصروف، ولا ترد لغة بنائه لأن الكلام في المعربات، وكذا تركيب العدد فإنه محتم البناء كما سيأتي في بابه، وإذا سمي به ففيه ثلاثة مذاهب: إقراره على حاله، وإضافة صدره لعجزه، وإعرابه غير مصروف.
قوله:
(فتجعل إعرابه على الجزء الثاني)
---(3/28)
وأما الأول فملازم للفتح إن لم يكن معتلاًّ وللسكون إن كان هذه هي اللغة المشهورة، ومنهم من يضيف صدره المركب إلى عجزه فيعرب صدره بحسب العوامل، ويستصحب سكون يائه في نحو معدي كرب فتقدر عليها الحركات حتى الفتحة تخفيفاً لثقل التركيب، ويخفض عجزه أبداً وهي إضافة لفظية لأن كلاً من الكلمتين كالزاي من زيد فلا فائدة لها إلا التنبيه على شدة الامتزاج حتى صارا كالشيء الواحد ويعطي العجز من الصرف وعدمه ما يستحقه لو كان مفرداً فإن كان فيه مع العلمية سبب مؤثر كالعُجْمة في هرمز من: رام هرمز اسم موضع منع الصرف فيجر بالفتحة دائماً إعطاءً لجزء العلم حكم العلم والإصراف كموت من حضرموت فإنه ليس فيه إلا العلمية، وكذا كرب من معدي كرب فإنه مصروف في اللغة المشهورة، وبعضهم يمنعه حينئذ أي حال الإضافة بناء على أنه مؤنث تأنيثاً معنوياً قال الخبيصي من قدر كرباً اسماً للكربة منعه، ومن قدره اسماً للحزن صرفه، ومن قدر بكا وقلا في بعلبك وقالي قلا اسماً للبقعة منعه، أو لموضع أو مكان صرفه اهـ دماميني وهكذا حكم عجز العلم المضاف أصالة فيمنع في نحو: أبي هريرة، وأبي زينب، وأبي عمر وأبي عثمان وأبي يعقوب أعلاما لا في نحو: عبد الله علماً لما صدره فلا يمنع أبداً وإن وجد فيه السببان لأنه مضاف.
فائدة:
---(3/29)
وقع السؤال عن أم كلثوم وهل يمنع عجزه للعلمية والتأنيث المعنوي كما منع في: أبي هريرة وأبي بكرة للتأنيث اللفظي؟ فأجبت قبل أن أرى هذا المحلَّ بالفرق بينهما بأن العلة الثانية وهي التأنيث في هريرة تامة مستقلة به قبل التركيب وبعده، فانضمت لجزء العلمية الحاصلة بعد التركيب ومنعته بخلاف كلثوم فإن فيه جزء كل من العلمية والتأنيث المعنوي لأنه مدلول لمجموع الجزأين لا للعجز وحده فالظاهر أنه لا يمنع وهو الجاري على ألسنة المحدثين كما في الدماميني على المغني لتجزُّىء كل من العلتين فيه وهذا فرق وجيه لكن يؤخذ من قول الخبيصي هنا ومن قدر بكا إلخ أنه يمنع وذلك لأن اسم البقعة مجموع بعلبك لا بك وحده ففيه جزء كل من العلتين فكذا كلثوم وهو في الأصل كثير لحم الخدين والوجه من الكلمة وهي اجتماع لحم الوجه، ويؤخذ من قوله: ومن قدر كرباً اسما للكربة منعه أن عجز العلم المضاف يمنع إن كان معناه قبل التركيب مؤنثاً نظراً لأصله مع أن ذلك يزول بالعلمية فتأمل.
قوله:
(كذاك حاوي إلخ)
أي علم حاوي إلخ أي وإن لم يكن على وزن فعلان كما أشار إليه بالتمثيل فشمل نحو: نجران وعمران وعثمان بخلاف الوصف فإنه يعتبر كونه على فعلان بالفتح كما مر، ونقل عن اسم أن قوله: كذاك جاري إلخ، مفيداً للعموم بجوهره بلا نظر للمثال إذ يصدق على نحو عمران أنه حاوي زائدي فعلان بخلاف قوله فيما مر: وزائداً فعلان في وصف فإنه يفيد أن زائدي غير المفتوح لا يؤثران اهـ وهو تحكم محض إذ زائداً نحو عمران ليسا زائدي فعلان بالفتح كما لفظ به بل زائداً المكسور، وبتسليم ذلك يلزم أن زائدي نحو خمصان بالضم من الأوصاف هما زائداً المفتوح فيكون ما مر عاماً كهذا بلا فرق، وهو باطل فالأولى ما ذكرناه من النظر للمثال فتأمل.
قوله:
(وكأصبهان)
---(3/30)
بفتح الهمزة وكسرها، وبفتح الموحدة عند المغاربة وتبدلها المشارقة فاء اسم مدينة بفارس سميت باسم أول من نزلها وهو اصبهان بن نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
قوله:
(زائدتان)
علامة زيادتهما هنا، وفيما مر سقوطهما في بعض التصاريف كنسيان وكفران من نسي وكفر بخلاف طَحَّان وتَبَّان بفتح التاء فإن النون أصلية فيهما لأنه نسبة للطحن وبيع التبن. أما تبان بالكسر فنعت لتبَّع الحميري وبالضم سروال صغير يستر العورة فإن كانا في غير متصرف فعلامتهما أن يكون قبلهما أكثر من أصلين كعثمان هذا في غير المضاعف، أما هو فإن قدرت أصالة تضعيفه فالزيادة وإلاّ فالنون أصلية كحسان وعفان وحيان فتمنعها إن قدرتها من العفة والحياة والحس بالكسرة أي الاحساس، أو بالفتح وهو القتل كإذ تحِسُّونهم بإذنه}
(آل عمران:152)
لزيادتهما وأن قدرتها من الحسن والعفة والحين بالفتح وهو الموت صرفتها لأصالة النون فوزنها حينئذٍ فعلال لا فعلان، ومثل ذلك شيطان لأنه من شاط إذا احترق أو من شطن إذا بعد ومحل ما ذكر في حسان غير الصحابي أما هو فممنوع قولاً واحداً لأنه المسموع في شعره وعلى ألسنة الرواة قاله أبو حيان فيستفاد منه أن محل الوجهين في غير ما سمع فيه أحدهما فقط وإلا فلا يتعدى.
قوله:
(بهاء)
الأولى كما عبر في باب التأنيث فإن مذهب سيبويه أن الهاء بدل من التاء في الوقف وكأنه إنما عبر بذلك للاحتراز عن تاء بنت وأخت لأنها لا تمنع مع العلمية بل إن سمي بهما مذكر صرف قطعاً أو مؤنث كان ذا وجهين كهند لأن تاءهما ليست للتأنيث عند سيبويه بل بنيت الكلمة عليها وأسكن ما قبلها كتاء جبت وسحت إما على أنها للتأنيث مع بناء الكلمة عليها فتمنع مع العلمية مطلقاً فلا يصح الاحتراز عنها حينئذ إن قلت: هو لا يصح على الأوان أيضاً لأنه لا يصدق على بنت أنه مؤنث بالتاء لما مر فيه قلت: الاحتراز بالنظر لما يتوهم أن قوله مؤنث بتاء أي معها فيصدق على بنت قطعاً فتدبر.(3/31)
---
قوله:
(العار)
أي الخالي من التاء مع كونه مؤنثاً.
قوله:
(فوق الثلاث)
أي ذي الثلاث لأن الاسم لا يرتقي فوق الأحرف نفسها، بل فوق اسم آخر ذي أحرف شاطبي.
قوله:
(أو كجور)
عطف على محل ارتقى، وقوله أو اسم امرأة حال من زيد.
قوله:
(وجهان)
مبتدأ سوغه التقسيم لأنهما في مقابلة تحتم المنع، وفي العادم خبر، وتذكيراً مفعول العادم وسبق صفته، وعجمه عطف عليه وكان ينبغي أن يزيد أو تحرك وسط لكن اكتفى عنه بتمثيله بهند.
قوله:
(للعلمية)
هي فرعية المعنى، والتأنيث فرعية اللفظ لأن تاءه ملفوظة في نحو: فاطمة، ومقدرة في: زينب وسعاد فأقاموا تقديرها مقام ظهورها ولك أن تقول: إنما رجع تأنيث زينب للفظ لظهوره في الوصف والضمير وإنما اختص منع التأنيث بالعلمية لأن العلم المؤنث تلزمه التاء لفظاً وتقديراً كما ذكر فأشبهت تاؤه ألف حبلى في اللزوم فمنعته بخلاف تاء الصفة كقائمة وقاعدة ففي حكم الانفصال لذهابها في: قائم وقاعد فلم تؤثر.
قوله:
(بالتعليق)
أي بالوضع على مؤنث مع خلوه من التاء لفظاً.
قوله:
(كزينب إلخ)
أي لتنزيل الرابع منزلة التاء.
قوله:
(كسقر)
أي لقيام الحركة مقام الرابع القائم مقام التاء وليس ذا وجهين خلافاً لابن الأنباري.
قوله:
(كجور)
بضم الجيم أي لأن ثقل العجمة يقاوم تحرُّك الوسط وإن كان المعجمة وحدها لا تمنع الثلاثي لأنها هنا مقوية للتأنيث لا مستقلة بالمنع ومثل جور حمص وماه اسما بلدين.
قوله:
(أو منقولاً إلخ)
أي لأن ثقل نقلة للمؤنث يعادل خفة اللفظ ويصيرها كالعدم فيرجع إلى تحتم المنع، وإنما جاز الوجهان في هند مع أنه مثله هيئة وحروفاً يزيد بأصالة تأنيثه لأن خفة لفظه بالسكون لم يعارضها ثقل أصلاً إذ الشيء الباقي على أصله لا ثقل فيه بخلاف ذاك هذا مذهب سيبويه والجمهور وجعله الجرمي والمبرد ذا وجهين كهند.
قوله:
(وجهان)
فالمنع لوجود السببين والصرف لمقاومة السكون أحدهما.
فائدة:
---(3/32)
يجوز في أسماء القبائل والأرضين والكلم الصرف على تأويلها باللفظ والمكان والحي أو الأب وعدمه على إرادة الكلمة، والبقعة والقبيلة إلا إذا سمع فيه أحدهما فقط فلا يتجاوز كما سمع الصرف في كلب وثقيف ومعد باعتبار الحيِّ، وبدر وحنين على المكان، وكمنعه في يهود ومجوس عَلَمَيْن باعتبار القبيلة، ودمشق على البقعة وإلا إذا تحقق مانع غير التأنيث المعنوي فيمنع بكل حال كتغلب وباهلة وخولان وبغداد أفاده في التسهيل، وشرحه مع زيادة، وقوله: وأسماء الكلم أي كأسماء حروف الهجاء، وكذا أدوات المعاني كان حرف نصب وضرب فعل فإنها إذا أعربت جاز فيها الصرف وعدمه باعتبار ما ذكر وإن كان الأكثر حكاية حالها الأصلي، وأما نحو قولك: قرأت هود فإن جعلته اسماً للسورة منعته لأنه كجور أو للنبي عليه الصلاة والسلام على حذف مضاف أي سورة هود صرفته لما سيأتي، وكذا يقاس ما أشبهه، ويشكل على ما مر قولهم: جاءتني قريش بالتنوين، وقوله تعالى: كَذَّبَتْ ثَمُودُ المُرْسَلِينَ}
(الشعراء:141)
عند من نونه مع أن تأنيث الفعل يقتضي اعتبار القبيلة فكان حقه المنع، وأجيب بأن التأنيث على حذف مضاف أي أولاد قريش وثمود مثلاً كما اعتبر المضاف في قوله تعالى أوْ هُمْ قائِلُونٍ}
(الأعراف:4)
بعد وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاها}
(الأعراف:4)
وإلا لقال أو هي قائلة أو أنه أُنِّث باعتبار القبيلة، وصرف باعتبار الحي فهو مذكر ومؤنث باعتبارين، ولا منع فيه أفاده المرضي.
تنبيه:
مصر عند تأويله بالبقعة يتعين منعه، وليس كهند لأنه منقول من مذكر وهو مصر بن نوح عليه الصلاة والسلام كما نقل عن عيسى بن عمرو، وإنما صرف في اهْبِطُوا مِصْراً}
(البقرة:61)
لتأويله بالمكان أو لأنه غير معين أي مصراً من الأمصار.
قوله:
(والعجمي الوضع والتعريف)
---(3/33)
من إضافة الوصف لمرفوعه أي العجمي وضعه وتعريفه وقوله: مع زيد، إما حال من الهاء في صرفه وإن لزم عليه عمل المصدر مؤخراً للتسامح في الظرف، أو من الضمير في العجمي لتأوله بمشتق أي المنسوب للعجم فيحتمل الضمير لا من العجمي نفسه لأنه مبتدأ وزيد مصدر زاد بمعنى الزيادة.
قوله:
(العجمة)
طريق معرفتها نقل الأئمة أو خروج الاسم عن وزن الأسماء العربية كإبراهيم وأبريسم أو خُلُوّ الخماسي من حروف: مر بنقل، وهي المذلقة وكذا الرباعي إلا ما فيه السين فقد يكون عربياً كعسجد أو أن يجتمع فيه ما لا يجتمع في العربية كالجيم مع القاف ولو بفاصل كما أطلقه بعضهم كصنجق وجرموق، أو مع الصاد كصولجان وجص، أو مع الكاف كأسكرجة، وكتبعية الراء للنون أول الكلمة كنرجس، والزاي للدال آخرها كمهندز.
قوله:
(في لسان الأعجمي)
المراد به ما عدا العربي لا خصوص الفارسي.
قوله:
(بل في لسان العرب)
أي سواء استعملته أولا في معناه الأصلي، ثم نقلته للعلمية كلجام وفيروز مسمى بهما، وهذا مصروف اتفاقاً أو جعلته علماً من أول الأمر كبندار بضم الموحدة عند العجم اسم جنس للتاجر الذي يخزن البضائع، أو يبيع المعادن وقالون بالرومي اسم جنس للجيد، ولم تستعملهما العرب كذلك بل علمين ابتداء، وهذا مصروف عند غير الشلوبين وابن عصفور.
قوله:
(محرك الوسط)
أي لأن العجمة سبب ضعيف فلم تؤثر بدون الزيادة بخلاف التأنيث فإن علامته مقدرة وتظهر في بعض التصاريف فله نوع قوة في الثقل، وتحرك الوسط يزيده فمنع.
قوله:
(كسقر)
في نسخ كشتر بفتح الشين المعجمة، والتاء الفوقية اسم قلعة بالعجم، ومحل صرف ذلك ما لم يرد به البقعة، وإلا تحتم للتأنيث المقوى بحركة الوسط أو بالعجمة لا للعجمة وحدها.
فائدة:
---(3/34)
أسماء الأنبياء والملائكة عليهم الصلاة والسلام كلها غير مصروفة للعلمية والعجمة حتى موسى عليه السلام لأنه معرف موشي وهو بالعبراني معناه الماء والشجر لأن فرعون التقطه من بينهما فركبا اسماً عليه، وأما اختلافهم في اشتقاقه فإنما هو في موسى الحديد فقيل من أوسيت رأسه إذا حلقته فهو موسى كأعطيته فهو معطى فيكون مصروفاً، وقيل هو فعلى من ماس يميس إذا تبختر في مشيه لتحركه كذلك عند الحلق به فقلبت الياء واواً لضمِّ ما قبلها كموقن من اليقين فيمنع للألف المقصورة كما في السمين، ويستثنى من الملائكة أربعة رضوان ومالك ومنكر ونكير فهذه عربية لكن رضوان ممنوع للزيادة، ومن الأنبياء سبعة محمد صلى الله عليه وسلّم وشعيب وصالح وهود ولوط ونوح وشيث عليهم الصلاة والسلام فكلها مصروفة لفقد العجمة في الأربعة الأول، وفقد شرطها في الباقي، وقيل هود ليس عربياً بل هو كنوح لأنه قبل إسماعيل وهو أبو العرب لكن ما ورد أن إسماعيل تعلم أصل العربية من جرهم حين سكنوا مكة مع أمه يدل على وجود العربية قبله، وفي عزير وجهان قرىء بهما فالصرف على أنه عربي من التعزير وهو التعظيم وعدمه على أنه أعجمي، أو إنه حذف تنوينه للساكنين تشبيهاً له بحرف المد، وأما إبليس فقيل منعه للعجمة وقيل عربي مشتق من الإبلاس وهو الإبعاد، وعلى هذا فمنعه لشبه العجمة لأن العرب لم تسمِّ به أصلاً بل هو خاص بمن أطلقه الله عليه فكأنه دخيل في لسانها لا لأنه نظر له في الآحاد العربية كما قيل لأنه كإحليل وإكليل وغيرهما والله أعلم.
قوله:
(كذاك ذو وزن)
أي علم ذو وزن وقوله: أو غالب، بالجر، عطف على يخص من عطف الاسم على الفعل لكونه بمعناه، والأحسن هنا تأويل الفعل بالاسم لأنه وصف لوزن، والأصل فيه الإفراد أي ذو وزن خاص أو غالب وإن جرى الشارح في الحل على عكسه.
قوله:
(كأحمد)
منقول من المضارع أو الماضي المعدّى بالهمز، أو اسم التفضيل سم.
قوله:
(كفعل)
---(3/35)
أي الماضي المجهول، وفعل أي الماضي المعلوم المضعف العين ككلَّم بشد اللام، وكذا المفتتح بتاء مطاوعة كتعلم أو بهمزة وصل كانطلق، وتقطع همزته عند التسمية به لبعده عن أصله، ومضارع وأمر غير الثلاث كَيُدَحْرِجُ ويَنْطَلِق ويستخرج ودحرج إلخ إلا أمر المفاعلة، فكل هذه الأوزان مختصة بالفعل لأنها لا توجد في غيره إلا نادراً كدُئِل بضم فكسر لدويبة كابن عرس وينجلب كينطلق لخرزة أو في اسم أعجمي كبقم بوزن كلم الصبغ المعروف، واستبرق كاستخرج للديباج الغليظ، فإذا سمي بشيء منها مجرداً عن فاعله منع الصرف للوزن المختص أو مع فاعله ولو مستتراً، حكي: لأنه جملة أما مضارع الثلاثي وأمره فمن الغالب كما سيأتي، وأما أمر المفاعلة كضارب بكسر الراء فالاسم أولى به لكثرته فيه فلا يؤثر تصريح.
قوله:
(هذا ضرب وكلم)
أي يرفعهما لأنه خبر وليس مَحْكِيّاً، والثاني منصوب بالفتحة، والثالث مجرور بها.
قوله:
(والمراد بما يغلب إلخ)
أشار بذلك إلى أن التعبير بغالب فيه قصور، وأولى منه قول التسهيل وهو أولى بالفعل لأنه يشمل ما كان كثيراً فيه، وما فيه الزيادة المذكورة وإن لم يغلب كما سيأتي إلا أن يراد الغالب حقيقة أو حكماً بأن يقتضي القياس كثرته في الفعل لافتتاحه بالزيادة بقرينة تمثيله بأحمد ويعلى فإنه من الغالب حكماً.
قوله:
(يوجد في الفعل كثيراً)
أورد عليه أن فاعل بالفتح كضارب يكثر في الأفعال مع أن موازنه من الأسماء كخاتم مصروف اتفاقاً إلا أن يقال: كلامه مبني على الغالب أي إن أكثرية الوزن في الفعل تقتضي المنع غالباً، وقد لا تقتضيه.
قوله:
(أو يكون فيه زيادة)
---(3/36)
أي مع كثرته في الفعل دون الاسم وهو مضارع الثلاثي المبدوء بغير الهمزة كَيَرْمِغُ بمعجمة بوزن يضرب اسم لحجارة بيض، وتنضب كتنصر لشجر، أو يستوي فيهما وهو مضارع الثلاثي المبدوء بالهمزة كأبيض وأسود بوزن أذهب وأعلم وأوجه وأعين كأنصر وأقتل فهذا الوزن أولى بالفعل لافتتاحه بالهمزة فقط، وما قبله للكثرة والزيادة معاً، واعلم أن المراد بالاسم الذي يكثر فيه الوزن أو لا يكثر اسم الجنس، أما العلم فلا عبرة به لأنه يكون منقولاً من الفعل.
تنبيه:
شرط الوزن المانع لزومه للكلمة فيصرف امرؤ وابنم علمين لأنهما خرجا عن الأفعال بكون عينهما لا تلزم حركة واحدة بل هما في الجر كاضرب وفي النصب كاعلم، وفي الرفع كاخرج وأن لا يخرج بالتغيير إلى مثال هو للاسم مع خلوِّه من زيادة المضارع فيصرف نحو رد، وقيل: علمين لخروجهما بالإعلال إلى وزن قفل، وريم بخلاف نحو: يزيد وإن خرج إلى وزن بريد لأن زيادته تنبِّه على أصله.
قوله:
(كإِثمِد)
بكسر الهمزة والميم كإضرب أمر أو إصبع بكسر ثم فتح كاسمع كذلك وفيه عشر لغات مجموعة في قوله:
وهمز أنملة ثلثٌ وثالِثُهُ
التسعُ في اصبع واخْتم بأصبُوع
وقوله ونحوهما أي كابلم بوزن انصر، وهو خوص الدوم.
قوله:
(لإلحاق)
قال الشاطبي هو جعل الثلاثي بزنة الرباعي أو الخماسي الأصول ليلحق به في تصاريفه، فيزاد به حرف كالألف من أرطى وعلقي لجعلهما كجعفر، وفي عزهى وذفرى كدرهم، وكإحدى الباءين في: جَلْبَبَ جَلْبَبَةً وجلْباباً لجعلهما كدحرج دحرجة ودحراجاً، أو حرفان كالياء والتاء في: حليَت وحلاتيت وعفريت وعفاريت لإلحاقهما بقنديل وقناديل.
قوله:
(كعلقى)
بعين مهملة ثم قاف بوزن سكرى اسم لنبت قضبانه دقاق تُتَّخذ منه المكانس، ويشرب طبيخه للاستسقاء قاموس.
قوله:
(وأرطى)
اسم لشجر، وقيل ليست ألفه للإلحاق أصلية فوزنه أفعل فيمنع لوزن الفعل مع العلمية.
قوله:
(وشبه ألف إلخ)
---(3/37)
من إضافة الصفة للموصوف أي وألف والإلحاق الشبيهة بألف التأنيث المقصورة.
قوله:
(من جهة إلخ)
أي ومن جهة أن كلاًّ منهما زيادة غير مبدلة من شيء، وأنها لا تقع إلا في وزن صالح لألف التأنيث كأرطى بوزن سكرى، وعزهى بوزن ذكرى فأوجه الشبه ثلاثة، وتفارقها في أن أَلِفَ الإلحاق في غير العلم تلحقها التاء والتنوين، ولا يلحقان ألف التأنيث مطلقاً ولذلك قال الفارضي: إنما لم تجعل ألف أرطى وعلقى للتأنيث لقولهم: أرطاة وعلقاة، ولا يمكن اجتماع تأنيثين اهـ وقد استعمل بعض الأسماء منوناً بجعل ألفه للإلحاق، وغير منون بجعلها للتأنيث، وبهما قُرِىء تترا}
(المؤمنون:24)
في السبع.
قوله:
(حالة كونه علماً)
ظاهره لمذكر أو مؤنث، ولكن في الثاني مانع آخر وهو التأنيث المعنوي.
قوله:
(لا تشبه ألف التأنيث)
أي شبهاً كاملاً للحاقها التاء والتنوين كما مر وإن أشبهتها فيما تقدم فلما كمل شبهها مع العلمية أثرت بخلاف هذه وهل هي مستقلة بالمنع كألف التأنيث والعلمية مهيئة لها لا مانعة أو كل منهما مؤثر لأن المشبه لغيره أحط رتبة منه احتمالان.
قوله:
(كعلباء)
بكسر المهملة ثم موحدة اسم لقصبه العنق، وإنما كانت ألفه الممدودة للإلحاق بقرطاس لا للتأنيث لأنها تنوين، ولا تكون إلا في وزن لا يصلح لألف التأنيث لكونه ليس من أوزانها ولأن همزة التأنيث منقلبة عن ألف فهي مانعة كأصلها، وهذه عن ياء فلم تمنع فأوجه الفرق بينهما ثلاثة والله أعلم.
قوله:
(والعلم)
أي حقيقة أو حكماً بقرينة تمثيله بفعل التوكيد فإنه ليس بعلم حقيقة عنده قال في شرح الكافية: لأن العلم شخصي أو جنسي فيختص ببعض الأشخاص أو الأجناس، ولا يصلح لغيره، وجمع بخلاف ذلك فالحكم بعلَميَّته باطل اهـ، أي بل هو مشبه للعلم كما في الشرح لكن قيل إنه علم جنس معنوي للإحاطة والشمول كسبحان للتسبيح وفي ذلك توفية بقاعدة أنه لا يعتبر في منع الصرف إلا العلمية الحقيقية تصريح.
---
قوله:
(كفعل التوكيد)(3/38)
الإضافة على معنى اللام أو في: وثعل أبو قبيلة، وأصله علم جنس للثعلب.
قوله:
(لأن مفرده جمعاء)
كحمراء والقياس في موازن فعلاء إذا كان اسماً لا صفة أن يجمع على فعلاوات كصحراء وصحراوات، وأيضاً فإن مذكره جمع الواو والنون فحق مؤنثه الجمع بالإلف والتاء فعدل عنه إلى جمع، هذا اختيار الناظم، وقيل: معدول عن فعل بضم فسكون لأنه قياس جمع أفعل فعلاء مذكره ومؤنثه كحمر جمع أحمر وحمراء، وقيل معدول عن فعالى كصحراء وصحاري، والأول أصح لأن فعلاء لا يجمع على فعل إلا إذا كان صفة مذكرها أفعل ولا على فَعَالَى إلا إذا كان اسماً محضاً لا مذكراً له وجمعاء ليس كذلك لأنه ليس صفة وله مذكر.
قوله:
(أي جمعهن)
فحذف الضمير للعلم به، ونوي. ولا يرد أن الإضافة تبطل منع الصرف فكيف يعتبر تعريفها مانعاً؟ لأن محل إبطالها له مع وجود المضاف إليه لأن حكم المنع لا يتبيَّن معه أما مع حذفه لا مانع من اعتباره، وكذا يقال في أل الآتية.
قوله:
(العلم المعدول)
أي عدلاً تقديرياً، فإن طريق العلم بعدل هذا النوع سماعه غير مصروف مع علة العلَمية فقط فيقدر فيه العدل لئلا يترتب المنع على علة واحدة، فلو سمع مصروفاً لم يحكم بعد له كأَدد، وكذا غير العلم من اسم الجنس كنغر وصرد، والصفة كحطم ولبد، والمصدر كهدى وتقى، والجمع كغرف وتخم، فكل ذلك غير معدول. وكذا لو وجد له مع العلمية علة غير العدل كطوى فإن منعه للتأنيث باعتبار البقعة لا العدل إذ لا حاجة لتكلف تقديره مع وجود غيره بخلاف العدل في نحو: جمع وسحر وأخر ومثنى فإنه تحقيقي يدل عليه ورود اللفظ على خلاف ما يستحقه مع اتحاد المعنى فلو وجد فعل علماً ولم يعلم أصرفوه أم لا فمذهب سيبويه صرفه. ومذهب غيره المنع وهذا من تعارض الأصل، والغالب في العربية أفاده الشنواني على القطر.
قوله:
(وزفر)
اسم عالم حنفي.
قوله:
(والأصل عامر)
---(3/39)
أي فعمر منقول عن عامر العلم المنقول عن الصفة، وكذا الباقي معدول عن فاعل علماً لا عن الصفة لأنها ليست بمعناه لتنكيرها، وقيل إن ثعل معدول عن أثعل لا ثاعل لأنه غير مستعمل يقال: رجل أثعل إذا اختلف منابت أسنانه. وكان فيها زوائد وامرأة ثعلى صحاح وفائدة العدل في هذا النوع تخفيفه مع تمحضه للعلمية إذ لو قيل: عامر لتوهم أنه صفة.
قوله:
(سحر إذا أريد الخ)
مثله أمس عند بعض تميم كما مر أول الكتاب.
قوله:
(يوم الجمعة سحر)
المراد باليوم ما يشمل الليل كما هو أحد إطلاقيه، وسحر بدل بعض منه على تقدير الضمير وليس المراد به خصوص النهار لئلا يرِد أنَّ السحر آخر الليل فلا يصح إبداله منه على أنه يمكن جعل السحر من النهار مجازاً لمجاورته له.
قوله:
(ممنوع من الصرف)
أي عند الجمهور، وقيل منصرف لكن ترك تنوينه لنية الإضافة أو أل وقيل مبني على الفتح لتضمنه معنى حرف التعريف، ومر في أمس الفرق بين العدل والتضمين، وقيل لا معرف ولا مبني فالأقوال أربعة وهي في سحر المعين إذا كان ظرفاً فلو نكر أو عرف بأل مثلاً صرف لفوات العدل نحو نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ}
(القمر:34)
و: جئتك يوم الجمعة السحر أو سحره ولو لم يكن ظرفاً مع تعينه قرن بأل أو أضيف وجوباً كطاب السحر أو سحرنا.
قوله:
(والأصل في التعريف أن يكون بأل)
أي أو بالإضافة فحيث أريد به معين مع خلوِّه عنهما حكمنا بعدله عن أحدهما لاشتماله على معناه فهو عدل تحقيقي لذلك، وخص ذو أل دون المضاف اقتصاراً على ما يدفع الحاجة مع اختصاره.
قوله:
(وصار مشبهاً لتعريف العلمية)
---(3/40)
أي وليس بعلم حقيقة كما يشير إليه قول المصنف والتعريف، لكن صرح في التسهيل بأنه علم شخصي أو جنسي فاستشكله أبو حيان بأن تعريفه حينئذ بالعلمية، وهو لا يجامع تعريف اللام فكيف يكون معدولاً عنه مع عدم اشتماله على معناه؟ اهـ. وصريح ذلك أن العلم الحقيقي لا يصح عدله عن ذي أل لما ذكر فاحفظه ينفعك في مواطن كثيرة فما نقل عن السعد وغيره من أن رجب وصفر من الشهور إذا أريد بهما معين يمنع صرفهما للعلمية، والعدل عن الرجب والصفر بأل ينبغى حمله على العلمية الحكمية وهي المعبر عنها هنا بشبه العلمية لما سمعت، ولأن العلم الحقيقي لا يحتاج لاشتراط التعيين، والملجىء لاشتراطه سماعهما بالصرف وعدمه هذا، ويحتمل أن منعهما للعلمية الجنسية على الأيام المخصوصة والتأنيث المعنوي باعتبار تأويلهما بالمدة، وصرفهما على اعتبار الوقت سواء أريد بهما معين أم لا فتأمل. وفي المصباح أن رجب الشهر مصروف وإن أريد به معين، وأما باقي الشهور فجمادى ممنوع لألف التأنيث، وشعبان ورمضان للعلمية والزيادة والباقي مصروف والله أعلم.
قوله:
(بناؤه على الكسر)
أي مطلقاً سواء كان آخره راء كوبار أم لا. وإنما بني لشبهه المبني وهو: نزال، وزناً وعدلاً وتعريفاً لأنه معدول عن إنزل. وهو معرفة لعدم تنوينه. ومن زاد في وجه الشبه وتأنيثاً فلعله أول نزال بالكلمة أو بناه على مذهب المبرد من أنه معدول عن مصدر معرفة مؤنث فنزل بمعنى المنزلة، ودراك بمعنى الدركة، وقيل: بني حذام لتضمنه معنى هاء التأنيث التي في المعدول عنه، وخص بالكسر على أصل التخلص من الساكنين. فلو سمي به مذكر زال موجب البناء لأنه الآن ليس مؤنثاً ولا معدولاً فيعرب غير منصرف للعَلمية والتأنيث الأصلي كغيره. قال سيبويه: ومن العرب من يصرفه حينئذ.
قوله:
(كإعراب ما لا ينصرف)
---(3/41)
أي عند كلهم إذا لم يكن آخره راء أما نحو وبار فأكثرهم يبنيه على الكسر كأهل الحجاز توصُّلاً إلى إمالته التي هي لغتهم وبعضهم يمنعه الصرف كالأول وقد لفق الأعشى بين اللغتين لأن الأصح قدرة العربي على النطق بغير لغته إذا أراده فقال:
b
375 ــــ ومرَّ دَهرٌ على وَبَار
فهَلَكَتْ جهرةً وبار
فكسر الأول على لغة أكثرهم ورفع الثاني غير منوّن كأقلهم وقيل: لا تلفيق بل الثاني فعل ماض فاعله واو الجماعة بمعنى هلكوا فيكتب بالواو والألف كساروا.
قوله:
(للعلمية والعدل)
هذا رأي سيبويه، وقال المبرد للعلمية والتأنيث وهو أقوى لتحقق التأنيث والعدل إنما يقدر إذا لم يتحقق غيره وعلى هذا فهو مرتجل، وعلى الأول منقول ممن فاعله علماً المنقولة عن الصفة كما مر في عمر.
قوله:
(وجُشَم)
بضم الجيم وفتح الشين المعجمة اسم رجل معدول عن جاشم أي عظيم سم.
قوله:
(لزوال أحد سببيها وهوالعلمية)
أما ما كان أحد سببيه الوصفية، وهوالعدل والوزن والزيادة، وكان فيه سبب مستقل وهو الألف، والجمع فغير مصروف سواء بقي على تنكيره أو سمي به، وسواء نكر بعد التسمية به أم لا، انظر الأشموني وحواشيه.
قوله:
(ولتخص من كلامه)
الحاصل أن المانع مع العلمية سبعة، ومع الوصفية ثلاثة، والمستقل بالمنع اثنان، وقد علمت أحكامها.
قوله:
(وما يكون منه الخ)
---(3/42)
أي والذي يكون مما لا ينصرف منقوصاً فهو يقتضي نهج جوار أي طريقة في إعرابه سواء كان إحدى علتيه العلمية، أو الوصفية فمثاله في العلمية: قاض علم امرأة كما في الشرح، ويعيل تصغير يعلى علم رجل فإنه يمنع الصرف للعلمية ووزن يدحرج، وينوّن رفعاً وجراً عوضاً عن الياء، وينصب بالفتحة بلا تنوين، وكذا لو سميت بيرمي ويقضي، أما لو سميت بيغزو ويدعو فتكسر ما قبل الواو، وتقلبها ياء لأنه ليس في العربية اسم معرب آخره واو قبلها ضم. ثم تجريه كما ذكر ومثاله في الوصفية أعيم تصغير أعمى فإنه لا ينصرف للوصفية ووزن ادَّحرج فيجري فيه ما ذكر، ويقال أصلها قاضي ويعيلي ويرمي ويغزي وأعيمي بتنوين الصرف في الجميع بناء على تقديم الإعلال على منع الصرف فتحذف حركة الياء للثقل، ثم الياء للساكنين، ويعوض عنها التنوين. وقس على ذلك والله أعلم.
قوله:
(يجوز في الضرورة)
هذا جواز في مقابلة الامتناع فيصدق بالوجوب فإن الصرف للضرورة واجب، وللتناسب جائز، ويصدق بهما قول المصنف صرف.
قوله:
(من ظعائن)
بالصرف للضرورة جمع ظعينة، وهي المرأة في الهودج مشتقة من الظعن وهو السفر، وقد تطلق على المرأة وإن لم تكن في هودج ولا مسافرة وتمام البيت:
376 ــــ سوالُك نُقْباً بين حَزْني شَعَبْعَب
والسوالك جمع سالكة مفعول ثان لترى، ومفعوله الأول ظعائن زيدت فيه من ونقباً مفعول سوالك أي طريقاً في الجبل وحزني مثنى حزن بفتح فسكون وهو ما غلظ من الأرض وشعبعب اسم ماء.
قوله:
(واجمع عليه الخ)
أي في الجملة، وإلا فقد قيل: في ذي الألف المقصورة يمتنع صرفه للضرورة لعدم فائدته إذ يريد بقدر ما ينقص ورد بأنه قد يلتقي بساكن فيحتاج الساكن إلى كسر الأول فينون، ثم يكسر، وأيضاً سمع بدون ذلك كقوله:
377 ــــ إني مُقَسِّمُ ما مَلَكْتُ فجاعلٌ
جُزْءاً لآخِرَتي ودُنِياً تَنْفَعُ
---(3/43)
بتنوين دنيا وكذا منع الكوفيون في الضرورة صرف أفعل من: قالوا لأن تنوينه إنما حذف لأجل من فلا يجمع بينهما. وردَّه البصريون بأن حذفه إنما هو لأجل منع الصرف لا لأجل من بدليل صرف خير منه وشر منه لزوال الوزن مع وجود من، وقد نون: أمثل في قوله:
378 ــــ وما الإصْبَاحُ مِنْكَ بِأمْثَل
مع وجود من المتقدمة عليه.
تنبيه:
أجاز قوم صرف الجمع المتناهي اختياراً، وزعم آخرون أن صرف ما لا ينصرف مطلقاً لغة. قال الأخفش: وكأنها لغة الشعراء لاضطرارهم إليه في الشعر فجرى على ألسنتهم.
قوله:
(للتناسب)
هو نوعان: تناسب لكلمات منصرفة انضم لها غير منصرف كتنوين سلاسلاً لمناسبة أغلالاً وسعيراً، يَغُوثَ وَيَعُوقَ}
(نوح:23)
في قراءة الأعمش لمناسبة نسراً، والثاني لرؤوس الآي كتنوين: قواريراً، الأول لأنه رأس آية ليناسب بقية رؤوس الآي في التنوين وصلاً. وفي الألف بدله وقفاً، وأما قوارير الثاني فنون ليشاكل الأول لا لرؤوس الآي هذا ما في التصريح فاحذر ما يخالفه.
قوله:
(فأجازه قوم الخ)
أجازه الكوفيون مطلقاً وبعض المتأخرين في العلم لوجود إحدى العلتين فيه دون غيره، ويؤيده أنه لم يسمع في غير علم. وأجاز قوم منع صرف المنصرف اختياراً.
قوله:
(واستشهدوا لمنعه)
أي لجواز منعه الصرف.
قوله:
(وممن ولدوا الخ)
هو رثاء في قومه من الهزج المكفوف جميع أجزائه ما عدا الضرب والكف حذف نون مفاعيلن، وآخر الشطر الأول ميم عامر، وهو مبتدأ مؤخر خبره ممن والله أعلم.
- إعراب الفعل -
قوله:
(كتسعد)
أما بفتح التاء والعين مضارع سعد يسعد بالفتح فيهما أي أعانه، أو مضارع سعد بالكسر اللازم من السعد، وهو اليمن ضد الشقاء، وأما بضم التاء مع فتح العين مضارع مجهول من الأول، أو من أسعد المتعدِّي بالهمز بمعناه، أو مع كسرها مبنياً للفاعل من أسعد.
قوله:
(إذا جرد الفعل)
أي في اللفظ والتقدير معاً فلا يرد قوله:
---
379 ــــ مُحمَّدُ تَفْدِ نَفْسَكَ كُلُّ نَفْسٍ(2)(3/44)
بجزم تفد مع تجرده لفظاً لأن جازمه مقدر أي لتفد، وقوله: رفع أي لفظاً كما مثله أو تقديراً كالمسكن للتخفيف نحو: يأمركم ويشعركم أو للوقف أو غيره فإن رفعه مقدر قيل، أو محلاً لأن المضارع مع النونين يرفع محلاً كما قاله يس. تبعاً لابن قاسم. ولذا لم يقيده المصنف بالخلوِّ منهما لكن صرح القليوبي وغيره بأنه معهما ليس له محل رفع، وله محل النصب والجزم قيل: وإنما لم يقيده حينئذ اكتفاءً بقوله في باب الإعراب:
وأَعْرِبوا مُضارِعا إنْ عُرِّيا
الخ فإن مفهومه أنه مع النونين غير معرب، وقد يقال: المنفي عنه مع النونين الإعراب اللفظي والتقديري لا المحلي أيضاً، وإلا لم يثبت له محل النصب والجزم أيضاً وهو خلاف المنصوص. ألا ترى أن الإعراب المحلي ثابت لجميع المبنيات. ومع ذلك يصدق عليها أنها غير معربة قطعاً فتدبر.
قوله:
(موقع الاسم)
أي إذا كان خبرا أو صفة أو حالاً لأن الأصل في هذه الثلاثة الاسم فحيث وقع المضارع فيها استحق الرفع الذي هو أول أحوال الاسم وأشرفها، والماضي وإن كان يقع في ذلك لكنه مبني الأصل فلم يؤثر فيه العامل. كذا قال البصريون، واعترض بوقوعه مرفوعاً حيث لا يقع الاسم كهلاً تفعل وستفعل وجعلت أفعل، ورأيت الذي تفعل لاختصاص حرفي التحضيض، والتنفيس بالفعل والصلة، وخبر أفعال الشروع بالجمل وأجيب بأن المراد وقوعه موقعه في الجملة وأيضاً فالرفع استقر له قبل أن يعرض له ذلك فلم يغير إذ أثر العامل لا يغير إلا بعمل آخر تصريح.
قوله:
(لتجرده)
---(3/45)
أي لدوران الرفع معه وجوداً وعدماً، والدوران من مسالك العلة، ولا يرد أنَّ التجرد عدمي فلا يكون علة للرفع الوجودي لأن معنى التجرد الإتيان بالمضارع على أول أحواله وهذا ليس بعدمي. ولو سلم فهو عدم مقيد، والممتنع علة للوجودي هو المطلق، وأما الجواب بأن التجرد ليس علة مؤثرة بل علامة وهي يجوز كونها عدمية فلا يصح لتصريح الرضي بأن عوامل النحو بمنزلة المؤثرات الحقيقية على أنه إن أريد به أن علامة الوجودي تكون عدماً مطلقاً فهو باطل. أو مقيداً رجع للأول فتدبر وقال الكسائي رفع بأحرف المضارعة ورد بأن جزء الشيء لا يعمل فيه، وقيل بالمضارعة نفسها، قيل: ولا ثمرة لهذا الخلاف.
قوله:
(لا بعد علم)
معطوف على محذوف حال من أن أي حال كونها بعد غير العلم لا بعد علم أي مفيده.
قوله:
(والتي)
إما مبتدأ خبره فانصب بها، ودخلته الفاء لعموم المبتدأ أو مفعول لمحذوف يفسره انصب، والفاء عاطفة عليه أي ولا بس التي الخ فانصب بها.
قوله:
(واعتقد تخفيفها)
أي حين رفع الفعل بعدها وقوله: فهو أي الرفع مع التخفيف مطرد أي لا ضعيف ولا شاذ.
قوله:
(وهو لن)
هو حرف ينفي المضارع وينصبه، ويخلصه للاستقبال فهو ينفي المستقبل وحرف التنفيس يثبته، ولا يفيد تأبيد النفي خلافاً للزمخشري في أنموذجه، وأما قوله تعالى: لَنْ يَخْلُقوا ذُباباً}
(الحج:73)
فالتأبيد فيه من خارج عن لن لا منها، ولا تأكيده خلافاً له في كشافه لكن وافقه على التأكيد كثيرون ويجوز تقديم معمول الفعل عليها عند الجمهور كزيداً لن أضرب خلافاً للأخفش، ولا يرد أن النفي له صدر الكلام لأن ذلك خاص بما، ومنه قوله:
380 ــــ مُهْ عاذلي فَهَائِماً لَنْ أبْرَحا
بمثلِ أو أحْسَنَ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى
ولا يفصل الفعل منها إلا ضرورة كقوله:
381 ــــ لَنْ ما رأيتُ أبا يزيدِ مُقَاتِلا
أدَع القِتَالَ وأشْهَدُ الهَيْجَاء
---(3/46)
أي لن أدع القتال مدة رؤيتي أبا يزيد مقاتلاً، وعند إرادة الإلغاز تكتب لمَّا كلمة واحدة فيقال: أين جواب لما وبم نصب أدع، وأشهد ليس معطوفاً على أدع لئلا يتناقض بل على القتال فهو منصوب بأن مضمرة لعطفه على اسم خالص أي لن أدع القتال، وشهود الهيجاء قيل والجزم بها لغة كقوله:
382 ــــ فلن يَحْلُ للعَينينِ بَعْدَك مَنْظَر
وقوله:
383 ــــ لن يخب الآنَ مِنْ رَجائِك مَن
حَرَّكَ من دُونِ بابِكَ الحلَقَه
لكن الأول يحتمل أنه مما اجتزى فيه بالفتحة عن الألف للضرورة.
قوله:
(وكي)
أي المصدرية التي تنصب بنفسها لأنها المرادة عند الإطلاق لا التعليلية فإن النصب بعدها بأن مضمرة. واعلم أن كي إما مصدرية قطعاً، أو تعليلية قطعاً أو محتملة لهما فالأولى هي الواقعة بعد اللام وليس بعدها أن نحو: لِكَيْلا تَأْسَوْا}
(الحديد:23)
ولا يصح كونها تعليلية لأن حرف الجر لا يدخل على مثله في الفصيح بلا ضرورة إليه، والثانية أربعة أقسام: الداخلة على ما الاستفهامية نحو: كيمه بمعنى له أو المصدرية كقوله:
384 ــــ إذا أنْتَ لَمْ تَنْفَعْ فَضُرَّ فإنَّما
يُرَجَّى الفتى كَيْما يَضُرُّ ويَنْفَعُ
أي للضر والنفع فالفعل مسبوك بما وكي حرف جر، وقيل: بكي، وما كفتها عن العمل فتقدر قبلها اللام، والمذكورة قبل اللام كقوله:
385 ــــ كي لِتَقْضِيَني رُقَيَّةُ ما
وَعَدَتْنِي غَيرَ مُخْتَلَسِ
أو قبل أن كقوله:
386 ــــ فَقَالتْ: أكلَّ النَّاس أصْبَحْتَ مانِحاً
لِسانَك كَيما أَن تَغُرَّ وتَخْدَعا
---(3/47)
فكي في كل ذلك كاللام معنًى وعملاً، واللام بعدها مؤكدة، والنصب بعدها بأن مضمرة، وإظهارها في الأخير ضرورة عند البصريين، وأجازه الكوفيون اختياراً كجئت كي أن تكرمني، ويؤيده أن إضمار أن بعد اللام جائز لا واجب، ويمتنع كونها في ذلك مصدرية. أما الأول فظاهراً، وأما مع اللام فلئلاَّ يفصل بين الحرف المصدري وصلته، وأما مع أن أو ما المصدرية فلأن الحرف المصدري لا يدخل على مثله في الفصيح، والمحتملة لهما قسمان: المنفردة عن اللام وأن نحو: كَيْلا يَكُونَ دُولَة}
(الحشر:7)
فإن قدرت قبلها اللام فمصدرية أو بعدها أن فجارَّة، والواقعة بينهما كقوله:
387 ــــ أردت لِكَيْما أَن تَطِيرَ بقرتي
فلك جعلها جارة مؤكدة للام ومصدرية مؤكدة بأن والأول أرجح لأن لصوق أن بالفعل يرجح نصبها، وأيضاً هي أم بابها فلا تؤكد غيرها، واغتفر هنا دخول حرف الجر أو المصدر على مثله للضرورة إذ لا يمكن غيره بخلاف ما مر، وأجمعوا على جواز فصلها من الفعل بلا النافية، وأما الزائدة كما مر من الأمثلة وبهما معاً نحو: كي ما لا يكون كذا، أو في غير ذلك خلاف، وقد تكون اسماً مختصراً من كيف فيرفع الفعل بعدها كقوله:
388 ــــ كي تجنحُونَ إلى سِلْمٍ وما ثُئِرَت
قَتْلاَكُمُ ولَظَى الهَيْجَاءِ تَضْطَرِم
أي كيف تجنحون.
قوله:
(وأن)
أي المصدرية، وهي أم الباب. ولذا لا يضمر غيرها، وإنما أخرها لطول الكلام عليها، وهي تنصب المضارع لفظاً أو محلاً مع النونين، ولا تنصب محل الماضي اتفاقاً لأنها توصل به، ولا تؤثر في معناه شيئاً بخلاف أن الشرطية قبلته مستقبلاً ناسب عملها في محله، ويمتنع معمول الفعل عليها خلافاً للفراء لأن معمول الصلة لا يتقدم على الموصول، وخرج بالمصدرية ثلاثة أشياء: المخففة، وستعلم الفرق بينهما والزائدة وهي الواقعة بعد لما الحينية نحو: فَلَمَّا أَنْ جَاءَ البَشِيرُ}
(يوسف:96)
وبين الكاف ومجرورها كقوله.
---(3/48)
389 ــــ كأن ظَبْيَة تَعْطُو إلى وَارِقِ السَّلَمْ
أو غير ذلك، والمفسرة وهي المسبوقة بجملة فيها معنى القول دون حروفه، وتأخر عنها جملة، ولم تقترن بجار، وهي تفسر مفعول الفعل الذي قبلها ظاهراً كان نحو: إذ أَوْحَيْنا إلى أمِّكَ ما يُوحَى أَنِ اقْذِفيهِ}
(طه:38)
فما يوحى هو عين اقذفيه أو مقدراً نحو: فأَوْحَيْنَا إلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الفُلْكَ}
(المؤمنون:27)
أي أوحينا إليه شيئاً هو اصنع، وتحتمل الزيادة على معنى: أوحينا إليه لفظ اصنع فإن قدر قبلها الجار كانت مصدرية لاختصاصه بالأسماء ولو تأويلاً أي أوحينا إليه بصنع الفلك. وإن لم يتقدمها جملة كانت مخففة نحو: وآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الحَمْدُ لله}
(يونس:10)
لأن الكلام لا يتم إلا بمدخولها، والمفسرة لمحض التفسير لا التتميم وإن لم يتأخر عنها جملة امتنعت إن فلا يقال: أرسلت إليه ما يليق أن مدحاً بل تحذف، أو يؤتى بدلها بأي فتدبر.
قوله:
(مما يدل على اليقين)
أي كرأي، وتحقق وتبين وظن مستعملاً في العلم، وإنما وجب كونها في ذلك مخففة لأن المصدرية للرجاء والطمع فلا تدخل إِلا على ما ليس مستقراً ولا ثابتاً، والعلم إنما يتعلق بالمحقق فلا يناسبه إلا التوكيد المفاد بالمخففة، والأكثر حينئذ الفصل بين إن والفعل بما سبق في إن وأخواتها، وأجرى سيبويه والأخفش الخوف مجرى العلم عند تيقن المخوف كخشيت أن تفعل بالرفع. ومنه قوله:
390 ــــ إذا متُّ فادفِنّي إلى جنبِ كَرْمة
تُرَوِّي عِظَامي بَعْدَ مَوتي عُرُوقُها
ولا تَدْفِنَنِّي في الفلاة فإِنَّني
أخاف إذا ما متُّ أنْ لا أَذْوقُها
برفع أذوق كالقافية قبله.
قوله:
(وجب رفع الفعل)
وأما قراءة: أَفَلا يَرَوْنَ أَنْ لاَ يَرْجِع}
(طه:89)
بالنصب فمما شذ، نعم إن أول العلم بغيره كالظن أو الرأي والإشارة مثلاً جاز النصب كما علمت إلا أن تفعل كذا أي ما أرى، ولا أشير إلا بذلك قاله سيبويه، وجوَّزه الفراء بلا تأويل.
قوله:
---(3/49)
(أحدهما النصب)
أي لعدم تحقق المظنون فيناسبه الترجي بأن المصدرية وهو الأرجح عند عدم الفصل بلا، ولذا أجمع عليه في: أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا}
(العنكبوت:2)
أما مع الفصل بلا فالأرجح الرفع كظننت ألا تقوم لأن فصل المخففة بها أكثر من المصدرية، ويجب مع الفصل بغير لا كقد والسين ولن كظننت أن ستقوم لأن المصدرية لا تفصل بذلك.
قوله:
(والثاني الرفع)
أي لقرب الظن من العلم لكونه الطرف الراجح فكأنه معلوم.
قوله:
(وبعضهم أهمل أن الخ)
وبعضهم جزم بها كقوله:
391 ــــ إذا ما غَدَوْنا قالَ ولِدَانُ أَهْلِنَا
تعالوا إلى أَن يأْتِنَا الصَّيدُ نَحْطِب
قوله:
(أختها)
بالجر بدل من أو عطف بيان وحيث ظرف زمان أو مكان اعتباري لأهمل وضمير استحقت يرجع لأن، أي وبعضهم أهمل أن وقت استحقاقها العمل أو في مكان استحقاقها له بأن لم يتقدمها علم ولا ظن حملاً على ما بجامع أن كلا حرف مصدري ثنائي، وكذلك بعضهم أعمل ما المصدرية حملاً على أن كذلك وخرج عليه قوله صلى الله عليه وسلّم: «كما تكونوا يولَّى عليكم» وقول الشاعر:
392 ــــ وَطَرْفَكَ إمَّا جِئتَنَا فَاحْبِسَنَّهُ
لِكَيْمَا يَحْسَبُوا أنَّ الهَوَى حَيْثُ تَنْظُرُ
والأصح أن حذف النون فيهما للتخفيف لثبوته نظماً ونثراً فلا حاجة إلى النصب بما، والكاف في البيت تعليلية، وما مصدرية على الوجهين، وقيل: الكاف مختصرة من كي فهي الناصبة، وما زائدة ففيه ثلاثة أوجه والمعنى: احبس طرفك عن النظر إلينا إذا جئتنا لأجل ظنهم أن هواك حيث تنظر ستراً علينا.
قوله:
(فيرفع الفعل بعدها)
جعل منه البصريون قراءة ابن محيصن أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}
(البقرة:233)
بالرفع وقوله:
393 ــــ أن تقرآن على أسماءَ ويحَكُما
مني السلام وأنْ لا تُشعرا أحدا
ولم يجعلوها مخففة كالكوفيين لعدم وقوعها بعد علم أو ظن أفاده الصبان.
قوله:
(ونصبوا)
---(3/50)
أي أكثر العرب لزوماً عند استيفاء الشروط المذكورة لا جوازاً كما قيل فإن عدم بعضها لزم إهمالها، وبعضهم يلتزم إهمالها مطلقاً وهي لغة نادرة لكن تلقاها البصريون بالقبول لأنها حرف غير مختص فقياسه الإهمال فلا التفات لمن أنكرها دماميني، والصحيح أنها حرف بسيط وناصب بنفسه لا بأن مضمرة بعده، ومعناها عند سيبويه الجواب والجزاء غالباً لا دائماً كما قيل، لأنه قد تتمحض للجواب نحو: إذن أظنك صادقاً جواباً لمن قال: إني أحبك، لأن ظن الصدق لا يصلح جزاء للمحبة، وأيضاً هو حالي والجزاء لا يكون إلا مستقبلاً، والصحيح إبدال نونها ألفاً في الوقف كتنوين المنصوب لأن الجمهور على كتابتها بالألف، وكذا رسمت في المصاحف وعن المبرد والزجاج بوقف بالنون كأن ولن وتكتب بها وعن الفراء إن أهملت كتبت بالنون لتفرق من إذا الظرفية، وإن أعملت فبالألف لتمييزها بالعمل. والخلاف في غير القرآن أما فيه فالوقف والرسم بالألف إجماعاً كما في الإتقان اتباعاً للمصاحف.
قوله:
(والفعل بعد)
جملة حالية من إذن أي، والحال أن الفعل كائن بعدها، وموصلاً بفتح الصاد حال من المستكن في الظرف، وجملة قبله اليمين عطف على بعد أو على موصلاً فهي خبر أو حال.
قوله:
(وانصب وارفعاً)
أي الفعل والثاني مؤكد بالنون الخفيفة المنقلبة ألفاً، وهذا كالاستثناء من مفهوم قوله: إن صدرت، وقوله: إذا شرطية، وإذن فاعل بمحذوف يفسره وقع.
قوله:
(مستقبلاً)
أي لأن سائر النواصب لا تعمل في غيره لتحققه في الوجود كالأسماء فلا تعمل فيه عوامل الأفعال دماميني.
قوله:
(إذا لم تتصدر)
أي في جملتها بأن تأخرت كأكرمك إذن أو وقعت حشواً، ولا تقع كذلك مع المضارع إلا في ثلاثة مواضع: بالاستقراء بين الخبر والمخبر عنه كما مثله الشارح. أو بين الشرط وجوابه، أو القسم وجوابه كإن تأتني إذن أكرمك أو والله إذن أكرمك، ويجب إهمالها في الجميع وأما قوله:
---
394 ــــ لا تَتْركَنِّي فِيهُمُ شَطِيرا(3/51)
إنِّي إذَنْ أَهْلِكَ أَوْ أطِيرا
بالنصب فضرورة أو خبر إن محذوف أي لا أستطيع ذلك وإذن الخ مستأنف.
قوله:
(حرف عطف)
وهو الواو والفاء.
قوله:
(جاز في الفعل الخ)
التحقيق أنها إن عطفت على ما له مَحَلٌّ أُلْغُيَت، وإلاَّ جاز الأمران. فإذا قيل: إن تزرني أزرك، وإذن أحسن إليك إن قدر العطف على الجواب ألغيت وجوباً لوقوعها حشواً، وجزم الفعل أو على الجملة الشرطية بتمامها جاز النصب باعتبار تصدُّرها في جملتها، والرفع على أن ما بعد الواو من تمام ما قبلها لربطها بينهما وهو الأرجح كما أشار إليه المتن بتأكيده لعدم تصدرها ظاهراً، وقيل يتعين النصب لأن العطف على الأول أولى أو لأنه مستأنف، ومثل ذلك: زيد يقوم وإذن أحسن إليك إن عطفت على الفعلية يتعين الرفع أو على الاسمية فالوجهان.
قوله:
(نصبت)
أي لأن القسم مؤكد للربط المستفاد منها، ومثله النافية لأنها لا تضر مع أن، فكذا مع إذن واغتفر ابن بابشاذ الفصل بالنداء والدعاء وابن عصفور بالظرفين. والصحيح منع كل ذلك إذ لم يسمع شيء منه،
قوله:
(وبين لا)
متعلق بإظهار وناصبة حال من أن دفع به توهُّم إهمالها لفصلها بلا.
قوله:
(لا)
نائب فاعل عدم وإن مفعول مقدم لأعمل أما بفتح الميم أمراً من عمل يعمل كفرح يفرح فهمزته وصل، وكسرت أن للساكنين أو بكسرها أمر أمن أعمل المتعدي بالهمزة فهمزته للقطع فتنقل فتحتها للنون للوزن.r وهذا هو المناسب للمعنى المراد أي اجعلها عاملة.
قوله:
(وبعد نفي كان)
أي بعد كان المنفية، وهو متعلق بأضمر والجملة عطف على جواب الشرط وهو: فأن أعمل الخ والشرط مفروض مع وجود اللام لأن قوله: وإن عدم لا معناه مع وجود اللام فكذا قوله: وأضمر بعد نفي كان، أي مع لام الجر.
قوله:
(كذاك الخ)
---
أن مبتدأ خبره خفي، وبعد أو متعلق به، وكذاك مفعول مطلق لخفي أو حال من فاعله أي إن خفي بعد أو خفاء مثل ذلك الذي بعد نفي كان أو حال كونه مماثلاً له في الوجوب.
قوله:
(ولا النافية)(3/52)
أي أو الزائدة للتوكيد نحو: لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ}
(الحديد:29)
ولا يفصل بين الفعل وإن إلا بلا لأنها كلا فصل إذ تدخل بين الجار والمجرور كجئت بلا زاد.
قوله:
(بعد لام الجر)
أي للتعليل كانت كما مثل أو للعاقبة نحو ليَكُون لَهُمْ عَدُوّاً}
(القصص:8)
أو زائدة مؤكدة وهي الواقعة بعد فعل مُتَعَدَ نحو وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ العَالَمِينَ}
(الأنعام:71)
ففي كل ذلك أن مضمرة جوازاً وقد تظهر نحو وَأُمِرْتُ لأِنْ أَكُونَ أَوَّلَ المُسْلِمِينَ}
(الزمر:12)
.
قوله:
(كان المنفية)
المراد مادتها لا خصوص الماضي ليدخل نحو لَمْ يَكُنِ الله لِيَغْفِرَ لَهُمْ}
(النساء:168)
تسمى هذه اللام اصطلاحاً لام الجحود، والمراد به مطلق الإنكار من إطلاق الخاص على العام لأن الجحد لغة إنكار ما تعرفه فهو إنكار الحق خاصة، ولم يقيد كان بالناقصة لأنها المراد عند الإطلاق فاللام بعد التامة لام كي لا الجحود، وقد فهم من النظم قصر ذلك على كان أي مادتها خلافاً لمن أجازه في أخواتها، ومن أجازه في ظننت، وأطلق النفي، ومراده ما ينفي الماضي فقط. وهو خصوص ما مع الماضي، ولم مع المضارع دون لن لاختصاصها بالمستقبل ولا لغلبتها فيه، ولما لاتصال منفيِّها بالحال وأما إن فهي بمعنى ما، وإطلاقه يشملها. وقد زعم كثير في قوله تعالى: وإنْ كَانْ مَكْرُهُم لِتَزولَ مِنْهُ الجِبَالُ}
(إبراهيم:46)
بالنصب لغير الكسائي أنها لام الجحود مع أن النافية، ولكن يبعده أن الفعل بعد لام الجحود لا يرفع إلا ضمير الاسم المسند إليه الكون بل الظاهر أنها لام كي، وإن شرطية أي وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ}
(إبراهيم:46)
---
أي جزاؤهم بما هو أعظم منه وإن كان مكرهم لشدته معدّ لزوال الجبال أي الأمور العظام الشبيهة بالجبال فعند الله أعظم منه كما يقال: أنا أشجع من فلان وإن كان مُعَدّاً للنوازل اهـ أشموني.
قوله:
(ما كان زيد ليفعل)(3/53)
زيد اسم كان وخبرها محذوف عند البصريين تعلقت به اللام الجارة للمصدر المنسبك مع أن والفعل أي ما كان زيد مُرِيداً لفعلِ كذا وجعل الكوفيون الخبر جملة الفعل والفاعل، واللام زائدة لتوكيد النفي، وهي الناصبة نفسها أي: ما كان زيد يفعل كذا، وتبعهم المصنف إلا أنه جعل النصب بأن مضمرة بعد اللام فهو قول مركب لكن يؤيد الأول التصريح بالخبر في قوله:
395 ــــ سَمَوْتَ ولَمْ تكُنْ أهلاً لِتَسمُو
قوله:
(بحتى أو إلا)
أجود من قول التسهيل الواقعة موقع إلى أن أو إلا أن لأن أن مقدرة بعد أو لا لأنها واقعة موقعها حتى يستغنى عن تقديرها، ولأن لحتى معنيين كلاهما يصلح لأو الغائية كما مثله والتعليل إذا كان ما بعدها علة لما قبلها نحو لأرضين الله أو يغفر لي فهذا خارج عن عبارة التسهيل، ولا تصح فيه الغاية لإيهامه انقطاع الإرضاء عند حصول الغفران، وليس مراداً، وتتعين الغاية فيما يحصل شيئاً فشيئاً نحو: لأنتظرنه أو يجيء، والاستثناء فيما يحصل دفعة نحو: لأقتلنَّه أو يسلم. ويحتمل الثلاثة: لألزمنك أو تقضيني حقى والمعنى على الاستثناء لألزمنك في جميع الأزمان إلا زمن القضاء أي وقت انتهائه، وخرجت والتي لا تقدر بما ذكر بأن تكون لمجرد العطف فلا ينصب الفعل بعدها إلا إذا عطفت على اسم خالص كما سيأتي.
قوله:
(لأَسْتَسْهِلنَّ الخ)
احتمال التعليل فيه أظهر من الغاية يحتمل الاستثناء أيضاً كما قاله أبو حيان.
قوله:
(فأدرك منصوب بأن)
أي وهو مؤول بمصدر معطوف بأو على مصدر متصيَّد من الكلام السابق أي: ليكوننَّ مني استسهال أو إدراك، وكذا يقاس الباقي.
قوله:
(وَكُنْتُ إذا غَمَزْتُ)
---(3/54)
بالغين المعجمة والزاي أي عصرت وهززت الرمح والقناة بالقاف والنون والكعوب هو النواشز في أطراف الأنابيب، وهذا استعارة تمثيلية حيث شبه حاله إذا أخذه في إصلاح قوم اتصفو بالفساد، فلا يكف عن حسم المواد التي ينشأ عنها الفساد إلا أن يحصل صلاحهم بحاله إذا غمز قناة معوجَّة حيث يكسر ما ارتفع من أطرافها مما يمنع اعتدالها، ولا يفارق ذلك إلا إذا استقامت، ويظهر صحة التعليل فيه.
قوله:
(وبعد حتى)
متعلق بإضمار الذي هو مبتدأ وحتم خبره، وهكذا حال من الضمير في حتم أو متعلق به أي إضمار أن بعد حتى حتم كهذا الإضمار السابق في التحتُّم، وعلى هذا فقوله: هكذا حشو. فإن جعل متعلقاً بإضمار أو خبراً عنه وحتم خبر ثان جيء به لبيان وجه الشبه لاحتمال أن التشبيه في مطلق النصب بها فليس حشواً.
قوله:
(حتى)
أي الجارة للمصدر المنسبك من أن والفعل، وتكون غائية إن كان ما بعدها غاية لما قبها كمثاله، وتعليلية إن كان ما قبلها علة لما بعدها كأسلم حتى تدخل الجنة، وكمثال المتن ولا تصح فيه الغاية لإيهامه ترك الجود عند حصول السرور وليس مراداً، ويحتملها. حَتَّى تَفِيءَ إلى أمْرِ الله}
(الحجرات:9)
زاد في التسهيل كونها بمعنى إلا وهو ظاهر في قوله:
396 ــــ وليس العطاءُ مِنْ الفُضُول سَمَاحةً
حتى تجودَ ومَا لَديْكَ قلِيلُ
إذ لا يصح التعليل وهو ظاهر، ولا الغاية لإيهامها انقطاع نفي ما قبلها عند ثبوت ما بعدها، وليس كذلك لأن العطاء من الفضول ليس سماحة مطلقاً أي شأنه ذلك سواء جاد مع الفقر أم لا فهي للاستثناء المنقطع أي ليس السماحة في الجود مع الغنى لكن مع الفقر، وكذا قوله تعالى: لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}
(آل عمران:92)
---(3/55)
لكنها للاستثناء المتصل من عموم الأحوال. أما حتى الجارة للمفرد الصريح فيلزم كونها غائية لأن مجرورها آخر، أو متصل به كأكلت السمكة حتى رأسها وحتى مطلع الفجر وخرج بالجارة العاطفة والابتدائية. وقد مرَّا في العطف..
قوله:
(نحو سرت الخ)
أي إذ أقلته قبل الدخول ليكون مستقبلاً.
قوله:
(بأن المقدرة حتى)
أي بدليل ظهورها في المعطوف كقوله:
397 ــــ حتى يكون عزيزاً مِن نُفُوسِهم
أَو أَنْ تبينَ جَميعاً وهُو مُخْتَارُ
وجعل الكوفيون النصب بحتى نفسها، ورد بعملها الجر في الاسم الصريح، ولا يعمل عامل واحد في الاسم والفعل.
قوله:
(مستقبلاً)
أي لأن النصب بأن المقدرة وهي تخلص الفعل للاستقبال فلا تدخل على الحال، ولا الماضي.
قوله:
(وقصدت به حكاية الحال الماضية)
أي قدرت نفسك موجوداً في وقت الدخول الماضي كما أشار له الشارح بقوله: كنت أو قدرت الدخول الماضي واقعاً حال التكلم. وعلى كلِّ تعبر بالمضارع لاستحضار صورته العجيبة فإن قدرت اتصافك وقت التكلم بالعزم على الدخول وجب النصب لأنه مستقبل حينئذٍ تأويلاً ولذلك قرىء قوله تعالى: وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ}
(البقرة:214)
بالنصب لغير نافع مع أن قول الرسول وهو أليسع أو شعياء ماض بالنسبة لزمن حكاية ذلك لنا واستقباله بالنسبة للزلزال غير معتبر لكنه على تقدير اتصاف الرسول وقت الحكاية لنا بالعزم على القول فصار مستقبلاً تأويلاً ورفعه نافع على فرض القول واقعاً حال الحكاية استحضاراً لصورته، وحاصل مسألة حتى أن تفعل بعدها إن كان مستقبلاً بالنسبة للتكلم وجب نصبه كـ حتى يَرْجِعَ إلينا مُوسَى}
(طه:91)
---(3/56)
أو حاضراً وقته وجب رفعه كسرت حتى أدخلها إذا أقلته وقت الدخول، أو ماضياً جاز الأمران باعتبار جواز التأويل فإن قدرته حاضراً وقت التكلم على حكاية الحال وجب رفعه، أو مستقبلاً بتقدير العزم عليه وقت التكلم وجب النصب، وانظر هل يقاس على ذلك فرض المستقبل حاضراً فيجب رفعه وفرض الحاضر مستقبلاً فيجب نصبه؟
واعلم أن شروط الرفع بعد حتى ثلاثة: حالية الفعل كما ذكر وتسببه عما قبلها فلا رفع في: سِرتُ حتى تطلع الشمس لعدم تسببه عن السير، وكونه فضلة أي ليس ركناً في الإسناد فلا رفع في: كان سيري حتى أدخلها لأنه خبر كان ثم إن الرفع بشرطه يفيد الإخبار بحصول السير والدخول، ويتسبب الثاني عن الأول، والنصب يفيد الإخبار بحصول شيء واحد وهو السير بأن شيئاً آخر مترقب الحصول وهوالدخول، ولا يفيد وقوعه وإن كان معلوماً من شيء آخر وكذا يقال في الزلزال والقول.
قوله:
(وبعد فا الخ)
أن مبتدأ خبره نصب وبعد متعلق به، وجملة وسترها حتم حال من فاعل نصب كما أشار له الشارح في الحل أو معترضة بين المبتدأ والخبر، وذكر ضمير أن الذي في نصب لتأوله الحرف وأنَّثه في سترها لتأويلها بالكلمة، ومحضين صفة لنفي وطلب.
قوله:
(المجاب بها الخ)
---(3/57)
سمي ما بعد الفاء جواباً لأن ما قبلها من النفي، والطلب يشبه الشرط في أن كلا غير ثابت المضمون، ويتسبب عنه ما بعدها كتسبب الجواب عن الشرط إذ العدول عن عطف الفعل بالفاء إلى النصب يفيد التسبب. ومع ذلك هي لعطف المصدر المنسبك على مصدر متصيَّد مما قبلها، والتقدير في المثال والآية: ما يكون منك إتيان فتحديث، ولا يكون قضاء عليهم فموتهم. وفي نحو: استقم فتدخل الجنة ليكن منك استقامة فدخول وفي: ليت لي مالاً فأحج ليت حصول مال لي فحجّا وهكذا. وهذا من العطف على المعنى والتوهم كما في المغني فإن لم يكن قبلها ما يتصيد منه مصدر بأن كان جملة اسمية خبرها جامد كما أنت زيد فنكرمك فنقل الصبان عن السيوطي منع نصبه لعدم ما يعطف عليه المصدر المنسبك بل يرفع على الاستئناف، أو عطف جملة على جملة بلا قصد للتسبب. ا هـ وقد يقال: يمكن تصيد مصدر من لازم الجملة كما يثبت كونك زيداً فإكرامك. ولذلك نظائر تقدمت ثم رأيت الإسقاطي نقل ذلك عن أبي حيان وستأتي عبارته في الاستفهام.
قوله:
(نفي محض)
أي سواء كان بالحرف كمثاله أو بالفعل كليس زيد حاضراً فيكلمك، أو بالاسم كأنت غير آتٍ فتحدثنا ويلحق بذلك التشبيه والتقليل بقلما أوقد مراداً بها كلها النفي نحو: كأنك وال علينا فتشتمنا، وقلما تأتينا فتحدثنا، وقد كنت في خير فتعرفه بالنصب أي ما كنت ولا تأتينا ولا أنت وال.
قوله:
(أو طلب محض)
قال سم التقييد بالمحض لا يأتي في جميع أنواع الطلب بل في الأمر والنهي والدعاء خاصة. ومعنى كون هذه محضة أن تكون بفعل صريح.
قوله:
(نحو ما تأتينا فتحدثنا)
---(3/58)
نصبه إما على معنى ما تأتينا فكيف تحدثنا من الدلالة على نفي الثاني بنفي الأول لتسببه عنه أو على معنى: ما تأتينا محدثاً بجعل الثاني قيداً في الأول فينصب عليه النفي قصداً إلى نفي اجتماعهما أي ما يكون منك إتيان يعقبه تحديث، ثم قد ينتفي الإتيان أيضاً فيكون في الفاء معنى التسبب، وقد يثبت وحده. وحينئذٍ فالفاء للمعية بلا تسبب أصلاً، وإنما نصب الفعل بعدها تشبيهاً بتلك كما قاله الرضي قال في المغني: وعلى المعنى الأول يحمل قوله تعالى: لا يُقْضَى عَليهم فيَمُوتُو}
(فاطر:36)
دون الثاني. إذ يمتنع أن يقضي عليهم بالموت ولا يموتون فليس كل مثال يصح فيه المعنيان، ويتعين الثاني في نحو: ما يحكم الله حكما فيجوز لانتفاء الجور وحده فإن قصد بالفاء الاستئناف أو مجرد العطف بلا تسبب ولا معية تعين الرفع إما على معنى ما تأتينا فأنت تحدثنا بإضمار مبتدأ قصداً إلى نفي الأول، وإثبات الثاني فهو مستأنف، أو من عطف الجمل. وصورة التحديث بلا إتيان أن يكون بحائل بينهما أو باختلاف زمنهما أي ما تأتينا في المستقبل فأنت تحدثنا الآن، وإما على معنى ما تأتينا فما تحدثنا قصداً إلى نفي الفعلين من مجرد العطف بلا تسبب ولا معية ومنه قراءة عيسى بن عمرو: لا يقضى عليهم فيموتون والسبعة لا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ}
(المرسلات: 36)
لو نصب هذا على السببية كالذي قبله جاز لكنه لم يرد لتناسب الفواصل.
قوله:
(فإن لم يكن خالصاً الخ)
أي بأن انتقض بإلا قبل الفعل كما مثله، أو كان نفياً بعد نفي كما تزال تأتينا فتحدثنا بالرفع بخلاف نقضه بإلا بعد الفعل كما تأتينا فتحدثنا إلا بخير ففيه الوجهان كما نص عليه سيبويه وروي بهما قوله:
398 ــــ وما قامَ منَّا قائِم في نَدِيِّنَا
فَيَنْطِقُ إلاَّ بالتي هي أَعْرَفُ(3)
خلافاً للمصنف وابنه حيث مثلا به لوجوب الرفع والنهي كالنفي في النقض وعدمه.
قوله:
(وهو يشمل الأمر الخ)
---(3/59)
أي والترجي أيضاً عند الكوفيين كما سيأتي في المتن فالجملة مع النفي المتقدم تسمى بالأجوبة التسعة وهي مجموعة في قوله:
مُرْ وانْه وَادْعُ وسَلْ واعْرِضْ لِحَضِّهِمُ
تمن وارْجُ كذَاك النَّفي قَد كَمُلا
قوله:
(يا ناق)
مرخم ناقة والعنَقَ بفتحتين نوع من السير، ونصبه على أنه صفة لمصدر محذوف أي سيراً عَنَقاً.
