بسم الله الرحمن الرحيم سراب ابو سالم ثمار القلوب فى المضاف والمنسوب لأبى منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبى النيسابوري (1/1)
أما بعد حمد الله الذى أقل نعمه يستغرق أكثر الشكر والصلاة على نبيه المصطفى محمد وآله ما نطق لسان بالذكر فإن هذا الكتاب مترجم ب ثمار القلوب في المضاف والمنسوب خدمت فيه خزانة كتب الأمير السيد أبى الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالى عمرها الله تعالى بطول عمره وعلو أمره وإن كنت في ذلك كمهدى العود إلى الهنود وناقل المسك إلى أرض الترك وجالب العنبر إلى البحر الأخضر ولكن ما على الناصح إلا جهده ولى أسوة في ابن طباطبا العلوى إذ قال
( لا تنكرن إهداءنا لك منطقا ... منك استفدنا حسنة ونظامة )
( فالله عز و جل يشكر فعل من ... يتلو عليه وحيه وكلامه )
وأنشدني أبو الفتح على بن محمد البستى لنفسه
( لا تنكرن إذا أهديت نحوك من ... علومك الغر أو آدابك اللطفا )
( فقيم الباغ قد يهدى لمالكه ... برسم خدمته من باغه التحفا )
وبناء هذا الكتاب على ذكر أشياء مضافة ومنسوبة إلى أشياء مختلفة يتمثل بها ويكثر في النثر والنظم وعلى ألسن الخاصة والعامة (1/3)
استعمالها كقولهم غراب نوح ونار إبراهيم وذئب يوسف وعصا موسى وخاتم سليمان وحمار عزير وبردة النبي محمد
وكقولهم كنز النطف وقوس حاجب وقرطا مارية وصحيفة المتلمس وحديث خرافة ومواعيد عرقوب وجزاء سنمار ويوم عبيد وعطر منشم ونسر لقمان وعير أبى سيارة
وكقولهم سيرة أزدشير وعدل أنوشروان وإيوان كسرى ورمى بهرام
وكقولهم سيرة العمرين ودرة عمر وقميص عثمان وفضائل علي وصدق أبي ذر وحلم الأحنف وزهد الحسن وعنز الأعمش وجامع سفيان
وكقولهم حنين الإبل وخيلاء الخيل وأخلاق البغال وصبر الحمار وداء الذئب وزجر الكلب ونوم الفهد وروغان الثعلب وقبح القرد
وكقولهم أفاعى سجستان وثعابين مصر وعقارب نصيبين وجرارات الأهواز وحمى خيبر وطحال البحرين ودماميل الجزيرة
وكقولهم تفاح الشام وأترج العراق وسكر الأهواز وورد جور وعود الهند ومسك تبت وعنبر الشحر وطرف الصين
وكقولهم في الاستعارات رأس المال ووجه النهار وعين الشمس وأنف الجبل ولسان الحال وناب النوائب وأذن الحائط وقلب العسكر وكبد السماء وصدر الأمر
وقد خرجتها في أحد وستين بابا ينطق كل منها بذكر ما يشتمل عليه أولا ويفصح عن الاستشهاد وسياقه المراد آخرا وما منها إلا ما يتعلق (1/4)
من المثل بسبب ويوفى من اللغة والشعر على طرف ويضرب في التشبيهات والاستعارات بسهم ويأخذ من الأخبار والأنساب بقسم وبجيل في خصائص البلدان والأماكن قدحا ويجرى في أعاجيب الأحاديث شوطا وهذا ترتيب الأبواب والله الموفق للصواب
اللباب الأول فيما يضاف إلى اسم الله تعالى عز ذكره وجل اسمه
الباب الثاني فيما يضاف وينسب إلى الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين
الباب الثالث فيما يضاف وينسب إلى الملائكة والجن والشياطين
الباب الرابع فيما يضاف وينسب إلى القرون الأولى
الباب الخامس فيما يضاف وينسب إلىالصحابة والتابعين
الباب السادس في ذكر رجالات العرب مختلفى الألقاب والمراتب مضافين ومنسوبين إلى أشياء مختلفة تضرب بأكثرهم الأمثال
الباب السابع فيما يضاف وينسب إلى القبائل
الباب الثامن فيما يضاف وينسب إلى رجال مختلفين
الباب التاسع فيما يضاف وينسب إلى العرب
الباب العاشر فيما يضاف وينسب إلى الإسلام والمسلمين
الباب الحادى عشر فيما يضاف وينسب إلى القراء والعلماء
الباب الثانى عشر فيما يضاف وينسب إلى أهل المذاهب والآراء والأهواء
الباب الثالث عشر فيما يضاف وينسب إلى ملوك الجاهلية وخلفاء الإسلام (1/5)
الباب الرابع عشر فيما يضاف وينسب إلى الكتاب والوزراء في الدولة العباسية
الباب الخامس عشر فيما يضاف وينسب إلى طبقات الشعراء
الباب السادس عشر فيما يضاف وينسب إلى البلدان والأماكن
الباب السابع عشر فيما يضاف وينسب إلى أهل الصناعات
الباب الثامن عشر في الآباء المضافين الذين لم يلدوا والأمهات المضافات اللواتى لم يلدن والبنين والبنات الذين لم يولدوا
الباب التاسع عشر في الأذواء والذوات
الباب العشرون في ذكر النساء والمضافات والمنسوبات التى يتمثل بها لهن
الباب الحادى والعشرين فيما يضاف وينسب إليهن
الباب الثاني والعشرين في أعضاء الحيوان وما يضاف وينسب إليها ويستعار منها
الباب الثالث والعشرون في الإبل وما يضاف وينسب منها وإليها وإلى غيرها
الباب الرابع والعشرون في الخيل والبغال
الباب الخامس والعشرون في الحمير وما يضاف وينسب منها وإليها
الباب السادس والعشرون في البقر والغنم
الباب السابع والعشرون في الأسد
الباب الثامن والعشرون في الذئب (1/6)
الباب التاسع والعشرون في الكلب
الباب الثلاثون في سائر السباع والوحوش
الباب الحادى والثلاثون في السنور والفأر
الباب الثانى والثلاثون في الضب والظربان والقنفذ والسرطان
الباب الثالث والثلاثون في الحية والعقرب
الباب الرابع والثلاثون في سائر الحشرات والهوام
الباب الخامس والثلاثون في النعام
الباب السادس والثلاثون في الطير
الباب السابع والثلاثون في عتاق الطير
الباب الثامن والثلاثون في الغراب
الباب التاسع والثلاثون في الحمام
الباب الأربعون في سائر أصناف الطير
الباب الحادى والأربعون في البيض
الباب الثانى والأربعون في الذباب والبعوض وما يجانسهما
الباب الثالث والأربعون في الأرض وما يضاف وينسب إليها
الباب الرابع والأربعون في الدور والأمكنة والأبنية
الباب الخامس والأربعون فيما يضاف وينسب إلى البلدان والأماكن من فنون شتى
الباب السادس والأربعون فيما يضاف وينسب إليها من الأعراض
الباب السابع والأربعون في الجبال والحجارة (1/7)
الباب الثامن والأربعون في المياه وما يضاف وينسب منها وإليها
الباب التاسع والأربعون في النيران وما يضاف وينسب إليها
الباب الخمسون في الشجر والنبات
الباب الحادى والخمسون في اللباس والثياب
الباب الثانى والخمسون في الطعام وما يتصل به وما يذكر معه
الباب الثالث والخمسون في الشراب وما يتصل به ويذكر معه
الباب الرابع والخمسون في السلاح وما يجانسه
الباب الخامس والخمسون في الحلي وما أشبهها
الباب السادس والخمسون في الليالى المضافة
الباب السابع والخمسون في الأزمان والأوقات
الباب الثامن والخمسون في الآثار العلوية سوى ما تقدم منها
الباب التاسع والخمسون في الأدب وما يتعلق به
الباب الستون في فنون مختلفة الترتيب على توالى حروف الهجاء
الباب الحادى والستون في الجنات
وهو آخر الأبواب جعلها الله تعالى أبوابا مفتوحة للأمير السيد إلى أمنيته وعرفه من بركاتها ما يربى على عدد سطورها بل حروفها برحمته
وبعد فحقيق على من تصفح هذا الكتاب فرتع في رياضة وجنى من ثماره أن يدعو للآمر به والداعى إلى إيجاد أسبابه بطول البقاء ودوام النعماء ورغد العيش وسكون الجأش وطول اليد وعلو الجد وكفاية المهم ودفاع الملم (1/8)
فأما أنا فأستوفق الله لفرض خدمته وشكر نعمته وأسأله مسألة المتضرع لديه الرافع يديه بأن يسوق جمل السعود إليه ويوفر أقسام السعادات عليه حتى تجتمع له حظوظ الدنيا والآخرة ومصالح العاجلة والآجلة وأن يقر عين المجد ببقاء الأمراء النجباء من أولاده ويريه فيهم وفي كل ما يسمو إليه بآماله غاية محبته ونهاية مراده من حيث لا تهتدى النوائب إلى عراصه ولا تطمع الحوادث في انتقاصه (1/9)
الباب الأول فيما يضاف إلى اسم الله تعالى عز ذكره
أهل الله
بيت الله
رسول الله
كتاب الله
خليل الله
روح الله
أرض الله
أسد الله
سيف الله
قوس الله
رمح الله
كلب الله
نار الله
شمس الله
ظل الله
سعد الله
ناقة الله
نهر الله
خاتم الله
رحمة الله
ستر الله
يد الله
عمال الله
سبيل الله
باب الله
نور الله
حراس الله
أمان الله
ميزان الله
خالصة الله
موائد الله
عين الله
أمر الله
طراز الله
خلافة الله
لعنة الله
سجن الله
بنيان الله
صبغة الله
وفد الله
الاستشهاد
1 - ( أهل الله ) كان يقال لقريش في الجاهلية أهل الله لما تميزوا به عن سائر العرب من المحاسن والمكارم والفضائل والخصائص التى هى أكثر من أن تحصى
فمنها مجاورتهم بيت الله تعالى وإيثارهم سكن حرمه على جميع بلاد الله وصبرهم على لأواء مكة وشدتها وخشونة العيش بها
ومنها ما تفردوا به من الإيلاف والوفادة والرفادة والسقاية والرياسة واللواء والندوة
ومنها كونهم على إرث من دين أبويهم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من قرى الضيف ورفد الحاج والمعتمرين والقيام بما يصلحهم وتعظيم الحرم وصيانته عن البغى فيه والإلحاد وقمع الظالم ومنع المظلوم (1/10)
ومنها كونهم قبلة العرب وموضع الحج الأكبر يؤتون من كل أوب بعيد وفج عميق فترد عليهم الأخلاق والعقول والآداب والألسنة واللغات والعادات والصور والشمائل عفوا بلا كلفة ولا غرم ولا عزم ولا حيلة فيشاهدون ما لم تشاهده قبيلة وليس من شاهد الجميع كمن شاهد البعض ولا المجرب كالغمر ولا الأريب كالعتل فكثرت الخواطر واتسع السماع وأنفسحت الصدور بالغرائب التى تتخذ والأعاجيب التى تحفظ فثبتت تلك الأمور في صدورهم وأضمرت وتزاوجت فتناتجت وتوالدت وصادفت قريحة جيدة وطينة كريمة والقوم في الأصل مرشحون للأمر الجسيم فلذلك صاروا أدهى العرب وأعقل البرية وأحسن الناس بيانا وصارا أحدهم يوزن بأمة من الأمم وكذلك ينبغى أن يكون الإمام فأما الرسول فقد كان يزن جميع الأمم
ومنها ثبات جودهم وجزيل عطاياهم واحتمالهم المؤن الغلاظ في أموالهم المكتسبة من التجارة ومعلوم أن البخل والنظر في الطفيف مقرون بالتجارة التى هى صناعتهم والتجار هم أصحاب التربيح والتكسب والتدنيق والتدقيق وكان في اتصال جودهم العالي على الأجواد من قوم لا كسب لهم من التجارة عجب من العجب وأعجب من ذلك أنهم من بين جميع العرب دانوا بالتحمس والتشدد في الدين فتركوا الغزو كراهة للسبي واستحلال الأموال فلما زهدوا في الغصوب لم يبق مكسبة سوى التجارة فضربوا في البلاد إلى قيصر بالروم والنجاشي بالحبشة والمقوقس بمصر وصاروا بأجمعهم (1/11)