قوله:
(سنن الساعين)
بفتح السين أي طريقهم، وفي خير متعلق بالساعين.
قوله:
(والاستفهام)
شرط له في التسهيل أن لا يتضمن وقوع الفعل، ولا يكون بجملة اسمية خبرها جامد. فلا يجوز لمَ ضربت زيداً فيجازيك، بالنصب لمضي الضرب. فلا يمكن تصيد مصدر مستقبل منه ليعطف عليه، ولا: هل زيد أخوك فنكرمه لعدم ما يتصيد منه المصدر. قال أبو حيان: وهذا لم يشرطه أحد من أصحابنا، وقد حكى ابن كيسان أين ذهب زيد فنتبعه بالنصب مع مضي الفعل بل إذا تعذر تصيد مصدر مستقبل مما قبل الفاء يقدر مصدر من لازم المعنى فالتقدير: ليكن منك إعلام بسبب ضرب زيد فمجازاة منه. وهل يثبت كون زيد أخاك فإكرام منا اهـ إسقاطي وهو نص فيما مر.
قوله:
(من شفعاء)
إما فاعل الظرف لاعتماده على الاستفهام، أو مبتدأ خبره الظرف، ومن زائدة، والتقدير: هل يكون لنا حصول شفعاء فشفاعة منهم ولا فرق في الاستفهام بين الحقيقي كما مثل والإنكاري من مثل: زيد فيقاومه، والتوبيخي فيما يظهر نحو: أتخاصم زيداً فيغضب عليك، وأما التقريري الذي بعد النفي فيجوز أن يراعى فيه صورة النفي أو الاستفهام فينصب الفعل بعده نحو: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ}
(الحج:46)
وقوله:
399 ــــ أَلَمْ أَكُ جَارَكُمْ وَيَكُونَ بَيْنِي
وَبَيْنَكُمُ المَوَدَّةُ والإِخاءُ(2)
وأن يراعى معناه من الإثبات فلا ينصب لعدم تمحض النفي كقوله تعالى: ألَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً}
(الحج:63)
---(3/60)
ولرفع هذه وجه آخر وهو عدم السببية إذ رؤية إنزال الماء ليست سبباً في الاخضرار بل سببه نفس الإنزال. فلا يجوز نصبه مراعاة للفظه كما في المغني، وقد يقال: محط التقرير هو الإنزال لا الرؤية فالسببية موجودة مآلاً فتأمل.
قوله:
(لبُاناتي)
جمع لبُانة بضم اللام فيهما وهي الحاجة، وإنما قال: بعض الروح لأنه رتب الارتداد على الرجاء والراجي شيئاً قد لا يجزم بحصوله. فلا يحصل له شفاء تام بل بعضه بسبب الرجاء، وهذا البيت ساقط في نسخ.
قوله:
(باسم فعل)
أي سواء كان من لفظ الفعل كنزال فنحدثك بالرفع أولا كما مثله هذا مذهب الجمهور، وأجاز ابن عصفور النصب بعد الأول. قال في شرح الشذور: وما أجدره بأن يكون صواباً، وأما المصدر النائب عن فعله فالحق نصب ما بعده كما قاله ابن هشام كضرباً زيداً فيتأدب.
قوله:
(وحسبك الحديث)
مثال للطلب بالجملة الخبرية لأن حسب إما اسم فعل مضارع بمعنى يكفي فضمه بناء تشبيهاً بقبل وبعد، والحديث فاعله أو اسم فاعل بمعنى كاف مبتدأ، والحديث خبره أو بالعكس فضمه إعراب.
قوله:
(والواو كألفاً)
مثلهما ثم عند الكوفيين فينصب الفعل بعدها كحديث «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل فيه»(2)، وجوز المصنف فيه الرفع والنصب، ويجوز الجزم أيضاً أفاده الشنواني.
قوله:
(أن تفد مفهوم مع)
حذف جواب الشرط مع أن فعله ليس ماضياً للضرورة أي فهي كالفاء في نصب المضارع بعدها في المواضع المذكورة بأن مضمرة، وفي أنها عاطفة للمصدر المنسبك على مصدر متصيَّد مما قبلها كما صرحوا به، واستظهر الدماميني قول الرضي بأنها ليست للعطف بل هي بمعنى مع، أو للحال فالمصدر بعدها مبتدأ حذف خبره لكثرة الاستعمال فمعنى قم وأقوم قم وقيامي ثابت أو مع قيامي لأن العطف يفوّت النص على المعية أي: ليكن قيام منك وقيام مني.
قوله:
(ينصب فيها كلها)
---(3/61)
لم يسمع النصب مع الواو إلا في خمسة: النفي والأمر والنهي والاستفهام والتمني. وقاسه النحويون في الباقي، وقد مثل الشارح للأربعة الأولى، ومثال التمني يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ}
(الأنعام:27)
بنصبهما لحمزة وحفص.
قوله:
(ولما يعلم الله الخ)
أي لم يكن لله علم بجهادكم مصاحب للعمل بصبركم لعدم الصبر فلا يعلمه الله تعالى ومعنى تعلق علمه بالمعدوم أنه يعلم عدمه ولا وقوعه لأن علم المعدوم واقع جهل.
قوله:
(فقلت ادعي)
أصله ادعوي بضم الهمزة والعين حذفت كسرة الواو للثقل، ثم الواو للساكنين فكسرت العين لمناسبة الياء وأما الهمزة فيجوز ضمها نظراً للأصل وكسرها نظراً للآن اهـ إسقاطي وقوله: أندى، اسم أن من الندى بفتح النون مقصوراً وهو بعد ذهاب الصوت وأن ينادي خبرها أو عكسه.
قوله:
(عار عليك)
خبر لمحذوف أي ذلك عار، وعظيم صفته، وجملة إذا فعلت معترضة بينهما.
قوله:
(على التشريك بين الفعلين)
أي في النهي فكل منهما منهي عنه استقلالاً وقال الدماميني الجزم ليس نصاً في النهي عن كل إلا بإعادة لا، فإن لم تعد احتمل النهي عن المصاحبة، ورده الشمني بأنه احتمال بعيد.
قوله:
(وأنت تشرب باللبن)
يحتمل على هذا أنه نهي عن الأول، وإباحة الثاني، وهو المشهور فالواو استئنافية أي ولك شرب اللبن، ولا يتعين حينئذٍ تقدير أنت بل هو لتحقيق معنى الاستئناف كما جرت به عادة النحويين، ويحتمل: أنهي عن المصاحبة على أن الواو للحال فيتعين تقدير المبتدأ لأن المضارع المثبت لا يقع حالاً مع الواو، مغنى.
قوله:
(أن تسقط ألفا)
أي لم توجد الآن سواء وجدت قبل، ثم سقطت أم لم توجد أصلاً، وخرج بها الواو فلا يجزم عند سقوطها.
قوله:
(وقصد الجزاء)
أي بأن قصدت تسبب الفعل عن الطلب فإن لم يقصد وجب الرفع إما على الوصف إن كان قبله نكرة نحو فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً يَرِثُنِي}
---
(مريم:6)(3/62)
بالرفع، أو على الحال نحو وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ}
(المدثر:6)
أو على الاستئناف كقوله:
400 ــــ وقال رائدهم ارسوا نزاولها
ويحتمل الحال والاستئناف قوله تعالى: وَأَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ}
(طه:69)
بالرفع فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً في البَحْرِ يَبَساً لا تَخَافُ}
(طه:77)
ويحتمل هذا الوصفية أيضاً أي لا تخاف فيه ومما يحتمل الثلاثة قوله تعالى: خُذْ مِنْ أمْوَالِهمْ صَدَقَةَ تُطَهِّرهُمْ}
(التوبة:103)
لكن الحال من فاعل خذ لا من صدقة لأنها نكرة.
قوله:
(بشرط مقدر)
أي مع فعله بعد الطلب، وهذا مذهب الجمهور وهو المختار. ويتعين تقدير أن لأنها أم الباب ولتصريحهم بأنه لا يحذف غيرها ولا يرد أن قوله تعالى: قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُو يُقِيمُوا الصَّلاَةَ}
(إبراهيم:31)
لو كان تقديره أن تقل لهم ذلك يقيموها لم يتخلف عنها أحد لوجود لشرط وهو القول مع أن التخلف واقع لأن القول ليس شرطاً تاماً للامتثال بل لا بد معه من التوفيق فتدبر.r
قوله:
(أو الجملة قبله)
أي فالجازم نفس الجملة إما لنيابتها عن حرف الشرط كما ناب ضرباً عن أضرب في العمل، أو لتضمنها معنى حرف الشرط كما قيل لكل وبقي قول رابع تركه الشارح لأنه أضعفها وهو أن الجزم بلام الأمر مقدرة.
قوله:
(قبل لا)
جعل الشاطبي والمكودي لا هذه النافية باعتبار ما بعد دخول أن، وجعلها غيرهما ناهية باعتبار ما قبل دخولها.
قوله:
(إلا بشرط الخ)
---(3/63)
لهذا الشرط أجمع السبعة على رفع تستكثر حالاً من فاعل تمنن لعدم صحة أن لا تمنن تستكثر، وأما جزمه في قراءة الحسن فعلى أنه بدل كل من تمنن لأنه بمعناه أي لا تستكثر ما أنعمت به، وتعدده على الغير، وكذا قوله صلى الله عليه وسلّم «من أكل من هذه الشجرة يعني الثوم فلا يقربن مسجدنا يُؤْذِنا» بجزم يؤذ بدل اشتمال من يقرب لا في جواب النهي إذ لا يصح أن لا يقربه يؤذنا فإن جعل معنى الآية تستكثر من الثواب تزدد منه صح كونه جواب النهي لصحة أن لا تمنن أي تعدد النعم على الغير تزدد ثواباً.
قوله:
(وأجاز ذلك الكسائي)
أي تمسكاً بالآية والحديث المذكور، وبالقياس على جواز النصب بعد الفاء في لا تدْنُ من الأسد فيأكلك، ورد بتخريج الآية والحديث على ما مر وبأن النصب لا يقاس عليه لوجوده بعد النفي ولا جزم بعده. ا هـ وفي هذا نظر لتجويز الكوفيين الجزم بعد النفي أيضاً. تنبيه: شرط الجزم بعد الأمر وغيره من أنواع الطلب غير النهي صحة وضع أن الشرطية وحدها موضعه كأحسن إلي أحسن إليك بخلاف لا أحسن إليك فلا يجزم إذ لا يناسب: إن تحسن إلي لا أحسن إليك، ونحو: أين بيتك أزرك أي إن تعرفنيه أزرك بخلاف: أين بيتك أضرب زيداً في السوق. وقس الباقي.
قوله:
(أجاز الكوفيون)
أي دون البصريين، وجعلوا نصب أطلع في جواب ابن، أو لعطفه على الأسباب على حد:
401 ــــ لولا تَوَقُّعُ مُعْتَرَ فَأُرْضِيَهُ
أو بتضمين لعل معنى التمني ليندفع الاعتراض بأن الترجي إنما يكون في الممكن القريب، واطلاع فرعون وبلوغه الأسباب محال، وقد يدفع بأنه أدعى قربه لقصد التلبيس على قومه فأتى بلعل قال في الارتشاف: وسماع الجزم بعد الترجي يؤيد الكوفيين.
قوله:
(المقرون بالفاء)
مثلها واو والمعية كما مر.
قوله:
(فعل عطف)
فيه مسامحة لأن المعطوف في الحقيقة المصدر المنسبك.
قوله:
(بعد عاطف)
مراده به خصوص الواو والفاء، وثم وأو ولذا لم يمثل لغيرها لعدم سماعه.
قوله:
(اسم خالص)
---(3/64)
أي من شائبة الفعلية وهو الجامد المحض مصدراً كان كما مثله أو غيره كلولا زيد، ويحسن إليّ لهلكت وكقوله:
402 ــــ وَلَوْلا رجالٌ مِنْ رَزَامٍ أَعِزَّةٌ
وآلُ سبيعٍ أو أسوءَك عَلقْمَا(2)
بنصب أسوء عطفاً على رجال وعلقم منادى مرخم علقمة.
قوله:
(للبس عباءة)
الصواب كما في نسخ، ولبس بالواو عطفاً على قولها قبله:
403 ــــ لَبَيْتٌ تَخْفُقُ الأرْياحُ فيه
أحبُّ إلي مِنْ قَصْرٍ مُنِيفِ(3)
والشَّفوف هو اللباس الرقيق الذي لا يحجب ما وراءه.
قوله:
(اني وقتلي سليكاً)
بالتصغير رجل كان قد مر بامرأة من خثعم فوجدها وحدها فوقع عليها، فأخبر به هذا الشاعر فقتله، ثم عقله أي دفع ديته فقال البيت تمثيلاً لحاله حيث ضرَّ نفسه لنفْع غيره بحال الثور الذي يُضرب لتشرب البقر لأن إناثها إذا عافت الماء أي امتنعت منه لا تضرب لأنها ذات لبن، وإنما يضرب الثور لتفزع هي وتشرب فضرب الثور لنفع غيره.
قوله:
(لأن قبله اسماً صريحاً الخ)
اعترض بأن قتلي مؤول بالفعل بدليل نصبه سليكاً على المفعولية، وأجيب بأن المصدر العامل لا يؤول بالفعل وحده بل مع سابكه فهو اسم تأويلاً.
قوله:
(لولا توقع معتر)
بالعين المهملة أي فقير متعرض للسؤال والأتراب جمع ترب بكسر الفوقية، وهو المساوي في العمر أي لولا أني متوقع لإرضاء كل من سألني ما كنت أوثر على أترابي بالعطاء أحداً بل اقتصر عليهم.
قوله:
(فيرسل منصوب)
---(3/65)
أي لغير نافع عطفاً على: وحياً، والاستثناء مفرغ من الأحوال على تقدير ما يوجد تكليم الله بشراً في حال من الأحوال إلا في حال كونه موحى إليه أي ملهماً له كأم موسى، أو مسمعاً له من وراء حجاب كموسى، أو مرسلاً إليه رسولاً كعادة باقي الأنبياء فكلها نصب على الحال، وتحتمل المفعولية المطلقة على معنى إلا تكليم وحي أو تكليماً من وراء حجاب، أو تكليم إرسال، وعلى هذين فكان تامة، وأن يكلمه فاعلها، أو ناقصة، وعلى الثاني خبرها وحياً أي ما كان تكليم الله بشراً إلا تكليم إيحاء الخ، ولبشر متعلق بكان أو بتبيين فهو خبر لمحذوف أي إرادتى لبشر مفعول لمحذوف أي لبشر.
قوله:
(لم يجز النصب)
أي مع الاسم المقصود به معنى الفعل كما مثله أما مع غير الصريح بأن كان مصدراً متوهِّماً كالمتصيد مما قبل فاء السببية فيجب إضمار إن كما مر. ولم يجعل هذا كالاسم الصريح لأنه غير موجود.
قوله:
(الطائر)
مبتدأ خبره الذباب.
قوله:
(في سوى ما مر)
هو عشرة يجوز الإضمار في خمسة: لام كي، والعطف على اسم خالص بالواو أو الفاء أو ثم أو أو، ويجب في خمسة: لام الجحود، وحتى وأو بمعناها وفاء الجواب وواو المعية، ويزاد كي التعليلية فإن المصنف لم يذكرها، والإضمار بعدها واجب عند البصريين دون الكوفيين، ويزاد أيضاً ما سيأتي من جواز نصب الفعل المقرون بالفاء أو الواو بعد الشرط أو الجزاء فإنه بأن مضمرة وجوباً وما عدا ذلك لا يجوز فيه حذف إن.
قوله:
(شاذ لا يقاس عليه)
أي عند البصريين وقاسه الكوفيون ومن وافقهم تصريح.
قوله:
(ألا أيهذا)
---(3/66)
ألا استفتاحية، وأيها منادى، وذا صفته في محل رفع، والزاجري بدل من ذا أو صفة له، وأحضر في تأويل مصدر حذف جاره أي عن حضور الوغى، وحسن حذف أن في ذلك وجودها فيما بعدها على حد: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه بنصب تسمع بخلاف: مره يحفرها فإنه حذف بلا دليل، وخرج بحذفها مع النصب حذفها مع رفع الفعل، فأجازه الأخفش وجعل منه أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونّى أَعْبُدُ}
(الزمر: 64)
وتسمع بِالمَعِيدِيِّ خير برفع: أعبد وتسمع، وظاهر شرح التسهيل موافقته حيث قال في: {وَمِن آياتِهِ يُريكُمُ البَرْقَ}
(الروم:24)
أن يريكم صلة أن حذفت، وبقي الفعل مرفوعا، وهذا هو القياس لأن الحرف عامل ضعيف فحذفه يبطل عمله اهـ. وذهب قوم إلى أن الحذف في غير ما مر سماعي مطلقاً رفع أو نصب قيل: وهو الصحيح. ويحتمله شرح التسهيل بأن يرجع قوله وهذا هو القياس إلى الرفع بعد حذف أن فقط لا إلى الحذف أيضاً والله سبحانه وتعالى أعلم.
- عوامل الجزم -
قوله:
(طالباً)
أي آمراً أو ناهياً أو داعياً أو ملتمساً.
قوله:
(وحرف)
خبر مقدم عن إذ ما.
قوله:
(ما يجزم فعلاً واحداً)
أي أصالة؛ وإلا فقد يجزم أكثر بعطف أو بدل.
قوله:
(الدالة على الأمر)
أي وضعاً وإن استعملت في غيره كالإخبار في: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدّاً}
(مريم:75)
والتهديد في: وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}
(الكهف:29)
---(3/67)
وكذا يقال في لا الناهية واعلم أن الغالب في لام الأمر جزمها فعل الغائب كمثاله. وكذا الفعل المجهول للمتكلم والمخاطب نحو: لأكرم ولتكرم يا زيد لأن الأمر فيهما للغائب وتقل في فعلهما المعلوم، والثاني أقل لأن له صيغة تخصه. وهي فعل الأمر فيستغنى بها عن اللام، ومنه قراءة أبيّ وأنس فبذلك فلتفرحوا} وحديث: «لتأخذوا مصافكم»، ومن الأول ولنحمل خطاياكم قومواً فَلأُصَلِّ لكم، والفاء فيه لعطف جملة طلبية على مثلها لا زائدة على الأظهر، ويروى: فلأصليَ بالنصب على أنها لام كي، والفاء زائدة، ويروى بسكون الياء تخفيفاً وهذه اللام مكسورة حملاً على لام الجر لأنها تقابلها في الاختصاص بالأفعال كتلك بالأسماء، والشيء يحمل على مقابله، وسليم تفتحها كلام الابتداء وتسكينها بعد الواو والفاء أكثر، وتحريكها بعد ثم أجود، والأصح أن حذفها خاص بالشعر بعد القول وغيره كما قاله السيوطي.
قوله:
(الدالة على النهي)
خرج الزائدة والنافية، وجوز الكوفيون جزم النافية إذا صلح قبلها كي لحكاية الفراء: ربطت الفرس لا ينفلت بالرفع والجزم وأجيب بأن الجزم على توهم الشرط قبله أي إن لم أربطه ينفلت، وجزم الناهية فعل الغائب والمخاطب كثير، وفعل المتكلم قليل جداً لأن أمر الشخص ونهيه لنفسه خلاف الظاهر إلا إن كان مجهولاً فيكثر لأن المنهي غير المتكلم كما في التوضيح كلا أخرج أي لا يخرجني أحد.
قوله:
(وهما للنفي الخ)
أي يشتركان في النفي والاختصاص بالمضارع وقلب معناه وجزمه وكذا في الحرفية، ودخول الهمزة عليهما مع بقائهما على عملهما نحو: أَلَمْ نَشْرَحْ}
(الشرح:1)
.
404 ــــ ألَمَّا أَصْحُ وَالشَّيْبُ وَازعُ
وخرج بلما هذه لما الحينية فتختص بالماضي لفظاً ومعنًى كما مر في الإضافة ولما الإيجابية وهي التي بمعنى إلا فتختص بالجمل الاسمية نحو: إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ(4)
قوله:
(ولا يكون الخ)
---(3/68)
إشارة لبعض ما يفترقان فيه فتختص لما بوجوب اتصال نفيها بحال النطق. وأما في لم فقد يتصل نحو: لم يلد ولم يولد}، وقد ينقطع نحو: لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً}
(الإنسان:1)
أي ثم كان وبقرب نفيها من الحال فلا يجوز: لما يقم زيد في العام الماضي بخلاف لم ويكون منفيها متوقع الحصول غالباً نحو: لما يَذُوقُوا عَذَابِ}
(ص:8)
أي إلى الآن ما ذاقوه وسيذوقونه. قال الزمخشري ولذا كان قوله تعالى: وَلَمَّا يَدْخْلِ الإيمَانُ في قُلُوبِكُمْ}
(الحجرات:14)
مشعراً بإيمانهم بعد لأن توقعه تعالى محقق الحصول، ومن غير الغالب ندم إبليس ولما ينفعه الندم، وبجواز حذف مجزومها اختيار الدليل كقاربت المدينة ولما أي ولما أدخلها ولا يحذف في لم إلا ضرورة وهو أحسن ما خرج عليه قراءة وإنْ كُلاًّ لَمَّا لَيُوفِّيَنَّهمْ}
(هود:111)
بشد إن ولما أي لما يهملوا كما قدره ابن الحاجب بدليل ذكر الأشقياء والسعداء ومجازاتهم. واختار ابن هشام لَمَّا يُوَفُّوا أَعْمَالَهُمْ}
(الأحقاف:19)
بدليل ليوفيهم لأن التوفية متوقعة بخلاف الإهمال، وأجاب الدماميني بأن توقع ما بعدها أغلبي كما مر على أن التوقع قد يكون من غير المتكلم ولا شك في توقع الكفار الإهمال بدليل استرسالهم في القبائح، وتختص لم بضد ما مر، وبمصاحبة الشرط كلو لم وإن لم، وتفصل من مجزومها اضطراراً كقوله:
405 ــــ فأضْحَتْ مغانِيها قِفَاراً رُسُومُها
كأنْ لَم سِوى أهل مِنَ الوَحْش تُؤْهَل
وقد لا تجزم نحو: لم يوفون بالجار، قيل والنصب بها لغة كقراءة ألم نشرح، وقوله:
406 ــــ في أي يوميّ مِنْ الموتِ أفر
أيومَ لم يُقدَر أمْ يومَ قُدِر
بفتح نشرح ويقدر ورد بحمله على التوكيد بالنون الخفيفة، ثم حذفها وإبقاء الفتحة دليلاً عليها قاله في شرح الكافية، وفيه شذوذان توكيد المنفي بلم وحذف النون لغير وقف ولا ساكن.
قوله:
(والثاني ما يجزم فعلين)
---(3/69)
أي غالبا، وقد يجزم فعلاً، وجملة كما سيمثله الشارح، وقد يجزم فعلاً واحداً كما سيأتي في قوله:
407 ــــ وَبَعْدَ مَاضٍ رَفْعُكَ الجَزَا حَسَنْ
وإنما عملت هذه الأدوات في شيئين دون حرف الجر لإفادتها، ربط الثاني بالأول فكأنهما شيء واحد وقيل الأدوات لم تعمل إلا في الشرط وحده عمل في الجواب أو هو مع الأداة لضعفها وحدها وقيل الشرط والجواب تجازماً، ثم إن الجواب إن كان مضارعاً أو ماضياً خالياً من الفاء فالفعل نفسه مجزوم لفظاً أو محلاً، ولا محل لجملته كجملة الشرط لأخذ الجازم مقتضاه فلا يتسلط على محل الجملة وإن كان غير ذلك مما يقترن بالفاء، أو إذا الفجائية فمجموع الجملة مع الفاء، أو إذا في محل جزم لأنه لو وقع موقعه فعل يقبل الجزم لجزم فلا يتسلط الجازم على أجزاء الجملة هذا ما في المغني والكشاف وقال الدماميني وأقره الشمني: الحق أن جملة الجواب لا محل لها مطلقاً إذ كل جملة لا تقع موقع المفرد لا محل لها اهـ. ولا يقال إنها واقعة موقع المفرد وهو الفعل القابل للجزم لأنها لم تقع موقعه وحده بل مع فاعله الذي يتم الكلام به كما يتم بهذه الجملة فتأمل فعلى الأول لو كان اسم الشرط مبتدأ كانت جملة الجواب في نحو: من يُقِمْ فإني أُكْرِمْه في محل جزم ورفع باعتباري الشرط والخبرية بناء على أن الجواب هو الخبر، وعلى الثاني محل الخبرية فقط كهي في نحو: من يقم أكرمه اتفاقاً لظهور أثر الشرط في الفعل.
قوله:
(وهي أن)
هي أم الباب، وقد تكون نافية كليس ومخففة من المشددة كما مر في بابهما، وزائدة كقوله:
408 ــــ وَرَجِّ الفَتَى لِلْخَيْرِ ما إنْ لَقِيتَهُ
عَلَى السِّنِّ خَيْراً لا يَزَالُ يَزِيدُ
---(3/70)
ونحو: زيد وإن كان كثر ماله بخيل فهي فيه زائدة على التحقيق لمجرد الوصل أي وصل الكلام ببعضه والواو للحال أي زيد بخيل، والحال أنه كثر ماله، وقيل شرطية حذف جوابها للدلالة عليه ببخيل، والواو للعطف على مقدر أي إن لم يكثر ماله وإن كثر فهو بخيل لكن ليس المراد بالشرط فيه حقيقة التعلق إذ لا يعلق على الشيء ونقيضه معاً بل التعميم أي إنه بخيل على كل حال.
قوله:
(وما تفعلوا الخ)
ما اسم شرط جازم مفعول مقدم لفعل الشرط وهو تفعلوا أي: أيَّ شيء تفعلوا ومن خير بيان لما حال منها على قاعدة البيان وفيه اكتفاء أي ومن شر، وبعلمه جواب الشرط أي يجازكم به من إطلاق السبب وهو العلم على المسبب، وهو الجزاء وحاصل إعراب أسماء الشروط، وكذا الاستفهام أن الأداة إن وقعت على زمان أو مكان فهي في محل نصب على الظرفية لفعل الشرط إن كان تاماً نحو: متى تَأْتِهِ وأيَّانَ نَؤمِنْك وحيثما تستَقِمْ الخ، وظرفاً لخبره إن كان ناقصاً كـ أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ المَوْتُ}
(النساء:78)
---(3/71)
فأينما ظرف متعلق بمحذوف خبر تكونوا الذي هو فعل الشرط ويدرككم جوابه، وإن وقعت على حدث فمفعول مطلق لفعل الشرط كأي ضرب تضرب اضرب، أو على ذات فإن كان فعل الشرط لازماً نحو: من يقم أضربه فهي مبتدأ وكذا إن كان متعدياً واقعاً على أجنبي منها نحو: من يعمل سوءاً يجز به، وخبره إما جملة الشرط أو الجواب، أو هما معاً أقوال فإن كان متعدياً وسلط على الأداة فهي مفعوله نحو: وما تفعلوا من خير، ومن يضرب زيداً أضربه وإن سلط على ضميرها، أو على ملابسه فاشتغال نحو من يضربه، أو من يضرب أخاه زيداً ضربه فيجوز في من كونها مفعولاً لمحذوف يفسره فعل الشرط أو مبتدأ أو في خبره ما مرَّ. وإنما كان العامل في الأداة هو فعل الشرط لا الجواب عكس إذا لأن رتبة الجواب مع متعلقاته التأخير عن الشرط فلا يعمل في متقدم عليه، ولأنه قد يقترن بالفاء أو إذا الفجائية. وما بعدهما لا يعمل فيما قبلهما واغتُفر ذلك في إذا لأنها مضافة لشرطها فلا يصلح للعمل فيها كما مر في الإضافة.
قوله:
(مهما تأتنا الخ)
مهما اسم شرط إما مبتدأ في خبر ما مر، أو مفعول بمحذوف يفسره فعل الشرط وهو تأت على حد: زيداً مررت به، والأول أرجح لما مر في الاشتغال، ومن آية بيان لمهما فهو حال منها، أو من هاء به العائدة إليها، والضمير في بها عائد على آية كما اختاره في المغني لا على مهما، وقوله فما نحن الخ جواب الشرط، والأرجح كون ما حجازية لا مهملة لأن الخبر بعدها لم يأت في القرآن مجرداً من الباء إلا منصوباً فالأولى الحمل عليه فمؤمنين إما في محل نصب خبر ما، أو رفع خبر نحن.
قوله:
(أيا ما تدعوا)
---
أي اسم شرط مفعول ثان لفعل الشرط، وهو تدعو لأنه بمعنى تسموا كما في البيضاوي وحذف مفعوله الأول: وتنوين أي عوض عن المضاف إليه أي أيّ اسم تسموه وما صلة لتأكيد الإبهام في أي وكان أصل الكلام أياماً تدعوا فهو حسن فأوقع فله الأسماء موقع الجواب للمبالغة.
قوله:
(تعشو)(3/72)
حال من فاعل تأت فهو مرفوع لا مجزوم من عشا يعشو إذا أتى ناراً يرجو عندها القرى.
قوله:
(أينما الريح الخ)
صدره:
409 ــــ صعدةٌ نَابِتَةٌ فِي حَائِرِ(5)
أي تلك المرأة كالصعدة أي الرمح في اللَّين، والاعتدال والحائر بالحاء والراء المهملتين مجتمع الماء، وخصَّه بالذكر لأن الثَّابت فيه أنضر من غيره.
قوله:
(وإنك إذ ما تاتِ)
من الإتيان أي تفعل وكذا آتياً ويروى تأَبَّ وآبَيَا من أبَى يَأْتَبِي إذا امتنع.
قوله:
(نجاحاً)
أي ظفراً بالمراد، وغابر الأزمان يطلق على المستقبل كما هنا، وعلى الماضي أيضاً.
قوله:
(إلا أنْ وإذْ وما)
فإن حرف اتفاقاً وإذ ما على الأصح فهما مجرد التعليق لا محل لهما، والبواقي أسماء اتفاقاً إلا مهما فعلى الأصح، وقد علمت إعرابها. وكلها ظروف إلا من وما ومهما فمن للتعميم في ذوي العلم، وما ومهما لغيرهم فهما بمعنى واحد وقيل مهما أعم من ما وإلا أي فبحسب ما تضاف إليه من ظرف وغيره، والظرف إما زماني وهو متى وأيان فهما لتعميم الأزمنة، وقيل أيان خاصة بالمستقبل ولو غير شرطية فلا يقال: أيان خرجت أو مكاني وهو أين وأنى وحيثما فهي لتعميم الأزمنة، وقيل أيان خاصة بالمستقبل ولو غير شرطية فلا يقال: أيان خرجت أو مكاني وهو أين وأنى وحيثما فهي لتعميم الأمكنة فجملة الأدوات الجازمة فعلين أحد عشر وهي بالنظر لاتصالها بما وعدمه ثلاثة أقسام نظمها بعضهم بقوله:
تلزم ما في حيثما وإذْما
وامْتَنَعَتْ في ما ومن ومهما
كذَاك في أنَّى وباقيها أتى
وجهان إثباتٌ وحذفٌ ثَبَتا
---
ولم يذكر المصنف منها إذا وكيف ولو لأن المشهور في إذا لا تجزم إلا في الشعر كما في شرح الكافية لكن ظاهر التسهيل أن جزمها في الشعر كثير، وفي النثر نادر. وأما كيف فقد تكون شرطاً غير جازم نحو ينفق كيف يشاء يُصَوِّركم في الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ}
(آل عمران:6)(3/73)
وجوابها في ذلك محذوف لدلالة قبله، وأجاز الكوفيون جزمها فقيل مطلقاً وقيل بشرط اقترانها بما، وأما لو فستأتي.
قوله:
(فعلين الخ)
مفعول مقدم ليقتضين، والجملة مستأنفة لا نعت لقوله اسماً، لإيهامه أن إن وإذ لا يقتضيان فعلين. وعلى هذا فمفعول قوله سابقاً واجزم بأن محذوف للعلم به من هنا أو إن فعلين مفعوله، وجملة يقتضين صفته حُذف رابطها أي يقتضينهما. وعلى هذا فجملة وحرف إذ ما معترضة بين الفعل ومفعوله.
قوله:
(شرط قدما)
مبتدأ وخبر والمسوغ التفصيل، أو خبر لمحذوف أي أحدهما شرط، وقدم صفته، وجملة يتلو الجزاء من الفعل والفاعل إما مستأنفة أو خبر ثان لشرط أو صفة ثانية له، والرابط محذوف أي يتلوه، وفي نسخ شرطاً بالنصب فهو مفعول ليقتضين على أن جملته مستأنفة لا نعت لفعلين الذي هو مفعول اجزم.
قوله:
(وسماً)
أي سمى، ونائب فاعله يعود على الجزاء وجواباً مفعوله الثاني أي أن الفعل الثاني كما يسمى جزاء لترتُّبه على الأول كالثواب المترتب على الفعل يسمى جواباً لشبهه جواب السؤال في لزومه لكلام سبقه فالتسمية بهما مجاز في الأصل ثم صارا حقيقة عرفية.
قوله:
(جملتين)
الأولى فعلين كما عبر به المصنف لأن الشرط لا يكون جملة أصلاً، وليكون فيه تنبيهٌ على أن حق الجزاء كونه فعلاً كالشرط وإن لم يكن لازماً فيه.
قوله:
(وهي المتأخرة)
---
أخذه من قوله: يتلو الجزاء فلا يجوز تقديمه على الشرط ولا أداته كما هو مذهب البصريين، وما يتقدم على الأداة من شبه الجواب فهو دليله، والجواب محذوف لا هو الجواب نفسه خلافاً للكوفيين. وكذا لا يتقدم معموله على الشرط ولا أداته، ولا معمول الشرط على الأداة لصدارتها فلا يتقدم عليها شيء من أجزاء جملتها خلافاً للكسائي فيهما.
قوله:
(وماضيين)(3/74)
مفعول ثان لتلفيهما بمعنى تجدهما، والمراد ماضيين لفظاً فقط لأن هذه الأدوات تقلب الماضي للاستقبال شرطاً، وجواباً سواء في ذلك كان وغيرها على الأصح وسواء قرن الجواب بالفاء وقد، أم لا.s وأما ما يكون فيه معنى الشرط أو الجواب، أو هما واقعان في الماضي: كـ إن كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتُهُ}
(المائدة:116)
وإِن يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَّهُ مِن قَبْلُ}
(يوسف: 77)
{وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ}
(يوسف:26)
فمؤول بأن المراد أن يتبين في المستقبل أني كنت قلته في الماضي فأنا أعلم أنك قد علمته {وإن يَسْرقُ}
(يوسف:77)
في المستقبل فأخبركم أنه قد سرق أخوه وإن يتبين قُدَّ قميصه من دبر فاعلموا أنها كذبت، وقيل الجواب في الأخيرين محذوف، والمذكور تعليل له أي أن يسرق فنتأسَّ، لأنه قد سرق إلخ وإن تبين قدّ قميصه من دبر فهو بريء لأنها كذبت، ونظيره وَإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ}
(آل عمران:184)
أي فتسل بمن قبلك.
قوله:
(على أربعة أنحاء)
---
أي أقسام والأحسن كونهما معاً مضارعين لظهور أثر العامل فيهما، ثم ماضيين للمشاكلة في عدم التأثير سواء كانا ماضيين لفظاً أو معنًى وهو المضارع المنفي بلم أو مختلفين كإن لم تقم قمت ثم كون الشرط ماضياً والجواب مضارعاً لأن فيه خروجاً من الأضعف وهو عدم التأثير إلى الأقوى وهو التأثير وأما عكسه فخصه الجمهور بالضرورة، وأجازه الفراء والمصنف اختياراً بدليل الحديث الذي في الشرح فقوله: وهو قليل أي عند المصنف والفراء والأولى في المعطوف على الشرط أو الجواب موافقته له مضياً وعدمه، ويجوز اختلافهما.
قوله:
(من يكدني إلخ)
كنت بفتح التاء خطاباً لممدوحه والشجا بفتح الشين المعجمة، والجيم ما ينشب في الحلق أي يتعلق به من عظم وغيره والوريد عرق غليظ في العنق.
قوله:
(وبعد ماض)(3/75)
أما متعلق برفع وإن كان مؤخراً لأن الأصح توسعهم في الظرف كما مر أو حال من الجزاء أي رفعك الجزاء حال كونها بعد ماض حسن، والمراد الماضي ولو معنى كإن لم تقم أقوم بالرفع، ومنه ما في حديث جبريل في تفسير الإحسان «فإن لم تكن تراه»(2) على قول الصوفية إن تراه جواب الشرط أي إن فنيت عن نفسك وشهواتها رأيته رؤية حضور ومشاهدة قلبية.
قوله:
(حسن)
---
فيه إشارة إلى أن الجزم أحسن كما في شرح الكافية، والرفع عند سيبويه على تقدير تقديمه عن الأداة إلا على الجواب المحذوف لا أنه هو الجواب فيجوز أن يفسر عاملاً فيما قبل الأداة كزيد إن أتاني أكرمْه، ويمتنع جزم المعطوف عليه لأنه مستأنف، وذهب الكوفيون والمبرد إلى أنه هوالجواب بتقدير الفاء وسيأتي أن المضارع مع الفاء يرفع وجوباً لكونه خبر مبتدأ محذوف على التحقيق فالجملة الاسمية مع الفاء في محل جزم فيجزم المعطوف على مجموعهما لا على الفعل وحده، ويمتنع التفسير لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، وقيل المرفوع نفسه جواب بلا فاء الأداة لما لم يظهر أثرها في الشرط الماضي ضعفت عن العمل في الجزاء فيمتنع العطف والتفسير معاً، ولا يرد على المبرد أن حذف الفاء مع غير القول بالضرورة لأن ذلك فيما لا يصلح لمباشرة الأداة لكون الفاء فيه واجبة والكلام الآن فيما يصلح كذا قيل، وفيه مجال للمناقشة.
قوله:
(وإن أتاه خليل)
أي فقير من الخلَّة بفتح المعجمة وهي الحاجة، والمسغبة المجاعة. ويروى يوم مسألة وحرم بفتح الحاء وكسر الراء المهملتين أي ممنوع.
قوله:
(وإن كان الشرط مضارعاً)
أي غير منفي بلم وإلا فكالماضي كما مر.
قوله:
(وجب الجزم)
أي ترجَّح بدليل ما بعده.
قوله:
(ضعيف)
---(3/76)
ظاهره كالمصنف أنه لا يختص بالضرورة شرح الكافية بدليل قراءة طلحة بن سليمان: إينما تكونوا يدرككم الموت}(2) بالرفع قال المبرد: والرفع بعد المضارع على حذف الفاء مطلقاً كما بعد الماضي، وقال سيبويه: الأرجح ذلك إذا لم يكن قبله ما يطلبه كأنك في بيت الشارح وإلا فالأولى كونه خبراً عنه دالاً على الجواب على التقديم والتأخير، ويجوز فيهما العكس وانظر لمَ فصل هنا وأطلق حذف الجواب فيما مر، ولا يأتي هنا القول الثالث فيما مر لفقد علته إذ الأداة مؤثرة في الشرط فلم تضعف عن الجزاء، وظاهر المصنف أن المرفوع يسمى جزاء فيكون موافقاً للمبرد أو سماه جزاء لدلالته عليه فيوافق سيبويه.
قوله:
(يا أقرع إلخ)
بالضم والفتح كما مر في نحو: أزيد بن سعيد.
قوله:
(وجب اقترانه بالفاء)
أي ليحصل بها الربط بين الشرط والجزاء إذ بدونها لا ربط لعدم صلوح الجواب لمباشرة الأداة وخصت الفاء بذلك لما فيها من السببية والتعقيب فتناسب الجزاء المسبب عن الشرط والعاقب له، ولا تحذف إلا في ضرورة كقوله:
410 ــــ ومَنْ لا يَزَلْ يَنْقَادُ للغَيِّ والصِّبَا
سَيُلْفَى على طولِ السلامة نَادِما(3)
وقوله:
411 ــــ من يفعل الحسناتِ الله يشكُرُها
والشَّرُّ بالشرِّ عندَ النَّاس مِثْلاَنِ(4)
أو ندور كحديث: «فإن جاء صاحبها وإلا استمتع بها»(5).
قوله:
(كالجملة الاسمية)
أورد عليه: وإن أطعتموهم إنكم لمشركون، وأجيب بأن الجملة جواب قسم مقدر قبل الشرط، وجواب الشرط محذوف لدلالتها عليه أي أشركتم ولم تذكر اللام الموطئة للقسم لتدل عليه لأن ذكرها عند حذف القسم أكيد لا واجب كما صرح به الشمني وغيره، ويكفي دالاً على القسم عدم الفاء في الجواب، وجملة ما يجب اقترانه بالفاء سبعة منظومة في قوله:
طلبيَّةٌ واسْميَّةُ وبجامدٍ
وبما وقدْ وَبِلَنْ وبالتَّنْفِيسِ
مثال الجامد إن تَرَنِي أنا أقَلَّ مالاً وَوَلَداً فَعَسَى رَبِّي}
---
(الكهف:39)(3/77)
والمقرون بقد إنْ يسرقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ}
(يوسف:77)
وبالتنفيس وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللهُ}
(التوبة:28)
وزاد في المغنى الجواب المقرون بحرف له الصدر كرب ومثلها كان نحو: أنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أو فَسَادٍ في الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً}
(المائدة:32)
، وكذا المصدر بالقسم أو بأداة شرط نحو: وإنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكَ}
(الأنعام:35)
الآية.
قوله:
(وكفعل الأمر)
مثله بقية أنواع الطلب من النهي والدعاء ولو بصيغة الخبر والاستفهام وغيره تصريح لكن إن كان الاستفهام بالهمزة وجب تقديمها على الفاء لقوة تصدرها بعراقتها في الاستفهام نحو: أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ}
(الزمر:19)
أو بغيرها أخِّر عنها كإن قام زيد فهل تكرمه أو فمن يكرمه أو فأيكم يكرمه.
قوله:
(لم يجب اقترانه بالفاء)
بل إن كان مضارعاً مجرداً أو منفياً بلا أو لم جاز اقترانه بها كما صرح به ابن الناظم قال الإسقاطي وفي الكافية والجامي ما يخالفه في الأخير، ويجب رفع المضارع مع الفاء على أنه خبر مبتدأ محذوف، والجملة الاسمية جواب الشرط على التحقيق لا أن الفعل نفسه هو الجواب وإلا كان يجب جزمه، ويحكم بزيادة الفاء مع أن العرب التزمت رفعه معها فدل عل أصالتها داخلة على مبتدأ مقدر كذا في شرح الكافية نحو: فمن يؤمن بربه فلا يخاف أي فهو لا يخاف فإن لم يكن هناك ما يعود عليه المبتدأ المقدر قدر ضمير الشأن والقصة كقراءة: إنْ تَضِلُّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ}
(الروم:36)
---(3/78)
بكسر إن ورفع تذكر مشدداً فهي أي القصة تذكر إلخ ونحو: إن قام زيد فيقوم عمرو. وإن كان ماضياً متصرفاً مجرداً من قد وما فعلى ثلاثة أضرب: فإن كان مستقبل المعنى ولم يقصد به وعد أو وعيد امتنع قرنه بالفاء كإِن قام زيد قام عمرو، أو ماضياً لفظاً ومعنًى وجبت فيه الفاء على تقدير: قد كان قميصه إلخ فإن قصد بالمستقبل وعد أو وعيد جاز قرنه بالفاء على تقدير قد إجراءً له مجرى الماضي معنى مبالغة في تحقيق وقوعه نحو: وَمَنْ جَاءَ بالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ}
(البقرة:284)
وجاز عدمه باعتبار استقباله.
قوله:
(وتخلف الفاء)
بالمد مفعول تخلف وإذا فاعله وهي مضافة إلى المفاجأة من إضافة الدال للمدلول، وهل إذا هذه حرف أو ظرف زمان أو مكان خلاف.
قوله:
(جملة اسمية)
أي غير طلبية ولا منفية ولا منسوخة فتتعين الفاء في نحو: إن قام زيد فويل، أو فما عمرو قائم أو فإن عمراً قائم وأشعر تمثيله أنه لا يربط بإذ إلا بعد إن دون غيرها من الأدوات وهو ما في نسخ من التسهيل قال أبو حيان: وقد تظافرت النصوص على الإطلاق لكن مورد السماع فيحتاج في غيرها إلى سماع، وقد سمع بعد إذا الشرطية نحو: فَإذا أصَابَ به مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ}
(الروم:48)
اهـ. وأفهم قوله نخلف منع جمعها مع الفاء لأنها خلف عنها، وأما قوله تعالى: حَتَّى إذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ}
(الأنبياء:96)
إلى قوله فإذا هي شاخصة فإذا فيه لمجرد التوكيد ومحل المنع إذا كانت للربط عوضاً عن الفاء إسقاطي.
قوله:
(والفعل من بعد إلخ)
تقدم إعراب مثله غير مرة.
قوله:
(الجزم)
أي عطفاً على الجزاء ولو جملة اسمية كما في التصريح أي لما مر عن المغني أنها مع الفاء في محل الجزم كقراءة: مَنْ يُضْلِلِ الله فَلا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ}
(الأعراف:186)
وإن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوها الفُقَرَاءَ فهو خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ}
---
(البقرة:271)(3/79)
بجزم يذرهم ونكفر وقرىء بالرفع والنصب والظاهر جواز الجزم بعد كل ما قرن بالفاء لما ذكر أما على قول الدماميني لا محل لجملة الجواب مع الفاء فلا يجزم بالعطف عليها، ويجعل الجزم في الآيتين على توهم شرط مقدر أي وإن يقع ذلك نذرهم ونكفر.
قوله:
(والرفع)
أي استئنافاً بناء على أن الفاء يستأنف بها كالواو أو عطفاً على مجموع الشرط وجوابه.
قوله:
(والنصب)
أي بإضمار أن وجوباً كما ينصب بعد الاستفهام لأن الجزاء يشبهه في عدم التحقق وهذا أضعفها فإن اقترن الفعل بثم جاء الرفع كآية: وإن يقاتلوكم يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ}
(آل عمران:111)
والجزم كآية: وإن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبدِلْ قوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا}
(محمد:38)
وامتنع النصب إذ لا مدخل فيه لثم.
قوله:
(بجزم يغفر)
أي لغير عاصم من السبعة والرفع له والنصب شاذ لابن عباس.
قوله:
(أبو قابوس)
كنية النعمان بن المنذر وملك العرب غير مصروف للعلمية والعجمة وشبهه بالربيع في الخصب وبالبلد الحرام في أمن المتلجىء إليه وذياب العيش بكسر المعجمة عقبه وأجبُّ الظهر أى مقطوعة، والسنام بالفتح ما ارتفع من ظهر البعير، والمعنى نتمسك بعده بطرف عيشٍ قليل الخير كالبعير المهزول الذي ذهب سنامه أي نبقى بعده في شدة وسوء حال.
قوله:
(وجزم أو نصب)
مبتدأ سوغه التقسيم ولفعل إما خير أو متعلق بهما على التنازع والخبر محذوف أي جائز أو هوالجملة الشرطية وأثر ظرف صفة لفعل واكتنفا بضم التاء ماض مجهول أي حوط بالجملتين ونائب فاعله إما عائد لفعل فألفه للإطلاق أو للفاء والواو للتثنية وجواب الشرط محذوف أي جاز ذلك.
قوله:
(جاز جزمه)
---(3/80)
أي بالعطف ونصبه أي لشبه الشرط بالاستفهام في عدم التحقيق، ويمتنع الرفع لامتناع الاستئناف قبل الجزاء أشموني قال الإسقاطي: وهلا جاز على الاعتراض لجواز اعتراض الجملة بين الشرط والجزاء وإن صدُرت بالفاء أو الواو كما صرح به في المغنى اهـ. وقد قرأ الجمهور قوله تعالى: ثُمَّ يُدْرِكهُ المَوْتُ}
(النساء:100)
بالجزم عطفاً على يخرج وجواب الشرط فقد وقع أجره على الله، وقرأ الحسن بالنصب، وقرأ النخعي ويحيى بن مطرف بالرفع وخرجها ابن جني على إضمار مبتدأ أي ثم هو يدركه الموت فيعطف جملة اسمية على فعلية وهي جملة الشرط المجزوم كذا في إعراب السمين.
قوله:
(إن المعنى فهم)
أني بذلك مع علمه مما قبله تفنناً للإيضاح وحاصله اشتراط الدليل على أيهما حذف.
قوله:
(حذف جواب الشرط إلخ)
أي بشرط الدليل عليه كما ذكره وأن يكون فعل الشرط ماضياً لفظاً كما مثله أو معنى وهو المضارع المنفي بلم كأَنت ظالم إن لم تفعل، ومنه وَلَئِنْ سَأَلَتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولَنَّ اللهُ}
(الزخرف:87)
لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرجُمنَّك}
(مريم:46)
فجملة ليقولن ولأرجمنك جواب القسم المدلول عليه باللام الأولى، وجواب الشرط محذوف لوجود دليله ومضيِّ شرطه، ولا يجوز حذف الجواب والشرط غير ماض إلا في الضرورة خلافاً للكوفيين، ولا يرد نحو قوله تعالى: وَإنْ تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى}
(طه:7)
وَإنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ}
(آل عمران:184)
حيث صرحوا بأن جوابه محذوف والمذكور تعليل له أي وإن تجهر فلا فائدة في الجهر لأنه يعلم السر وإن يكذبوك فتأسَّ لأنه قد كذبت مع أن شرطه غير ماض لأن محل المنع إذا لم يسد شيء في محل الجواب مسده لكن يرد نحو يُصَوِّرُكُمْ في الأرْحَامِ كيف يَشَاءُ}
(آل عمران:6)
---
حيث جعلوا كيف اسم شرط حذف جوابه لدلالة يصوركم مع أن فعله غير ماض إلا أن يخص ذلك بالشرط الجازم فتدبر.
قوله:(3/81)
(وهذا كثير)
عبارة المغنى حذف جواب الشرط واجب إن تقدم عليه أو اكتنفه ما يدل على الجواب فالأول نحو: هو ظالم إن فعل. والثاني: هو إن فعل ظالم وَإنَّا إنْ شَاءَ الله لَمُهْتَدُونَ}
(البقرة:70)
اهـ، وكذا يجب إن كان الشرط بين القسم وجوابه كما سيأتي وخرج بقوله إن تقدَّم عليه إلخ ما إذا أشعر الشرط نفسه بالجواب نحو: فإنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقاً}
(الأنعام:35)
إلخ أي فافعل أو وقع جواباً نحو إن جاء في جواب: أتكرم زيداً فإن الحذف فيهما جائز لا واجب.
قوله:
(فقليل)
أي إذا حذفت جملة الشرط كلها كقوله:
412 ــــ متى تُؤْخَذُوا قسراً بِظِنَّةِ عَامِرٍ
أي متى تثقفوا تؤخذوا أما إذا بقي منها بقية كلا النافية في بيت الشارح ونحو: إنْ خير فخير فكثير فجعل الشرح البيت من القليل ليس على ما ينبغي، ومن الكثير أيضاً بل الواجب حذف فعل الشرط وإبقاء مفسره في نحو: وَإنْ أَحَدٌ مِنَ المُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}
(التوبة:6)
لكن بشرط مضيِّ الفعل مع إن خاصة فالحذف والتفسير مع غيرهما خاص بالضرورة كقوله:
413 ــــ أَيْنَمَا الرِّيح تُمَيِّلْها تَمِلْ
وقوله: 414 ــــ ولديكَ إنْ هو يَسْتَزِدْكَ مَزيدُ
قوله:
(مفرقك)
كمقعد ومجلس وسط الرأس الذي يفرق فيه الشعر.
قوله:
(وجواب الشرط إلخ)
أي يستدل على كون المذكور جواباً للشرط أو للقسم بهذه العلامات.
قوله:
(باللام والنون)
أي بهما معاً وجوباً عند البصريين فإن خلا منهما قدر فيه النفي كما مر في نون التوكيد.
قوله:
(باللام وقد)
أي غالباً وقد يجرد لفظاً منهما معاً أو أحدهما فيقدران فيه كـ قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ}
(البروج:4)
---
فإنه جواب القسم في أول السورة حذفت منه اللام، وقد للطول كما في المغنى وهذا في الماضي المثبت المتصرف أما للنفي فسيأتي، وأما الجامد فيقترن باللام فقط نحو: والله لعسى زيد أن يقوم أو لنعم رجلاً زيداً لا لبس فلا تقترن بشيء كوالله ليس زيد قائم، فتأمل.(3/82)
قوله:
(فبأن واللام إلخ)
الأكثر اجتماعهما وندر تجردها منهما كقول أبي بكر في تشاجر بينه وبين عمر: والله أنا كنت أظلم منه. إلا أن استطال القسم فيحسن التجرد كما نقله الدماميني عن المصنف كقول ابن مسعود: والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
قوله:
(نفي بما إلخ)
أي وجرد من اللام وجوباً سواء كان الفعل مضارعا كما مثله، أو ماضياً كآية: وَلَئِنْ زَالتَا إنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ}
(فاطر:41)
أي ما أمسكهما ونحو: والله ما قام زيد أولا قام، وشذ النفي بلم أو لن كما شذَّ اقتران المنفي باللام.
قوله:
(والاسمية كذلك)
أي تنفى بما أو لا أو أن، وتجرد من اللام وما مر كله في القسم غير الاستعطافي أما هو فجوابه جملة إنشائية كقوله:
415 ــــ بِرَبِّكَ هَلْ ضَمَمْتَ إليكَ لَيْلَى
قُبَيْلَ الصُّبْحِ أو قَبَّلْتَ فَاهَا
وقوله:
416 ــــ بعَيْنَيْكِ يا سَلمى ارْحَمِي ذا صَبَابةٍ
ولا يجاب بالإنشاء قَسَمٌ غَيْرهُ.
قوله:
(فإذا اجتمع شرط وقسم)
أي ولو كان القسم مقدراً كما مر في: وَإنْ أَطَعْتُمُوهُم إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ}
(الأنعام:121)
.
قوله:
(حذف جواب المتأخر منهما)
يستثنى الشرط الامتناعي كلو ولولا فيتعين الاستغناء بجوابه عن جواب القسم وإن تأخر خلافاً لابن عصفور كقوله:
417 ــــ وَاللهِ لَوْلا الله ما اهْتَدَيْنَا
قال الدماميني: والحق أن لولا وجوابها جواب القسم، ولم يغنِ شيء عن شيء وهو مقتضى كلام التسهيل في باب القسم.
تنبيه:
---
إذا تأخر القسم مقروناً بالفاء وجب جعل الجواب له، وجملة القسم جواب الشرط كإن قام زيد فوالله لأضربنه وأجاز ابن السراج جعل القسم المتأخر جواب الشرط ولو بلا فاء على تقديرها وهو ضعيف لأن حذفها خاص بالضرورة أشموني.
قوله:
(وقبل)
بالضم خبر مقدم عن ذو خبر أي ما يطلب خبراً من مبتدأ أو ناسخ.
قوله:
(وقد جاء قليلاً إلخ)(3/83)
هذا مذهب الفراء كما في حواشي البيضاوي، ومنعه الجمهور وحملوا البيت على الضرورة أو أن اللام زائدة لا موطئة وانظر لِمَ لَمْ يجعل الشرط وجوابه جواب القسم كما مر في: لولا الله إلخ.
قوله:
(لئن منيت)
أي ابتليت وغِبُّ الشيء بكسر الغين المعجمة عاقبته، وخص غب المعركة لأنه مظنة الضعف والفتور بسبب ما كانوا فيه من القتال تنبيهاً على شدة شجاعتهم وعدم إهمالهم العدوّ في أي حالة، وننتفل بالفاء لا بالقاف أن نتبرأ وننفصل.
قوله:
(فلام لئن موطئة إلخ)
هو من قولهم: موضع وطيءٌ أي يسهل المشيء فيه فكأنها وطأت طريق القسم أي سهلت على السامع تفهم الجواب، وعرفوها بأنها اللام الداخلة عل أداة الشرط مطلقاً بعد قسم لفظي، أو مقدر لتؤذن بأن الجواب له لا للشرط، والغالب دخولها على أن وهي غير لام الجواب، ومن أطلق على هذه موطئة فقد تسمَّح وقال الزمخشري وغيره: لا يجب دخول الموطئة على الشرط وعلى هذا فهل يشترط دخولها على ما يشبهه كما الموصولة في آية: لَمَا آتيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ}
(آل عمران:81)
أولا كما الزائدة في آية: وإنَّ كُلاًّ لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ}
(هود:111)
ظاهر المغنى الأول كذا في حواشي البيضاوي.
قوله:
(بإثبات الياء)
واحتمال أنه جواب القسم حذفت ياؤه للضرورة بعيد؛ والله أعلم.
- فصل لو -
قوله:
(استعمالين)
---
زاد غيره أربعة: العرض نحو: لو تنزل عندنا فتصيب خيراً، والتحضيض: لو تأمر فتطاع، والتقليل «تصدقوا ولو بظلف محرق» ذكره ابن هشام اللخمي فهي حينئذٍ حرف تقليل لا جواب له كالأولين لكن نظر فيه الدماميني بأن كل ما أورد شاهد على التقليل تصلح فيه شرطية بمعنى إن حذف جوابها، والتقليل مستفاد من المقام أي وإن كان التصدق بظلف فلا تتركوه. الرابع: التمني نحو: لو تَأتينا فتحدثنا بالنصب قيل ومنه لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً}
(البقرة:167)(3/84)
أي رجعة إلى الدنيا ولذا نصب فنكون في جوابها لكن يحتمل أنه نصب لعطفه على الاسم الخالص وهو كرة ومذهب المصنف أن لو هذه هي المصدر به أغنت عن فعل التمني والأصل: وددت لو تأتيني إلخ فحذف وددت لإشعار لو به لكثرة مصاحبتها له فأشهدت ليت في الإشعار بالتمني فنصب جوابها كليت وإنما دخلت على أن المصدرية مع أن الحرف المصدري لا يدخل على مثله لأن التقدير لو ثبت أن لنا كرة فصلة لو محذوفة، وإن صلتها فاعل به فإن قلت: لو كانت هي المصدرية لوجب أن يطلبها عامل مثلها ولا عامل هنا قلت الظاهر أنها مفعول لفعل التمني الذي نابت عنه، والتقدير وددت إتيانك فتحديثك ووددنا ثبوت كرة لنا فنكون وقال غير المصنف هي لو الشرطية أشربت معنى التمني أي فلا بد لها من جزاء كالشرط ولو مقدراً وقيل هي قسم برأسها فلا جزاء لها كما هي على قول المصنف ولا تسبك بمصدر بخلافها على قوله وعلى كل الأقوال قد يجيء لها جواب بمنصوب كليت، وقد لا يجيء.u
قوله:
(مصدرية)
أي فترادف أن معنًى وسبكاً في إبقاء الماضي بعدها على مضيه، وتخليص المضارع للاستقبال إلا أنها لا تنصب ولا بد أن يطلبها عامل كأن تكون فاعلاً كقولها ما كان ضرك لو مننت أي منّك أو مفعولاً نحو: يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَو يُعَمّرُ}
(البقرة:96)
أو خبراً كقول الأعشى:
418 ــــ وربَّما فاتَ قَوْماً جُلّ أمْرِهِم
مِنَ التأنِّي وكان الحزم لو عجلوا
---
والظاهر أنها لا تقع مبتدأ بخلاف أن وأكثر وقوعها بعد نحو ود وأحب وأكثرهم لم يثبت ورودها مصدرية بل هي في ذلك شرطية حذف جوابها مع مفعول يود أي يود أحدهم التعمير لو يعمر لسره وفيه تكلف لا يخفى ويشهد لثبتها وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فيُدْهِنُوا}
(القلم:9)
بنصب يدهنوا عطفاً على تدهن لأن معناه أن تدهن فهو من العطف على معنى، وقيل نصب في جواب ودُّوا لإشعاره بالتمني وفيه أن الجواب لا يكون إلا للإنشاء بالاستقراء وردوا خبر عن تمنّ حصل منهم فتأمل.
قوله:
(في مضي)(3/85)
متعلق بشرط باعتبار تضمنه معنى الحصول إذ المراد به التعليق أي حرف لتعليق حصول مضمون الجزاء على حصول مضمون الشرط في الماضي فهو ظرف للحصولين، وكذا للتعليق النفساني لوجوب سبقه عليهما وأما التعليق بمعنى الإخبار بأن الجواب كان مربوطاً بالشرط ومعلقاً عليه في النفوس فهو حالي أي حال النطق بلولا في الماضي أفاده سم.
قوله:
(حرف لما كان سيقع)
---
وهو الجواب لوقوع أي عند وقوع غيره وهو الشرط أي لما كان في الماضي متوقع الوقوع عند وقوع غيره لكنه لم يقع لعدم وقوع الغير فالإتيان بكان للاحتراز عن إن فإنها لما يقع في المستقبل ومثلها إذا لكنها ليست حرفاً، والإتيان بالفعل المستقبل للاحتراز عن لما الوجودية فإنها لما وقع في الماضي لوقوع غيره وبالسين الدالة على التوقع للدلالة على أنه لم يقع الآن لضرورة توقعه كما لم يقع في الماضي فهي مصرحة بأن الجواب لم يكن وقع، ولا هو واقع الآن فمعنى عبارته أن لو تدل مطابقة على الثاني كان يحصل في الماضي عند حصول الأول، وتدل التزاماً على امتناع وقوع الثاني لأجل امتناع وقوع الأول لأن عدم اللازم يوجب عدم الملزوم في الدماميني ومنه يعلم أن عبارة سيبويه مساوية لعبارة من قال: حرف امتناع لامتناع كما نقله الشمني عن البدر بن مالك وإن أوهم صنيع الشرح خلافه وفي الهمع عن أبي حيان أن سيبويه نظر إلى منطوق لو وغيره إلى المفهوم اهـ صبان وقول الدماميني: لأن عدم اللازم إلخ فيه نظر لأن الأول ليس لازما للثاني بل ملزوم له، وسبب كما هو مقتضى أول عبارته حيث جعل الثاني كان يحصل حصول الأول فالأول ملزوم لا لازم، وامتناع الملزوم لا يوجب امتناع اللازم كما سيأتي وعبارة سيبويه إنما تفيد أنَّ لو تدل التزاماً على امتناع الثاني من حيث ربطه بالأول الممتنع بمقتضاها من حيث أن الأول لازم لأن اللازم هوالثاني لا الأول فتأمل.
قوله:
(حرف امتناع لامتناع)
---(3/86)
أي يفيد امتناع الجزاء لامتناع الشرط، وهذه عبارة الجمهور وظاهرها فاسد لاقتضائها كون الجواب ممتنعاً في كل موضع، وليس كذلك لأن الشرط سبب وملزوم والجواب مسبب ولازم، وانتفاء السبب والملزوم لا يوجب انتفاء المسبب، واللازم لجواز تعدد الأسباب فيوجد لسبب آخر وكذا يرد على مفهوم عبارة سيبويه المارة ولهذا قال في شرح الكافية العبارة الجيدة في لو أن يقال: حرف يدل على امتناع تال يلزم لثبوته ثبوت تاليه أي في الماضي فمجيء زيد محكوم بانتفائه بمقتضى لو، وبكونه يستلزم ثبوته ثبوت إكرامه في الماضي وهل هناك حينئذ إكرام آخر غير اللازم عن المجيء أولاً، لا يتعرض لذلك بل الأكثر امتناع الأول، والثاني معا اهـ إلا أن تؤول عبارة القوم وسيبويه بأن المراد فيهما أنها تدل على امتناع الجواب الناشىء عن فقد السبب، وهو الشرط لا على امتناعه مطلقاً أي أن جوابها ممتنع من حيث امتناع المعلق عليه، وقد يكون ثابتاً لسبب غيره لا أنه يستدل بامتناع الأول على امتناع الثاني حتى يرد عليه ما ذكروا الحاصل لو تدل مطابقة على أنه كان يلزم من حصول شرطها حصول الجواب، ويلزمه انتفاء شرطها أبداً إذ لو كان حاصلاً لكان الجواب كذلك، ولم تكن للتعليق في الماضي بل للإيجاب فيه مثل لما لأن الثابت الحاصل لا يعلق وأما جوابها فلا يلزم امتناعه مطلقاً بل إذا لم يكن له سبب غير الشرط وهو الأكثر نحو: وَلَو شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا}
(الأعراف:176)
وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمعِينَ}
(النحل:9)
---(3/87)
فانتفاء الرفع، وهداية الجميع لا من ذات لو بل لأنه لا سبب لهما غير المشيئة المنفية بمقتضى لو وكذا لو كانت الشمس طالعة كان النهار موجوداً أما إذا كان له سبب غير الشرط فلا يلزم نفيه بل قد لا تدل على نفيه ولا ثبوته كلو كانت الشمس طالعة كان الضوء موجوداً لاحتمال وجوده من غير الشمس كالسراج ونفيه أصلاً وقد تدل على ثبوته قطعاً في جميع الأزمنة وذلك كما في المطول إذا كان الشرط مما يستبعد استلزامه ذلك الجزاء، ونقيضه أليق فيلزم استمرار الجزاء مع وجود الشرط وعدمه لربطه بأبعد النقيضين سواء اختلفا نفياً وإثباتاً كآية: وَلَوْ أنَّ ما فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقْلامٌ}
(لقمان:17)
إلخ، ونحو لو لم تكرمني لأثنيت عليك، أو كانا مثبتين كلو أهنتني لأثنيت عليك أو منفيين كقول عمر: «نعم العبد صهيب لو لم يخف الله لم يعصه»، فقد دللت فيه على أنه كان يلزم من حصول عدم الخوف في الماضي عدم المعصية لأن المتكلم فرض عدم الخوف، وجعله سبباً لذلك لتحققه مع ما يقتضي عدم العصيان كالمحبة أو الإجلال وإذا امتنع الشرط وهو عدم الخوف بمقتضى لو ثبت نقيضه وهو الخوف وهو أنسب وأليق باقتضاء عدم المعصية من الشرط نفسه فإذا يثبت عدم العصيان مطلقاً لأنه مع الخوف أولى، وأحق منه مع عدمه فتلخص أن لو قد ترد للاستمرار وهو ما ذكر، وقد ترد للترتيب الخارجي أي الدلالة على امتناع الثاني لامتناع الأول: كـ لَوْ شاءَ لَهَدَاكُمْ}
(الأنعام:149)
وقد ترد للاستدلال العقلي أي الدلالة على امتناع الأول لامتناع الثاني عكس ما قبله كـ لو كَانَ فِيهِما آلِهَةٌ}
(الأنبياء:22)
إلخ فتفهم ذلك والله أعلم.
قوله:
(والأولى أصح)
قد علمت ما فيه.
قوله:
(ما هو مستقبل المعنى)
أي فترادف أن الشرطية في التعليق إلا أنها لا تجزم على المختار فما بعدها إن كان ماضي اللفظ صرفته للمستقبل كما مثله، أو مضارعا خلصته للاستقبال كقوله:
419 ــــ ولو تَلْتَقي أصداؤُنا بعد موتِنا
---(3/88)
ومِنْ دونِ رَمْسَينا مِنَ الأَرْضِ سَبْسَبُ
لظلَّ صَدَى صَوتي وإن كنتُ رِمَّةً
لصوتِ صَدَى ليلى يهشُّ ويَطْرَبُ(2)
أي وإن نلتقي، والرمس القبر، والسبسب كجعفر المفازة الواسعة، والرمة العظام البالية، ويهش أي يرتاح، وقيل لا تجيء للمستقبل أصلاً وما ورد من ذلك مؤولاً بالماضي، والحق أن ذلك وإن أمكن في الآية يجعل المعنى: لو علموا فيما مضى أنهم يتركون ذرية ضعافاً خافوا لا يمكن في جميع ما ورد كهذين البيتين، ونحو: وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ}
(التوبة:33، الصف:9)
وَلو أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الخَبِيثِ}
(المائدة:100)
إلى غير ذلك مما هو كثير.
قوله:
(لو تركوا)
أي قاربوا أن يتركوا لأن الخطاب للأوصياء على الأطفال بحثِّهم على نصحهم والخوف الذي هو مضمون الجزاء إنما يقع قبل الترك لأنهم بعده أموات.
قوله:
(ولو أن ليلى إلخ)
سلمت خبر أن والواو في: ودوني حالية، والجندل الحجارة، والصفائح الحجارة العراض التي تكون على القبور وزقا بالزاي والقاف أي صاح، والظاهر أن أو عاطفة إما على أصلها أو بمعنى الواو وجعلها بمعنى إلى أن تكلُّفٌ، والصدى كالفتى ما تسمعه مثل صوتك في الخلاء والجبال ومن اللطائف ما حكي عن مجنون ليلي أنه لما مات وتزوّجت برجل من أقربائها مر بها على قبره فقال لها هذا قبر الكذاب فقالت: حاش الله أنه لم يكذب فقال: أليس هوالقائل: ولو أن ليلى إلخ فاستأذنته في السلام عليه فأذن لها فقالت: السلام عليك يا قتيل الغرام وحليف الوجد والهيام ففر الصدى من القبر فسقطت ميتة، ودفنت عنده فطلع من قبرهما شجرتان يلتف بعضهما على بعض فسبحان من حارت الأفكار في عظيم قدرته اهـ سندوبي.
قوله:
(وهي)
أي لو المذكورة في كلامه وهي الشرطية بقسميها، ومثلها المصدرية كما في التوضيح وشرحه ويظهر أن بقية أقسامها كذلك بل يتعين.
قوله:
(في الاختصاص)
---
متعلق بمتعلق الكاف أو بالكاف نفسها لما فيها من معنى التشبيه.
قوله:
(لكن لو إلخ)(3/89)
لو اسم لكن، وإن مبتدأ خبره وقد تقترن، والجملة خبر لكن، وقد للتحقيق لا للتقليل لكثرة ذلك فيها كما في التوضيح.
قوله:
(فلا تدخل على الاسم)
محله إذا لم يكن معمولاً لمحذوف يفسره ما بعده وإلا دخلت عليه قليلاً كقوله:
420 ــــ أَخِلاَّيَ لَوْ غَيْرُ الحِمَامِ أصابَكم
عَتِبْتُ وَلكنْ ما عَلَى الدَّهرِ مَعْتَبُ
أي لو أصابكم غير الحمام كما يحكى عن سيدنا عمر حين أراد الرجوع عن الشام لما بلغه أن بها طاعوناً فقال له أبو عبيدة: أفراراً من قدر الله؟ فقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة، نعم نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله، أي لو قالها غيرك، والجواب محذوف أي لانتقمت منه، وكقول حاتم لما لطمته الجارية وهو أسير: لو ذات سوار لطمتني أي لو لطمتني حرة لهان عليّ لأن الإماء عندهم لا يلبسون السوار، ولا يختص ذلك بالضرورة والندور خلافاً لابن عصفور لقوله تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي}
(الإسراء:100)
أي لو تملكون تملكون فحذف الفعل الأول اكتفاء بمفسره فانفصل الضمير ومنه: «التمس ولو خاتماً من حديد» أي ولو كان الملتمَس خاتماً، وأما قوله:
421 ــــ لو بِغَيْر المَاءِ حَلْقِي شَرِقٌ
كنتُ كالغَصانِ بالماءِ اعْتِصَاري
أي نجاتي فقيل على ظاهره، وإن الجملة الاسمية وليتها شذوذاً، وجعله ابن خروف على إضمار كان الشأنية وقال السيرافي هو من الأول فحلقي فاعل بمحذوف يفسره شرق أي لو شرق حلقي هو شرق فحذف الفعل أولاً، ثم الضمير المبتدأ فهي مختصة بالفعل لفظاً أو تقديراً.
قوله:
(فاعل بفعل محذوف)
---
أي كما هي كذلك بعد ما المصدرية اتفاقاً نحو: لا أكلمه ما أن في السماء أي ما ثبت أن إلخ ويرجحه أن فيه إبقاء لو على اختصاصها بالفعل وأوجب الزمخشري كون خبر إن حينئذٍ فعلاً ليكون عوضاً عن المحذوف مع أن وقوعه اسماً شائع جامداً كان كآية وَلَوْ أنَّ ما فِي الأرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أقلامٌ}
(لقمان:27)(3/90)
أو مشتقاً كقول لبيد:
422 ــــ لو أنَّ حيّاً مُدْرِكُ الفَلاحِ
أدْرَكَهُ مُلاعِبُ الرِّماحِ
ومثله كثير.
قوله:
(وهذا مذهب سيبويه)
ظاهره رجوع الإشارة إلى كل من الابتداء وتقدير الخبر وهو خلاف ما في التوضيح وغيره من أن مذهبه كون أو وصلتها مبتدأ لا يحتاج الخبر لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه ولعله قول ثان له.
قوله:
(أن لو هذه)
أي الشرطية بقسميها الامتناعية، والتي بمعنى أن واحترز بالغالب عن الثانية لأن التي تصرف المضارع إلى الماضي هي الامتناعية فقط كما مر.
قوله:
(رهبان مدين)
بلدة بساحل بحر الطور، وجملة يبكون حال من هاء عهدتهم، وعزة اسم محبوبته، وصرح باسمها تلذذاً وتصحيحاً للوزن وإلا فحقها الإضمار كسابقة.
قوله:
(ولا بُدَّ للو هذه)
أي الشرطية بقسميها فخرج الزائدة لمجرد الوصل فلا تحتاج لجواب كزيد ولو كثر ماله بخيل كما مر في أن الوصلية، والجواب إما مذكور أو محذوف لدليل نحو: وَلَوْ أنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الجِبَالُ}
(الرعد:31)
لخ تقديره والله أعلم: ما نفعهم وكقول عمر وحاتم المارين.
قوله:
(منفي بلم)
---
أي لا بغيرها لأنه يشترط في جوابها المضي لفظاً أو معنًى وهو هذا، والماضي إما مثبت أو منفي بخصوص ما ولا يجوز أن تجاب بغير الثلاثة، وأما قوله عليه الصلاة والسلام: «لو كان لي مثل أحد ذهباً ما يسرني أن لا يمر عليَّ ثلاثة وعندي منه شيءْ»(2) فهو على حذف كان أي ما كان يسرني فلا يراد أن المضارع المنفي بما مستقبل لفظاً ومعنًى، والظاهر أن لا في: أن لا يمر زائدة للتوكيد على حد: لئلا يعلم أهل الكتاب أي لأن يعلم قيل، وقد تجاب بجملة اسمية للدلالة على استمرار الجزاء نحو: وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا واتَّقَوْا لمَثُوبَةٌ}
(البقرة:103)(3/91)
إلخ لأن بين الاسم والماضي تشابهاً من حيث قبول اللام، والأصح أن جملة لمثوبة إلخ مستأنفة فاللام للابتداء أو في جواب قسم مقدر لا في جواب لو بل هي في الوجهين للتمني لا تحتاج لجواب كما في التوضيح والتمني على سبيل الحكاية أي أنهم بحال يتمنى العارف بها إيمانهم تلهفاً عليهم، ويحتمل أنها شرطية حذف جوابها أي لأثيبوا.
قوله:
(مثبتاً)
أي ماضياً مثبتاً.
قوله:
(منفياً بلم)
أي مضارعاً منفياً بلم.
قوله:
(لم تصحبه اللام)
أي لأنها لا تصحب منفياً بغير ما، كما في التصريح لما يلزم فيه من ثقل اجتماع اللامين لابتداء غالب أدوات النفي باللام والله أعلم.
- أمّا ولولا ولوما -
قوله:
(أما كمهما إلخ)
المراد أنها نائبة عنهما وقائمة مقامهما كما في الشارح لا أنها بمعناهما جميعاً لأنها حرف فكيف تكون بمعنى اسم وفعل.
قوله:
(وفا إلخ)
---
كالاستدراك على ما قبله لما ستعرفه، وفا مبتدأ خبره جملة ألف، وألفه للإطلاق، ووجوباً حال من ضمير ألف الراجع للفاء، ولتلوِّ مفعوله إن بني للفاعل بزيادة اللام للتقوية وإلا تعلق بمحذوف حال من نائب فاعله أي ألف الفاء حال كونه مصاحباً لتالي تاليها وعلى هذا الإعراب فلا مسوغ للابتداء بفا لا أن تجعل الجملة حالاً لازمة من أما فيسوغ على حد:
423 ــــ سَرَيْنَا ونجمٌ قَدْ أضاءَ
ويمكن جعل قوله: لتلو صفة لفا فيسوغها أي وفا مصاحبة لتلوِّ تلوِّها ألف وجوباً فتأمل.
قوله:
(أما حرف تفصيل)(3/92)
أي غالباً لا دائماً على المختار ومن غير الغالب أما زيد فمنطلق ومن التزم فيه التفصيل فقد تكلف بتقدير القسم الآخر، ومجمل يشملهما لكن قال الموضح في الحواشي: الحق أن ذلك لا يقال إلا عند التردد في شخصين نسباً أو أحدهما إلى الانطلاق فتقول: أما زيد فمنطلق أي وأما غيره فلا فهي على هذا للتفصيل اهـ تصريح والحق أن ذلك لا يتأتَّى في كل المواضع إذ التزامه في نحو: أما بعد فأقول كذا لا يخفى تعسفه بتقدير المجمل والمقابل كان يقال: الازمان مختلفة أما بعد كذا فأقول وأما قبلها فلا ونقل حفيد العصام عن الزمخشري أن التفصيل إما لمجمل سابق، أو لمتعدد في الذهن يختار المتكلم منه ما يهمه، ويترك ما عداه ومنه: أما بعد فلا تقدير على هذا إلا أنه مخالف لأكثر النحاة اهـ. وإذا كانت للتفصيل فأما إن تكرر مع كل الأقسام كـ أمّا السفينة}
(الكهف:79)
وأمَّا الغُلامُ}
(الكهف:80)
إلخ أو يستغنى عن أحد القسمين بالآخر نحو: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بالله واعْتَصَمُوا به}
(النساء:175)
إلخ أي وأما غيرهم فبضد ذلك أو بكلام يذكر في موضعه نحو: فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}
(آل عمران:7)
إلخ أي وأما الذين آمنوا فيكلون علمه إلى ربهم بدليل والرَّاسِخُونَ في العِلْمِ}
(آل عمران:7)
إلخ.
قوله:
(مقام أداة الشرط)
---
أي دائماً فلا تفارقه كالتوكيد، ولذا قال الموضح: هي حرف شرط وتوكيد دائماً، وتفصيل غالباً وصريح الشارح أنها غير موضوعة للشرط بل نائبة عنه ومتضمنة معناه وهو ما صرح به غير واحد والدليل على شرطيتها لزوم الفاء بعدها، ولا تصلح للعطف إذ لا يعطف المبتدأ على خبره في نحو ما مر ولا الفعل على مفعوله في نحو: فأَمَّا اليَتِيمَ فلا تَقْهَرْ}
(الضحى:9)(3/93)
وهكذا ولا للزيادة لعدم الاستغناء عنها فتعينت للجزاء وكونها زائدة لازمة كالباء في أفعل به باطل لأن اللزوم لغير مقتض ينافي الزيادة بخلاف اللزوم في أفعل به فلرفع قبح إسناد صورة الأمر إلى الظاهر فإن قيل: لو كانت للشرط لتوقف جوابها على شرطها مع أنك تقول: إما علما فعالم ولا شك أنه عالم ذكرت العلم أم لا أجيب بأنه من إقامة السبب مقام المسبب أي مهما تذكر العلم فأنت محق لأنه عالم، ومثله كثير وأما كونها للتوكيد فقل من ذكره وقد أحكم الزمخشري شرحه بما حاصله أن جوابها لما كان معلقاً على المحقق، وهو وجود شيء في الدنيا بدليل تقديرها بمهما يكن من شيء أفادت تحققه ووقوعه لا محالة إذ ما دامت الدنيا لا تخلو عن وجود شيء فلا تذكر إلا عند قصد التحقيق.
قوله:
(ولهذا فسرها سيبويه إلخ)
قد يقال: هذا التفسير لا يدل إلا على نيابتها عن الأداة فقط، والفعل محذوف بعدها وإنما ذكره في التفسير لبيان ذلك المحذوف، ويؤيد ذلك المحذوف، ويؤيد ذلك قول ابن الحاجب أنهم التزموا حذف الفعل بعد أما، وأن يقع بينها وبين جوابها ما هو كالعوض من الفعل المحذوف، والصحيح أنه جزء من الجملة الواقعة بعد الفاء قدم عليها لقصد العوضية وكراهة تلو الفاء أما اهـ صبان.
قوله:
(فلذلك لزمتها الفاء)
---(3/94)
أي لكون المذكور بعدها جواب الشرط الذي نابت عنه لزمتها الفاء التي تدخل الجواب قضاء بحق ما حذف، وإبقاء لأثره في الجملة فلزوم الفاء إنما هو لنيابتها عن الأداة فقط لا عن فعل الشرط كما يقع في بعض العبارات لأنها لم تنب عنه كما مر ولو سلم فالفاء ليست له بل لنفس الأداة لأنها هي العاملة في الجواب على المختار فإن قلت الفاء لا تلزم في جواب الشرط إلا إذا لم يصلح لمباشرة الأداة كما مر فلمَ لزمت أما مطلقاً؟ أجيب بأنه لما كانت شرطيتها خفية لكونها بطريق النيابة جعل لزوم الفاء قرينة شرطيتها وقال الرضي: لأنها لما حذف شرطها فلم تعمل فيه قبح عملها في الجزاء فلزمتها الفاء، وامتنع جزمه ولو مضارعاً.
قوله:
(والأصل مهما إلخ)
فمهما اسم شرط مبتدأ وفي خبره الخلاف السابق ويكن إما تامة ففاعلها ضمير مهما أو ناقصة فهو اسمها وخبرها محذوف أي موجوداً ومن شيء بيان لمهما للتعميم ودفع إرادة نوع بعينه، وقيل من زائدة، وشيء فاعل يكن، وحينئذ فرابط جملة الخبر بالمبتدأ إعادته بمعناه لأن مهما معناه شيء وإنما خص الجمهور ومهما بالتقدير لعدم مناسبة غيرها لأن أن للشك والشرط هنا محقق وأياً تستدعي زيادة المقدر للزومها الإضافة وغيرهما خاص بقبيل كالزمان في متى، والعاقل في من وغيره في ما والمراد هنا التعميم، ووجود شيء ما لكن هذا إنما يتم على القول بأن مهما أعم من ما لا على أنها بمعناها. وحكى المصرح عن بعضهم تقديرها بأن، لأنها أم الباب أي إن أردت معرفة حال زيد فهو ذاهب فحذفت أن وشرطها وأُنيبت أمّا منابهما.
قوله:
(ثم أخرت الفاء)
أي إصلاحاً للفظ لكراهته تلو الفاء وإما ولوجود صورة عاطف بلا معطوف عليه فزحلقوا الفاء عن موضعها وفصلوا بينهما بجزء من الجواب. وذلك واحد من ستة إما بالمبتدأ كمثال الشارح، أو بالخبر كأما في الدار فزيد، أو باسم منصوب بما بعد الفاء لفظاً فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ}
---
(الضحى:9)(3/95)
أو محلاً وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}
(الضحى:11)
أو بمنصوب بمحذوف يفسره ما بعد الفاء وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ}
(فصلت:17)
على نصب ثمود ويجب تقدير عامله بعد الفاء لئلا يكثر الفاصل بينها وبين أما، أو بظرف كأما اليوم فاضرب زيداً، والمختار عند المصنف أنه معمول للجواب لا لفعل الشرط المحذوف ولا لإما النائبة عنه ليكون المعلق عليه مطلقاً فيكون أبلغ في تحقق الجواب، ولا يعمل ما بعد فاء الجزاء فيما قبلها إلا مع أما لكونها مزحلقة عن مكانها كما مر. السادس: بجملة الشرط دون جوابه فَأَمَّا إنْ كَانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ}
(الواقعة:88)
أي فجزاؤه روح(2) فحذف جواب الشرط استغناء عنه بجواب أما لا العكس لئلا يجحف بها، ولأن قاعدة اجتماع شرطين بعدهما جواب واحد أنه لأسبقهما فالفصل إما باسم واحد منه الموصول مع صلته، أو بما هو في حكمه كجملة الشرط لا بأكثر إلا بالجملة الدعائية إن تقدمها فاصل كأما اليوم رحمك الله فالأمر كذا.Y اهـ أشموني. والظاهر أن مثلها الجملة الاعتراضية كما سيأتي عن الهمع في آية فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ}
(آل عمران:106)
.
قوله:
(فأما القتال الخ)
مبتدأ خبره جملة: لا قتال لديكم، والرابط إعادة المبتدأ بلفظه، والشاهد فيه حذف الفاء مع عدم قول محذوف للضرورة. وقد يقال: يصح تقدير القول أي فأقول: لا قتال لديكم، والرابط حينئذٍ ما مر، أو محذوف أي فيه أي في شأنه ولا شك في صحة الإخبار والمعنى حينئذٍ خلافاً لمن منعه. وقوله سيراً اسم لكن، وخبرها محذوف أي ولكن سيراً لديكم أو هو مصدر لمحذوف واسم لكن محذوف أي ولكنكم تسيرون سيراً أو عراض المواكب بكسر العين المهملة، وبالضاد المعجمة شقها وناحيتها.
قوله:
(لكثرة عند حذف القول معها)
---(3/96)
ظاهرة تبعاً لمفهوم المتن أن حذفها حنيئذٍ كثير فيفيد جواز إبقائها مع حذف القول على قلة، وهو ظاهر الهمع، وصرح الأشموني كالتوضيح بوجوب حذفها مع القول استغناءً عنهما بالمقول، وحكى في الهمع قولاً بمنع حذفها ولو مع القول إلا للضرورة. وإن الجواب في الآية فَذُوقُوا}
(الأنعام:30)
والأصل، فيقال لهم: ذوقوا فحذف القول، وانتقلت الفاء للمقول، وما بين الموصول والفاء اعتراض فتلخص في حذف الفاء مع القول ثلاثة أقوال.
قوله:
(ما بال رجال)
الأولى: في هذا عدم تخريجه على القليل لجواز تقديره فأقول: ما بال الخ. وأظهر منه قول عائشة أما الذين جمعوا بين الحج والعمرة طافوا طوافاً واحداً فإنه إخبار بشيء مضى لا يصح فيه تقدير القول.
قوله:
(إذا امتناعاً)
مفعول لعقد أي ربطاً امتناعاً لشيء بوجود غيره.
قوله:
(إلا على المبتدأ)
أي ولو ضميراً متصلاً كلولاه ولولاك فإنها وإن كانت في ذلك حرف جر لا يتعلق بشيء عند سيبويه لكن مجرورها في محل رفع بالابتداء وخبره محذوف وجوباً.
قوله:
(من جواب)
أي كجواب لو في شروطه المارة، وقد يحذف لدليل نحو وَلَوْلا فَضْلُ الله عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ الله تَوَّابٌ حَكِيمٌ}
(النور:10)
أي لهلكتم.
قوله:
(غالباً)
من غيره في المثبت:
424 ــــ لَوْلا زُهَيْرٌ جَفَانِي كُنْتُ مُعْتَذِراً
وفي المنفي بما قوله:
425 ــــ لَوْلاَ رَجَاءُ لِقَاءِ الظَّاعِنِينَ لَمَا
أَبْقَتْ نَوَاهُم لَنَا رُوحاً ولا جَسَدا
قوله:
(وبهما الخ)
معلق بمزْ أي ميَّز والتحضيض مفعوله، وهلا عطف على الهاء من بهما، أو مبتدأ حذف خبره أي كذلك، وإلا ألا عطف على هلا بحذف العاطف.
قوله:
(فإن قصدت بهما التوبيخ)
أي بلولا ولوما وكذا وإلا فإنها كلها ترد للتوبيخ أي اللوم على ترك الفعل، والتنديم أي الإيقاع في الندم، وحينئذٍ تختص بالماضي لفظاً نحو ولَوْلاَ جاؤوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}
---
(النور:13)(3/97)
فلولا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا}
(الأحقاف:28)
ومنه: هلا التقدُّم، في البيت الآتي، أو تأويلاً كقوله: وإلا الكمي الخ أي لولا عددتم. وإنما قال تعدون لحكاية الحال اهـ أشموني.
قوله:
(كان مستقبلاً)
أي لفظاً كهلا تضرب زيداً أو معنًى كما مثله.
قوله:
(وألا مخففاً)
أي فيكون للتحضيض نحو ألا تقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا}
(التوبة:13)
ولم يذكرها في التسهيل لأن أكثر مجيئها للعرض، وهو كالتحضيض إلا أنه طلب بلين لا بإزعاج فيحتمل أنه ذكرها هنا لمشاركتها هلا في الاختصاص بالفعل لا في التحضيض فتكون أدواته أربعة فقط وهو المشهور، أو للإشارة إلى أنها قد تأتي له كالآية فتكون خمسة.
قوله:
(بفعل مضمر)
متعلق بعلق الواقع صفة لاسم، وقوله: أو بظاهر أي أو بفعل ظاهر، وقد يقع بعدها مبتدأ أو خبر فيكون الفعل المضمر كإن الشأنية نحو:
426 ــــ فَهَلاَّ نَفْسُ لَيْلَى شَفِيعُها(3)
قوله:
(الأن بعد الخ)
قبل بحذف الهمزة، ونقل حركتها اللام، ولعله الرواية. إلافالوزن صحيح مع الهمزة، واللجاجة من لج يلج كعلم يعلم، وتلحونني من لحيت الرجل إذا لمته. وقوله: والقلوب صحاح، أي خالية من الغضب عامرة بالود.
قوله:
(تعدون عقر النِيب)
بكسر النون حمع ناب وهي المسنة من النوق وبني منادي، وضوطرى بفتح الضاد المعجمة وسكون الواو وفتح الطاء والراء المهملتين المرأة الحمقاء، والكمي الشجاع المتكمي في سلاحه أي المتغطي به، والمقنع الذي على رأسه بيضة الحديد والله أعلم.
الإخبار بالذي والألف واللام
قوله:
(ما قيل الخ)
ما موصول مبتدأ خبره لفظ خبر، وجملة قيل أخبر صلته، والعائد الهاء في عنه، والذي مقصود لفظه أولاً وثانياً فلا صلة له ومبتدأ حال من الذي الثاني، وقيل بالضم متعلق باستقر وهو حال ثانية. إما مترادفة أو متداخلة.
قوله:
(وما سواهما)
---
أي سوى الاسم الذي قيل: أخبر عنه، وسوى لفظ الذي من بقية الجملة.
قوله:
(خلف معطي التكملة)(3/98)
هو الضمير الذي يخلف الاسم المطلوب الإخبار عنه. وهذا الاسم هو معطي التكملة أي يكمل به الكلام بعد صوغ التركيب فإنه يصير خبراً بعد أن كان مفعولاً مثلاً.
قوله:
(لامتحان الطالب)
أي فيسمى باب الامتحان، وبعضهم يسميه باب السبك أي سبك كلام من آخر، وكثيراً إما يصاغ هذا التركيب ابتداء لغير ذلك كتقوّي الحكم لأن فيه إسنادين إلى الضمير، وإلى الظاهر، أو القصر في نحو الذي قام زيد رداً على من اعتقد خلافه أو شركته، أو تشويق السامع كقول واصف ناقة صالح:
427 ــــ وَالَّذِي حَارَتِ البَرِيَّةُ فِيهِ
حَيَوَانٌ مُسْتَحْدَثٌ مِنْ جَمَادِ
قوله:
(كما وضعوا باب التمرين)
هوالسمى بباب الأبنية وضعوه لامتحان الطالب في التصريف كأن يقال كيف تبني من قرأ مثل جعفر فلا يحسنه إلا من برع فيه كما لا يحسن الجواب هنا إلا البارع في العربية لابتنائه على جميع أبوابها وجواب ذلك: قَرْأَى كَسَكْرَى، وأصله قرأأ بهمزتين كجعفر قلبت الثانية ياءً ثم ألفاً لما سيأتي في الإبدال. قال أبو علي الفارسي: سألت ابن خالويه بالشام عن مسألة فما عرف السؤال، وقد أعدته ثلاثاً وهي كيف تبني من وأى مثل كوكب على لغة من قرأ أفلح بالنقل، ثم تجمعه بالواو والنون ثم تضيفه لنفسك؟ وجوابها أن أصله ووأى كوكب قلبت الياء ألفاً لتحركها، وفتح ما قبلها فصار ووأى كسكرى، ثم حذفت الهمزة لنقل حركتها إلى الواو الساكنة قبلها فصار ووى كفتى فاجتمع واوان أول الكلمة، قلبت الأولى همزة فصار أوى فإذا جمعته قلت أوون بحذف الألف آخره لسكونها مع واو الجمع كما في مصطفون فإذا أضفته لنفسك قلت أوي بحذف النون للإضافة، وقلب واو الجمع ياء لاجتماعهما ساكنة مع الياء اهـ صبان.
قوله:
(بمعنى عن)
---
أي وعنه بمعنى به أي أخبر عن الذي بذلك الاسم بسبب التعبير عنه بالذي وللاستعانة أي أخبر متوصلاً إلى هذا الإخبار بالذي.
قوله:
(فجىء بالذي الخ)(3/99)
حاصله خمسة: إعمال الابتداء بالذي، وتأخير ذلك الاسم ورفعه على الخبرية، وجعل ما بينهما صلة الذي وأن تجعل في المكان الذي كان فيه الاسم ضميراً مطابقاً له في معناه وإعرابه وكذا مطابقاً للموصول لأنه عائده، ويلزم كونه غائباً وإن كان خلفاً عن ضمير متكلم أو مخاطب لأن الموصول في حكم الغائب فإذا قيل: أخبر عن التاء من: ضربت زيداً قلت: الذي ضرب زيداً أنا فعملت ما ذكر من الأعمال إلا أن التاء إذا أخرت لا يمكن النطق بها مع كونها ضميراً متصلاً فلذا جيء بأنا بدلها، والضمير الخلف عنها مستتر في ضرب، أو عن بكر من: ضرب زيد بكراً قلت: الذي ضربه زيد بكر فهاء ضربه خلف قدمت على الفاعل مع أن بكراً كان مؤخراً لامتناع فصل الضمير مع إمكان اتصاله، ويجوز حذفها عائد منصوب بفعل أو عن زيد من زيد أبوك قلت: الذي هو أبوك زيد، أو عن أبوك قلت: الذي زيد هو أبوك فتجعل هو مكان ذلك الاسم تقدم أو تأخر وعن زيد من: جاء زيد وبكر قلت: الذي جاء هو وبكر زيد بتوكيد الخلف المستتر في جاء ليصح العطف عليه، أو عن زيد من: مررت بزيد وبكر قلت: الذي مررت به وببكر زيد بإعادة الجار في المعطوف على الضمير الخلف عند غير المصنف أو عن رغبة من: جئت رغبة فيك قلت: التي جئت لها رغبة فيك فتجر خلف المفعول له باللام لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها، أو عن يوم الجمعة من صمت يوم الجمعة قلت: الذي صمت فيه يوم الجمعة فجاء الخلف بفي لما ذكر وقس على ذلك.
قوله:
(وباللذين الخ)
أي وكذا اللتين واللاتي، واللائي والألى لا بغير ذلك من الموصولات ولو قال وبفروع الذي نحو التي لوفى بذلك.
قوله:
(إذا كان الاسم الموصول)
كذا في نسخ، والصواب حذف الموصول.
قوله:
(المخبر عنه به)
---
أي بالموصول أي بسببه على ما تقدم وقوله: لأنه أي الاسم خبر عنه أي عن الموصول.
قوله:
(قبول الخ)
شروع في شروط الاسم المخبر عنه بعد أن بيَّن كيفية الإخبار، وهذا الباب منحصر في هذين الطرفين.
قوله:(3/100)
(قد حتما)
خبر عن قبول فألفه للإطلاق لا للتثنية لأن الضمير للمضاف لا للمضاف إليه.
قوله:
(وكذا الغنى)
بالقصر أي الاستغناء أما الممدود فهو التغني بالألحان، وهو مبتدأ خبره شرط لا العكس لأنه نكرة فلا يخبر عنه بالمعرفة، وكذا حال من الضمير في شرط لتأويله بمشروط أي حال كونه مثل ذلك القبول في التحتم.
قوله:
(يشترط في الاسم الخ)
أفاد أنه لا دخل في هذا الباب للفعل، ولا للحرف إلا إذا قصد لفظهما كضرب من ضرب فعل ماض فتقول: الذي هو فعل ماض ضرب.
قوله:
(قابلاً للتأخير)
أي بنفسه أو بدله كما مر في التاء من: ضربت زيداً.
قوله:
(عمّا له صدر الكلام)
أي لأن الخبر هنا واجب التأخير عند الجمهور، فتفوته الصدارة، ومثله ضمير الفصل على أنه اسم لئلا يفوته لزوم التوسط، وأجاز المبرد وابن عصفور تقديم الخبر هنا فعليه يخبر عمّا له الصدر مع تقدمه فلو قيل: أخبر عن: أيهم من أيهم قائم قلت: أيهم الذي هو قائم على أن أيهم خبر مقدم عن الذي، أو عن من في من تضرب أضرب قلت: من الذي تضربه أضرب فهاء تضربه خلف عن من في إعرابها لأنها كانت مفعولاً مقدماً أخُرت لاتصالها بالفعل، ويجوز حذفها لأنها عائد منصوب بالفعل.
قوله:
(كأسماء الشرط الخ)
أي وكم الخبرية وما التعجبية وغير ذلك مما يلزم الصدر.
قوله:
(عن الحال والتمييز)
أي للزومهما التنكير فلا يخلفهما الضمير فلا يجوز في: جاء زيد راكباً وطاب نفساً أن تقول: الذي جاء زيد إياه وراكب وطاب إياه نفس.
قوله:
(فلا يخبر عن الضمير الخ)
مثله غيره مما يحتاج للربط كاسم الإشارة في وَلَبَاسُ التَّقْوَى ذلِكَ خَيْرٌ}
(الأعراب:26)
والاسم الظاهر في:
---
428 ــــ وَأَنْتَ الَّذِي فِي رَحْمَةِ الله أَطْمَعُ
فلا يقال: الذي لباس التقوى هو خير ذلك، ولا الذي في رحمته أطمع الله للمانع الآتي، وكذا الأسماء الواقعة في الأمثال كالكلاب على البقر لعدم الغنى عنها بأجنبي إذ الأمثال لا تغير ألفاظها
قوله:(3/101)
(كالهاء في زيد ضربته)
أي لعدم الغنى عنها بالأجنبي كزيد وعمرو، لأنك تقول في الإخبار عنها: الذي زيد ضربته هو فتفصلها مؤخرة وهاء ضربته الآن خلف عنها، ويجب في الخلف عوده على الموصول كما مر. فتبقى حينئذٍ جملة الخبر عن زيد بلا رابط. فإن جعلتها رابطاً انخرمت قاعدة الباب وبقي الموصول بلا عائد.
قوله:
(الرابع الخ)
هذا الشرط يغني عن الثاني إذ الإضمار تعريف، وزيادة وقد نبه في شرح الكافية على أن ذكر الثاني زيادة بيان، وقد ظهر أن أو في قوله: أو بمضمر بمعنى الواو لأنه شرط مستقل غير الغنى بالأجنبي، وأن الشروط في كلامه ثلاثة فقط لأن الثاني مكرر وبقي منها أن لا يكون الاسم ملازماً للنفي كديار، ولا لغير الرفع كسبحان، والظرف غير المتصرف كعند لتعذر جعله خبراً، ولا في جملة إنشائية كزيد من أين زيد لأنها لا تصلح لجعلها صلة، وأن يكون فيه فائدة بخلاف ثواني الأعلام كبكر من أبي بكر إذ لا يمكن أن يكون خبراً عن شيء، وأن يكون بعض جملة واحدة، أو في حكم الواحدة كالشرط وجوابه في: إن قام زيد قمت، فتقول: الذي إن قام قمت زيد، وكالمتعاطفين بالفاء في: قام زيد فقعد عمرو فتقول: الذي قام فقعد عمرو زيد لأن ما في الفاء من التسبب جعل الجملتين كالشرط والجزاء.
قوله:
(بمضمر)
---
أي يعود على ما قبله ليصح كونه عائد الموصول فلا يخبر عن مجرور رب في: رب رجل لقيته لأن الضمير المجرور بها لا يعود إلا لما بعده كضمير الشأن، وكذا لا يخبر عن مجرور ما يختص بالظاهر كحتى ومذْ لأنه لا يخلفه الضمير، ولا عن الأسماء العاملة عمل الفعل كاسم الفاعل والمفعول والمصدر واسم الفعل لأن الضمير لا يعمل عملها فلا يخلفها.
قوله:
(فلا يخبر عن الموصوف الخ)(3/102)
أي ولا عن الصفة وحدها كما يشير له قول الشارح: لأن الضمير لا يوصف، ولا يوصف به ومثلهما الموصول وحده، وصلته وحدها لكونهما شيئاً واحداً يجوز عنهما معاً ففي: جاء الذي قام تقول: الذي جاء الذي قام فتجعل خلفه ضميراً مستتراً في جاء، وهكذا الظرف غير المتصرف والجار والمجرور مع متعلقهما فلا يخبر عن أحدهما وحده لأن الضمير لا يتعلق بشيء، ولا يتعلق به شيء أما الظرف المتصرف فيخبر عنه وحده ويجر خلفه بفي كما مر مثاله. بقي ما إذا كان المتعلق واجب الحذف كزيد في الدار أو عندك، فهل يصح الإخبار عن مجموعهما كأن تقول: الذي زيد هو كائن عندك بذكر المتعلق أو يبقى على حذفه أو يمتنع أصلاً فليحرر.
قوله:
(عن المضاف الخ)
أي بخلاف المضاف إليه فيخبر عنه وحده كالمجرور بدون جاره ففي نحو: سر أبا زيد قرب من بكر الكريم يصح الإخبار عن زيد وحده بقولك: الذي سرَّ أباه قرب من بكر الكريم زيد، ويمتنع عن كل من الباقي وحده لأن الأب مضاف وبكر موصوف والكريم صفة، والقرب متعلق الجار فلا يخلفه الضمير وحده، وكذا مجموع الجار والمجرور نعم تخبر عنهما معاً فتقول: الذي سر أبا زيد قرب من بكر الكريم ففي سر ضمير مستتر هو الخلف كما تخبر عن المضاف مع المضاف إليه كالذي سره قرب من بكر الكريم أبو زيد وعن بكر مع صفته كالذي سر أبا زيد قرب منه بكر الكريم، وفي هذا الإخبار عن المجرور بدون جاره.
قوله:
(عن بعض ما)
---
أي بعض تركيب يكون فعله مقدماً أي على سائر أجزائه لا مطلقاً بأن تكون الجملة الفعلية، ولم يتقدم على الفعل شيء من أجزائها فلا يخبر بأل في: زيداً ضربت، لأنه يجب الترتيب في وضع أجزاء الجملة فيلزم حينئذٍ الفصل بين أل وصلتها أعني الوصف المصوغ من الفعل.
قوله:
(كصوغ واق)
الظاهر أنه خبر لمحذوف أي وذلك كصوغ واق لأنه مثال لما مر، وليس فيه إشارة لشرط زائد حتى يجعل صفة لمصدر محذوف أي صوغاً كصوغ واق.
قوله:
(إلا إذا كان الخ)(3/103)
أي يشترط زيادة على ما مر أربعة شروط: فعلية الجملة، وتقدم فعلها، وتصرفه، وإثباته وأشار المصنف لهذين بقوله: إن صح الخ لأن صلة أل لا تصاغ من جامد ولا منفي.
قوله:
(الواقيه الله)
وذكر الهاء واجب لأن عائد أل لا يحذف إلا ضرورة.
قوله:
(فيجب إبراز الضمير)
أي لجريان الصلة على غير ما هي له والله أعلم.
العدد
هو ما وضع لكمية الآحاد، ومن خواصه مساواته لنصف مجموع حاشيتيه المتقابلتين، ومعنى التقابل أن تزيد العليا عليه بقدر نقص السفلى عنه كالأربعة فإن حاشيتيها إما خمسة وثلاثة أو ستة واثنان أو سبعة وواحد. ونصف مجموع كل متقابلين من ذلك أربعة، ومن ثم قيل: الواحد ليس بعد لأنه ليس له حاشية سفلى، وقيل عدد لوقوعه في جوابكم. وإذا أريد بالحاشية ما يعم الصحيح والكسر دخل الواحد لأن له حاشية سفلى تنقص عنه بقدر ما تزيد العليا عليه من الكسر، ولا تختص بالنصف خلافاً لمن توهمه كعشر مع واحد وتسعة أعشار. فإن العشر ينقص عنه بقدر الزيادة العليا عليه فهما متقابلتان، ونصف مجموعهما واحد، والمراد هنا الألفاظ الدالة على المعدود.
قوله:
(ثلاثة)
مفعول مقدم لقل بتضمينه معنى اذكر أو مبتدأ خبره قل بحذف الرابط أي قلها، وبالتاء حال منه لقصد لفظه أو نعته، وللعشرة متعلق بقل.
قوله:
(ما آحاده الخ)
---
أي معدود آحاده مذكرة فالعبرة بتذكير الواحد وتأنيثه. وإن كان الجمع بخلاف ذلك فتقول ثلاثة حمامات بالتاء على المختار، وثلاث هنود بلا تاء تبعاً للتذكير المفرد وتأنيثه هذا في الجمع، واسم الجنس فالعبرة بهما أنفسهما لا بواحد هما تقول ثلاثة من القوم والغنم بالتاء لتذكيرهما وثلاث من الإبل، والنخل بلا تاء لتأنيثهما وثلاث من البقر بالتاء، وعدمها لأن البقر يذكر ويؤنث.
قوله:
(في الضد جرد)
أي مع تسكين عشرة قال تعالى: وَلَيَالٍ عَشْرٍ}
(الفجر:2)
قوله:
(في ثلاثة الخ)(3/104)
الأولى قول الموضح في ثلاثة عشرة وما بينهما لنصه على دخول العشرة، وإنما لحقت التاء هذه الأعداد لأنها أسماء جموع كزمرة وفرقة وأمة فحقها أن تؤنث كنظائرها فاستصحب ذلك مع المذكر لسبق رتبته، ثم حذفت مع المؤنث فرقاً بينهما تصريح، وخرج بها واحد واثنان فلا يجري فيهما ذلك ولا يضافان إلى المعدود فلا يقال: واحد رجل، ولا اثنا رجلين كما يقال: ثلاثة رجال لأن اللفظ الثاني فيهما يغني عن الأول في إفادة الوحدة والزوجية، ويزيد عليه بإفادة جنس المعدود فجمعه معه لغو بلا فائدة.
قوله:
(إن كان مؤنثاً)
أي ولو مجازاً وكذا المذكر كسبع ليال، وثمانية أيام، ومحل وجوب هذه القاعدة إذا ذكر المعدود بعد اسم العدد كما مثله فلو قدم وجعل اسم العدد صفة له جاز اجراؤها، وتركها كما لو حذف تقول: مسائل تسع ورجال تسعة، وبالعكس كما نقله الإمام النووي عن النحاة فاحفظها فإنها عزيزة النقل، كذا نقل عن شرح الكافية للسيد الصفوي. وقوله: كما لو حذف، أي المعدود مع قصده في المعنى فيجوز حذف التاء من المذكر كحديث «وأتبعه ستاً من شوال» وإثباتها في المؤنث كعندي ثلاثة وتريد نسوة لكن نقل الإسقاطي عن بعضهم منع الثاني. أما إذا حذف المعدود، ولم يقصد أصلاً بل قصد اسم العدد فقط كانت كلها بالتاء كثلاثة خير من ستة، وتمنع الصرف للعَلَمِيَّة الجنسية والتأنيث.
---
قوله:
(ويضاف)
أي ما ذكر من الثلاثة وأخواتها إلى جمع ليطابقها في الجمعية، وكذا في القلة الآتية. وهذا الجمع هو مميزها آثروا جره على نصبه تخفيفاً بحذف التنوين، ويجوز جعله عطف بيان عليها كخمسة أثواب بتنوينهما، ولا تضاف لمفرد إلا في نحو ثلثمائة لأن المائة جمع في المعنى إذ هي عشر عشرات فتطابقها في الجمعية والقلة، وقد وقع في الشعر ثلاث مئين شذوذاً أو ضرورة وخرج بالجمع اسم الجنس كطير وبقر، واسم الجمع كقوم ورهط فالأكثر جره بمن نحو فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ}
(البقرة:260)(3/105)
وقد يضاف إليه سماعاً على الصحيح نحو وكَانَ فِي المَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطِ}
(النحل:48)
«ليس فيما دون خمس ذود صدقة» فقول الشارح: وأربع نساء لعله من المسموع.
قوله:
(إلا إلى جمع القلة)
، والغالب كونه من جموع التكسير، وهي أفعلة أفعل، ثم فعله ثمت أفعال لأن الثلاثة، وأخواتها أقرب إليه من جمعي التصحيح فيقل استعمالهما وإن كانا للقلة أيضاً عند سيبويه كثلاثة أحمدين، وثلاث زينبات، والكثير أحامد وزيانب إلا أن أهمل المكسر فلا يقلان كسبع بقرات وسموات، أو ندر كثلاث سعادات وآيات لندور سعائد وآي، أو جاور ما أهمل كـ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ}
(يوسف:43)
لمجاورته بقرات.
قوله:
(فإن لم يكن الخ)
مثل ذلك ما إذا شذ جمع القلة، أو ندر استعماله فيجعل كالمعدوم، ويضاف للكثرة فالأول كثلاثة قُرُوءٍ فإن مفرده قرُء بفتح فسكون وجمعه على أفعال شاذ، والثاني كثلاث شسوع فإن اشساع قليل الاستعمال في جمع شسع وهو أحد سيور النعل كذا في الأشموني تبعاً للتوضيح، ومقتضاه أن ثلاثة قروء ليس من القليل لشذوذ جمع قلته، والصواب ما في الشارح كابن الناظم من جعله من القليل لأنه إن كان جمعاً لقرء بالفتح فله جمع قلة قياسي، وهو أَقْرُؤ كفلس وأَفْلُس، أو لقرء بالضم فله أقراء كأفعال، وعلى هذا يحمل الشارح ففيه استعمال جمع الكثرة مع وجود القلة القياسي فيكون قليلاً.
قوله:
---
(نحو ثلاثة رجال)
أي وجوار ودراهم وانظر إذا كان له جمع كثرة وتصحيح مع إهمال قلته أو شذوذه كجوار وجاريات هل الأرجح الأول أم الثاني.
قوله:
(ومائة بالجمع)
مبتدأ سوغه التقسيم وردف ماض مجهول أي تبع خبره، وبالجمع متعلق به ونزراً حال.
قوله:
(مائة وألفاً)
أي جنسهما، ولو غيره مفرد كمائتا ثوب، وثلاثة آلاف فرس.
قوله:
(إلا إلى مفرد)(3/106)
أي لاشتمال المائة على العشرة والعشرين فاجتمع فيها ما تفرق فيهما فأخذت من العشرة الإضافة، ومن العشرين الإفراد ولم يعكس لخفة هذا بحذف التنوين للإضافة، وأما الألف فعوض عن عشرة مائة فعومل معاملتها.
قوله:
(ومنه قراءة حمزة الخ)
أي فسنين تمييز للمائة لشبهها بالعشرة إذ هي عشر عشرات كما أن تلك عشرة آحاد. ومن ينون مائة يجعل سنين بدلاً من ثلاثمائة أو بياناً له لا تمييز لئلا يشذ من وجهين جمع تمييز المائة ونصبه قال الزجاج: ولاقتضائه أن كل واحد من الثلاثمائة جمع من السنين إذ تمييز المائة واحد منها وأقله ثلاثة فأقل ما لبثوا تسعمائة وهو باطل، وهذا وارد على الجر أيضاً إذ هو تمييز لا غير لكن أجاب ابن الحاجب بأنه لا يلزم كون تمييز المائة واحداً منها إلا إذا كان مفرداً، أما الجمع فلا يلزم فيه ذلك كهو في العشرة في قولك عشرة أثواب بل القصد به مجرد بيان الجنس، والمشاكلة في الجمعية كما مر.
قوله:
(واحد)
أي المستعمل في الإثبات، وأصل همزته الواو، وقد يؤتى بها تنبيهاً على الأصل فيقال وَحْدَ عشر ومعناه أول العدد، وجمعه آحاد أما الملازم للنفي فهمزته أصلية، معناه إنسان ولا يستعمل في العدد ولا في الإثبات.
قوله:
(مركباً)
الأولى كسر كافه ليناسب قاصد في كونه حالاً من فاعل اذكر.
قوله:
(إحدى عشرة)
---
يجب سكون الشين للقافية إذ هو في مقابلة كسرة آخر البيت وإن كان فتحها لغة، وهو الأصل إلا أن السكون أفصح، وهو لغة الحجاز، ولا تسعتمل إحدى إلا مركبة، أو معطوفاً عليها، أو مضافة كإحدى الكبر}
(المدثر:35)
لا مفردة.
قوله:
(ومع غير أحد الخ)(3/107)
تقدير البيت: إفعل في العشرة مع غير أحد وإحدى ما فعلته فيها معهما أي من تأنيثها للمؤنث، وتذكيرها للمذكر فالفاء زائدة، وما مفعول مقدم لإفعل، ومع ظرف لغو متعلق بإفعل، أو حال من العشرة المعلومة مما قبله، متعلق فعلت، وأفعل محذوف أي في العشرة وقصداً إما بمعنى قاصداً للفعل ومتوجهاً إليه، أو مقتصداً أي عادلاً فيه وأفاد بهذا البيت حكم العشرة إذا ركبت مع التسعة فما دونها بما بعده حكم التسعة فما دونها مع العشرة.
قوله:
(وأما ثلاثة وما بعدها إلخ)
منه ثمانية فإذا ركبت تكون كحالها قبل أي بالتاء في المذكر كثمانية عشر يوماً، وبحذفها في المؤنث كثماني عشرة ليلة لكن فيها بعد الحذف حينئذ أربع لغات فتح الياء وسكونها وحذفها مع كسر النون وفتحها، وأما إذا لم تركب فإن أضيفت إلى مؤنث كانت بالياء لا غير كما مر في منع الصرف كثماني نسوة فيقدر عليها الضم والكسر، ويظهر الفتح كالمنقوص، أو إلى مذكر فبالتاء لا غير كثمانية رجال وكذا إن لم تضف، والمعدود مذكر فإن كان مؤنثاً فالكثير إجراؤها كالمنقوص كجاءني من النساء ثمانٍ ومررت بثمان، ورأيت ثمانياً بالتنوين لأنه مصروف كما مر ويقال رأيت ثماني بلا تنوين لشبهها بجوار لفظاً ومعنًى، ويقل حذف الياء مع إعرابها على النون كقوله:
429 ــــ لها ثنايا أَرْبَعٌ حِسَانُ
وَأَرْبَعٌ فَثَغْرُها ثَمَانُ
قوله:
(وأما عشرة إلخ)
---(3/108)
إنما خالفت حكمها قبل التركيب دون الثلاثة وأخواتها الكراهة اجتماع تأنيثين فيما هو كالكلمة الواحدة كثلاثة عشر رجلاً ولكراهة إخلاء لفظين معناهما مؤنث من العلامة في ثلاثة عشر امرأة، ولم يعكس لسبق الثلاثة وأخواتها على العشرة فاستحقت الأصل في العدد دونها، ولأن تأنيث الكلمة وتذكيرها إنما يكون قياساً في آخرها، وإنما لم يبالوا باجتماع تأنيثين في إحدى عشرة، وثنتي عشرة مع أنه ككلمة واحدة لاختلافهما في الأول مع أن الألف كجزء الكلمة ولذا لم تسقط في تصحيح ولا تكسير إذ قالوا في حبلى: حبليات وحبالى، بخلاف التاء فتسقط كجفان وجفنات في جفنة ولبناء الكلمة على التاء في الثاني إذ لا واحد له من لفظه فكانت كالأصل والتأنيث مستفاد من الصيغة.
قوله:
(ويجوز مع المؤنث تسكين الشين)
ظاهره مع إحدى وغيرها إلى تسع، ويصرح به قول التوضيح، وإذا كانت العشرة بالتاء وهي مركبة سكنت شينها في لغة الحجاز كراهة توالي أربع حركات فيما هو ككلمة واحدة وكسرها أكثر تميم تشبيهاً بتاء كتف وبعض تميم يبقيها على فتحها الأصلي، وبه قرأ يزيد بن القعقاع وهو الأعمش فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشَرَةَ عَيْناً}
(البقرة:60)
اهـ. وبذلك يعلم أن الجواز في كلام الشارح باعتبار تعدد اللغات، وإلا فالسكون واجب عند الحجازيين فإن حذفت التاء فالشين بالفتح لا غير لكن قد تسكن العين حينئذ كقراءة أبي جعفر أحد عْشر كوكباً، وقد قرىء اثنا عشر شهراً بالسكون وفيه اجتماع ساكنين.
قوله:
(وأول)
---(3/109)
أي أتبع أي اجعل لفظ عشرة تابعاً لاثنتي إلخ فعشرة مفعول أول، واثنتي ثان، وقوله إذا أنثى نشر على ترتيب اللف، وتشا بالقصر لغة، أو ضرورة، أو حذفت همزته لاجتماعهما مع همزة أو، أفاد بذلك حكم اثنين واثنتين إذا ركبا لئلا يتوهم أنهما في التذكير والتأنيث كثلاثة في حال تركيبها، أما حكم العشرة فمعلوم من قوله: ومع غير أحد إلخ كما أن قوله: واليا لغير الرفع إلخ معلوم من باب الإعراب لكن ذكره لدفع توهم بنائهما عند التركيب.
قوله:
(كلها مبنية إلخ)
أما العجز فَلِتَضَمُّنِه معنى حرف العطف إذ الأصل: خمس وعشر مثلاً ولذلك يبطل البناء والتركيب إذا ظهر العاطف كقوله:
430 ــــ كَأَنَّ بِها البَدْرَ ابْنُ عَشْرٍ وَأَرْبَعٍ
وهذا عام في عجز اثني عشر وغيره، وأما الصدر فلأنه كجزء كلمة أو لوقوعه موقع ما قبل تاء التأنيث في لزوم الفتح، واعترض بأن جزء الكلمة وما قبل التاء لا يستحق البناء حتى يستحقه ما وقع موقعه لأنه وسط كلمة، والبناء إنما يكون في الآخر كالإعراب ولو سلم لوجب بناء صدر المركب المزجي مطلقاً ولو غير عددي إلا أن يقال: تسومح في تسمية فتحة الصدر بناء لمشاركة العجز، ولشبهها البناء في اللزوم وإن كانت في الحقيقة فتحة بنية.
قوله:
(وتبنى على الفتح)
إنما بنيت على حركة إشعاراً بعروض البناء، وكانت فتحة تخفيفاً لثقل التركيب.
قوله:
(يعرب بالألف)
أي لعدم تركيبه، بل عشر واقعة موقع نون المثنى، وما قبل النون محل إعراب لا بناء ففي: جاء اثنا عشر رجلاً، اثنا مرفوع بالألف لأنه ملحق بالمثنى، وعشر مبني على الفتح لتضمُّنه معنى العطف كما مر لا محل له من الإعراب لوقوعه موقع نون المثنى، ولا يصح أن يقال: إنه مضاف إليه.
قوله:
(بواحد)
أي منكر منصوب كما يعطيه المثال، والحين بالكسر الزمن.
قوله:
(النيف)
---(3/110)
بفتح النون وشد التحتية مكسورة وقد تخف، وأصله نيوف كسيوف من ناف ينوف إذا زاد وهو كما في الصحاح والقاموس كل ما زاد على العقد إلى العقد الثاني، والعقد ما كان من العشرات أو المئات أو الألوف فيطلق النيف على الواحد فما فوقه بخلاف بضعة وبضع فمن ثلاثة إلى تسعة على المختار، ولهما حكم الثلاثة في الإفراد، والإضافة، والتركيب، والعطف.
قوله:
(فيكون مفرداً منصوباً)
أي عند الجمهور، وأجاز الفراء جمعه تمسكاً بظاهر قوله تعالى: اثْنَتَيْ عَشَرَةَ أسْبَاطاً أُمَماً}
(الأعراف:160)
وأجيب بأن أسباطاً بدل كل من اثنتي عشرة، والتمييز محذوف أي فرقة لا تمييز، وإلا وجب تذكير العددين لأن السبط مذكر. وقال المصنف إنه تمييز أنث عدده لوصفه بالمؤنث وهو أمماً لأنه جمع أمة، ومقتضاه موافقة الفراء على جواز جمع تمييز المركب وإلا فهو مشكل لكن قال بعضهم إذا كان كل واحد من المعدود جاز جمع التمييز فإن المعدود هنا قبائل، وكل قبيلة أسباط لا سبط واحد فوقع أسباط موقع قبيلة فتدبر.
قوله:
(وعجز)
مبتدأ سوغه التقسيم، وقد يعرب خبره.
قوله:
(يجوز في الأعداد المركبة إلخ)
أي كما يجوز في غيرها فإن العدد مطلقاً تجوز إضافته إلى غير تمييزه نحو عشروك وثلاثة زيد، وحينئذ يستغنى عن التمييز فلا يذكر أصلاً لأنك لا تقول ثلاثة زيد إلا لمن عرف جنسها وإنما خص المركب لأجل قوله: يبق البناء إلخ.
قوله:
(ما عدا اثني عشر)
أي واثنتي عشر لأن عشر فيهما بمنزلة نون المثنى فلا تجامع الإضافة كالنون، وحذفها يلبس بالإضافة إلى اثنين.
قوله:
(وقد يعرب العجز)
أي لأن الإضافة تَردُّ الأسماء إلى أصولها من الإعراب، ولذا استحسنه الأخفش وقال ابن عصفور إنه الأفصح لكن في التسهيل لا يقاس عليه، ولم يعرب الصدر لأن المضاف مجموع الجزأين فهما كاسم واحد إعرابه في آخره.
قوله:
(مع بقاء الصدر على بنائه)
---(3/111)
فيه المسامحة المارة وجوز الكوفيون إعراب الصدر مضافاً إلى العجز مطلقاً واستحسنوا ذلك إذا أضيف كخمسة عشرك.
قوله:
(كفاعل)
إما صفة لمفعول صغ المحذوف أي صغ وزناً كفاعل من اثنين إلخ أو الكاف بمعنى مثل مفعوله، وظاهر ذلك مع قوله الآتي فحكم جاعل له احكماً فاعل المذكور مصوغ من لفظ اثنين وثلاثة إلخ سواء كان بمعنى بعض، أو جاعل وهو مسلم في الأول، والاشتقاق من ألفاظ العدد سماعي لأنها أسماء أجناس غير مصادر كاستحجر الطين من الحجر، وتربت يداه من التراب ولا فعل لها بمعناها، وأما الثاني فمشتق من الثني والثلث والربع وهكذا مصادر ثنيت الرجل وثلثت الرجلين وربعت الثلاثة إلخ وكلها من باب يضرب ضرباً إلا الربع والسبع والتسع فمن باب شفع يشفع شَفْعاً إلا أن يرجع الضمير في قوله: له أحكما إلى فاعل لا بقيد صوغه من اثنين و يقدر هنا مضاف أي من مادة اثنين.
قوله:
(منه بني إلخ)
الهاء في منه وإليه عائدة على الموصول الواقع على العدد، ونائب فاعل بني يعود إلى فاعل فالصلة جرت على غير صاحبها كما سيشير له الشارح في الحل، ومفعول تضف ضمير محذوف يعود إلى فاعل أيضاً، ومثل بعض حال منه أي حال كون فاعل مثل بعض في معناه، أو في إضافته إلى كله.
قوله:
(أحدهما أن يفرد)
أي عن الإضافة لعدد وعن لفظ عشرة، ومعناه حينئذ واحد موصوف بكونه ثالثاً أو رابعاً أي في المرتبة الثالثة أو الرابعة كالباب الرابع، المقامة الثانية لا مطلق واحد كما في التوضيح وهذا هوالمراد بقوله: وصغ من اثنين إلى آخر البيتين.
قوله:
(والثاني أن لا يفرد إلخ)
تحته استعمالان ذكرهما المتن بقوله: وإن ترد بعض إلخ، وبقوله: وإن ترد جعل إلخ، فاستعمالاته مع غير العشرة ثلاثة، وسيأتي له معها ثلاثة أخرى ومع العشرين واحد فجملة استعمالات فاعل العدد سبعة كما في التوضيح.
قوله:
(والمعنى أحد اثنين)
---(3/112)
عبارة التوضيح وشرحه مع زياة الوجه الثاني في فاعل أن يستعمل مع أصله الذي صيغ هو منه ليفيد أن الموصوف بعض تلك العدة المعينة لا غير كخامس خمسة أي بعض جماعة منحصرة في خمسة أي واحد منها لا زائد عليها ويجب حينئذ إضافته لأصله كما يجب إضافة البعض لكله كيد زيد فلا ينصب ما بعده على المختار لأنه اسم جامد بمعنى بعض فلا يعمل النصب قال الله تعالى: إذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ}
(التوبة:60)
لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إنَّ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}
(المائدة:73)
اهـ وصريح ذلك أنه لا يعتبر في الموصوف اتصافه بمعنى ذلك الاسم أي بكونه ثالثاً أو رابعاً مثلاً كما يعتبر في الحالة الأولى فيصح في نحو: عاشر عشرة أن يكون في الرتبة الأولى، ولا يجب كونه في العاشرة إذ يبعد في الآية أن المراد بثاني اثنين، وثالث ثلاثة كونه في الرتبة الثانية، أو الثالثة بل المراد أنه بعض تلك العدة لا زائد عليهما بلا نظر لكونه ثانياً أو غيره فما في الصبان عن الجامي مما يخالف ذلك غير سديد فتأمله.
قوله:
(ونصب ما يليه به)
إذا كان معنى الحال أو الاستقبال، وإلا تعينت إضافته لأنه اسم فاعل حقيقة مشتق من مصدر فعله كما مر.
قوله:
(ثالث اثنين إلخ)
ظاهره أنه لا يقال: ثاني واحد، وأجازه بعضهم ونقله عن العرب ورجحه الدماميني بأن معناه مصير الواحد اثنين بنفسه، ولا مانع منه.
قوله:
(مثل ما فوقه)
أي بدرجة فقط فلا يقال رابع اثنين.
قوله:
(وإن أردت إلخ)
---(3/113)
مثل مفعول أردت، ومركباً حال منه، أو بالعكس وهذا شُروعٌ في بيان استعمال فاعل مع العشرة وهو إما أن يستعمل كثاني اثنين أي أنه بعض تلك العدة بلا نظر للاتصاف بمعناه وهو الذي ذكره المصنف، وذكر له ثلاثة أوجه ستعرفها، وإما أن يستعمل كجاعل، وسيشير إليه الشارح زاد الموضح أن يستعمل كالمفرد ليفيد الاتصاف بمعناه مقيداً بمصاحبة العشرة أي أن المعدود واحد متصف بكونه ثاني عشر أو ثالث عشر مثلاً وحكمه وجوب تركيبه مع العشرة مع تذكيرهما للمذكر وبالضد والاقتصار على تركيب واحد فتقول الجزء الخامس عشر والمقامة السادسة عشرة بفتحهما معاً فيه.
قوله:
(يفي)
مجزوم في جواب أضف أشبعت كسرته للرَّوي، أو مرفوع على جملته صفة لمركب أي مركب، وافٍ بما تنويه.
قوله:
(وشاع الاستغناء)
أي عن التركيبين، وعن فاعل المضاف لمركب بحادي عشر أي إفادة معنى ثاني اثنين.
قوله:
(وقبل عشرين)
متعلق باذكر وبابه عطف على عشرين والفاعل نصب ما ذكر.
قوله:
(من اسم العدد)
أي من مادته ليصح في الوجه الثاني كما مر.
قوله:
(تكون الكلمات الأربع مبنية على الفتح)
أي ما عدا اثنا واثنتا، وكذا يقال فيما سيأتي ومحل التركيب الأول بحسب العامل فيه، والثاني جر أبداً لأنه مضاف إليه، وهذا الوجه قليل حتى قيل بمنعه.
قوله:
(على صدر المركب الأول)
هو لفظ ثاني فيعرب هذا اللفظ لعدم تركيبه، ويضاف إلى المركب الثاني بتمامه كما ذكره المتن بقوله، أو فاعلاً بحالتيه إلخ أي حالتي التذكير وضده.
قوله:
(الثالث)
---(3/114)
أي من أوجه استعماله كثاني اثنين أن يقتصر إلخ، أي ويحذف الثاني بتمامه والشارح تابع في ذلك للمصنف وولده، ويرده التباسه بما ليس أصله تركيبين هو المستعمل كالمفرد ليفيد الاتصاف بمعناه، والصحيح كما ذكره الموضح أن المقتصر عليه في هذا الوجه هو فاعل صدر الأول وعشر عجز الثاني، وحذف باقيهما فصار حادي عشر مثلاً وحينئذ إما يعربا معاً لزوال التركيب فيهما فيجر الثاني أبداً بالإضافة، ويكون الأول بِحَسْب العوامل، أو يعرب الأول، ويبنى الثاني حكاه ابن السكيت وابن كيسان ووجهه أن يقدر ما حذف من الثاني فيبقى بناؤه، ولا يقاس حينئذ على انتزاعهما من تركيبين بخلاف إعراب الأول فتلخص في استعماله كثاني اثنين خمسة أوجه يمتنع آخرها وليس منها الاقتصار على التركيب الأول بتمامه، وإنما هو في استعماله كالمفرد أفاده في التوضيح.
قوله:
(فلا يقال رابع عشر ثلاثة عشر)
أي عند الكوفيين وأكثر البصريين، وأجازه سيبويه وجماعة قياساً فيؤتى بتركيبين صدر ثانيهما أقل من صدر الأول بواحد كما مثله الشارح والمعنى مصير الثلاثة عشر أربعة عشر بنفسه، ويتعين إضافة الأول للثاني لأن الوصف لا يعمل النصب إلا منوناً وتنوينه هنا ممتنع لتركُّبه مع عشر نعم لك أن تحذف عشر من الأول فتقول: رابع ثلاثة عشر فإن نَوَّنْتَهُ نصبت به الثاني محلاً.
قوله:
(جعلوا فاءهما إلخ)
أي فصارا أحاد ووحاد وقُلِبَت واوهما ياءَ لتطرفها إثر كسرة لأن تاء التأنيث في حكم الانفصال ثم أُعِلَّ الأول كقاض دون الثاني لفتح يائه.
قوله:
(إلى أن فاعل المصوغ إلخ)
هذا هو الاستعمال السابع.
قوله:
(ويعطف عليه العقود)
---(3/115)
الظاهر أنه حينئذ يفيد الاتصاف بمعناه مقيدا بمصاحبة العشرين كالمفرد فإن عطفت العقود على ما اشتق منه كثاني اثنين وعشرين كان بمعنى بعض أو ما قبله كثالث اثنين وعشرين كان بمعنى جاعل فتجوز فيه الإضافة والنصب، ويمتنع: حادي عشرين بحذف العاطف لامتناع التركيب مع هذه العقود قال ابن هشام في قول الشهود حادي عشرين: شهر جمادى ثلاث لحنات حذف الواو وإثبات نون عشرين مع أنه مضاف لما بعده وذكر لفظ شهر وهو لا يذكر إلا مع رمضان والربيعين اهـ قال السيوطي، والمنقول عن سيبويه جواز ذكره كل الشهور وهو قول الأكثر والله أعلم.
كم وكأيِّ وكذا
ذكره بعد العدد لأنها كنايات عنه.
قوله:
(ككم شخصاً إلخ)
كم في محل رفع مبتدأ وشخصاً تمييزه منصوب به وجملة سما خبره والجملة في محل جر بالكاف.
قوله:
(وأجز إن)
بنقل فتحة الهمزة إلى الزاي للوزن.
قوله:
(استفهامية)
أي بمعنى أي عدد فالاستفهام بها عن كمية الشيء.
قوله:
(وخبرية)
أي بمعنى قولك عدد كثير سميت بذلك لأن ما هي فيه إخبار بالكثرة محتمل للصدق والكذب.
قوله:
(مفرداً منصوباً)
أي لأنه لم يسمع إلا كذلك فالعلة في ذلك السماع كما قاله الدماميني وأجاز الكوفيون جمعه مطلقاً وبعضهم إن كان السؤال عن جماعات لا عن عدد من الآحاد ككم غلماناً لك؟ أي كم صنفاً من أصناف الغلمان استقروا لك؟ بخلاف: كم فرداً منها؟ وهو تفصيل حسن صبان.
قوله:
(كم درهما قبضت)
كم استفهامية مفعول مقدم لقبضت ودرهماً تمييزها منصوب بها.
قوله:
(ويجوز جره إلخ)
أي يترجح على النصب بالشرط المذكور، وقوله: بمن مضمرة أي عند الخليل وسيبويه وهي من البيانية لأنها هي التي تجر التمييز مطلقاً لبيان جنس المميز، وقال الزجاجي بإضافة كم إليه وعلى الأول فالمشهور منع ظهور من كما هو ظاهر المتن لأن الجار لكم عوض عنها، وقيل: يجوز نحو: بكم من درهم اشتريت؟.
قوله:
(فإن لم يدخل عليها حرف جر إلخ)
---(3/116)
هذا التفصيل هو المختار، ولذا اقتصر عليه المتن ولم يذكره سيبويه وغيره وقوله وجب نصبه ظاهر وإن جرت كم بالإضافة كعبد كم رجلاً ضربت فانظره، ووراء هذا التفصيل مذهبان؛ وجوب نصبه مطلقاً، وإن جرت كم وجوازه مطلقاً حملاً على الخبرية، وعليه حمل بعضهم: كم عمة لك يا جرير؟ بالجر بناء على أنها فيه استفهامية للتهكم، وانظر هل هذا الجر بمن مقدرة كما إذا دخل عليها حرف جر أو بإضافتها إليه. واعلم أن ابن الحاجب ذكر أن من تدخل على مميز الخبرية بكثرة نحو: وكم من ملك}، والاستفهامية بقلة أي وإن لم تُجَرَّ. قال الرضي: ولم أعثر على شاهده فرده في المطول بقوله تعالى: سَلْ بَنِي إسْرَائِيلَ كَمْ آتيْنَاهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ}
(البقرة:211)
وفيه لطافة أفاده الصبان.
قوله:
(ككم رجال)
كم خبرية مبتدأ خبره محذوف أي عندي أو مفعول لمحذوف أي ملكت ورجال تمييز مجرور بإضافتها إليه كتمييز العشرة ومره كتمييز المائة فهو نشر على ترتيب اللف، وأصلها مرأة حذفت الهمزة بعد نقل حركتها إلى الراء.
قوله:
(ككم كأيَ إلخ)
مبتدأ وخبر أي لفظ كأيَ، وكذا مثل كم الخبرية في معناها المعروف لها، وهو الدلالة على عدد مبهم والتكثير، وقوله وينصب إلخ كالاستثناء من التشبيه.
قوله:
(أو بمفرد مجرور)
هو الأكثر والأفصح ومنه كم عمّةٍ لك يا جرير؟ بالجر بناء على أنها فيه خبرية وهو المشهور وليس الجمع بشاذ قيل، ولغة تميم نصب تمييزها المفرد حملاً على الاستفهامية، وحمل عليها: كم عمة بالنصب ومر في المبتدأ شرح هذا البيت والصحيح أن الجر هنا بإضافة كم إليه لا بمن مقدرة كما نقل عن الكوفيين لكن ربما يؤيدهم ما مر من كثرة جره بها نحو: وكم من ملك، وشرط وجوب الجر اتصاله بها فإن فصل منها بأحد الظرفين أختير نصبه، ويجوز الجر كقوله:
l
431 ــــ كمْ بجودٍ مُقْرِف نالَ العُلى
وكريم بُخْلُه قَدْ وَضَعَهْ
---(3/117)
بجر مقرف والمراد به من ليس أصيلاً من جهة الأب إذ هو من أبوه عجمي، وأمه عربية، أو بهما معا ككم عندي من الناس رجلاً، أو بجملة كقوله:
432 ــــ كم نالني منهمو فَضْلاً على عَدَمِ
وجب نصبه لتعذر الإضافة حينئذ فحملت على الاستفهامية، والفصل مطلقاً خاص بالضرورة.
تنبيه:
تتفق كم الخبرية والاستفهامية في الاسمية، والبناء على السكون، والافتقار إلى المميز لإبهامهما، وجواز حذفه لدليل، ولزوم الصدر كما سيأتي، وفي وجوه الإعراب فإن تقدمهما جار فمحلهما جر وإلا فإن كُنِّي بهما عن الحدث، أو الظرف فنصب على المصدرية أو الظرفية ككم ضربة أو يوماً ضربت، وإن كني بهما عن الذوات فإن لم يلهما فعل ككم رجل عندي؟ أو كان لازمً ككم رجلاً قام؟ أو متعدياً رافعاً لضميرهما ككم رجل ضرب زيداً؟ أو لسببيهما ككم رجل ضرب أبوه زيداً؟ أو أخذ مفعوله ككم رجل ضربت زيداً؟ عنده فهما في ذلك كله مبتدان وما بعدهما خبر وإن كان متعدياً لم يشتغل بشيء ككم عبد ملكت فهما مفعولان، أو اشتغل بضميرهما أو سببها ككم رجل ضربته، أو ضربت عبده فاشتغال، ويفترقان في أن تمييز الاستفهامية مفرد على الأصح وأصله النصب، ويفصل منها في السعة وفي الخبرية يجوز مفرداً وجمعاً، وأصله الجر ولا يفصل إلا ضرورة كما مر كل ذلك وفي أن الخبرية تدل على التكثير، ويختص بالماضي فلا يجوز كم غلمان سأملكهم؟ والكلام معها يحتمل الصدق والكذب، ولا تستدعي جواباً، ولا يقترن البدل منها بالهمزة بخلاف الاستفهامية في الجميع.
قوله:
(في الدلالة على التكثير)
ظاهره في كأيَ دون كذا لأنها كناية عن عدد مبهم قل أو كثر ولو واحداً دماميني.
قوله:
(وكأيَ)
---(3/118)
أي بفتح الهمزة وشد الياء منونة لزوماً، ويكتب نوناً لأنها مركبة من الكاف وأي المنونة فلما دخل التنوين في التركيب أشبه النون الأصلية، ولذا رسم في المصحف نوناً وجاز الوقف بها ومن وقف بحذفها اعتبر أصله، ويقل فيها كائن كلفظ قاض، وكان بحذف المدة بعد الكاف، وكأين بسكون الهمزة، وكسر الياء، بتقديم الياء على الهمزة ففيها خمس لغات، والنون في الكل أصلها التنوين وأفصحها الأولى وهي الأصل وبها قرأ السبعة إلا ابن كثير، ويليها كائن كقاض، وبها قرأ ابن كثير وهي أكثر في الشعر كقوله:
433 ــــ اطردِ اليأسَ بالرَّجاءِ فكائِنْ
آلماً حُمَّ يُسْرُهُ بَعْد عُسْرِ
قوله:
(أو مجرور بمن)
خاص بكأيَ بدليل مثاله وأما كذا فيجب نصب تمييزها، ولا يجر بمن اتفاقاً، ولا بالإضافة خلافاً للكوفيين لأن عجزها اسم إشارة لا يقبلها باعتبار أصله، وإن أمكن تغير حكمه بالتركيب فقول المصنف: أو به صل من أي بتمييز ذين بالنظر للمجموع.
قوله:
(وهو الأكثر)
أي جر تمييز كأيَ بمن أكثر من نصبه بل أوجبه ابن عصفور، ويمتنع بالإضافة لأن تنوينها مستحق الثبوت لحكاية أصله.
قوله:
(ومركبة)
أي مكررة وليس المراد جعلهما كلمة واحدة لأن الأولى بحسب العوامل فهي في المثال مفعول ملكت، ودرهماً تمييزها، والثانية تأكيد لها.
قوله:
(ومعطوفاً عليها)
هو الغالب وقل ورود الأولين كما في التسهيل، بل منع ابن خروف سماعهما.
قوله:
(لها صدر الكلام)
أي فلا يتقدم عليها عامل إلا المضاف، وحرف الجر، وحكى الفراء أن تقديم عامل الخبرية لغة وبنى عليها إعرابها فاعلاً في قوله تعالى: أَوَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا}
(السجدة:26)
والصحيح أن الفاعل ضمير المصدر أي الهدي أو الله ولا تخرج الآية على اللغة الرديئة وأما قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا}
(يس:31)
---(3/119)
إلخ فكم فيه مفعول أهلكنا، والجملة في محل نصب بِيَروا لتعليقه عنها بكم، وأنهم إليهم لا يرجعون} مفعول لأجله ليروا، وقيل غير ذلك.
قوله:
(بخلاف كذا)
أي فيعمل فيها ما قبلها كمثاله، واعلم أن كأيَ، وكذا يتفقان مع كمن في الاسمية، والبناء والإبهام، والافتقار إلى المميز، وتنفرد كأيَ بموافقتها في التصدر وفي التكثير تارة وهو الأغلب، والاستفهام أخرى وهو نادر ولم يثبته الجمهور ومنه قول أبيّ بن كعب لابن مسعود: كأيَ تقرأ سورة الأحزاب آية فقال ثلاثاً وسبعين، وتنفرد كذا بموافقتها في أنها تميز بجمع، ومفرد ويخالفانها في أن كم بسيطة على الصحيح وهما مركبان كما مر وفي منع إضافتهما إلى التمييز كما مر، وتنفرد كأيَ بمخالفتها في غلبة جر تمييزها بمن حتى قيل بوجوبه، ولا يدخل عليها جار خلافاً لمن أجاز بكأيَ تبيع هذا الثوب، ولا تميز إلا بمفرد، وتنفرد كذا بمخالفتها في عدم التصدر ووجوب نصب تمييزها ولا تستعمل غالباً إلا معطوفاً عليها كما مر والله أعلم.
- الحكاية -
هي لغةً: المماثلة واصطلاحاً: إيراد اللفظ المسموع بهيئته أو إيراد صفته أو معناه وهي إما حكاية جملة، وتكون بالقول وما تصرف منه فيحكى به لفظها، أو معناها، وإما حكاية مفرد وهي ضربان: حكاية اللفظ المفرد مع استفهام، ويسمى الاستثبات بأي أو من وهي التي ذكرها المصنف، والمحكي فيها صفة اللفظ، وحكايته بدون استفهام فإن كان الحكم على معنى اللفظ المحكي كانت شاذة كقول بعض العرب: دعنا من تمرتان لمن قال له: هاتان تمرتان، أو على نفس اللفظ فلا، وهذا هوالمراد بقول الكافية:
وإن نَسَبْتُ لأَداةٍ حُكْما
فابنِ أو اعرِبْ واجْعَلَنْها إِسْما
---(3/120)
وحاصل ذلك أنه إذا حكم على لفظ باعتبار كونه لفظاً جاز إعرابه بحسب العوامل، وجازت حكايته على أصله مع تقدير إعرابه فتقول: ضرب، وقام فعل ومن وعن حرف بالرفع لفظاً، أو بفتح الأولين وسكون الثانيين حكاية لأصلهما مع تقدير الرفع ثم اللفظ الذي على حرفين إن حكي لم يغير سواء كان ثانيه ليناً أم لا كغيره، وإن أعرب وثانيه وجب تضعيفه نحو: لوّ وفيّ، حرف بشد الواو والياء كقوله:
434 ــــ ألامُ على لَوْ ولو كُنْتُ عالِماً
بأذنابِ لَوْ لَمْ تَفُتْنِي أَوَائِلُهْ
ومنه الحديث «إياكم واللوّ فإن اللو تفتح عمل الشيطان» فضاعفها وقرنها بأل لصيرورتها اسماً للفظ، ويقلب الحرف المضاعف همزة في ما ولا للساكنين تقول ما ولا حرف بهمزة بعد الألف فإن صح ثانيه كمن جاز التضعيف، وعدمه أفاده الفارضي وفي الرضي وشرح اللبان للسيد أنه يجب تضعيف الثنائي المراد لفظه إذا أعرب صحيحاً كان أو معتلاًّ فإن جعل علماً لغير لفظه امتنع التضعيف في الصحيح لئلا يلزم تغيير اللفظ والمعنى ووجب في المعتل لئلا يسقط حرف العلة للتنوين فيبقى المعرب على حرف اهـ فتلخص أن أقسام الحكاية أربعة اقتصر المصنف على الثاني، وثالثها شاذ وقد علمت الباقيين.
قوله:
(احك بأي)
الباء للآلة أو ظرفية سم.
قوله:
(بالمنكور)
أي ما ثبت له من صفة الإعراب وغيره وخرج به المعرفة فلا تحكي صفتها وحدها بل هي وصفتها بعد من خاصة.
قوله:
(في الوقف)
متعلق بإحك.
قوله:
(والنون حرك إلخ)
الجملة تفسير لإحك لأن حكاية النكرة بمن هي نفس تحريكها، وإشباعها لا غيرهما كما يوهمه العطف.
قوله:
(مطلقاً)
أي في أحوال الإعراب الثلاثة.
قوله:
(وأشبعن)
بنون التوكيد الثقيلة خففت للوقف لا الخفيفة، وإلا لأبدلت فيه ألفاً كما قاله ابن غازي.
قوله:
(منان ومنين)
بصيغة المثنى فيهما.
قوله:
(إلفان)
---
بكسر الهمزة مثنى الإلف كذلك بمعنى مؤالف وبابنين أي معهما وهو لف ونشر مرتب فمنان الحكاية إلفان، ومنين لابنين.(3/121)
قوله:
(وسكن)
أي النون الأخيرة لأنه لا يوقف على متحرك وكذا ما سيأتي.
قوله:
(أتت بنت)
الجملة مفعول قال، ومنه مفعول قل وهي بتاء التأنيث قلبت هاءً للوقف فالنون قبلها مفتوحة لأجلها، وقد تسكن مع سلامة التاء تنبيهاً على أنه تأنيث محكي لا لمن فيقال: منت لاغتفار الساكنين في الوقف، وإنما حكي فيها التأنيث دون الإعراب لسكون التاء في الوقف أبداً فلا يلحقها حرف المدِّ المتولِّد من حكاية الإعراب.
قوله:
(مسكنه)
أي للتنبيه على أن التاء ليست لتأنيث من بل لحكاية تأنيث كلمة أخرى، ولم تسكن نون المفرد على الأشهر لدفع الساكنين.
قوله:
(مسكناً)
حال من فاعل قل أي مسكنا آخرهما.
قوله:
(وإن تصل)
محترز قوله: ووقفاً احك الخ.
قوله:
(مذكوراً إلخ)
خرج المسؤول بها ابتداء فلا يحكى فيها شيء بل تكون بحسب العوامل، ومفردة مذكرة لا غير مثل من، وشذ قوله:
435 ــــ بأيَ كتابٍ أمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ
تَرَى حُبَّهُمْ عَاراً عَلَيَّ وتَحْسِبُ
قوله:
(فتقول لمن قال إلخ)
---
فأي في جميع الأمثلة المذكورة استفهامية معربة لكن اختلف هل إعرابها ظاهر وهو ما فيها من الحركات والحروف، أو هي لحكاية ما في اللفظ المسموع والإعراب مقدر قولان؛ فعلى الأول تكون بحسب مثل عوامل المحكي لكن في نحو المثال الأول تكون مبتدأ خبره محذوف مؤخر عنها لصدارتها أي أيّ جاء، وقال الكوفيون فاعل بمحذوف ليطابق المحكي، واستفهام الاستثبات لا يلزم الصدر عندهم، أما الثانية فمفعول لمحذوف مؤخر لما ذكر أي أيّاً رأيت، والثالثة مجرورة بحرف محذوف مع متعلقه أي بأيَ مررت، وكذا القياس وفيه أن حذف الجار، وإبقاء عمله شاذ، وعلى القول الثاني تكون مبتدأ دائماً محذوف الخبر أي أيُّ هو أو هم مثلاً، ورفعه مقدر لحركة الحكاية، أو حرفها مطلقاً، وقيل: ظاهر في الرفع إذ لا ضرورة لتقديره.
قوله:
(وإن سئل عن المنكور)(3/122)
أي العاقل لاختصاص من به بخلاف أي، وإنما اختصت حكاية الصفة لمن بخلاف المعرفة فتذكر بعد من غالباً إما محكية، أو غير محكية.
قوله:
(وتشبع الحركة)
أي التي اجتلبت للحكاية فالحروف التي بعدها إنما هي إشباع لها دفعاً للوقف على المتحرك، وقيل: الحروف ليست للإشباع بل اجتلبت للحكاية، أو لا فلزم تحريك ما قبلها، وصححه أبو حيان، وقيل بدل من التنوين في المحكي، ومن مبنية على سكون مقدر منعه حركة الحكاية، أو حركة مناسبة حرفها مفردة كانت أو لا، وليست منان ومنين ومنات معربة كما قد يتوهم من التثنية والجمع بل هي لفظ من زيدت عليها هذه الحروف للدلالة على حال المسؤول عنه فهي في محل عامل كعامل المحكي، أو في محل رفع أبداً مبتدأ حذف خبره أي من هو أو هم على قياس ما مر في أي.
قوله:
(ولمن قال مررت برجلين منين)
---
ظاهره لا يجب إعادة الجار فيحتمل أن محله جر بحرف محذوف، أو مبتدأ حذف خبره كما مر في أي، وقال ابن عصفور لا بد من إعادة الجار في من وأي، ويقدر متعلقه بعدهما لما مر، وينبغي جوازه قبلهما عند من يرى أن استفهام الاستثبات لا يلزم الصدر.