تجارا خلطاء فكانوا مع طول ترك الغزو إذا غزوا كالأسود على فرائسها مع الرأى الأصيل والبصيرة النافذة
فهذا يسير من كثير خصائصهم في الجاهلية ولما جاء الله تعالى بالإسلام وبعث منهم خير خلقه وأفضل رسله محمدا رسول الله تظاهر شرفهم وتضاعف كرمهم وصاروا على الحقيقة أهلا لأن يدعوا أهل الله فاستمر عليهم وعلى سائر أهل مكة وعلى أهل القرآن هذا الأسم حيث قال النبي ( أهل القرآن هم أهل الله وخاصته ) وقال لعتاب بن أسيد لما بعثه إلى مكة
هل تدرى على من استعملتك استعملتك على أهل الله
وسأل عمر بن الخطاب رضى الله عنه نافع بن عبد الحارث الخزاعى حين قدم عليه من مكة من استخلفت على مكة قال ابن أبزى قال أتستخلف على أهل الله مولى قال إنه أقرؤهم لكتاب الله تعالى قال إن الله تعالى يرفع بالقرآن أقواما
قال بعض السلف حسبك من قريش أنهم أهل الله وأقرب الناس بيوتا من بيت الله وأقربهم قرابة من رسول الله ولم يسم الله تعالى قبيلة باسمها غير قريش وصارت فيهم ولهم الخصال الأربع التى هى أشرف خصال الإسلام النبوة والخلافة والشورى والفتوح فليس اليوم على ظهر الأرض وممالك العرب والعجم وفي جميع الأقاليم السبعة ملك في نصاب نبوة وإمامة في مغرس رسالة إلا من قريش (1/12)
وقال النبي ( الأئمة من قريش ) وقال ( قدموا قريشا ولا تتقدموها وتعلموا منها ولا تعلموها ) وينشد
( إن قريشا هى من خير الأمم ... لا يضعون قدما على قدم ) أى يتبعون ولا يتبعون
وقال الأعشى وهو يعاتب رجلا ويخبر أنه مع شرفه لم يبلغ مبلغ قريش
( فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا ... ولا لك حق الشرب في ماء زمزم )
وسيمر بك في هذا الكتاب من نكت فضائلهم وغرر غرائبهم ما تكثر فائدته وتطيب ثمرته وإن كان لا مزيد على وصف الجاحظ لهم ومدحه إياهم وتخصيصه بنى هاشم منهم فإنه رحمه الله ألقى جمة فصاحته واستنزف بحر بلاغته في فصل له وهو قوله
العرب كالبدن وقريش روحها وهاشم سرها ولبها وموضع غاية الدين والدنيا منها وبنو هاشم ملح الأرض وزينة الدنيا وحلى العالم والسنام الأضخم والكاهل الأعظم ولباب كل جوهر كريم وسر كل عنصر لطيف والطينة البيضاء والمغرس المبارك والنصاب الوثيق ومعدن الفهم وينبوع العلم وثهلان ذو الهضبات في الحلم والسيف الحسام في العزم مع الأناة والحزم والصفح عن الجرم والإغضاء عن العثرة والعفو (1/13)
عند القدرة وهم الأنف المتقدم والسنام ألاكوم والعزم المشمخر والصيانة والسر وكالماء الذى لا ينجسه شيء وكالشمس لا تخفى بكل مكان وكالنجم للحيران والماء البارد للظمآن ومنهم الثقلان والطيبان والسبطان والشهيدان وأسد الله وذو الجناحين وسيد الوادى وساقى الحجيج وحليم البطحاء والبحر والحبر والأنصار أنصارهم والمهاجر من هاجر إليهم أو معهم والصديق من صدقهم والفاروق من فرق بين الحق والباطل منهم والحوارى حواريهم وذو الشهادتين لأنه شهد لهم ولا خير إلا هم أو فيهم أو لهم أو معهم أو انضاف إليهم وكيف لا يكونون كذلك ومنهم رسول رب العالمين وإمام الأولين والآخرين وسيد المرسلين وخاتم النبيين الذى لم تتم لنبي نبوة إلا بعد التصديق به والبشارة بمجيئه الذى عم برسالته ما بين الخافقين وأظهره الله على الدين كله ولو كره المشركون فقال ( نذيرا للبشر ) وقال ( قل يأيها الناس إنى رسول الله إليكم جميعا )
وقال ( بعثت إلى الأحمر والأسود وإلى الناس كافة ) وقال ( نصرت بالرعب من مسيرة شهر وأعطيت جوامع الكلم وعرضت على مفاتيح خزائن الأرض ) وقال ( أنا أول شافع ومشفع وأول من تنشق عنه الأرض )
وقد أقسم الله سبحانه وتعالى بحياته في القرآن فقال ( لعمرك إنهم لفى سكرتهم يعمهون ) وقال ( ن والقلم ) استفتاح وقسم ثم قال ( وما (1/14)
يسطرون ) فأكد القسم وفسر المعنى ثم قصد نبيه فقال ( وإنك لعلى خلق عظيم ) ولاعظيم أعظم ممن عظمه الله كما أنه لا صغير أصغر ممن صغره الله
فأى ممدوح أعظم وأفخر وأسنى وأكبر من ممدوح مادحه الله وناقل مديحه وراوية كلامه جبريل والممدوح محمد
قال مؤلف الكتاب وكما سمتهم العرب أهل الله سمى محمد بن عبد الملك ابن صالح الهاشمي ابن آل الله وكان يطلب مهاجاة محمد بن يزيد المسلمى من ولد مسلمة بن عبد الملك بن مروان وكان المسلمى يأبى ذلك ويقول لا أهاجى رجلا في دولته وكان إذا فخر في قصيدة نقض عليه محمد فمن ذلك قول المسلمى
( أما صفاتى فلها شان ... )
وهى طويلة يفخر فيها ببنى أمية فقال محمد بن عبد الملك على وزنها قصيدة أولها
( أنا ابن آل الله من هاشم ... حيث نمى خير واحسان )
( من نبعة منها نبى الهدى ... مؤنقة والفرع فينان )
( منا على بن أبى طالب ... ومنك مروان وسفيان )
( مولاك في الإيمان لا تنسه ... إن كان في قلبك إيمان )
( آمن بالله وآياته ... وأنتم صم وعميان )
وأول من قال لهم عترة الله إبراهيم بن المهدى فإنه لما أغارت الروم (1/15)
بعد أنصراف المعتصم على المسلمين وأسرت خلقا كثيرا منهم دخل على المعتصم وأنشده قصيدة يحضه بها على جهادهم فمنها قوله
( يا عترة الله قد عاينت فانتقمى ... تلك النساء وما منهن يرتكب )
( هب الرجال على إجرامها قتلت ... ما بال أطفالها بالذبح تستلب )
وقبل إبراهيم قد جعلهم الحارث بن ظالم المرى قرابين الله يتقرب إليه بهم لأنهم هم فقال
( إذا فارقت ثعلبة بن سعد ... وإخوتهم نسبت إلى لؤى )
( إلى نسب كريم غير وغد ... وحى هم أكارم كل حى )
( وإن تعصب بهم نسبى فمنهم ... قرابين الإله بنو قصى ) وفى المناسبة بين العترة والقرابين خفاء
2 - ( بيت الله ) كما أن أهل مكة أهل الله والحجاج زوار الله فالكعبة بيت الله الذى جعله الله مثابة للناس وحطة للخليل وحلة للذبيح وقبلة لسيد ولد آدم وخاتم الأنبياء وكعبة لأمته التى هى خير الأمم وقد كانت العرب في الجاهلية لا تبنى بنيانا مربعا تعظيما للكعبة وقد كانت تحلف ببيت الله كما قال زهير
( فأقسمت بالبيت الذى طاف حوله ... رجال بنوه من قريش وجرهم ) وقال النابغة
( فلا ورب الذى قد زرته حججا ... وما هريق على الأنصاب من جسد )
وقال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام ( ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون )
فمن خصائص الحرم أنه بواد غير ذى زرع ولا شجر ويوجد فيه كل ثمرات الأشجار والزرع وغيرها
ومن خصائصه أن الذئب يريغ الظبى ويعارضه ويصيده فإذا دخل الحرم كف عنه
ومن خصائصه أنه لا يسقط على الكعبة حمام إلا وهو عليل عرف ذلك من أمتحنه وتعرف حاله ولا يسقط عليها ما دام صحيحا
ومن خصائصه أن الطير إذا حاذت الكعبة انفرقت فرقتين ولم تعلها
ومن خصائصه أنه لا يراه أحد ممن لم يكن رآه إلا ضحك أو بكى
ومنها أنه إذا اصاب المطر الباب الذى من شق العراق كان الخصب في تلك السنة بالعراق وإذا أصاب الذى من شق الشام كان الخصب بالشام وإذا عم جوانب البيت كان الخصب عاما في البلدان
ومنها أن الجمار ترمى في ذلك المرمى منذ يوم حج الناس البيت على طول الدهر ثم كانت إلى اليوم على مقدار واحد ولولا أنه موضع الآية (1/16)
وقال النابغة
( فلا ورب الذى قد زرته حججا ... وما هريق على الأنصاب من جسد )
وقال الله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام ( ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون )
فمن خصائص الحرم أنه بواد غير ذى زرع ولا شجر ويوجد فيه كل ثمرات الأشجار والزرع وغيرها
ومن خصائصه أن الذئب يريغ الظبى ويعارضه ويصيده فإذا دخل الحرم كف عنه
ومن خصائصه أنه لا يسقط على الكعبة حمام إلا وهو عليل عرف ذلك من أمتحنه وتعرف حاله ولا يسقط عليها ما دام صحيحا
ومن خصائصه أن الطير إذا حاذت الكعبة انفرقت فرقتين ولم تعلها
ومن خصائصه أنه لا يراه أحد ممن لم يكن رآه إلا ضحك أو بكى
ومنها أنه إذا اصاب المطر الباب الذى من شق العراق كان الخصب في تلك السنة بالعراق وإذا أصاب الذى من شق الشام كان الخصب بالشام وإذا عم جوانب البيت كان الخصب عاما في البلدان
ومنها أن الجمار ترمى في ذلك المرمى منذ يوم حج الناس البيت على طول الدهر ثم كانت إلى اليوم على مقدار واحد ولولا أنه موضع الآية (1/17)
والعلامة والأعجوبة التى فيها لقد كان كالجبال هذا من غير أن تكسحه السيول أو يأخذه الناس
ومن سننهم أن من علا الكعبة من العبيد فهو حر لا يرون الملك على من علاها ولا يجمعون بين عز علوها وذل الرق وبمكة رجال من الصلحاء لم يدخلوها قط إعظاما لها
ومن يستطيع ان يدعى الإحاطة بفضائل بيت الله وخصائصه
ومن بارع التمثل به قول بعض المحدثين في الحسن بن مخلد وقد خلع عليه
( أبا محمد المسعود طالعه ... فت البرية طرا أيما فوت )
( زهت بك الخلعة الميمون طائرها ... كزهو خلعة بيت الله بالبيت ) وقال آخر
( وكعبة الله لا تكسى لإعواز ... )
3 - ( رسول الله ) قال الله عز و جل ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )
وممن تمثل به فأحسن جدا ابن الرومى حيث قال في التمثيل لتفضيل الولد على الوالد
( قالوا أبو الصقر من شيبان قلت لهم ... كلا لعمرى ولكن منه شيبان )
( وكم أب قد علا بابن ذرا شرف ... كما علا برسول الله عدنان ) (1/18)
وقال آخر في تفضيل الأخير على الأول
( كذاك رسول الله آخر مرسل ... وما مثله فيما تقدم مرسل )
وقال الطائى في الاعتذار من أختيار غير الخيار واصطناع من لا يصلح للصنيعة
( هذا رسول الله صفوة ربه ... من بين باد في الأنام وقار )
( قد خص من أهل النفاق عصابة ... وهم أشد أذى من الكفار )
( واختار من سعد لعين بنى أبى ... سرح لوحى الله غير خيار )
( حتى استضاء بشعلة السور التى ... رفعت له سجفا عن الأسرار )
4 - ( كتاب الله ) قال ابن الرومى متمثلا به
( وكأنما يمناى حين تناولت ... يمناك إذ صافحتنى بكتاب )
( أخذت كتاب الله وهو مبشر ... بكرامة الرضوان يوم حساب )
5 - ( خليل الله ) اتخذ الله إبراهيم خليلا واتخذ محمدا حبيبا والحبيب أخص من الخليل في الشائع المستفيض من العادات ألا تراه تعالى قال له ( ما ودعك ربك وما قلى ) بمعنى أحبك ومقتضى هذه اللفظة أنه اتخذه حبيبا ومما يؤيد ذلك ويؤكده أنه تعالى لا يحب أحدا ما لم يؤمن بمحمد ويتبعه ألا تسمعه يقول ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله )
وممن ملح في التمثيل بخليل الله الأصمعى حين استقرضه صديق له من (1/19)
خلص اصدقائه فقال نعم وكرامه ولكن سكن قلبى برهن يساوى ضعف ما تلتمسه فقال له يا ابا سعيد الست واثقا بى فقال بلى ولكن هذا خليل الله كان واثقا بربه حين قال ( رب أرنى كيف تحيى الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبى )
6 - ( روح الله ) قال تعالى في ذكر عيسى عليهم السلام ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) فلذا قيل له روح الله كما قيل لإبراهيم خليل الله ولموسى كليم الله عليهم الصلاة السلام الأرواح كلها منه وله وإنما أضيفت روح الله إليه على سبيل الاختصاص
ومما يستملح لأبى أحمد بن أبى بكر الكاتب قوله لعلى بن عيسى الوزير ويروى لابن بسام وهو بقوله أشبه
( لست روح الله عيسى ... إنما أنت ابن عيسى )
( كلم الناس فإن الله ... قد كلم موسى )
7 - ( أرض الله ) قد أكثر الناس في الحث على السير في الأرض لطلب الرزق قال منصور بن ماذان
( فسر في بلاد الله والتمس الغنى ... فما الكرج الدنيا ولا الناس قاسم )
وقال البحترى
( شرق وغرب فعهد العاهدين بما ... طالبت في ذملان الأينق الذمل ) (1/20)
( ولا تقل أمم شتى ولا فرق ... فالأرض من تربة والناس من رجل )
وقال سعيد بن محمد الطبرى
( سأغنى بالهبيد وباللبيد ... وبالفلوات عن قصر مشيد )
( فأرض الله واسعة أمامى ... إذا ضاق الفضاء على البليد )
ومعنى الهبيد الحنظل واللبيد الجوالق أى أستغنى بالحنظل ومرعى البر عن استصحاب زاد
وكأن أحسن ما قيل من ذلك مقتبس من قوله عز ذكره ( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها )
8 - ( أسد الله ) كان يقال لحمزة بن عبد المطلب أسد الله لتقدم قدمه في الحرب وشدة إقدامه على أعداء رسول الله ولما قال حمزة يوم حرب بدر أنا أسد الله وأسد رسول الله قال له عتبة بن ربيعة أنا أسد الحلفاء
قال الزبير بن بكار لم يعرف لعتبة رفث إلا هذه الكلمة وكلمة أخرى قالها يوم بدر أيضا لأبى جهل وهى قوله في كلام جرى بينهما يا مصفر استه ولست أدرى أى رفث في قوله أنا أسد الحلفاء
9 - ( سيف الله ) خالد بن الوليد بن المغيرة أبو سليمان سماه النبى سيف الله لحسن آثاره في الإسلام وصدقه في قتال المشركين فكان النبي إذا نظر إليه وإلى عكرمة بن أبى جهل قرأ ( يخرج (1/21)
الحى من الميت ) لأنهما من خيار الصحابة وأبواهما أعدى عدو لله ورسوله
وروى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبي نظر إلى خالد رضى الله عنه لابسا درعه فقال ( نعم المرء خالد ) وكان على مقدمه رسول الله يوم حنين وهو الذى تولى كسر أكثر الأصنام وهدم جل الأوثان التى كانت قريش تعبدها وتسمع من أجوافها همهمة نحو أصوات البقر حتى فتنت بها ولما هدم عزى رمته بالشرر حتى أحرقت عامة فخذه فعاده النبي
قال الجاحظ وما أشك في أنه قد كانت لسدنة الأوثان حيل وكمين ولو سمعت أو رأيت بعض ما أعد الهند من هذه المخاريق في بيوت عباداتهم لعلمت أن الله تعالى قد من على جملة المسلمين بالمتكلمين الذين نشئوا فيهم
وقال في موضع آخر وما زالت السدنة تحتال للناس من جهة النيران بأنواع الحيل كاحتيال رهبان كنيسة الرها لمصابيحها حتى إن زيت قناديلها ليستوقد لهم من غير نار في بعض ليالى أعيادهم وبمثل هذا احتيال السادن لخالد بن الوليد حتى حين رماه بالشرر ليوهمه أن ذلك من الأوثان عقوبة على ترك عبادتها وإنكارها والتعرض لها حين قال
( يا عز كفرانك لا سبحانك ... إنى رأيت الله قد أهانك )
قال وجعلت قريش وقد أهوى خالد بسيفه إلى العزى تصيح يا عزى (1/22)
خبليه يا عزى عزريه وليس ينثنى من تهاويلهم وعلاها بالسيف حتى كسرها
وفي بعض الروايات أن العزى كانت ثلاث شجرات من سمر فأرس النبي خالدا رضى الله عنه ليعضدها فمضى خالد وعضد أكبرها وترك اثنتين فلما انصرف إلى النبي قال أفعلت يا خالد قال نعم يا رسول الله فما رأيت شيئا قال لا قال فارجع إليها فاعضدها فرجع فعضد الكبرى منهما ثم أقبل ليعضد الصغرى فإذا جنية قد خرجت عليه من جوفها ناشرة شعرها واضعة كفها على كعبها تصرف بأنيابها فشد عليها خالد وهو يقول
( يا عز كفرانك لا سبحانك ... إنى رأيت الله قد أهانك )
ثم ضربها ضربة فلق رأسها وانصرف إلى رسول الله فأخبره بالذى رأى فقال تلك جنية العزى ولا عزى للعرب بعدها
ولما قتل خالد بن الوليد بنى جذيمة وهم من كنانة بالغميصاء وجاء الخبر إلى رسول الله قال ( اللهم إنى أبرأ إليك من فعل خالد ) ووداهم
ولما توفى رسول الله وكانت أيام الردة حسن بلاء خالد فيها وكان عميدا عند أبى بكر رضى الله عنه فبعثه إلى طليحة فهزمه وصالح أهل اليمامة ونكح ابنة مجاعة وكان إذا صار إليه المال قسمه في أهل الغزو (1/23)
ولم يرفع إلى أبى بكر رضى الله عنه حسابا وكان يقدم على أشياء لا يراها أبو بكر رضى الله عنه كقتله مالك بن نويرة ونكاحه امرأته من غير أن ترجع عن ردتها وكان ابو بكر يهب سيئاته لحسناته ويقول إذا كلمه عمر أو غيره في عزله إنى لأكره أن أغمد سيفا سله رسول الله ثم إنه استعمله على الشام فلم يزل بها حتى عزله عمر رضى الله عنه
ولما اعتل خالد علة الموت جعل يقول لقيت كذا وكذا زحفا فما في جسدى موضع إلا وفيه ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم وهأنذا أموت على فراشى حتف أنفي كما يموت العير فلا نامت أعين الجبناء
ولما توفى لم تبق امرأة من بنى المغيرة إلا وضعت لمتها على قبره ولما ارتفعت أصوات النساء عليه أنكرها بعض الناس فقال عمر رضى الله عنه دع نساء بنى المغيرة يبكين أبا سليمان ويرقن من دموعهن سجلا أو سجلين ما لم يكن نقع أو لقلقة
وكان الحجاج يقول لأبناء المهلب هم سيوف من سيوف الله
وكتب بعض البلغاء ما ظنك بسيوف الله تعالى في أيدى أوليائه وقد نصره من سمائه على أعدائه
10 - ( قوس الله ) هى التى يقال لها قوس قزح ويشبه بها ما يقل لبثه ولا يدوم مكثه كما قال العلوى الحمامى
( فشبهت سرعة أيامهم ... بسرعة قوس يسمى قزح ) (1/24)
( تلون معترضا في السماء ... فما تم ذلك حتى نزح )
وفى الخبر لا تقولوا قوس قزح ولكن قولوا قوس الله فإن قزح من أسماء الشياطين
ويجوز أن تكون سميت بهذا الأسم وأضيفت إلى الله تعالى لأنها من فعل الله وسائر القسى من برى الناس وفعلهم وقد سماها الوأواء الدمشقى قوس السماء في قوله
( أحسن بيوم ترى قوس السماء به ... والشمس مسفرة والبرق خلاس )
( كأنها قوس رام والبروق لها ... رشق السهام وعين الشمس برجاس )
وسماها سيف الدولة قوس السحاب في قوله وأنشدنيه ابو الحسن الأفريقى المتيم قال أنشدنى سيف الدولة لنفسه وهو أحسن ما قيل في وصفها
( وساق صبيح للصبوح دعوته ... فقام وفى أجفانه سنة الغمض )
( يطوف بكاسات العقار كأنجم ... فمن بين منقض علينا ومنفض )
( وقد نشرت ايدى الجنوب مطارفا ... على الجود كنا والحواشى على الأرض )
( تطرزها قوس السحاب بأحمر ... على أصفر في أخضر إثر مبيض )
( كأذيال خود أقبلت فى غلائل ... مصبغة والبعض اقصر من بعض )
11 - ( رمح الله ) كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا ذكر الكوفة (1/25)
قال هى رمح الله وفيها جمجمة العرب وكنز الايمان كأنه أراد أن أهلها سلاح على أعداء الله في المحاربة
12 - ( كلب الله ) قال الجاحظ يروى أن النبي قال لعتبة بن أبى لهب ( أكلك كلب الله ) فأكله الأسد وفى هذا الخبر فائدتان
إحداهما أنه ثبت بذلك أن الأسد كلب الله
والثانية أن الله تعالى لا يضاف إليه إلا العظيم من جميع الأشياء من الخير والسر أما الخير فقولهم بيت الله وأهل الله وزوار الله وكتاب الله وأرض الله وخليل الله وروح الله واشباه ذلك وأما الشر فكقولهم دعه في لعنة الله تعالى وسخطه وأليم عذابه ودعه في نار الله وسقره
13 - ( نار الله ) قال الجاحظ كل شىء أضافه الله تعالى إلى نفسه فقد عظم شأنه وشدد أمره وقد فعل ذلك بالنار فقال ( نار الله الموقدة )
وحكى ابو منصور العبدونى الكاتب قال تنجزت جوازا لرجل قبيح الخلقة وخش الصورة غاية في الدمامة والسماجة فلم يقدر الكاتب على تمليته فكتب يأتيك بهذا الجواز آية من آيات الله ونذره فدعه يذهب إلى نار الله وسقره
وقرأت في أخبار أبى دلامة زيد بن الجون أنه أخذ ليلة وهو سكران فخرق طيلسانه وحبس فكتب من الغد إلى المنصور أبياتا منها (1/26)
( أمن صهباء صافية المزاج ... كأن شعاعها ضوء السراج )
( وقد طبخت بنار الله حتى ... لقد صارت من النطف النضاج )
( أقاد إلى السجون بغير جرم ... كأنى بعض عمال الخراج )
( أمير المؤمنين فدتك نفسى ... علام حبستنى وخرقت ساجى )
( ألا إنى وإن لاقيت شرا ... لخيرك بعد هذا الشر راج )
فاستدعاه واستنشده الأبيات فأنشده إياها فأمر له بألف درهم فلما ولي ليخرج قال الربيع أفهم أمير المؤمنين معنى قوله وقد طبخت بنار الله قال قد فهمت فما عنى بها قال عنى بها الشمس فقال على به فلما جاء قال يا عدو الله ما عنيت بنار الله قال ( نار الله الموقدة التى تطلع ) على فؤاد من أخبرك يا أمير المؤمنين فضحك منه وأمره بالانصراف
14 - ( شمس الله ) عهدى بالأمير السيد أدام الله تأييده ينشدنى فائية ديك الجن من أولها إلى آخرها وهى فائقة رائقة يزداد حسنها لجريها على لسانه وتكتسى شعارا أنيقا من عباراته ومنها
( وصفراوين من جلب الأمانى ... إذا جليت ومن حلب القطاف )
( أدرا منهما فلكا وشمسا ... وشمس الله مسرجة الغلاف )
15 - ( ظل الله ) يروى عن النبي أنه قال (1/27)
( السلطان ظل الله في أرضه ) وأنشدنى أبو الفتح على بن محمد البستى لنفسه
( يا قوم أرعونى أسماعكم ... حتى أؤدى واجب الفرض )
( أشهد حقا أن سلطانكم ... ليس بظل الله في الأرض )
16 - ( سعد الله ) قال الأصمعى من أمثال العرب
( أسعد الله أكثر أم جذام ... )
وهما حيان بينهما فضل بين لا يخفى إلا على جاهل لا يعرف شيئا قال الشاعر
( لقد أفحمت حتى لست تدرى ... أسعد الله أكثر أم جذام )
وضمن الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد معظم هذا البيت شعرا له كتب به في صباه إلى بعض إخوانه فمنه