قوله:
(أتو ناري إلخ)
فيه شذوذات لحاق العلامة وصلاً كما في الشارح وتحريك النون، وكونه حكاية المقدر غير مذكور كما ذكره ابن المصنف، والتقدير: أتو ناري فقالوا: أتينا فقلت إلخ. وعليه فهو حكاية للضمير في أتينا فهو شذوذ آخر لأنه ليس نكرة، وجعله المصرح حكاية للضمير في: أتوا بلاتقدير، وردَّه يس كما في الصبان بأن الشاعر قال للجن حين إتيانهم له: منون أنتم؟ ثم أخبرنا عن ذلك بقوله أتو إلخ فالنطق بأتوا متأخر عن منون فكيف يحكي به فيتعين التقدير اهـ وهذا ظاهر على كون ذلك قصة وقعت حقيقةً. أما على ما قيل إن هذا الشعر أكذوبة من أكاذيب العرب فكلام المصرح محتمل تأمل.
قوله:
(عموا ظلاماً)
أصله أنعموا أي تنعموا في الظلام ويروى: عموا صباحاً وكلاهما صحيح لأنه من قصيدتين لشاعرين.
قوله:(3/123)
(والعلم احكينه)
أي عند الحجازيين وأما غيرهم فلا يحكونه بل يرفعونه بعدها مطلقاً على الابتداء والخبر ويجوِّز الحجازيون ذلك أيضاً بل هو الأرجح.
قوله:
(مِن بعد مَن)
ظاهر مطلقاً أي وقفاً ووصلاً، وهو كذلك اهـ سم والمخصوص بالوقف إنما هو حكاية صفة النكرة بها. أما أي فلا يحكى العلم بعدها كما لا تحكى سائر المعارف مطلقاً فإذا قيل: رأيت زيداً أو مررت بزيد قلت: أيُّ زيد برفع زيد لا غير لأن أي يظهر إعرابها فكرهوا مخالفة الثاني لها بخلاف من.
قوله:
(يجوز أن يحكى العلم)
---
أي بشرط كونه لعاقل، وأن لا يتيقن عدم اشتراكه فلا يقال من الفرزدق بالجر لمن قال: سمعت شعر الفرزدق لعدم الاشتراك فيه، وأن لا يتبع بنعت أو توكيد أو بدل فلا يقال: من زيداً العاقل لمن قال: رأيت زيداً العاقل نعم إن كان النعت بابن مضاف إلى علم حكي لصيرورته مع المنعوت كشيء واحد نحو: من زيد بن عمرو بالنصب لمن قال: رأيت زيد بن عمرو، وفي العلم المعطوف عليه خلاف والجواز مذهب سيبويه فيحكى المتعاطفان إن كانا معاً علمين كزيداً وعمراً، أما الأول فقط كزيداً وأخاه بخلاف أخا زيد وعمراً.
قوله:
(خبر عنها)
فهو مرفوع بضمة مقدرة في الأحوال الثلاثة للتعذر العارض بحركة الحكاية، وقيل حركته في الرفع إعراب.
قوله:
(أو خبره عن الاسم) أي أو من خبر إلخ.
قوله:
(عاطف)
هو الواو خاصة وقيل والفاء أيضاً، والمراد صورة العاطف لأنه للاستئناف، وقال الرضيّ: إنه للعطف على كلام المخاطب، ويلزم عليه عطف الإنشاء على الخبر في جواب: رأيت زيداً مثلاً.
تنبيه:
ظهر مما مر أن من تخالف أيّاً في خمسة أشياء اختصاصها بالعاقل، وبالوقف ويجب فيها الإشباع ولا تختص بالنكرة، ولا يجب فيها فتح ما قبل تاء التأنيث في نحو منة ومنتان بخلاف أي في الجميع.
قوله:
(إلا العلم)
أي إسماً كان أو لقباً، أو كنية لكثرة استعماله فجاز فيه ما لا يجوز في غيره والله أعلم.
----(3/124)
- التأنيث -
لم يقل والتذكير كما قال المعرب والمبني والنكرة والمعرفة لأنه لم يبينه هنا قصداً. وإن لزم من بيان التأنيث بيانه بخلاف ما ذكر.
قوله:
(علامة التأنيث إلخ)
أي التأنيث الكائن في مدلول الاسم المتمكن ولو بحسب الأصل كطلحة فخرج التأنيث في مدلول غيره فيدل عليه بغير التاء والألف كالكسر في: أنت، والنون في: هن.
قوله:
(تاء أو ألف)
---
لم يعبر بالهاء لأن التاء أصل عند البصريين، ولتشمل تاء الفعل الساكنة، وأشار بأو إلى عدم اجتماعهما فلا يقال: ذكراة، وأما علقاة لنبت، وأرطاة لشجر فألفهما مع التاء للإلحاق بجعفر، ومع عدمها للتأنيث سم. وفيه أنه في حالة عدم التاء منهما يحتمل أن ألفهما للإلحاق أيضاً كما مر وسيأتي فتدبر.
قوله:
(وفي أسام)
جمع أسماء جمع اسم فهو جمع الجمع غير مصروف لمنتهى الجموع كجوار.
قوله:
(والألف المقصورة)
هي ألف لينة زائدة على بنية الكلمة للدلالة على التأنيث، والممدوة كذلك إلا أنه يزاد قبلها ألف فتقلب هي همزة كما سيأتي عن البصريين.
قوله:
(أكثر إلخ)
أي وأظهر دلالة على التأنيث لأنها لا تلتبس أما الألف فتلتبس بألف الإلحاق والتكثير فيحتاج إلى تمييزها بما سيأتي.
قوله:
(ولذلك قدرت)
أي ولأن وضعها على العروض والانكفاء فيجوز أن تحذف الألف.
قوله:
(ما لا علامة فيه)
أي مما هو مجازي التأنيث والتذكير، وباب هذا الاستدلال السماع وإلا وجب تذكيره وقد مر ذلك في باب الفاعل مع التفضيل بين الحقيقي والمجازي موضحاً منظوماً مع حكم الألفاظ المقصودة فانظره.
قوله:
(كوصفه إلخ)
أي وكتأنيث خبره أو حاله أو عدده أو إشارته أو فعله.
قوله:
(في التصغير)
هذه العلامة تختص بالثلاثي، وبالرباعي إذا صُغِّرَ للترخيم كعُنَيْقَة وَذُرَيْعة تصغير عناق وذراع.
قوله:
(نحو كتيفة ويدية)(3/125)
أي من الأعضاء المزدوجة فإنها مؤنثة كعين وأذن ورجل، وغير المزدوج مذكر كذا في التصريح، وهو غير مطرد فمن المزدوج: الحاجب والصدغ، والخد، واللحي، والمرفق، والزند والكوع والكرسوع وهي مذكرة، وكذا الذراع بعض عكل والعضد، والإبط والضرس مما يذكر، ويؤنث وكذا العاتق كما قاله ابن السكيت، وتبعه الجوهري وغيره، ومن المنفرد: الكبد، والكرش، وهما مؤنثان والعنق، واللسان، والقفا، والمتن، والمعي تذكر وتؤنث أفاده الفارضي بزيادة من فتح الباري، وبعضه في المصباح.
---
قوله:
(ولا تلي)
أي التاء فارقة أي بين المذكر والمؤنث أما غير الفارقة فتلي فعولاً كغيره كملولة من الملل وفَرُوقَة من الفَرَق بفتحتين وهو الخوف فإن التاء فيهما للمبالغة لا للفرق، ولذلك تلحق المذكر والمؤنث.
قوله:
(ولا المِفْعال)
بكسر الميم وكذا مفعيل ومفعل.
قوله:
(تا الفرق)
بقصر تا وإضافتها للفرق.
قوله:
(ومن فعيل)
متعلق بتمتنع الواقع خبراً عن التاء، وكقتيل حال من فعيل لقصد لفظه، وجواب الشرط محذوف لدلالة تمتنع عليه.
قوله:
(لتمييز المؤنث)
أي الأصل فيها ذلك، وتكثر زيادتها في الأسماء لتمييز الواحد من الجنس في المخلوقات كشجر وشجرة، والمصنوعات كلبنٍ ولبنة وقد تزاد في الجنس لتمييزه من الواحد ككماءة وكمء، وقد تأتي للمبالغة كرواية لكثير الرواية، أو لتأكيدها كعلامة ونسَّابة، وتأتي في الجمع عوضاً عن ياء النسب التي في المفرد كأشعثي وأشاعثة وقد تعوض عن فاء نحو عدة وعين إقامة ولام سنة أو عن مدة تفعيل كتزكية، وقد تأتي لمجرد تكثير حروف الكلمة كقرية وبلدة وغرفة، ولغير ذلك وهي مع ذلك تدل على التأنيث المجازي لما هي فيه بدليل تأنيث ضميرها ما عدا التي للمبالغة، أو لتأكيدها فانسلخت عن التأنيث فتأمل.
قوله:
(ويقل ذلك في الأسماء)
أي أسماء الأجناس الجامدة بدليل مثاله لأنها تكثر في الأعلام كفاطمة وعائشة فتدبر.
قوله:
(وإنسانة)(3/126)
في القاموس امرأة إنسان، وبالهاء لغة عامية، وسمع في شعر كأنه مولَّد.
لقد كَسَتْنِي في الهَوَى
ملابسَ الصَّبِّ الغَزِلْ
إنسانةٌ فتَّانةٌ
بدرُ الدُّجى منها خَجِل
إذا زَنَتْ عيني بها
فبالدموع تَغْتَسِلْ
اهـ.
قوله:
(لأنه أكثر)
أي ولأن بنية الفاعل أصل المفعول.
قوله:
(فقد تلحقه)
يفيد عدم وجوبها بل إنها قليلة.
قوله:
(مهذار)
بالذال المعجمة.
قوله:
(عدو)
أي بمعنى من قام به العداوة لا من وقعت عليه لأنه بمعنى مفعول فليس بشاذ.
قوله:
(وميقان)
---
من اليقين أي لا يسمع شيئاً إلاأيقنه وتحققه.
قوله:
(لحقته التاء في التأنيث)
أي فرقاً بينه وبين فعيل بمعنى مفعول، ولم يعكس لأن الذي بمعنى فاعل يطرد من اللازم نحو ظرف، ورحم كفاعل بخلاف الثاني فإنه سماعي لا ينقاس في فعل من الأفعال فكان بعيداً عن فاعل، فلم يعطَ حكمه من التذكير والتأنيث.
قوله:
(وقد حذفت منه)
أي حملا له على فعيل بمعنى مفعول كما حمل هذا عليه في إلحاقه التاء كما سيأتي.
قوله:
(وهي رميم)
مبني على أنه بمعنى فاعل أي رامّة بمعنى بالية، وقيل هو بمعنى مفعول أي مرموم فليس من القليل وكذا قريب أي مقربة، وقيل إنما حذفت التاء لتأويل الرحمة بالغفران، أو على حذف مضاف أي أثر رحمة الله قريب، وقيل غير ذلك.
قوله:
(أي لم يتبع موصوفه)
أي لم يتبعه لفظاً ولا معنًى بأن لم يجرِ على موصوف ظاهر ولا منوي لدليل فخرج ما علم موصوفة بقرينة كإشارة إليه، أو ذكر ما يدل عليه كقتيل من النساء فلا تلحقه التاء فالمدار على العلم به، وإن لم يتبعه لفظاً فلو قال المتن:
ومِنْ فعيل كقتيلٍ إنْ عُرِفْ
مَوْصُوفُه غالباً التا تَنْحَذِفْ
لكان أوضح.
قوله:
(لحقته التاء)(3/127)
أي للفرق بين المذكر والمؤنث، ومعرفة الموصوف تغني عنها في ذلك وهذا التعليل موجود في باقي الصفات المذكورة كرأيت صبوراً، ومهذاراً، ومعطيراً، ومغشماً ولم يفرقوا في حذف تائها بين علم الموصوف وعدمه فإن كان ذلك قياساً فالكل سواء، أو بالسماع وهو الظاهر فلا إشكال ا هـ سيوطي.v
قوله:
(بأن تبع موصوفه)
أي ولو تقديراً كما مر، والمراد الموصوف المعنوي فيشمل ما إذا كان الوصف خبراً، أو حالاً، أو بياناً لا خصوص النعت النحوي.
قوله:
(وقد تلحقه التاء)
أي تشبيهاً بفعيل بمعنى فاعل كما مر.
قوله:
(وذات مد)
---
اعترض بأنه يقتضي أن علامة التأنيث في نحو: حمراء هي الألف اللينة التي قبل الهمزة لأنها هي تمد مع أن هذا لم يقله أحد بل هي عند الأخفش الألف والهمزة معا، وعند الزجاج والكوفيين الهمزة وحدها، والألف قبلها زائدة وعند البصريين الهمزة بدل منها لاجتماعها مع الألف قبلها كما مر ويُجاب بأن الإضافة في ذات مد لأدنى ملابسة. والمراد أنها مصاحبة، وتابعة للمد فيجري على أحد المذهبين الأخيرين، ويحمل على مذهب البصريين لأنه المختار والمراد أنها مشتملة على المد من اشتمال الكل على جزئه فيجري على مذهب الأخفش. غاية الأمر أنه أطلق الألف على مجموعهما.
قوله:
(أنثى الغر)
أي نحو الألف التي في اسم الأنثى من الغُرِّ وهو غرَّاء كحُمْر وحَمْراء.
قوله:
(والاشتهار)
مبتدأ وفي مباني أي الكائن في مباني، ويبديه خبره والمراد بالمباني الألفاظ التي تحل فيها الألف والحكم بالإشتهار على ذكره من أوزان المقصورة بالنظر لمجموعها لما سيأتي.
قوله:
(أُرَبَى)
بضم الهمزة وفتح الراء والباء الموحدة.
قوله:
(والطولى)
بالضم أفعل تفضيل مؤنث أطول كفُضلى، وأفضل.
قوله:
(كشبعى)
مؤنث شبعان مثال للصفة.
قوله:
(وكحبارى)(3/128)
الكاف اسم بمعنى عطف على أربي أو على وزن، وحُبارى بضم الحاء المهملة فموحدة اسم طائر يستوي فيه الواحد المذكر وغيره، طويل العنق والمنقار رمادي اللون شديد الطيران كثير السلاح أي الروث، وهو مما قيل فيه سلاحه سلاحه وهو مأكول، وولدها يسمى النهار، وفرخ الكروان يسمى الليل.
قوله:
(سُمهى)
بضم السين المهملة وفتح الميم مشددة اسم للباطل.
قوله:
(سبطري)
بكسر السين المهملة وفتح الموحدة وسكون الطاء المهملة بعدها راء.
قوله:
(وحثيثي)
بمهملة مكسورة فمثلثتين أولاهما مكسورة مشددة وبينهما ياء تحتية.
قوله:
(مع الكفري)
بضم الكاف والفاء وشد الراء، وبتثليث الكاف مع فتح الفاء أشموني.
قوله:
(خليطي)
---
بضم الخاء المعجمة وفتح اللام المشددة، والشقاوي بضم الشين المعجمة وشد القاف.
قوله:
(استنداراً)
أي ندوراً مفعول أعز بمعنى أنسب.
قوله:
(ولكل منهما أوزان)
ذكر المصنف للمقصورة اثنى عشر، وللممدودة سبعة عشر.
قوله:
(فمن المشهور فعلى)
أي بضم ففتح تبع في ذلك ظاهر المتن، وقد استشكله الموضح بندوره في المقصورة، بل قيل: شاذ، ولم يأت منه إلا أربى للداهية، وأرنى بالنون لحب يعقد به اللبن، وجُعبى بجيم فمهملة فموحدة لكبار النمل، وشعبى بمعجمة فمهملة فموحدة، وأدمى بدال مهملة فميم وجنفى بجيم فنون ففاء لمواضع وهو في الممدودة كثير وسيأتي آخر الباب فهو من الأوزان المشتركة كفعلى بفتح فسكون، وفي شرح العمدة إن سمهى، وخليطى، وشقارى من الأبنية الشاذة إلا أن يراد المجموع كما مر.
قوله:
(ومنها فُعْلى)
أي بضم فسكون كبهمى لنبت أي فألفه للتأنيث، فلا تلحقها التاء وقولهم: بهماة شاذ وقيل: للإلحاق، وأما الذي بمعنى الشجاع فبهمة التاء.
قوله:
(ومنها فَعَلَى اسماً)
أي بفتحات وعدَّه في التسهيل من المشترك، ومنه مع الممدودة قرماء، وجنفاء لموضعين، ويقصران أيضاً، وابن دأثاء بمهملة فهمزة فمثلثة وهي الأمة، ولا يحفظ غيرها.
قوله:
(كَبَردَى)(3/129)
بموحدة فراء فمهملة نهر بدمشق.
قوله:
(كَمَرطَى)
بميم فراء فطاء مهملة مفتوحات، وقوله العَدْو بفتح فسكون أي سرعة المشي يقال: مرطت الناقة مرطى، وبشكت بشكى بموحدة فمعجمة، وجمزت جمزى بجيم فميم فزاي أي أسرعت، والأفعال الثلاثة بوزن ضرب، ومصادرها على فعلى.
قوله:
(كحيدى)
بمهملتين بينهما تحتية.
قوله:
(فَعْلى جمعاً)
---
أي بفتح فسكون، وهو من الأوزان المشتركة في الصفة، ومنه في الممدودة حمراء واحترز بقوله جمعاً إلخ عن اسم جنس غير ما ذكر فلا يتعين كون ألفه للتأنيث بل تكون له تارة فتقصر كرضوى وسلمى، وقد تمد كالعواء أحد منازل القمر، ويقصر أيضاً وللإلحاق أخرى كعلقاة بالتاء ومما فيه الوجهان أرطى لشجر يدبغ به، وعلقى لنبت، وتترى بمعنى متواترين فمن نونها جعل الألف للإلحاق، ومن لم ينون جعلها للتأنيث.
قوله:
(فُعالى)
بضم الفاء، ويجيء اسماً كحبارى وسمانى، وجمعاً كسكارى قيل وصفة لمفرد كجمل علادي بعين ودال مهملتين أي شديد.
قوله:
(ومنها فعلى كسُمَّهى)
أي بضم الأول وفتح الثاني مشدداً.
قوله:
(فعلى كسِبَطْرى)
أي بكسر ففتح فسكون مشية فيها تبختر، ودفقى بمهملة ففاء فقاف بوزنها مشية بتدفق وإسراع.
قوله:
(فِعْلى مصدراً)
أي بكسر فسكون. ولم يطلقها، كالمصنف، بل قيدها بالمصدر والجمع لأنها في غيرهما لا يتعين كونها للتأنيث بل تكون للإلحاق إن نونت كعزهى للرجل الذي لا يلهو انظر الأشموني.
قوله:
(ظربى)
بظاء مشالة فراء موحدة.
قوله:
(ظَربان)
بفتح فكسر أو بكسر فسكون.
قوله:
(تفسوا إلخ)
أي فجعل فَسْوَه سلاحاً يحترز به فلا يقربه أحد إلا أرسل عليه ما لا يطيقه ويسمونه مفرق الإبل لنفارها من فسوه، ويدخل حجر الضب فيفسو عليه ثلاثاً فيُغشى عليه فيأكله وأولاده.
قوله:
(وكحَجْلى)
بمهملة جمع حَجَلَة بفتحات طائر.
قوله:
(فِعَّيلَى)(3/130)
أي بكسر الفاء والعين المشددة، والصحيح قصره على السماع، ولم يجىء إلا مصدراً كحثيثى مصدر حث أي طلب بشدة على غير قياس، وجعله في التسهيل من الممدودة أيضاً كخَصِيصَاء للاختصاص، وفَخِيرَاء للفخر يقصران.
قوله:
(فُعُلَّى)
بضم الأولين وشد الثالث.
قوله:
(فعَّيلى)
---
أي بضم الأول وفتح الثاني مشدداً، ومنه قُبَّيطى لنوع من الحلوى يسمى الناطف، ولغيزى للغز، ولم يسمع منه مع الممدودة إلا قولهم هو عالم بدخيلائه أي بأمره الباطن.
قوله:
(فُعَّالى)
أي بضم الأول وشد الثاني، ومنه الخبازى المعروفة، وتخفيف باؤها، ويقال خبيزة.
قوله:
(مثلث العين)
حال من أفعلاء، وإضافته لفظية فلا يتعرف بها.
قوله:
(مطلق العين)
حال من فعالى، ومطلق فاء حال من ضمير أخذ الراجع إلى فعلاء أي غيره مقيد بحركة.
قوله:
(كديمة هطلاء)
الديمة مطر بلا رعد ولا برق.
قوله:
(سحاب هَطِل)
أي بكسر الطاء ويقال هطَّال بشدها.
قوله:
(روغاء)
قيل بالراء والغين المعجمة من راغ الثعلب ذهب يمنه ويسره لكن في الصحاح في باب العين المهملة، والرورغاء من النوق الحديدة الفؤاد، وكذلك الفرس ولا يوصف به المذكر اهـ وهو الموافق لتفسير الشارح فليحمل عليه فتدبر.
قوله:
(تهطل هَطْلاً)
كَتَنْصر نَصْراً وَهَطَلانًا بفتحات، وتهْطَالاً بفتح المثناة فوق.
قوله:
(مثلث العين)
أي مع فتح الهمزة.
قوله:
(ومنها فَعْلَلا)
أي بفتح فسكون فتح.
قوله:
(لأنثى العقارب)
أي ولمكان أيضاً.
قوله:
(ومنها فعالاء)
أي بكسر الفاء.
قوله:
(كقُرفُصاء)
بضم الأول ويجوز في ثالثة الفتح والضم يقال: قعد القرفصاء إذا قعد على قدميه وألييه، وألصق بطنه بفخذيه.
قوله:
(لِحُجْر)
بضم الجيم وسكون الحاء المهملة من جحرة بوزن عنبة جمع جحر كما في المصباح.
قوله:
(فِعْلِياء)
بكسر الفاء واللام وسكون العين.
قوله:
(فَعالاء مطلق العين)
أي مع فتح الفاء.
قوله:
(دبوقاء)
بدال مهملة فموحدة ثم قاف.
قوله:
(للعذرة)(3/131)
بفتح المهملة وكسر المعجمة هي الفضلة الغليظة.
قوله:
(براساء)
بفتح الموحدة والراء والسين المهملة.
قوله:
(في البرنساء)
أي ممدوداً.
قوله:
(وكثيراء)
بالمثلثة اسم لبزر كما في الفارضي.
قوله:
(مطلق الفاء)
أي مع فتح العين.
قوله:
(خُيَلاء)
---
بضم المعجمة وفتح التحتية.
قوله:
(جَنَفَاء)
بفتح الجيم والنون والفاء.
قوله:
(وسيراء)
بكسر السين المهملة، وفتح التحتية والراء، ويطلق على الذهب وعلى نبت أيضاً، والله سبحانه وتعالى أعلم.
- المقصور والممدود -
قال الجار بردي: هما نوعان من الاسم المتمكن فلا يطلقان اصطلاحاً على المبني، ولا الفعل، والحرف أي كما يفيده تعريف الشارح، وقولهم في هؤلاء ممدود تسمح أو على مقتضى اللغة كقول القراء في: جاء وشاء ممدودان اهـ. ويرد عليه إطلاقهما على ألفي التأنيث إطلاقاً شائعاً كالألف المقصورة والممدودة، كما يطلقان على الاسم المشتمل عليهما كحبلى وصحراء، ويبعد أنه ليس حقيقة عرفية إلا أن يستثنيا من غير المتمكن فتأمل. ثم ما قيل أن تعريفي الشارح يشملان نحو: حبلى وصحراء مع أنهما قد تقدما قبل فذكرهما ثانياً تكرار يرد بأن ذكرهما السابق من حيث التأنيث ودخولهما هنا من حيث المد والقصر فلا تكرار على أن ذكر العام بعد الخاص لا يعد تكراراً فتدبر.
قوله:
(إذا اسم)
أي صحيح.
قوله:
(وكان ذا نظير)
أي من المُعَلِّ، وقوله: كالأسف مثال للصحيح المستوجب الفتح ولم يمثل لنظيره من المعل.
قوله:
(كفِعَل)
---(3/132)
بكسر ففتح وفُعَل بضم ففتح وفِعْلة بكسر فسكون، والثاني بضم فسكون، وهذا عطف على قوله: كالأسف بتقدير العاطف كما قاله ابن هشام لأنه نوع ثانٍ مما يستوجب الفتح أعم من كونه صحيحاً، أو معتلاً وقوله نحو: الدمى مثال للمعتل من هذا النوع، ولم يمثل لصحيحه عكس النوع الأول، وإنما قدرنا العاطف، ولم نجعله مثالاً لقوله: فلنظيره المعل إلخ، كما أن الأسف مثال للصحيح كما قاله سم. وأقروه لئلا يوهم أنه نظير الأسف، وليس كذلك فتدبر. والحاصل أن الذي يستوجب فتح ما قبل آخره فيكون معتله مقصوراً أنواع كثيرة ذكر المصنف منها نوعين عامين في الصحيح والمعتل الأول: مصدر فعل بالكسر اللازم فإن قياسه فعل بفتحتين وقد أشار إلى هذا مقتصراً على تمثيل صحيحه بالأسف الثاني جمع فعلة وفعلة على فعل وفعل، وقد صرَّح به واقتصر على تمثيله معتله بالدمى ففيه شبه احتباك، ومنها اسم مفعول غير الثلاثي كمكرم ومحترم فإن معتله مقصور بفتح ما قبل آخره كمعطى ومصطفى، ومنها أفعل سواء كان للتفضيل كأقصى نظير أفضل أم لا كأعمى وكأحمر، ومنها جمع فعلى بالضم أنثى أفعل على فعل ككبرى وكبر ونظيره قصيّ ودنيّ جمع قصوى ودنيا وغير ذلك.
قوله:
(حرف إعرابه)
من إضافة المحل للحال فيه لأن الألف محل الإعراب لا نفسه، وهذا التعريف لما يعم القياسي والسماعي، وكذا تعريف الممدود الآتي بخلاف تعريفي المتن فقاصران على القياسي منهما.
قوله:
(نحو يرضى)
هو خارج أيضاً بقوله: لازمة لأن ألفه تذهب للجزم.
قوله:
(المبنى)
أي سواء كان اسماً كإذا ومتى، أو فعلا كرمى ودعا، أو حرفا كعلى وإلى. فكل ذلك لا يسمى مقصوراً اصطلاحاً.
قوله:
(المثنى)
مثله الأسماء الخمسة لذهاب ألفها رفعاً وجراً لا يقال ألف المقصور تذهب إذا نون فلا تكونن لازمة لأن المحذوف لعلة تصريفية كالثابت.
قوله:
(قياسي)
هو وظيفة النحوي والسماعي وظيفة اللغوي الذي يسرد ألفاظ العرب، ويفسرها.
---
قوله:
(كل اسم معتل)(3/133)
الأولى معل لأن المعتل ما فيه حرف علة غير أم لا، والمعل هو المغير، وهو المراد هنا لأن الاسم لا يوصف بالقصر إلا بعد تغيير يائه مثلاً، وأما قول المتن: المعل الآخر فالأولى فيه المعتل لأنه هو الذي يصح فيه تعليل ثبوت القصر. أما المعل وهو المغير فالقصر ثابت فيه فلا معنى لتعليقه بإذا فتأمل.
قوله:
(جوى جوى)
بالجيم كفرح فرحا وهوالحرقة من حزن أو عشق.
قوله:
(فإن نظيره الخ)
المراد المناظرة في الوزن، ونوع الاسم كالمصدرية والجمعية لا خصوص الوزن.
قوله:
(مرية)
بالراء وهوالجدال ومدية بالدال السكِّين.
قوله:
(قرب)
بالكسر والثاني بالضم على ترتيب ما قبله.
قوله:
(وما استحق)
أي من الصحيح، وألف مفعوله، وُقِفَ عليه بالسكون على لغة ربيعة وقوله: في نظيره، أي من المعتل الآخر لأن حرف العلة إذا تطرف بعد ألف زائدة قلب همزة.
قوله:
(نحو حمراء الخ)
هو داخل في تعريف الشرح لا المتن لما سيأتي.
قوله:
(كماء)
أي فلا يسمى ممدوداً كما نص عليه الفارسي لعروض مدِّه لأن ألفه بدل من الواو في: موه لا زائدة.
قوله:
(وآء)
بهمزتين بينهما ألف، وكذا آءة كجام، وجامة، وانظر ما أصل ألفهما.
قوله:
(كل معتل الخ)
أي معتل الآخر، وهذا مع تعريف المقصور القياسي يقتضيان أن نحو: حبلى وصحراء من السماعي لا القياسي لأنهما ليسا معتلين لهما نظير من الصحيح لزيادة ألفهما على بنية الكلمة بخلاف ألف المقصور، وهمزة الممدود القياسيين فمنقلبان عن أصل كما لا يخفى، وقد لا يتوقف في ذلك وسيأتي عن الفراء ما يصرح بأن نحو حمراء من الممدود قياساً إلا أن يقال: المراد هنا القياسي غيرهما لتقدم الكلام على ما ينقاسان فيه من الأوزان فتدبر.
قوله:
(وارتأى)
---
بوزن افْتَعَل من الرَّأْي أي التَدَبُّر يقال: ارْتَأَ في أمره ارْتئَاءً إذا تدبَّر، وأصله ارتأى ارتئاياً كاقتتل اقتتالاً قُلِبت ياء الفعل ألفاً لانفتاح ما قبلها، وياء المصدر همزة لتطرُّفها إثر ألف زائدة.
قوله:(3/134)
(وكذا مصدر الخ)
مثله مصدر فعل بالفتح يفعل بالضم دالاً على صوت أو مرض فإن قياسه فُعال بالضم كرغاء لصوت ذوات الخف وثغاء بمثلثة فمعجمة لصوت الشاة، ومشاء لإطلاق البطن، ونظيرهما من الصحيح بغام لصوت الظبي، ودوار لدوران الرأس، وكذا مصدر فاعل كوالى ولاء، وعادى عداء كضارب ضراباً، وقاتل قتالاً، وغير ذلك.
قوله:
(والعادم النظير)
مبتدأ خبره بنقل، وذا قصر وذا حالان من المستكن في الخبر أي العادم النظير مأخوذ بنقل حال كونه ذا قصر الخ، وفيه تقدم الحال على عاملها الظرفي ومر ما فيه.
قوله:
(كالحجى الخ)
لف ونشر مرتب فالحجى بمهملة فجيم مقصور لا غير، والحذاء بمهملة فمعجمة ممدود لا غير لكن قصره للوزن.
قوله:
(فمن المقصور السماعي الخ)
أي لأنها ليس لها نظير من الصحيح يماثلها في جميع الأوصاف من الوزن والمصدرية أو الجمعية، والوصفية مثلاً. وإن وجد وزنها كبطل وعنب.
قوله:
(مجمع عليه)
أي في الجملة وإلا فقد منعه الفراء فيما له قياس يوجب مده كفعلاء أفعل، ويرده في السماع.
قوله:
(قصر الممدود)
أي لأنه رجوع إلى الأصل. وهو القصر كقوله:
436 ــــ لا بُدَّ مِنْ صَنْعَا وَإنْ طَالَ السَّفَرْ(2)
قوله:
(يا لك الخ)
---
يا للتنبيه، وذلك خبر مبتدأ محذوف أي لك شيء، ومن للبيان كذا في الصبان، وفيه نظر لعدم ملايمته للمعنى. فالظاهر أنه كقولهم: يا للماء والعشب، تعجباً من كثرتهما، فيا واللام للاستغاثة استعملا في التعجب مجازاً، و: من تمر بيان للكاف كقوله: فيا لك من ليل كأنه قيل: أحضر يا تمر ليتعجب منك فالمنادى في الحقيقة هو الكاف فتدبر، والشيشاء بمعجمتين أولاهما مكسورة بينهما تحتية هو الشيص أي الثمر الذي لم يشتد حبه، وينشب بفتح الشين أي يتعلق والمَسعَل بفتح الميم والعين المهملة موضع السعال من الحلق، واللها جمع لهاة كحصى وحصاة وهي لحمة مطبقة في أقصى سقف الحنك والله أعلم.
------ً(3/135)
- كيفية تثنية المقصور والممدود وجمعهما تصحيحا -
اقتصر عليهما الوضوح تثنية غيرهما وجمعه وإن كان هذا الباب يعقد للتثنية، والجمع مطلقاً وتصحيحاً إما تمييز محول عن المضاف إليه أي: وكيفية تصحيح جمعهما، أو حال من جمع أي مصححاً، ولم يذكر تكسيرهما لأنَّ له باباً يخصه.
قوله:
(رابعة الخ)
أي سواء كان أصلها ياء كمسعى من سعيت، أو واواً كما ذكره.
قوله:
(قلبت ياء)
أي لكونها مع علامة التثنية، ولا يمكن تحريكها لأن الألف لا تقبل الحركة، وحذفها يلبس المثنى عند إضافته لياء المتكلم بالمفرد المضاف لها كفتاي، وإنما قلبت ياء في غير الثلاثي رجوعاً إلى أصلها في نحو: مسعى. كما رجعت إليه في نحو: فتى، وحملاً على الفعل غير الثلاثي في نحو: ملهى لرد الواو فيه إلى الياء كالهيت واصطفيت من اللهو والصفوة كما سيأتي في قوله:
والواو لا ما بَعْدَ الفَتْح يا انْقَلَبْ
وأما في الجامد الذي أميل فلأن الإمالة في المفرد تنحو بالألف نحو الياء فردت إليها في التثنية، أما ما لم يمل فلم يلاحظ فيه الياء أصلاً فرجع إلى الواو.
قوله:
(مجهولة الأصل)
---
هي التي في حرف أو شبهه كما يؤخذ من مثاله تبعاً لابن الحاجب ولظاهر ابن المصنف، وجعل المرادي ألفهما أصلية، ومثل مجهولة الأصل بنحو الددا بدالين مهملتين كالفتى وهو اللهو قال: لأنه لا يدري أهي عن واوٍ أو ياء اهـ أي لأنه ليس له أصل يرجع إليه في الاشتقاق، وليست أصلية لأن ألف الثلاثي المعرب لا تكون إلا منقلبة عن أحدهما، والظاهر في ألف موسى ونحوه من الأسماء الأعجمية أنها من المجهولة بمعنى أنه لا يدرى أهي زائدة كحبلى أم أصلية أم منقلبة. وموسى الحديد قيل بوزن حبلى فألفه زائدة للتأنيث، وقيل مذكر بوزن مفعل من أوسيت رأسه حلقته فألفه عن ياء أفاده في الصحاح.
قوله:
(في متى علماً)
قيد به هنا، وفيما يأتي لأنه قبل العلمية لا يثنى، ولا يوصف بالقصر لبنائه.
قوله:
(ونحو علباء)(3/136)
مبتدأ وكساء وحياء عطف عليه، وبواو خبره، وقوله: صحيح أي لهمزة وجوباً فلا يجوز إبدالها.
قوله:
(كعلباء)
بكسر العين المهملة هي عصبة العنق، وأصلها علباي بزيادة الياء لإلحاقها بقرطاس فقلبت همزة لتطرفها إثر ألف زائدة.
قوله: (في الملحقة) بكسر الحاء لأنها الحقت مدخولها بغيره وإنما ترجح قبلها لشبهها بألف حمراء في أنها بدل عن حرف زائد.
قوله:
(وإبقاء الهمزة الخ)
أي لقربها من الأصالة بإبدالها من أصلي.
قوله:
(قراء)
هو الناسك المتعبد، ووضاء هو الوضيء حسن الوجه وكلاهما بوزن رمان من قرأ كأل. ووضؤ كظرف.
قوله:
(الخَوْزَلى)
بفتح المعجمة وسكون الواو، وفتح الزاي مشية فيها تثاقل، وتبختر هو مثال للمقصور.
قوله:
(في جمع)
أي حال إرادته.
قوله:
(على حد المشي)
أي طريقه في الإعراب بحرفين، وسلامة بناء واحده، وحذف نونه للإضافة وهو جمع المذكر السالم.
قوله:
(مشعراً)
حال من الفتح، أو من فاعل أبقِ.
قوله:
(وإن جمعته)
أي المقصور.
قوله:
(فالألف)
مفعول أقلب، وقلبها مفعول مطلق نوعي أي اقلبها قلباً كقلبها في التثنية.
قوله:
---
(وتاء)
بالمد مفعول أول لألزمن بهمزة القطع مفتوحة لأنه من ألزم الرباعي، ذي التاء بالقصر مضاف إليه وتنحيه أي إزالة مفعوله الثاني.
قوله:
(إذا جمع الصحيح الخ)
هذا والاثنان بعده زيادة على المتن، وتركها لاختصاص هذا الباب بالمقصور والممدود ولما كان جمع الممدود بالواو والنون، وكذا بالألف والتاء كتثنيته سواء استغني عن ذكره وذكر جمع المقصور لمخالفته تثنيته.
قوله:
(وضم ما قبل الواو)
أي في الرفع، وإنما لم يبق الكسر مشعراً بالباء المحذوفة كفتح المقصور لثقله، ولئلا يلزم قلب الواو ياء لوقوعها بعد كسرة.s
قوله:
(وكسر ما قبل الياء)
أي في النصب والجر، والمراد بقاء كسره لأنه مكسور قبل الياء. وقيل: يكسر كسراً جديداً لتناسب الياء والواو في اجتلاب حركة ما قبلهما، وهو تكلف.
قوله:
(قاضون)(3/137)
أصله قاضيون بضم الياء، وأصل قاضين قاضيين بياءين أولاهما مكسورة حذفت حركة يائهما لثقلها، ثم الياء للساكنين، ثم ضمَّت ضاد الأول لمناسبة الواو وبقي كسر الثاني لمناسبة الياء، أو يقال في الأول نقلت ضمة الياء إلى الضاد بعد سلب حركتها، ثم حذفت الياء للساكنين.
قوله:
(مصطفون)
أصله مصطفوون بواوين أولاهما مضمومة لام الكلمة لأنه من الصفوة، والثانية واو الجمع، وأصل مصطفين مصطفوين بواو مكسورة فياء قلبت واوهما ألفا لتحركها، وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف للساكنين، وبقيت الفتحة دليلاً عليها. وما قيل إن الواو الأولى تقلب أولاً ياء لتطرفها بعد أربعة فيصير مصطفيون ومصطفيين، ثم تقلب الياء ألفاً مردود بأنه تطويل بلا طائل إذ لا حاجة إلى الياء هنا، بل تقلب ألفاً من أول الأمر بخلافها في التثنية، وجمع المؤنث فتقلب ياء للاحتياج إلى بقائها فيهما لما مر آنفاً.
قوله:
(قلبت ألفه الخ)
---
أي فحكمه كتثنيته سواء، وكذا جمع الممدود والمنقوص بالتاء والألف فلهما حكم تثنيتهما، وإنما لم يستغْن عن ذكر جمع المقصور بذكر تثنية كالمدود لاختلاف حكمه في جمعي التصحيح كما علمت بخلاف الممدود، وأما المنقوص فليس الباب له.
قوله:
(علمي مؤنث)
قيد به لأن الجمع بالألف والتاء لا ينقاس في الخالي من العلامة إلا إذا كان علم مؤنث، أو مصغر غير العاقل أو وصفه كما مر.
قوله:
(في فتاة)
بالفاء والتاء المثناة فوق لقول الشارح في جمعها: فتيات بالياء، أما جمع قناة بالقاف والنون أي الرمح أو حفرة الماء فَقَنَوَات بالواو كما في التصريح.
قوله:
(والسالم العين)(3/138)
أي من الإعلال والتضعيف كما سيأتي، وهو مفعول أول بأنِلْ أي أَعْطِ والثلاثي نعته، واسماً حال منه، واتباع مفعوله الثاني وهو مصدر مضاف لمفعوله الأول وفاء مفعوله الثاني، وبما شكل متعلق باتباع، والباء بمعنى في، ونائب فاعل شكل ضمير الفاء. وذكره لتأولها باللفظ، ومتعلقه محذوف أي شكل به فصلة ما جرت على غيرها، وحذف العائد المجرور وربما جر الموصول مع عدم اتحاد الحرفين معنًى ومتعلقاً وهو نادر كما مر في الموصول أي: أعطِ الاسم الثلاثي السالم العين إتباع عينه لفائه في الحركة التي شكلت بها الفاء.
قوله:
(إن ساكن العين مؤنثاً)
حالان من فاعل بدا العائد للسالم العين، وبدا فعل الشرط، وجوابه محذوف أي فأنله ما ذكر ومختتماً حال ثالثة، ومجرداً عطف عليه.
قوله:
(وسكن التالي)
أي العين التالي، وغير مفعول التالي، أو مجرور بإضافته إليه.
قوله:
(أتبعت عينه)
أي وجوباً في مفتوح الفاء، وجوازاً في مضمومها، ومكسورها فالأمر في المتن مستعمل في الوجوب والجواز معا بدليل البيت الثالث.
قوله:
(جفنة)
كقصعة وزناً ومعنًى.
قوله:
(جمل)
بضم الجيم وسكون الميم اسم امرأة.
قوله:
(التسكين والفتح)
---
أي مع الإتباع ففي مضموم الفاء، ومكسورها ثلاث لغات إلا إذا كانت لام الأول ياء، والثاني واو فيمتنع الإتباع كما ذكره بقوله: ومنعوا الخ إما مفتوح الفاء فليس فيه إلا الإتباع صحيحاً كان كجفنة، أو معتلاً كظبية وظبيات وجوَّز في التسهيل تسكين المعتل.
قوله:
(عن معتلها)
هو ضربان: ضرب قبل عينه حركة مجانسة لها كتارة ودولة، وديمة فهذا يبقى علي حاله، وضرب قبل عينه فتحة كجوزة، وفيه لغتان: الإتباع لهذيل، والإسكان لغيرهم، وسيذكرها هذا في المنتمي لقوم، وكذا يخرج بالصحيح العين مضاعفها كجنة بالفتح وهي البستان أو بالكسرة وهي الجنون أو الجن، أو بالضم وهي الوقاية فلا تغير عينة في الجمع.
قوله:
(ومنعوا الخ)(3/139)
إشارة إلى أن لإتباع الكسرة والضمة شرطاً آخر غير الخمسة المتقدمة، وهو أن لا تكون اللام واواً في إتباع الكسرة، ولا ياء في الضمة، وفهم منه جواز الفتح والإسكان حينئذ لم يمنع غير الإتباع، وكذا جواز إتباع الضمة إذا كانت اللام واواً كخطوة، وإتباع الكسرة مع الياء كلحية وهو الصحيح في هذا ولا ضرر في توالي كسرتين قبل الياء في لحيات كما لم يبالوا بضمتين قبل الواو في خطوات.
قوله:
(ذروة)
بكسر الذال المعجمة أعلى الشيء وزبية بضم الزاي وسكون الموحدة حفرة الأسد، والجروة مثلث الجيم مع سكون الراء الأنثى من ولد الكلب أو السبع.
قوله:
(ونادر)
خبر مقدم عن غير.
قوله:
(وحملت زفرات)
جمع زفرة وهي خروج النفس بأنين وشدة، وخص الضحى والعشي لزيادة وجد المتيَّم فيهما عن غيرهما، ويدان تثنية يد بمعنى القوة للتأكيد والله سبحانه وتعالى أعلم.
----
- جمع التكسير -
لم يتعرض له طائفة من النحاة قال الحريري(2): لفساد ألسنة العامة إلا في الجموع فلم يحتج للتنبيه عليها لأن النحو إنما وضع لإصلاح ما فسد وقيل: لأن كل الجموع مرجعها السماع فالأولى بها كتب اللغة التي تنبه عقب كل مفرد على جمعه، وقال بعض المتأخرين: أكثر الجموع سماعي لكن منها ما يغلب فيحتاج إلى ذكره ليحمل عليه ما لم يسمع جمعه أفاده في النكت.
قوله:
(أفعلة)
مبتدأ أو أفعل، وفعلة وأفعال عطف عليه، وجموع خبرها، والثلاثة الأول غير مصروفة للعلمية على الوزن المخصوص ووزن الفعل في أفعل ولها وللتأنيث اللفظي في الباقيين لكن نون أفعلة للضرورة وثمت هي، ثم العاطفة أنثت بالتاء المفتوحة في لغة، وأصلها السكون فإن قلت: جموع جمع كثرة وأقله أحد عشر فكيف أخبر به عن أربع؟ قلت لكثرة ما يوازنها من الألفاظ على أن جموع مما يستعمل في القلة حقيقة لأنه ليس لمفرده جمع قلة كرجال وقلوب كما سيأتي، أو يجري على مذهب السعد الآتي.
قوله:
(بتغيير)(3/140)
أي لصيغة مفرده سواء كان يتغير الشكل، أوالزيادة أو غيرهما من أقسام التكسير المشهورة، وهو تغيير صوري لا حقيقي لأن لفظ الجمع ليس هو لفظ المفرد بعد تغييره، بل هو لفظ آخر غيره، والياء للآلة، أو السببية فتفيد أن التغيير له دخل في الدلالة على الجمعية، وحينئذٍ فلا يشمل جمعي التصحيح لأن دلالتهما على الجمعية ليست بتغيير مفردهما بالزيادة، بل بنفس الزيادة وإن لزمها التغيير بدليل أن زيادة جمع المذكر تفيد الجمعية في الفعل، وحمل عليه المؤنث، وأما نحو صنوان}
(الرعد:4)
فزيادته لا تفيد الجمعية في غيره فكانت جمعيته ليست بها بل بالتغيير، وخرج أيضاً نحو: قاضون، وجفنات بالفتح إذ لا دخل لتغييرهما في الجمعية، بل هو للإعلال والإتباع فلا يخرجان عن التصحيح، وإن اقتضى كلامهم على جمع المؤنث أن نحو جَفَنَات تكسير فتدبر.
قوله:
(كذلك للمفرد والجمع)
---
هذا مذهب سيبويه واختار في التسهيل أنه مشترك بين المفرد واسم الجمع لا الجمع، فلا يقدر فيه تغيير، وإنما لم يجعل كجنب يستوي فيه الواحد، وغير من غير كونه جمعاً، أو اسمه لأنهم ثنُّوه مراداً به المفرد، فقالوا: فلكان، ولم يطلق بلفظه على الاثنين بخلاف جنب، والفرق بينهما بتثنية المفرد وعدمها، ولم يأت مثل ذلك إلا سبعة ألفاظ في الأشموني وحواشيه.
قوله:
(إلى العشرة)
الغاية داخلة بقرينة ما بعده.
قوله:
(على ما فوق العشرة)(3/141)
فهما مختلفان بَدْءاً وانتهاءً، واختار السعد وغيره أن بدء كل منهما ثلاثة، وانتهاء القلة عشرة، ولا نهاية للكثرة فيتحدان بَدْءاً لا انتهاء، وعلى هذا فالذي ينوب عن الآخر هو جمع القلة فقط لصدق جمع الكثرة على مادون العشرة حقيقة لا بالنيابة، وبذلك يندفع ما أورده القرافي على قول الفقهاء فيمن أقر بدراهم أنه يقبل بثلاثة من أنه جمع كثرة، وأقله أحد عشر فكيف يقبل المجاز مع إمكان الحقيقة؟ ويدفع أيضاً بأن دراهم ليس مجازاً في الثلاثة لأنه ليس لمفرده جمع قلة، أما نحو: ثياب مما له جمع قلة فيتعين فيه الجواب الأول.
قوله:
(مجازاً)
أي إن وجد الجمعان للمفرد كما سيأتي.
قوله:
(من أمثلة التكسير)
خرج جمعا التصحيح فهما لمطلق الجمع المتحقق في الكثرة والقلة بلا نظر إلى خصوص أحدهما كما استظهره الرضي تبعاً لابن خروف فيصلحان لها حقيقة بالاشتراك المعنوي، كحيوان للإنسان، والفرس لا اللفظي كما توهم، وقيل هما للقلة حقيقة وللكثرة مجازاً، واعلم أن جموع التكسير ثمانية وعشرون منها للقلة الأربعة المذكورة فقط على المختار، والباقي للكثرة، وكلها في المتن إلا فعالى بالضم كسكارى كذا في الفارضي والقلة والكثرة إنما يعتبران في نكرات الجموع، أما معارفها بأل أو الإضافة فصالحة لهما باعتبار الجنس، أو الاستغراق.
قوله:
(وبعض ذي)
---(3/142)
أي وبعض موازنات ذي يفي بكثرة ووضعاً تمييز محول عن الفاعل على الظاهر أي يفي وضعه وقوله والعكس جا أي وضعاً أيضاً بأن تضع العرب أحد البناءين صالحاً للقلة والكثرة. ويستغنوا به عن وضع الآخر، فاستعماله حينئذٍ مكان الآخر ليس مجازاً، بل حقيقة بالاشتراك المعنوي ويسمى ذلك بالنيابة وضعاً كأرجل في جمع رجل بكسر فسكون، وكرجال في جمع رجل بضم الجيم، فإنهم لم يضعوا بناء كثرة للأول، ولا قلة للثاني فإن وجد البناآن للفظ واحد كأفلس وفلوس في فلس، وأثواب وثياب في ثوب فاستعمال أحدهما مكان الآخر مجاز كإطلاق أفلس على أحد عشر، وفلوس على ثلاثة وتسمى النيابة في الاستعمال إذا علمت ذلك، فتمثيله لما ناب فيه بناء الكثرة عن القلة وضعاً بالصفي بضم الصاد وكسر الفاء جمع صفاة وهي الصخرة الملساء وأصله صفوي كفلوس قلبت الواو ياء، وأدغمت في الياء، وكسرت الفاء لمناسبتها فيه نظر، إذ لم يهمل جمع قلتها بل قالوا إصفاء على أفعال أيضاً، كما في الصحاح فكان الأولى حذفه إلا أن يحمل قوله: والعكس جا، على مطلق النيابة بلا تقييد بالوضع فتشمل النيابة في الاستعمال، وبعد ذلك فنيابة بناء الكثرة عن القلة وضعاً، أو استعمالاً إنما تأتي على مذهب غير السعد كما مر.
قوله:
(قد سبق أنه)
صوابه قد ذكر أي المصنف إذ لم تسبق النيابة وضعاً بل ذكر الشارح المجاز فقط، وفي نسخ: قد يستغنى، وهو الصواب.
قوله:
(لفعل)
أي بفتح فسكون.
قوله:
(عيناً)
---(3/143)
أي وفاء ولم يضاعف، وكان عليه أن يزيد ذلك فإن أفعل لا يطرد في معتل الفاء كوعد ووغد ووقف ووكر ووصف ووقت وهم لثقل الضم بعد الواو، ولا في المضاعف كجدر وحد وبر وشق وقد وفذ وعم وفن، وشذ من الأول وجه وأوجه، ومن الثاني كف وأكف، بل قياسهما أفعال كأوعاد وأوقات وكأجداد وأرباب وأفذاذ، وكثيراً ما يجيء الثاني بجمع الكثرة كجدود وحدود وقدود، وقد نبَّه في الكافية وشرحها على استثناء هذين نعم إن أريد بصحيح العين ما ليس معتلاً ولا مضاعفاً كما هو اصطلاح لبعضهم ولم يرد الثاني نكت بزيادة.
قوله:
(يجعل)
نائب فاعله يعود على أفعل، ومفعوله الثاني قوله: للرباعي وقوله: إن كان أي الرباعي والعناق بفتح المهملة أنثى المعز.
قوله:
(صحيح العين)
أي سواء صحَّت لامه أيضاً أم لا كما مثله.
قوله:
(وأظب)
بفتح الهمزة وكسر الموحدة آخره منوناً، ومثل: أدل وأجر وآم جمع دلو وجرو وأمة بفتحتين، وأصلها أدلو وأجرو وآمو بضم ما قبل الواو، قلبت الضمة كسرة توصلاً لقلب الواو ياء، لأنه ليس في العربية اسم معرب آخره واو قبلها ضمة، ثم أُعِلَّ كقَاض، وأصل أمة أموة بفتح فسكون فهو على وزن فعل لأن الهاء في تقدير الانفصال فجمع على أفعل صبان، وفي الصحاح أصل الأمة أموة بالتحريك لجمعه على آم، وهو أفعل كأينق، ولا يجمع فعلة بالسكون على ذلك. اهـ ولعل الأول هو الصواب. فتقول: هذه أظب وأدل وآم ومررت بأظب وأدل وآم ورأيت أظبياً وأدلياً وأمياً. كما تقول في قاض.
قوله:
(لاستعمال هذه الصفة الخ)
أفاد أن كل صفة على فعل غلبت عليها الاسمية ينقاس فيها أفعل.
قوله:
(وشذ عين أو عين)
أي قياساً لكثرته استعمالاً وأعينهم تفيض من الدمع} وتلذ الأعين}.
قوله:
(لكل اسم مؤنث)
أي بغير علامة لا نحو سحابة، وخرج بالاسم الصفة كشجاع، وبالمد نحو خنصر.
قوله:
(وغير ما أفعل الخ)
---(3/144)
غير مبتدأ خبره يرد، وبأفعال متعلق به، وجملة أفعل فيه مطرد صلة ما، ومن الثلاثي بيان لغير منسوب بتبعيض فهو حال منها، أو من ضميرها في برد لا بيان لما لأنه يصير المعنى: وغير الثلاثي المطرد فيه أفعل يرد بأفعال فيصدق بالزائد على الثلاثة مع أن: أفعال فيه سماعي كشهيد وأشهاد وشريف وأشراف وجاهل وأجهال وعدو وأعداء، واعلم أن أوزان الثلاثي اثنا عشر من ضرب تثليث فإنه في تثليث عينه وسكونها منها وزن مهمل وهو كسر الفاء مع ضم العين، وعكسه نادر كما سيأتي في التصريف يبقى عشرة منها صورة يطرد فيها أفعل وهي فعل بفتح فسكون الصحيح العين، والتسعة الباقية تجمع على أفعال، وكذا فعل المعتل العين كثوب وأثواب، فالجملة عشر صور يشملها قوله وغير الخ. وقد مثل الشرح جميعها إلا فعل بضمتين كعنق وأعناق، وبفتح فكسر ككتف وأكتاف، ويزاد عليها فعل المعتل الفاء كوهم فيطرد فيه أوهام ويدخل في إطلاق المصنف إن ما عدا فعل بفتح فسكون يجمع على أفعال صحيحاً كان أو معتلاً حيث فصل فيه دون غيره فانظره. وخرج بالاسم الصفة كضخم وشهم فلا تجمع على أفعال، بل نحو هذين يجمع على فعال كما يعلم مما يأتي، وشذ من الصفة جلف وأجلاف وحر وأحرار.
قوله:
(وغالباً إلخ)
إشارة إلى استثناء صورة مما دخل تحت قوله: وغير إلخ، وهي فعل بضم ففتح فجمعه على أفعال قليل كما مثله الشارح أي شاذ، والغالب فيه فعلان بكسر فسكون، وهو من جموع الكثرة وإنما ذكره هنا لأجل الاستدراك على قوله وغير إلخ.
قوله:
(كثوب)
مثال للمعتل من فعل، وكمل أمثلة فتح الفاء بقوله: وجمل بالجيم وعضد لكن ترك منه كسر العين ككتف ونمر ومثل لمكسور الفاء بحمل وعنب وإبل، وضم العين فيه مهمل كما مر ولم يذكر لمضموم الفاء إلاّ قفل وبقي عنق، وسيأتي صرد وكسر العين منه قليل كما مر فهذه أمثلة الثلاثي.
قوله:
(وآبال)
أصله أأبال بهمزتين أبدلت الثانية ألفاً.
قوله:
---
(الصحيح العين)
أي والفاء وغير المضاعف كما مر.(3/145)
قوله:
(كفرخ وأفراخ)
مثله زند وأزناد وقوله:
(كصرد)
طائر فوق العصفور نصفه أبيض، ونصفه أسود أكله حرام على المعتمد اهـ سيوطي.
قوله:
(ونغر)
بالنون والغين المعجمة طير كالعصفور أحمر المنقار، الأنثى نَغْرَة كهمزة، وأهل المدينة يسمونه البُلْبُل.
قوله:
(في اسم مذكر)
متعلق باطرد وكذا عنهم، وبمد صفة لاسم وثالث صفة لمد، أو مضاف إليه وأفعلة مبتدأ غير مصروف للعلمية والتأنيث، وتنوينه يفسد الوزن، وكذا تصحيح همزته بل بنقل فتحها لتنوين ثالث وأطرد خبره.
قوله:
(وألزمه)
بفتح الزاي أي ألزم أفعلة في فعال بالفتح، أو فعال بالكسر حال كونهما مصاحبي إلخ وأشار بذلك إلى أن ما مدته ياء أو واو من الرباعي المذكور كرغيف وعمود، وما مدته ألف وهو غير مضاعف أو معتل كقذال ينقاس فيه غير أفعلة أيضاً وهو فعل بضمتين كما سيذكره، أما ذو الألف المضاعف، أو المعتل فيلزم فيه أفعلة.
قوله:
(جمع لكل اسم إلخ)
القيود أربعة فمتى انتفى أحدها في كلمة فلا تجمع على أفعلة وشذ من الصفة: شحيح وأشحة وقياسه أشحاء وشحاح، ومن المؤنث: عقاب وأعقبة وقياسه أعقب وعقب بضمتين وعقبان، ومن غير الرباعي قدح وأقدحه وباب وأبوبه والقياس قداح وأقداح وأبواب، ومما ليس مده ثالثاً نحو جائز وأجوزة وهي الخشبة الممتدة في أعلى السقف والقياس جوائز.
قوله:
(نحو قذال)
بالقاف والذال المعجمة كسحاب مجمع مؤخر الرأس، ومعقد العذار من الفرس خلف الناصية.
قوله:
(المضاعف)
هو من الثلاثي ما كانت عينه ولامه من جنس واحد مجرداً كان أو مزيداً.
قوله:
(كبتات)
---(3/146)
بموحدة مفتوحة وتاءين فوقيتين الزاد ومتاع البيت، وأصل أبتة أبتتة فلما اجتمع مثلان نقلت كسرة أولهما إلى الباء قبله ثم أدغم أزمة والزمام في الأصل الخيط الذي يشد في البرة أو في الخشاش ثم يشد في طرف المقود، ثم سمي به المقود نفسه ذكره في المصباح والبرة حلقة تجعل في أنف البعير تكون من صفر ونحوه والخشاش بالكسر الخشب الذي يجعل في عظم أنف البعير، وأما الخزامة فهي من شعر وبهذا ظهر لك معنى البرة والخشاش والخزامة اهـ سجاعي.
قوله:
(قَباء)
بفتح القاف نوع من الثياب، وأصله قباو بالواو وقال في المصباح كأنه من قبو الحرف أقبوه إذا ضممته أي عند النطق به سمي بذلك لأنه يضم على البدن فكأنه المسمى الآن بالقفطان.
قوله:
(وفناء)
بكسر الفاء وبالنون ما حول الدار وأصله فناي بالياء.
قوله:
(فعل لنحو إلخ)
أي بضم فسكون لكن يجب كسر فائه في جمع ما عينه ياء كبيض وبيضاء كما سيأتي في قوله ويكسر المضموم إلخ، ويكثر في الشعر ضمُّ عينه إن صحَّت هي ولامه ولم يضاعف كقوله:
437 ــــ وَأَنْكَرَتْنِي ذَوَاتُ الأعْيُنِ النُّجُلِ
بضم الجيم فإن اعتلت عينه كبيض أو لامه كعمي أو ضوعف كغر بالغين المعجمة لم يجز الضم.
قوله:
(وفِعْلة)
بكسر فسكون مبتدأ خبره يدري وبنقل متعلق به وجمعاً مفعوله الثاني وإنما صرح به مع أن الكلام في الجموع الواردة لقول ابن السراج بأنه اسم جمع لا جمع لعدم إطِّراده والأولى تقديم عجز البيت على صدره لتتوالى جموع القلة.
قوله:
(في وصف يكون إلخ)
---(3/147)
أي فأفعل وفعلاء حينئذ وصفان متقابلان، ومثله ما إذا كانا وصفين منفردين لمانع في الخلقة لاختصاص المعنى بأحدهما كأكمر، وآدر للمذكر ورتقاء وعفلاء للمؤنث، وهي بمهملة ففاء التي يجتمع في فرجها يشبه الأدرة للرجل فيتعين فيهما كمر وأدر ورتق وعفل بضم فسكون، أما إذا انفرد أفعل عن فعلاء لمانع في الاستعمال لا في الخلقة كرجل آلي لكبير الآلية وامرأة عجزاء لكبيرة العجز إذ لم يقولوا أعجز ولا الياء في أشهر اللغات مع صحتهما معنًى فمقتضى إطلاقه هنا قياسه فيه أيضاً كعجز وألى وهو ما نص عليه في شرح الكافية وفي التسهيل أنه محفوظ فيه.
قوله:
(وفُعُل)
بضمتين مبتدأ خبره لاسم وبمد صفة اسم والباء للمصاحبة، وجملة قد زيد صفة مد وإعلالاً مفعول مقدم لفقد، وفاعله ضمير اللام والجملة صفة لها.
قوله:
(في الأعم)
أي في الاستعمال الأعم أي الغالب المطرد، وذو الألف نائب فاعل يضاعف وهو استثناء من قوله: بمد والجار متعلق بمحذوف متصيَّد من المقام أي يشترط في ذي الألف عدم المضاعفة في الاستعمال الأعم فإن ضوعف لم يجمع على فعل في الأعم بل في النادر أما غيره فلا فرق فيه بين المضاعف وغيره.
قوله:
(وفعل جمعاً)
أي بضم ففتح وفعلة بضم فسكون، ونحو بالجر عطفاً على فعلة.
قوله:
(ولفعلة)
أي بكسر فسكون وفعل بكسر ففتح وقوله على فعل أي بضم ففتح.
قوله:
(وهو مطرد في كل اسم إلخ)
---(3/148)
خرج الصفة فلا يجمع منها على فعل إلاَّ فعول بمعنى فاعل كصبور وصبر وغفور وغفر وفخور وفخر وشذ نذر في نذير وصنع في صناع بفتح المهملة وتخفيف النون وهي المرأة المتقنة ففي مفهوم الاسم تفصيل، وخرج بالرباعي غيره كنار وقنطار بالمد الخالي منه وشذ نمرة ونمر، وبكونه قبل اللام نحو دانق، وبصحة اللام معتلها كسقاء وكساء فلا تجمع على فعل. واعلم أنه يجب تسكين عين هذا الجمع إن كانت واواً لثقل ضمها كسوار وسور وسواك وسوك، أما غير الواو فيجوز ضمها وتسكينها سواء صحت كقذال وقذل، أو كانت كسيال بكسر المهملة لشجر شائك وسيل، لكن إن سكنت الياء وجب كسر ما قبلها لما مر في بيض ويمتنع تسكين المضاعف كسرير وسرر.h
قوله:
(بين المذكر والمؤنث)
يؤخذ من هنا مع ما مر أن نحو: قضيب وعمود وقذال من المذكر ينقاس فيه كل من أفعلة وفعل، ونحو عناق وذراع من المؤنث ينقاس فيه كل من أفعل وفعل.
قوله:
(وكُراع)
بضم أوله وهو مستدق الساق من الغنم والبقر يذكر ويؤنث، ومثله في الفرس والإبل يسمى وظيفاً بواو فظاء مشالة ثم فاء كما في الصحاح وفي المثل: أُعْطِيَ العبدُ كِراعاً فطلب ذراعاً يضرب لمن أعطي شيئاً لم يكن يرجوه فطمع في أكثر منه، والكراع أيضاً اسم لجماعة الخيل، وتمثيله بذلك تبعاً لشرح الكافية صريح في قياس فعل في مضموم الفاء كمفتوحها ومكسورها كما هو ظاهر إطلاق المصنف هنا لكنه ذكر في التسهيل أنه نادر في المضموم وهو الصحيح فلا يقال: غراب وغرب وعقاب وعقب وينقاس في كراع أكراع باعتبار تأنيثه وأكرعة باعتبار تذكيره فتأمل.
قوله:
(نحو عنان)
بكسر العين المهملة ما تقاد به الدابة وبفتحها السحاب، وقياسه أعنة، وكذا حجاج بفتح الحاء المهملة وكسرها، وبجيمين العظم الذي ينبت عليه الحاجب.
قوله:
(لاسم على فُعْلة)
أي بضم فسكون خرج الصفة لندور مجيئها على فعلة كضخمة، وشذ رجل بهمة أي شجاع باسل وبهم.
قوله:
(نحو كسرة)
---(3/149)
أي بشرط كون الاسم تاماً لم يحذف من أصوله شيء فخرج بالاسم الصفة كصغرة وكبرة، وبالتام نحو رقَّة للغضة فإن أصلها ورق بكسر الواو حذفت فاؤها وعوض عنها التاء فلا يجمعان على فعل، وشذ من الأول رجل صمَّة أي شجاع وصمم وامرأة ذربة أي حديدة اللسان، وذرب ولا يرد عليه إهال هذين الشرطين لأن فعلة لم تجىء صفة إلا نادراً في ألفاظ ذكرها ابن السيد في المخصص بل منعها بعضهم وأما رقة فليس الآن على فعلة.
قوله:
(في نحو رام)
متعلق بمحذوف يدل عليه اطراد لا به لأن المضاف إليه لا يعمل فيما قبل المضاف وفعلة بضم ففتح مبتدأ خبره ذو اطراد يطرد في نحو رام.
قوله:
(على فاعل صحيح اللام إلخ)
خرج نحو: سيد وبر وخبيث وناعق فجمعها على سادة وبررة وخبثة ونعقة شاذ أشموني.
قوله:
(فعْلى لوصف)
أي بفتح فسكون.
قوله:
(وزمن وهالك)
بالجر عطفاً على قتيل وميت مبتدأ خبره قمن بكسر الميم أي حقيق أو زمن وما بعده مبتدأ خبره قمن لكن يتعين حينئذ فتح ميمه لأنه خبر عن جمع والمفتوح يستوي فيه الواحد وغيره، قاله المكودي. وفي قول الشارح: ويحمل عليه إلخ ميل إلى هذا لكن يلزم عليه عيب السناد في القافية فالأولى كسر ميمه خبراً عن الثلاثة لتأولها بالمذكور أو خبراً عن زمن وحذف خبر ما بعده لدلالته عليه أو عكسه.
قوله:
(على هلاك إلخ)
أي أو تشتت ليدخل أسير وأسرى.
قوله:
(ما أشبهه)
أي في الدلالة على الهلاك أو التوجع وذلك ستة أوزان الأربعة في الشارح وأفعل كأحمق وحمقى وفَعْلان كَسَكْران وسَكْرى، وبها قرأ حمزة وَتَرَى النَّاسَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى}
(الحج:2)
---(3/150)
وما سوى ذلك محفوظ كقولهم: رجل كيس أي عاقل، ورجال كيسى، وسنان ذرب أي حاد وأسنَّة ذُرْبَى قيل: والتوجع إما في نفس الموصوف أو غيره ليدخل: أحمق وسكران لأنهما يوجعان غيرهما، وفيه أنه حينئذ يدخل ذرب لأنه يوجع غيره مع أن فعلى لا ينقاس فيه وإن سمع فالأولى قصر التوجع على نفس الموصوف فإن شأن السكران والأحمق أن يوجع نفسه، وأدخلهما الموضح بقوله: ما دل على آفة قال شارحه: وهذان الوصفان مما دل على نقص ما.
قوله:
(كميت)
أصله ميوت فعل به كسيد فوزنه فعيل بتقديم الياء على العين المكسورة، وقيل غير ذلك.
قوله:
(لفعل اسماً)
أي بضم فسكون وفعلة بكسر ففتح وخرج بالاسم الصفة كحلو ومر ويصح لاماً نحو: عضو فلا يجمعان على فعلة.
قوله:
(الوضع)
مبتدأ خبره قلله أي إن وضع العرب قلل وزن فعلة في جمع فعل بالكسر وفعل بالفتح مع سكون العين فيهما كما يقتضيه صنيع الشارح وقدم الأشموني المفتوح وهو أولى، وهما مقيدان إن بما مر في فعل بالضم أي بكونهما اسمين صحَّا لاماً فالمعتل كظبي ونحي لا يجمع على فعلة أصلاً، وجمع الصفة نادر وفائدة التقييد مع أنه يقل في الاسم أيضاً تمييز القليل من الممتنع والنادر.
قوله:
(قُرط)
بضم القاف وسكون الراء فطاء مهملة ما يعلق في شحمة الأذن.
قوله:
(قِرْد)
بكسر القاف وضبطه بضمها سَبْق قلم قال في الصحاح: القرد واحد القرود وقد يجمع على قِرَدَة كفيل وفِيَلَة.
قوله:
(غَرْد)
بفتح المعجمة وسكون الراء فدال مهملة نوع من الكمأة وحكي كسر العين؛ صحاح.
قوله:
(وفُعَل)
بضم الفاء وفتح العين مشددة.
قوله:
(فيما ذكرا)
بشد الكاف أي في خصوص المذكر.
قوله:
(وذان)
بالنون لا الكاف إشارة لفعل وفعال وألف ندرا للتثنية.
قوله:
(في وصف)
خرج الاسم كحاجب العين وجائزة البيت وهي الخشبة المعترضة في وسطه فلا يجمعان على ما ذكر أما حاجب بمعنى مانع وجائزة بمعنى مارة فيجمعان لأنهما وصفان.
قوله:
---
(على فاعل)(3/151)
نحو صائم وصوام أفاد قيد التذكير الذي في المتن بسكونه عن فاعلة فيه دون فعل وفي نسخ على فاعل المذكر نحو: صائم إلخ وهو أولى.
قوله:
(وغزى)
بضم المعجمة وشد الزاي منونة أصله عزي كعذال قلبت الياء ألفاً وحذفت للتنوين، وسراء بشد الراء ممدوداً أصله سراي قلبت الياء همزة لتطرفها إثر ألف زائدة ويجوز في كل منهما المد والقصر.
قوله:
(فعل وفعلة)
بفتح فسكون فيهما، وفعال بكسر الفاء، وجملة ما ذكره له أربعة عشر وزناً يطرد في ثمانية منها ويشيع في خمسة ويلزم في واحد.
قوله:
(نحو ضيف وضياف)
أي وضيعة وضياع وقل أيضاً فيما فاؤه ياء كما في التسهيل كيعار في جمع يعرو ويعره بالمهملة وهي الشاة تربط للأسد في بيته وفي المثل أذل من اليعر.
قوله:
(وفعل أيضاً)
أي بفتحتين له فعال أي المذكور.
قوله:
(ذو التاء)
أي من فعل المذكور بقيده وهو كونه بفتحتين غير معتل ولا مضاعف لا مطلقاً ولم يصرح بذلك لوضوحه.
قوله:
(وفعل)
بالكسر مع فعل بالضم والعين ساكنة فيهما.
قوله:
(ما لم تعتل لامهما)
يشترط أيضاً كونهما اسمين فخرجت الصفة كبطل.
قوله:
(وأطرد أيضاً في فعل وفعل)
أي بشرط الاسمية فيهما فخرج نحو جلف وحلو وكون ثانيهما غير واوي العين كحوت، ولا يائي اللام كمدي بضم الميم وسكون الدال المهملة مكيال شامي فكل ذلك لا يجمع على فعال.
قوله:
(وفي فعيل)
متعلق بورد، وفاعله ضمير فعال، ووصف فاعل حال من فعيل، والمراد: ورد باطِّراد أخذاً من التشبيه بعده، وخرج بالوصف الاسم كقضيب وجريدة بفاعل، وصف المفعول كجريح وجريحة فلا ينقاس فيهما فعال، وكذا معتل اللام كقوي وقوية.
قوله:
(وشاع)
---(3/152)
أي كثر فعال في هذه الخمسة أوزان المذكورة قبل طويل أي وليس مطَّرداً فيه كما صرح في شرح الكافية، أما في الثمانية المتقدمة فمطرد لكن يجوز فيها غيره ككرماء في كريم، ومرضى في مريض، وأكعب وأجبل في كعب وجبل، وفي نحو: طويل لازم أي لا يجمع على غيره وذلك لقلته. ففي المحكم أن فعيلاً لم يأت صفة واوي العين صحيح الفاء واللام إلا في ثلاث كلمات: طويل وقويم وسهم صويب أي صائب تصريح.
قوله:
(على فعلاناً)
أي بفتح فسكون، وأنثييه أي فعلى وفعلانة بالفتح، وقوله أو على فعلانا أي بضم فسكون، وكذا فعلانة لأنها أنثاه.
قوله:
(خُمصان)
بضم الخاء المعجمة أي ضامر البطن.
قوله:
(وبفعول)
بضم الفاء متعلق بيخص فعل بفتح فكسر مبتدأ خبره يخص، وغالباً حال من نائب فاعله، والباء داخلة على المقصور عليه، والمراد بالتخصيص عدم المفارقة فلا ينافي الغلبة أي لا يتجاوزه إلى غيره من جموع التكسير في الغالب، وقد يتجاوزه كنمر ونمار أو نمرة بضمتين.
قوله:
(كذاك يطرد)
أي فعول.
قوله:
(وفعل)
بفتحتين مبتدأ خبره له أي فعل كائن لفعول أي من مفرداته أو له خبر لمحذوف أي له فعول، والجملة خبر فعل.
قوله:
(للفُعال)
بضم الفاء متعلق بحصل الواقع خبراً عن فعلان بكسر فسكون.
قوله:
(وشاع)
أي فعلان، ومقتضاه عدم إطِّراده في ذلك لكنه صرح في شرح الكافية بالاطِّراد.
قوله:
(في اسم ثلاثي إلخ)
أخذ القيود الثلاثة من مثال المصنف بكبد.
قوله:
( ووَعِل)
بفتح الواو وكسر المهملة الشاة الجبلية، والأنثى وعلة.
قوله:
(غالباً)
تقدم محترزه.
قوله:
(على فعل)
بفتح الفاء أي بشرط أن لا تكون عينه واواً، وشذ فوج وفووج.
قوله:
(أو على فعل)
بضم الفاء أي غير واوي العين كحوت، ولا يائي اللام كمدي ولا مضاعفاً كخفَّ وخرج بالاسم في الثلاثة الصفة كصعب وجلف وحلو فلا تجمع على فعول.
قوله:
(قيل ويفهم إلخ)
---(3/153)
قائله ابن المصنف قال ابن هشام: فإن قلت: لو كان الإطلاق هنا يقتضي عدم الاطِّراد للزم مثله في قوله:
لفعل اسماً صح عيناً أفعل
لإطلاقه أيضاً قلت: الإطلاق هنا قد صاحب ما نص على اطراد فبقي هو غير منصوص عليه بخلاف ما مر اهـ. وقال المرادي: المفهوم من المتن أنه مطرد لأنه لم يذكر إلا المطرد غالباً فإن ذكر غيره بينه بنحو: قل أو نذر اهـ ومنشأ الاختلاف في فهم العبارة تناقضٌ وقع للمصنف فنص على اطراده في العمد وشرحها والتسهيل وعلى عدمه في شرح الكافية.
قوله:
(من فُعْل)
أي بضم فسكون الثاني بفتحتين وقوله: نحو عود وحوت تمثيل للأول، وكذا: نون وكوز وقاع للثاني، وكذا: تاج ودار وجار فأصلها قوع، وتوج ودور وجور.