( كتبت وقد سبت عقلى المدام ... وساعدنى على الشرب الندام )
( وأسرفنا فما ندرى لسكر ... أسعد الله أكثر أم جذام )
وسعد من بين قبائل العرب مخصوصة بالفصاحة وحسن البيان وكان النبى مسترضعا فيهم وظئرة حليمة السعدية هى التى تسلمته من عبد المطلب فحملته إلى المدينة فكانت ترضعه وتحسن تربيته ولما ردته إلى مكة نظر إليه عبد المطلب وقد نما نمو الهلال وهو يتكلم بفصاحة فامتلأ سرورا وقال جمال قريش وفصاحة سعد وحلاوة يثرب
وكان النبي يقول ( أنا أفصح العرب بيدأنى من (1/28)
قريش ونشأت في بنى سعد بن بكر فأنى يأتينى اللحن )
وكان شبيب بن شيبة من أفصح الخطباء وهو من بنى سعد وفيه يقول أبو نخيلة
( إذا عدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها )
( من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها )
17 - ( ناقة الله ) النوق وغيرها من المخلوقات كلها لله ولكن هذه الناقة لما كانت آية من آيات الله تعالى ومعجزة لنبيه صالح عليه السلام خصت بالإضافة إلى الله تعالى كما قال ( ناقة الله وسقياها ) وذلك أن ثمود قالوا لصالح إن أردت أن نؤمن لك فأخرج لنا من هذه الصخرة ناقة عشراء تبرك بين ايدينا وتمخض كما تمخض النوق الحوامل وتنتج سقبا منها فصلى صالح ركعتين ودعا الله تعالى فانشقت الصخرة عن ناقة عظيمة الخلق حسنة الصورة فبركت بين أيديهم وتمخضت ونتجت سقبا مثل أمه في عظم الخلقة فقال لهم صالح عن الله تعالى ( هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ) فاقتسموا الماء فكان لهم يوم وللناقة يوم فإذا كان يوم الناقة توسعوا في اللبن ما شاءوا وإذا كان يومهم لم يكن للناقة ماء فنفسوا عليها بشرب يومها وتآمروا في عقرها فقال لهم صالح ( هذه ناقة الله لكم آية فذروها (1/29)
تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب ) فانبعث أشقاها وعقرها بأمر ثمود فرفع السقب رأسه إلى السماء ورغا بحنين وأنين فقال لهم صالح عليه السلام ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ) ثم جاءهم العذاب في اليوم الرابع وأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين وصارت ناقة الله مثلا سائرا على وجه الدهر وربما قيل لها ناقة صالح وصار عاقرها مثلا في الشقوة والشؤم وهو أحمر ثمود وصارت ثمود مثلا في الفناء والهلاك
ومن ظريف التمثيل بهذه القصة قول والى اليمامة في خطبته أيها الناس لا تجترئوا على الله فإنه لا يقر على المعاصى عباده ولقد أهلك أمة عظيمة من أجل ناقة قيمتها ثلاثمائة درهم فسمى مقوم الناقة
وقد أكثر الناس من ضرب المثل بهذه الناقة ومن مليح ذلك قول بعضهم في العتاب والأقتضاء
( حوائج الناس كلها قضيت ... وحاجتى لا أراك تقضيها )
( أناقة الله حاجتى عقرت ... أم نبت الحرف في حواشيها )
وضرب بها ابن الرومى المثل فقال وهو يصف إنسانا بشدة الأكل
( شبه عصا موسى ولكنه ... لم يخلق الله لها فاها )
( رفقا بزاد القوم لا تفنه ... يا ناقة الله وسقياها )
18 - ( نهر الله ) من أمثال العامة والخاصة إذا جاء نهر الله بطل نهر (1/30)
معقل وإذا جاء نهر الله بطل نهر عيسى ونهر معقل بالبصرة ونهر عيسى ببغداد وعليهما أكثر الضياع الفاخرة والبساتين النزهة ببغداد وإنما يريدون بنهر الله البحر والمطر والسيل فإنها تغلب سائر المياه والأنهار وتطم عليها ولا أعرف نهرا مخصوصا بهذه الإضافة سواهما
قلت ومما يجرى مجرى المثل المذكور قول الشاعر
( إذا جاء موسى وألقى العصا ... فقد بطل السحر والساحر )
19 - ( خاتم الله ) يراد بذلك ثلاثة أشياء اثنان منها للخاصة وواحدة للعامة أما اللذان للخاصة فقولهم للدراهم والدنانير خاصة خاتم الله وفي الخبر كنوز الله في أرضه فمن أرادها فليأتها بخاتمه وقولهم في الكناية عن العذرة خاتم الله قال ابن الرومى في فتنة البرقعى
( كم رضيع هناك قد فطموه ... بشبا السيف قبل وقت الفطام )
( كم فتاة بخاتم الله بكر ... فضحوها جهرا بغير اكتتام )
وأما الذى للعامة فقولهم للصوم الصوم خاتم الله وقولهم عند الحلف بالله على الصوم
( لا والذى خاتمه على فمى ... )
20 - ( رحمة الله ) قال سليمان بن عبد الملك لأبى حازم الأعرج وقد خوفه عذاب الله فى موعظة له حتى أبكاه فأين رحمة الله فقال أبو حازم ( قريب من المحسنين )
وكانت بالبصرة جارية تسمى رحمة الله يشبب بها بشار بن برد فقال (1/31)
أبو فراس يذكرها بشارا وضمن شعره بيتا له جرى فيه مجرى المثل لحسنه وسلامته
( أحببت من شعر بشار لحبكم ... بيتا لهجت به من شعر بشار )
( يا رحمة الله حلى في منازلنا ... وجاورينا فدتك النفس من جار )
21 - ( ستر الله ) في مناجاة بعض الصالحين يا رب غرنى سترك المرخى على فعصيتك لجهلى فالآن من عذابك من يستنقذنى وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنى
وفي الدعوات المأثورة اللهم استرنا بسترك الجميل وأظلنا بظلك الظليل
وقرىء مكتوب على ستر من ستور الموصل هذا ستر حسن وستر الله أحسن فأما قول الشاعر
( رمتنى وستر الله بينى وبينها ... ونحن بأكناف الحجاز رميم )
فقد اختلفت أقوال أصحاب المعانى فيه فمن قائل إنه أراد به الإسلام وقائل إنه أراد به الشيب وثالث قال إنه أراد به الكعبة
ولما أراد الحسن البصرى الحج قال له ثابت البنانى يا أبا سعيد بلغنى أنك تريد الحج فأحببت أن نصطحب فقال ويحك دعنا نتعايش بستر الله إنى أخاف أن نصطحب فيرى بعضنا من بعض ما نتماقت عليه (1/32)
22 - ( يد الله ) قال الله تعالى ( يد الله فوق أيديهم )
ومن أبيات التمثيل والمحاضرة قول من اقتبس من قوله تعالى فقال
( وما من يد إلا يد الله فوقها ... ولا ظالم إلا سيبلى بظالم )
وسمعت أبا نصر سهل بن المرزبان يقول قال أبو العيناء كان لى خصوم ظلمة فشكوتهم إلى أحمد بن أبى دواد وقلت له إن القوم قد تضافروا على وصاروا يدا واحدة على فقال ( يد الله فوق أيديهم ) فقلت إن لهم مكرا فقال ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله ) فقلت إنهم كثيرون وأنا واحد فقال ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين )
وأنشدت ببخارى للمرادى في بكر بن مالك لما قلد سياسة الجيش بخراسان
( قلد الجيش سيد ... هو جيش على حده )
( يد بكر وسيفه ... ويد الله واحده )
23 - ( عمال الله ) هم الذين يعملون لله فإما يشتغلون بعبادته وإما يجاهدون في سبيله
ويروى أن النبي مر بقوم يربعون حجرا فقال ( عمال الله أقوى من هؤلاء ) وفى بعض الروايات أنه قال ( ألا أخبركم بأشدكم ) قالوا بلى قال ( من ملك نفسه عند الغضب ) (1/33)
24 - ( سبيل الله ) قال الله تعالى ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ) وقال النبي ( ما من قطرة أحب إلى الله من قطرة دم في سبيله أو قطرة دمع في جوف الليل من خشيته )
25 - ( باب الله ) قلت في كتابى المبهج سبحان من بابه غير مرتج لمرتج وقال على بن الجهم
( وأفنيه الملوك محجبات ... وباب الله مبذول الفناء )
26 - ( نور الله ) قال النبي ( اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله )
27 - ( حراس الله ) عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن النبي أنه قال ( إن لله تعالى حراسا في السماء وفى الأرض فحراسه في السماء الملائكة وحراسه في الأرض الذين يأخذون الديوان )
28 - ( أمان الله ) عن النبي أنه قال ( لا تطرقوا الطير في أوكارها فإن الليل أمان الله )
وفى بعض الأخبار أنه نهى عن البيات وقال ( الليل أمان الله عز و جل )
29 - ( ميزان الله ) قال بعض الحكماء العدل ميزان الله فلذلك هو مبرأ من كل ميل وزيل (1/34)
عن بعض السلف العدل ميزان الله والجور مكيال الشيطان
30 - ( خالصة الله ) عون بن عبد الله كان يقال من كان في صورة حسنة ومنصب لا يشينه ووسع عليه في الرزق كان من خالصة الله تعالى
31 - ( موائد الله ) يروى عن الحسن البصرى رحمه الله الأسواق موائد الله تعالى في أرضه فمن أتاها أصاب منها
32 - ( عين الله ) قلت في كتابى المترجم بالمبهج الملك العادل مكنوف بعون الله محروس بعين الله
وقلت من قصيدة في السلطان الماضى
( يا قاهر الملك ويا خاتم ... الأملاك بين الأخذ والصفح )
( عليك عين الله من فاتح ... للأرض مستول على النجح )
( راياته تنطق بالنصر بل ... تكاد تملى كتب الفتح )
33 - ( أمر الله ) الرياشى قال ما اعترانى هم فأنشدت قول أبى العتاهية
( هى الأيام والغير ... وأمر الله ينتظر )
( أتيئس أن ترى فرجا ... فأين الرب والقدر )
إلا سرى عنى وتنسمت ريح الفرج وسمعت أبا بكر الخوارزمى يقول لم أسمع في وصف الطفيلي أبلغ من قول الحمدونى
( أراك الدهر تطرق كل دار ... كأمر الله يحدث كل ليله )
24 - ( طراز الله ) قرىء على عصابة بعض جوارى الخلفاء ( مما (1/35)
عمل في طراز الله ) فاستعمل الصاحب هذه الاستعارة المليحة فى شعره حيث قال
( هذا على على في محاسنه ... كأنما حسبه أن يبلغ الأملا )
( وكم أقول وقد أبصرت طلعته ... هذا الذى في طراز الله قد عملا ) وقال أيضا
( رأيت عليا في كمال جماله ... فشاهدت منه الروض ثانى مزنه )
( ولما تبدى لى طراز عذاره ... رأيت طراز الله في ثوب حسنه ) وقال بعض أهل العصر
( ديباجه الوجه من على ... معمولة في طراز ربى )
( فحسنه ملء كل عين ... وحبه ملء كل قلب )
35 - ( خلافة الله ) كان ابو الفتح البستى يستحسن قولى في كتابى المبهج الملك خلافة الله في عباده وبلاده ولن يستقيم أمر خلافته مع مخالفته وكان يقول بودى أن لى بعض كلامه
36 - ( لعنة الله ) أنشدنى أبو بكر الخوارزمى لبعضهم
( لعنة الله والرسول وأهل ... الأرض طرا على بنى مظعون )
( بعت في الصيف قبة الخيش فيهم ... ورهنت الكانون في كانون )
وبلغنى عن الصاحب أنه كان يقول لم أسمع جوابا أطرف وأوقع وابلغ من جواب عبادة فإنه قال لرجل من أين اقبلت قال من لعنة الله فقال رد الله عليك غربتك (1/36)
37 - ( سجن الله ) عن النبي ( الحمى رائد الموت وسجن الله في أرضه وقطعة من النار ) وفى خبر آخر ( الحمى سجن الله في أرضه يحبس فيه عباده إذا شاء ويطلقهم إذا شاء )
38 - ( بنيان الله ) قال النبي ( من هدم بنيان الله فهو ملعون ) يعنى من قتل نفسا وهذه من استعاراته التى لا شىء أحسن منها
39 - ( صبغة الله ) قال الله عز و جل ( صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ) وقلت في كتابى المبهج تعالى الله ما أبدع صنعته وأحسن صبغته وألطف صيغته
40 - ( وفد الله ) كتب الصاحب أبو القاسم الحجيج وفد الله وهم له متاجرون وفى طلب ثوابه مسافرون وإلى بيته الحرام سائرون ولقبر نبيه زائرون
وقلت في كتابى المبهج بشر وفد الله بفوائد الدارين (1/37)
الباب الثانى فيما يضاف وينسب إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام
وصى آدم
شهرة آدم
سفينة نوح
غراب نوح
عمر نوح
مقام إبراهيم
نار إبراهيم
صحف إبراهيم
ضيف إبراهيم
تحفة إبراهيم
وعد إسماعيل
ناقة صالح
رؤيا يوسف
ذئب يوسف
قميص يوسف
حسن يوسف
سنو يوسف
ريح يوسف
عصا موسى
نار موسى
يد موسى
بقية قوم موسى
لطمة موسى
خليفة الخضر
صبر أيوب
حوت يونس
درع داود
نغمة داود
مزامير داود
خاتم سليمان
جن سليمان
سير سليمان
ملك سليمان
حمار عزير
طب عيسى
دم يحيى بن زكريا
بردة النبي
داء الأنبياء
فقر الأنبياء
الاستشهاد
41 - ( وصى آدم ) إذا كان الإنسان فضوليا داخلا فيما لا يعنيه متكلفا مالا يلزمه من التطفل على أمور الناس والتهالك في الاشتغال بها قيل فلان وصيى آدم وقد توضع هذه الصفة مكان المدح كما قال الشاعر
( وكأن آدم حين حم حمامه ... أوصاك وهو يجود بالحوباء )
( ببنيه أن ترعاهم فرعيتهم ... وكفيت آدم عيلة الأبناء )
ومنه أخذ ابو العيناء معنى كلامه في الحسن بن سهل وقد سأله عنه محمد (1/38)
ابن عبد الله بن طاهر فقال خلف آدم عليه السلام في ولده فهو يسد خلتهم وينقع غلتهم وقد رفع الله تعالى للذنيا من شانها إذ جعله من سكانها وذوى الأمر فيها
ولما نعى الحسن إليه قال لئن أتعب المادحين لقد أطال بكاء الباكين ولقد كان بقية وفي الناس بقية فكيف الآن وقد أودت البرية
42 - ( شهرة آدم ) يضرب بها المثل وحقت قال أبو عبد الله بن الحجاج من أبيات كتب بها إلى بعض الرؤساء وهو يشكو بوابا له أنكره ولم يأذن له
( خادمكم يشكو وقد جاءكم ... غلظة بوابكم الخادم )
( أنكرنى عنكم على زعمه ... فلم أزل في عجب دائم )
( لأننى بين بنى آدم ... مذ خلقوا أشهر من آدم )
43 - ( سفينة نوح ) قال النبي ( إن عترتى كسفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تأخر عنها هلك ) وأخذ هذا المعنى أبو عثمان الخالدى فقال من قصيدة
( أعاذل إن كساء التقى ... كسانيه حبى لأهل الكساء )
( سفينة نوح فمن يعتلق ... بحبلهم يعتلق بالنجاء )
وقد تضرب سفينة نوح مثلا للشىء الجامع لأن نوحا حمل فيها من كل زوجين أثنين كما يضرب المثل في ذلك المعنى بجامع سفيان قال بعض العصريين (1/39)
( يا طبيبا منجما وفقيها ... شاعرا شعره غذاء الروح )
( فهو طورا كمثل جامع سفيان ... وطورا يحكى سفينة نوح )
وقال الجاحظ قال أبو عبيدة زعم بعض المفسرين وأصحاب الأخبار أن أهل سفينة نوح كانوا قد تأذوا من الفأر فعطس الأسد عطسته فخرج من منخريه زوج سنانير فلذلك السنور أشبه شىء بالأسد وسلح الفيل زوج خنازير فلذلك الخنزير أشبه شيء بالفيل
قال كيسان لأبى عبيدة ينبغى أن يكون ذلك السنور هو آدم السنانير وتلك السنورة حواءها فقال أبو عبيدة وضحك منه ألم تعلم أن لكل جنس من الحيوانات آدم وحواء فضحك القوم من ذلك
44 - ( غراب نوح ) يضرب مثلا للرسول الذى لا يعود أو يبطىء عن ذى الحاجة من غير إنجاح وذلك أن نوحاعليه السلام أرسل الغراب من السفينة ليأتيه بخبر الماء فاشتغل بميته وجدها ولم يعد إلى نوح حتى أرسل مكانه الحمامة فجاءته بالخبر
قال الجاحظ يقال في المثل فلان لا يرجع حتى يرجع غراب نوح كما يقول أهل البصرة حتى يرجع نشيط من مرو وكما يقول أهل (1/40)
الكوفة حتى يرجع مصقلة من سجستان وكما تقول العرب حتى يئوب القارظ العنزى
وقال بعض الشعراء في قصة له
( وندمان بعثت به رسولا ... فأهمل حاجتى كغراب نوح )
( رأى في الدير بدرا مستنيرا ... فساعده على دين المسيح )
45 - ( عمرونوح ) يضرب مثلا في الطول قال وهب بن منبه كان عمر نوح عليه السلام ألف سنة لأنه بعث إلى قومه وهو ابن خمسين سنة ولبث يدعوهم إلى أن مضت تسعمائة وخمسون سنة فذلك قوله تعالى ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما )
ويروى أنه عاش ثلاثة قرون وعمر فيهم وهم لا يجيبونه ولا اتبعه منهم إلا القليل كما ذكره عز ذكره قال ( وما آمن معه إلا قليل )
وقد أكثر الناس التمثيل بعمر نوح نظما ونثرا قال محمد بن مكرم لأحمد ابن إسرائيل
( قل لأبن إسرائيل يا أحمد ... عمرك في العالم لا ينفد ) (1/41)
( إن زمانا أنت مستوزر ... فيه زمان عسر أنكد )
( يالبد الدهر وياعوجه ... أنت كنوح عمره سرمد )
وقال آخر
( يحتاج راجى نوالهم ابدا ... إلى ثلاث بغير تكذيب )
( كنوز قارون أن تكون له ... وعمر نوح وصبر أيوب )
وقال أبو العتاهية
( لتموتن وإن عمرت ... ما عمر نوح )
( فعلى نفسك نج إن ... كنت لابد تنوح )
وقرأت للصاحب فصلا من كتاب له إلى أبى محمد العلوى علق بحفظى منه في ذكر نوح صاحبه وكان بعث به رسولا إليه وأما صلته ولى بره بوسميه وإنفاذه للتهنئة نوحا أبقى الله سيدى بقاء سميه فقد أطاع فيه خلقا طالما وردنا حياضه فارتوينا من كرم غمر وقصدنا رياضه فرعينا من شرف دثر
46 - ( مقام إبراهيم ) يضرب مثلا لكل مكان شريف ومقام كريم قال الله تعالى ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) ويروى أنه كان فيه أثر عقبيه وأصابعه فما زالت الأمة تمسحه حتى خفى الأثر
ومن أحسن ما سمعت في ضرب المثل به ما أنشده أبو إسحاق الصابى لعلى بن هارون بن على بن يحيى المنجم في ابن أبى الحوارى وقد عرفت له سقطة وثئت رجله منها
( كيف نال العثار من لم يزل منه ... مفيدا في كل خطب جسيم ) (1/42)
( أو ترقى الأذى إلى قدم لم ... تخط إلا إلى مقام كريم )
( لمقام النبي أحمد أو مثل ... مقام الخليل إبراهيم )
47 - ( نار إبراهيم ) يضرب بها المثل في البرد والسلامة ويروى أن إبراهيم عليه السلام لما قذف في النار بعث الله له ملك الظل فكان يحدثه ويؤنسه فلم تصل النار إلى أذاه مع قربه من طباع ذلك الملك قال الله عز ذكره ( قلنا يا نار كونى بردا وسلاما على إبراهيم )
وقد شبه بها ابن الرومى الخمر فقال
( وعاتقة زفت لنا من قرى كوثى ... تلقب أم الدهر بل بنته الكبرى )
( رأت نار إبراهيم أيام أوقدت ... وصارت من الأوصاف أوصافها الحسنى )
( حكت نورها فى بردها وسلامها ... وباتت بطيب لا يوازى ولا يحكى )
وتعاطى ابن المعتز هذا التشبيه فأوجز حيث قال
( ومشمولة قد طال بالقنص لبثها ... حكت نار إبراهيم في اللون والبرد )
ولنار إبراهيم مكان آخر من باب النيران في هذا الكتاب
48 - ( صحف إبراهيم ) قال وهب بن منبه أنزل الله على إبراهيم عشرين صحيفة كلها أمثال وعبر وتسبيح وتحميد وكان مما فيها أيها الملك المسلط المغرور المبتلى إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض ولتبنى المدائن والحصون ولكنى بعثتك لترد عنى دعوة المظلوم فإنى لا أردها ولو كانت من كافر وفى بعض الروايات إنها ردت إلى السماء فلم يبق في أيدى الناس منها شىء
وقد يضرب بها المثل في الشيء المتروك المنسى كما قال الصاحب في رسالة (1/43)
له إلى بعض إخوانه ونسيتنى وما كان حقى أن أنسى وطويتنى في صحف إبراهيم وموسى
49 - ( ضيف إبراهيم ) يضرب مثلا للضيف الكريم لأن الله تعالى يقول في قصته ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) قال المفسرون إنما قال ذلك لأن إبراهيم قام عليهم بنفسه ثم ما لبث أن جاء بعجل سمين فقربه إليهم وقال ألا تأكلون
ومن كرامة الضيف تعجيل قراه قال الشاعر
( أسأتم وأبطأتم على الضيف بالقرى ... وخير القرى للنازلين المعجل )
وقرأت في أخبار الحسين الجمل المصرى أنه دخل على قادم من مكة وعنده قوم يهنئونه وبين أيديهم أطباق من الحلوى وليس يمد أحد منهم يده إليها فقال والله يا قوم لقد ذكرتمونى ضيف إبراهيم قالوا وكيف فقرأ ( فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة ) ثم قال كلوا رحمكم الله فضحكوا من قوله وأكلوا وأكل معهم
50 - ( تحفة إبراهيم ) هى اللحم ويحكة أن الشعبى دخل على صديق له فتحدثا ساعة فلما أراد القيام قال له لا نتفرق إلا عن ذواق فقال الشعبي أتحفنى بما عندك ولا تتكلف لى مالا يحضرك فقال أى التحفتين أحب إليك تحفة إبراهيم أم تحفة مريم قال الشعبي أما تحفة إبراهيم فعهدى بها الساعة وأريد تحفة مريم فدعا له بطبق من رطب وإنما عنى بتحفة إبراهيم اللحم لأن في قصته ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) (1/44)
( فقربه إليهم قال ألا تأكلون ) وعنى بتحفة مريم الرطب لأن في قصتها ( وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا )
51 - ( وعد إسماعيل ) يضرب به المثل في الصدق لأن الله عز ذكره أثنى عليه بصدق الوعد فقال ( واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا )
وكان العلاء بن صاعد وعد البحترى مائة دينار يصله بها فلما حصل منها على الخلف كتب إليه أبياتا منها
( المائة الدينار منسية ... في عدة أوسعتها خلفا )
( لا صدق اسماعيل فيها ولا ... وفاء إبراهيم إذ وفى )
( إن كنت لا تنوى نجاحالها ... فكيف لا تجعلها ألفا
52 - ( ناقة صالح ) هى ناقة الله التى تقدم ذكرها في الباب الأول ويقال لها ناقة صالح وكثيرا ما يضرب المثل بها من ينبه على براءة ساحته أو خفة جرمه فيقول ( إنى لم أعقر ناقة صالح )
53 - ( رؤيا يوسف ) تضرب مثلا للرؤيا الصحيحة الصادقة إذ كان عليه السلام رأى في المنام وهو ابن اثنتى عشرة سنة أحد عشر كوكبا والشمس والقمر له سجدا فلما قصها على أبيه يعقوب عليه السلام قال له ( يا بنى لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين ) فلما كان من شأنه ما كان وملك مصر ودخل عليه إخوته (1/45)