قوله:
(في غير ما ذكر)
أي في غير حوت وقاع كما هو مفاد المتن لكنه غير مخصوص بما عدا نحو: غراب وصرد بدليل قوله: وللفعال فعلان، وغالباً أغناهم فعلان إلخ كما أشار له الشرح وقد ذكر ابن جني مما يقبل فيه فعلان تسعة ألفاظ جمعها المصنف بقوله:
للحِسْلِ والخُرْص في التكسير فِعْلانِ
وهكذا قُلْ خَشْفانِ وخيطان
رئد وشقذ وشيح هكذا جُمِعتْ
ومثلُ ذلك صنوانٍ وقنوانِ
فالحسل بكسر الحاء المهملة ولد الضب ويجمع أيضاً على حسول والخرص بضمِّ وكسر الخاء المعجمة وسكون الراء فصاد مهملة سنان الرمح كما في الصحاح، والخشف الغزال والخيط بالخاء المعجمة والتحتية قطيع النعام، والرئد المثل، وأيضاً فرخ الشجرة، وقيل ما لان من أغصانها، والشقذ ولد الحرباء والشيح نبت، والصنو والقنو مثلان تصريح.
قوله:
(نحو أخ)
---(3/154)
تبع شرح الكافية في عدم إطراده في فعل بفتحتين صحيح العين وإن ورد منه نحو: أخ وإخوان وفتى وفتيان، وخَرَب بفتح المعجمة والراء وهو ذكر الحُباري وخربان لكن في شرح العمدة، والتسهيل قياسه فيه، وأصل أخ أخو حذفت لامه اعتباطاً، ولا يجمع على إخوان إلا أخ الصداقة أما أخ النسب فجمعه أخوة كما نقل عن بعضهم، ولا يرد: إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخْوَةٌ}
(الحجرات:10)
لأن معناه كإخوة النسب لكن قال ابن هشام الحق استعمال إخوة وأخوان في كل منهما.
قوله:
(وفَعْلا اسماً)
بفتح فسكون وفُعل الثاني بفتحتين، وفعلان بضم فسكون، وحذف قيد الاسم من الثانيين اكتفاء بالأول فخرج نحو: ضخم وجميل، وبطل فلا تجمع على ذلك والمراد الاسمية ولو بالغلبة كعبد وعبدان، وفي التسهيل قياسه أيضاً في فعل بكسر فسكون كذئب وذؤبان لكن صرح في شرح الكافية بعدم اطراده.
قوله:
(في اسم صحيح العين إلخ)
صريحه أن قول المتن: غير معل العين راجع للثلاثة قبله فيخرج به نحو: سيف وسوط نحو: قوي وعويل ونحو: قود وقاع، وخصه الأشموني بالأخير فقط، وقال مقتضاه قياسه في نحو: سيف وقوي فتأمل.
قوله:
(ومضعف)
عطف على المعل، أي وفي مضعف.
قوله:
(في فعيل إلخ)
جملة الشروط ثمانية تعلم منه صريحاً وتلويحاً كون المفرد بوزن فعيل، وشبهه مما سيأتي، وكونه صفة لمذكر عاقل بمعنى اسم الفاعل غير مضاعف، ولا معتل دالاً على سجية مدح أو ذم فخرج بالوصف الاسم كقضيب ونصيب وبالمذكر المؤنث كشريفة، وأما: خليفة وخلفاء وسفيهة فبالحمل على المذكر، وبالعاقل نحو: مكان فسيح، وبمعنى فاعل نحو: قتيل وجريح، وشذ أسير وأسراء ونحوه وسيأتي المعتل والمضاعف.
قوله:
(كونه دالاً إلخ)
---(3/155)
أشار بذلك إلى أن المراد المشابهة في المعنى، وهي دلالته على مذكر أعم من كونها في اللفظ أيضاً كخبيث ولئيم أو لا سواء كان على فاعل كما مثله، أو فعال بالضم كشّجاع وشجعاء، وسواء دلاَّ على المدح كما ذكر، أو الذم كفاسق وفسقاء، وخفاف أي خفيف وخففاء كما في التسهيل وإن اقتصر في شرح الكافية على فاعل، وعلى المدح، وتبعه الشارح في التمثيل فخرج المشابهة في اللفظ فقط كقتيل.
قوله:
(في المضاعف إلخ)
أي من فعيل المتقدم ذكره كما في الأشموني والتصريح.
قوله:
(لغير ما ذكر)
أي لغير المضاعف، والمعتل من فعيل بمعنى فاعل فدخل في النادر نحو ظنين، وأظناء بمعنى مَتْهُوم وصديق وأصدقاء لأنه ليس مضاعفاً، ولا معتلاً.
قوله:
(والقياس نصباء وهو ناء)
كذا في نسخ وهو لا يصح لأن نصيب اسم فلا يجمع على فعلاء كما مر قريباً بل قياسه نصب بضمتين، أو أنصبة كما مر سابقاً، وأما هيِّن فقد استكمل الشروط الثمانية المارة إلا أن أصله هيون فعل به كسيد مع أن فعلاء لا ينقاس إلا في فعيل وشبهه من فاعل، أو فعال كما مر فتأمل.
قوله:
(لفوعل وفاعل)
أي بفتح العين.
قوله:
(مع نحو كاهل)
أي من كل اسم على فاعل بالكسر غير صفة علماً كان كجابر وجوابر أو لا ككاهل، وهو أعلى الظهر مما يلي العنق.
قوله:
(قاصعاء)
هو حجر اليربوع الذي يقصع فيه أي يدخل، زكريا.
قوله:
(وشذ فارس وفوارس)
مثله هالك وهوالك وشاهد وشواهد لكن تأولها بعضهم بأن قولك: فارس من الفوراس تقديره من الطوائف الفوارس فهو قياسي لأنه جمع فاعلة لا فاعل.
قوله:
(لفاعلة)
أي صفة كانت أو علماً كما مثله، أو اسما غير علم كناصبة ونواصي.
قوله:
(وبفعائل)
بفتح الفاء أجمعن فعالة مثلث الفاء.
قوله:
(أو مزاله)
الهاء إما ضمير التاء على تأويلها بالحرف فمزال عطف على ذا فهو حال من فعالة، أو هي هاء التأنيث فهو عطف على محذوف صفة لتاء أي ذا تاء ثابتة، أو مزالة.
قوله:
(لكل اسم)
---(3/156)
الحاصل أو فعائل ينقاس في عشرة أوزان يشملها المتن لأن فعالة مثلث الفاء بتاء كسحابة ورسالة وكناسة وبدونها كشمال بالفتح للريح، وبالكسر لليد وعقاب بالضم فتلك ستة، والمراد بشبهها فعول وفعيل بتاء كحلوبة وحلائب، وظريفة وظرائف، وبدونها كعجوز وعجائز وسعيد علم امرأة وسعائد، وشرط الخمسة المجردة من التاء كونها مؤنثة المعنى، وشذ دليل ودلائل وجزور للبعير المذكر المذبوح وجزائر ووصيد للباب ووصائد وسماء بمعنى المطر وسماء بكسر الهمزة منونة لأن أصله سمائي أُعِلَّ كجوار، وتقييد الشرح بالاسم يقتضي أنه شرط في الجميع وليس كذلك بل إنما هو شرط في ذوات التاء سوى فعيلة ينقاس فيها فعائل، ولو كان صفة كظريفة وظرائف كما في التسهيل ولم يقيد الموضح بذلك في ذي التاء ولا غيره، وصرح شارحه بالتعميم ومثل بحلوبة وحلائب.
قوله:
(وبالفعالى)
بفتح الفاء وكسر اللام والفعالي بفتحهما، ولا تثبت ياء الأول إلا إذا كان بأل أو مضافاً، أما المجرد فكجوار.
قوله:
(كصحراء وصحار إلخ)
وجاء أيضاً صحاريّ وعذاريّ بشد الياء، وهو الأصل لأن الألف الأولى من صحراء تقلب ياء لانكسار ما قبلها في الجمع. وتقلب الهمزة أيضاً ياء، ثم يدغم لكنهم خففوه بحذف إحدى الياءين فإن حذفت الثانية المحركة قيل: صحاري بالكسر، أو الأولى الساكنة فتحت الراء لتقلب الياء المتحركة ألفاً، وتسلم من الحذف فيقال: صحارى.
قوله:
(أو صفة كعذراء)
هو صفة للبكر سميت بذلك لتعذُّر زوال بكارتها، وصريح الشرح كالمصنف إطِّرادهما في الصفة كالاسم أيضاً، وهو ما في شرح الكافية، وخالفه في التسهيل وقيد الموضح فعلاء بكونه لا مذكر له وهو مستفاد من مثالي المتن.
قوله:
(واجعل فَعالِيّ)
بفتح الفاء وكسر اللام وشد التحتية.
قوله:
(لغير ذي نسب جدد)
---(3/157)
بأن لا يكون فيه نسب أصلاً ككرسي، أو فيه نسب غير مجدد بأن صار منسياً فالتحق بما لا نسب فيه كمهري فإن أصله البعير المنسوب إلى مهرة قبيلة باليمن، ثم كثر فصار اسماً للنجيب من الإبل فيجمع على مهاري، وبهذا التقرير يندفع الاعتراض بأن مقتضى كلامه أن كرسياً فيه نسب غير مجدد مع أنه لا نسب فيه أصلاً، وذلك لأن توجه النفي إلى مقيد بقيد يصدق بنفيهما معاً، وبنفي القيد وحده، والكرسي مثال للأول، وترك مثال الثاني فلا حاجة إلى جعل جدد صفة كاشفة، ولا يرد أن غير ذي النسب يصدق بما ليس آخره ياء مشددة لأن قوله: كالكرسي حال من غير فيقيده بذلك، وعلامة ياء النسب المجدد أن يدل اللفظ بعد حذفها على معنًى مشعور به قبل، وهو المنسوب إليه، وأما غيرها فيختل اللفظ بسقوطها ويصير لا معنى له.
قوله:
(وبفعالل إلخ)
---(3/158)
أعلم أن الجُموع المتقدمة كلها للثلاثي المجرد والمزيد وهي خمسة وعشرون بناء، منها أربعة للقلة، والباقي للثكرة، ومثلها في كونه للثلاثي شبه فعالل، وبقي منها فُعالَى بضم الفاء وفتح اللام، وقد أخل به المصنف وهو يترجح في نحو: سكران وسكرى على فَعالى بفتح الفاء ويستغنى به عنه في نحو: أسير وقديم ما لم يكن أوله ياء كيتيم فيقال: أسارى وقُدامى بالضم لا غير وفي غير ذلك مستغنى عنه بالمفتوح، وأما فعالل فللرباعي الأصول فما فوقه فالجملة ثمانية وعشرون هي أبنية التكسير المشهورة وبقي أبنية أخرى مختلف فيها، وبهذا يعلم أن قوله: من غير ما مضى خاص بشبه فعالل أي في المرتقي على الثلاثة غير ما مضى جمعه على غير ذلك ولم يمض ذكر إلا للثلاثي المزيد كباب أحمر وحمراء وكبرى وسكرى ورام وكامل وذراع وقضيب، أما فعالل فلم يمض لمفرده وهو ما زادت أصوله على ثلاثة جمع أصلاً كذا قيل. ولا حاجة لذلك فإن قوله: من غير ما مضى يصدق بالثلاثي المزيد المغاير للأوزان المتقدمة منه وبما زادت أصوله على ثلاثة لأنه من غير ما مضى فيصح رجوعه لفعالل وشبهه لكن على التوزيع فتدبر.
قوله:
(ومن خماسي)
متعلق بأنف، وجملة جرد صفة لخماسي، والآخر مفعول أنف أي احذف الآخر من كل خماسي مجرد.
قوله:
(والرابع إلخ)
أي والحرف الرابع من الخماسي المجرد قد يحذف إلخ.
قوله:
(وزائد العادي)
اسم فاعل من عدا، كذا إذا جاوزه والرباعي مفعوله وسكنت ياؤه للضرورة كقوله:
438 ــــ دَعِ القِتَالَ وأَعْطِ القَوسَ باريها
أو على لغة من يقدر النصب على الياء، أو مضاف إليه احذف زائد الاسم المجاوز الرباعي.
قوله:
(ما لم يك)
---(3/159)
أي الزائد ليناً بفتح اللام كما هو والرواية مخفف لين بالتشديد فإن كسرت قدر مضاف أي ذالين وقوله: إثره خبر مقدم عن الموصول، وختما بالبناء للفاعل صلته، والجملة صفة ليناً أي احذف زائد مجاوز الرباعي ما لم يكن حرفاً ليناً وقع بعده الحرف الخاتم للاسم أي ما لم يكن ليناً قبل الآخر.
قوله:
(وهو كل جمع إلخ)
أي فالمراد شبهه في العدد والهيئة وإن خالفه في الوزن التصريفي كمساجد وصيارف وسلالم فإن وزنها التصريفي مفاعل وفياعل وفعاعل، ومنه ما مر من نحو: كواهل وكراسي وصحاري.
قوله:
(جعفر)
هو في الأصل النهر الصغير.
قوله:
(وزِبْرِج)
بكسر الزاي والراء بينهما موحدة ساكنة وبالجيم هو الزهر والسحاب الرقيق الذي فيه حمرة والحُلَى من ذهب وغيره.
قوله:
(وبُرْثُن)
بضم الموحدة والمثلثة لا المثناة كما قيل وسكون الراء آخره نون يطلق على الكف مع الأصابع كما في القاموس وعلى مخلب الأسد والطير، وهو الذي كالأصبع للإنسان.
قوله:
(كل رباعي مزيد فيه)
في التوضيح أن فعالل ينقاس في أربعة أنواع، الرباعي المجرد كجعفر، والمزيد كيدحرج، ومتدحرج، والخماسي المجرد كسفرجل، والمزيد كخندريس، وشبه فعالل ينقاس في مزيد الثلاثي غير ما مر سواء كان بحرف كمسجد أو حرفين كمنطلق، أو ثلاثة كمستخرج وسواء كانت زيادته للإلحاق كجوهر وصيرف أم لا كما مر إذا علمت ذلك تعلم ما في كلام الشارح لأنه يوهم أن المراد رباعي الأصول المزيد فيه وليس كذلك إلا أن يقال: مثاله يدل على أن المراد ما صار رباعياً بالزيادة، لكنه لا يشمل منطلق ومستخرج فتأمل.
قوله:
(في فرزدق)
اسم جنس جمعي لفرزدقة وهي القطعة من العجين، وقولهم جمع فرزدقة تسامح، أو مرادهم الجمع اللغوي، وبه سمي الشاعر المشهور.
قوله:
(خدرنق)
---(3/160)
بخاء معجمة فدال مهملة فراء فنون هو العنكوب كما في الصحاح أما خُوَرْنَق بالواو بدل الدال فقصر للنعمان بن المنذر، ولا يصح ذكره هنا لأن الكلام في الخماسي المجرد، والواو في هذا زائدة لإلحاقه بسفرجل فيجمع على خرانق بحذفها فتأمل.
قوله:
(من حروف الزيادة)
أي المجموعة في أمان وتسهيل، والمراد أنه منها صورة لا أنه مزيد حقيقة وإلا لم يكن الاسم خماسياً مجرداً، وسيأتي أن لكل واحد من هذه الحروف مواضع مخصوصة يحكم بزيادته فيها دون غيرها كالنون لا تزاد إلا في آخر نحو سكران ووسط غضنفر بشرط سكونها فنون خدرنق ليست زائدة بل تشبه الزائدة لفظاً.
قوله:
(كدال فرزدق)
أي فإنها من مخرج التاء الفوقية وهو طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا.
قوله:
(في سفرجل)
هو ثمر معروف مُقَوَ مُدِرَ مُشَهَ مسكّنٍ للعطش وإذا أكل بعد الطعام أطلق، وأنفعه ما قور وأخرج حبه وجعل مكانه عسل وطيب وشوى.
قوله:
(وأشار بقوله وزائد إلخ)
أعلم أن كلام المصنف يشمل ما كان رباعي الأصول زيد فيه حرف كمدحرج، أو حرفان كمتدحرج فيقال: دحارج أو ثلاثة كاحرنجام فيقال: حراجيم بقلب الألف الأخيرة ياء، وحذف غيرها، ويشمل أيضاً الخماسي المزيد فيه حرف كقرطبوس للداهية، وخندريس للخمر لأن العادي الرباعي يشمل ما جاوزه بزائد فقط، أو بزائد وأصلي فيحذف منه حرفان؛ الزائد لما ذكره هنا، وخامس الأصول لقوله فيما مر: ومن خماسي إلخ فتقول فَرَاطب وخَنَادِر لكن الشارح اقتصر على الأول فقط، وقوله: إذا كان الخماسي مزيداً فيه حرف المراد به ما صار خماسياً بالزيادة لا أنه خماسي الأصول فتأمل.
قوله:
(سِبَطْري)
بكسر السين مشية بتبختر.
قوله:
(وَفَدوْكَس)
بفتح الفاء والدال المهملة وسكون الواو وفتح الكاف آخره سين مهملة هو الأسد والرجل الشديد كما في القاموس، والعدد الكثير كما في زكريا.
قوله:
(حرف مد)
---(3/161)
المراد به حرف العلة الساكن أعم من أن يكون قبله حركة مجانسة له وهو حرف المدِّ اصطلاحاٍ أولا وهو المسمى باللين كغِرْنِيق، وفِرْدَوس فيقال فيهما غَرَانِيق وَفَرَاديس فخرج بالساكن المتحرك فيجب حذفه نحو: كناهر في كنهور كسفرجل للسحاب المتراكم، والرجل الصخم وخرج حرف اللين الأصلي كمختار ومنقاد فإنه لا يقلب بل يحذف، ويقال: مخاتر ومناقد كذا في الأشموني، وفيه نظر ظاهر إذ القياس أن يقال: مخاير ومقايد بحذف النون، والتاء لزيادتهما دون الألف بل ترد لأصلها وهو الياء، وقد اعترض عليه ابن سم بأن الصواب حذفهما لأنهما ليسا من أفراد الرباعي المزيد الذي الكلام فيه بل من الثلاثي المزيد الآتي في قوله: والسين والتاء إلخ، ونقل الفارضي عن المصنف في العمدة أنهما لا يكسران بل يقال مختارون ومنقادون، وكذا لا يكسر نحو مضروب ومكرم، وشذ ملاعين في ملعون، ويستثنى مفعل لمؤنث كمرضع ذكره ابن هشام في شرح بانت سعاد.
قوله:
(قنديل)
قال الشمني في حواشي الشفاء بكسر القاف وأما بفتحها فالعظيم الرأس ففتح القاف في القنديل المعروف لحن كما نص عليه.
قوله:
(والسين والتا إلخ)
اعلم أن قول المصنف: وبفعالل إلخ، يشمل الرباعي فأكثر مزيداً وغيره ولكن الرباعي لا يحتاج في جمعه على ذلك إلى حذف شيء منه فلم يخصُّه المصنف الخماسي المجرد إلى الحذف بيَّنه بقوله: ومن خماسي إلى آخر البيتين، ثم ذكر حكم رباعي الأصول وخماسيها المزيد فيهما بقوله وزائد العادي إلخ ثم ذكر حكم الحذف في الثلاثي المزيد بقوله: والسين، والتا إلخ لكنه نبه على قاعدة عامة فيه وفي غيره بقوله: إذ ببنا الجمع إلخ، فأفاد أنه يحذف كل ما أخل بصيغة الجمع منه الثلاثي المزيد وغيره، ثم بين ما هو الأولى بالحذف بقوله: والميم أولى إلخ، أفاده سم.
قوله:
(والميم أولى من سواه)
---(3/162)
أي من باقي حروف الزيادة لترجُّحها عليها بما سيأتي، ولعله حذف منها قيد السبق لعلمه مما بعد، أو لأن زيادتها في غير الصدر ممتنعة، أو نادرة والمراد بقوله: أولى وجوب إبقائها.
قوله:
(والهمز)
أي همزة القطع أما همزة الوصل فتحذف أبداً للاستغناء عنها بلزوم فتح أول الجمع المتناهي.
قوله:
(مزية)
أي من جهة المعنى واللفظ معاً كما مثله أو اللفظ فقط كأن يغني حذفه عن حذف غيره كما يأتي في حَيْزَبُون وكان لا يخرج الاسم بإبقائه إلى عدم النظير كاستخراج جمعه: تخاريج بإبقاء التاء لا: سخاريج لأن وزن سفاعيل ليس موجوداً في الكلام بخلاف تفاعيل كتماثيل وانظر نحو: انطلاق واحتفاظ هل يقال فيهما نطاليق وحتافيظ بإبقاء النون والتاء لعدم إخلالهما بالجمع؟ أو لا يكسران أصلاً لصيرورة وزنهما تفاعيل بالنون وفتاعيل بالتاء ونظير لهما فيما يظهر فتأمل.
قوله:
(مداع)
بفتح الميم وجوباً لأنها أول الجمع المتناهي.
قوله:
(وتبقى الميم)
مثله نحو: منطلق فيقال: مطالق بحذف النون لا الميم قال سم. وهل يقال في نحو: محتفظ ومصطفى: محافظ ومصاف أي بحذف تاء الافتعال دون الميم، واعلم أن المعتل من هذه الجموع كمداع ومصاف حكمه كجوار في لفظه وإعلاله إلا إن عوضت من المحذوف ياء قبل الطرف كما سيأتي في التصغير فيجوز مصافي ومداعي، وأصله مصافيّ ومداعيّ بشد الياء لإدغام ياء العوض في لام الكلمة ثم تحذف إحداهما تخفيفاً فإن حذفت الثانية المتحركة أجريته كجوارٍ أو الأولى الساكنة قلبت المتحركة ألفا بعد فتح ما قبلها هذا هو مقتضى القياس، وقد مر نظيره فتأمل.
قوله:
(على معنى)
أي مختص بالأسماء لأنها تدل على اسم فاعل أو مفعول.
قوله:
(ألادّ ويلادّ)
بشد الدال المهملة وأصله الأدَد فأدغم.
قوله:
(مفوت إلخ)
أي لأنه لا يقع بعد ألف التكسير ثلاثة أحرف إلا وأوسطها ساكن معتل كمصابيح.
قوله:
(وإبقاء الألف)
---(3/163)
أي فتقلب ياء وتعل الكلمة كجوار فتقول سراد وعلاد بالكسر مع التنوين والله أعلم.
---
- التصغير -
ذكره عقب التكسير لاشتراكهما في مسائل كثيرة، ولأن كلاًّ منهما يغيِّر اللفظ والمعنى، ولم يعكس لأن التكسير أكثر وقوعاً ولأنه تكثير للمعنى وتعظيم له بجمعيته فهو أشرف من التحقير وفوائد التصغير أربع: تصغير ما يتوهم كبره كجبيل، وتحقير ما يتوهم عظمه كسبيع، وتقليل ما يتوهم كثرته كدُرَيْهِمَات، وتقريب ما يتوهم بُعد زمنه كقُبيل العصر أو محله كفُويق هذا أو رتبته كأصيغر منك زاد الكوفيون خامسة وهي التعظيم كقول لبيد:
439 ــــ وكلُّ أناسٍ سوفَ يدخلُ بينهم
دويهيةٌ تصفرُّ منها الأناملُ
فصغر الداهية لتعظيمها لأن المقام للتهويل بدليل وصفها بما بعدها ورده البصريون إلى التحقير بتأويله بأنه إشارة إلى أن حتف النفوس الذي يترتب عليه أعظم المشقات قد يكون بصغار الدواهي.
قوله:
(إذا صغر الاسم المتمكن)
أي فلا يصغر غير الاسم وشذّ تصغير فعل التعجب ولا غير المتمكن أي المعرب وشذ تصغير بعض أسماء الإشارة والموصولات لكن يرد عليه جواز تصغير خمسة عشر وسيبويه كما سيأتي مع أنه مبني، فالأولى إبدال المتمكن بغير المتوغِّل في شبه الحرف ليشمل ما ذكر فإنه لعروض شبهه بالتركيب لم يوغل فيه ويشترط أيضاً قبول الاسم للتصغير وخلوّه من صيغته فلا يصغر نحو كميت ومبيطر ولا الأسماء المعظمة شرعاً مراداً بها مسمياتها الأصلية ولا يزد مهيمن لوضعه هكذا فالشروط أربعة.
قوله:
(ضم أوله وفتح ثانية)
أي لو تقديراً في نحو: غراب وغزال وكذا كسر ما بعد الياء في نحو: زبرج فيقدر زوال الحركة الأصلية وإتيان غيرها كما جزم به ابن أياز.
قوله:
(وفي قذّى قذي)
أي بقلب ألفه ياء لأن التصغير يرد الأشياء إلى أصولها وإدغام ياء التصغير فيها.
قوله:
(وفي عصفور إلخ)
---(3/164)
كان عليه أن يبدله بدينار ودُنينير ليستوفي الأمثلة الثلاثة التي بنى عليها الخليل باب التصغير وهي فُلَيْس ودُرَيْهم ودُنَيْنِير، قيل له: لمَ بنيته على ذلك؟ فقال ما معناه: لأني وجدت مبنى الدنيا الحقيرة عليها وإنما تركه الشارح لاحتياجه إلى زيادة عمل برد الياء إلى أصلها وهو النون إذ أصل دينار دنار بشد النون بدليل جمعه على دنانير كما يأتي.
قوله:
(فأمثلة التصغير)
أي أوزانه ثلاثة وتخصيصه بها اصطلاح بهذا الباب اعتبر فيه مجرد اللفظ تقريباً بتقليل الأوزان وليس جارياً على مصطلح الصرفيين ألا ترى أن وزن أُحَيْمر ومُكَيْرِم وسُفَيْرِج في التصغير فُعَيْعل وفي التصريف أُفَيْعِل ومُفَيْعِل وفُعَيْلِل.
قوله:
(من حذف حرف إلخ)
أي إلا ما سيأتي في قوله: وألف التأنيث حيث مدا إلخ.
قوله:
(وإن شئت قلت عليه)
بحذف النون وقلب الألف ياء لوقوعها بعد كسرة ثم يُعَلُّ كقاض ولم تصحح الألف ويفتح ما قبلها لأنها للإلحاق بسفرجل وألف الإلحاق لا تبقى في التصغير اهـ صبان.
قوله:
(عما حذف في التصغير)
أي سواء كان المحذوف أصلياً كسفرجل أو زائداً كحبنطى، ومثله منطلق فتقول فيه: مطيليق ومطاليق ومحل تعويض الياء إن لم يستحقها الاسم بدونه بأن وجدت في المفرد والمكبر كما في لغيزي واحرنجام فإن جمعه حراجيم ولغاغيز وتصغيره حُرَيْجِيم ولُغَيْغِيز بفكِّ الإدغام وحذف النون وألف التأنيث لإخلالهما بالصيغة ولا يعوض عنهما لاشتغال محله بالباء الموجودة في لغيزي والمنقلبة عن الف احرنجام.
قوله:
(المغيربان إلخ)
والقياس مغيرب وعشية بحذف إحدى الياءين اللتين في المكبر لتوالي الأمثال وإدغام ياء التصغير في الأخرى كما يأتي في تصغير نحو: عُلَيّ.
قوله:
(أراهط إلخ)
القياس رهوط كفلوس أو أرهط كأكلب أو رهاط ككلاب أو رُهطان بالضم كظهران كما علم مما مر قياس: باطل بواطل ككاهل وكواهل.
قوله:
(لتلو يا التصغير إلخ)
---(3/165)
هذه أربع مسائل مستثناة من وجوب كسر ما بعد ياء التصغير في غير الثلاثي الذي اقتضاه قوله فعيعل مع فعيعيل إلخ قوله:
(أو مدته)
أي مدة علم التأنيث أي المدة التي قبله وليس المراد مدة التأنيث لأن العلامة هي الهمزة لا المدة على الأصح عند البصريين كما مر وأراد بقوله علم تأنيث التاء والألف المقصورة بمدته المدة التي قبل الهمزة في الممدودة.
قوله:
(مدة أفعال)
مفعول سبق مقدم ومد سكران عطف عليه والجملة صلة ما.
قوله:
(وما به التحق)
أي مما فيه ألف ونون زائدتان وليس مؤنثه فعلانة ولم يجمعوه على فعالين فخرج بالأول ما نونه أصلية كحسان من الحسن فيقال فيه حسيِّن بشد الياء مكسورة وحذف إحدى السينين، كما قاله: الدماميني: والقياس حُسَيْسِين بِفَكِّ الإدغام كما في لغيغيز سم، وبالثاني نحو: سيفان وسيفانة، وفيقال: فيه سييفين، وبالثالث ما جمعوه على فعالين كسرحان وسلطان فيصغر على سُرَيْحِين وسُلَيْطِين.
لقولهم: سراحين وسلاطين فلا يغير في كل ذلك كسر ما بعد الياء بل تقلب ألفه ياءً لكسر ما قبلها سوى زعفران كما سيأتي.
قوله:
(إن وليته تاء التأنيث)
أي مع اتصالها به ومثلها الألف الممدودة والألف والنون كما مثله فإن فصل ما بعد الياء من ذلك كسر على الأصل كما سيأتي في حنيظلة وخجيدباء وزعيفران، وعجُز المركَّب بمنزلة التاء فيفتح ما قبله في: بعيلبك لعدم فصله من الياء ويبقى على سكونه وما بعد الياء على كسره في مُعَيْد يكرب.
قوله:
(أو ألفه)
خرج بها ألف الإلحاق مقصورة كعزهى أو ممدودة كعلباء فيقلبان ياء لأجل الكسرة وتعلُّ الكلمة كقاضٍ، وتحذف الهمزة من الممدودة فيقال: عزيه وعليب بالكسر مع التنوين، والأصل عزيهى وعليَّى والعزهى بكسر المهملة الرجل الذي لا يلهو.
قوله:
(أو ألف أفعال)
---(3/166)
أي بفتح الهمزة وقوله: جمعاً لبيان الواقع لأنه لم يثبت في المفردات، عند الأكثرين وأما قولهم: برمة إعشار إذا تكسرت قطعاً وثوب أخلاق واسمال أي بال فمن صف المفرد بالجمع نعم يكون مفرداً إذا سمي به وتصغيره حينئذ كما قبل التسمية فيفتح ما قبل ألفه كما قاله سيبويه فرقاً بينه وبين إفعال بالكسر لأنه لا يكون إلا مفرداً لأنه مصدر.
قوله:
(من غير باب سكران)
تقدم محترزه.
قوله:
(وألف التأنيث إلخ)
هذه ثمانية أنواع مستثناة من قوله وما به لمنتهى الجمع إلخ وكان حقها أن تذكر بعده لتتصل بالمستثنى منه، والمعنى أنه يتوصل بالحذف في هذه الأشياء إلى الجمع دون التصغير فلا تحذف فيه لكن فيه أن عجُز المضاف لا يحذف في الجمع أيضاً، بل يثنَّى ويجمع صدره الأول مضافاً لعجزه فلا يليق عده من المستثنيات أفاده في التوضيح وأجاب سم بأنه ليس المراد الاستثناء بل بيان أنه اكتفى في هذه الأشياء بحصول صورة التصغير تقديراً مع وجودها لتقدير انفصالها فلا تخل بالصيغة أعم من أن يفعل مثل ذلك في الجمع أولاً ومعلوم أن السبعة التي هي ما عدا المضاف مخالفة للجمع فيعلم استثناؤها اهـ صبان والحكم على جميع السبعة المذكورة بالاستثناء من الحذف فيه نظر لأن عجز المركب المزجي وزيادة المثنى والمجموع لا تحذف في الجمع أيضاً كالتصغير وإن تخالفا في أن التصغير يرد على ما قبل العجز كما مثله الشارح والجمع لا يغيرها أصلاً بل يضاف إليها ذوو فيقال: جاءني ذوو بعلبك وذوو زيدين ومسلمين فلم يبق لما يصح استثناؤه من الحذف سوى أربعة: تاء التأنيث وألفه الممدودة وياء النسب والألف والنون بعد أربعة فتحذف في الجمع دون التصغير. فيقال: حناظل وخجادب وعباقر وزعافر في حنظلة وخجدباء وعبقري وزعفران فتأمل.
قوله:
(حيث مدا)
---(3/167)
خرج به المقصورة فلا تعد منفصلة لعدم استقلال النطق بها ولذلك تحذف خامسة فأكثر كما سيأتي لإخلالها بالصيغة وتبقى رابعة كحبلى لعدم إخلالها حينئذٍ وبفتح ما بعد الياء لأجلها ولا تكرار في هذا مع قوله السابق: لتلوِّ يا التصغير إلخ لأن ذكر الألف والتاء فيما مر من حيث أنه يفتح لهما ما بعد الياء وهنا من حيث عدهما منفصلين فيصغر الاسم بتقدير خلوه عنهما.
قوله:
(آخراً اللنسب)
لعله احترز به عن الألف المتوسطة عوضاً عن إحدى ياءي النسب في نحو: يمان وشآم مما صار كصحار في تصغيره على يمين وشؤيم بحذف الألف.
قوله:
(والمركب)
أي المزجي ولو عددياً أو مختوماً بويه فيصغر صدره فقط فيقال: سيبويه وخميسة عشر سواء سمي به أو أريد العدد فيكون مستثنى من المبني أما المركب الإسنادي فلا يصغر.
قوله:
(جلا)
أما بمعنى أظهر عطف على دل وجمع مفعوله مقدم أو بمعنى ظهر اللازم صفة الجمع المعطوف على تثنية أي جمع ظاهر واحترز به عن نحو سنين فإن زيادته لا تعد منفصلة حتى تبقى في التصغير بل يصغر على سنيات لأن إعرابها بالياء والواو إنما كان عوضاً عن اللام المحذوفة والتصغير يردها فيلزم الجمع بين العوض والمعوَّض عنه من أعرب سنين كحين صغره على سنين كدُرَيْهم فإدغام ياء التصغير في يائه ويجوز حذفها فيقال سنين كفُليس.
قوله:
(بعد أربعة)
لم يقيد بذلك في الألف الممدودة والتاء مع أنه قيد فيهما كما في التوضيح لكنه يؤخذ من قوله الآتي: بحرفين أصليين فخرج به نحو: سكران وحمراء وتمرة فلا تعد منفصلة لأن الفصل بينها وبين الياء حرف واحد فلذلك يفتح لها ما بعدها محافظة على بقائها.
قوله:
(لا يضر بقاؤها)
أي لكونها في نيَّة الانفصال فتنزل منزلة كلمة مستقلة ويصغر ما قبلها كأنه غير متمم بها فلم تخرج معها أبنية التصغير عن صيغها الأصلية بل هي موجودة تقديراً، وهذه الزيادة كالعدم.
قوله:
(خُجْدباء)
---(3/168)
بضم الجيم وسكون الخاء المعجمة كما يؤخذ من صنيع الصحاح أو المهملة كما في السجاعي وضم الدال المهملة فموحدة وهو ضرب من الجنادب أي الجراد وهو الأخضر الطويل الرجلين.
قوله:
(عبقري)
نسبة إلى عَبْقَر كعَنْبر تزعم العرب أنه اسم بلد الجن فينسبون إليه كل شيء تعجبوا من حسن صنعته وفي الحديث كان صلى الله عليه وسلّم يسجد على عبقري أي بساط فيه صبغ ونقوش.
قوله:
(وعند تصغير حبارى إلخ)
استثناء من قوله: لن يثبتا كما بينه الشارح.
قوله:
(وجب حذفها)
ولا تعد منفصلة كالممدودة لأنها لا تستقل في النطق.
قوله:
(لأن بقاءها يخرج إلخ)
قال في التصريح: فإن قلت: فحبيلي فعيلي وليست من الأبنية الثلاثة قلت: نعم ولكنها توافق فعيعلاً فيما عدا الكسرة التي منع منها مانع الألف اهـ.
قوله:
(قرقرى)
بقافين وراءين مهملتين موضع.
قوله:
(لُغَّيزَى)
بضم اللام وفتح الغين المعجمة مشددة وسكون التحتية وفتح الزاي اسم للغز من ألغز في كلامه إذا عمي وأصله حجر اليربوع لأنه يحفر أولاً مستقيماً، ثم يعدل عن يمينه وشماله ليخفي مكانه فتلك الإلغاز وقوله لغيغيز أي بفك الإدغام وبياء قبل الزاي لوجودها في المكبر وحذفها في نسخ لعله تحريف.
قوله:
(حبير)
أي بإدغام ياء التصغير في المنقلبة عن الألف قبل الراء.
قوله:
(ثانياً)
مفعول أول لأردد ولأصل في محل المفعول الثاني وليناً نعت لثانياً كما أشار له الشارح في الحل وكذا قلب ويصح كون ليناً مفعولاً ثانياً لقلب لأنه يتعدى لاثنين أي أردد ثانياً حُوِّل ليناً أي صار الآن ليناً لأصله الذي حول عنه.
قوله:
(وحتم إلخ)
---(3/169)
لا يقال: كيف أحال الجمع على التصغير مع أن الحوالة إنما تكون على المتقدم لأن الواجب تقدم حكم المحال عليه وهو حاصل هنا سم ولا يرد تأخر بعض المحال عليه وهو قوله: والألف الثاني إلخ كما أشار له الشارح لأن هذا البيت مرتبط بالأول ومكمل لأقسام الحرف الثاني فهو في قوة المتقدم فكأنه قال: وحتم للجمع من هذا الحاضر المذكور هنا وهو قلب الحرف الثاني بأقسامه فتدبر.
قوله:
(وجب رده إلى أصله)
شمل ذلك ستة أشياء كونه ياء منقلبة عن واو كقيمة أو عن همزة كذيب بالياء فيقال ذؤيب بالهمزة أو واواً عن ياء كموقن أو ألفاً عن واو كباب بموحدتين، أو عن ياء كناب بالنون أو معتلاً عن صحيح كدينار وقيراط إذ أصلهما دنَّار وقرَّاط بشد النون والراء فأبدل من أول المثلين ياء ساكنة فتقول فيهما: دنينير وقريرط فإن كان الثاني غير لين فلا يرد لأصله كمتعدَ أصله موتعد قلبت الواو تاء وأدغمت في تاء الافتعال فتقول فيه متيعد بحذف تاء الافتعال لأنها زائدة مخلة بالصيغة.
قوله:
(أو مجهولة إلخ)
مثلهما المنقلبة عن همزة تلي همزة كألف آدم فيقال: أُويَدْم بالواو فهذا موضع رابع تقلب فيه الألف الثانية واواً وتقلب ياء في واحد وهو ما أصلها الياء.
قوله:
(والتكسير فيما ذكرناه)
أي من قلب الحرف الثاني بأقسامه، ومحل ذلك أن تغير فيه شكل الأول وإلا بقي الثاني على ما هو عليه كقِيْمة وقِيَمْ ودِيمة ودِيَم.
قوله:
(ما لم يحوِ الخ)
---(3/170)
غير حال من ثالثاً، لأنه نعت نكرة قدم عليها أي ما دام لم يحد حرفاً ثالثاً غير التاء بأن لم يَحْوِ ثالثاً أصلاً كيد أو يحو ثالثاٌ هو تاء كسنة أما ما فيه ثالث غير التاء فلا يرد إليه المحذوف كشاك الآتي إلا أن يكون غير التاء همزة وصل كاسم وابن فإنه يرد معه المحذوف ولم يذكره هنا لأنها تحذف في التصغير للاستغناء عنها بضم الأول فيبقى على حرفين فيصدق عليه أنه لم يحو ثالثاً أصلاً، وعبر بالتاء دون الهاء ليشمل تاء بنت وأخت فيقال بُنَيَّة وَأُخَيَّة برد المحذوف والأصل بنيوة وأخيوة قلبت الواو ياء وأدغمت.Y
قوله:
(كما)
مثال للمنقوص المكمل في التصغير إن جعل بمعنى المشروب ويكون قصره للضرورة فيقال فيه مويه برد الهاء المنقلبة همزة فالمراد بالمنقوص حينئذٍ ما حذف منه حرف أصلي ولو مع إبداله بآخر فإن جعل ما الموصولة مثلاً كما هو ظاهر صنيع الشارح خرج عن موضوع المسألة لفرضها في المحذوف منه حرف وهذا ثنائي الوضع فذكره للتنظير في وجوب مطلق التكميل توصلاً إلى بناء فعيل نعم إن أريد بالمنقوص مطلق ناقص عن الثلاثة شمل الثنائي وضعاً.
قوله:
(وعيدة)
أي برد الواو التي هي فاؤها، ويجوز إبدالها همزة فيقال أعيدة وتاؤها الآن هي التي تزاد في تصغير المؤنث الثلاثي كسن لا التي كانت عوضاً عن الفاء لذهابها برد الفاء لئلا يجتمع العوض والمعوض عنه وكذا يقال في أخية، وبنية تصغير أخت وبنت.
قوله:
(وفي ماء مسمى به)
أي لأنه لا يصغر إلا الأسماء المعربة بخلاف الأفعال والحروف والمبنيات.
---(3/171)
وقوله موي أي بقلب ألفها واواً لأنها ثانية مجهولة وبزيادة ياء تدغم فيها ياء التصغير. واعلم أن الثنائي وضعاً لما لم يعلم له ثالث يرد إليه اختلف في تكميله فقيل يضعف ثانيه ثم يصغر فيقال: من وهل وكي اعلاماً: منين وهليل وكيي وفي لو ومالوي وموي، والأصل لويو بالواو فتقلب ياء وجوباً ومويء بالهمزة لأن تضعيف ما يكون بزيادة ألف تقلب همزة فيقال ماء ثم تقلب الهمزة ياء لأجل ياء التصغير جوازاً كما في الفارضي ويجوز مويء بالهمزة وقيل يكمل بحرف علة أجنبي والياء أولى لعدم احتياجها إلى زيادة عمل بل تدغم في ياء التصغير من أول الأمر فيقال مني وهلى وكيي ولوي وموي بشد الياء من أول الأمر وجزم بهذا بعضهم وأجاز في الكافية والتسهيل الوجهين لكن الثاني لا يتأتى في نحو: ما ولو لأن المعتل يجب تضعيفه عند التسمية به قبل أن يصغر قولاً واحداً فيقال لو وكي بالتشديد وماء بالهمز ثم يصغر بعد تضعيفه فلا يتأتى أن يزاد فيه حرف علة لغير التضعيف فتدبر.
قوله:
(شُويك)
اعلم أن أصل شاك شاوك لأنه من الشوكة فقياسه: شائك بقلب الواو همزة كقائم وقد ورد كذلك فيصغر على شويك بقلب الهمزة ياء تدغم فيها ياء التصغير كقويم بشد الياء وأما شاك فقيل: حذفت واوه على غير قياس، فوزنه قال، ويعرب على الكاف قبل التصغير وبعده ويصغر على شويك بسكون الياء وواوه منقلبة عن الألف الزائدة وأما الواو التي هي عين الكلمة فباقية على حذفها وهذا مجمل كلام الشارح وقيل: قلبت العين وهي الواو موضع اللام، ثم قلبت ياء لتطرفها وكسرت الكاف لمناسبتها، وأعل كقاض فوزنه على هذا: فالع وحكمه في الإعراب والتصغير كقاض فيقال في الرفع والجر: شويك بكسر الكاف منونة والياء محذوفة للساكنين فهي كالثابتة وفي النصب شويكياً.
قوله:
(من الزوائد)
أي وإن كانت للإلحاق كقعيس في مقعنسس.
قوله:
(ألحق تاء التأنيث)
---(3/172)
أي لأنه من الثلاثي مآلا كما سيأتي ومحل ذلك ما لم يختص بالمؤنث وضعاً كحائض وطالق وإلا لم تلحقه التاء فيقال: حييض وطليق بحذف ألفهما وبلا تاء لأنه في الأصل صفة لمذكر أي شخص طالق وإذا صغرتهما لغير ترخيم قلت حويض بشد الياء وطويلق بقلب ألفهما واواً لأنها ثانية زائدة.
قوله:
(فيقال في المعطف عطيف)
يشير إلى أن التصغير لا يختص بالأعلام خلافاً للفراء وثعلب والمِعَطف بكسر الميم الرداء، وكذا العطاف وقد تعطفت بالعطاف أي ارتديت بالرداء كذا في المصباح. وقال الشاطبي: المعطف العطف وهو الجانب من كل شيء عطفاً والرجل جانباه من رأسه إلى وركيه.
تنبيه:
حكى سيبويه في تصغير إبراهيم وإسماعيل للترخيم: بُرَيْهاً وسُمَيْعاً وهو شاذ لأن فيه حذف أصلين وزائدين وقياسه عند سيبويه بريهم وسميعل بحذف الزوائد فقط وهي الهمزة والألف والياء وعند المبرد أبيره وأسيمع لأن الهمزة عنده أصلية لأن بعدها أربعة أصول ولا تزاد الهمزة أولاً في بنات الأربعة فيحذف الألف والياء الزائدين، وخامس الأصول لإخلاله بالصيغة وينبني على ذلك تصغيره لغير الترخيم وتكسيره فقياسهما عند سيبويه بريهيم وسميعيل وبراهيم وسماعيل بحذف زوائده المخلة بالصيغة وهي الهمزة والألف دون الياء لأنها لين قبل الآخر وعند المبرد أبيريه وأسيميع وأباريه وأساميع بحذف خامس الأصول لإخلاله بالصيغة والياء قبله لزيادتها وقلب الألف ياء لصيرورتها ليناً قبل الآخر، والصحيح مذهب سيبويه لأنه المسموع وحكى الكوفيون براهم وسماعل بلا ياء، وبراهمة وسماعلة بتعويض الهاء عن الياء، والوجه جمعهما تصحيحاً فيقال إبراهيمون وإسماعيلون.
قوله:
(وشذ ترك)
أي للتاء.
قوله:
(كثر)
بفتح المثلثة أي زاد على الثلاثي من قولهم كاثرته فكثرته أي غلبته وزدت عليه.
قوله:
(إذا صغر الثلاثي)
---(3/173)
أي الثلاثي حالاً كما مثله أو مآلا بأن صار بالتصغير ثلاثياً وهو نوعان، أحدهما: ما صغر ترخيماً من نحو حُبلى وسوداء كما مر، الثاني: ما كان رباعياً، بمدة قبل لامه المعتلة كسماء فتصغيره سُمَيَّة لأن أصله سمي بثلاث ياآت الأولى للتصغير والثانية بدل المدة والثالثة بدل الهمزة المنقلبة عن الواو لأن أصل سماء سما ومن سما يسمو فإذا حذفت الثالثة لتوالي الأمثال بقي ثلاثياً فتلحقه التاء وخرج بذلك نحو سعاد وزينب فيقال سعيد بشد الياء وزينب بلا تاء واختص الثلاثي بذلك لخفته.
قوله:
(في ذود الخ)
هذه ألفاظ محفوظة صغرت بلا تاء مع أنها مؤنثة شذوذاً جمعها بعضهم بقوله:
ذَودٌ وَقوْسٌ وحربٌ دِرْعُها فَرَسٌ
نابٌ كذا نَصَفُ عِرسٌ ضُحى عَرَبُ
وكذا نعل وشول بفتح المعجمة وسكون الواو جمع شائلة وهي الناقة التي أتى عليها من حملها أو وضعها سبعة أشهر فخف لبنها، وأما شائل بلا تاء فالناقة التي تشول بذنبها أي ترفعه للقاح وجمعها شوَّل كراكع وركع والذود بفتح المعجمة وسكون الواو من ثلاثة أبعرة إلى عشرة والمراد بالدرع الحديد أما بمعنى القميص فذكر والناب الناقة المسنة والنصف بفتحتين المرأة المتوسطة في العمر والعرس بالكسر امرأة الرجل وهو المراد هنا إما بالضم فيطلق على طعام الوليمة وعلى النكاح كما في القاموس.
قوله:
(وحرب)
قد يقال هو من النوع الأول لأن تصغير بالتاء يلبس بحربة الحديد سم.
قوله:
(قديديمة)
أي بفك إدغام الدال وجعل ياء التصغير بينهما وقلب الألف ياء لأنه مدة قبل الآخر، والقياس حذف التاء.
قوله:
(منها تا وتي)
مخالف لنصِّهم على أنه لا يصغر من ألفاظ المؤنث إلاّتا وهو المفهوم من التسهيل إلا أن يريد بقوله منها أي من الفروع لا بقيد التصغير.
قوله:
(وشذ تصغير الذي الخ)
---(3/174)
لكن سوغه أن في الذي وذا وفروعهما شبهاً بالأسماء المتمكنة بكونها توصف بوصف بها وتذكر وتؤنث وتثنى وتجمع فاستبيح تصغيرها لكن على وجه خولف به تصغير المتمكن فترك أولها على حاله من فتح الذي وذا أوضم كأولى وعوض من الضم المجتلب للتصغير ألف مزيدة في آخر غير المثنى، ووافقت المتمكن في زيادة ياء ثالثة ساكنة بعد فتحة، فقيل: اللذيا واللتيا بفتح اللام وإدغام ياء التصغير في يائهما ثم ألف التعويض وضم لامهما لغة كما في التسهيل خلافاً لمن أنكرها كالحريري في درة الغواص وفي تثنيتهما اللذيان واللتيان بلا تعويض عن الضم لطولهما بالزيادة وفي الجمع على لغة من بناه: اللذيين في الرفع وغيره بفتح الذال وكسر الياء المدغم فيها عند سيبويه، وكذا على لغة الإعراب في غير الرفع ويقال في الرفع: اللذيون بفتح الذال وضم الياء وقالوا في جمع التي: اللتيات بالفتح وهو جمع اللتيا بعد حذف ألفه لالتقائهما ساكنة مع ألف الجمع وفي تصغير اللاتي اللويتا بقلب الألف واواً حذف الياء الأخيرة لأنه لو قيل: اللويتيا لزم كونه سداسياً بألف التعويض مع أن ياء التصغير لا تصحب خمسة سواها أفاده سم وفي اللائي اللويا بإدغام ياء التصغير في الياء الأخيرة بعد حذف الهمزة كما في الفارضي.
قوله:
(ذيا وتيا)
---(3/175)
أي بفتح الذال وشد الياء وأصله: ذييا وتييا بثلاث ياءات؛ الأولى عين الكلمة والثالثة لامها والوسطى ياء التصغير فخفف بحذف الأولى لا الثالثة لئلا يلزم فتح ياء التصغير لمناسبة الألف وهي لا تحرك لشبهها بألف التكسير واغتفر وقوع ياء التصغير ثانية بكونه معضداً لما قصدوا من مخالفته للتمكين وقالوا في تثنية ذيان وتيان وفي أولى بالقصر أليا بضم الهمزة على أصلها وفتح اللام وإدغام ياء التصغير في الياء المنقلبة عن الألف والألف الأخيرة عوض عن ضم التصغير. وفي أولاء بالمد أليئا بهمزة بعد الياء ثم ألف التعويض والظاهر أن الياء ساكنة لا مشددة وأن الألف التي كانت قبل الهمزة حذفت لما قبل في اللويتا ومن الإشارات غير ذلك والله أعلم.
----
- النسب -
سماه سيبويه باب الإضافة أيضاً وابن الحاجب باب النسبة بالضم والكسر بمعنى الإضافة، ويحدث بالنسب ثلاث تغييرات؛ الأولى: اللفظي وهو ثلاثة: زيادة ياء مشددة آخر المنسوب، وكسر ما قبلها ونقل إعرابه إليها وأفاده المصنف بقوله: ياء كيا الكرسي إلى آخر البيت والثاني معنوي وهو صيرورته اسماً لما لم يكن له وهو المنسوب بعد أن كان اسماً للمنسوب إليه والثالث حكمي وهي معاملته معاملة الصفة المشبهة في رفعه الظاهر والمضمر باطراد.
قوله:
(كيا الكرسي)
أفاد أن ياءه ليست للنسب لأن المشبه به غير المشبه، والفرق بينهما أن سقوط ياء النسب لا يخل بالاسم لبقاء دلالته على المعنى المشعور به قبل وهو المنسوب إليه، وسقوط ياء الكرسي يصير اللفظ لا معنى له ولما كان النسب معنًى حادثاً افتقر إلى علامة تدل عليه كالتصغير وغيره، وكانت من حروف اللين لخفتها، ولم تلحق الألف لئلا يصير الإعراب تقدير يا ولا الواو لثقلها، وشدت الياء لئلا تلتبس بياء المتكلم، ولتجري عليها وجوه الأعراب.
قوله:
(أو مُدَّتَه)
---(3/176)
بالنصب عطفاً على تا لأنه مفعول مقدم لتثبتا بضم أوله مضارع أثبت، وألفه بدل من نون التوكيد الخفيفة، ولا ناهية، والمراد بمدته أي التأنيث الألف المقصورة فقط، وسيذكر حكم الممدودة بقوله: وهمزة ذي مد الخ.
قوله:
(وإن تكن)
أي مدة التأنيث فقط وتربع مضارع؛ ربعت القوم من باب نفع صيرتهم أربعة، وهذا استثناء من قوله: أو مدته المفيد وجوب حذفها مطلقاً سواء كانت خامسة أولاً حرك ثاني ما هي فيه أولا فأفاد أنَّ الوجوب في غير الرابعة بقيدها.
قوله:
(حسن)
الأرجح كونه خبراً عن حذفها، وخبر قلبها محذوف للإشعار به أي جائز ليكون منبهاً على رجحان الحذف قال سم ويشعر به أيضاً مفهوم قوله: وللأصلي قلب يعتمي لأنه بيان لمخالفة الأصلي لها اهـ، وفيه أن المخالفة تصدق بالمساواة.
قوله:
(بعد ثلاثة)
خرج الواقعة بعد حرف كحي أو حرفين كعدي فسيأتي حكمهما.
قوله:
(وجب حذفها)
أي كراهة توالي أربع يا آت، ويظهر أثر ذلك فيما إذا سمي بنحو بخاتي وكراسي بشد الياء جمع بختى وكرسي، ثم نسب إليه فإنه قبل النسب غير مصروف لمنتهى الجمع تبعاً لما قبل التسمية لكون الياء من بنية الكلمة، وبعد النسب مصروف لزوال صيغة الجمع بعروض ياء النسب قال ابن هشام. فإن قلت: من قال في يمني: يمان بتعويض الألف عن إحدى ياءي النسب إذا نسب إليه هل يحذف الألف كما يحذف الياء الأخيرة لأنهما بمنزلة الياءين قلت: لا كما نص عليه أبو علي لانفصالهما والثقل إنما هو في اجتماع الياءات لا في وجودها منفصلة نكت.
قوله:
(مكي)
---
بحذف التاء لئلا تقع حشواً ولئلا يجتمع علامتا تأنيث ولو قيل في المؤنث مكية ومن اللحن قول العامة درهم خليفتي، وقياسه خلفي كما سيأتي. وقول المتكلمين في النسبة إلى الذات ذاتي اصطلاح لهم غير جار على اللغة كاستعمالهم الذات بمعنى الحقيقة مع أن المعروف لغة كونها بمعنى صاحبة ولا مشاحة في الاصطلاح تصريح، وقياسه ذووي بحذف التاء وقلب ألفه واواً ورد لامه المحذفة.(3/177)
قوله:
(محركاً ثاني ما هي فيه)
أي لأن الحركة كحرف خامس في الثقل فيخفف بحذف الألف.
قوله:
(كجمزى)
بفتح الجيم والميم والزاي وصف بمعنى سريع يقال حمار جمزى.
قوله:
(والثاني قلبها)
ويجوز حينئذٍ زيادة ألف قبل الواو تشبيهاً بالمدودة كحبلاوى.
قوله:
(لشبهها)
أي في كونها رابعة ذي ثانٍ سكن لأنه لا تقع رابعة ذي ثان محرك إلا ألف التأنيث كما في التوضيح.
قوله:
(الملحق)
بكسر الحاء أي الملحق كلمة بأخرى.
قوله:
(ما لها)
أي حيث كانت رابعة ذي ثان سكن أمّا ما لها خامسة ففي البيت بعد هذا فقول الشارح يعني الخ ليس مراعياً فيه ترتيب الأبيات.
قوله:
(والألف الجائز الخ)
بالجيم أي الذي جاوز أربعة فصار خامساً، أو سادساً سواء كانت للإلحاق أو بدل أصل، أما ألف التأنيث فتقدمت في عموم قوله أو مدته لا تثبُتا.
قوله:
(وحتم)
خبر مقدم عن قلب ويعن بكسر العين صفة ثالث أي يعترض ويوجد أي يجب قلب كل ثالث معتل ألف مقصور كان أو ياء منقوص أما ألف التأنيث، والإلحاق فلا يقعان ثالثين كما يقتضيه كلام الشارح.
قوله:
(حَبَرْكيِ)
بفتح المهملة والموحدة وسكون الراء هو والقراد وألفه للإلحاق بسفرجل.
قوله:
(عَلَقي)
بفتح فسكون اسم نبت ملحق بجعفر.
قوله:
(الأصلية)
أي المنقلبة عن أصل واو أو ياء لأن الألف لا تكون غير منقلبة إلا في حرف أو شبهه.
قوله:
(فإن كانت الثالثة الخ)
هذا الحكم من قوله: وحتم قلب ثالث.
قوله:
(قلبت واواً)
---
أي وإن كان أصلها الياء لوجوب كسر ما قبل ياء النسب، واجتماع الكسر والياءات ثقيل والألف لا تقبل الحركة.
قوله:
(يقال اعتميت الشيء)
أي كأصطفيته وزناً ومعنىً ويقال أيضاً: اعتامه يعتامه كاختاره يختاره كذلك قال طرفة:
440 ــــ أرى الموتَ يعتامُ الكرامَ ويصطفي
عقيلةَ مالِ الفَاحِشِ المُتَشَدِّدِ
قوله:
(كمصطفي)
أي فقول العامة مصطفوي ومصطفاوي لحن.
قوله:
(وأشار بقوله كذاك)(3/178)
أي إلى أخر البيت بعده فحكم الياء الثالثة من قوله وحتم قلب ثالث والرابعة من قوله: والحذف في اليا الخ والخامسة من كذاك الخ فلم يرتب في شرح الأبيات مراعاة لسهولة العبارة.
قوله:
(وفتح ما قبلها)
هذا مأخوذين من البيت الآتي.
قوله:
(في شج)
أي يحذف الياء أصله شجي كفرح أعل كقاض فإن جعلته بوزن فعيل من شجاه الحزن فهو مشجو قلت شجي بشد الياء كخلى وسيأتي في قوله وألحقوا معل لام الخ.
قوله:
(قاضوي)
ظاهره كالمصنف إطراده وذكر غيرهما أنه من شواذ النسب عند سيبويه قيل ولم يسمع إلا في قوله:
441 ــــ فكيفَ لنا بالشربِ إنْ لم يكن لنا
دراهمُ عند الحانوي ولا نَقْدُ
فجعل اسم مكان الخمر حانيه ونسب إليه بقلب الياء واواً من قولهم: حَنَوْت عليه أي عطفت فكأنها تحنو على ذويها كالأم والمعروف أن اسمها حانة بلا ياء.
قوله:
(كانت خامسة وجب حذفها)
شمل نحو محيي بثلاث ياءات كمزكى اسم فاعل من حيي كزكى فتحذف ياؤه الأخيرة لأجل ياء النسب ولا يزاد على ذلك عند المبرد فيقال محيي بياءين مشددتين كما يقال في النسبة إلى أمية أميي وفيه وجه آخر وهو أن تحذف ياءه الأولى لتوالي الياآت إذ هي تشبه الزائد في السكون فتقلب الثانية ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها ثم تحذف الأخيرة للنسب فتقلب الألف واواً فيصير محوي بياء واحدة مشددة كأموي ويرجح وهذا عدم توالي الياءات والأول أنه ليس فيه إلا حذف الياء الأخيرة كما تحذف من قاض.
قوله:
---
(قوله وأول ذا القلب الخ)
أي اجعل هذا القلب تالياً لانفتاح بأن تفتح ما قبل الحرف ثم تقلبه فذا اسم إشارة مفعول أول لأول والقلب بدل منه وانفتاحاً مفعوله الثاني أو ذا بمعنى صاحب أي أول الحرف صاحب القلب، أي المقلوب انفتاحا والأول لنصِّه على تأخر القلب عن الفتح.
قوله:
(وفَعِل)
بفتح فكسر والثاني بضم فكسر منوناً والثالث بكسرتين.
قوله:
(وجب فتح ما قبلها)(3/179)
ظاهره أن الفتح بعد القلب والتحقيق أنه قبله كما يفهم من المتن لأنه إذا أريد النسب إلى نحو: شج وعم فُتِحَت عينه كما تفتح في نمر الآتي فتقلب اللام ألفاً فيصير شجى وعمى كفتى فتقلب الألف واواً للنسب وكذا يقال في قاض.
قوله:
(وجب التخفيف الخ)
أي لأن الآخر يجب كسره لأجل الياء فلو بقي كسر ما قبله لاستولى الكسر على أكثر الكلمة فيثقل فإن سبقت الكسرة بأكثر من حرف فلا تغير سواء كانت في خماسي كجحمرش بفتح الجيم وسكون الحاء المهملة وفتح الميم وكسر الراء فمعجمة للعجوز أو رباعي تحرك ثانيه كجندل بضم الجيم أو فتحها بفتح النون وكسر الدال لمجتمع الحجارة وكذا إن سكن ثانيه على الأوجه كتغلب، وقد سمع الكسر والفتح في: تغلبي ويحصبي ويثربي، والفتح عند الخليل وسيبويه سماعي وقاسه غيرهما فيقال: مغربي ومشرقي بالفتح.
قوله:
(دُؤلي)
بضم المهملة وفتح الهمزة بعد أن كانت مكسورة في دئل.
قوله:
(إبَلي)
بكسر الهمزة وفتح الموحدة بعد كسرها في إبل.
قوله:
(وقيل في المرمى الخ)
هذا البيت متعلق بقوله: ومثله مما حواه احذف ولعله أخره عنه لارتباط الأبيات المارة ببعضها.
قوله:
(قليلة)
في الارتشاف أنه شاذ.
قوله:
(بحرف واحد)
وستأتي المسبوقة بحرفين في قوله: وألحقوا معل لام.
قوله:
(حَيَوي)
---(3/180)
أي لأنه لما فتحت الياء الأولى في حيي قلبت الثانية ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها فصار كفتى فقلبت الألف واواً للنسب وكذا يقال في: طي إلا أن ياءه الأولى بعد تحريكها ترد إلى أصلها وهو الواو لزوال مقتضى قلبها ياء وهو اجتماعها ساكنة مع الياء في أصله وهو طوى فيصير طووي بلا إدغام لوجوب فتح ثانيه كما في المتن ولأن اجتماع المثلين فيه عارض بخلاف ما ثانية واو مشددة قبل النسب كدوّ للفلاة الواسعة فلا يغير بل يقال: دوي بالإدغام ولم تقلب عين حيوي ونحوه ألفاً مع تحركها وانفتاح ما قبلها لأن حركتها عارضة ولما فيه من اللبس ولا لامها كذلك لسكون ما بعدها كما سيأتي في قوله:
من واوٍ اوْ ياءٍ بتحريك أصل
الخ كيف وياء النسب تقتضي قلب الألف واواً لوجوب كسر ما قبلها.
قوله:
(التثنية)
أي المثنى وما ألحق به كاثنين فيرد إلى واحده المقدر، ويقال: اثني بإبقاء همزة الوصل لأنها عوض عن لامه أي المحذوفة ويجوز ثنوي بلا همز لرد اللام إذ أصله ثنو كما سيأتي عند قوله: وأجبر برد اللام.
قوله:
(أو جمع تصحيح)
وما ألحق به كعشرين فيقال عشري.
قوله:
(وأعربته بالألف)
فإن أعربته بحركات النون فلا حذف وكذا في الجمع وما ألحق بهما.
قوله:
(وثالث)
مبتدأ سوغه الوصف بالظرف وحذف خبره أو الجار متعلق بحذف المسوغ للابتداء كونه صفة لمحذوف أي وحرف ثالث.
قوله:
(وجب حذف الياء المكسورة)
أي أصلية كانت كطيب أو منقلبة عن واو كميت أو زائدة كغُزَيل تصغير غزال كما نص عليه فتقول ميتي وغُزَيْلِي بسكون الياء وكسر ما بعدها لكراهة اجتماع الياءات والكسرتين فقول المصنف: وثالث بيان للواقع في طيب لا قيد إذ الرابعة فأكثر كذلك ولو قال: ثالث لطيب حذف لو في بالمراد.
قوله:
(إلى طييء)
بياء مشددة فهمزة، وقوله: طييء بسكون الياء وكسر الهمزة.
قوله:
(بإبدال الياء)
---(3/181)
أي الساكنة بعد حذف المكسورة على غير قياس لأنها لا تبدل إلا المتحركة فلو قيل بحذف الساكنة وقلب المتحركة ألفاً لكان قياساً، إسقاطي.
قوله:
(فلو كانت الياء الخ)
مثله ما لو كانت الياء المكسورة مفردة لا مدغماً فيها نحو: مغيل بضم الميم وسكون الغين المعجمة وهو الولد إذا أرضعته أمه وهي توطأ حاملاً فلا تحذف لنقص ثقلها بل يقال، مغيلي.l
قوله:
(هبيخ)
بفتح الهاء والموحدة وشدة التحتية المفتوحة آخره معجمة.
قوله:
(وفَعَلْى في فَعلية)
بفتح فإنهما والثانيين بالضم، وفعيلة فيهما غير مصروف للعلمية على الوزن، والتأنيث لكنه نوّن الثانية للضرورة.
قوله:
(وحذف يائه)
أي فرقاً بين المذكر والمؤنث كحنفي وشريفي في حنيف وشريف، ولم يعكس لأن الهاء تحذف للنسب فتتبعها الياء والحذف يأنس بمثله، ثم فتحت عينه لئلا يتوالى كسرتان كما مر في نمر وشذ إبقاء الياء في ألفاظ نبهوا بها على الأصل المرفوض كقوله:
442 ــــ وَلَسْتُ بِنَحْوِيَ يَلُوكُ لِسَانَهُ
وَلَكِنْ سَلِيقِيُّ أَقُولُ فأعِربُ
نسبة إلى السليقة وهي الطبيعة وحقه سلقي.
قوله:
(عرياً)
أي خلا من التاء ومن المثالين حال من ضمير عرى.
قوله:
(في وجوب حذف يائه)
أي الزائدة وهي الساكنة كراهة توالي الياءات فتقلب الثانية واواً إما رجوعاً كقصي وعدي وعلي، أو لأجل ياء النسب كولي فيقال ولوي وتفتح عينه كما مر.
قوله:
(لم تحذف منهما شيء)
أي قياساً عند سيبويه بل يقتصر على ما ورد وقاسه المبرد لكثرته كثقفي وقرشي وهذلي في: ثقيف وقريش وهذيل.
قوله:
(عقيل)
بالفتح اسم رجل وبالضم قبيلة.
قوله:
(قُليلة)
بالضم تصغير قلة تطلق على إناء كالجر وعلى أعلى الشيء كقلة الجبل، وقلة الإنسان رأسه.
قوله:
(نحو كساء)
---(3/182)
قال ابن هشام مثله ماء فتقول: مائي وماوي لأن الهمزة بدل غاية الأمر أن المبدل منه في كساء واو في ماء هاء اهـ، ومقتضاه جواز الوجهين فيه ولو قبل التسمية لكن المسموع قبلها القلب كما في الأشموني ومثل ماء شاء.
قوله:
(فوجهان)
أي والأحسن في ألف الإلحاق القلب وفي المنقلبة عن أصل التصحيح كما مر.
قوله:
(لصدر جملة)
أي مسمى بها ولصدر ما ركب مزجاً أي ولو عددياً فتقول: خمسي في خمسة عشر سمي به أولاً، كما يقتضيه كلام الفارضي ومثل ذلك ما سمي به من نحو: حيثما وأينما ولولا ولوما من المركبات فتقول: حيثي ولوي بالتخفيف لأنه ليس من الثنائي الآني من قوله: وضاعف الثاني الخ بل رباعي حذف عجزه.
قوله:
(ولثان)
عطف على لصدر وتمماً بالبناء للفاعل على صفته، وإضافة مفعول تمما.
قوله:
(أو اب)
بنقل فتح الهمزة للواو.
قوله:
(أو ماله)
---(3/183)
عطف على ابن أي أو مبدوأة بماله الخ وعطفه على ثان مفسد قيل هو عطف عام لشموله الابن وغيره من كل ما يتعرف بالإضافة كغلام زيد كما مثله الشارح تبعاً لابن الناظم، ويرده أن عطف العام لا يكون إلا بالواو وأيضاً فمرادهم بالمضاف الذي ينسب لصدره فقط أو عجزه فقط ما كان علماً بالوضع، أو بالغلبة، أما غير العلم كغلام زيد فليس مما هنا لأنه ليس لمجموعة معنى مفرد ينسب إليه. بل ينسب فيه إلى غلام وحده، وإلى زيد وحده، بحسب المراد فهو من النسبة إلى المفرد لا المضاف وجعله عطف مرادف بأن يراد بماله التعريف وبالمصدر بابن أو أب شيء واحد وهو العلم بالغلبة كابن الزبير تكرار بلا فائدة فالأولى أن يراد بالصدر بابن أو أب ما كان كنيةً من الأعلام الوضعية كأبي بكر وابن وردان ومثله أم كلثوم، وبالمعرف بالثاني العلم الغلبي كابن عمر فإنه قبل غلبته على ذلك الشخص استعمل فيه مضافاً غير علم فتعرف أوله بثانيه ثم غلب عليه دون سائر أخواته فصار تعريفه بالعلمية وأما غير الكنية من الأعلام الوضعية كامرىء القيس، وعبد الشمس فهو المراد بقوله: فيما سوى هذا الخ والفرق بين الكنية والعلم بالغلبة المصدرين بابن أن علمية الكنية بالوضع والثاني بالغلبة أفاده الصبان. لكن هذا الحمل لا يناسب تمثيل الشارح للقسم الأول بابن الزبير لأنه عَلَم غلَبي كابن عمر لا كنية فالحاصل أن المركب الإضافي إن كان علماً بالوضع غير كنية نسب لصدره إن أمن اللبس فإن لم يؤمن، أو كان كنية، أو علماً بالغلبة نسب إلى عجزه أو ليس علماً أصلاً فليس مما نحن فيه خلافاً لتمثيل الشارح بغلام زيد ولا يصح حمله على المجعول علماً لأنه حينئذٍ من الأول قال الإسقاطي إلا أن يحمل على ما إذا غلب على واحد من غلمان زيد كما في ابن عمر اهـ ومقتضاه أن العلم الغلبي لا يشترط تصديره بابن وعلى هذا فالمخلص مما مر أن يراد بقوله: بابن أو أب ما يعم الكنية، والعلم الغلبي المصدَّر بهما، وبالمعرف
---(3/184)
بالثاني العلم الغلبي غير المصدر بهما كغلام زيد إذا غلب فالْتَأَمَ كلام الشارح بالمتن ويندفع الاعتراض عنهما وعن ابن المصنف ويكون العطف مغايراً فتدبر.
قوله:
(وفي بعلبك إلخ)
أي وفي معد يكرب معدي ومَعْدَوي لأنه بعد حذف الجزء الثاني يصير منقوصاً كقاض فيجري فيه ما مر.
قوله:
(فإن كان صدره ابناً إلخ)
أي بأن كان كنية، أو علماً غلبياً وقوله: أو كان معرفاً إلخ، أي بأن كان علماً غلبياً غير مصدر كغلام زيد.
قوله:
(فإن لم يكن كذلك)
أي بأن كان علماً بالوضع غير كنية، أما غير العلم أصلاً فخارج كما مر.
قوله:
(امرِئي)
أي بكسر الراء بعدها همزة، ويقال مرئي بفتح الميم الراء وحذف همزة الوصل وهذا هو المطرد عند سيبويه لأنه المسموع تصريح
قوله:
(ما منه حذف)
ما بمعنى اسم مفعول اجبر ونائب فاعل حذف ضمير اللام فهو صلة جرت على غير صاحبها وهاء منه تعود لما أي أجبر الاسم الذي حذفت لامه بردها إليه، وقوله جوازاً أي جبراً ذا جواز أو جائزاً.
قوله:
(في جمعي التصحيح)
متعلق بألف ولا فائدة لذكر جمع المذكر مع التثنية لأن ما يرد فيه يرد فيها بلا عكس كلام أب وأخ فإنها ترد في التثنية دون الجمع إلا أن يدعي ردها فيه ثم حذفها للإعلال واقتصر في التسهيل على التثنية وجمع المؤنث.
قوله:
(بهذي)
أي في هذه الثلاثة وهي جمعا التصحيح والتثنية توفيه أي جبر في النسب وجوباً.
قوله:
(جاز لك إلخ)
---(3/185)
أي بشرط صحة العين وإلا وجب الجبر وإن لم يجبر في التثنية كشاة فإن أصلها شوهة لجمعه على شياه حذفت لامها وهي الهاء تخفيفاً، وقصد تعويض التاء عنها ففتحت الواو بعد سكونها لأجلها، ثم قلبت ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها فترد لامها في النسب ويقال: شوهي بسكون الواو وعند الأخفش لأنه يسكن فيه ما أصله السكون، وعند سيبويه والجمهور: شاهي لأن المجبور عندهم تفتح عينه وإن سكنت في الأصل فتقلب ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها وتقول في: ذي وذات بمعنى صاحب: ذووَي بفتح الذال والواو اتفاقاً، لأن أصله فعل بفتحتين عندهما كما مر في باب الإعراب فترد لامه وتقلب ألفاً ثم الألف واواً لأجل الياء كفتى قاله الدماميني اهـ صبان ورد اللام في هذا واجب لشيئين: اعتلال عينه وردها في تثنية ذات نحو: ذواتا أفنان لكن ينظر لِمَ لَمْ تُقْلب العين ألفاً لتحركها، وانفتاح ما قبلها ويقال: ذاوي كشاهي وليس فيه توالي إعلالين لصحة اللام بعد النسب وليس هذا مثل طووي المتقدم لعروض حركة العين فيه وأصالتها هنا بل هذا أولى بالقلب من شاهي العارض الحركة كما مر فتأمل.
قوله:
(يدوي)
أي بسكون الدال عند الأخفش تبعاً لأصلها وبفتحها عند سيبويه لما مر وهو الصحيح وبه ورد السماع، مثله نحو: دَمٌ وغَدٌ، مما أصل عينه السكون إذا رُدَّت لامه في النسب، وجواز الرد وعدمه في ذلك إنما هو عند من يقول في تثنية يدان ودمان أما من يقول يديان بالرد فلا يجوز غيره.
قوله:
(بنوي)
أي بحذف همزة الوصل لأنها عوض اللام فلا يجمع بينهما وابني بإثبات الهمزة وحذف اللام وكذا كل ما حذفت لامه وعوِّض عنها الهمزة كاسم واست.
قوله:
(علماً لمذكر)
قيد لصحة جمعه بالواو والنون.
قوله:
(ألحق)
---
أي في ثبوت الجبر برد اللام بلا نظر لوجوبه، فلا ينافي وجوبه في: بنت كأخت دون ما ألحق به وهو ابن، وإنما أعاد ذلك مع شمول قوله: واجبر برد اللام له تنبيهاً على خلاف يونس.
قوله:
(ويونس)(3/186)
يقرأ غير مصروف على أصله إذ لا حاجة بالوزن إلى صرفه.
قوله:
(أخت)
إنما ضمت همزتها لتدل على أن الذاهب منها واو، وخُصت بذلك دون أخ لأجل التاء اللازمة لها وصلاً ووقفاً كالاسم الثلاثي صحاح.