وأبواه خروا له سجدا قال ( يا أبت هذا تأويل رؤياى من قبل قد جعلها ربى حقا )
ولما قال المهدى لعبيد الله بن أبى عبيد الله الكاتب وكان متهما بالزندقة قد رأيت لك رؤيا قبيحة فقال يا أمير المؤمنين ليست برؤيا يوسف فغضب المهدى وأنشد
( ومطلع من نفسه ما يسره ... عليه من اللحظ الخفى دليل )
( إذا المرء لم يبد الذى فى ضميره ... ففى اللحظ والألفاظ منه رسول )
54 - ( ذئب يوسف ) يضرب مثلا لمن يرمى بذنب جناه غيره وهو برىء الساحة منه قال أبو عبيد الله بن الحجاج الكاتب
( قد أذنب القوم وألزمته ... كأنهم أولاد يعقوب )
( إذ جعلوا يوسف في جبه ... وأوقعوا الذنب على الذيب )
قال الجاحظ قال أبو علقمة إن اسم الذئب الذى أكل يوسف رغمون فقيل له إن يوسف لم يأكله الذئب وإنما كذبوا عليه ولذلك قال الله تعالى ( وجاءوا على قميصه بدم كذب ) قال فهذا اسم الذئب الذى لم يأكله قبل فينبغى أن يكون هذا الأسم لجميع الذئاب فإن الذئاب كلها لم تأكله
وللبديع الهمذانى من فصل له كذب القميص لا ذنب للذيب فى تلك الأكاذيب
55 - ( قميص يوسف ) أجرى الله تعالى أمر يوسف من ابتدائه إلى انتهائه على ثلاثة أقمصة أولها قميصه المضرج بدم كذب والثانى قميصه الذى (1/46)
قد من دبر والثالث قميصه الذى ألقى على وجه أبيه فارتد بصيرا ولكل من هذه الأقمصة موضع من ضرب المثل وإجراء النادرة
فيروى أن إخوة يوسف لما قالوا لأبيهم ( إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ) قال لهم أرونى قميصه فأروه إياه مضرجا بالدم غير ممزق فقال تالله ما رأيت ذئبا أحلم من هذا وأرفق أكل ابنى ولم يمزق قميصه
وأنشدنى أبو عبيد الله المرزبانى في كتابه كتاب المستنير لأبى الشيص
( وقائلة وقد بصرت بدمع ... على الخدين منهمر سكوب )
( أتكذب في البكاء وأنت خلو ... قديما ما جسرت على الذنوب )
( جفونك والدموع تجول فيها ... وقلبك ليس بالقلب الكئيب )
( نظير قميص يوسف يوم جاءوا ... على لباته بدم كذوب )
( فقلت لها فداك أبى وأمى ... رجمت لسوء ظنك بالغيوب )
وأما القميص الثانى فلأبى الحارث جميز فيه نادرة طريفة وهى أنه رئى في ثياب متخرقة فقيل له ألا يكسوك محمد بن يحيى فقال لو كان له بيت مملوء إبرا وجاءه يعقوب ومعه الأنبياء شفعاء والملائكة ضمنا يطلب منه إبرة ليخيط بها قميص يوسف الذى قدمن دبر ما أعاره إياها فكيف يكسونى
ونظم هذا المعنى من قال
( لو أن دارك أنبتت لك واحتشت ... إبرا يضيق بها فناء المنزل )
( وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ... ليخيط قد قميصه لم تفعل ) (1/47)
وقال العباس بن الأحنف
( وقد زعمت جمل بأنى أردتها ... على نفسها تبا لذلك من فعل )
( سلوا عن قميص مثل شاهد يوسف ... فإن قميصى لم يكن قد من قبل )
وأما القميص الثالث فهو مثل سائر في لطف الموقع كما قال أبو الطيب المتنبى
( كأن كل سؤال في مسامعه ... قميص يوسف في أجفان يعقوب )
وقال أبو عثمان الخالدى للوزير المهلبى وذكر معز الدولة
( إن غبت أودعك الإله حياطة ... وإذا قدمت أباحك الترحيبا )
( ويكون من مقة كتابك عنده ... كقميص يوسف إذ أتى يعقوبا )
ولبلغاء المترسلين لاسيما أهل العصر منهم في التمثيل بهذا القميص نكت وغرر ومن أحسنها فصل للأمير السيد أبى الفضل من رسالة إلى أبيه وصل كتاب مولانا فعددت يوم وروده عيدا أعاد عهد السرور جديدا ورد طرف الحسود كليلا وقد كان حديدا ولم أشبه في غهداء الروح ورد الشفاء وتلاقى الروح بعد أن أشفت على المكروه كل الإشفاء إلا بقميص يوسف حين تلقاه يعقوب من البشير وألقاه على وجهه فنظر بعين البصير فكم أوسعته لثما واستلاما والتقطت منه بردا وسلاما حتى لم يبق في الصدر غلة إلا بردتها ولا غمة في النفس إلا طردتها ولا شريعة من الأنس إلا رويت منها وقد وردتها
ومنها فصل لبى العباس الضبى وصل كتاب مولانا فكان رحمه الله عند أيوب وقميص يوسف عند أجفان يعقوب
56 - ( حسن يوسف ) يضرب به المثل في شعراء العرب والعجم
وفى الخبر أن يوسف أعطى نصف الحسن فكان النصف له والنصف لسائر الناس وما الظن عن النسوة لما ( رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم
وكان أبو عيسى بن الرشيد أحسن أهل زمانه حتى إنه كان أحسن من أخيه محمد الأمين وهو المضروب به المثل في الحسن فكان يقال لأبى عيسى يوسف الزمان وسيمر ذكره في موضعه من الكتاب
57 - ( سنو يوسف ) يضرب بها المثل في القحط والشدة وكانت سبعا متواترة قال النبي ( اللهم اشدد وطاتك على مصر وابعث فيهم سنين كسنى يوسف ) فاستجاب الله دعاءه حتى شووا الجلد وأكلوا القد
ومن قصة سنى يوسف أنه كان قد أعد فى سنى الخصب من الحنطة والشعير وسائر الحبوب في الأهراء والخزائن ما يسع أهل مصر وغيرهم فلما كانت تلك السنون الشداد جعل يوسف يبيعهم فى السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى استغرق دراهم مصر ودنانيرها ثم باعهم في الثانية بالحلى والجواهر حتى لم يبق في أيدى الناس شىء منها ثم باعهم فى الثالثة بالمواشى والدواب حتى أحتوى عليها كلها ثم باعهم في الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق لأحدهم عبد ولا أمة ثم باعهم فى الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى جمع بين ملك مصر وملكها ثم باعهم في السادسة بأولادهم حتى استرقهم ثم باعهم فى السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا وصارت أمة له ثم إنه قال إنى لم أملك مصر لأملك أهلها (1/48)
56 - ( حسن يوسف ) يضرب به المثل في شعراء العرب والعجم
وفى الخبر أن يوسف أعطى نصف الحسن فكان النصف له والنصف لسائر الناس وما الظن عن النسوة لما ( رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم
وكان أبو عيسى بن الرشيد أحسن أهل زمانه حتى إنه كان أحسن من أخيه محمد الأمين وهو المضروب به المثل في الحسن فكان يقال لأبى عيسى يوسف الزمان وسيمر ذكره في موضعه من الكتاب
57 - ( سنو يوسف ) يضرب بها المثل في القحط والشدة وكانت سبعا متواترة قال النبي ( اللهم اشدد وطأتك على مصر وابعث فيهم سنين كسنى يوسف ) فاستجاب الله دعاءه حتى شووا الجلد وأكلوا القد
ومن قصة سنى يوسف أنه كان عليه السلام قد أعد فى سنى الخصب من الحنطة والشعير وسائر الحبوب في الأهراء والخزائن ما يسع أهل مصر وغيرهم فلما كانت تلك السنون الشداد جعل يوسف يبيعهم فى السنة الأولى بالدراهم والدنانير حتى استغرق دراهم مصر ودنانيرها ثم باعهم في الثانية بالحلى والجواهر حتى لم يبق في أيدى الناس شىء منها ثم باعهم فى الثالثة بالمواشى والدواب حتى أحتوى عليها كلها ثم باعهم في الرابعة بالعبيد والإماء حتى لم يبق لأحدهم عبد ولا أمة ثم باعهم فى الخامسة بالضياع والعقار والدور حتى جمع بين ملك مصر وملكها ثم باعهم في السادسة بأولادهم حتى استرقهم ثم باعهم فى السابعة برقابهم حتى لم يبق بمصر حر ولا حرة إلا صار عبدا وصارت أمة له ثم إنه عليه السلام قال إنى لم أملك مصر لأملك أهلها (1/49)
ولم أبرهم لأجفوهم فأعتقهم كلهم ورد عليهم أموالهم وأملاكهم وأولادهم فذلك قول الله عز و جل ذكره ( وكذلك مكنا ليوسف في الأرض )
58 - ( ريح يوسف ) يضرب مثلا فيما يحس به من أثر الشىء السار كما يحكى أن آدم بن عمر بن عبد العزيز استأذن على يعقوب بن الربيع وهو على الشراب فأمر برفعه وأذن له فلما دخل قال ( إنى لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) فضحك يعقوب وأمر برد الشراب ونادمه يومه
59 - ( عصا موسى ) قال الله عز و جل ( وما تلك بيمينك يا موسى قال هى عصاى أتوكأ عليها وأهش بها على غنمى ولى فيها مآرب أخرى )
قال الجاحظ من يستطيع أن يدعى الإحاطة بما في قول موسى ( ولى فيها مآرب أخرى ) إلا بالتقريب وذكر ما خطر على البال ولكننى سأذكر جملا تدخل في باب الحاجة إلى العصا فمنها أنها تحمل للحية والعقرب والذئب والفحل الهائج في زمن هيج الفحول ويتوكأ عليها الشيخ الدالف والسقيم المدنف والأقطع الرجل والأعرج فإنها تقوم مقام الرجل الأخرى وتنوب للأعمى عن قائده وتتخذ محراكا للتنور وهى لدق الجص والحشيش والسمسم ولخبط الشجر وهى للقصار والمكارى فإنهما يتخذان المخاصر من عصى قصار فإذا طال الشوط وبعدت الغاية استعانا فى عدوهما (1/50)
وهرولتهما فى أضعاف ذلك لاعتمادها على وجه الأرض وهى تعدل من ميل المفلوج وتقيم من ارتعاش المحموم ويتخذها الراعى لغنمه وكل راكب لمركبه ويدخل الرجل عصاه فى عروة المزود ويمسك بيده الطرف الآخر وربما كان أحد طرفيها في يد رجل والطرف الآخر في يد صاحبها وعليها حمل ثقيل وتكون إن شئت وتدا في حائط وإن شئت ركزتها في الفضاء قبلة وإن شئت جعلتها مظلة وإن شئت جعلت فيها زجا فكانت عنزة وإن زدت فيه فجعلته سنانا كانت عكازة وإن زدت فيها شيئا كانت مطردا وإن زدت فيها شيئا كانت رمحا وإن أردت كانت سوطا وسلاحا ومخصرة
وممن ضرب المثل بعصا موسى فأحسن وأبدع ابن الرومى حيث قال
( مديحى عصا موسى وذلك أننى ... ضربت به بحر الندى فتضحضحا )
( فياليت شعرى إن ضربت به الصفا ... أيبعث لى منه جداول سيحا )
( كتلك التى أندت ثرى الأرض يابسا ... وأبدت عيونا فى الحجارة سفحا )
( سأمدح بعض الباخلين لعله ... إن اطرد المقياس أن يتسمحا )
ولو لم يفترع غير هذا المعنى البكر لكان أشعر الناس إذ شبه مديحه بعصا موسى التى ضرب بها البحر فيبس وضرب بها الحجر فانبجس وذلك ان ابن الرومى مدح جوادا فبخل فقال سأمدح بخيلا فلعله أن يجود على هذا القياس
ومن مليح ما قيل فى عصا موسى قول أبى الطيب الشعيرى من أهل الشام
( قل لمن يحمل العصا ... حيث أمسى وأصبحا ) (1/51)
( ما حوتها يد امرىء ... بعد موسى فأفلحا ) وظرف من قال
( علمت يا مشاجع بن حارثه ... أن العصا فى الوحل رجل ثالثة )
60 - ( نار موسى ) تضرب مثلا للشىء الهين اليسير يطلب فيوجد بسببه العلق النفيس والغنيمة الباردة قال ابن عائشة كن لما لا ترجو أرجى منك لما ترجو فإن موسى ذهب يقتبس النار فكلمه الملك الجبار وقد أعدت ذكر هذه النار في باب النيران من هذا الكتاب
61 - ( يد موسى ) يشبه بها ما يوصف بحسن البياض وشعاع النور لقول الله تعالى فى قصة موسىعليه السلام ( اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء )
قال بعض أهل العصر فى الغزل
( لك صدغ كأنه قلب فرعون ... ووجه كأنه يد موسى )
( وفم قد أتى ببرهان عيسى ... فهو بالطيب منه يحيى النفوسا )
واخترع ابن طباطبا العلوى في ذكر هذا البياض معنى آخر أحسن فيه على إساءته قال لأبى على بن رستم
( أنت أعطيت من دلائل رسل الله ... آيا بها علوت الرءوسا )
( جئت فردا بلا أب وبيمناك ... بياض فأنت عيسى وموسى )
62 - ( بقية قوم موسى ) يضرب بهم المثل فى الملال وقلة الصبر لأنهم لم يصبروا على طعام واحد كما قال الشاعر
( وقوم موسى فى الزمان البائد ... لم يصبروا على طعام واحد ) (1/52)
وقال أبو نواس
( أتيت فؤادها أشكو إليه ... فلم أخلص إليه من الزحام )
( فيامن ليس يكفيها خليل ... ولا ألفا خليل كل عام )
( أراك بقية من قوم موسى ... فهم لا يصبرون على طعام ) وقال العباس بن الأحنف
( يا قوم لم أهجركم لملالة ... حدثت ولا لمقال واش حاسد )
( لكننى جربتكم فوجدتكم ... لا تصبرون على طعام واحد )
63 - ( لطمة موسى ) تضرب مثلا لما يسوء أثره وفى أساطير الأولين أن موسى سأل ربه أن يعلمه بوقت موته ليستعد لذلك فلما كتب الله له سعادة المحتضر أرسل إليه ملك الموت وأمره بقبض روحه بعد أن يخبره بذلك فأتاه فى صورة آدمى وأخبره بالأمر فما زال يحاجه ويلاجه وحين رآه نافذ العزيمة فى ذلك لطمه فذهبت منها إحدى عينيه فهو إلى الآن أعور وفيه قيل
( يا ملك الموت لقيت منكرا ... لطمة موسى تركتك أعورا )
وأنا برىء من عهدة هذه الحكاية
64 - ( خليفة الخضر ) يقال للرجل إذا كان جوالا فى الأسفار جوابا للأفاق فلان خليفة الخضر كما قال أبو تمام فى نفسه
( خليفة الخضر من يأوى إلى وطن ... فى بلدة فظهور العيس أوطانى ) ثم قال
( بالشام قومى وبغداد الهوى وأنا ... بالرقتين وبالفسطاط إخوانى ) (1/53)
( وما أظن النوى ترضى بما صنعت ... حتى تسافر بى اقصى خراسان )
قال القاضى ابو الحسن على بن عبد العزيز أما الخضر فالناس فى امره فريقان منكر ومكذب ومقر ومصدق ومعظم أهل الشرائع والنبوات يثبت عينه وإن اختلف فى نعته وإنما ينكره خواص من متكلمى الإسلام ومتخصصى الملل فأما عوام ملتنا والسواد الأعظم من أهل الكتابيين والمجوس فهم على افتراق المذاهب بهم فى اسمه وصفته وفى زمانه ومدته مطبقون على إثبات عبد لله صالح حى على الدهر ممدود له فى الأجل جوال فى الأرض مغيب الشخص عن الأبصار وربما تجاوز جهال هذه الأمم إلى تثبيت أمور هى أبعد من العقول وأذهب فى طريق الاستحالة كاستتاره عن العيون وهو حاضر وقصورها عنه وهو شاهد وقطعه الأمكنة البعيدة فى الأزمنة اليسيرة وتصوره عند ذكر كل من ذكره ومثوله بحضرة كل من دعا باسمه وإن اختلفت بهم الأماكن وتباعدت بينهم المسافة حتى إنه ليكون فى أقصى المشرق وعند منتهى العمارة وفى منقطع الترب ومسقط الشمس من آخر المغرب فى وقت واحد وربما طوى ما بينهما فى قدر رجع البصر وزمان امتداد الطرف إلى أكاذيب شنيعة وحماقات عجيبة ورب سفيه ماجن وخليع مارد قد استغوى ضعفه قوم فأعد لهم أثرا فى صخرة أو موطىء قدم على صفحة أرض فادعى أن رجلا حسن الهيئة والشارة جميل الرواء والسحنة عطر الثوب والبزة قد ظهر فى موضع كذا أو على جبل كذا ثم أراهم ذلك الأثر فلم يشك القوم أن الخضر ظهر له وأن نعمة من الله أهديت إليه وكرامه من كراماته أفيضت عليه فاتخذوا ذلك الماجن إماما وتلك البقعة مشهدا ومثابا
وأكثر الرواة والعلماء على أنه صاحب موسى الذى قال له موسى ( هل (1/54)
أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا )
وقال بعضهم إنما كان السبب في امتداد عمره وتأخر يومه والعلة فى خلوده واتصال حياته أنه كان على مقدمه ذى القرنين ثم اقتحم الظلمات وطالبا فيها عين الحياة التى من جرع من مائها جرعة عاش مخلدا ولم يذق الموت أبدا
قالوا فبينما هم بين أطباق الظلمات وفى جو لا تتخلله الأنوار إذ هجم الخضر على تلك العين فشرب منها حتى اكتفى ولحق ذو القرنين العين وقد غارت فلم يجد لها أثرا فانكفأ راجعا وغاب عنه الخضر سائحا والله أعلم
65 - ( صبر أيوب ) قصته في البلاء والصبر عليه مشهورة والمثل بها سائر قال ابن لنكك
( نحن من الدهر في أعاجيب ... فنسأل الله صبر أيوب )
( أقفرت الأرض من محاسنها ... فابك عليها بكاء يعقوب )
66 - ( حوت يونس ) يشبه به النهم الأكول الجيد الالتقام والالتهام كما يشبه بعصا موسى كما كتب أبو الخطاب الصابى إلى عز الدولة أبو منصور بختيار على سبيل المطايبه وأمره أن يتخير من أطايب ما يقرب إليه ولا يتعذر هضمه ولا يبطىء استمراؤه وأن يعتمد صدور الدجاج وخواصر الحملان ويتجنب شحوم الكلى فإنها تمنع من الإمعان وأن يحاكى حوت يونس في جودة الالتقام وثعبان موسى في سرعة الالتهام ويبادر الطرف باستراطه ويسبق النفس بازدراده (1/55)
67 - ( درع داود ) قال الله عز و جل في قصة داود ( وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر في السرد ) قال المفسرون كان الحديد في يده كالعجين في يد أحدكم وقالوا في قوله ( وقدر في السرد ) أى لا تضيق ثقب مسامير الدروع فتخرق ولا توسعها فتفلق
قالوا ولم يكن قبل داود دروع وإنما كانت صفائح من حديد مضروبة وهو أول من عملها ولبسها وألبسها قال أبو ذؤيب
( وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أمتن من سوابغ تبع )
وأحسن السلامى فى قوله من قصيدة لعضد الدولة
( ألبستهم نسج داود فنلت بهم ... ملك ابن داود إذ دانت له الأمم )
68 - ( نغمة داود ) يضرب بها المثل في الطيب وكان عليه السلام إذا قام في محرابه يقرأ الزبور عكفت عليه الوحش والطير تصغى إليه ولذلك قال ابن الرومى في ذم صياد يرمي بقوس البندق ولا يخطىء بإصابته
( تستأنس الطير إلى قوسه ... كأنها محراب داود )
وقال أبو على البصير فى جارية قارئة اسمها سكر
( أسكرتنى سكرا بغير شراب ... وأتت إذ أتت بأمر عجاب )
( لم ترجع بآية من كتاب الله ... حتى نسيت أم الكتاب )
( أذكرتنى بصوتها صوت داود ... يقرى الزبور في المحراب ) (1/56)
وقال بعض العرب
( لها حكم لقمان وصورة يوسف ... ونغمة داود وعفة مريم )
( ولى سقم أيوب وغربة يونس ... وأحزان يعقوب ووحشة آدم )
69 - ( مزامير داود ) حدث أبو عاصم عن ابن جريج قال سألت عطاء عن قراءة القرآن على ألحان الغناء والحداء فقال لا بأس فقد حدثنى عبيد الله بن عمير الليثى أنه كان لداود مزامير يزمر بها إذا قرأ الزبور فكان إذا اجتمع عليه الإنس والجن والوحش والطير أبكى من حوله قال ابن الحجاج
( هذا ومعشوقتى مجنجنة ... أطيب من جنجن بطنبور )
( لها غناء أشجى إذا نغمت ... من صوت داود بالمزامير ) وقال المبرد مزامير آل داود كأنها ألحانهم وأغانيهم
وقال غيره إن طيب صوته ونعمة نغمته شبها بالمزامير ولا مزامير ولا معازف هناك والله أعلم
70 - ( خاتم سليمان ) يضرب به المثل في الشرف والعلو ونفاذ الأمر وذلك أن ملكه زال عنه بعدمه وعاوده مع عوده والقصة فيه معروفه سائرة ويقال إنه كان معجزة له كما كانت عصا موسى من معجزاته وبه اقتدى الملوك بعده فى اتخاذ خواتم الملوك ودواوين الخاتم
71 - ( جن سليمان ) لما سخر الله تعالى لسليمان الجن والشياطين وجعلهم يصدرون عن رأيه ويتصرفون عن أمره أضيفوا إليه فقيل جن سيمان وشياطين سليمان كما قال البحترى (1/57)
( كأن جن سليمان الذين ولوا ... إبداعها فأدقوا فى معانيها ) وقال غيره لبعض الملوك
( شيدت قصرا عاليا مشرفا ... بطالعى سعد ومسعود )
( كأنما يرفع بنيانه ... جن سليمان بن داود )
( لا زلت مسرورا به باقيا ... على اختلاف البيض والسود )
وأنشد الجاحظ للنابغة
( إلا سليمان إذ قال المليك له ... قم فى البرية فاحددها عن الفند )
( وخيس الجن إنى قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد )
ثم قال وأهل تدمر يزعمون أن ذلك البناء بنى قبل زمن سليمان بأكثر من قدر ما بيننا اليوم وبين زمن سليمان قالوا ولكنكم إذا رأيتم بنيانا عجيبا وجهلتم موضع الحيلة فيه أضفتموه إلى الشياطين ولم تعانوه بالفكر وأنشد للعرجى
( سدت مسامعها لقرع مراجل ... من نسج جن مثله لا ينسج )
وقال الأصمعى السيوف المأثورة هى التى يقال إنها من عمل الجن والشياطين لسليمان فأما القوارير والحمامات فذلك ما لا شك فيه وقال البعيث
( بنى زياد لذكر الله مصنغة ... من الحجارة لم تعمل من الطين )
( كأنها غير أن الإنس ترفعها ... مما بنت لسليمان الشياطين )
وأحسن ما حوضر به عن شياطين سليمان قول أبى القاسم غانم بن أبى العلاء الأصفهانى فى مرثية الصاحب
( يا كافى الملك ما وفيت حقك من ... مدح وإن طال تقريظ وتأبين )
( فت الصفات فما يرثيك من أحد ... إلا وتزيينه إياك تهجين ) (1/58)
( ما مت وحدك بل قد مات من ولدت ... حواء طرا بل الدنيا بل الدين )
( هذى نواعى العلا مذمت نادبة ... من بعد ما ندبتك الحور والعين )
( تبكى عليك العطايا والصلات كما ... تبكى عليك الرعايا والسلاطين )
( قام السعاة فكان الخوف أقعدهم ... واستيقظوا بعد ما نام الملاعين )
( لا يعجب الناس منهم إن هم انتشروا ... مضى سليمان فانحل الشياطين )
72 - ( سير سليمان ) يضرب به المثل في السرعة لأن الله تعالى يقول ( ولسليمان الريح غدوها شهر ورواحها شهر )
ويروى أنه كان يسير فى يوم واحد من إصطخر فارس إلى بيت المقدس وبه ضرب المثل سلم بن عمرو حيث قال للهادى وقد ركب البريد من جرجان إلى بغداد لما بلغه وفاة المنصور
( لما أتت خير بنى هاشم ... خلافة الله بجرجان )
( أسرع فى الأرض وقد سارها ... يحكى لنا سير سليمان )
ومن المسير المذكور فى العرب مسير حذيفة بن بدر وسيمر ذكر ذلك فى الكتاب فى مكانه إن شاء الله تعالى
73 - ( ملك سليمان ) يضرب به المثل فى الاتساع والانبساط وذلك أنه ملك ملكا لا ينبغى لأحد من بعده وفى عوده إليه بعد ذهابه وزواله يقول الشاعر
( قد زال ملك سليمان فعاوده ... والشمس تنحط فى المجرى وترتفع )
74 - ( حمار عزير ) يجرى ذكره فى عدة مواضع فمنها أنه يضرب (1/59)