قوله:
(أخوي وبنوي)
أي بفتح أولهما وثانيهما لأنه أصلهما، ولا يضر التباسهما بالمنسوب إلى أخ وابن لأنهم لا يبالون به في النسب صبان.
قوله:
(ومذهب يونس إلخ)
أي لأن التاء وإن أشعرت بالتأنيث تشبه ياء جبت وسحت في سكون ما قبلها والوقف عليها بالتاء، كتابتها مجرورة فكأنها من بنية الكلمة، ويرده حذفها في الجمع كتاء التأنيث فيقال: بنات وأخوات دون: بنتات وأختات.
قوله:
(كلا ولائي)
أي كما يقال لائي بمدة فهمزة فياء مشددة في النسب إلى لا.
قوله:
(إلى ثنائي)
أي وضعاً وقد مر الثنائي لا بالوضع في قوله: واجبر إلخ.
قوله:
(فتقول في لو إلخ)
أي سواء كانت اسم رجل أردت النسبة إليه أو قصدت نسبة شخص إلى لفظها لإكثاره منها فتقول لوي بالإدغام لاجتماع المثلين فيه قبل النسب عند تضعيفه فصار كجوّ ودوّ، وأما نحو كي وفي فتقول فيه كيوي وفيوي بلا إدغام كحيوي في حي لعدم اجتماع المثلين إذ الياء المزادة تقلب واواً للنسب وإنما لم يدغم طووي لما مر.
قوله:
(ويجوز قلب الهمزة واواً)
أي كالمبدلة عن أصل في نحو: كساء كذا في التصريح وفيه أن الهمزة بدل عن الألف الزائدة للتضعيف لا عن أصل فالأولى أن تشبه بالمنقلبة عن ألف الإلحاق في نحو: علباء إلا أن يقال: لما كان التضعيف هنا لتصيير الكلمة ثلاثية كان بمنزلة الأصل فتدبر.
قوله:
(وإن يكن كشية إلخ)
شروع في بيان محذوف الفاء بعد أن بين محذوف اللام، وترك محذوف العين لقلته جداً، انظر الأشموني.
---
قوله:
(عند سيببويه)
أي لأنه بفتح عين المجبور وإن كان أصلها السكون وأما الأخفش فيسكن ما أصله السكون.
قوله:
(في شية)(3/187)
هي لون يخالف لون سائر البدن من الفرس وغيره وأصلها وشيء بكسر فسكون كوعد في عدة نقلت كسرة الواو لما بعدها وحذفت، وعوض عنها التاء.
قوله:
(وشوي)
أي بفتح الشين عند سيبويه، والواو الأولى فاء الكلمة مكسورة على أصلها، والثانية منقلبة عن اللام لأن لما ردت فاؤه فتحت عينه فقلبت لامه وهي الياء الفاً ثم واواً لياء النسب كما في فتى، وأما الأخفش فيقول وشي بسكون الشين، وكسر ياء الكلمة لأجل ياء النسب وإنما صحت الياء لسكون ما قبلها، ومثل ذلك دية فسيبويه يقول: ودوي، والأخفش وديي.
قوله:
(ناسباً للجمع)
قال الشاطبي أراد الجمع اللغوي ليشمل التثنية كالمكسر والسالمين اهـ وفيه أن حكم التثنية السالمين علم من قوله:
وعلم التثنية احذف للنسب
إلخ مع أنه يدخل في الجمع اللغوي اسم الجمع كقوم والنسب إليه على لفظه كما في التسهيل واسم الجنس الجمعي كنمل قال الدماميني ولا يعلم أينسب إليه أم إلى مفرده إلا الله تعالى لسقوط التاء في النسب ألبتة صبان.
قوله:
(جيء بواحده)
أي إن لم يتغير المعنى وإلا نسب إلى الجمع نفسه كأعرابي، إذ لو قيل: عربي رداً إلى مفرده لتبادر الأعم والقصد الأخص لاختصاص الأعراب بسكان البوادي، وعموم العرب لهم وغيرهم قاله أبو حيان.
قوله:
(فرضي)
أي بفتح الفاء والراء لأن واحد الفرائض فريضة.
وفعلى في فعيلة التزم
وقولهم فرائضي خطأ كقولهم كتبي وآفاقي وفلانسي في النسب إلى كتب وآفاق وفلانس والقياس كتابي وأفقي وفلنسي بالرد إلى الواحد فتحذف الواو من فلنسوة على قاعدة النسب إلى ما فيه واو رابعة فصاعداً قبلها ضمة لكن قيل إن فرائض مما جرى كالعلم كأنصار فلا يكون النسب إليه خطأ.
قوله:
(فإن أجرى إلخ)
---
شمل العلم بالوضع كأنمار وكلاب أو بالغلبة كأنصار وفرائض للعلم المخصوص واسم الجمع كصحب، واسم الجنس كشجر، والجمع الذي لا واحد له من لفظه كعباديد فكلها ينسب إلى لفظها.
قوله:
(ومع فاعل إلخ)(3/188)
فَعِل بفتح فكسر مبتدأ خبره أغنى، ومع حال من فاعله، والمعية في الحكم فقط، وهذه الصيغ غير مقيسة عند سيبويه وإن كثر بعضها فلا يقال دقاق وفكاه وبرار لبياع الدقيق والفاكهة والبر قياساً على ما سمع من نحو عطَّار وبقَّال والمبرد يقيسه.
قوله:
(على فاعل إلخ)
والفرق بين فاعل هذا، واسم الفاعل أن الثاني يفيد العلاج ويقبل التاء دون الأول.
قوله:
(وجعل منه قوله تعالى إلخ)
أي لأن جعله صيغة مبالغة يوهم ثبوت أصل الظلم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. وأجيب أيضاً بأن النفي منصبٌّ على المقيد وهوالظلم مع قيده وهو كثرته معاً كما في قوله تعالى: وَلاَ شَفِيعٍ يُطَاعُ}
(غافر:18)
إذ المقصود نفي الشفيع أصلاً فهو حينئذ بمعنى اسم الفاعل وعدل عنه تعريضاً بأن ظلاماً للعبيد من ولاة الجوز وبأن العبيد جمع كثرة فجيء في مقابلته بالكثرة.
قوله:
(إلى البصرة)
بفتح الباء بصري بكسرها، والقياس الفتح وهو مسموع أيضاً لكن قيل إن بصرة العراق مثلثة الباء فيجوز في المنسوب إليها الفتح والكسر بلا شذوذ، ويمتنع الضم لئلا يلتبس بالنسب إلى بُصرى كحبلى بلد بالشام إذا نسب إليها بحذف الألف كذا قيل وفيه أنهم لا يبالون باللبس في هذا الباب كما مر.
قوله:
(دهري)
بضم الدال الشيخ الكبير، والقياس فتحها والله أعلم.
---(3/189)
- الوقف -
هو قطع النطق عند آخر الكلمة وهو إما اختياري بالمثناة بالتحتية بأن قصد لذاته، أو اضطراري بأن قطع النفس عنده، أو اختياري بالموحدة بأن يختبر به الشخص هل يحسن الوقف على نحو: عم واقتضاء بالوجه الآتي وعلى نحو: ألا يسجدوا}، وأما اشتملت مما يتوهم أنه لفظ واحد وهو في التقدير أكثر فإن أما في الأخير ليست هي الشرطية بل أم العاطفة، وما الموصولة فيوقف على أم مفصولة من ما وأما: ألا يسجدوا فعلى قراءة الكسائي بتخفيف ألا فهي حرف استفتاح، ويا للتنبيه، أو المنادى محذوف، واسجدوا فعل أمر فيوقف على يا مفصولة من اسجدوا وكان حقه أن يفصل في الخط أيضاً لكن وصلا في المصحف العثماني فصار بصورة المضارع لفظاً وخطاً، وفي التقدير غيره وعلى قراءة الباقين بالتشديد فهي أن الناصبة مدغمة في لا الزائدة، ولذا سقطت نون المضارع والمصدر المنسبك مفعول يهتدون بحذف الخافض أي لا يهتدون إلى السجود فيوقف على أن عند قطع النفس أو على لا دون يا لأنها جزء كلمة وقيل غير ذلك. والمقصود هنا الأول وهو يرجع إلى ثمانية أنواع من التغيير غالباً مجموعة في قوله:
زيادةٌ حذفٌ اسكانٌ ونقلٌ كذا
التضعيفُ والنونُ والإشمامُ والبَدَلْ
وقد لا يغير أصلاً كالفتى والقاضي وحبلى.
قوله:
(تنويناً آثر)
بنقل كسرة الهمزة إلى النون الساكنة قبلها.
قوله:
(وقفاً)
أي في الوقف أو لأجله أو واقفاً.
قوله:
(أبدل ألفاً)
أي وجوباً في غير لغة ربيعة وجوازاً فيها كما نقله الصبان.
قوله:
(وشمل ذلك إلخ)
شمل أيضاً المقصور كرأيت فتى فألفه في النصب بدل من التنوين، وفي غيره لام الكلمة عادت لحذف التنوين عند سيبويه والجمهور، وقيل بدل من التنوين مطلقاً فيقدر إعرابه على الألف المحذوفة، وقيل لام الكلمة مطلقاً فيقدر عليها بدليل إمالتها، وكتبها بالياء، ووقوعها قافية، والألف بدل التنوين لا تصلح لذلك.
قوله:
(حذف)
أي في الأشهر، ولغة الإزد قلبه واواً بعد الضمة وياء بعد الكسرة.
قوله:
---(3/190)
(إذن)
فاعل أشبهت أي أشبهت المنون صورة لأنها ثلاثية بخلاف لن.
قوله:
(على هاء الضمير)
أي المتصل بخلاف هو وهي فلا يحذف منهما شيء لتعاصيهما بالحركة.
قوله:
(حذفت صلتها)
أي حرف العلة المتصل بها من جنس حركتها.
قوله:
(إلا في الضرورة)
أي فتثبت صلة الفتح وغيره، وإنما يكون ذلك في آخر العروض أو الضرب كقوله:
443 ــــ ومَهْمَهٍ مُغْبَرَّةٍ أَرْجَاؤُهُ
كأنَّ لَوْنَ أَرْضهِ سَمَاؤُهُ
بإثبات الواو بعد الهاء.
قوله:
(فأبدلوا)
أي الجمهور نونها ألفاً وغيرهم يقف بالنون كأن ولن، وأما رسمها فقيل بالألف كالمصحف، وقيل بالنون، وقيل: إن ألغيت فبالنون لتتميز عن إذا الشرطية، وإن أعملت فبالألف كما في المغنى، وينبغي تفريع القولين الأولين على الوقف؛ فمن وقف بالنون أو الألف رسمها بها، ولا وجه لرسمها بالنون عند من يقف بالألف ولا عكسه إذ الوقف على مرسوم الخط، وأما الثالث فقول مستقل غير مفرع على غيره، ومحل الخلاف في غير القرآن أما فيه فبالألف وقفاً وخطاً اجماعاً كما في الإتقان وغيره صبان.
قوله:
(وغير ذي التنوين بالعكس)
أي فإثبات يائه ما لم ينصب أولى وإنما قلنا: ما لم ينصب لأن الأصل مقيد به فعكسه كذلك فلا يرد أنه يدخل في كلامه المنصوب غير المنون مع أن إثبات يائه واجب لا أولى.
قوله:
(فالمختار الوقف عليه بالحذف)
أي حذف الياء كما تحذف في الوصل لأن الوقف محل راحة فلا يزاد فيه عن الوصل فيحذف التنوين، ويسكن ما قبله كالصحيح، واختار يونس إعادة الياء لزوال موجب حذفها وهو التنوين.
قوله:
(كيف)
أي مضارع وفي أصله يوفى حذفت الواو لوقوعها بين عدوَّتَيْها الياء والكسرة وإنما قال علماً لأن المنقوص لا يكون إلا اسماً وتنوينه حينئذ للعوض كجوار لأنه غير مصروف للعلمية ووزن الفعل.
قوله:
(هذا مري)
أي بإسكان الياء وأصله مرئي بهمزة بعد الراء كمكرم نقلت كسرة الهمزة إلى الراء وحذفت ثم أعلَّ كقاض.
---
قوله:
(غير مُنَوَّن)(3/191)
يشمل ما حذف تنوينه لأل كما مثله أو لمنع الصرف كرأيت جواري، أو للنداء كيا قاضٍ، أو للإضافة كقاضي مكة أما الأول فحكمه ما ذكره ومثله الثاني فتثبت ياء المنصوب منه وجوباً وياء غيره رجحاناً كما في الهمع. وأما الثالث فاختار فيه يونس الحذف ورجحه سيبويه لأن النداء محل الحذف كالترخيم واختار الخليل الإثبات فليحمل عليه كلام المصنف. وأما الرابع فكالمنون يترجح فيه الحذف على الإثبات لأنه لما زالت الإضافة بالوقف عاد إليه ما ذهب لأجلها وهو التنوين فألحق بالمنون إلا في النصب فلا يقلب تنوينه العائد ألفاً لضعفه عن الأصلي بل يوقف بالياء كما استظهره سم، وهذا القسم وحده وارد على المتن لاقتضائه أرجحية الإثبات فيه وليس كذلك إلا أن يقال: لما عاد إليه التنوين كان داخلاً في قوله وحذف يا المنقوص إلخ إلا في قوله: وغير ذي التنوين إلخ، أفاده سم.
قوله:
(من محرك)
أي حركة أصلية قبل الوقف إما عارض الحركة كتاء اقتربت وذال يومئذ فيجب تسكينه كالساكن الأصلي.
قوله:
(التسكين)
هو الأصل لأن الغرض من الوقف الاستراحة وهي بالسكون أبلغ.
قوله:
(عن الإشارة للحركة)
أي ولو فتحة خلافاً لمن منعه فيها كأكثر القراء لكنها تحتاج إلى رياضة وتأنَ لخفتها وسرعة اللسان إليها نعم لا يمكن الروم في المنصوب المنون لظهور حركته بتمامها لأجل الألف بدل التنوين.
قوله:
(إلا فيما حركته ضمة)
أي سواء كانت إعرابية نحو: وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} أو بنائية نحو: من قبل والغرض به الفرق بين الساكن أصالة، والمسكن للوقف. وكذا الروم إلا أن الفرق به أتم لأنه يدركه الأعمى والبصير لما فيه من الصوت الخفي، والإشمام لا يدركه إلا البصير.
قوله:
(أن لا يكون الآخر همزة)
أي لثقلها كالمعتل فلا تزاد بالتضعيف ثقلاً.
قوله:
(كفتى)
---
الأولى حذفه لأن الكلام في متحرك الآخر ويمثل برأيت القاضي، وقضى الأمر وقضُو الرجل بضم الضاد أي صار قاضياً.
قوله:
(وإن يلي حركة)(3/192)
أي لئلا يجتمع ثلاث سواكن المدغم، وهو المزيد للتضعيف وما قبله وما بعده، والغرض من التضعيف بيان أن الآخر محرك في الأصل، ولذ يمتنع تضعيف المنون المنصوب لظهور حركته بتمامها فهو شرط آخر.m
قوله:
(ونقل حركته)
أي الإعرابية فقط فلا تنقل حركة البناء كمن قبل وأمس، والغرض به بيان الحركة أو التخلص من السكونين، وإنما لم يجب لأن التقاء الساكنين جائز في الوقف.
قوله:
(لم يوقف عليه بالنقل)
لأن المحرك لا يقبل حركة غيره ولغة لخم النقل إليه أيضاً كقوله:
444 ــــ من ياتَمِرْ بالخيرِ فيما قَصْدُه
تُحْمَدْ مساعِيه ويُعْلمْ رُشْدُهْ
فنقل ضمة الهاء إلى دال قصده بعد سلب فتحتها.
قوله:
(كالألف)
أي وأختيها كقنديل وعصفور وزيد وثوب، وكذا المدغم كجد وعم فلا نقل في ذلك كله لتعذر الحركة في الألف والمدغم وتعسرها في الباقي، ويشترط أيضاً صحة المنقول منه فلا تقل في: دلو وظبي وأن لا يؤدي إلى عدم النظير كما سيأتي.
قوله:
(على الردء)
أي بكسر الراء وسكون الدال آخره همزة أي المعين في المهمات، ومنه قوله تعالى: {فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي}
(القصص:34)
أما الرداء بالمد وهو الثوب المعلوم فلا تقل فيه اتفاقاً لأن ما قبل الآخر لا يقبل الحركة.
قوله:
(إذا كانت الحركة فتحة)
أي لما يلزم على النقل من حذف ألف التنوين في المنون، وحمل غيره عليه، وإنما اغتفر ذلك في الهمزة لثقلها وإذا سكنت مع سكون ما قبلها زادت ثقلاً فتخلص منه بالنقل وإن لزم عليه ما ذكر تسهيلاً للنطق بها فيجوز: رأيت ردأ بالنقل، وإن لم يمثل الشارح إلا لغير المنون، والحاصل أن نقل الضمة والكسرة من المهموز وغيره متفق عليه، وكذا فتحة المهموز وأما فتح غيره فعند الكوفيين فقط.
قوله:
(لأن فعلاً)
---
أي بكسر فضم مفقود أي اتفاقا وأما عكسه فنادر في الأسماء، وقيل: مفقود فلا نقل في: أتيت بقفل لخروجه لذلك.
قوله:
(ويجوز هذا الردء)(3/193)
أي بنقل ضمة الهمزة إلى الدال وإن أدى إلى عدم النظير لثقل الهمزة.
قوله:
(في الوقف)
متعلق بجعل الواقع خبراً عن تا وها مفعوله الثاني، والأول ضمير التاء.
قوله:
(وإن كان غير ذلك)
أي بأن كان متحركاً كفاطمة أو ساكناً معتلاً وهو خصوص الألف كفتاة كما يفهم من تمثيل الشارح.
قوله:
(وقف بها السكت)
أي توصلاً إلى بقاء الحركة وقفاً كما توصل بهمزة الوصل إلى بقاء السكون ابتداء وسميت هاء السكت لأنه يسكت عليها ومواضع اطرادها ثلاثة: الفعل المعتل المحذوف الآخر وما استفهامية، والمبني على حركة لازمة وكلها في المتن.
قوله:
(بحذف آخر)
أي فقط كأعط أو مع حذف الفاء كلَمْ يَعِ أو العين كَلمْ يَرَ.
قوله:
(مجزوماً)
حال من يع وأصله يوعي حذفت لامه للجازم، وفاؤه وهو الواو لوقوعها بين عدوَّتَيْها الياء والكسرة وأصل عِ أوعى حذفت الياء للبناء والواو حملاً، على المضارع فحذفت همزة الوصل للاستغناء عنها ومثلهما فهِ، ولم يَفِه من الوفاء واهِ بمعنى عِدْ، ولم يَأْهِ ونحوهما من كل فعل حذفت فاؤه ولامه، وبقيت عينه، وأما رَهْ فالباقي منه الفاء فقط، وأصله أرأى، ولم يرأى كيرعى حذفت الهمزة بعد نقل حركتها للراء فحذفت همزة الوصل للاغتناء عنها والألف الأخيرة للجازم، أو البناء، وبقيت الفاء وهي الراء وفي الدماميني على المغني أن نحو هذه الأفعال مما بقي على حرف واحد يكتب بهاء السكت مطلقاً لكن لا ينطق بها إلا في الوقف فحذفها وصلاً إنما هو في اللفظ لا الخط.
قوله:
(للجزم أو الوقف)
المراد بالوقف هنا البناء في فعل الأمر ولو عبر به لكان أولى.
قوله:
(أو حرفين أحدهما زائد)
---(3/194)
أي فتجب فيه الهاء لبقائه على أصل واحد كذا قال المصنف، ورده الموضح بإجماع المسلمين على ترك الهاء في الوقف على: ألم أكُ ومن يتقِ والقراءة الصحيحة وإن كانت سنة متبعة لا تخالف العربية، ولا تأتي على ما تمنعه لا يقال كلام المصنف في المعتل، وأك صحيح لأنه علل الوجوب بالبقاء على أصل واحد وأك كذلك نعم يرد على الموضح أنه وافق المصنف في باب كان من شرح القطر فيرد عليه ما ذكر، ويرد على المصنف أيضاً أن الهاء لا تجب في ما المجرورة بحرف لصيرورته كجزئها كما سيأتي، وكون حرف المضارعة كالجزء أقوى فهلا قيل فيه أيضاً بالجواز.
قوله:
(وليس حتماً إلخ)
أي وليس إيلاؤها الهاء حتماً إلخ فاسم ليس ضمير المصدر المأخود من أولها لا المأخوذ من حذف لأن الحذف واجب مطلقاً كما مثله الشارح أولاً. وجوز الشاطبي إثبات الألف مع جرها بالاسم، ونقله عن سيبويه وحكاه الأخفش لغة في الحرف أيضاً وعليها قراءة عَمَّا يَتَسَاءَلُونَ}
(النبأ:1)
وقول حسان:
445 ــــ على مَ قَامَ يَشْتمُني لئيمٌ
كخنزيرٍ تَمَرّغ في رَمادِ
قوله:
(اقتضاء)
بالمد مع كسر التاء مفعول مطلق قدم على عامله وجوباً لإضافته لواجب التصدر، واقتضى الثاني فعل ماض أي اقتضى أيّ اقتضاء.
قوله:
(وجب حذف ألفها)
أي فرقاً بينها وبين الشرطية، والموصولة ولم يعكس لأن كلا من هذين مع ما بعده كاسم واحد فصارت ألفهما وسطاً والحذف بألا، وأخر أليق، وشرط الحذف أن لا تركب مع ذا وإلا امتنع نحو لماذا تلومني كما في الأشموني أي لصيرورتهما كلمة واحدة للاستفهام فما جزء كلمة لا كلمة تامة فإن جعلت ذا زائدة على القول بزيادة الأسماء والاستفهام بما وحدها حذفت الألف لأن ألفها حينئذٍ آخر كما مر في الموصول، وينبغي أن يكون مثل ذلك جعل ذا إشارية مبتدأ مؤخراً وما خبراً مقدماً فحذف ألفها كما ذكر فتدبر.
قوله:
(جاز إلحاق الهاء)
---(3/195)
أي لكون الحرف منها كالجزء فكأنها على حرفين فجاز الوقف عليها بدون الهاء وإن كان إثباتها أجود قياساً لتكون الهاء عوضاً عن ألفها المحذوفة وأكثر استعمالاً وإنما وقف أكثر القراء بحذفها اتباعاً للرسم فيسكن الميم أما المضاف فمستقل بمعناه فهي معه في تقدير الانفصال منه فتجب فيها الهاء لكونها على حرف واحد وهو لا يوقف عليه.
قوله:
(ووصلها بغير إلخ)
في نسخ الاقتصار على هذ البيت وعليها شرح الأشموني، وفي أخرى زيادة بيت قبله وهو:
ووصل ذي الهاء أجز بكل ما
حُرِّك تحريك بناءٍ لزما
فقوله: ووصلها إلخ تفصيل لإجمال هذا.
قوله:
(بغير تحريك بنا أديم)
يصدق بتحريك البناء غير الدائم كما مثله الشارح وبتحريك غير البناء أصلاً بأن تكون الحركة إعرابية كجاء زيد أولاً إعراباً، ولا بناء كنون المثنى والجمع فمقتضاه أن وصل الهاء بجميع ذلك شاذ وهو مسلم في الأول فقط، أما الثاني فلا تلحقه أصلاً، والثالث تلحقه بلا شذوذ كالزيدانه والزيدونه كما في الجمع ويجاب بأن سيبويه حكى: أعطني أبيضه بلحوق الهاء للمعرب شذوذاً، ولا نسلم أن حركة نون المثنى والجمع ليست إعراباً ولا بناء بل هي بناء لازم فتدبر وإن سلط النفي المستفاد من غير على القيد فقط وهو أديم لم يصدق إلا بالأول، وكأنه قال: ووصلها بتحريك بناء غير مدام شذ.
قوله:
(في المدام استحسنا)
فيه قيد ملحوظ أشار إليه الشارح أي المدام غير الشبيه بالإعراب فخرج الماضي فلا تلحقه الهاء عند سيبويه والجمهور، واختاره المصنف لأن حركته وإن كانت بتاء لازماً تشبه الإعراب من حيث أنه يشبه المضارع المعرب في وقوعه صفة وصلة وخبراً وحالاً كما مر، والهاء تمتنع في المعرب لأن عامله يغني عنها في الدلالة على الحركة فكذا في شبهه ولئلا يتوهم كونها ضميراً فيهما.
قوله:
(نحو قبل إلخ)
أي من كل ما عرض بناؤه وكان له حالة يعرب فيها كخمسة عشر.
قوله:
(من علة)
أي في قوله:
---
446 ــــ يا ربَّ يوم لي لا أُظلَّلُه(3/196)
أُرمضُ مِنْ تحت وأضْحى من عَلُهْ
أي لا أظلل فيه وأرمض، وأضحى مضارعان مجهولان من رمضت رجله احترقت بحر الرمضاء وهي الأرض الحارة من الشمس، ومن ضحيت بالكسر والفتح إذا برزت لها مكشوفاً اهـ زكريا وفيه أن رمض وضحى بهذا المعنى لا زمان فكيف يبنيان للمفعول مع كون النائب ليس ظرفا، ولا مصدراً فالظاهر بناؤهما للفاعل صبان: ولو بني الأول للمجهول على معنى: يحرقني حر الشمس لكان له وجه فضمة على بناء عارضة كقبل وبعد كما مر في الإضافة، ولحقته الهاء شذوذاً.
قوله:
(لم يتسنَّه)
أي بناء على أنه من السنة واحدة السنين وأن لامها واو فالأصل يتسنو قلبت الواو ألفاً، وحذفت للجازم فلحقته الهاء وقفاً، وأجري الوصل مجراه وكذا على أنه من الحمأ المسنون، وأصله يتسنن بثلاث نونات أبدلت الثالثة ألفاً دفعاً لتوالي الأمثال كتظنِّي وتقضِّي في تظنن، وتقضض أي سقط، أما على قول الحجازيين أن لام السنة هاء فيتسنَّه مجزوم بسكون الهاء ولا شاهد فيه والفاعل على الجميع ضمير الطعام والشراب وأفرده لأنهما كجنس واحد ومعنى لم يتسنه: لم يتغير بمرور الزمان قيل: كان طعامه تيناً أو عنباً وشرابه عصيراً أو لبناً ولما انتبه بعد المائة سنة وجده على حاله لم يتغير، وأتى الشارح بقوله: وانظر، إشارة إلى أن القلة إنما هي في الوصل أما في الوقف فكثيرة اتفاقاً.
قوله:
(مثل الحريق إلخ)
في نسخ قبله لقد خشيت أن أرى جدباً بشد الباء للوقف وهو ضرورة في هذا فقط لما مر أن شرط التضعيف أن لا يكون الاسم منصوباً منوناً فلا يصلح شاهداً، ولذا حذف في نسخ والجدب ضد الخصب وجملة وفق القصبا حال من الحريق، والمراد بالقصب ما تشعل فيه النار بسرعة والله أعلم.
---(3/197)
- الإمالة -
تسمى الكسر والبطح والإضجاع لأنها اصطلاحاً: تمييل الفتحة نحو الكسرة، والألف نحو الياء كما في الشرح فكأنك بطحتها أي رميتها، وأضجعتها إليها والغرض الأصلي منها تناسب الأصوات وتقاربها لأن النطق بالياء والكسرة مستفلٌّ منحدر، وبالفتحة والألف متصعِّد مستعل، وبالإمالة تصير من نمط واحد في التسفُّل والانحدار وقد ترد للتنبيه على أصل أو غيره وحكمها الجواز فكل مُمال يجوز ترك إمالته والأسباب الآتية إنما هي للجواز ومحلها الأسماء المتمكنة والأفعال غالباً كما سيأتي وأصحابها تميم ومن جاورهم، وأما الحجازيون فلا يميلون إلا في مواضع قليلة وسببها لفظي ومعنوي فالأول الياء والكسرة الظاهرتان، والثاني الدلالة على ياء كباع ورمى أو كسرة كخاف، وسيأتي موانعها وموانع موانعها، وجملة ما ذكره المتن من أسباب إمالة الألف ستة انقلابها عن الياء ورجوعها إليها وكونها بدل عين ما يؤول إلى فلت ووقوع ياء قبلها ومثله بعدها وكسر ما قبلها أو بعدها والتناسب وكلها ترجع إلى الياء والكسرة الظاهرين، أو المقدرين.
قوله:
(في طرف)
أي طرف اسم كمرمى، أو فعل كرمي أما الألف المبدلة من الياء في غير الطرف ففيها تفصيل فإن كانت عين فعل كدان أميلت أو عين اسم كناب وعاب لم تمَل عند سيبويه كما سيأتي، وأما المبدلة من الواو في الطرف فلا تمال مطلقاً وفي غيره فيها تفصيل يأتي.
قوله:
(خلف)
نصب على الحالية من الياء، أو على أنه خبر الواقع على تأويله بالصائر وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة ومنه متعلق بخلف.
قوله:
(دون مزيد)
مصدر ميمي بمعنى الزيادة ودون متعلق بالواقع أو بخلف.
قوله:
(ما الها عدماً)
ما مبتدأ مؤخر على حذف مضاف خبره لما تليه، والهاء مفعول لعدم أي حكم ما عدم الهاء في الإمالة ثابت لما تليه.
قوله:
(عبارة عن أن ينحى إلخ)
---(3/198)
اعتراض بأنه لا يشمل ما إذا لم يكن بعد الفتحة ألف كنعمة وشجرة فالأولى قول الأشموني تبعاً لابن هشام: هي أن تذهب بالفتحة نحو الكسرة فتميل الألف نحو الياء إن كان بعدها ألف وقد يقال قول الشارح: وبالألف نحو الياء ليس من تتمة ما قبله بل هو نوع آخر هو المشار إليه بقول الأشموني: إن كان بعدها ألف فلم يخرج من كلامه شيء. غاية الأمر أنه اكتفى في النوع الثاني بذكر اللازم لأن إمالة الألف لازمة لإمالة الفتحة.
قوله:
(بدلاً من ياء)
سبب أول وصيرورتها للياء ثانٍ ودون زيادة إلخ قيد في الثاني فقط.
قوله:
(كألف ملهى)
أي من كل متطرفة زائدة على الثلاثة أو ألف تأنيث مقصورة كحبلى وسكرى.
قوله:
(فإنها تصير ياء إلخ)
أي فتشبه المنقلبة عن الياء.
قوله:
(نحو قُفَىّ)
بضم ففتح، وأصله قفيو اجتمعت الواو، والياء إلخ ويقال في تكسيره قفي بكسرتين وأصله قفوَّ وكفلوس قلبت الواو الأخيرة ياء كراهة توالي واوين فانقلبت الأولى ياء لاجتماعها ساكنة مع الياء وأدغمت، ثم كسرت الفاء للمناسبة والقاف للإتباع تصريح.
قوله:
(قفي)
بفتحتين مع شد الياء وأصله قفاي بتخفيف الياء وهي اللغة الشهيرة فقلبت الألف ياء وأدغمت كما مر في قوله:
وعن هذيل انقلابها ياء حسن
وعلم بدلك أن نحو قفا وعصا من الاسم الثلاثي الواوي لإيمال لأن ألفه لا تعود للياء إلا في شذوذ أو بزيادة شيء ليس في تقدير الانفصال بخلاف ألف ملهى فإنها وإن عادت للياء بسبب زيادة التثنية والجمع لكنه زيادة في تقدير الانفصال وشذ إمالة الكبا بالكسر وهي الكناسة من كبوت البيت أي كنسته، ولا يقال: هي لأجل الكسر لأنه لا يؤثر في المنقلبة عن واو ولا يرد أن إمالة الربا مع أنه واوي من ربا يربو أي زاد قياسية لأجل الكسر كما صرح به شيخ الإسلام في شرح الشافية لأن كسر الراء له قوة في الإمالة بخلاف كسر غيرها.
قوله:
(وهكذا بدل عين إلخ)
---
هذا هو السبب الثالث وهو من المعنوي كالثاني.
قوله:
(أن يؤل)(3/199)
مضارع آل يؤل بمعنى يرجع مجزوم بأن.
قوله:
(من عين فعل)
خرج بدل عين الاسم فلا تمال مطلقاً عند سيبويه سواء كانت بدلاً عن واو كتاج وقاع وباب ودار وإن رجعت للياء في قيعان وتيجان لأن العود للياء الساكنة لا يؤثر بل إلى المفتوحة، أو عن ياء كناب من العيب وناب بالنون وجمعه أنياب لكن الثانية أميلت شذوذاً وقيل: قياساً.
قوله:
(كقولك خفت)
الأصل خوفت نقلت كسرة الواو إلى الخاء، وحذفت لالتقائها ساكنة مع الفاء المسكَّنة لأجل تاء الضمير وأصل دنت دينت بالفتح فإما أن يقدر تحويله إلى باب فعل بالكسر، ويفعل ما مر كما هو مذهب كثير من النحويين وإما أن تقلب الياء ألفاً لتحرُّكها وانفتاح ما قبلها ثم تحذف للساكنين ويجتلب كسر الدال ليدل على أن العين المحذوفة ياء.
قوله:
(قلت)
أصله قولت بالفتح نقل إلى باب فعل بالضم ثم نقلت ضمة العين للفاء وحذفت للساكنين أو يقال قلبت الواو ألفاً، وحذفت للساكنين، واجتلب ضم الفاء ليدل على أن العين واو نظير ما مر. والحاصل أن الألف التي هي عين الفعل إن كانت عن ياء مفتوحة كدان أو مكسورة كهاب أو عن واو مكسورة كخاف أميلت بخلافها عن واو مفتوحة كقال أو مضمومة كطال فلا تمال ولا تكون عن ياء مضمومة كما نقله الصبان عن شيخه السيد وسيأتي في التصريف أن باب فعل بالضم لم يأت يائي العين إلا في هيؤ أي حسنت هيئته.
قوله:
(كذاك تالي الياء)
هو السبب الرابع.
قوله:
(أو مع ها)
عطف على مقداري بحرف واحد أو مع ها.
قوله:
(الواقعة بعد الياء)
مثله الواقعة قبلها متصلة بها كبايعته أو مفصولة بحرف فقط كشاهين بفتح الهاء أما بكسرها ففيه سببان: الكسر والياء.
قوله:
(بيان)
أي بتخفيف الياء وأقوى منه إمالة كيال، وبياع بشدها لتكرر السبب وإمالة نحو شيبان أقوى من حيوان لأن تسفل الياء الساكنة أظهر من المتحركة.
قوله:
---
(أحدهما هاء)(3/200)
أي سواء تأخرت الهاء كما مثله أو تقدمت كجاء شو يهتاك وهو الظاهر لما سيأتي أن فصل الهاء كلا فصل فشو يهتاك مساوٍ لشيبان لعدم اعتبار الهاء، وضم ما قبل الهاء المتأخرة يمنع الإمالة كهذا جيبها قال سم. والظاهر أن مثله ضم الهاء نفسها المتقدمة كهذا شويهنا تصغير شاه بمعنى سلطان في لغة العجم فالحاصل أنه يشترط لتأثير الياء أن لا يفصل من الألف بأكثر من حرفين ولا بحرفين ليس أحدهما هاء ولا بضمة فتأمل.
قوله:
(كذاك ما إلخ)
أي كالسابق في جواز الإمالة ما، أي الألف التي يليها كسر أو تلي هي حرفاً تلا كسراً فالضمير في يليه ويلي راجع لما وأما ضمير ولي فلسكون وهذا سبب خامس.
قوله:
(كلا فصل)
أي لخفائها فلم تعد حاجز.
قوله:
(فدرهماك إلخ)
ذكر الحاجب أن إمالة مثله شاذة لأن أقل درجات الحرف الساكن مع الهاء أن ينزلا منزلة حرف متحرك ليس هاء ولا إمالة مع الفصل بمتحركين اهـ تصريح.
قوله:
(بعد حرف يلي كسرة)
ولا يمكن أن الألف نفسها تلي كسرة لأنها تطلب فتح ما قبلها أبداً.
قوله:
(شملال)
بكسر المعجمة الناقة الخفيفة.
قوله:
(ولكن أحدهما هاء)
أي غير مضموم ما قبلها فلا يمال نحوه ويضر بها كما مر مثله في الياء، ويظهر هنا أيضاً أن ضم الهاء المتقدمة نفسها مانع نظير ما بحثه سم هناك كهو ينبهنا.
قوله:
(وحرف الاستعلا إلخ)
لما فرغ من ذكر الغالب من أسباب إمالة الألف شرع بذكر موانعها، وإنما أخر ذكر التناسب لندوره ولعل هذه الموانع لا تجري فهي كما يفهمه صنيعه.
قوله:
(يكف مظهراً)
---(3/201)
فيه حذف مضاف وموصوف أي يمنع تأثير سبب مظهر من أسباب الإمالة ومن كسر أو ياء بيان لمظهر فخرج به السبب الخفي من الكسر والياء غير الظاهرين، فإنه لا يمنعه ما ذكر لئلا ينتفي ما يدل عليه فتجوز الإمالة في نحو: قاض إذا وقف عليه بالسكون ونحو: قاص بشد المهملة مما سبب الإمالة فيه كسرة بعد الألف سقطت للوقف أو الإدغام وفي نحو خاف وطاب وبغي مما سبب إمالته الدلالة على كسر أو ياء منويَّين.
قوله:
(وكذا تكف را)
تكف مضارع ورا بالقصر فاعله أي وكذا تمنع الراء غير المكسورة تأثير سبب الإمالة الظاهر عند الجمهور، وبعضهم يميل، ولا يلتفت إليها كما في الهمع أما الراء المكسورة فسيأتي أنها تمنع المانع.
قوله:
(إن كان ما يكف)
بفتح الياء مبنياً للفاعل، وقوله: بعد بالضم أي بعد الألف الممالة وهو حال من ما ومتصل خبر كان.
قوله:
(كذا إذا قدم)
أي ما يكف وهو المانع على الألف وقوله: كالمطواع بكسر الميم بمعنى المطيع أي الطائع مفعول مر بكسر الميم أمر من ماره يميره أي أتاه بالطعام، ومنه قوله تعالى: وَنَمِيرُ أَهْلَنَا}
(يوسف:65)
أو بمعنى أعطاه مطلقاً قال الشاطبي وهو أشهر.
قوله:
(أو ياء موجودة)
هذا ما ذكره في التسهيل والكافية، ونوزع بأنه غير معروف في الياء بل إنما يمنع مع الكسرة فقط كما قاله أبو حيان. فالظاهر جواز إمالة نحو طغيان وصياد وريان، ونحو بياض وهذه أبيارك مما تقدم فيه المانع أو تأخر.
قوله:
(يعطى للراء)
أي لأنها حرف تكرير فأشبهت المستعلية في استعلاء النطق بها إلى الحنك فمنعت إمالة الألف للمناسبة.
قوله:
(إلى أن حرف الاستعلاء المتقدم)
أي كذا الراء المتقدمة تمنع الإمالة في نحو: راشد لا في نحو: رجال لكسرها، ولا في إرشاد لسكونها بعد الكسر.
قوله:
(وكف مستعل)
مبتدأ خبره ينكف ورا بالقصر والتنوين عطف على مستعل، وترك تنوينه خطأ عند الشاطبي كما مر وسيأتيك مزيد في الإبدال.
قوله:
---
(غلبتهما الراء المكسورة)(3/202)
لأنها حرف تكرير فكانت بمنزلة حرفين مكسورين فقوَّت جانب الإمالة، وإنما تغلبهما إذا تأخرت عن الألف والألف عن المانع كمثاله لا في نحو: طارق لتأخر القاف عنها ولا في رباط لتقدمها على الألف، ولذا لم يمل أحد: من رباط الخيل لصعوبة التصعُّد بالمستعلي بعد تسفُّل الإمالة بخلاف عكسه.
قوله:
(إذا انفصل إلخ)
المراد بانفصال السبب والمانع كونهما من كلمة أخرى وباتصالهما ضده فلا تمال الألف للياء في رأيت يَدي سابور لانفصالهما كذلك، ولا يرد إمالة ألف ها ونا في نحو: أدر جيبها، ومر بنا، ولم يضر بها، ونظر إلينا مع أنها غير كلمة السبب لأنها مستثناة كما أشار إليه المصنف بتمثيله فيما مر بأدر جيبها، وقال ابن غازي لا استثناء لأن مثل ذلك يعد متصلاً في كلمة واحدة.
قوله:
(بخلاف سبب المنع)
أي لأن عدم الإمالة هو الأصل فيصار إليه بأدنى سبب.
قوله:
(أتى قاسم)
بالمثناة فوق، وتبع الشارح في هذا التمثيل المصنف وولده، وقد نظر فيه ابن هشام بأن سبب الإمالة فيه خفيٌّ وهو انقلاب ألف أتى عن الياء فلا يؤثر فيه المانع ولو مع اتصاله، والمثال الجيد: كتاب قاسم.
قوله:
(بخلاف أتى أحمد)
أي فيمال لاتصال سببه وهو الألف المبدل من ياء في طرف، ولا فائدة لذكر أحمد إلا بيان فاعل الفعل، فلا تتوقف الإمالة عليه لكن فيه أن السبب لا يقال له متصل أو منفصل إلا إذا كان خارجاً عن الألف الممالة كالياء والكسرة قبلها أو بعدها والسبب هنا قائم بنفس الألف.
قوله:
(لمناسبة ألف قبلها)
---(3/203)
أي أما في كلمتها كعماداً، أو في كلمة أخرى كتلا، والأولى أن يقول لمجاورة ألف ممالة لتشمل المتقدمة كعماداً والمتأخرة كيتامى، فإن ألفه الأولى أميلت لمناسبة الثانية الراجعة إلى الياء في التثنية ولأن ألف تلا لم تمل إلا لمناسبة ما بعدها وهو جلاها ويغشاها لانقلابهما عن الياء لا لما قبلها وهو ضحاها لأنه واوي ومقتضى ذلك أن تلا ليس فيه سبب غير التناسب وهو لا يأتي على قول سيبويه بإمالة لام الفعل الثلاثي، وإن كان أصلها الواو كدعا وغزا وتلا لرجوعها للياء في البناء للمجهول ففيها سبب آخر على مذهب المبرد وجماعة من أن إمالة نحو: دعا لغير التناسب قبيحة.
قوله:
(المتمكنة)
أي ولو في الأصل كاسم لا والمنادي وكان عليه أن يزيد والأفعال لأنه لا إشكال في إمالة الماضي وإن كان مبنياً لكنه اكتفى عن ذكره هنا بذكره فيما مر.
قوله:
(إلا سماعاً)
منه ذا الإشارية ومتى وأنى ومن الحروف بلى ويا في النداء ولا في قولهم إمالا وكذا لا الجوابية عن قطرب، ولا يمال غير ذلك من الحروف إلا إذا سمي به ووجد فيه سبب كحتى لأنها لكون ألفها رابعة تعود للياء في التثنية بخلاف إلى لصيرورتها بعد التسمية من الواوي لكونه أكثر فتثنى على الواو وأما إمالة را، ونحوها في فواتح السور بناء على أنها اسم للحروف، وكذاباً وتا من حروف التهجِّي فلسبب آخر غير ما سبق زاده بعضهم وهو الفرق بين الاسم والحرف لكنها شاذة عن القياس، ومثله الإمالة لكثرة الاستعمال كإمالة الناس رفعاً ونصباً في جميع القرآن في رواية عن أبي عمرو والكسائي فإن جر كانت قياسية للكسر.
قوله:
(إلا ها)
أي ضمير الغائبة لا التي للتنبيه.
قوله:
(في طرف)
---
صفة لرا وليس قيداً بل غالب فقط، ولذا تركه الشارح فإن سيبويه ذكر إمالة فتح الطاء في: رأيت خيط رياح، وذكر غيره إمالة فتح العين في العرد والراء فيهما ليست طرفاً، والعرد بفتح فكسر من قولهم: عرد النبات إذا طلع.
قوله:
(كالأيسر مل)(3/204)
أي مِلْ للأمر الأيسر.
قوله:
(كذا الذي تليه ها إلخ)
هذا سبب ثان لإمالة الفتحة لكنه خاص بالوقف، وما قبله عام، فالمعنى: كذا أمل الفتح الذي تليه ها التأنيث إلخ، وحينئذٍ فلا وجه لاستثناء الألف لأن الذي واقعُّ على الفتح لأنه هو الذي يمال لا الحرف الذي قبل الهاء حتى تدخل فيه الألف لكنه أرجع ضمير كان إلى ما تليه الهاء لا بقيد كونه فتحاً لدفع توهم أن من أسباب إمالة الألف وقوعها قبل الهاء كالفتحة، ولو قال عطفاً على ما قبلها:
وقبل ها التأنيث أيضاً إن تَقِفْ
ولا تُمل لهذه الهاء الألِفْ
لكان أحسن.
قوله:
(تمال الفتحة إلخ)
أي سواء كانت في مستعل كمن البقر، أو راء كترمى بشرر أو غيرهما كإحدى الكبر وللأيسر لكن بشرط أن لا تكون على ياء كمن الغير، ولا بعد الراء المكسورة حرف استعلاء كمن الشرق فإن تقدم المستعلي غلبته الراء، ولذا أميل أولى الضرر.
قوله:
(قبل الراء المكسورة)
أي فلا تمال الفتحة بعدها نحو: رمم وظاهره أنه لا بد من اتصالهما لأن القبلية تشعر به وليس على إطلاقه بل يغتفر الفصل بينهما بحرف مكسور أو ساكن غير ياء فتمال فتحة الهمزة والعين في: مررت بأشر وعمرو بخلاف فتحة الجيم في بجير كما نص عليه سيبويه والله أعلم.
---(3/205)
- التصريف -
أصله تصررف براءين لأن فعله صرَّف بشد الراء، ويجب اشتمال المصدر على جميع حروف فعله، أبدلت الثانية ياء من جنس حركة ما قبلها وخصت بذلك لأن ثقل التكرار إنما حصل بها، وهكذا كل ما وازنه كتقديس وتكريم وتفضيل والتصريف لغةً التغيير، ومنه تصريف الرياح أي تغييرها، واصطلاحاً يطلق على شيئين: الأول تحويل الكلمة إلى أبنية مختلفة لاختلاف المعاني كالتصغير والتكسير، واسمي الفاعل والمفعول أو التثنية والجمع، وجرت عادتهم بذكر هذا القسم مع علم الإعراب كما فعل الناظم وهو في الحقيقة من التصريف، والآخر تغيير الكلمة عن أصل الغرض غير اختلاف المعاني كالإلحاق والتخلص من السكونين، ومن اجتماع الواو والياء وسبق إحداهما بالسكون ويُسمَّى هذا التغيير بالإعلال، وهو المراد هنا وينحصر في ستة أشياء الحذف والزيادة والإبدال، والقلب، والنقل، والإدغام فهذه كلها أنواع تحت الإعلال كما في الصبان وفي الشافية وشرح الغزي أن الإعلال خاص بتغيير حرف العلة بحذف أو قلب أو اسكان للتخفيف، وما عدا ذلك ليس إعلالاً. وقد يطلق التصريف على ما يعم الأمرين معاً.
قوله:
(بنية الكلمة)
أي صيغتها التي حقها أن توضع عليها حالة الإفراد وخرج به البحث عن أحوال أواخرها حال التركيب فإنه علم النحو، وخرج بالعربية العجمية فلا يدخلها تصريف.
قوله:
(وما لحروفها)
عطف تفسير على قوله: أحكام بنية الكلمة.
قوله:
(وشبه ذلك)
قيل كالإخفاء والإدغام والإظهار اهـ وفيه أن الإدغام من الإعلال كما مر عن الصبان ومثله الإخفاء، والإظهار من الصحة إلا أن تخص الصحة والإعلال بغير ذلك، أو يجري على ما مر عن الشافية.
قوله:
(والأفعال)
أي المتصرفة فقط وهو فيها بطريق الأصالة لكثرة يغيرها، وظهور الاشتقاق فيها بخلاف الأسماء.
قوله:
(وشبهها)
هو الأسماء المبنية والأفعال الجامدة كعسى وليس فإنها تشبه الحرف في الجمود.
قوله:
(فلا تعلق لعلم التصريف بها)
---(3/206)
أي بمعنييه السابقين، وأما تصغير ذا والذي وتثنيتهما والحذف من سوف وإن وإبدال لعل فشاذ.
قوله:
(وليس أدنى إلخ)
أتى بذلك توضيحاً لمن لا يعرف أن الأقل من الثلاثة وضعاً خاص بالحرف وشبهه والأولى، فليس بالتفريع وأدنى اسم ليس وجملة يُرى بالبناء للمجهول خبرها ونائب فاعله يعود على أدنى وهو مفعوله الأول وقابل مفعوله الثاني.
قوله:
(فأقل إلخ)
الفاء للتعليل.
قوله:
(ثلاثة أحرف)
أي ليبتدأ بحرف، ويوقف على آخر ويفصل بينهما بآخر لكراهتهم توالى المبدأ والنهاية مع تنافيهما حركة وسكوناً، ولا يكفي الفصل بزائد لأن شأنه أن يزول فوجوده كالعدم.
قوله:
(م الله)
أي عند من يجعله مختصراً من أيمن الله في القسم.
قوله:
(مزيد فيه)
هو اسم مفعول لذكر حرف الجر معه وهو نائب فاعله فإن لم يذكر احتمل ذلك بتقدير في وكونه اسم مكان بمعنى موضع الزيادة ذكره السعد في شرح العزية.
قوله:
(احرنجام)
مصدر: احرنجمت الإبل إذا اجتمعت وهذا رباعي الأصول زيد فيه الألفان والنون.
قوله:
(واشهيباب)
بمعجمة فهاء فتحتية فموحدتين بينهما ألف مصدر: اشهابَّ الفرس بشد الموحدة إذا صار أشهب والشهبة بياض غلب على السواد وهذا ثلاثي الأصول من: شهب شهبة زيد فيه الألفان، والياء التحتية وإحدى الموحدتين.
قوله:
(وهو غايته)
ولو زاد على خمسة لتوهم أنه كلمتان، كل كلمة ثلاثة أحرف.
قوله:
(العبرة في وزن الكلمة)
أي في هيئة وزنها وهو شكل حروف الميزان، وقوله بما عدا الحرف الأخير أي لأنه على ما يقتضيه العامل فلا يختص بحركة.
قوله:
(نحو قفْل إلخ)
رتب الأمثلة على البدء بسكون الثاني فضمه فكسره ففتحه وكل منها من ضم الأول ثم مع كسره أما مع فتحه فبدأ بسكون الثاني، ثم فتحه ثم ضمه ثم كسره ولو أخر فرس عن كبد لجرى على نسق واحد.
قوله:
(ودُئِل)
---(3/207)
بضم المهملة وكسر الهمزة دُوَيْبَة كابن عرس سميت به قبيلة من كنانة منها أبو الأسود الدؤلي قال أحمد بن يحيى: لا نعلم اسماً بوزنه غيره، واستدرك عليه رُئِم بضم الراء وكسر الهمزة اسم للاست، ووعل لغة في الوَعْل بفتح فكسر، وهو التيس الجبلي فهذا البناء ليس بمهمل خلافاً لمن زعمه بل قليل.
قوله:
(وحِبُك)
أي بكسر الحاء المهملة وضم الموحدة لغة في الحبك بضمتين جمع حباك وهو الطريق في الرمل، وتطلق على طرائق النجوم كقوله تعالى: وَالسَّمَاءِ ذاتِ الحُبُكِ}
(الذاريات:7)
وعلى درع الحديد.
قوله:
(على عدم إثبات حبك)
هو الصحيح، وأما قراءة أبي السمال به فشاذة جداً، وقيل لم تثبت ولا يصح كون كسر الحاء اتباعاً لكسرة ذات لأن أل بينهما حاجز حصين، وإن كانت ساكنة إذ هي كلمة مستقلة، ومن ثم امتنع الإتباع في نحو: إنِ الحُكْمُ}
(الأنعام:57)
وَقُلِ الرُّوحُ}
(الإسراء:85)
بخلاف قُلِ انْظُروا}
(يونس:101)
وإن أحكم، والقول بأنها من تدخل اللغتين بأن نطق القارىء بكسر الحاء من لغة حبك بكسرتين ثم مال إلى لغة الضمتين فضم الباء يلزمه عدم الضبط، ورداءة التلاوة فلا يعتمد على ما سمع منه كما في شرح الكافية.
قوله:
(إلى ستة)
أي لأن التصرف فيه أكثر من الاسم فلم يحتمل من الزيادة مثله.
قوله:
(أربعة أوزان)
جرى على مذهب الكوفيين والمبرد من أن صيغة المجهول أصل، ونقل عن سيبويه، وأما عند البصريين ففرع عن صيغة المعلوم، وهو الأظهر فليس للثلاثي المجرد إلا ثلاثة أوزان أصول.
قوله:
(فعل)
بفتح العين وقياس مضارعه يفعل بالكسر كضرب يضرب، أو الضم كنصر ينصر فيخير بينهما إذا لم يشتهر أحدهما، وشذ الفتح في أبي يأبى وسلى يسلي إلا إذا كان حلقي العين، أو اللام فقياسه الفتح كسأل يسأل، ومنع يمنع، ويتعين الكسر في يائي أحدهما كباع يبيع ورمى يرمي، والضم في واويه كقال يقول ودعا يدعو.
قوله:
(وفعل بكسرها)
---(3/208)
وحق مضارعه الفتح كشرب يشرب وخاف يخاف، وبقي يبقى وجاء الكسر في ألفاظ قليلة كورث يرث وومق يمق.
قوله:
(وفعل بضمها)
ولا يكون مضارعه إلا بالضم، ولا يتعدى إلا بالتضمين ولم يأتِ يائي العين إلا في هيؤ أي حسنت هيئته اهـ أشموني أي لثقل الضم على الياء وانظر لِمَ لَمْ تُقلب الياء ألفاً كما قلبت الواو في طال مع أن أصله طول بالضم.
قوله:
(إلا مفتوحة)
أي لوجوب تحريكها للبدء بها والفتح أخف من غيره واللام مفتوحة أبداً لبنائه على الفتح وأما العين فتحرك بالثلاث حركات ولا تسكن بالأصالة لئلا يلتقي ساكنان في نحو: ضربت، وأما نحو: نعم وشهد بالسكون وقال وباع فمغير عن أصله للخفة.
قوله:
(ثلاثة أوزان)
ليست كلها أصولاً بل المبني للفاعل فقط كما مر وإنما لم يذكر الأمر في الثلاثي المجرد لأنه لا يكون إلا مزيداً فيه كاضرب، وانصر واعلم، أو ناقصاً عنها كقم وبع وخف فلم يبق ثلاثياً في اللفظ.
قوله:
(ستة أوزان)
أي تبعا للكوفيين والأخفش في زيادة الأخير منها.
قوله:
(زِبْرِج)
بزاي فموحدة هو السحاب الرقيق أو الأحمر وهو من أسماء الذهب.
قوله:
(بُرْثُن)
بموحدة فراء فمثلثة لا مثناة كما صوبه يسن فنون، وهو اسم لمخلب الأسد.
قوله:
(هزبر)
بهاء فزاي فموحدة فراء من أسماء الأسد.
قوله:
(جخدب)
بجيم فمعجمة فمهملة الجراد الأخضر الطويل الرجلين، وقيل ذكر الجراد، ومذهب البصريين أن هذا البناء السادس فرع عن فعلل بالضم فتح تخفيفاً أصلي كما عند الكوفيين.
قوله:
(جحمرش)
بجيم فمهملة فميم فراء فمعجمة هي العجوز المسنة، والعظيمة من الأفاعي.
قوله:
(قذعمل)
بقاف فذال معجمة معين مهملة هو الضخم من الإبل والقذعملة من النساء القصيرة.
قوله:
(قرطعب)
بقاف فراء فطاء فعين مهملتين فموحدة هو الشيء الحقير.
قوله:
(والحرف الخ)
---(3/209)
شروع فيما يعرف به الأصلي من الزائد وما يتبع ذلك لكن يرد عليه ما يسقط في بعض التصاريف وهو أصل كواو وعد في يعد وما لا يسقط أصلاً لجمود كلمته وهو زائد كنون قرنفل لتوسطها بين أربعة أصول وواو كوكب لمصاحبتها أكثر من أصلين، فيصير كل من التعريفين ليس جامعاً ولا مانعاً، وأجيب بأن الأصلي الساقطة لعلَّة تصريفية كالثابت، والزائد إذا لزم لعلة كالجمود كان مقدر السقوط. ولذلك يقال الزائد ما سقط في أصل الوضع تحقيقاً أو تقديراً.
قوله:
(أحْتُذيَ)
ماض مجهول من: احتذى به أي اقتدى به وحذا حذوة تبعه، ويقال: احتذى لبس الحذاء وهو النعل.
قوله:
(والذي يسقط الخ)
أي كأن يسقط من المصدر كألف ضارب في: ضرب أو من فرعه كألف كتاب في كتب، أو من نظير الكلمة كياء أيطل في أطل بكسرتين اسم للخاصرة، وتاء احتذى في حذاء.
قوله:
(هو الزائد)
هو نوعان لأنه إما تكرير أصل لإلحاق كسين أقْعَنْسَس لإلحاقه بأحْرَنْجَمَ، أو لغيره كدال قدس. ولا يجب في هذا كونه من أحرف الزيادة المجموعة في أمان وتسهيل وأما زائد بغير تكرير أصل. وهذا لا يكون إلا منها كتاء احتذى وقد تكون هي أصولاً كتاء مات، همزة أكل وميم مكان.
قوله:
(بضمن فعل)
---(3/210)
أي بما تضمنه من الحروف الثلاثة ولم يقل بفعل لأن المقصود مادته دون هيئته لأن الميزان لا يلزم هيئة بخصوصها من الحركة، والسكون، وترتيب الحروف بل يتبع ما يستحقه الموزون قبل تغييره. فيقال في: رد وقال وزنهما فعل بفتحتين وفي مرد، ومقال مفعول وإذا وقع في الموزون قلب، أو حذف فعل مثله في الميزان فتقول في آدر وآصع بمد الهمزة، وضم ما بعدها جمع دار وصاع وزنه أعفل لأن أصله أدور وأصوع قلبت الواو همزة لثقل ضمها، ثم قدمت الهمزة على الفاء وقلبت ألفاً، وتقول في: ناء بالمد وزنه فلع لأنه من النأي أي البعد فأصله نأي، قدمت لامه وهي الياء على الهمزة، ثم قلبت ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها، وفي قاض وزنه فاع وفي: عدة علة نعم إذا أريد بيان الأصل قبل أصله كذا، ثم أُعلَّ بالقلب أو غيره وإنما اختاروا للوزن مادة (ف ع ل) لأنها تعم أفعال الجوارح والقلوب بخلاف غيرها.
قوله:
(اغدَوْدَنَ)
بغين معجمة فدالين مهملتين بينهما واو. يقال: اغدودن الشعر إذا طال، والنبت إذا اخضر حتى يضرب للسواد.
قوله:
(ولا يجوز أن يعبر الخ)
أي خلافاً لمن قال بذلك، والحاصل أن الزائد مطلقاً يعبر عنه بلفظه إلا شيئين: المكرر، وقد علمته، والمبدل من تاء الافتعال فيعبر عنه بأصله وهو التاء فوزن اصطبر افتعل، ولا ينطق بالطاء لزوال مقتضيها.
قوله:
(سِمِسِمَ)
بكسر المهملتين للحب المعروف وبفتحهما للثعلب واسم وضع، والحكم فيهما واحد كما في الفارضي.
قوله:
(كلملِم)
بكسر اللام الثانية لأنه أمر من لملم الشيء ضم بعضه إلى بعض، وحرك بالكسر للروي. ولا يصح كونه ماضياً لأنه واجب البناء على الفتح.
قوله:
(يحكم على حروفه كلها الخ)
أي لأن أصالة أحد المكررين واجبة تكميلاً للأصول الثلاثة وليس أحدهما أولى من الآخر وظاهر الشرح كالمتن عدم الخلاف في هذا النوع، ليس كذلك بل أشار بعضهم إليه، سيوطي.
قوله:
(فإن صلح الخ)
---
بأن فهم المعنى بعد سقوطه.
قوله:(3/211)
(فلا تكون الكاف واللام زائدتين)
أي فوزنه فَعْلَلَ بلامين، وهذا مذهب البصريين إلا الزجاج.
قوله:
(وقيل اللام زائدة)
أي الثانية لصلوحها للسقوط وهو مذهب الزجاج فوزنه فعفل بتكرير الفاء بناء على الصحيح من أن الزائد المكرر يقابل بمثل الأصلي إما على أنه يلفظ بالزائد في الميزان مطلقاً فوزن كَفْكَفَ فَعْكَلَ بكاف فلام ووزن لَمْلَمَ فَعْلَلَ بلامين.
قوله:
(وقيل هما بدلان الخ)
هذا مذهب الكوفيين، واختاره ابن المصنف وحاصله أن الصالح للسقوط بدل من تضعيف العين فالأصل لمم، وكفف بشد الميم والفاء الأولين فاستثقل ثلاثة أمثال فأبدل من وسطها حرف يماثل الفاء فوزنه على هذا: فعل بشد العين.
قوله:
(فألف الخ)
شروع في بيان ما تطرد زيادته من الحروف العشرة بعد أن بين ما يعرف به الزائد من الأصلي، وما يتبعه من بيان كيفية الوزن. وألف مبتدأ وجملة صاحب صفته، وأكثر مفعول صاحب، وزائد خبر، والمين الكذب ومراده هنا الألف اللينة وسيذكر الهمزة.
قوله:
(حكم بزيادتها)
أي وإن لم تسقط أصلاً بأن كانت في اسم جامد لأن أكثر ما وقعت فيه الألف كذلك دلَّ الاشتقاق على زيادتها فيه فحمل عليه ما سواه. وما ذكر إنما هو في الأفعال، والأسماء العربية المتمكنة جامدة كانت أو مشتقة. أما في المبنيات والحروف فلا يحكم بزيادتها مع أكثر من أصلين كحتى ومهما ولا بإبدالها من غيرها مع الأقل كإلى ومتى بل تكون أصلية غير منقلبة، وكذلك في الأسماء الأعجمية كإبراهيم لأن ذلك إنما يعرف بالاشتقاق وهو مفقود فيما ذكر.
قوله:
(وغضبان)
في نسخ بنون بعد الألف من الغضب وفي أخرى بلا نون فيحتمل عليها أنه بالغَيْن المعجمة مع القصر مؤنث غضبان، أو بالمهملة مع المد وهي المشقوقة الأذن من ناقة أو شاة والضاد معجمة في الكل، وناقة رسول الله صلى الله عليه وسلّم تسمى العضباء وليست مشقوقة الأذن والكل صحيح.
---
قوله:
(إما أصل)
أي في الحرف وشبهه.
قوله:
(أو بدل عن أصل)(3/212)
أي ياء أو واو في فعل كما مثله أو اسم متمكن كرحى وعصا. واعلم أن الألف لا تزاد إلا في غير الأول لتعذُّر الابتداء بها ساكنة.
قوله:
(والياء كذا والواو الخ)
أي يحكم بزيادتهما مع أكثر من أصلين لكن الواو لا تزاد أولاً عند الجمهور مطلقاً لثقلها، والياء تزاد بشرط أن يكون بعدها ثلاثة أصول كيلمع، أو أربعة في خصوص المضارع كيدحرج، أما في غيره كَيسْتَعُور بفتح الياء، وسكون السين المهملة، وفتح الفوقية، وضم المهملة آخره راء اسم مكان بالحجاز وشجر يستاك به فهي أصلية فوزنه فَعْلُلول لأن الاشتقاق لا يدل على الزيادة في مثله كما إذا صحبتا أصلين فقط كبيت وسوط.
قوله:
(كما هما الخ)
الجملة حال من فاعل يَقَعَا، وما كافة للكاف عن العمل، أو نعت لمحذوف، وما مصدرية أي: وقوعاً كوقوعهما في يُؤيُؤ بضم الياءين، وسكون الهمزة الأولى. وهو طائر من الجوارح كالباشق وجمعه يآيىء كمساجد، ووعوع أي صوت عطف عليه من عطف الفعل على الاسم فلذا لم يخفض أو هو فعل قصد لفظه فمنع الصرف للعلمية على لفظه، ووزن الفعل، والوَعْوَع اسم لابن آوى فإن أريد هنا كان مفعولاً معه لا عطفاً على يؤْيؤْ إلا كان يجب جره بالكسرة لأنه غير علم، وإنما نص على استثناء هذا مع أنه علم مما مر في سِمْسِمِ أن كل ثنائي مكرر لا يحكم بزيادته دفعا لتوهم تخصيص ذلك بغير الياء والواو عملاً بإطلاقه هنا.
قوله:
(كصيرف)
هوالمحتال المتصرف فى الأمور.
قوله:
(ويَعْمُل)
هو البعير القوي على العمل.
قوله:
(إذا تقدمتا على ثلاثة)
---(3/213)
خرج ما إذا توسطتا، أو تأخرتا فلا يحكم بزيادتهما إلا بدليل كسقوطهما في بعض اللغات أو التصاريف كهمزة شمأل واحبنطأ في شمل بفتح الميم وسكونها، وفي حبط بطنه حبطاً كفرح فرحاً إذا انتفخ من أكل الزرق وهو الحندقوق. وكميم دلامص في قولهما: درع دلامص ودلاص أي براق، وميم زرقهم لشديد لون الزرقة، وكذا كل ثلاثي زيد في آخره ميم للتكثير كسَتْهَم لكبير الستة أي العجوز ودَلْقَم للعجوز، والناقة المسنة من الاندلاق وهو الخروج.
قوله:
(أصول)
خرج به، نحو أمان ومعزى.
قوله:
(فإن سبقتا أصلين حكم بأصالتهما)
وكذا إن سبقتا أكثر من ثلاثة كإصطبل ومرزجوش لنبت طيب الرائحة يقال فيه مرزنجوش لأن الاشتقاق لم يدل على الزيادة في مثل ذلك وقياس إبراهيم وإسماعيل أصالة همزتهما وإن كانا عجميين اهـ مرادي.p
قوله:
(ومَهْد)
بفتح فسكون يطلق على مهد الصبي، وجمعه مهاد كسهم وسهام وعلى الفرش، وجمعه مُهُود كفلس وفُلُوس اهـ مصباح.
قوله:
(آخر)
نعت لهمز وبعد نعت ثان له، وأكثر مفعول لردف الواقع خبراً عن لفظها وجملة المبتدأ، والخبر نعت لألف ولو قال: أكثر من أصلين لكان أجود لأن الشرط أن يكون قبلها ثلاثة أصول فلو كان أحدها زائداً حكم بأصالة الهمزة كحواء للذي يعاني الحيات لأنه من الحواية، فتضعيف الواو زائد والهمزة أصلية بدليل صرفه على: أحواء من الحوة وهي السواد، فهمزته زائدة لمنع صرفه، والتضعيف أصلي وهي مؤنث أحوى وخرج بذلك الهمزة الواقعة حشواً كشمأل والواقعة آخراً لا بعد ألف كاحبنطأ. فلا يحكم بزيادتها إلا بدليل مما مر.
قوله:
(أكثر من حرفين)
الأولى أصلين كما مر في الهمزة ليخرج نحو: مهوان فإن نونه أصلية لأنه من الهوان مع أن قبلها أكثر من حرفين لأن بعضها زائد وهو الميم.
قوله:
(حكم عليها بالزيادة)
---(3/214)
أي إلا إذا كان قبلها حرف مشدد أو ليِّن كحسان وعقيان. فتحتمل الزيادة والأصالة على حد سواء كالهمزة في حواء فلا يلغى أحدهما إلا بدليل. كما في التسهيل والكافية كدلالة منع صرف حسان وحواء على زيادة آخره فيكون التضعيف أصليها.
قوله:
(بعد حرفين الخ)
أي بشرط توسطها وكونها بين أربعة بالسوية، وكذا سكونها وعدم إدغامها كما هي في غضنفر واحبنطأ فخرجت الواقعة أولاً كهشل للذئب، وثانياً كقنطار. والمتحركة كغرنيق وخرنوب فإنها في ذلك أصلية إلا بدليل، وأما المدغمة في نحو: عجنس بشد النون للجمل الضخم فالزائد فيه هو التضعيف لا النون الأولى وقال أبو حيان كل منهما زائد فوزنه فَعْلَ وبقي من مواضع زيادة النون أول المضارع والمطاوع كانكسر وباب الافْعِنْلال كالاحْرِنْجِام، وترك ذلك لوضوحه من الاشتقاق فهو الدليل الأعظم.
قوله:
(والتاء في التأنيث)
أي في مفرد كما مثله أو جمع كمسلمات.
قوله:
(والمضارعة)
قال ابن هشام لم يعد من حروف المضارعة إلا التاء مع أنه لا فرق بينهما وبين غيرها.
قوله:
(ونحو الاستفعال)
خصه بالذكر دون الافتعال مثلاً للإشارة إلى ما تزاد في السين فلا يرد عليه إهمالها إذ لا تطَّرد زيادتها في غيرها هذا بل تحفظ فقط كسين قدموس لإلحاقه بعصفور لأنه من التقدم. وهو ما تقدم من أنف الجبل والسيد المتقدم في قومه تصريح. وأدخل بنحو باب التفعل والتفاعل والافتعال كالتجمل والتقاتل والاقتدار وفروعها، وكذا باب التفعيل والتفْعال كالتقديس والتِرداد دون فروعهما كقدس ورد، فإنها بلا تاء.
قوله:
(كقائمة)
أي لا كقامت لأن تاء الفعل كلمة مستقلة فلا تعد هنا لأن القصد بيان أجزاء الكلمة كتاء قائمة ولهذا يحلُّها الإعراب بخلاف قامت.
قوله:
(والهاء وقفاً الخ)
ليس من ذلك نحو طلحة ومسلمة بل الهاء فيه بدل التاء لا مريدة استقلالاً.
قوله:
(كلمه)
ألغز فيه بعضهم قوله:
يا قَارِئاً ألفيةَ ابن مالكِ
---
وسالِكاً في أحسن المَسَالِكِ(3/215)
في أيِّ بَيْتٍ جاءَ في كلامهِ
لفظٌ بديعٌ الشكل في نِظامِه
حروفُه أربعةٌ تُضَمُّ
وإنْ تَشَأْ فُقلْ ثَلاثٌ واِسْمُ
وهو إذا نَظَرْتَ فِيهِ أَجْمعْ
مركَّبٌ مِنْ كَلِمَاتٍ أَرْبعْ
وصَارَ بالتركيب بعد كلمهْ
وقد ذكرتُ لْفَظَهُ لِتَفْهَمَهْ
قوله:
(واللام)
إما فاعل بمحذوف على حذف مضاف كماأشار له الشارح بقوله: وأطرد زيادة اللام أو نائب فاعل بمحذوف أي وتزاد اللام في الإشارة كما قدره الشارح في: والتاء في التأنيث، والهاء وقفاً أو هي مبتدأ وفي الإشارة صفته والخبر محذوف أي واللام الكائنة في الإشارة من أحرف الزيادة، وعلى هذه الأوجه فالمشتهرة إما صفة اللام احترازاً من الشاذة في نحو: عبدل وزيدل كما نقله السيوطي عن ابن هشام، أو صفة لازمة للإشارة وهو أولى لأن تلك اللام خرجت بالإشارة فإن جعل في الإشارة خبراً عن اللام امتنع جعل المشتهرة صفة للام لامتناع الإخبار قبل النعت، وجعل الإسقاطي المشتهرة مبتدأ حذف موصوفه وفي الإشارة خبره، والجملة خبر اللام أي واللام زيادتها المشتهرة كائنة في الإشارة فيفيد أنها تزاد في غير الإشارة لكن غير مشهورة.
قوله:
(نحو لمه)
فيه أن هاء السكت كلمة برأسها جيء بها لمعنًى، وهو بيان حركة وألف في نحو: لمه ويا زيداه وللإمكان في نحو: قه وعه فهي كباء الجر مما ليس جزءاً، وكذا يقال في اللام والوجه أن ما كان من حروف المعاني لا يعد في حروف الزيادة إلا إذا نزل منزلة الجزء بأن حله الإعراب كتاء التأنيث، أو تخطَّاه العامل كحروف المضارعة.
قوله:
(للوقف)
المراد به البناء في فعل الأمر.
قوله:
(إن لم تُّبين)
إما بفتح التاء أصله تتبين حذف إحدى التاءين فحجة فاعل، أو بضمها مضارع مجهول وحجة نائب.
قوله:
(كحظلت)
بالظاء المشالة من باب فرح.
قوله:
(سألتمونيها)
وكذا: هم يتساءلون وقد جمع المصنف في بيت أربع مرات فقال:
---
447 ــــ هناءٌ وتسليمٌ تلا أُنْسَ يومهِ
نهاية مسؤول أمانٌ وتسهيلُ
قوله:(3/216)
(في قولهم شملت الريح)
أي تحولت شمالاً وبابه دخل كما في المختار، واعترض بأن يحتمل أن أصله شمألت نقلت حركة الهمزة إلى الميم الساكنة قبلها، ثم حذفت فالأولى الاستدلال بسقوطها في بعض لغاتها الإحدى عشرة. وهي شمأل ككوكب بتخفيف اللام وبشدِّها، وشأمل بتقديم الهمزة على الميم، وكقذال وكتاب وجبل وفلس، وصقيل وطويل ورسول وجوهر، والله أعلم.
- فصل في زيادة همزة الوصل -
هو من تتمة الكلام على زيادة الهمزة وإنما أفردها لاختصاصها بالأحكام الآتية.
قوله:
(إلا إذا ابتدي)
أصله بهمزة مفتوحة أبدلت ياء لكسر ما قبلها، وذلك قياسي كمية في مائة ثم سكنت تخفيفاً للحركة البنائية كقراءة بَقِىَ مِنَ الرّبَواْ} بسكون الياء.
قوله:
(كاستَثُبِتوا)
بفتح التاء وكسر الموحدة أمر للجماعة، أو بفتحها ماض معلوم، أو بضم التاء وكسر الموحدة ماض مجهول.
قوله:
(وتسمى همزة وصل)
أي مجاز العلاقة الضدية لأنها تسقط وصلاً فكان حقها أن تسمى همزة ابتداء وقيل لا مجاز بل سميت بذلك لوصل ما بعدها بما قبلها عند سقوطها، وقال البصريون: لوصول المتكلم بها إلى النطق بالساكن. وفيه أن اللائق حينئذٍ أن تسمى همزة الوصول، أو التوصل لا الوصل، وسماها الخليل: سلم اللسان.
قوله:
(وتسقط في الدرج)
وقد تثبت للضرورة كقوله:
448 ــــ إذا جاوز الاثْنينِ سِرٌّ فإِنَّه
يُبَثُّ وتكثِيرُ الوُشَاةِ قَمينُ
قوله:
(على أكثر من أربعة)
أي إما بها كانجلى أو سواها كاستخرج وخرج الماضي الثلاثي، والرباعي.
قوله:
(والأمر والمصدر)
بالجر عطفاً على فعل.
قوله:
(فكل فعل ماض الخ)
في هذه الكلية نظر فإن من الخماسي ما لا تدخله ولا مصدره كتعلم وتقاتل وتدحرج ولا يرد ذلك على عبارة المصنف كما لا يخفى.
قوله:
(في أمر الثلاثي)
---(3/217)
أي الذي يسكن الثاني مضارعه لفظاً سواء كان مفتوح العين، أو مكسورها، أو مضمومها كما مثله فإن تحرك ثاني مضارعه لفظاً لم يحتج إلى الهمزة لأن الأمر هوالمضارع بعد أن يحذف منه حرف المضارعة فحيث تحرك ما هو موجود بعده أمكن الابتداء به بلا همزة وإن سكن تقديراً كقم من يقوم فأصله: أقوم كانصر نقلت ضمة الواو إلى القاف، وحذفت للساكنين وكعدّ وردّ من وعد يعد ورد يرد فأصلهما أوعد وأورد حذفت واوهما حملاً على حذفها من المضارع المبدوء بالياء لوقوعها بين عدوتيها الياء والكسرة، فاستغني عن همزة الوصل في الجميع بتحرك أولها، وهذا الشرط عام في أمر غير الرباعي مطلقاً ليخرج نحو: تعلم وتدحرج فلا تدخله الهمزة لتحرُّك ثاني مضارعه، وأما الرباعي فسكت عنه لأن ثاني مضارعه لا يكون إلا متحركاً فيستغنى عن الهمزة، كدحرج وقاتل، وأما يكرم فأصله يؤكرم كيُدحرج فيقال في أمره: أكرم بهمزة قطع مفتوحة لأنها هي التي بعد حرف المضارعة، وإنما حذفت من المضارع لثقلها مع همزة المضارعة في أؤكرم، وحمل الباقي عليه كما يأتي، ولم تحذف من الأمر لزوال مقتضيه مع تعاصيها بالحركة بخلاف، وأوعد فتدبر، ويستثنى من أمر الثلاثي خذ وكل ومر فإنها يسكن ثاني مضارعها لفظاً كيأخذ ويأكل ويأمر، مع أن الأكثر فيها الاستغناء عنها. وفي شرح العزية أن الحذف من: كل وخذ واجب ومن مر جائز لأنهما أكثر منه.
قوله:
(قاعدة)
إذا كان أول المضارع مفتوحاً كيكتب وينطلق ويستخرج فهمزة أمره وصل، أو مضموماً كيكرم ويعطي فقطع، ولا يضم إلا الرباعي لا غير مجرداً كان أو مزيداً كيدحرج ويكرم، ولا تحذف همزة القطع إلا ضرورة.
قوله:
(وفي اسم)
متعلق بسمع ونائب فاعله يعود على همز الوصل.
قوله:
(وتأنيث)
بالجر عطفاً على اسم، وجملة تبع بالبناء للفاعل صفته أي وسمع الهمز في تأنيث أي مؤنث تابع لمذكره أو هو مبتدأ خبره تبع أي تبع مذكره في ذلك.
قوله:
(وأيمن)
---(3/218)
عطف على اسم فهو مخفوض لكن رفعه على الحكاية للزومه الابتداء فلا يجر ولا ينصب وهو بوصل الهمزة على القياس، وقطعها لحن، ومخلُّ بالوزن.
قوله:
(همز أل)
مبتدأ خبره كذا أي للوصل سماعاً لا قياساً، ومثلها أم في لغة حمير.
تنبيه:
علم من كلامه أن همزة الوصل لا تدخل المضارع أصلاً ولا الحرف سوى أل ولا ماضي الثلاثي والرباعي، ولا اسماً غير مصدر الخماسي والسداسي، والأسماء العشرة المذكورة، وأل الموصولة كما سيأتي فجملة الأسماء اثنا عشر لا غير. وأما أيم وأم الآتيان فلغتان في أيمن ولذا تركهما المصنف وإنما ذكر ابنم في أنه لغة في ابن لأنه بزيادة الميم تغير معناه بإفادته المبالغة، وحكمه باتباع ما قبل الميم لها في حركات الإعراب، ولا كذلك أيم.
قوله:
(ويبدل)
أي همز أل ومثله همزة أيمن لما سيأتي.
قوله:
(لم تحفظ الخ)
يعني أن افتتاح هذه الأسماء بالهمزة طريقه السماع بخلاف المصادر المذكورة لأنه لما كان الفعل أصلاً في التصريف استأثر بأمور منها سكون أوائل بعضه فيحتاج للهمزة فحمل مصدره عليه بخلاف غير المصدر من الأسماء فحقه حركة أوله لكن شذت هذه الأسماء العشرة عن القياس لتكون الهمزة عوضاً عما حذف منها من حرف أو حركة.
قوله:
(اسم)
أصله عند البصريين سمو بكسر السين، أو ضمها من السمو. وهو العلو حذفت لامه تخفيفاً وسكن أوله وعوض عنها همزة الوصل، وقيل أصله وسم بفتح الواو من السمة وهي العلامة حذفت الواو وعوض عنها الهمزة.
قوله:
(واست)
---(3/219)
أصله سته كفرس يقال: سته سَتْهَاً كتعب تعباً إذا كبرت عجيزته، ثم سموا العجيزة بالمصدر ونقصوه بعد التسمية فحذفوا العين تارة، وقالوا: سهَ، واللام أخرى،، وقالو: سَت بفتح سينهما، والإعراب على الهاء والتاء، ثم سكنوا سين الثاني، واجتلبوا همزة الوصل كأنها عوض عن اللام فقالوا: است كما في اسم، والدليل على أن أصله ستة بفتح السين فتحها في: سه، وست لغتان فيه وعلى تحرك عينه بعد ثبوت فتح فائه جمعه على أستاه لأن فعالاً لا ينقاس في فعل بفتح فسكون، وعلى أنها فتحة فسكون، وعلى أنها فتحة خفتها وعلى أن لامه هاء رجوعها في الجمع والتصغير كأستاه وستيهة.
قوله:
(وابن)
أصله بنو بفتح الفاء لجمعه سلامة على بنين، وبفتح العين لجمعه على أبناء كما ذكر في است قيل: ولامع واو لقولهم: بنوة، ويرده أن لام الفتى ياء لجمعه على فتيان مع قولهم فتوة فقلبت فيها الياء واواً لمناسبة الضم والواو قبلها إذ أصلها فتوبة فكذا يقال في بنوة، وقيل لأنه عوض عنها التاء في بنت وإبدال التاء من الواو أكثر من الياء، وقيل: لامه لأنه من قولهم: بنى بامرأته يبني بها إذا دخل عليها.
قوله:
(وابنم)
هو ابن بزيادة الميم للمبالغة، كزُرْقُم.
قوله:
(واثنين)
أصله ثنيين بفتحتين لقولهم في النسب إليه: ثنوي كذلك، ولامه ياء لأنه من: ثنيت فسكن أوله بعد حذف لامه، وعوضت الهمزة.
قوله:
(وامرىء)
هواسم تام لم يحذف منه شيء لأن أصله مرء كفلس لكنه يجوز تخفيف لامه بنقل حركتها للراء، ثم حذفها مع أل فيقال المر فجعلت همزة الوصل عوضاً عن الهمزة التي تحذف في بعض الأحيان، وأما امرأة وابنة واثنتان فكمذكراتها.
قوله:
(وأيمن في القسم)
---(3/220)
خرج به نحو: برَّ القوم في أيمنهم فإنه جمع يمين، وهمزته قطع اتفاقاً، وأما الأول فهو عند البصريين اسم مفرد من اليمين، وهو البركة. وهمزته وصل خلافاً للكوفيين فيهما، والهمزة عوض عن نونه المحذوفة في بعض لغاته كأيم، ثم ثبتت مع النون لأنه بصدد الحذف كما في امرىء وفيه لغات أيمن بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم وفتحها، وأيم وأم بفتح الهمزة وكسرها مع ضم الميم فيهما وم، ومن بتثليث الميم فيهما. ويجب إضافة الكل للفظ الجلالة وكونها مبتدأ محذوف الخبر أي: أيمن الله قسمي قيل: أو خبر المحذوف أي قسمي أيمن الله كما في المغني.
قوله:
(إلا في أل)
أي معرفة كانت، أو زائدة ومثلها أم في لغة حمير. وكذا الموصولة لكنها اسم على الراجح فتُعَدٌّ مع الأسماء العشرة، والمصدر تبلغ اثني عشر.
قوله:
(مفتوحة)
اعلم أنه يجب فتحها في أل، ويترجح على الكسر في أيمن وأيم، ويترجح كسرها على غيره في لفظ اسم، ويجب كسرها في باقي الأسماء الاثني عشر، وأما في الفعل فتضم وجوباً إن ضم ثالثه ضماً أصلياً ظاهراً كأسكن وكأنطلق مجهولاً أو مقدراً كاغزي يا هند إذ أصله اغزوُي بضم الزاي وقال ابن المصنف الضم في هذا راجح لا واجب، وتكسر فيما عدا ذلك سواء فتح ثالث الفعل كاعلم، أو كسر كاضرب، ولو بحسب الأصل كامشوا فإن أصله امشيوا بالكسر قال ابن الجزري:
وابدأ بهمز الوَصْل من فعلٍ بضَمْ
إن كان ثالثاً مِنَ الفِعْلِ يُضَمْ
واكسره حَالَ الفتح والكسرِ وفي
الأسماءِ غير اللام كسرها قفي
قوله:
(لم يجز حذف همزة الاستفهام)
أي ولا همزة الوصل لما ذكره أيضاً، ولا يجوز تحقيقهما لأنها لا تثبت درجاً فوجب الإبدال، ومثل ذلك يجري في أيمن لأن العلة واحدة.
قوله:
(ومنه)
أي من التسهيل. ولا يجوز في البيت المد لئلا ينكسر.
قوله:
(ألحق الخ)
---(3/221)
بالرفع مبتدأ خبره: أن قلبك طائر، وعكسه على أن ألحق ظرف مجازي أي أفي الحق طيران قلبك، وأن شرطية، ودار فاعل بمحذوف. هو فعل الشرط يفسره تباعدت، والجواب محذوف لدلالة الخبر عليه، والرباب كسحاب اسم امرأة وأنبت بسكون النون، وفتح الموحدة وشد المثناة فوق انقطع والله أعلم.
- الإبدال -
هو، اصطلاحاً: جعل حرف مكان آخر مطلقاً فيشمل القلب لأن كلاً منهما في الموضع إلا أن القلب خاص بحروف العلة والهمزة والإبدال عام، ويخالفهما التعويض فإنه كما في الأشموني يكون في غير الموضع كتاء عدة وهمزة ابن ويكون عن حرف كما ذكر عن حركة كسين استطاع يستطيع بقطع الهمزة وضم أول المضارع فإن أصله عند سيبويه أطاع يطيع زيد فيه السين عوضاً عن حركة عينه لأن أصل أطاع أطوع، وعبر المصرح بأن العوض قد يكون في غير الموضع فافهم أنه قد يكون في الموضع أيضاً فيكون أعم منهما لا مبايناً ويؤيده ما مر في التصغير في قوله:
وَجَائِزٌ تَعْوِيضُ يَا قَبْلَ الطَّرَفْ
مِنْ أنَ ياءَ فرَيزيق وفَرَازِيِق عوض عن دال فرزدق مع أنها في محلها فتدبر، وأما الإعلال فقد تقدم.
قوله:
(آخراً إثر الخ)
قيل آخرا ظرف متعلق بمحذوف وصفة لواو وياء أي كائنين في آخر، وفيه ظرفية الشيء في نفسه، إذ هما نفس الآخر إلا أن يراد به ما قابل الأول فيكون من ظرفية الجزء في الكل، والأولى كونه اسماً غير ظرف حالاً منهما. وإن كانا نكرتين أي حال كون كل منهما آخراً. وأما إثر فظرف بمعنى عقب حال ثانية أو صفة لا بدل من آخر، ولو جعل طرفاً لأن كلاً منهما شرط مستقل.
قوله:
(عقده المصنف الخ)
أي وضمنه أربعة أحكام من التصريف: الإبدال، والقلب والنقل والحذف، ثم ذكر الإدغام بعده وتقدمت الزيادة.
قوله:
(إبدالاً شائعاً)
---(3/222)
أي قياساً يضطر إليه في التصريف بأن يوقع عدمه في الخطأ. كقوله في مال: مول واعلم أن حروف الإبدال أربعة أقسام: ما يبدل للإدغام شيوعاً وهو جميع الحروف لا الألف اللينة، وما يبدل لغيره فإما ندور أو هو كما في الأشموني على ما يفهم من التسهيل سبعة مجموعة في أوائل قولك:
وقد خاب ذو ظلم ضاع حلمه غيّا
وذلك كقولهم: لحم خراذل بالذال المعجمة في خرادل بالمهملة أي مقطع، وقرأ الأعمش فَشَرِّذْبِهِمْ}
(الأنفال:57)
بالمعجمة بدل المهملة كما قاله ابن جني، وأما شيوعاً ويضطر إليه وهو ما في المتن أولاً يضطر بأن يشيع عند قوم قاصراً على السماع وهو ما عدا القسمين قبله وذلك كالطجع الآتي في الشرح، ومنه عجعجة قضاعة وهي إبدال الجيم من الياء المشددة وقفاً كقوله: خالي عويفٌ وأبو عَلَجْ أي علي: المطعمان اللحم في العَشِجْ أي العشي، وكذا من المخففة كقوله: لا هم إن كنت قبلت حَجتجْ أي حجتي فلا يزال شاحِج يأتيكِ بِجْ أي بي والشاحج البغل وكذا عنعنة تميم: كظننت عنك قائم أي أنك وكَشْكَشْتُهم بالمعجمة في خطاب المؤنث نحو: ما الذي جاء بش وقرىء: قَدْ جعَلَ رَبُّش تَحْتَش سَرِياً}
(مريم:24)
والكسكسة بالمهملة في لغة بكر كقولهم للمؤنثة: أبوس وأمس أي أبوك وأمك وغير ذلك.
قوله:
(جمعها المصنف إلخ)
وجمعها في التسهيل في طويت دائماً فاسقط الهاء لأن إبدالها إنما يطرد من التاء وقفاً كرحمة وهو مذكور في بابه وعدها هنا للحصر وسكت عنها استغناء بما قدمه هناك، وقد تبدل من غير التاء سماعاً كقولهم: لهنك قائم وهردت الشيء وهياك في: لأنك وأردت وإياك.
قوله:
(وطأت الرحل)
أي بسكون الحاء المهملة إذا جعلته وطيئاً بوزن فعيل أي ممهداً ليناً مستوياً.
قوله:
(الطجع إلخ)
أي بإبدال اللام من الضاد لقربها منها كراهة اجتماع حرفي إطباق عند بعضهم، ومن نون أصيلان لقرب مخرجيها في قوله:
449 ــــ وقفتُ فيها أُصيلالاً أُسائلُها
---(3/223)
عَيَّتْ جواباً وما بالرَّبْعِ مِنْ أَحَدِ
وأصيلان إما تصغير أصلان جمع أصيل كبعير وبعران، وهو ما بعد العصر إلى الغروب فصغر الجمع شذوذاً كما قال الجوهري، أو تصغير أصيل على غير قياس لزيادته على المكبر كما قاله ابن هشام وهو أولى لكثرة مثل هذا كمغيربان في مغرب.
قوله:
(من كل واو أو ياء)
وكذا الألف فإن حمراء أصلها كسكرى زيدت قبل ألفها ألف للمد ككتاب فأبدلت الثانية ألفاً فأحسن مما هنا قول الكافية:
من حرف لين آخر بعد ألفْ
مزيدٍ أبدلْ همزةً كما أَصِفْ
قوله:
(تطرفت)
أي حقيقة كما مثله أو حكماً بأن كان بعدها تاء تأنيث، أو علامة تثنية عارضان كبناء وبناءة بشد النون من البناء وكرداءين وكساءين، وخرج بالعارضين ما بنيت عليه الكلمة منهما فيمنع الإبدال لعدم التطرف كهداية وعداوة، وكقولهم عقلته بثنايين، وهما طرفا العقال فإنه وضع كذلك ابتداء ولم يسمع له مفرد.
قوله:
(والأصل دعاو إلخ)
إنما لم يسلم حرف العلة لسكون ما قبله كدلو وظبي لأن الساكن هنا غير حصين لكونه حرف علة زائداً فوجوده كالعدم فكأن الواو والياء تليا فتحة فقلبا ألفاً كباب وعصا ورحى فلما اجتمعت ساكنة مع الألف الزائدة قلبت الثانية همزة هذا ما قاله حذاق الصرفيين، وقيل: قلبا همزة من أول الأمر.
قوله:
(نحو آية وراية)
أصلهما عند الخليل أيية وريية كسمكة قلبت الياء الأولى ألفاً على غير قياس إذ القياس قلب الثانية كما سيأتي، وقيل أصل راية رأية بالهمز، ترك تخفيفاً.
قوله:
(وكذلك إن لم تتطرف)
مثله ما لو تطرفت لا بعد ألف كدلو وظبي.e
قوله:
(عين اسم فاعل)
---(3/224)
أي ولو مؤنثاً أو مثنى أو مجموعاً ومثله كما هو صريح التسهيل كل اسم بوزن فاعل أو فاعلة وإن لم يكن وصفاً كجائز للبستان، وجائزة للخشبة المعترضة وسط البيت وكلاهما بجيم وزاي ويجوز تخفيف الهمزة بتسهيلها بينها وبين الياء ولذا تكتب ياء لكن بلا نقط لأن إبدالها ياء محضة لحن وكذا همزة نحو: قلائد وأوائل مما سيأتي. حكي أن أبا علي الفارسي دخل على بعض المتسمِّين بالعلم فإذا عنده جزء مكتوب فيه قائل بنقط الياء فقال له أبو علي: هذا خط من قال: خطي. فالتفت إلى صاحبه، وقال: قد أضعنا خطواتنا في زيارة مثله، وخرج من ساعته ومن لطائف العلامة الأمير أنه كتب له سؤال تعنت ومن جملته لفظ صغاير بنقط الياء فقال في ضمن جوابه مبكتاً وما نقطكم الياء من الصغائر، وخرج باسم الفاعل فعل الأمر من المفاعلة فيجب فيه التصحيح كقوله تعالى: فَبَايِعْهُنَّ}
(الممتحنة:12)
.
قوله:
(وأصلهما قاول وبايع)
ظاهره كالمصنف إبدالهما همزة من أول الأمر كما قيل به، وقال حذاق الصرفيين أبدلا ألفاً ثم الألف همزة لما مر في دعاء، وكسرت الهمزة على أصل التخلص من الساكنين وقال المبرد: دخلت ألف فاعل قبل ألف قال وباع، فحركت الثانية للساكنين، ولأن أصلها الحركة والألف المتحركة همزة.
قوله:
(والمد)
أي حرفه واواً كان أو ألفاً أو ياء وجملة زيد حال من ضمير يرى الواقع خبراً عن المد، وثالثاً حال من ضمير زيد فهي حال متداخلة أو من ضمير يرى فهي مترادفة وقوله في الواحد لبيان الواقع لا للاحتراز وكاف كالقلائد زائدة.
قوله:
(إن كان مدة)
---(3/225)
أي لاجتماع تلك المدة ساكنة مع ألف الجمع، ولا يمكن حذفها لفوات الجمع، ولا المدة لتغير بناء مفاعل لأن شرطه أن يكون بعد ألفه حرفان أولهما مكسور ليكون كمفاعل فوجب تحريك المدة فهمزت لأنها لا أصل لها في الحركة كذا قال الخليل. وإنما اشترط كون المد ثالثاً لأنه لا يلي ألف الجمع إلا حينئذٍ فخرج نحو: حائض ومفتاح وقنديل ومكوك فلا يبدل مده همزة بل واواً في حوائض، وياء فيما بعده وهمزة حوائض هي همزة حائض المنقلبة عن الياء في الحيض لأنه فاعل ما أعل عيناً.
قوله:
(غير مدة)
أي بأن تحرك كقسورة للأسد، ويقال مَسور بلا تاء يهمز لتعاصيه بالحركة.
قوله:
(غير زائدة)
أي لأن حرف المد الأصلي متحركاً في الأصل فيتعاصى بحركته الأصلية عن القلب. فأصل مفازة مَفْوَزَة كَمَفْعَلَة من الفوز، نقلت فتحة الواو إلى الفاء، ثم قلبت ألفاً حملاً على فعلها، ومثلها منارة من النور وأصل معيشة كسر الياء نقل إلى العين، وأصل مصيبة مَصْوِبَة بكسر الواو نقل إلى الصاد فقلبت هي ياء لسكونها إثر كسرة وهي اسم فاعل من أصاب يصيب، وعينها واو بدليل الصواب، والصواب فحق المد في ذلك تصحيحه في الجمع فيقال مصاوب ومناور ومعايش كما صح في مفاوز، وقد نطق بها كذلك لكن قلب همزة في مصائب ومنائر شذوذاً وكذا في معائش في رواية عن نافع.
قوله:
(اكتنفا)
أي أحاطا، والألف ضمير اللينين فاعله، ومد مفعوله، والجملة صفة لليِّنين.
قوله:
(كجمع نيفاً)
جمع مصدر منون، ونيفاً بشد الياء مفعوله، وفاعله محذوف أي كجمعك نيفاً أي كاللفظ الحاصل من جمعك نيفاً، وهو نيائف فصح التمثيل به لمفاعل بهذا التقدير، والنيف ما زاد على العقد الثاني من ناف ينيف إذا زاد، فياؤه أصلية، وقيل: من ناف ينوف فأصله نيوف فُعِل به كسيد.
قوله:
(كما لو سميت رجلاً إلخ)
لا حاجة للتسمية.
قوله:
(ومثله أول وأوائل)
---(3/226)
فأصله أواول بجعل ألف الجمع بين واوي أول أبدلت الثانية همزة لما ذكر، وأصله الأصيل وواول بثلاث واوات كما أن أصل وول أبدلت الأولى همزة لما سيأتي قريباً، ووزنهم نحو: أوائل ونيائف بمفاعل إنما هو وزن عروضي أما الصرفي فوزن نيائف فياعل بزيادة الياء وأوائل فعاعل ووزن زوايا فواعل وهراوا فعاعل لما سيأتي.
قوله:
(وافتح وَرُدّ)
تنازعا في الهمز أي افتح الهمز ورده ياء إلخ، وهذا كالاستدراك على قوله:
همزاً يرى في مثل كالقلائد
وقوله: كذاك ثاني إلخ أي أن المد الزائد، وثاني اللينين إنما يبدلان همزة في الجمع بحالها في صحيح اللام، وإلا قلبت تلك الهمزة المبدلة ياء أو واواً على ما سيأتي فأل في الهمزة للعهد الذكري أي الهمز المبدل كما علمت فخرج به الهمز الأصلي في المفرد فإنه يسلم في الجمع كمرآة ومراء بكسر الهمزة منونة كجوار لفظاً وإعلالاً وأصل مرآة مرأية بفتح الياء من الرؤية فقلبت ألفاً وشذ مرايا كهدايا سلوكاً بالأصل مسلك العارض كما شذ عكسه في قول بعضهم: اللهم اغفر لي خطائئي بهمزتين.
قوله:
(جعل)
أي همز الجمع المبدل من مد المفرد وثاني لينيه.
قوله:
(وهمزاً)
مفعول ثان لرد وأول الواوين مفعوله الأول والأشد نائب فاعل ووفي وهو القوة ما بين ثماني عشرة سنة إلى ثلاثين وعن ابن عباس في قوله تعالى: حَتَّى إذا بَلَغَ أَشَدَّهُ}
(الإسراء: 34، والأنعام:152)
أنه ثلاث وثلاثون سنة، وهذا تفسير له باعتبار غايته. وأما قوله تعالى: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ اليَتِيمِ إلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}
(الإسراء:34، الأنعام:152)
---(3/227)
حتى يبلغ أشدَّه فمعناه حتى يحتلم، وهو تفسير له باعتبار مبتداه لأنه عبارة عن شدة الإنسان وقوته واشتعال حرارته، وهذا يكون من البلوغ إلى الثلاثة والثلاثين وهو بفتح الهمزة، وقد تضم اسم مفرد كآنك بمد الهمزة وضم النون وهو الرصاص المذاب وقيل: اسم جمع لا واحد له من لفظه، وقيل: جمع شدة كنعمة وأنعم، أو شد بالسكر كصر وآصر أو شد ككلب وأكلب اهـ. من البيضاوي وغيره.
قوله:
(إذا اعتلت لام إلخ)
بأن كانت ياء أو واواً أو همزة لأن المصنف أدرجها هنا في حروف العلة إما لشبهها بها أو لكونها منها عند الفارسي فما لامه همزة من النوع الأول كخطيئة وخطايا، وكذا بريئة وبرايا لأنه من برأ بمعنى خلق إلا أن همزة برئية أبدلت ياء وأدغمت في الياء تخفيفاً وما لامه ياء كقضية وقضايا وهدية وهدايا، وما لامه واو لم تسلم في المفرد كمطية ومطايا لأنه من المطا وهو الظهر فأصلها مطيوة فعل بها كسيد، والسالمة كهراوة وهراوي، وأما النوع الثاني فلم يمثلوه إلا بما لامه ياء كزاوية وزوايا فأصل خطايا خطايىء بياء مكسورة هي ياء خطيئة، ثم همزة هي لامها فأبدلت الياء همزة كصحائف فصار خطائىء بهمزتين أبدلت الثانية ياء لتطرفها إثر همزة مكسورة عملاً بقوله الآتي: ما لم يكن لفظاً أتم إلخ، ثم فتحت الأولى تحفيفاً فقلبت الياء ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار خطاءاً بهمزة بين ألفين وهي تشبه الألف لقرب مخرجها، وهو أقصى الحلق من الجوف مخرج الألف فأبدلت الهمزة ياء كراهة توالي ثلاث ألفات، ولتفصل بين الألفين فصار خطايا بعد خمسة أعمال ومثلها سواء برايا، وأصل مطايا مطايو هي ياء فعيلة وواو هي لامها قلبت الواو ياء لتطرفها إثر كسرة كما في الغازي الداعي، فصار مطايي بياءين أبدلت الأولى كصحائف إلى آخر ما مر ففيه خمسة أعمال أيضاً وأما في قضايا وهدايا فأربعة فقط بينها الشرح لأن لامه ياء لا تحتاج إلا لقلبها ألفاً فقط.
---
قوله:
(فأبدلوا كسرة الهمزة فتحة)(3/228)
أي تخفيفاً لثقل الكلمة بكونها جمعاً ومتناهياً واللام معتلة بعد كسرة على همزة عارضة.
قوله:
(فصار قضاءاً)
أي بهمزة بين ألفين.
قوله:
(وأصله زوائي)
أي أصله الثاني كما يفيده قوله: بإبدال إلخ وأصله الأول زواوي بواوين الأولى بدل ألف زاوية لما مر في قوله:
والألف الثاني المزيد يُجْعَل
واواً والثانية هي واو زاوية وبينها ألف التكسير فقلبت الثانية همزة على حد: نيائف فصار كما في الشرح.
قوله:
(فصار زواءا)
بهمزة بين ألفين.
قوله:
(إذا لم تكن اللام إلخ)
أي بأن كانت ياء أو همزة أو واواً لم تسلم في المفرد وقد علمت أمثلتها.
قوله:
(نحو هراوة)
بكسر الهاء هي العصا الضخمة والجمع بفتح الهاء.
قوله:
(وأصلها هرائو إلخ)
أي بعد قلب ألف هراوة همزة في الجمع كقلادة وقلائد، وظاهر كلامه أن الواو تقلب ألفاً من أول الأمر لكن مقتضى القياس قلبها أولا ياء لتطرفها إثر كسرة، ثم تفتح الهمزة، فتقلب الياء ألفاً إلخ ففيه خمسة أعمال كمطايا كما في التصريح وغيره.
قوله:
(يجب رد أول الواوين إلخ)
.
---(3/229)
اعلم أن الهمزة تبدل من الواو والياء وجوباً في أربع مسائل ذكرها المصنف؛ وهي: تطرفهما بعد ألف زائدة وفي فاعل ما أعل عيناً وفي جمع ما ثالثه مد زائد وجمع ما ثانيه وثالثه لينان، وقد علمتها وهذه مسألة خامسة تختص بها الواو عن الياء وإنما لم يقدمها على قوله: وافتح ورد إلخ الذي هو في إبدال الواو والياء من الهمزة لتعلق هذا بالثالثة والرابعة وبقي مما تبدل منه الهمزة وجوباً الألف في نحو: حمراء وفي جمع نحو قلادة وتبدل جوازاً من الواو المضمومة ضماً لازماً مصدرة كانت كأجوه في وجوه أولاً كأدؤر بهمزة بعد الدال في أدؤر جمع دار ومن المكسورة بشرط تصدرها كإشاح وإفادة وإسادة في وشاح ووفادة ووسادة وقرىء من إعاء أخيه، ولا تبدل من المفتوحة إلا شذوذاً كأسماء علماً أصله وسماء من الوسامة وكأحد في العدد أصله وحد من الوحدة، وتبدل من الياء جوازاً في نحو: رائي وغائي نسبة إلى راية وغاية أصله رايي وغايي بثلاث يا آت فخفف بإبدال الأولى همزة، وأما إبدالها من غير ذلك فشاذ أو قليل.
قوله:
(المتصدرين)
خرج هووي ونووي نسبة إلى هوى ونوى.
قوله:
(ما لم تكن الثانية بدلاً إلخ)
.
---(3/230)
اعلم أن الشرط كون الواو الثانية ليست مَدَّةً عارضة بأن تكون مدة أصلية أي غير مبدلة من شيء كأولى أنثى الأول أصلها، وولى بضم فسكون، أو لم تكن مدة أصلاً بأن لم تكن بعد ضم سواء تحركت كأواصل المذكور وكأول بضم ففتح جمع أولى أصله: وول بواوين أو سكنت بعد غير ضم كأول بفتح فسكون أصله ووّل بثلاث واوات فكل ذلك يجب فيه الإبدال أما مع المدة العارضة فلا يجب بل يجوز سواء كانت بدلاً من ألف فاعل كووفي وورى فيجوز أوفي وأوري بالهمز أو من همزة كوولي مخفف الوؤلي بضم الواو وسكون الهمزة وهي أنثى إلا وأل من وأل إذا رجع فيجوز أولى أو من غيرهما كما فصله الأشموني إذا علمت ذلك ففي قصر الشارح عدم الوجوب علي المبدلة من ألف فاعل تبعاً لظاهر المتن قصور مع أنه يمكن تصحيح المتن بأنه أراد بشبه وفي ما ثانيه مدة عارضة.
قوله:
(من ألف فاعل)
بفتح العين فعل ماض من المفاعلة كوافي وواوي.
قوله:
(الأصل وواصل)
أي بواوين الأولى فاء الكلمة، والثانية مبدلة من ألف واصلة كألف حائض في حوائض فهي وإن كانت عارضة لكنها ليست مدة فلذلك وجب قلب الأولى همزة ومثله في ذلك: أواق جمع واقية فأصله وواق.
قوله:
(لم يجز الإبدال)
في نسخ لم يجب وهو الصواب الذي في التوضيح وغيره ومفهومه الجواز به صرح الأشموني في كل ما مدته عارضة، ولا يرد أن المتن يوهم عدم الجواز في شبه ووفي لأنه لا يوهم ذلك إلا أن جعل رد في كلامه مجهولاً فإن جعل امراً، والأصل فيه الوجوب كان مفهومه أنه لا يجب في شبه ووفي كما قاله الشرح فيصدق بالجواز سم.
قوله:
(وائتمن)
أي عند الابتداء به لأن همزته للوصل فتسقط درجاً وهو بفتح الفوقية، وكسر الميم فعل أمر كما يشهد به رسمه بالياء لكسر همزة الوصل فيه ولو كان ماضياً مجهولاً كما قبل الرسم بالواو ولضم همزته وأشار بذكره إلى أن همزة الوصل كالقطع.
قوله:
(أن يفتح)
---(3/231)
نائب فاعله يعود على ثاني الهمزتين مطلقاً، وكذا الضمير في قلب، وينقلب لكن بعد تقييده بالفتح، وقوله: ذو الكسر، مبتدأ خبره كذا، ومطلقاً حال أي سواء كان إثر فتح أو ضم أو كسر.
قوله:
(وما يضم)
مفعول أول، لأصر بمعنى اجعل وواواً مفعوله الثاني.
قوله (ما لم يكن) اسمها ضمير يعود لثاني الهمزين في البيت الأول وجملة أتم خبرها ولفظاً مفعول أتم.
قوله:
(فذاك)
أي ثاني الهمزين الذي أتم لفظاً جاء ياء مطلقاً أي سواء كان مضموماً أو مفتوحاً أو مكسوراً وسواء كان بعد ضم أو فتح أو كسر أو سكون وجا بالقصر على لغة.
قوله:
(وأؤم)
مبتدأ خبره جملة أم بمعنى اقصد ووجهين مفعوله وهذا تقييد لبعض ما تقدم أي إنما يجب إبدال ثاني الهمزين المتحركين المستفاد من قوله: إن يفتح إثر ضم إلخ في غير نحو أؤم مما أول همزتيه للمضارعة، أما هو ففيه الوجهان.
قوله:
(إذا اجتمع في كلمة)
خرج به نحو أأنت لأن همزة الاستفهام كلمة مستقلة فلا يجب فيه الإبدال بل يجوز تحقيقهما.
قوله:
(إن لم يكونا في موضع العين إلخ)
---(3/232)
اعلم أن للهمزتين في كلمة ثلاثة أحوال: أن تتحرك الأولى، وتسكن الثانية، وعكسه وأن يتحركا معاً، أما سكونهما معاً فمتعذر فإن سكنت الثانية فقط أُبْدِلت من جنس ما قبلها كما ذكره بقوله: ومداً أبدل إلخ وإن سكنت الأولى فقط فإن كانتا في موضع العين أدغم كسآّل صيغة مبالغة من السؤال ورآس نسبة لبيع الرؤوس، ولم يذكر المصنف هذا لأنه لا إبدال فيه أو في موضع اللام أبدلت الثانية ياء، وكذا إن تحركتا معا فيه كما ذكره بقوله: ما لم يكن لفظاً أتم إلخ فالمتطرفة تبدل ياء مطلقاً، وصورها اثنا عشر من ضرب أربعة الأولى في ثلاثة الثانية وإن تحركتا معاً في غير موضع اللام فصورهما تسع من ضرب تثليث الأولى في تثليث الثانية ذكرها بقوله: أن يفتح إلخ، فتبدل واواً في خمسة وهي المفتوحة بعد فتحة أو ضمة، والمضمومة مطلقاً وتبدل ياء في الأربعة الباقية وهي المفتوحة بعد كسر والمكسورة مطلقاً وكل ذلك في المتن.
قوله:
(أبدلت الثانية ألفاً)
أي وجوباً ولو كانت الأولى للمضارعة نحو: آكل وآمن ومنه قول عائشة رضي الله تعالى عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يأمرني إذا حضت أن آتزر، ثم يباشرني وعوام المحدثين يحرفونه فيشددون التاء بلا مد، وبعضهم يحقق الهمزتين وكلاهما لحن لأنه مضارع من الإزار ووزنه افتعل كاستلم فالهمزة الأولى للمضارعة، والثانية فاء الكلمة ولا يجوز إبدال الثانية تاءً ولا تحقيقهما في مثل ذلك لكن حكى الزمخشري عن العرب اتزر بالإدغام فيكون سماعياً كما سيأتي في قوله:
وشذ في ذي الهمز نحو ائتَكَلا
وقد مثل به الشرح هنا.
قوله:
(والأصل أآدم)
---(3/233)
أي أصل الجمع بهمزتين فألف التكسير أبدلت الثانية واواً لفتحها إثر فتح وليست واواً بدلاً من ألف المفرد خلافاً للمازني لأن ألفه لم توجد في الجمع إذا المقتضى لقلب همزة المفرد ألفاً، وهو سكونها إثر فتح يزول في الجمع وكذا في التصغير ولو بنيت أفعل التفضيل من أن قلت: زيد أون من عمرو أصله أأين كأكرم نقلت فتحة النون للهمزة، وأدغم ثم قلبت الهمزة واواً عند الجمهور والمازني يقلبها ياء.
قوله:
(نحو أو بمر)
في نسخة أو يذم تصغير آدم فيراد به الوصف من الأدمة بضم الهمزة، وهي لون المسرة لا اسم النبي أبي البشر لأن الأسماء المنظمة لا تصغر، ولا اسم شخص غيره لأنه أعجمي كما في الكشاف فلا يعرف له اشتقاق يرد إليه في التصغير لكن قال في المفصل إنه عربي على وزن أفعل من الأدمة.
قوله:
(نحو إيم)
بكسر الهمزة وفتح الياء وشد الميم.
قوله:
(مثال إصبع)
بكسر الهمزة وفتح الباء إحدى لغاته العشرة من ضرب تثليث همزته في تثليث بائه، والعاشرة كعصفور.
قوله:
(من أم)
أي صار إماماً أو بمعنى قصد.
قوله:
(وأصله ائمم)
بهمزتين مكسورة فساكنة وفتح الميم الأولى.
قوله:
(فنقلت حركة الميم إلخ)
أي ليتمكن من إدغامها في الثانية.
قوله:
(فصار إئم)
أي بكسر ففتح فشد الميم.
قوله:
(وأصله أئن)
أي بفتح فكسر فشد النون وأصله الأول: أنن كاضرب نقلت كسرة النون الأولى إلى الهمزة، وأدغم وقوله: وقد تحقق بقافين أي لأنه من نحو لؤم الآتي.
قوله:
(إلا في أئمة)
أي جمع إمام، وأصله أأممة كسلاح وأسلحة نقلت كسرة الميم إلى الهمزة توصُّلاً للإدغام فصار أئمة بفتح فكسر فشد الميم فتبدل الثانية ياء وإنما لم يبق سكون الهمزة الثانية لتبدل ألفاً من جنس حركة ما قبلها كما فعل بآنية جمع إناء لوجود المثلين المفتقرين للإدغام بعدها هنا فتنقل حركة أولاهما للهمزة توصلاً له لأن اعتناءهم به أشد من الإعلال وكذا يقال فيما مر من أأنن وأأمم.
قوله:
(فإنها جاءت بالإبدال والتصحيح)
---(3/234)
عبارة التوضيح وذلك واجب يعني إبدال المكسورة بعد فتح ياء، وأما قراءة ابن عامر والكوفيين أئمة بالتحقيق فمما يوقف عنده ولا يتجاوز اهـ فتدبر.
قوله:
(والثاني)
أي ما كسرت همزته الثانية مع كسر الأولى نحو: إيم بكسر الهمزة والياء وشد الميم وقوله: مثال إصبع أي بكسرتين.
قوله:
(والثالث)
أي ما كسرت همزته الثانية مع ضم الأولى.
قوله:
(واوصل أؤنن)
أي بهمزة مضمومة فساكنة فنونين أولاهما مكسورة، وأصله الأول أؤأنن بثلاث همزات، الأولى للمضارعة مضمومة لأن ماضيه رباعي متعدَ بالهمزة كأكرم والثانية مفتوحة لأنها همزة النقل التي دخلت على الماضي كهمزة أكرم، والثالثة فاء الكلمة ساكنة فحذفت الثانية لاجتماعها مع همزة المضارعة كما سيأتي في قوله وحذف همز أفعل استمر إلخ فصار أؤنن بالضم كاكرم.
قوله:
(مضارع آننْته)
أي بوزن أكرمته بهمزة مفتوحة فألف منقلبة عن همزة ساكنة فنونين بلا إدغام لأجل تاء الضمير، ولذا لم تنقل فتحة النون إلى الهمزة الساكنة بل قلبت ألفاً فلو لم تتصل به التاء لوجب أن يقال: أون والأصل أنن كأكرم فتنقل فتحة النون الأولى إلى الهمزة الساكنة لأجل الإدغام فتقلب الهمزة واواً لفتحها بعد مفتوحة.
قوله:
(فدخله)
أي المضارع.
قوله:
(نحو أوبّ)
بفتح الهمزة وضم الواو، وشد للموحدة جمع أَبّ بفتح الهمزة، وشد الموحدة وهوالمرعى وقيل: الفاكهة اليابسة.
قوله:
(لأنه أفعل)
أي بوزن أفْعُل كأَفْلُس من جموع القلة.
قوله:
(والثاني إوُمّ)
أي بكسر الهمزة وضم الواو، وشد الميم مثال إصبع بكسر، ثم ضم فأصله أومم فعل به ما مر.
قوله:
(مثال أُبلم)
أي بضم الهمزة واللام وسكون الموحدة، وهو خص المقل أي شجر الدوم.
قوله:
(إلى أن الهمزة إلخ)
---(3/235)
الأولى حذف قوله: المضمومة لأنه إذا كانت المضمومة تُبدل لتطرفها ولو كانت بعد ضم فما بالك بالمكسورة أو المفتوحة فاسم يكن في المتن راجع لثاني الهمزين كما مر لا لما يضم والأمثلة التي ذكرها الشارحِ للمضمومة تصلح للمكسورة والمفتوحة بحسب الإعراب.
قوله:
(زِبْرِج)
بكسر الزاي وسكون الموحدة وكسر الراء هو الذهب والزينة كما مر.
قوله:
(كالمنقوص)
أي فيعل كقاض.
قوله:
(بُرثن)
بضم فسكون فضم.
قوله:
(ثم تقلب الضمة إلخ)
أي لمناسبة الياء فيصير منقوصاً كالقاضي فتسكن الياء تحفيفاً، ثم تحذف للساكنين.
قوله:
(مثل المولى)
أي بضم الميم، وكسر اللام اسم فاعل من آلي بمعنى حلف فالقرئي الذي على مثاله منقوص أيضاً كالأول وترك الشارح مثال ما إذا كانت الأولى ساكنة وهو أن تبني من قرأ مثال قمطر بكسر القاف وفتح الميم وسكون الطاء، وهو وعاء الكتب كما مر فتقول: قرأى بكسر ففتح فهمزة ساكنة فياء متحركة بحسب الإعراب، والأصل قرأ بهمزتين ساكنة فمتحركة أبدل الثانية ياءً وسلمت لسكون ما قبلها فكملت أمثلة الهمزة المتطرفة وهي اثنا عشر كما مر باعتبار حركات الإعراب عليها لا خصوص الضم كما اقتصر عليه الشارح.
قوله:
(وجهان)
أي تشبيهاً لهمزة المتكلم بهمزة الاستفهام في نحو أَأَنْتَ}
(المائدة:116)
و أأنْذَرْتَهُمْ}
(البقرة:6)
بجامع الدلالة على معنى زائد على أصل الكلمة فباقي أحرف المضارعة يجوز في الهمزة بعدها وجهان كما في: يؤمن من الإيمان، ويؤمن من التأمين فيجوز التحقيق والإبدال واواً ساكنة في الأول مفتوحة في الثاني فكذا بعد الهمزة.m
قوله:
(والتحقيق)
بقافين وكذا قوله: حققت.
قوله:
(وكسرت ثانيهما)
---(3/236)
سكت الشارح عما إذا فتحت نحو ألل مضارع أللت أسنانه إذا فسدت، ونحو: أؤمن مضارع من التأمين ولم أر من ذكرها بالخصوص لكن يشملها قول التوضيح والأشموني في واؤم ونحوه مما أول همزتيه للمضارعة يجوز فيه الوجهان وكذا يشملها التعليل المتقدم فمقتضى ذلك جواز تحقيقها وإبدالها واواً لقوله إن يفتح إثر ضم أو فتح قلب واواً فيقال أول وأو من وقول الشارح: وانفتح ما قبلها لم يذكره الموضح ولا الأشموني فتدبر.
قوله:
(وياء)
مفعول ثان لأقلب، وألفاً مفعول أول، وكسراً أمفعول تلا الواقع صفة لألفاً وهذا شروع في إبدال الياء من أختيها الألف والواو فتبدل من الألف في مسألتين ذكرهما المتن ومن الواو في عشر مسائل كما في التوضيح منها في قوله: بواو ذا أفعلا إلى قوله: كالمعطيان إلخ أربعة، وفي قوله: بالعكس جاء لام فعلى وصفاً واحدة وفي قوله: إن يسكن السابق إلخ واحدة، وفي قوله: وصحح المفعول من نحو عدا إلى آخر الفصل ثلاث فالجملة تسع، وترك واحدة وهي إن تلي كسرة وهي ساكنة غير مدغمة كميزان وميقات أصلهما موزان وموقات لأنهما من الوزن والوقت وإنما قلبت في ذلك لثقل الخروج من الكسر إلى الواو، وأما قبلها ياء في أجر وأدل جمعي جرو ودلو فليس زائداً على ما ذكر بل يشمله قوله: في آخر لأن أصلهما أجرو وأدلو كأفلس قُلِبت لضَمَّةِ قبلها كسرة لأنه ليس في العربية اسم معرب بالحركات آخره واو وقبلها ضمة فوقعت الواو متطرفة إثر كسرة فقلبت ياءً فإن قلت: لم لم تقلب الضمة فتحة توصلاً إلى قلب الواو ألفاً؟ قلت والله أعلم: لئلا يخرج من باب المنقوص إلى المقصور فتدبر.
قوله:
(بواو ذا)
---(3/237)
أي القلب إلى الياء لكسر ما قبلها، وفي آخر صفة لواو فصل بينهما بالمبتدأ للضرورة، أو ظرف لغو متعلق بأفعلا، وقوله: أو قبل إلخ عطف على محل في آخر وزيادتي فعلان عطف على تا، وهذا كله هو المسألة الأولى لأن العلة في الجميع تطرف الواو حقيقة، أو تقديراً إثر كسرة. وقوله: في مصدر المعتل مسألة ثانية، وقوله وجمع ذي عين إلخ ثالثة، وقوله: والواو لاماً إلخ رابعة.
قوله:
(ذا أيضاً)
أي قلب الواو ياء لكسر ما قبلها رأوه في مصدر المعتل أي الفعل المعتل، والأولى المعل ليفيد اشتراط تغيير عين الفعل لأن المعتل ما فيه حرف علة وإن لم يغير والمعل هو المغير.
قوله:
(والفِعَل)
بكسر ففتح منه أي من مصدر المعتل يعني إذا كان ذلك المصدر على فعل صحَّ غالباً.
قوله:
(أو بعد ياء تصغير)
هذا الثاني دخل في المتن استطراداً، والمقصود التنبيه على الأول فقط لأن اجتماع الواو والياء سيأتي بيانه، ولا يختص بالآخر فلو قال:
بإثرِ يا التَّصْغِير أو كسر ألِف
تُقْلَب يا والواو إن كَسْراً رَدِفْ
في آخر وقبل الخ لوافق مقصوده أشموني.
قوله:
(أو وقعت قبل تاء التأنيث الخ)
أي لأن كلاًّ من التاء وزيادتي فعلان كلمة تامة فالواقع قبلهما آخر تقديراً لأنهما في نية الإنفصال. وليس المراد بفعلان خصوص هذه الهيئة فإن الواو لا تقلب ياء في فعلان ساكن العين بل في مكسورها لتقع أثر كسرة كما مثله الشارح، وإنما هو تمثيل لموضع الزيادتين. ولذا قال الموضح أو قبل الألف والنون الزائدتين.
قوله:
(مكسوراً ما قبلها)
أي أو بعد ياء التصغير لأن قلب الواو ياء مع التاء والألف والنون لا يختص بتلوِّها كسرة بل يشمل تالية ياء التصغير كما يشمل كلام المصنف، وسيمثله الشارح بقوله: وكذا شجية مصغرة. ومثال الثاني ما لو صغر غزيان فيكون حكمه كذلك.
قوله:
(فقلب الواو ياء)
---(3/238)
أي لأن حق الواو الساكنة بعد كسرة قلبها ياءً كما في ميزان لما مر. وهي بالتأخير متعرضة لسكون الوقف فقلبت ياء ولو في حال تحركها وصلاً لتوقع السكون، ومن ثم لم تتأثر بكسر ما قبلها متحركة في غير الآخر كعوض وعوج إلا إذا كان مع الكسرة ما يعضدها كإعلالها في فعل المصدر أو مفرد الجمع كما سيأتي في صيام وديار، ولا فرق بين كونها في آخر اسم كالغازي والداعي، أو فعل معلوم كما مثله، أو مجهول كعفى ودعى، ولا بين كون الكسرة أصلية كما ذكر أو محولة عن الضمة كما مر في أُدْلِ.
قوله:
(تصغير جرو)
بتثليث الجيم، والكسر أفصح: ولد الكلب والسبع، ويطلق على الصغير مطلقاً.
قوله:
(والثالث شجية)
أي بفتح فكسر فياء مخففة، وأصله شجوة من الشجو وهو الهم والحزن.
قوله:
(غِزيان)
أي بفتح فكسر والألف والنون زائدان كما في قطران لا للتثنية اهـ صبان.
قوله:
(مثال ضريان)
أي بفتح المعجمة، وكسر الراء فتحتية مثنى ضرى وهو العرق الذي لا ينقطع دمه يقال: ضرا العرق يضرو ضرواً من باب قعد إذا نزل دمه كذا قيل. وفيه أنه حينئذٍ يكون بشد الياء كمفرده، وأصله ضريوان بدليل ضروا قلبت الواو ياء لاجتماعها مع الياء ساكنة لا لكسر ما قبلها فالأظهر أنه بالموحدة مع الظاء المشالة. وهو الحيوان الذي مر ذكره أو مع الضاد من الضرب.
قوله:
(في مصدر الخ)
أي حملاً له على فعله، وجملة الشروط أربعة: المصدرية، وكسر ما قبلها كما هو موضوع المسألة، وإعلال الفعل وأن يكون بعدها ألف كما يؤخذ من قوله: والفعل منه صحيح فخرج غير المصدر كسواك وسوار ونحو: رَاحَ رَوَاحاً فلا تقلب في ذلك وإن أعل الفعل لعدم حمله عليه في الأول وعدم كسر ما قبلها في الثاني، ومحترز الباقيين في الشارح.
قوله:
(اعتلت)
الأولى أعلت لما مر.
قوله:
(نحو صام صياماً)
---
أي وانقاد انقياداً، واعتاد اعتياداً. والأصل: انقواداً واعتواداً. فلا يختص بالمصدر الذي على فعال خلافاً لما يوهمه الشارح كشرح الكافية.(3/239)
قوله:
(لواذاً)
بكسر اللام مصدر لاوذ القوم ملاوذة ولواذاً أي لاذ بعضهم ببعض.
قوله:
(وكذلك تصح إذا لم يكن الخ)
أي غالباً كما في المتن ومن غير الغالب قراءة نافع وابن عامر في النساء لكم قيماً وارزقوهم وابن عامر في المائدة قيماً للناس والأصل قوماً قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها مع إعلالها في الفعل.
قوله:
(فاحكم)
الفاء في جواب أما مقدرة أي وأما جمع الخ كما في وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
(المدثر:3)
أو هي زائدة، وجمع إما مبتدأ خبره جملة احكم الخ أو مفعول لمحذوف يفسره احكم على الاشتغال، وخرج بالجمع المفرد فلا يعل منه إلا المصدر كما مر بخلاف غيره كسوار وخوان وهو سفرة الأكل.
قوله:
(واعتلت في واحدة)
فيه ما مر وخرج به نحو: طويل وطوال، وشذ قوله:
450 ــــ تَبَيَّنَ لِي أنَّ القَمَاءَة ذِلَّةٌ
وأن أعِزَّاءَ الرِّجالِ طِيَالُها
والقماء بالمدِّ القصر قيل، ومن الشاذ الصافنات}
(ص:31)
الجياد، لسلامتها في مفرده وهو جواد، وقيل بل هو جمع جيد فهو قياسي لأعلام المفرد إذ أصله جيود فعل به كسيد.
قوله:
(إن انكسر ما قبلها)
خرج أسواط وأحواض وأثواب.
قوله:
(ووقع بعدها ألف)
---(3/240)
جعله الشارح شرطاً في كل من المعتلة في المفرد والساكنة أخذاً من قوله: وفي فعل وجهان الخ، وقوله بذا الإعلال أي الذي في المصدر بشرطه السابق، وهو وجود الألف كما مر. لكن الصحيح أن المعلة في المفرد تقلب في الجمع ياءً وإن لم يكن بعدها ألف بخلاف المصدر لأنها في الجمع ضعفت بإعلالها في المفرد وقربها من الطرف فسلطت لكسرة عليها كحيلة وحيل وديمة وديم، وشذ: حاجة وحوج خلافاً لما سيأتي أما الساكنة في المفرد فلا يقوى تسلط الكسرة عليها إلا بالألف القريبة من الياء لأنها ليست من الضعف كالمعتلة كسوط وسياط، وحوض وحياض. فلو لم توجد الألف صحت نحو: كوز وكوزة، ويشترط أيضاً كما في التسهيل صحة اللام لئلا يتوالى إعلالها مع إعلال العين، ولذا صحت الواو في رواء وجواء بوزن عطاش جمعي ريان وجو والأصل رواى وجوا، وقلبت اللام همزة لتطرُّفها أثر ألف زائدة فسلمت العين. وأصل ريان رويان؛ فتلخص أن الشروط أربعة: كون الواو في جمع صحيح اللام، وقبلها كسرة، وإعلالها في المفرد مطلقاً، أو سكونها فيه مع وقوعها في الجمع قبل ألف.
قوله:
(وكان على فعلة)
لم يمثل لها إلا بالساكنة في المفرد.
قوله:
(وجب تصحيحها)
أي لأنه لما عدمت الألف قل عمل اللسان فحفَّت الواو بعد الكسرة، وانضم إلى ذلك تحصينها ببعدها من الظرف بسبب الهاء وقوتها بعدم إعلالها في المفرد فوجب تصحيحها بخلاف فعل فإن واوه قريبة من الطرف. ولم يمثلوه إلا بالمعلة في المفرد فكان أولى بالإعلال كما قاله المصنف، وظاهره أن تصحيحه مطرد، وليس كذلك بل هو شاذ كما مر. فلو قال: وفي فعل.
فَشَذَّ تَصْحِيحٌ فَحَتْمٌ أَنْ يُعَلّ
لو في بالمراد، أشموني.
قوله:
(وثِيَرة)
---(3/241)
بكسر المثلثة وفتح التحتية، وقياسه ثورة لكن سهله قصد الفرق بين جمع الثور بمعنى القطعة من الأقط، وبمعنى الحيوان حيث جمعوا الأول على ثورة. وقيل أصله ثيارة كحجارة فقلب الواو قياسي لأجل الألف، ثم بقيت الياء بعد حذفها تنبيهاً على الأصل.
قوله:
(نحو حاجة وحوج)
قد علمت أنه شاذ لا قليل. والقياس حيج لإعلالها في المفرد.
قوله:
(والواو)
مبتدأ خبره انقلب، وبعده فتح متعلق به وياء مفعوله، ولاماً حال من الضمير فيه العائد للواو وكذا كالمعطيان ليفيد اشتراط كونها رابعة فصاعداً. أما الثالثة فلا تبدل بعد الفتح كعطوت وزكوت.
قوله:
(ووجب الخ)
شروع في إبدال الواو من أختيها الألف والياء فتبدل من الألف في موضع واحد، ومن الياء في ست مسائل ستأتي كلها.
قوله:
(ويا)
مبتدأ، وكموقن صفته على حذف مضاف، وجملة اعترف خبره أي وياء كائنة كياء موقن التي كانت فيه في أنها مفردة ساكنة بعد ضمة في غير جمع اعترف لها بذا الحكم أي قلبها ياء فخرجت الياء المدغمة كحيض، والمتحركة كهيام فلا يقلبان لتحصنهما بالإدغام، والحركة. وكذا التي بعد غير ضمة كبيع لخفتها، والتي في الجمع كما سيأتي في البيت بعده.
قوله:
(حملاً على المضارع)
أي فإن الواو تقلب في مضارع الرباعي ياء لتطرُّفها إثر كسرة وكذا في اسم فاعله فحمل عليهما غيرهما حملاً للفرع على أصله. وقال سيبويه يوماً للخليل: لم أُعِلَّ تغازينا وتداعينا. وأصله تغازونا وتداعونا مع أن مضارعه وهو: نتعازى ونتداعى لا كسر قبل آخره حتى يعل، ويحمل عليه الماضي فأجابه بأن إعلال المضارع ثبت في نغازي ونداعي المكسور ما قبل آخرهما قبل مجيء تاء التفاعل، ثم استصحب معها كاستصحابه مع الهاء نحو المعطاة، فأعل تغازينا حملاً عليه.
قوله:
(إذا سكنت)
أي وكانت غير مدغمة كما مر. وقوله: في مفرد أخذه من البيت بعده.
قوله:
(نحو هَيْماء)
بالمد كالحمراء أنثى أهيم.
قوله:
---
(استثقالاً لذلك في الجمع)(3/242)
كلامه مع المتن كالصريح في اختصاص ذلك التخفيف بالجمع، وأنها تبدل في المفرد واواً سواء وقعت فاء كموقن وهو اتفاق أو عيناً كأن يبني من البياض اسماً مفرداً على مثال برد فتقول بوض والأصل بيض بضم فسكون، وهو مذهب الأخفش وقال سيبويه في هذا بوجوب قلب الضمة كسرة لتصح الياء كالجمع فتقول: بيض بالكسر كما فعل مثله في مبيع فإن أصله مبيوع نقلت ضمة الياء للباء، وحذفت واو مفعول فصار مبيع فكسرت الضمة لتصح الياء كما سيأتي. ولذلك كان ديك عنده يحتمل أن أصله فعل وأن أصل معيشة مفعلة بالضم، أو الكسر فيهما وعند الأخفش يتعين فيهما الكسر إذ لو كانا بالضم لقبل درك ومعوشة.
قوله:
(وواواً اثر الضمِّ الخ)
هذه ثلاث مسائل تبدل فيها الياء واواً لضمِّ ما قبلها، وتقدم واحدة في قوله: ويا كموقن. وسيأتي واحدة في قوله: وإن تكن عيناً الخ وواحدة في قوله: من لام فعلى الخ، والسبب في جميعها ضم ما قبلها إلا في الأخير كما سيأتي..
قوله:
(أو من قبل تاء)
---
أي أو ألفى لام اسم من قبل تاء التأنيث أو زيادتى فعلان، وإنما اشترط ذلك في الاسم ولم يشترط في الفعل شيء لأنه لو أبدلت في الاسم بدون ما ذكر لزم آخر الاسم المعرب واواً بعد ضمة لازمة وهو ممنوع في العربية فإذا بنيت من رمى اسماً كعضد لا تقل فيه: رمو لذلك تكسر الضمة لتسلم الياء فتقول: رم كشج لأنه منقوص أما مع التاء فالواو غير آخر. ولذا يشترط بناء الكلمة عليها لتكون لازمة كما يفيده قوله: بل تكسر كتاء بان الخ بخلاف العارضة على بنية المذكر فلا تُبْدَل معها الياء واواً لأنها في نية الانفصال فما قبلها آخر بل تكسر الضمة لتصح الياء كتوانى توانية فإن أصله توانُياً بضم النون كتكاسلاً كسرت النون لما مر، واستصحب ذلك مع الهاء لعروضها. أفاده في التوضيح، ويؤخذ منه تقييد الألف والنون بما بنيت الكلمة عليهما كما يفيده قول المتن: كذا إذا كسبعان صيره.
قوله:
(كتاء بان)(3/243)
أي كتاء شخص بان من رمى كلمة كمقدرة بفتح الميم، وضم الدال، وأضاف التاء للباني لملابسته لأنه المتكلم بها.
قوله:
(كذا إذا الخ)
أي كذا ترد الياء إثر الضم واواً إذا صير الشخص الباني البناء الذي من رمى كسبعان بفتح السين المهملة، وضم الموحدة اسم موضع ونونه إما مفتوحة على لغة من يجري المثنى المسمى به كسلمان في منعه الصرف للعلمية، والزيادة أو مكسورة على لغة من يلزمه الألف ولو سمى به صبان.
قوله:
(كقضو الرجل)
أي عند التعجب من قضائه فالمعنى ما أقضاه، وأصله قضى لأنه من: قضيت.
قوله:
(اسماً كسبعان)
أي اسماً مفرداً موازناً لذلك فتقول: رمواناً، وأصله رميان فقلبت الياء واواً الضم ما قبلها لأن الألف والنون اللازمتين ليسا بأضعف من التاء اللازمة في تحصين الواو من الطرف حتى لا يلحقها الإعلال لكن استشكله الموضح بأن ما قبلهما أعطى حكم الآخر المحض في نحو: غزيان من الغزو حتى قلبت الواو ياء كما مر. فكان مقتضاه قلب الضمة هنا كسرة لتسلم الياء فتدبر.
قوله:
---
(إذا وقعت الياء)(3/244)
أي المضموم ما قبلها عيناً لصفة الخ، اعلم أن فُعلى بالضم إن كان اسماً محضاً أو صفة جارية مجرى الأسماء وجب قلب الياء فيها واواً للضمة قبلها فالأول كطوبى مصدراً لطاب، أو اسماً لشجرة في الجنة، وأصلها طيبى لأنها من طاب يطيب. والثاني كطوبى وكوسى وخورى بالمعجمة والراء أسماء تفضيل مؤنثات أطيب وأكيس، وأخير فاصلها: طيبى وخيرى وكيسى من الكيس بفتحتين. وهو الفطنة، والدليل على جريان هذه الصفات مجرى الأسماء إيلاؤها العوامل، وعدم جريانها على موصوف. وأن أفعل التفضيل يجمع على أفاعل كالاسم المحض فيقال: أفضل وأفاضل. كما يقال في أفكل اسم الرعدة أفاكل فدل على أنه جار مجرى الأسماء فإن كانت بعلى صفة محضة أي جارية على موصوف ولو مقدراً وجب قلب الضمة كسرة لتسلم الياء فرقاً بين الصفة والاسم، ولم يسمع من ذلك إلا قسمة ضيزى أي جائزة ومشية حيكى بالحاء المهملة، ثم كاف أي يتحرك فيها المنكبان كالحائك فأصلهما ضيزى، وحيكى بالضم، إذا علمت ذلك فكلام الناظم مخالف للنحويين لأن مراده بفعلى وصفاً ما جرى مجرى الأسماء كالطوبى والكوسى، وجوز فيه القلب وعدمه ونص على أنهما مسموعان مع أن النحويين جزموا في هذا النوع بوجوب القلب كالأسماء المحضة، وظاهر كلام سيبويه امتناع غيره. ويدخل في قوله: وصفاً الصفة المحضة فمقتضاه جواز الوجهين فيها مع أنه يتعين فيها تصحيح الياء فكان الأوفق بمراده أن يقول:
وإنْ تَكُنْ عَيْناً لفعلى أفْعَلا
فذاك بالوَجْهَين عَنُهم يُجْتَلى
والله أعلم.
فصل
قوله:
(من لام فعلى)
---(3/245)
متعلق بأتى واسماً حال من فعلى بالفتح، وبدل حال من الواو وياء مضاف إليه وذا اسم إشارة فاعل جا بالقصر والبدل بدل منه أو بيان له، وغالباً متعلق بجا لا بأتى ليكون لذكره بعده فائدة التقييد بالغلبة، وإلا كان تكراراً وأشار بذلك إلى أن عدم الإبدال شاذ كما صرح به في شرح الكافية وهو ما عليه سيبويه والجمهور. وعكس في التسهيل فحكم بشذوذ الإبدال في: تقوى ونحوها وبأن ريا الآتي قياسي.
قوله:
(تبدل الواو الخ)
هذا سادس موضع تبدل فيه الياء واواً إنما أبدلت هنا مع زيادة ثقلها وعدم ضم ما قبلها فرقاً بين الاسم والصفة، وخصوه بالاسم لأنه لخفته أحمل للثقل، وهذا الفرق خاص بذوات الياء فلو كانت لام فعلى بالفتح واواً سلمت في الاسم كدعوى. والصفة كنشوى مؤنث نشوان أي سكران كما هو مفهوم المتن.
قوله:
(وأصله تقياً)
أصله الأصيل وَقْياً لأنه من وَقِيَت قلبت واوه تاءً كما في تراث ثم ياؤه واواً كما في الشرح، ولا يضر اجتماع الإعلالين فيه لعدم تواليهما وهو غير منصرف لألف التأنيث، ومن قرأ على تقوى بالتنوين جعلها للإلحاق بجعفر كألف تترى.
قوله:
(نحو صديا وخزيا)
مؤنثا صديان كعطشان وزناً ومعنًى، وخزيان بوزنه من خزى يخزي بالمعجمة، والزاي كفرح يفرح أي ذل.
قوله:
(فتوى)
بفتح الفاء اسم لما يجيبك به المفتى، وأصلها بالياء لأنه من: أفتيت، وقوله: الفتيا أي بالضم. وكذا البقيا بعده.
قوله:
(بقوى)
اسم من بقي بمعنى دام.
قوله:
(كقولهم للرائحة ريا)
---(3/246)
ومثلها سعياً لمكان، وطغياً بمهملة فغين معجمة لولد البقرة الوحشية فهذه الثلاثة من غير الغالب أي شاذة كما صرح به الناظم، وولده. وخرج بذلك يا من الري فعدم قلبه لكونه صفة لكن تعقب بأن النحويين قالوا في ريا إنها صفة غلبت عليها الاسمية، والأصل رائحة يا أي مملوءة طيباً. وفي الصحاح يقال: امرأة ريَّا لم تبدل ياؤه لأنه صفة اهـ. ولو سلمنا اسميته فعدم القلب لمانع وهو أنه لو قيل: ريواً عملاً بهذه القاعدة للزم قلب الواو ياء عملاً بما في الفصل الآتي، أو ندعي فيها إجراء القاعدتين. وأما سعياً فتحتمل أنه نقل من الصفة إلى العلمية فاستصحب أصله. وأما طغياً فالأكثر فيه ضم الطاء فلعل من فتح استصحب تصحيحه حال الضم، ولا شذوذ، أفاده الموضح وغيره.
قوله:
(بالعكس)
حال من لام، ووصفاً حال من فعلى بالضم أي أن لام فعلى هذه إن كانت واواً قلبت ياءً في الصفة تخفيفاً لثقلها مع ثقل الواو دون الاسم لأنه أخفُّ منها على عكس فعلى بالفتح، ومفهومه أن لامها إن كانت ياء سلمت في الاسم كالفُتْيا بالضم، والصفة كالقضيا مؤنث الأقضى بالضاد المعجمة، وهو كذلك لأنهم لم يفرقوا في اليائي من هذا بين الاسم والصفة. كما لم يفرقوا بينهما في الواوي من الأول اهـ أشموني.
قوله:
(أي تبدل الواو الخ)
هذا خامس موضع لإبدالها ياءً كما مر.
قوله:
(نحو الدنياوالعليا)
أصلهما الدُّنْوا والعُلْوا من الدُّنُوّ والعُلُوّ قُلبت الواو ياءً، والمراد الدنيا الواقعة في قوله تعالى: السَّماء الدُّنيا}
(فصلت:12)
الحَيَاةِ الدُّنْيَا}
(النساء:109)
لا مقابل الآخرة فإن قياسها عدم القلب لعروض اسميتها لذلك لكن استصحب أصل وصفيَّتها.
قوله:
(وشذ)
أي قياساً لا استعمالاً فإنه كثير في كلامهم وورد في قوله تعالى: وَهُمْ بِالعُدْوَةِ القُصْوَى}
(الأنفال:42)
نبَّه به على الأصل.
قوله:
(أهل الحجاز)
---
أي دون تميم فإنهم يقولون القصيا على القياس.
قوله:(3/247)
(فإن كانت فعلى اسماً سلمت الواو الخ)
قال المصنف: هذا هو المؤيد بالدليل الموافق لنص أئمة اللغة، وهو عكس ما عليه أئمة التصريف لأنهم يقلبون في الاسم دون الصفة، ويجعلون حُزوى شاذاً وهذا لا دليل عليه.
قوله:
(كحزُوى)
بضم المهملة فزاي موضع بالحجاز عناه ذو الرمة بقوله:
451 ــــ أداراً بِحُزْوى هِجْتِ لِلْعَيْنِ عَبْرَةً
فَمَاءُ الهَوَى يَرْفَضُّ أَوْ يتَرقْرَقُ
وإنما نصب داراً لوصفه بحزوى قبل النداء فاشبه المضاف على حدِّ: يا عظيماً يرجى لكل عظيم، ويرفض بفتح الفاء وشد الضاد المعجمة أي يسيل بعضه في إثر بعض، ويترقرق براءين وقافين أي يبقى في العين متحيِّراً يجيء ويذهب والله أعلم.
- فصل -
قوله:
(واتصلا)
أي بأن لم يفصل بينهما فاصل، وكانا من كلمة واحدة أو في حكم الواحدة كمسلمي، فأفاد شرطين.
قوله:
(ومن عروض عريا)
المتبادر من الشرح، أولاً إرجاع ضمير عري لسكون السابق ففيه شرط واحد والأولى إرجاعه للسابق نفسه أي وعري السابق من العروض ذاتاً وسكوناً ففيه شرطان كما في التوضيح، ويدل عليه كلام الشرح في المحترزات وعلى كل فألف عريا للإطلاق، وقضية ما ذكر أن الثاني منهما لا يشترط أصالته وهو كذلك حفني. وخامس الشروط في هذا البيت قوله: أن يسكن الخ.
قوله:
(أبدلت الواو ياء)
أي تخفيفاً، وهذا موضع سادس سواء تقدمت فيه الياء كما مثل أو الواو كطي. ولي مصدراً طويت ولويت وكمسلمي، والأصل طوى ولوى ومسلموي فعل به ما ذكر، وقلبت ضمة الميم في مسلمي كسرة لمناسبة الياء.
قوله:
(والأصل سيود وميوت)
---(3/248)
أي من ساد يسود ومات يموت فوزنهما فَيْعِلَ بكسر العين عند البصريين، وبالفتح عند البغداديين كضيغم، وصيرف نقل إلى فيعل بكسرها ثم أُعِلَّ وأُدغم لأن فيعل بالكسر لم يوجد في الصحيح حتى يحمل عليه المعتل. ورد بأن المعتل نوع مستقل قد يأتي فيه ما ليس في الصحيح كفعلة بالضم جمع فاعل المعتل كقضاة ورماة دون الصحيح فسماع سيد وميت بالكسر دليل على أنه أصلهما. ولا حاجة للتحويل على أنه يقال: ليس المكسور موجوداً في الصحيح حتى ينقل إليه المعتل، ولو يجعل وزنهما فعيل بتقديم العين لأنه غير موجود في كلامهم ووجد من الأول ضيغم، وصيرف وإن كانا بالفتح.
قوله:
(لم يؤثر)
وكذا في كلمة مع فاصل كزيتون.
قوله:
(وكذا إن عرضت الياء والواو)
أي عرض السابق منهما للسكون بإن عرضت ذاته كروية أصلها بالهمز أبدلت واواً لضم ما قبلها وكذا نحو: بويع واوه بدل من ألف بايع، وياء ديوان بدل من الواو الأولى في وان بالتشديد أو عرض سكونه فقط كقوي فعل ماض بسكون الواو مخففاً من كسرها كما يخفف نحو: علم بسكون ثانية فلا إبدال في ذلك كله، وكذا إن تحرك السابق كطويل ونَمْيُور.
قوله:
(يوم وأيوم)
أي كثير الشدة، ومثله ضيون للسنور الذكر، وعوى الكلب كرمى عوية فهذه صحت استيفائها الشروط شذوذاً، وقياسها أيم وضين وعية بشد الياء المفتوحة كما شذ الإبدال مع فقْد بعض الشروط في قراءة بعضهم إن كنتم للربا تعبرون} بشد الياء وأصلها بالهمز كما مر فأبدلت واواً ثم ياء وكما شذ إبدال الياء واواً في قولهم: عوى عوّة.
قوله:
(أصل)
---(3/249)
ضبطه المعرب بالبناء للمجهول، واختار الصبان ضبطه ككرم مبنياً للفاعل بمعنى تأصل قال، ورأيته منقولاً عن خط ابن النحاس تلميذ المصنف وهو وإن كان يلزم عليه عيب السناد أولى لأنا لم نجد في القاموس ولا غيره فعلاً متعدياً من هذا المعنى حتى يبنى للمفعول. اهـ ولك أن تفر من بشاعة القافية حينئذٍ بجعله اسم فاعل بوزن حذر، وأصله فعيل حذفت ياؤه للضرورة، أو تجريه على مذهب من يجوِّز بناء اللازم للمجهول.
قوله:
(ألفاً أبدل)
بنقل حركة همزة أبدل إلى تنوين ألفاً لأنها همزة قطع وهذا شروع في إبدال الألف من أُخْتَيْها: الواو والياء ولهذا الإبدال عشرة شروط كلها في المتن منها في هذه الأبيات خمسة كما ستعلمه.
قوله:
(إن حرك التالي)
أي الحرف الذي يتلو الواو، أو الياء.
قوله:
(كف)
أي منع إعلال غير اللام أي إعلال الواو والياء الواقعين غير لام للكلمة، أي لام ثانية بأن يقعا عيناً أو لاماً أولى.
قوله:
(متحركة بعد فتحة)
هذان شرطان خرج بالأول نحو: القول والبيع مما لم يتحرك، وبالثاني نحو حيل وعوض، وسور جمع سورة مما لم يفتح فيه ما قبلها، وتأصل الحركة كما بينه الشرح، واتصالهما رابع كما في المتن. ولم يبينه الشرح وذلك بأن يكونا في كلمة واحدة بلا فاصل بينهما فخرج نحو: إن أحمد وجد يزيد، ونحو: تباين وتهاون لعدم اتصالهما بالفتح وعدم سكون ما بعدهما على التفصيل المذكور خامس.
قوله:
(كجيَل)
بفتح الجيم والياء من أسماء الضبع وتوم بفتح المثناة فوق والواو أحد التوأمين، وهما الولدان في بطن، وأصلهما جَيْئَل، وَتَوْأَ كلاهما بوزن جعفر بهمزة بعد الياء والواو ومثلهما في عدم الإبدال لعروض الحركة نحو لتبلون ولا تنسوا الفضل.
قوله:
(فلو سكن ما بعدهما)
مفرع على محذوف أي، ومحل ذلك ما لم يسكن ما بعدهما فلو سكن الخ،
قوله:
(وجب التصحيح)
أي لئلا يلتقي ساكنان سواء كان ذلك الساكن ألفاً كبيان أو غيرها كطويل وغَيُور وخُوَرْنَق.
قوله:
(كرميا الخ)
---(3/250)
مثال للمنفي الواجب تصحيحه لكون الساكن بعد اللام ألفاً أو ياء مشددة، وإنما صحح ذلك لئلا يجتمع ألفان في رميا، وحذف أحدهما يلبس بالمفرد، وحمل ما لا لبس فيه كفتيان عليه. ولأن ياء النسب في علوي تقتضي إبدال الألف واواً كما مر فكيف تبدل الواو معها ألفاً.
قوله:
(وذلك)
أي سكون ما بعد اللام الذي لا يمنع إعلالها لكونه ليس ألفاً، ولا ياء مشددة نحو: يخشون الخ.
قوله:
(وصح عين فعل)
بفتحتين وفَعِلا بفتح فكسر، وذا أفعل حال من الثاني، وأشار بذلك إلى شرطين آخرين أن لا تكون الواو والياء عيناً لفعل وصفه على أفعل ولا عيناً لمصدره.
قوله:
(كأغيد)
من الغيد كالفرح وهو نعومة البدن وأهيف من الهيف بوزنه وهو ضمور البطن والخاصرة.
قوله:
(كل فعل كان اسم فاعله على أفعل)
هو فعل بكسر العين اللازم الدال على لون أو خلقة أو وصف ظاهر في البدن كسود وعور وحول وغيد، فهو أسود وأعور وأحول وأغيد، وإنما صحت عين هذا الفعل حملاً على ما هو بمعناه وهو أفعلّ بشد اللام كاعورّ واحولّ لأن عينه صحت لسكون ما قبلها، وما بعدها فحمل هذا عليه، وحمل على هذا مصدره فخرج بذلك فعل الذي وصفه على فاعل كخاف فهو خائف فإنه يعل كفعل بالفتح والضم.
قوله:
(وإن يبن)
بكسر الموحدة مضارع بان أي ظهر وهذا شرط ثامن خاص بالواو أي يشترط لإعلال عين افتعل إن كانت واواً أن لا يكون بمعنى التفاعل، وإلا سلمت فإن كانت ياء أُعِلَّت مطلقاً.
قوله:
(إرتاد)
بالراء والمثناة فوق أي طلب.
قوله:
(فإن أبان الخ)
مقابل لمحذوف أي محل وجوب الإبدال إن لم يكن بمعنى التفاعل فإن أبان الخ.
قوله:
(حمل عليه)
أي لأن تفاعل تصح عينه لفصلها من الفتح كتشاور وتبايع ولما كان هذا بمعناه حمل عليه، واختص التصحيح بالواو لبعدها عن الألف بخلاف الياء فإنها شبيهة بها فأعلت.
قوله:
(ذا الإعلال)
---
بنقل حركة الهمزة إلى اللام قبلها، واستحق بكسر الحاء ماض مجهول وهذا شرط تاسع.
قوله:
(حرفا علَّة)(3/251)
أي واوان أو ياآن أو مختلفان.
قوله:
(لئلا يتوالى إعلالان)
أي بلا فصل بينهما وهو ممنوع لإجحافه، أما مع الفاصل فجائز نحو: يفون إذ أصله يوفيون ولا يرد تواليهما في ماء وشاء، وترى من الرؤية لأنها شاذة عن القياس على أنه قيد في شرح الكافية منع توالي الإعلالين لكونهما من جنس واحد أما إذا اختلفا كهذا فلا يمنع وعليه فلا شذوذ.
قوله:
(والأحق منهما بالإعلال الثاني)
أي لأن الطرف محل التغيير.
قوله:
(نحو الحيا)
أي بالقصر وهو المطر وكذا الهوى بالقصر، وهو ميل النفس إلى الشيء، وشاع في المذموم أما الممدود منهما فليس مما نحن فيه لأن عينه لا تستحق الإعلال لمنعه بالألف الساكنة بعدها، والحيا مثال لاجتماع ياءين لأنه من حييت، والهوى للواو والياء لأنه من هويت، ومثال الواوين الحوى بفتح الحاء المهملة مصدر حوى بالكسر كقوى إذا اسود فلامه واو كعينه لقولهم في تثنيته: حووان، وفي جمع أحوى حُوُّ بالضم والتشديد، وكذلك قوى أصله بواوين من القوة.
قوله:
(نحو غاية)
مثلها راية، وكذا آية عند الخليل فأصلها غيية وريية وأيية قلبت الياء الأولى ألفاً شذوذاً إذ القياس قلب الثانية لكن سهله كون الثانية غير طرف قال في التسهيل: وهذا أسهل الوجوه في آية وقيل: أعلت الثانية فصار أياة كنواة ثم قدمت اللام على العين فوزنه فلعة بفتحات، وقيل أصلها أيية بضم الأولى كسمرة، وقيل: أيية كنبقة فاعلاً لها على القياس لأن الثانية لا تستحق الإعلال لعدم فتح ما قبلها، وقيل: آيية كفاعلة أو أيِّة بشد الياء، وكلها مردودة كما في التصريح.
قوله:
(ما آخره)
---
بالنصب ظرف لزيد، وما يخص نائب فاعله، والجملة صلة ما الأولى، و: أن يسلما فاعل بواجب الواقع خبراً عن عين أي، وعين اللفظ الذي زيد في آخره ما يخص الاسم واجب سلامتها، وهذا عاشر الشروط وحاصله أن لا تكون الياء، والواو عيناً لما في آخره زيادة تختص بالاسم.
قوله:
(نحو جولان)(3/252)
مصدر جال يجوز وهيمان مصدر هام يهيم، وإنما سلِمت عينهما لأن زيادة الألف والنون في آخرهما أبعدتهما عن الفعل الذي هو الأصل في الإعلال لأنهما لا يلحقانه أصلاً، ومثلهما الألف المقصورة عند سيبويه لاختصاصها بالاسم، ولذلك صحت عين صورى بفتحات اسم ماء، وحمار حيدى بوزنه أن يحيد عن ظله لنشاطه، وحكم الأخفش بشذوذ هذين لأن الألف وإن اختصت بالاسم لا تخرجه عن صورة فعل أسند لألف الاثنين كضربا فلا تمنع الإعلال، كما لا تمنعه التاء اتفاقاً لأنها وإن اختصت بالأسماء لكن جنسها يلحق الماضي فلا يثبت بلحاقها للاسم مباينة الفعل، وذلك نحو: قَالَة وبَاعَة جَمْعَي قائِل وبائِع، والأصل قَوَلَة وَبَيَعَة ككملة وشذ تصحيح حَوَكة وخَوَنَة جمْعَي حائك وخائن.
قوله:
(وشذ ماهان وداران)
وقياسهما موهان ودوران لأن أصلهما تثنية ماء ودار، وفي نسخ هامان بتقديم الهاء، وقياسه هيمان لكن قيل إن هامان وداران أعجميان فلا يحسن عدهما فيما شذ.
قوله:
(وقبل يا إلخ)
هذا البيت دخيل في هذا الفصل لعدم مناسبته لما فيه من إبدال حرف العلة فالأولى ذكره مع التاء والطاء والدال لاتفاق الكل في أنها غير علة، أو إفراده بفصل كما فعله الموضح، والحاصل أن المصنف بيَّن فيما مر إبدال الهمزة وحروف العلة الذي لا يتوقف على نقل حركة وذكر في الفصل الآتي إبدالها المتوقف على النقل، ثم بيَّن باقي حروف الإبدال في فصل ذو اللين إلخ فكان الأولى تأخير الميم مع ذلك.
قوله:
(ميماً)
---
مفعول ثان لا قلب، والنون مفعوله الأول، واسم كان يعود للنون، والأولى التعبير بالإبدال لما مر أول الباب إلا أن يقال: لاحظ اصطلاح القراء في تسميتهم هذا العمل إقلاباً.
قوله:
(المنفصلة)
أي عن الباء بأن كانتا من كلمتين، ودخل في النون الساكنة المنفصلة التنوين نحو: مؤمن بالله وتبدل الميم أيضاً من الواو في فم، ومن النون المتحركة شذوذاً كقولهم في البنان أي الأصابع: البنام والله أعلم.(3/253)
- فصل في النقل -
وفيه أربع مسائل ذكر الأولى في قوله: لساكن صح إلخ. والثانية: قوله: ومثل فعل إلخ. والثالثة: وألف الأفعال إلخ. والرابعة: وما لأفعال إلخ وبعد النقل في المسائل الأربع يجب إبقاء الحرف المعتل ساكناً إن جانس الحركة المنقولة كما مثله الشارح من نحو: يبين ويقوم، والأوجب قلبه من جنسها كيخاف ويخيف أصلهما يَخْوَف كَيَذْهب، ويُخْوِف كيُكْرِم نقلت فتحة الأول، وكسرة الثاني إلى الخاء ثم قلبت الواو ألفاً في الأولى لتجانس الفتحة قبلها، وياء في الثاني لسكونها إثر كسرة.
قوله:
(من ذي لين)
جرى على قول من يطلق اللين على المتحركة من حروف العلة، والمشهور اختصاصه بالساكن منها مطلقاً، وأما المد فهو الساكن بعد حركة تجانسه، وأما العلة فعامَّة، ومثل ذي اللين فيما ذكر الهمزة.
قوله:
(وجب نقل حركة العين إلخ)
أي لثقل الحركة هنا ولو فتحة على الواو والياء وإن سكن ما قبلهما للزومها بخلافها في: دلو وظبي لأنها حركة إعراب لا تلزم مع أن الاسم أخفّ من الفعل كما استثقلت الفتحة في: معديكرب دون قاض للزومها مع كون المركَّب ثقيلاً يحتاج للتخفيف.
قوله:
(نحو يبين)
إما بفتح الياء مضارع بان أي ظهر فأصله كيضرب، أو بضمها مضارع أبان فأصله كيكرم وكلُّ صحيح.
قوله:
(وكذلك فعل في أبن)
فأصله أبين كاكرم نقلت كسرة الياء إلى الباء، ثم حذفت للساكنين.
قوله:
(غير صحيح)
---(3/254)
دخل في الهمزة لأن المصنف أدرجها في حروف العلة فلا ثقل في نحو: يأيس كيعلم مضارع أيس لأن الهمزة معرضة للإعلال بقلبها ألفاً تخفيفاً، والألف لا ينقل إليها لعدم قبولها الحركة، ولذا لم ينقل في نحو: بايع وقاول، وأما عدم النقل في بيَّن وعوَّق بشد الياء والواو مع تحرك عينهما بناء على أن أول المضاعفين هو الزائد فلأنه يلزم عليه قلب المنقول إليه ألفاً لتحركه وانفتاح ما قبله فيلتقي ساكنان فإن حذف الأول قلت: بين، وعوق بالسكون، أو الثاني قلت: بان وعاق، وفي ذلك إلباس صيغة بأخرى فترك أما على أن الثاني من المضاعفين هو الزائد فالعين ساكنة وليس الكلام فيها أفاده المصرح، وتبعه الحواشي وفيه أن المنقول إليه لعروض حركته لا يصلح لقلبه ألفاً كما علم من قوله: بتحريك أصل، فالقياس حينئذ قلب الثاني لتحركه في الأصل، وانفتاح ما قبله الآن فيصير بيان وعواق وهو أيضاً مُلْبِس بصيغة الاسم فتُرك.
قوله:
(بلام عللا)
أي حكم بأن لامه حرف علة قال ابن غازي: وإنما زاد ذلك مع علمه من قوله أهوى ليشمل غير أفعل كاستهوى.
قوله:
(للتعجب)
أي لأن ما أفعله يشبه أفعل التفضيل في الوزن، والدلالة على المزية وهو لا يعل لما سيأتي فكذا شبهه، وحمل أفعل به عليه.
قوله:
(نحو ابيضَّ واسودَّ)
بشد آخرهما لأنه لو نقلت حركة عينه لفائه لوجب قلبها ألفاً لتحرُّكها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن فتحذف همزة الوصل للاغتناء عنها فيصير باضِّ وسادَّ بالتشديد فَيَلْتَبس باسم الفاعل من البضاضة وهي نعومة البشرة، ومن السد تصريح.
قوله:
(ونحو أهوى)
أي لئلا يتوالى فيه إعلالان في اللام والعين.
قوله:
(وفيه وسم)
---(3/255)
أي علامة يمتاز بها عن المضارع بأن يشبهه في الوزن فقط، أو الزيادة فقط بخلاف ما يشبهه فيهما كأقوم وأسود بوزن أعلم فلا يعل لئلا يتوهم أنه فعل، وكذا لو باينه فيهما لبعده عن الفعل الذي هو الأصل في الإعلال فعلى هذا لو بنيت من البيع، أو القول اسماً على مثال تضرب قلت: تبيع، وتقول بكسر الياء والواو لئلا يلبس بالفعل لو نقلته، وأما يزيد علماً فمنقول بعد إعلاله كما سيأتي.
قوله:
(في زيادته فقط)
أي الزيادة الخاصة به وهي حروف المضارعة.
قوله:
(تَبِيع)
بكسر الفوقية الموحدة وسكون التحتية.
قوله:
(وهو مثال تحليء)
أي اسم مبني من البيع على مثاله، وليس المراد به تبيع البقر وهو ابن سنة منها لأن هذا فعيل من التبع أي يتبع أمه في المرعى، فتاؤه أصلية، ومفتوحة لا مكسورة، وتِحْلِيء بكسر التاء الفوقية، وسكون الحاء المهملة وكسر اللام فهمزة يطلق على قشر الأديم والجلد مما يلي منبت الشعر وعلى وسخه وشعره.
قوله:
(من بيع)
أي حال كون تبيع مأخوذاً من بيع وهو مصدر باع، ولو بنيت على مثال تحليء من القول قلت: تقيل بكسرتين، والأصل تقول نقلت كسرة الواو إلى الساكن قبلها، ثم قلبت ياء لسكونها إثر كسرة فهذا النوع أشبه المضارع في زيادته الخاصة به في أوله، وفيه وسمٌ امتاز به عن الفعل وهو كونه على وزن خاص بالاسم لأن تفعلاً بكسر التاء والعين لا يكون في الفعل، وكذا تفعل بضمهما فيُعلُّ ما وازنهما من الأسماء.
قوله:
(مقام)
أي بفتح الميم فأصله مقوم كيعلم المبني للفاعل، أو بضمها كالمبني للمفعول، وكذا مقيم ومبين أصلهما كيكرم بالكسر فيعل كل ذلك لامتيازه عن الفعل بزيادة الميم الخاصة بالأسماء، وإنما صححوا نحو: مدين ومريم لأن ميمه أصلية فوزنه فعلل لا مفعل.
قوله:
(أعلا كزيد)
أي استصحب إعلاله لأنه إنما يعلُّ قبل النقل لا بعده.
قوله:
(ومفعل)
---
بكسر الميم وفتح العين وكذا المفعال، وهذا محترز قوله: ضاهى مضارعاً، على ما سيأتي.
قوله:
(عوض)(3/256)
حال من التاء، وقف عليه بالسكون على لغة ربيعة.
قوله:
(بالنقل)
أي السماع متعلق بعرض، والباء للملابسة.
قوله:
(وحمل مفعل إلخ)
أشار بذلك إلى ما قاله المصنف وابنه إن مفعلاً يستحق الإعلال لشبهه المضارع في الوزن فقط إذ هو كتعلم عند من يكسر حرف المضارعة لكنه حمل على مفعال في التصحيح لشبهه به لفظاً إذ لا فرق بينهما إلا بالألف، ومعنًى لأن كلا اسم آلة كمخيط ومخياط، أو صيغة مبالغة كمقول ومقوال، ولم يعكس لأصالة التصحيح، وتعقبه الموضح بأنه لو صح ذلك للزم تصحيح مثال تحليء من البيع لشبهه بتحسب، أو تضرب في تلك اللغة وزناً وزيادة، وهو ممنوع. والظاهر أن تصحيح نحو مخيط لعدم شبهه الفعل أصلاً إذ كسر حرف المضارعة قليل لا يلتفت إليه أو لأنه مقصور من مفعال كما قاله الخليل فاستصحب تصحيحه بعد حذف الألف فهو هو لا أنه محمول عليه ثم على تسليم ما قاله لا يستحق الإعلال لذلك عند الجميع بل في تلك اللغة فقط.
قوله:
(فإن ألفه تحذف إلخ)
أفاد كالمتن أن المحذوف هوالألف الثانية، وهوالصحيح لزيادتها وقربها من الطرف وحصول الثقل بها وهو مذهب الخليل وسيبويه والمصنف، ولذا قال: وألف الإفعال إلخ. وقيل هي بدل العين لأن بدلها يحذف كثيراً في غير هذا، ولأن تعويض التاء لم يعهد في غير الأصول.
قوله:
(وقلبت الواو ألفاً إلخ)
لا يرد أن شرط قلب العين ألفاً أن لا يسكن ما بعدها كما مر في قوله: وإن سكن كف إلخ، لأن محل ذلك فيما إعلاله بالأصالة أما الأفعال والاستعمال فبالحمل على الفعل.
تنبيه:
قد ورد تصحيح أفعال واستفعال وفروعهما في ألفاظ منها أغول إغوالاً وأغيمت السماء إغياماً واستحوذ استحواذاً، واستغيل الصبي استغيالاً أي شرب الغيل بفتح المعجمة وهو اللبن الذي ترضعه المرأة وهي تؤتى أو وهي حامل، وهذا شاذ عند النحاة، وقيل لغة فصيحة يقاس عليها.
قوله:
---
(لمجانسة الفتحة قبلها)
أي لتحركها في الأصل وانفتاح ما قبلها الآن.
قوله:(3/257)
(من النقل ومن حذف)
أي دون التعويض بالتاء.
قوله:
(مفعول)
أي فاسم مفعول الفعل الثلاثي، وقوله: به متعلق بقمن أي حقيق.
قوله:
(فحذفت واو مفعول)
أي عند سيبويه، وقال الأخفش عين الكلمة لأن واو مفعول جاءت لمعنى وهو كونها علامة اسم المفعول فلا تحذف، ولأن المعهود حذف أول الساكنين كقل وبع وقاض لا الثاني، وأجيب عن الأول بأنها لو كانت علامة اسم المفعول لوجبت في الزائد على الثلاثة كالمنتظر، وإنما العلامة الميم وجيىء بالواو لرفضهم مفعلاً بالضم في الكلام إلا في مكرم ومعون ومهلك، ومألك بسكون الهمزة، وضم اللام بمعنى الرسالة، وعن الثاني بأن محل ما ذكر فيه إذا كان ثاني الساكنين صحيحاً كما مثله، وهما هنا معتلان تصريح، وقد يقال في الجواب الأول تسليم أنها جيء بها لمعنى وهو الفرق بين المرفوض والمستعمل فلا يليق حذفها لفوات ما جيء بها لأجله تقديراً لأن وزن نحو مصون يكون عند سيبويه مفعل بإثبات أصوله كلها وهو مرفوض وعند الأخفش مفعول بحذف العين فتدبر وتظهر ثمرة الخلاف في نحو: مسوء بالهمزة إذا خففت فعند الأخفش يقال مسوّ بشد الواو ولأن الهمزة إذا وقعت إثر واو زائدة لغير إلحاق خففت بقلبها واواً وإدغاماً فيها وعند سيبويه مسوِّ بنقل حركة الهمزة إلى الواو ولكونها أصلية، ثم حذفت الهمزة كما يقال في تخفيف خبء خب.
قوله:
(فصار مبيع ومقول)
أي بفتح الأول، وضم الثاني، وسكون الثالث.
قوله:
(كان حق مبيع إلخ)
أي لما مر في قوله: ووجب:
إبدال وَاوٍ بَعْدَ ضَمَ مِنْ أَلِفْ
---(3/258)
ويا إلخ، من أنه يجب قلب الياء واواً لضم ما قبلها كموقن في ميقن إلا إذا وقعت عين جمع فإن الضمة تقلب كسرة لتصح الياء كبيض وهيم في جمع أبيض وأهيم ومر أيضاً أن سيبويه يجعل الياء الواقعة عيناً لمفرد كعين الجمع فيوجب قلب الضمة كسرة لتصح الياء وإن الأخفش يقلبها في المفرد مطلقاً سواء كانت فاء أو عيناً ويبقي الضمة قبلها فقد جرى سيبويه هنا على مذهبه فبعد أن حذفت واو مفعول قلبت الضمة كسرة لتصح الياء لأنها عين مفرد أما على رأي الأخفش من أن المحذوف العين فيصير بعد النقل، والحذف مبوع فكسرت الفاء، وقلبت الواو ياء لئلا يتوهم أنه من ذوات الواو كمقول، وليس كسر الفاء لأجل الياء المحذوفة كما توهم حتى يرد عليه أن مذهبه إبقاء الضم مع الياء الموجودة، ثم قلبها واواً فأولى إبقاؤه مع المعدومة وإنما هو للفرق المذكور فلم يخالف مذهبه المار، والحاصل أن ذوات الواو لا عمل فيها سوى الحذف، والنقل وأما ذوات الياء كمبيع ففيها مع النقل على مذهب سيبيبويه حذف الواو الزائدة وقلب الضمة كسرة لتصحيح الياء التي هي العين وعلى رأي الأخفش حذف العين، وقلب الضمة كسرة، ثم الواو الزائدة ياء لرفع توهم أصالتها فتدبر.
قوله:
(من نحو عدا)
هو كل فعل واوي اللام مفتوح العين فخرج يائي اللام مطلقاً وواويها مع كسر العين كرضي وقوي فلا يترجح فيه التصحيح عل التفصيل الاتي، وأما مضمومها فلا يبنى منه اسم مفعول لكونه لازماً وذكر هذه المسألة هنا إنما هو باعتبار حذف واو مفعول وإن لم يكن فيه نقل كالأول.
قوله:
(فالأجود التصحيح)
أي حملاً على فعل الفاعل لكونه الأصل كعدا ودعا فإنَّ واوه لا تقلب ياءً وإن قلبت ألفاً إذ الأصل عدو ودعو.
قوله:
(على فعل)
أي بفتح فكسر.
قوله:
(نحو معدي)
---(3/259)
أصله معدو بواوين؛ الأولى واو مفعول، والثانية لام الكلمة فقلبت الثانية ياء حملاً على فعل المفعول لأن واوه تقلب لتطرفها إثر كسرة كدعا ثم الأولى لاجتماعها مع الياء ساكنة، ثم أدغم وكسرت الضمة لمناسبة الياء.
قوله:
(نحو مرضي)
أصله مرضوو بواوين قلبت الثانية ياء حملاً على الفعل لأنها تقلب فيه لكسر ما قبلها سواء بني للفاعل، أو للمفعول، ثم الأولى لاجتماعها مع الياء إلخ وإنما كان الإعلال في ذلك هو الفصيح الوارد في القرآن لأن موافقة المفعول لفعله أولى من مخالفته، ومحل ذلك ما لم يكن فعل المكسور واوي العين وإلا تعين الإعلال كقوي فهو مقوي والأصل مقوو، قلبت الواو الأخيرة ياء لثقل ثلاث واوات في الطرف مع الضمة ثم الوسطى لاجتماعها مع الياء إلخ. والحاصل أن واوي اللام إن كان مفتوح العين اختير في مفعوله التصحيح، أو مكسور العين غير واويها اختير فيه الإعلال، أو واويها وجب الإعلال.
قوله:
(كذاك ذا وجهين إلخ)
كذا ما حال من المفعول بضمتين أو صفة لمصدر محذوف أي جاء الفعول مجيئاً مثل ذاك وذا وجهين حال أيضاً منه مؤكدة لما يستفاد من التشبيه، ومن ذي الواو حال ثالثة، أو متعلق بجا بتضمينه معنى أخذ ولام جمع حال من الواو وظاهر المتن التسوية بين فعول الجمع والمفرد في الوجهين، وليس كذلك كما بينه الشارح، وقد دفع هذا في الكافية بقوله:
ورجِّح الإعلال في الجمع وفي
مُفْرَدِ التَّصْحيح أولى ما قِفي
وأطلق جواز الوجهين في فعول، وهو مشروط بأن لا يكون من باب قوي، وإلا وجب الإعلال كما في المفعول.
قوله:
(نحو عِصِيّ ودليِّ)
بكسرتين ثم ياء مشددة مثالان للإعلال، والأصل عصوو ودلوو بضمتين، ثم واوين قلبت الثانية ياء لثقل الواوين مع الضمة في الجمع ثم الأولى لاجتماعها مع الياء، ثم أدغم وكسرت العين لمناسبة الياء والفاء اتباعاً لها وقد لا تكسر الفاء كقراءة الحسن فَأَلْقُوا حِبَالَهُمْ وَعُصِيَّهُمْ}
---
(الشعراء:44)(3/260)
بضم العين وقيل لما كانت واو فعول زائدة ساكنة لم يعتد بها فكأن الواو الأخيرة وليت ضمة فقلبت ياء لما قبل في أدل جمع دلو فلما اجتمعت مع الواو قلبت ياء وأدغم إلخ وقد قيل بذلك في المفعول المار.
قوله:
(نحو أبو ونجو)
مثالان للتصحيح وهو شاذ في الجمع كما في التسهيل والتوضيح، وكذا إعلال المفرد خلافاً الظاهر الشارح، والأصل أبوو ونجو وكفلوس فأدغم والنجو إما بالجيم وهوالسحاب الذي هراق ماءه أو بالحاء المهملة، وهوالجهة حكى سيبويه: إنكم لتطيرون في نحو كثيرة.
قوله:
(والتصحيح أجود)
الذي في التوضيح وغيره أنه واجب لخفة المفرد والإعلال شاذ.
قوله:
(وشاع إلخ)
نص غيره من النحويين على إطراده وإن كان التصحيح أكثر على الأصل وهذا تاسع موضع لقلب الواو ياء وهي وقوعها عيناً لجمع على فعل بالضم، والتشديد، وتقدمت العاشرة.
قوله:
(نمي)
أي نسب للعلماء.
قوله:
(صائم)
أصله صاوم لأنه من الصوم أبدلت الواو همزة لما مر، وكذا قائم وجائع.
قوله:
(وصيم)
أصله صوم فاستثقل اجتماع واوين، وضمة مع ثقل الجمع فخفف بقلبهما ياءين لأنهما أخف، تصريح.
قوله:
(وجب التصحيح)
أي لخفته، ولبعد الواو عن الطرف الذي هو محل التغيير بسبب الألف، وكذا يجب التصحيح إن اعتلت اللام كشوي وغوي بشد الواو جمعي شاو وغاو، ولئلا يتولى إعلالان، ويجوز في نحو: نيم بعد إعلاله ضم الفاء وكسرها، والضم أولى والله أعلم.
- فصل في إبدال فاء الافتعال وتائه -
قوله:
(ذو اللين)
---
مبتدأ خبره جملة أبدلا، وفا حال من نائب فاعله العائد لذي اللين وهو مفعوله الأول، وتا مفعوله الثاني، وكل من فا وتا بالقصر، وتقدم للشاطبي أن ما قصر من أسماء هذه الحروف منون على حد: شربت ما، وصوب ابن غازي عن بعضهم عدم تنوينها لأنها مبنية لوضعها وضع الحروف، واختار الصبان جواز التنوين على أنه مختصر من الممدود وعدمه على وضعه كذلك ابتداء.
قوله:
(فاؤها حرف لين)(3/261)
مرادهم به الياء، والواو فقط إذ الألف لا تقع فاء مطلقاً، ولا عيناً، ولا لاماً بطريق الأصالة.
قوله:
(وجب إبداله تاء)
أي لعسر النطق بحرف اللين الساكن مع التاء لقرب مخرجيهما، ومنافاة صفتهما لأن حرف اللين مجهور، والتاء مهموسة، وأيضاً لو أقروه لتلاعبت به حركات ما قبله فيكون ياء بعد الكسرة، وألفاً بعد الفتحة، وواواً بعد الضمة فأبدلوا منه حرفاً يلزم وجهاً واحداً، وخصوا التاء لتدغم فيما بعدها، هذه هي اللغة الفصحى وبعض الحجازيين يجعلون الفاء بحسب الحركات قبلها، فيقولون أيتصل يأتصل فهو موتصل، وحكى الجرمي إبدالها همزة كأتصل يأتصل، فهو ومؤتصل وهو غريب.
قوله:
(نحو اتصال إلى إلخ)
مثال للواوي ومثال اليائي اتسار واتسر ومتسر، والأصل إيتسار وإيتسر وميتسر قال في المصباح الميسر كمسجد قمار العرب يقال يسر الرجل يسراً من باب وعد فهو ياسر اهـ، وهو مأخوذ من اليسر لظنهم أنه يورث اليسار.
قوله:
(والأصل أوتصال إلخ)
---
ظاهر عبارته أن الواو تبدل تاء ابتداء وهو المختار، وقيل: تبدل أولاً ياء لكسر ما قبلها في الماضي، والمصدر لأن الواو لا تثبت ساكنة بعد الكسرة، وحمل الباقي عليهما، ثم تقلب الياء تاء، وقد يقال هذه الواو لم تثبت مع الكسرة لعدم بقائها دائماً فتقلب من أول الأمر تقليلاً للعمل إذ لا فائدة فيما ذكر وإن كان قياسياً، وأيضاً لو قلبت ياء لامتنع قلب هذه الياء تاء كما الياء المنقلبة عن الهمزة في نحو: اتكل بجامع عدم الأصالة إلا أن يجاب عن هذا بأن التاء لما لم تبدل من الهمزة أصلاً امتنع إبدالها من بدلها وهو الياء التحتية بخلاف الواو فإنها تبدل تاء في غير هذا الباب كتراث ونحوه فجاز هنا إبدالها من بدلها، وأيضاً كل من المبدل والمبدل هنا حرف لين بخلاف الهمزة فتأمل.
قوله:
(ثم تبدل الهمزة)
أي الثانية الساكنة وهي فاء الكلمة ياء لسكونها بعد همزة الوصل المكسورة.
قوله:
(وشذ قولهم اتزر)
---(3/262)
إما فعل ماض معلوم أي لبس الإزار فيكون بفتح التاء والزاي، أو أمر فبكسر الزاي ولا يصح ماضياً مجهولاً إلا إذا كان أصله أو تزر بالواو لا بالياء كما في الشارح وأصله الأصيل ائتزر بهمزة مكسورة للوصل فساكنة هي فاء الكلمة لأنه من الإزار قلبت الثانية ياء من جنس حركة ما قبلها، ثم الياء تاء فصار اتزر بالإدغام فهذا الإبدال الثاني شاذ يقصر على السماع، والقياس إبقاء الياء كما قال به المصنف، وقيل خطأ لكن أجازه البغداديون كما حكاه الزمخشري، وعلى قولهم يتخرج إدغام عوام المحدّثين اتزر في حديث عائشة المتقدم وقول الشارح كالأشموني، وشذ قولهم: اتزر صريح في أنه من المسموع، وسكت الشارح عن ذكر اتكل الذي في المتن تبعاً لابن المصنف في أنه لم يسمع فمراده بالتمثيل به أنه مما سمع الإبدال في جنسه لا في شخصه، ونقل المرادي عن بعضهم سماعه وهو صريح قول التوضيح وشذ قولهم: اتكل ومن المسموع أيضاً اتمن من الأمانة وقياسه أوتمن بالواو إن كان ماضياً مجهولاً أو ايتمن بالياء إن كان معلوماً، وأما اتخذ فالصحيح أنه من تَخذَ يتَّخِذُ تَخْذاً كَتَعِبَ يَتْعَبُ تَعَباً بمعنى اتخذ كما أن اتبع من تبع فتاؤه الأولى أصلية لا بدل عن همزة أخذ كما وهم فيه الجوهري فجعله من الشاذ، والثانية تاء الافتقال. وقال بعضهم إنه وخذ بالواو لغة في أخذ فأصله أوتخذ أبدلت الواو تاء على القياس، وتخريجه على هذه اللغة وإن كانت قليلة أولى من قول الجوهري.
قوله:
(طا تا إلخ)
تا مبتدأ خبره رد ماضياً مجهولاً كأبدل السابق عليه، ونائب فاعله يعود على تا وطاء مفعوله الثاني فإن جعل رد امراً كان تا مفعوله الأول لا مبتدأ لاحتياجه إلى تقدير الرابط.
قوله:
(وجب إبداله طاء إلخ)
---(3/263)
أي لثقل التاء مع الحرف المطبق لقرب مخرجيهما، وتباين صفتيهما إذ التاء مهموسة مستقلة والمطبق مجهور مستعل كما يعسر النطق بها بعد الدال والذال والزاي لأن هذه جهرية كالمطبق فاحتيج في تسهيل النطق إلى إبدال التاء حرفاً يوافقها في المخرج ليشعر بها ويوافق ما قبلها في الصفة وهو الطاء والدال وإذا أبدلت طاء بعد الطاء، أو دالاً بعد الدال وجب الإدغام لاجتماع المثلين كأطهر وأطعن وأدان أو طاء بعد الصاد والضاد ودالاً بعد الزاي جاز الفك كاصطبر واضطجع وازدجر، والإدغام بقلبها من جنس ما قبلها كاصبر واضجع وازجر، ويمتنع العكس كاطبر واطجع وادجر لئلا يفوت صفير الصاد والزاي واستطالة الضاد أما الطاء بعد الظاء المشالة والدال بعد الذال المعجمة فيجوز فيهما الأوجه الثلاثة وقد روي قوله:
452 ــــ هو الجواد الذي يعطيك نائِله.،
عُنْواً ويظلم أحياناً فَيَظْطَلِمُ
هكذا بالفك ويظلم بشد المعجمة وبشد المهملة وقرىء قوله تعالى: فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر}
(القمر:15)
ومدكر بشد المهملة ومذكر بشد المعجمة، وهي شاذة فتدبر والله أعلم.
- فصل في الإعلال بالحذف -
هو نوعان: مقيس وشاذ، فالمقيس هو الذي تعرض لذكره هنا، وهو ثلاثة أنواع: ما يتعلق بفاء الكلمة، وما يتعلق بحرف زائد فيها، وما يتعلق بعينها أو لامها على الخلاف الآتي، وقد ذكرها على هذا الترتيب كل واحد في بيت.
قوله:
(وبنيتي متصف)
أي صيغتي شخص متصف أي الصيغتين الدالتين على الذات المتصفة بذلك المعنى على جهة القيام به أو الوقوع عليه، وهما أسماء الفاعل والمفعول.
قوله:
(إذا كان الفعل الماضي)
أي المفتوح العين فخرج مضمومها فلا تحذف فاء مضارعه كوضؤ يؤضؤ ووشم يوشم، وفي مكسورها تفصيل يعلم مما سيأتي.
قوله:
(معتل الفاء)
---
أي بخصوص الواو كما يفيده تخصيصها بالحذف في المثال أما الياء فلا تحذف إلا ما شذ من قول بعضهم: يسر يسر كوعد يعد ويئس يئس، والأصل يَيْسَر ويَيْئَس.
قوله:
(يعد)(3/264)
أصله يوعد فثقلت الواو بوقوعها بين الياء المفتوحة والكسرة وهما ضدان لها فحذفت، وحمل على المبدوء بالياء أخواته كأَعِدُ ونَعِد وتعد، كذا الأمر نحو: عِدْ فأصله أوعد حذفت الواو حملاً على المضارع المبدوء بالياء فاغتُني عن الهمزة بتحرك ما بعدها، وكذا حمل عليه المصدر الذي على فعل بكسر فسكون، وأفهم قوله: كوعد أن الحذف مشروط بفتح حرف المضارعة فلا تحذف الواو من يوعد بالضم سواء فتحت العين، أو كسرت، وشذ من ذلك يدع ويذر مجهولين في لغة، وبكسر عين الفعل فلا حذف في مفتوحها كوجل يوجل، ووجع يوجع ولا في مضمومها كوضؤ يؤضؤ وشذ قول بعضهم: وجد يجد بالضم وهي لغة عامرية، وأما حذف الواو من يقع ويضع ويهب مع أنها بفتح فالعين فللكسر المقدر لأنها لكون ماضيها بالفتح ينقاس مضارعها على يفعل بالكسر لكنه فتح تخفيفاً لكون عينه، أو لامه حرفاً حلقياً فكأن الكسر مقدر فيه، وأما يسع ففتحه قياسي لكون ماضيه وسع بالكسر فكان حقه إثبات الواو فقيل حذفت شذوذاً، وقيل لأنه قد ورد الكسر في مضارع فعل المكسور كومق يمق ووثق يثق، وورث يرث فحيث حذفت واو يسع دل على أن أصله الكسر لكنه فتح تخفيفاً لحرف الحلق.
قوله:
(وعدة)
---
أفاد التمثيل به أن لحذف الفاء شرطين: كونها في مصدر على فِعْلَة بكسر فسكون وكونه لغير الهيئة فلا تحذف من اسم غير مصدر وشَذْرَقَة للفضة، وَحْشَة للأرض الموحشة ولدة صفة بمعنى ترب وهو المساوي في العمر ولا مما قصد به الهيئة كوعدة الأمير، ووقعة زيد للإلباس بوجود الشرطين يجب الحذف كعدة وصلة وثقة ومقة فأصلها وعد ووصل ووثق وومق بكسر فسكون حذفت فاؤها حملاً على مضارعها كما مر، ونقلت كسرتها للعين لتدل عليها وربما فتحت العين لفتحها في المضارع كسعة وضعة بالفتح ويكسران في لغة وبها قرىء شاذاً وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِن المَالِ}
(البقرة:247)(3/265)
بالكسر، وشذ الضم في صلة ثم أتى بالتاء عوضاً عن الفاء فحذفها شاذ خلافاً للفراء، وأما قوله:
452 ــــ وَأَخْلَفُوكَ عِدَا الأمْرِ الَّذِي وعَدُوا
فخرج على أن عدا جمع عدوة بضم فسكون بمعنى ناحية، وكذا الجمع بينهما شاذ كقول بعضهم وعدة ووثبة ووجهة لكن قال الفارسي لا شذوذ في وجهة لأنها اسم للمكان المتوجه إليه لا مصدر حتى تحذف فاؤه، وظاهر كلام سيبويه أنه مصدر، وسوغ عدم الحذف فيه كونه لا فعل له إذ لا موجب للحذف إلا الحمل على المضارع، ولا يحفظ وجه يجه بل توجه واتجه ومصدره التوجه والاتجاه، فحذفت زوائده وقيل: وجهة.
قوله:
(يجب حذف الهمزة)
أي الزائدة على أصول الثلاثي لتصيره رباعياً كهمزة أكرم وآمن بالمد إذ أصلها كرم كظرف، وأمن كفرح أما الهمزة الأصلية في نحو: أكل وأخذ وأمِّن بشد الميم فلا تحذف بل تقلب الفاً في نحو: آكل وواو في نحو أو من أو تحقق كما علم مما مر، وأما همزة أفعل فلزيادتها تحذف في المضارع المبدوء بهمزة التكلم لئلا يجتمع همزتان في كلمة وحمل على المبدوء بالهمزة أخواته وصيغتا الفاعل والمفعول.
قوله:
(والأصل يؤكرم)
---
أي بوزن يدحرج لأن حرف المضارعة يدخل على حروف الماضي بأسرها، وكذا مؤكرم بوزن مدحرج فحذفت الهمزة لما مر ويمتنع إثباتها إلا في ضرورة كقوله:
453 ــــ فإنَّهُ أَهْلٌ لأنْ يُؤَكْرَمَا
أو ندور كقولهم: أرض مُؤَرْنَبَة بكسر النون أي كثيرة الأرانب، وكساء مُؤَرْنَب إذا خلط صوفه بوبر الأرانب، والقياس مَرنَبَة كمكرمة بناء على أن همزة أرنب زائدة وهوالأظهر أما على أنها أصلية فلا يكون ذلك نادراً.
تنبيه:
لو أبدلت همزة أفعل هاء كهراق في أراق، أو عيناً كعنهل الإبل في أنهل لم تحذف لعدم مقتضى الحذف فتقول هَرَاق يُهَرِيق فهو مُهَرِيق ومِهَرَاق بفتح الهاء في الكل وعنهل يعنهل إلخ.
قوله:
(ظلت بالكسر)(3/266)
مبتدأ والثاني بالفتح عطف عليه واستعملا خبر فألفه للتثنية، وقرن بالكسر مبتدأ خبره في أقررن أي مستعمل فيه فحذف المتعلق الخاص للدليل عليه باستعملا قبله، أو هو فاعل بمحذوف يدل عليه استعملا، وقرن الثاني بالفتح مبتدأ خبره نُقلاً فألفه للإطلاق هذا ما يفيده صنيع الشارح كالأشموني.
قوله:
(إذا أسند الفعل الماضي)
أي الثلاثي أما الزائد عليها فيتعين إتمامه نحو: أقررت، وشذ أحست في أحسست وخرج بالماضي المضارع والأمر ففيهما الوجهان الأولان فقط كما سيأتي في الشارح.
قوله:
(المضاعف)
هو من الثلاثي ما عينه ولامه من جنس واحد.
قوله:
(المكسور العين)
خرج مفتوحها فيتعين إتمامه لعدم ثقله نحو: حللت وشذ: همت في هممت.
قوله:
(والثاني حذف لامه)
هذا ما في شرح الكافية، وذهب في التسهيل إلى أن المحذوف العين وهو ظاهر كلام سيبويه وسيجري عليه الشارح في: اقررن الآتي، فجرى في كل محل على قول من قولي المصنف.
قوله:
(على وزن يفعل)
أي بالكسر.
قوله:
(يقررن)
---
أي بكسر الراء الأولى ويقرن بكسر القاف منقولاً لها من الراء، وكذا قرن لأنه من قرر بالمكان يقرر كضرب يضرب فلما اجتمع مثلان أولهما مكسور حسن الحذف تخفيفاً كما فعل بالماضي، وقيل: هو من الوقار يقال وقريقر فيكون يقرن وقرن محذوف الفاء مثل يعدن وأصله يوقرن ويرجح الأول توافق القراءتين.
قوله:
(وأصله اقررن)
أي بفتح الراء فينقل للقاف، ثم تحذف وكذا المضارع.
قوله:
(من قولهم قر بالمكان)
أي استقر كعلم يعلم فأصله قرر بالكسر يقرر بالفتح، وهذه لغة ثانية في قر بالمكان حكاها ابن القطاع من أئمة اللغة ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ومات سنة خمس عشرة وخمسمائة.
قوله:
(هذا نادر)(3/267)
أي لا يطرد كما أشار له الشارح بقوله: نقلاً، وصرح به في الكافية، وأما قرن بالكسر فمطرد كما هو مفاد المتن وصريح الكافية، وظاهر التسهيل عدم اطراده بل ذهب ابن عصفور إلى أن الحذف في: ظللت كذلك وصرح سيبويه بشذوذه، وأنه لم يرد إلا في لفظين من الثلاثي ظَلْتُ ومست، وفي لفظ ثالث من الزائد عليه وهو أحست وإلى الاطراد ذهب الشلوبين وحكى في التسهيل أن الحذف لغة سليم وبه يرد على ابن عصفور، والله أعلم.
قوله:
(المضاعف)
هو من الثلاثي ما عينه ولامه من جنس واحد.
قوله:
(المكسور العين)
خرج مفتوحها فيتعين إتمامه لعدم ثقله نحو: حللت وشذ: همت في هممت.
قوله:
(والثاني حذف لامه)
هذا ما في شرح الكافية، وذهب في التسهيل إلى أن المحذوف العين وهو ظاهر كلام سيبويه وسيجري عليه الشارح في: اقررن الآتي، فجرى في كل محل على قول من قولي المصنف.
قوله:
(على وزن يفعل)
أي بالكسر.
قوله:
(يقررن)
---
أي بكسر الراء الأولى ويقرن بكسر القاف منقولاً لها من الراء، وكذا قرن لأنه من قرر بالمكان يقرر كضرب يضرب فلما اجتمع مثلان أولهما مكسور حسن الحذف تخفيفاً كما فعل بالماضي، وقيل: هو من الوقار يقال وقريقر فيكون يقرن وقرن محذوف الفاء مثل يعدن وأصله يوقرن ويرجح الأول توافق القراءتين.
قوله:
(وأصله اقررن)
أي بفتح الراء فينقل للقاف، ثم تحذف وكذا المضارع.
قوله:
(من قولهم قر بالمكان)
أي استقر كعلم يعلم فأصله قرر بالكسر يقرر بالفتح، وهذه لغة ثانية في قر بالمكان حكاها ابن القطاع من أئمة اللغة ولد سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة، ومات سنة خمس عشرة وخمسمائة.
قوله:
(هذا نادر)(3/268)
أي لا يطرد كما أشار له الشارح بقوله: نقلاً، وصرح به في الكافية، وأما قرن بالكسر فمطرد كما هو مفاد المتن وصريح الكافية، وظاهر التسهيل عدم اطراده بل ذهب ابن عصفور إلى أن الحذف في: ظللت كذلك وصرح سيبويه بشذوذه، وأنه لم يرد إلا في لفظين من الثلاثي ظَلْتُ ومست، وفي لفظ ثالث من الزائد عليه وهو أحست وإلى الاطراد ذهب الشلوبين وحكى في التسهيل أن الحذف لغة سليم وبه يرد على ابن عصفور، والله أعلم.
- الإدغام -
هو بسكون الدال لفظ الكوفيين، وبشدها افتعال منه لفظ البصريين، وهو لغةً: الإدخال يقال: أدغمت اللجام في فم الفرس، ودغمته بالتشديد أي أدخلته، واصطلاحاً: الإتيان بحرفين؛ ساكن ومتحرك من مخرج واحد بلا فصل بينهما بأن ينطق بهما دفعة واحدة، وسمي ذلك إدغاماً لخفاء الساكن عند المتحرك فكأنه داخل فيه، وخرج بالمخرج الواحد الإخفاء فإن الحرف الخفي ليس من مخرج ما بعده، والإدغام يكون في المتماثلين، وفي المتقاربين، وفي كلمة، وفي كلمتين، وهو باب متسع ومر أنه يدخل جميع الحروف ما عدا الألف اللينة، واقتصر الناظم على إدغام المثليين في كلمة لأنه اللائق بالتصريف، وأما اللائق بالقراء فهو أعم.
قوله:
(أول مثلين)
---
مفعول مقدم لأدغم بسكون الدال فعل أمر فهمزته للقطع مفتوحة لكن ينقل فتحها التنوين كلمة بسكون اللام للوزن.
قوله:
(لا كمثل)
عطف على محذوف أي في كلمة بوزن مخصوص لا كمثل إلخ.
قوله:
(صفف)
جمع صفة كغرف وغرفة يطلق على بناء في الدار، وعلى الظلة كالسقيفة.
قوله:
(وذُلُل)
بضمتين جمع ذلول بالمعجمة ضد الصعبة.
قوله:
(وكِلَلْ)
بكسر ففتح جمع كلَّة بكسرة فتشديد ستر رقيق يخاط كالبيت، ويسمى في عرفنا بالناموسية تصريح.
قوله:
(وَلَبَبْ)
بفتحتين وموحدتين موضع القلادة من الصدر، ويطلق على السير الذي يشد في صدر نحو الحمار ليمنع الرحل، بالمهملة، من التأخر، وعلى ما استدقَّ من الرمل.
قوله:
(كجسَّسٍ)(3/269)
بضم الجيم وشد السين الأولى جمع جاس اسم فاعل من جس الشيء إذا لمسه بيده أو من جس الخبر إذا فحص عنه، وهو الجاسوس.
قوله:
(كاخْصُصْ)
فعل أمر بسكون الصاد الثانية، وأبي مفعوله مضاف لياء المتكلم لكن نقلت فتحة الهمزة إلى الصاد، وحذفت تخفيفاً كما هو شأنها بعد الساكن نحو: قد أفلح} فمن أوتي}.
قوله:
(كهيلل)
فعل ماض زيدت فيه الياء لإلحاقه بدحرج، ومصدره هَيْلَلَة كَدَحْرَجَة، ويقال فيه هَلَّلَ تَهْليلاً وهو أحد الألفاظ المنحوتة من المركَّبات كما مر في البسملة.
قوله:
(إذا تحرك المثلان)
---
أي كل منهما فخرج إذا سكن ثانيهما فيمتنع الإدغام كظللت أقول الحق لأن شرط الإدغام تحرك المدغم فيه، وكذا إن عرض تحريكه كما سيأتي في اخصص أبي، أما إذا سكن أول المثلين فيجب إدغامه إلا إذا كان هاء سكت لأن الوقف عليها منوي، ولذا ضعف قياساً إدغام: ورش ماليه هلك} أو كان همزة مفصولة من فاء الكلمة كلم يقرأ أحد فإن إدغامه رديء بخلاف المتصلة بها فيجب إدغامها كسآل ورآس بوزن فعَّال مبالغة من السؤال ونسبة لبيع الرؤوس، أو كان مدة في الآخر فلا يدغم لئلا يذهب المد كيعطي ياسر، ويدعو واقد بخلاف اللين غير المد فيدغم كاخشوا واقداً، وكذا المد في غير الآخر كمغز وأصله مغروو واغتفر زوال مده لقوَّة الإدغام فيه.
قوله:
(في كلمة)
خرج ما إذا كانا في كلمتين كجعل لك فلا يجب الإدغام بل يجوز بشرط أن لا يكونا همزتين كقرأ آية فإن إدغامه رديء كما مر وأن لا يكون قبلهما ساكن صحيح كشهر رمضان خذ العفو وأمر}
(الأعراف:199)
الشمس سراجاً}
(نوح:16)(3/270)
فإن إدغام ذلك ممتنع عند جمهور البصريين لما فيه من جمع الساكنين على غير حده وصلاً وقرأ به أبو عمرو فقيل إنه إخفاء للحركة بمعنى اختلاسها، وهو المسمى بالروم فسمي إدغاماً لقربه منه، والصحيح أنه يقرأ بالإدغام المحض ولا عبرة بمنع النحاة له مع ثبوته قراءة، ولو سلم عدم تواتره فنقل القراء أثبت فهو شاذ قياساً ثابت نقلاً.g
قوله:
(إن لم يتصدّرا)
.
اعلم أن شروط وجوب الإدغام أحد عشر ذكر المصنف منها عشرة أولها من قوله: في كلمة إلى قوله: وفك حيث مدغم إلخ، وترك عدم التصدر فذكره الشارح.
قوله:
(على وزن فُعَل)
---
بضم ففتح والثاني بضمتين، والثالث بكسر ففتح، والرابع بفتحتين على ترتيب قوله: صفف إلخ وعلة منع الإدغام في هذه الأربعة أن الثلاثة الأول منها مخالفة لوزن الفعل، والإدغام لكونه فرع الإظهار خاص بالفعل المتفرع عن الاسم وبما وازنه من الأسماء دون ما لم يوازنه، وأما الرابع فموازن الفعل لكن لم يدخل حفته وللتنبيه على فرعية الإدغام في الأسماء، وقوته في الأفعال حيث أدغم موازن لبب من الأفعال كرد دون الأسماء.
تنبيه:(3/271)
مر أن أوزان الاسم الثلاثي اثنا عشر منها ثلاثة ساكنة العين مع تثليث الفاء فلا يمكن اجتماع مثلين متحركين فيها حتى تكون من هذا الباب، وأما إدغام نحو دو ودب ودرفلسكون أول المثلين بالأصالة، والتسعة الباقية منها واحد مهمل وهو فعل بكسر فضم فلا كلام فيه وأربعة المتن يمتنع فيها الإدغام ومثلها فعل كإبل لما ذكر فيها وإنما تركه المصنف لقلته مع أنه لم يسمع مضاعفاً يبقى ثلاثة وهي مثال كتف وعضد، ودئل بضم فكسر فهذه بوزن الفعل، وليست في الخفة كلبب فلذا أدغم الجمهور أوليها، وأدغم الثالث مَن يرى أن صيغة المجهول أصل في الفعل فلو بنيت من الرد على مثلها قلت: رُدَّ بالإدغام في الكل لكن بفتح الراء في الأولين وضمها في الثالث، وأوجب ابن كيسان فيها الفك فتحصل أن إدغام المثلين المتحركين في كلمة لا يدخل في شيء من أوزان الاسم الثلاثي إلا في ثلاثة منها بخلف فتدبر.
قوله:
(كددن)
بدالين مهملتين وهو اللعب، ويقال: ددا كفتى ودد كدم، وإنما لم يدغم لاستدعائه تسكين أول المثلين فيتعذر الابتداء به وهمزة الوصل لا تجتلب إلا في أشياء مخصوصة ليس هذا منها إلا إذا كان المثلان تاءين ففيه تفصيل سيأتي.
قوله:
(ودُرَر)
جمع درة وهي اللؤلؤة العظيمة.
قوله:
(وجُدُدْ)
بضمتين جمع جديد أما جدد كصفف فجمع جده كصفة، وهي الطريق في الجبل.
قوله:
(ولِمَمْ)
---
جمع لِمَّة بالكسرة والتشديد وهي الشعر المجاوز شحمة الأذن تصريح وعبارة المصباح الشعر يلم بالمنكب أي يقرب.
قوله:
(كطلل)
هو ما شخص من آثار الديار.
قوله:
(كجسس)
إنما وجب فكه لئلا يلتقي فيه ساكنان.
قوله:
(والسادس)
أي ما حركة ثاني مثليه عارضة فيفكُّ لعدم الاعتداد بالعارض فكأنه ساكن ولا إدغام عند سكون ثاني المثلين كما مر.
قوله:
(والسابع)(3/272)
أي الملحق بغيره وهو نوعان: ما حصل فيه الإلحاق بزائد قبل المثلين كياء هيلل لإلحاقه بدحرج، أو بأحد المثلين كأحد مثلي جلبب لإلحاقه بدحرج وقردد للمكان الغليظ، ومهْدد علم امرأة ملحقان بجعفر، وإنما وجب فك ذلك لئلا يفوت ما قصد من الإلحاق.
قوله:
(وضن)
بالمعجمة والنون من بابَي تعب وضرب.
قوله:
(والأصل ردد)
أي كضرب وضنن كتعب، ولبب كظرف.
قوله:
(وأشار بقوله وشذ إلخ)
هذا تاسع الشروط وحاصله أن لا يكون اللفظ مما فكَّته العرب شذوذاً فلا يدغم، كما لا يفك غيره قياساً عليه.
قوله:
(أَلَلَ السقاء إلخ)
بوزن فرح وكذا أللت أسنانه إذا فسد منبتها، والأذن إذا رقت والسقاء بالكسر والمد ما يوضع فيه الماء واللبن، والذي لخصوص الماء قربة ولخصوص اللبن وطب وللسمن نحي كما في الصحاح.
قوله:
(ولَحِحَتْ)
بمهملتين كفرح أما بالخاء المعجمة فمدغم كما في الصحاح والمصباح يقال: لخت عينه كثر دمعها وذكره الأشموني مفكوكاً بمعنى ما قبله.
قوله:
(إذا التصقت بالرمص)
---
قال الجوهري الوسخ المجتمع في المؤق إن سال فهو غمص بغين معجمة، أو جمد فرمص بفتحتين فيهما، وبقي مما سمع فكه قولهم: دبب الإنسان كضرب، وقيل كفرح إذا نبت الشعر في جبهته، وصكك الفرس من باب دخل إذا اصطك عرقوباه وضببت الأرض كفرحت إذا كثر ضبابها بالكسر جمع ضب حيوان معروف، وقطط الشعر كفرح إذا اشتدت جعودته، ويدغم أيضاً، ومشِشَت الدابة كفرحت إذا برز في ساقها أو ذراعها شيء دون صلابة العظم وعززت الناقة ككرمت كما في القاموس إذا ضاق إحليلها وهو مجرى لبنها فهذه الألفاظ شاذ فيها الفك فلا يقاس عليها وما ورد في الشعر مفكوكاً من غيرها من الضرورات كقول أبي النجم:
454 ــــ الحَمْدُ لله العَلِيِّ الأَجْلَلِ
قوله:
(وادَّغم)
بشد الدال فعل أمر من أدغم مشددا، ومفعوله محذوف وهو ضمير حي، وليس تنازعاً لأن المصنف لا يراه في المعمول المتقدم.
قوله:
(دون حذر)(3/273)
متعلق بكل من أفكك، وادغم أي لا تخشَ بأساً في واحد منهما لورودهما.
قوله:
(فيجوز الإدغام)
ي نظراً إلى أنهما مثلان في كلمة، وحركة ثانيهما أصلية لازمة فهو داخل في الضابط المتقدم، ويجوز الفك نظراً إلى أن حركة الثاني كالعارضة لوجودها في الماضي دون المضارع والأمر فلا يعتد بها ومن ثم امتنع الإدغام في: لن يحيى، ورأيت محيياً لعروض الحركة بالعامل وكل منهما فصيح مقروء به في المتواتر ولكن الفك أجود، ولعل المصنف أشار لذلك بتقديمه.
قوله:
(فيقول اتجلى إلخ)
---
تبع الشارح في هذا شرح الكافية، وقد تعقب بأن تتجلى مضارع لا تدخله همزة الوصل أصلاً والذي ذكره النحاة أن الفعل المفتتح بتاءين إن كان ماضياً كتتبع وتتابع جاز إدغامه، واجتلاب همزة الوصل فيه، وفي مصدره دون مضارعه فيقال: اتَّبع يتبع اتباعاً بشد التاء، والباء في الكل، وأتابع يتابع اتابعاً بشد التاء فقط وإن كان مضارعاً كتتذكر لم يجز إدغامه إلا في الوصل بعد لين، أو حركة نحو: ولا تَيَمَّمُوا}
(البقرة:267)
تكاد تميز لعدم الاحتياج حينئذ للهمزة بخلافه في الابتداء به، ولا يصح حمل كلام شرح الكافية على ذلك لتصريحه باجتلاب الهمزة فيه وقد يقال: لا يُظَنُّ بالمصنف إقدامه على ذلك بمجرد التشهي بلا سند كسماع أو استنباط من اللغة، أو قياساً لا ينافيها وناهيك بمن قال: طالعت صحاح الجوهري كله فلم أستفد منه إلا ثلاث مسائل، ولا يضره عدم ذكر السند صريحاً لأنه ثقة لكن قال يس: نص ابنه على أنه ذكر المسألة في بعض كتبه على ما يوافق الجمهور.
قوله:
(نحو سَتّر)(3/274)
أي بفتح السين وشد التاء، وإسقاط همزة الوصل لاغتناء عنها بحركة النقل، ومضارعه يستر بفتح الياء والسين، وشد التاء مكسورة، وأصله يستتر كيفتعل نقلت فتحة التاء الأولى للسين، وأدغمت في الثانية المكسورة، والمصدر ستاراً بكسر السين وشد التاء، وأصله استتاراً كافتعالاً نقلت كسر التاء الأولى للسين، وأدغمت فسقطت الهمزة وأما ستر الذي بوزن فعل مضاعف العين فمضارعه يستر بالضم، ومصدره وتستير كتكريم.
قوله:
(قد يقتصر)
التقليل بالنسبة لعدم الحذف وإلا فهو كثير جداً في القرآن وغيره كما في الشرح.
قوله:
(العِبر)
جمع عبرة بكسر المهملة فيهما كسدرة وسدر بمعنى الاتِّعاظ والتذكر تصريح.
قوله:
(بحذف إحدى التاءين)
---
أي لثقل اجتماع المثلين، ولا سبيل إلى الإدغام لاحتياجه للهمزة، وهي لا تدخل المضارع فخفف بحذف إحداهما وهي الثانية عند سيبويه والبصريين لحصول الثقل بها، والأولى عند الكوفيين، وهشام لأن الثانية لمعنى كالمطاوعة، وحذفها يخل به ويعارضه أن الأولى لمعنى المضارعة وحذفها يخل به.
قوله:
(وفك إلخ)
هو فعل أمر حذف مفعوله أي أول المثلين، أو ماض مجهول نائب فاعله يعود لذلك المحذوف، وقوله: لكونه علة لسكن، وقوله: بمضمر الرفع أي البارز المتحرك وهذا آخر شروط وجوب الإدغام وحاصله أن لا يعرض سكون لثاني المثلين إما لاتصاله بضمير رفع أو لجزم وشبهه.
قوله:
(نحو حَللتُ)
بضم التاء والثاني بفتحها واللام الأولى مفتوحة فيهما، وأما المضارع فإن كان بمعنى مقابل الحركة فبالكسر أو بمعنى نزل البلد مثلاً فبالضم، وكذا بمعنى فككت العقدة، أما بمعنى نزول الغضب ووجوبه فبالوجهين، وبهما قرىء فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ}
(طه:81)
.
قوله:
(فيجب حينئذ الفك)
أي لتعذر الإدغام بسكون ثاني المثلين، ومنهم من يدغم قبل الضمير وهي لغة ضعيفة.
قوله:
(والفك لغة أهل الحجاز)
أي فهو أفصح، وبها جاء القرآن غالباً نحو: إنْ تَمْسَسْكُمْ}(3/275)
(آل عمران:120)
اغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ}(2)
ولا تَمْنُنْ}
(المدثر:6)
فمراد المتن بالتخيير استواء اللغتين في الجواز لا في الفصاحة، وإنما جاز الإدغام مع سكون ثاني المثلين نظراً إلى عروض السكون بعامل الجزم، وعدم لزومه وحُمل عليه شبهه.
قوله:
(وإن شئت قلت حل)
أي بطرح همزة الوصل لعدم الاحتياج إليها، وحكى الكسائي إثباتها عن عبد القيس فيقول: ارد واغض، ومحل التخيير إذا لم يتصل بالفعل، واو جمع كردوا أو ياء مخاطبة كردي، أو نون توكيد كردن، وإلا وجب الإدغام عند الكل لابتناء الفعل على هذه العلامات فثاني مثليه متحرك لم يعرض له سكون حتى يفكَّ.
تنبيه:
---
إذا اتصل بآخر الفعل المدغم من المجزوم وشبهه هاء الغائبة وجب فتحه كردّها، ولم يردها أو هاء الغائب وجب ضمه كرده، ولم يرده لأن الهاء خفية فلم يعتد بها فكان الدال قد وليها الألف والواو، وحكى ثعلب التثليث قبل هاء الغائب، وغلط في جواز الفتح، وأما الكسر فالصحيح أنه لغية سمع الأخفش مده وغطه، وحكى الكوفيون التثليث قبل كل منهما فإن اتصل بآخر الفعل ساكن فأكثرهم يكسره كرد القوم بالكسر لأنها حركة لالتقاء الساكنين، وبنو أسد تفتحه تخفيفاً، وحكى ابن جني ضمه اتباعاً، وقد روي بهن قول جرير:
455 ــــ فَغُضَّ الطَّرْفَ إنَّكَ مِنْ نُمَيْرٍ
فلا كَعْباً بَلَغْتَ ولا كِلابا
نعم الضم قليل ولذا أنكره في التسهيل فإن لم يتصل الفعل بشيء من ذلك ففيه ثلاث لغات: الفتح للخفة مطلقاً أي في مضموم الفاء كرد، ومكسورها كَفِرٌ، ومفتوحها كعَضّ وهو لغة أسد وغيرهم، والكسر مطلقاً على أصل التخلص وهو لغة كعب، والإتباع بحركة الفاء كرد بالضم وفر بالكسر، وعض بالفتح وهذا أكثر في كلامهم.
قوله:
(وفك أفعِلْ)
أي بكسر العين في قولك: أفعل به بخلاف ما أفعله فيجب إدغامه لدخوله في الضابط المتقدم نحو: ما أحب زيداً لعمرو.
قوله:
(لما ذكر أن فعل الأمر إلخ)(3/276)
أي فهذا البيت استدراك على قوله: وفي شبه الجزم تخيير لكن استثناء أفعل إنما هو بالنظر لصورته فإنه ليس أمراً حقيقة بل ماض على صورة الأمر كما مر، واستثناء هلم بالنظر للغة تميم لأنها عندهم فعل أمر لا ينصرف فتلحقها ضمائر الرفع البارزة كهلمّا، وهلموا إلخ أما على لغة الحجاز فلا استثناء لأنها ليست فعلاً أصلاً عندهم بل اسم فعل بمعنى أقبل أو احضر فتلزم لفظاً واحداً للمفرد المذكر وغيره، وبلغتهم جاء القرآن قال الله تعالى: قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُم}
(الأنعام:150)
والقائلين لإخوانهم: هلم إلينا.
قوله:
(يجب فكه)
---
قال في شرح الكافية بإجماع وكأنه أراد إجماع العرب فإنه لم يسمع غيره، وإلا فقد حكى الكسائي إجازةَ إدغامه.
قوله:
(التزموا إدغامه)(3/277)
أي بإجماع أيضاً كما في شرح الكافية فلم يقل فيه: هلمم بالفك تخفيفاً لثقله بالتركيب فإنه مركب لا بسيط كما قيل، وتركيبه عند البصريين من ها التنبيه، ولم التي هي فعل أمر من قولهم: لمَّ الله شعثه أي جمعه كأنه قيل: اجمع نفسك إلينا فحذفت الألف من ها تخفيفاً، وقال الخليل: ركبت ها مع الْمم أصله قبل إدغامه فحذفت همزته للوصل وألف ها للساكنين، ثم نقلت حركة الميم الأولى للام، وأدغم وقال الفراء والكوفيون: مركبة من هل التي للزجر وأم بمعنى أقصد فنقلت حركة الهمزة للام الساكنة قبلها فصار هلم، ومذهب البصريين أقرب للصواب وخففوه أيضاً بالتزام فتحه حتى مع هاء الغائب نحو: هلمه ولا يضم تبعاً لها، وكذا إن اتصل به ساكن كهلم الرجل، وحكى الجرمي فيها الفتح والكسر عن بعض تميم؛ نعم إذا اتصلت بها ضمائر الرفع كما عند تميم حركت بما يناسبها كهلما وهلموا وهلمي بالضم قبل الواو والكسر قبل الياء، وقياسها مع نون النسوة هَلْمُمْنَ بالفك وزعم الفراءان الصواب: هلمن بزيادة نون ساكنة تدغم في نون النسوة حفظاً لفتح ميمه، وحكي عن أبي عمرو أنه سمع هلمِين با نسوة بزيادة ياء ساكنة قبل النون محافظة على سكون ما قبلها فتكسر الميم لمناسبتها والله سبحانه وتعالى أعلم.
قوله:
(وما بجمعه)
---(3/278)
الواو للاستئناف، أو عطف قصة على قصة، وما موصولة واقعة على الألفاظ بدليل قوله نظماً ولك أن توقعها على الألفية المذكورة سابقاً بقوله: وأستعين الله في ألفيه، وتذكيره الضمير باعتبار لفظ ما أو لتأويلها بالمتن أو المؤلف مثلاً قيل: وقوله بجمعه يقتضي أن ما في هذا المتن كله من كلام النحاة لم يخترع شيئاً منه مع أنه قد نسب بعضه لنفسه كقوله: ولا أمنعه وليس عندي لازماً وأجيب بأن ذلك ليس من مخترعاته بل أقوال للنحاة قبله اختارها هو لكن قد مر أن التسمية بالنائب عن الفاعل وبالبدل المطابق من مخترعاته فالأحسن على تسليم الاقتضاء المذكور أن يكون تعبيره بذلك تواضعاً، أو باعتبار الأغلب ولك منع الاقتضاء أصلاً بأنه يصدق بجمعه من كلامه، وكلام غيره فتدبر.
قوله:
(عنيت)
هو من الأفعال الخمسة اللازم بناؤها للمفعول صورة وهي بمعنى المبني للفاعل فمرفوعها فاعل لا نائبه على الراجح كما مر في أبنية المصادر، وإنما يلزم ذلك في عني إذا كان بمعنى اهتم كما هنا، وبناؤه حينئذ للفاعل لغة قليلة فيقال عني يعني كرمى يرمي عناية أما عَنَا يَعْنُو وعَنْواً من باب قعد بمعنى خضع وذل، وعَنَا يَعْنُو عُنْوَة بمعنى أخذ الشيء قهراً أو صلحاً، وعنى يعنى كرمى يرمي بمعنى قصد وعناه كذا من باب رمى بمعنى شغله وعنى من باب تعب أصابه مشقة فبالبناء للفاعل على مصباح.
قوله:
(قد كمل)
بتثليث الميم الكسر أضعف، والفتح أفصح، وأولى هنا لسلامة البيت عليه من عيب السناد اللازم على غيره والكمال والتمام بمعنى واحد لغة كالتكميل والتتميم وفي اصطلاح البديع التكميل، ويسمَّى بالاحتراس أيضاً هو أن يؤتى في كلام يوهم خلاف المقصود بما يدفعه كقوله:
456 ــــ فَسَقَى دِيَارَك غَيْرَ مُفْسدِها
صَوْبُ الرَّبِيع وَدِيمَةٌ تَهْمِي
والتتميم أن يؤتى في كلام لا يوهم خلاف المقصود بفضلة من مفعول، أو حال أو نحوهما لنكتة كالمبالغة نحو: ويُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّه}(3/279)
---
(الإنسان:8)
أي مع حبه أي الطعام أما إذا كان المعنى الأجل حب الله فليس من هذا القبيل وكقول زهير:
457 ــــ مَنْ يَلْقَ يَوْماً عَلَى عِلاَّتِهِ هَرِماً
يَلْقَ السَّمَاحَةَ مِنْهُ والنَّدا خُلُقَا
فقوله: على علاته أي مع احتياجه أفاد المبالغة في وصفه بالجود إذ هو مع الاحتياج أبلغ منه مع عدمه.
قوله:
(نظماً)
حال من الهاء في بجمعه كما في الأشموني أي منظوماً، وفيه الفصل بين الحال وصاحبه بأجنبي وهو قد كمل فالأولى كونه حالاً من الضمير في كمل وهي حال موطئة لما بعدها لانفهام كونه نظماً من قوله: وما بجمعه عنيت مع قوله فيما سبق: وأستعين الله في ألفيه، إذ الألفية لا تكون إلا نظماً، ويصح كونه تمييزاً محولا عن فاعل كمل فيبقى على مصدريته وهو موطىء أيضاً، ويرجح هذا بأن مجيء المصدر حالاً مع كثرته سماعي، ويرجح الأول بأن النظم عليه بمعنى المنظوم، وهو أوفق باشتماله على جل المهمات، وبإحصاء الخلاصة من كونه بالمعنى المصدري فتدبر.
قوله:
(على جل الخ)
متعلق باشتمل من اشتمال الدال عل المدلول، وبالجملة صفة لنظماً على الأقرب، أو حال أخرى، أو خبراً آخر لما، وكذا جملة أحصى وفي ذلك إشارة إلى أن قوله في الخطبة: مقاصد النحو على حذف مضاف أي جل مقاصده، ولم نصرف ما هنا إلى ما هناك مع أنه المناسب لكونه في محل الحاجة بأن يراد بالجل الكل مجازاً لأن هذا هو الموافق للواقع لتركه كثيراً من المقاصد. والمهمات جمع مهم أي الأحكام المهمات، أو مهمة أي المسائل لكن يلزم على الثاني وصف جمع الكثرة لغير العاقل بالمطابق مع أن الأفصح فيه الإفراد كما أن الأفصح في غيره المطابقة إلا أن يقال: لما حذف الموصوف ضعف عن المراعاة.
قوله:
(أحصى)
---(3/280)
فعل ماض بمعنى جمع، وفاعله ضمير النظم، والخلاصة مفعوله، وبها اشتهر هذا المتن. ومن الكافية ظرف لغو متعلق به أي من معانيها. من ابتدائية، أو حال من الخلاصة، ومن تبعيضية، ويمتنع كون أحصى أفعل تفضيل خبراً مقدماً عن الخلاصة لمانع لفظي وهو أن أفعل التفضيل لايصاغ من الرباعي على الصحيح، ومعنوي وهو تكذيب الحس له إذ في كافية المصنف أبواب كاملة ليست في الخلاصة كباب ضمير الشأن وضمير الفصل، والقسم والتاريخ، والتقاء الساكنين، وتصحيحه بإرادة كافية ابن الحاجب تكلف بارد، وحينئذٍ فأل في الخلاصة للجنس لا للاستغراق لتركه كثيراً من زبدها إلا أن يراد المبالغة في المدح كما يقتضيه المقام، وجعل السيوطي ضمير أحصى، واقتضى للمصنف على طريق الالتفات من التكلم في: عنيت، إلى الغيبة، والكاف للتعليل فكأنه قال: جمعت خلاصة الكافية في هذا النظم لأني اقتضيت أي طلبت وأردت غنى كل طالب إذ هم يقبلون عليه لصغره وسهولته فيستفيدون العربية، والكافية لكبرها تقصر عنها همم كثير من الناس، فلا يحصل بها ذلك.
قوله:
(كما اقتضى)
---(3/281)
ما مصدرية، واقتضى إما بمعنى أخذ فالمراد بالغنى القدر المغني، أو بمعنى استلزمه فالمراد به المصدر، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف أي أحصى هذا النظم الخلاصة إحصاء كاقتضائه الغنى أي أخذه القدر المغني بالمسائل أو كاستلزامه الاستغناء عن غيره بجامع حصول السرور، أو النفع في كل وإنما شبه الإحصاء بالاقتضاء لأنه أقوى منه إذ يلزم من إغنائها الطالبين إحصاؤها الخلاصة دون العكس لاحتمال احتياجهم إلى زيادة على الخلاصة على أن الكاف تأتي لمجرد التشريك بين شيئين في أمر بلا اعتبار كون المشبه به أقوى كقولك: كل من زيد وعمرو كصاحبه أفاده الصبان. ولك جعل الكاف للتعليل على أن اقتضى بمعنى استلزم، وعبر بالماضي لقوة رجائه في تحقُّقه أي أحصى الخلاصة لأجل استلزامه الغنى أي لأجل أن ينشأ عنه، ويترتب عليه الاستغناء عن غيره، والغني بالكسر والقصر الاستغناء كما هنا، وبالكسر والمد التغني بالألحان، وبالفتح والمد النفع، ويصح هذا هنا أيضا كما في الفارضي أي كما اقتضى نفعاً.
قوله:
(بلا خصاصه)
بفتح الخاء المعجمة أي فقر واحتياج دفع به توهم تخلل الفقر بين أزمة الغني، وفي كلامه تشبيه العلم بالمسائل الكثيرة بالغنى، والجهل بها بالفقر، ووجه الشبه ظاهر وقد قيل: العلم محسوب من الرزق.
قوله:
(فأحمد الله)
الفاء سببية عاطفة على جملة، وما بجمعه الخ أي بسبب كمال هذا النظم على الوجه المذكور أحمد الله الخ فقد قابل بالشكر نعمة الإتمام، وأردفه بالصلاة على خير الأنام، وآله وصحبه الكرام كما فعل ذلك في ابتداء الكلام لاحراز أجر ذلك، وبمنه في البدء، والختام.
قوله:
(مصلياً)
في كون هذه الحال مقدرة أو مقارنة ما سلف في الخطبة.
قوله:
(خير نبي)
بدل من محمد لا نعت، ولا عطف بيان لاختلافهما تعريفاً وتنكيراً.
قوله:
(وآله)
عطف على محمد لا على خير كما هو ظاهر والأولى أن يراد بهم اتباعه كما مر ضبطه.
قوله:
(الغر)
---(3/282)
جمع أغر، وهو في الأصل الأبيض الجبهة من الخيل فشبه به الآل، واستعار اسمه لهم استعارة تصريحية، والجامع إما مطلق الشرف والرفعة، أو مطلق البياض في كلِّ فيكون تلميحاً لقوله: صلى الله عليه وسلّم أَنْتُم الغُرُّ المُحَجَّلُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ أَثَرِ الوُضُوءِ» والكرام جمع كريم، والبررة جمع بار، والمنتخبين بفتح الخاء المعجمة أي المختارين.
قوله:
(الخيَرة)
بكسر الخاء المعجمة وفتح التحتية، وتسكن مصدر أو اسم مصدر بمعنى الاختيار وصف به مبالغة، ولهذا التزم أفراده أي المختارين فذكره بعد المنتخبين تأكيد لأن المقام للمدح، ويحتمل ضبطه هنا بفتح الخاء والياء على أنه جمع خير بالتشديد، حكى الفراء: قوم خيرة بررة. والله سبحانه وتعالى أعلم. وهذا آخر ما يسره الله تعالى على هذا الشرح المبارك، والحمد لله أولاً وآخراً، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين.
---(3/283)