مثلا للمنكوب فينتعش لأن الله تعالى أحياه بعد مائة عام من موته قال الصاحب فى أبى محمد عبد الله بن محمد بن عزير لما استوزر بعد النكبة حمار عزير ذاك لا ابن عزير
ونظر الفضل بن عيسى الرقاشى إلى حمار فاره تحت سلم بن قتيبة فقال قعدة بني وبذله جبار ذهب إلى حمار عزير وعيسى
وقال بعض المتعصبين للحمار والقائلين بفضله وكيف لا أحب شيئا أحياه الله بعد موته قبل الحشر يعنى حمار عزير
وحكى الجاحظ عن مقاتل بن سليمان قال قال موسى للخضر أى الدواب أحب إليك قال الفرس والحمار لأنهما من مراكب الأنبياء قال الجاحظ أما الفرس فمركب أولى العزم من الرسل وكل من أمره تعالى بحمل السلاح وقتال الكفار وأما البعير فمركب هود وصالح وشعيب ومحمد وأما الحمار فمركب عزير وعيسىعليه السلام 5
7 - ( طب عيسى ) يضرب به المثل لأنه كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيى الموتى بإذن الله
ومن أمثال العرب فلان يتطبب على عيسى بن مريم قال المتنبى
( فآجرك الإله على عليل ... بعثت إلى المسيح به طبيبا )
وقال أبو بكر الخوارزمي
( وما كنت فى تركيك إلا كتارك ... طهورا وراض بعده بالتيمم )
( وراوى كلام يقتفى إثر باقل ... ويترك قسا جانبا وأبن أهتم )
( وذى علة يأتى طبيبا ليشتفى ... به وهو جار للمسيح بن مريم ) (1/60)
76 - ( دم يحيى بن زكريا ) قال أبو عمرو بن العلاء قيل لنا فى دار فلان ناس قد اشتملوا على سوءة لهم وهم جلوس على خمرة وعندهم طنبورة فدخلنا عليهم فى جماعة من رجال الحى فإذا فتى جالس فى وسط الدار وأصحابه حوله وهم بيض اللحى وإذا هو يقرأ عليهم دفتر شعر فقال الذى كان سعى بهم السوءة فى ذلك البيت فإن دخلتموه عثرتم بها قال فقلت لا والله لا كسفت فتى أصحابه شيوخ وفى يده دفتر علم ولو كان فى ثوبه دم يحيى بن زكريا
اختلفوا فى مقتل يحيى هل هو بالمسجد الأقصى أو بغيره
وعن سعيد بن المسيب قدم بخت نصر دمشق فإذا هو بدم يحيى بن زكريا يغلى فسأل عنه فأخبروه فقتل على دمه سبعين ألفا فسكن وقد طعن فى صحة هذا القول
77 - ( بردة النبي ) يضرب بها المثل فى البلى والخلوقة فيقال أعتق من الحنطة ومن بردة النبي وهى التى كساها رسول الله كعب بن زهير رضى الله عنه لما أنشده قصيدته التى منها
( نبئت أن رسول الله أوعدنى ... والعفو عند رسول الله مأمول )
فاشتراها معاوية منه بستمائة دينار فلم يزل الخلفاء يتداولونها تبركا بها إلى يومنا هذا
ومن ظريف التمثيل بها قول جعيفر الموسوس فى رجل استوهبه جعيفر دراعة له فقال قد لبسها ابى وأنا أكره أن يلبسها أحد بعده (1/61)
( سألته دراعة ... لباسها يحسن بى )
( فقال لى أكره أن ... تلبسها بعد أبى )
( وقد رأى البردة من ... يلبسها بعد النبي )
78 - ( داء الأنبياء ) قال الجاحظ ومن المفاليج إدريس النبي وروى أن الفالج من أمراض الأنبياء قال ولا أعرف إسناد هذين القولين ومثل هذا يحتاج فيه إلى الرواية عن الثقات إلا ما حدث به عباد بن كثير الخزاعى عن الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس قال قال رسول الله ( داء الأنبياء الفالج واللقوة )
قال الجاحظ وأكثر ما يعترى الفالج المتوسطين فى الأسنان لأن الشباب كثير الحرارة والشيخوخة كثيرة اليبس فأكثر ما يعترى بين هذين السنين
79 - ( فقر الأنبياء ) يقال ذلك لأن فقراءهم أكثر من أغنيائهم والفقر شعار الصالحين
ويروى أن نبيا من الأنبياء شكا لله تعالى شدة الفقر فأوحى الله تعالى إليه هكذا أجرى أمرك عندى أفتريد أن أعيد الدنيا من أجلك على أنه لا يجوز وصف الأنبياء بالفقر كما صرحوا به لأن تركهم الدنيا عن قدرة وحديث الفقر لا أصل له
وقال البحترى
( فقر كفقر الأنبياء وغربة ... وصبابة ليس البلاء بواحد ) (1/62)
الباب الثالث فيما يضاف وينسب إلى الملائكة والجن والشياطين
خط الملائكة
طاوس الملائكة
غسيل الملائكة
قوط الملائكة
سيرة الملائكة
جناح الملائكة
جناح جبريل
حربة ابى يحيى
سحر هاروت
رماح الجن
ديك الجن
كلاب الجن
ذبائح الجن
جند إبليس
إبليس الأباليس
صديق إبليس
قبح الشيطان
خطوات الشيطان
أصابع الشيطان
رقى الشيطان
مكيال الشيطان
ظل الشيطان
لطيم الشيطان
مخاط الشيطان
بريد الشيطان
وكر الشيطان
حبائل الشيطان
خمر الشيطان
رءوس الشياطين
الاستشهاد
80 - ( خط الملائكة ) يكنى به عن الخط الردىء ولما وصف الله الملائكة بالكتابة فقال ( كراما كاتبين ) قال ( ورسلنا لديهم يكتبون ) ولما كان خطهم غير بين للناس وأجود الخط أبينه قيل فى الكناية عن الخط الردىء خط الملائكة
وسمعت أبا القاسم الطهمانى الفقيه يقول سمعت أبا محمد يحيى بن محمد العلوى يقول إنما شبه الخط الردىء بخط الملائكة لأن أردأ الخط الرقم وخط الملائكة رقم كما قال الله تعالى ( كتاب مرقوم يشهده المقربون )
81 - ( طاوس الملائكة ) كان عندنا بنيسابور شيخ يقال له أبو بكر الفارسى المذكر يقص ويذكر وكان تفسير ابن الكلبى على طرف لسانه (1/63)
وبسبب الإسراع فيه وفى القراءة كان يقال هو بحذاء القرآن كناية عن حفظه له وكان إذا ذكر جبريل قال له طاوس الملائكة وما أشك فى أنه ليس أبا عذرة هذا اللقب وإنما هو أخذ خلفا عن سلف والله أعلم
82 - ( غسيل الملائكة ) هو حنظلة بن أبى عامر الأنصارى غسلته الملائكة وذلك أنه خرج يوم أحد فأصيب فقال رسول الله ( هذا صاحبكم قد غسلته الملائكة ) فسئلت عن ذلك امرأته فقالت إنه كان معى على ما يكون عليه الرجل مع امرأته فأعجلته حطمة بالمسلمين منعته عن الاغتسال فخرج فأصيب وفيه يقول الأحوص وكان حنظلة خال أبيه
( غسلت خالى الملائكة الأبرار ... ميتا أكرم به من صريع )
وقد ذكر المبرد نفرا ممن كان بينهم وبين الملائكة سبب فمنهم سعد بن معاذ هبط لموته سبعون ألف ملك لم يهبطوا إلى الأرض قبلها وقبض رسول الله رجله وهو يمشى فى جنازته لئلا يطأ على جناح ملك واهتز لموته عرش الله وفى ذلك يقول حسان
( وما اهتز عرش الله من موت هالك ... سمعنا به إلا لموت أبى عمرو )
وكبر عليه رسول اله تسعا كما كبر على حمزة وشم (1/64)
من تراب قبره ريح المسك
ومنهم حسان بن ثابت قال له رسول الله ( اهجهم وروح القدس معك ) وقال فى حديث آخر ( إن الله مؤيد حسان بروح القدس ما نافح عن نبيه ) وكان يوضع لحسان منبر فى مؤخر المسجد يقوم عليه فينافح عن رسول الله
ومنهم عمران بن حصين كان تصافحه الملائكة وتعوده ثم افتقدها فأتى رسول الله فقال يا رسول الله إن رجالا كانوا يأتوننى لم أر أحسن وجوها ولا أطيب أرواحا منهم ثم انقطعوا عنى فقال رسول الله أصابك جرح فكنت تكتمه فقال أجل قال ثم أظهرته قال قد كان ذاك قال ( أما لو والله أقمت على كتمانه لزارتك الملائكة إلى أن تموت ) وهذا جرح أصابه فى سبيل الله
ومنهم جرير بن عبد الله البجلى قال رسول الله ( يطلع عليكم من هذا الفج خير ذى يمن فإن عليه مسحة ملك )
ومنهم دحية بن خليفة الكلبى كان جبريل يهبط فى صورته فمن ذلك يوم بنى قريظة لما انصرف رسول الله من الخندق هبط عليه جبريل عليه السلام فقال يا محمد أقد وضعت سلاحك وما وضعت الملائكة أسلحتها بعد إن الله يأمرك أن تسير إلى بنى قريظة وهأنذا سائر إليهم فمزلزل بهم فأمر رسول الله الناس ألا يصلوا العصر إلا فى بنى قريظة وجعل يمر بالناس فيقول أمر بكم أحد فيقولون مر بنا دحية بن خليفة على بغلة وعليه قطيفة خز نحو بنى قريظة فيقول ذاك جبريل ثم مر بهم (1/65)
دحية بعد ذلك وكان لا يزال بعد ذلك اليوم ينزل على صورته كما ظهر إبليس فى صورة سراقة بن مالك بن جعشم الكنانى وفى صورة الشيخ النجدى يوم دار الندوة حين أشار بأن تجتمع قريش فتضرب رسول الله بسيف واحد والله سبحانه وتعالى أعلم
83 - ( قوط الملائكة ) قرأت وسمعت أن بقرب باب آمد صخرة عظيمة فيها صدع يخرج منه عين ماء يشرب منه الناس والأنعام ويقال لذلك الصدع قوط الملائكة والقوط بلغتهم الفرج
84 - ( سيرة الملائكة ) أنشدنى أبو الفتح البستى لنفسه فى أبى سعد ابن ملة الهروى
( أما الكريم أبو سعد وهمته ... فقد غدا فى العلا أعجوبة الفلك )
( لو استعار الورى إكسير سيرته ... لكان أجودهم فى سيرة الملك )
85 - ( جناح الملائكة ) قال الله تعالى فى وصف الملائكة ( أولى أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد فى الخلق ما يشاء )
86 - ( جناح جبريل ) وقد ضرب المثل بجناح جبريل فى البركة والشفاء بعض أهل العصر فقال فى وصف رقعة فى العيادة وردت عليه
( أرقعة فى عيادتى وردت ... أم رقية قد شفت لتعجيل )
( أم عوذة عن نبينا صدرت ... أم مسحة من جناح جبريل )
87 - ( حربة أبى يحيى ) أبو يحيى هو ملك الموت وانما كنى بهذه (1/66)
الكنية كناية عن الموت كما كنى عن اللديغ بالسليم وعن المهلكة بالمفازة قال الصاحب فى أخوين مليح وقبيح واسم المليح منهما يحيى
( يحيى حلو المحيا ولكن له ... أخ حكى وجه أبى يحيى )
وحربة أبى يحيى يراد بها مقدمة من مقدمات الموت على جهة التمثيل والاستعارة قال بعض أهل العصر
( عذيرى من الأيام مدت صروفها ... إلى وجه من أهوى يد النسخ والمحو )
( وأبدت بوجهى طالعات أرى بها ... سهام أبى يحيى مسددة نحوى )
( فذاك سواد الخط ينهى عن الهوى ... وهذا بياض الوخط يأمر بالصحو )
88 - ( سحر هاروت ) يضرب به المثل وينسب إليه السحر دون صاحبه ماروت لأن الله تعالى بدأ به فقال ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) وكذلك يقال أقصر من يأجوج ولا يقال من مأجوج قال ابن برد
( وكان رجع حديثها ... قطع الرياض كسين زهرا )
( وكأن تحت لثامها ... هاروت ينفث منه سحرا )
وقال عبد الله بن المعتز
( أسترزق الله عطف الحب من رشإ ... يشوب تذكير عينيه بتأنيث )
( كأن فى طرفه هاروت يقصدنى ... منه بسحر إلى الأحشاء منفوث )
وقال الصاحب
( لقد ظن بدر التم نقص جماله ... فبعدا لوجه البدر مع سوء ظنه )
( ولو أن هاروتا رأى سحر عينه ... تعلم كيف السحر من حد جفنه ) (1/67)
89 - ( رماح الجن ) العرب تسمى الطاعون رماح الجن وجاء فى الحديث ( إنه وخز أعدائكم من الجن )
ولما كان طاعون عمواس قام عمرو بن العاص فى الناس خطيبا فقال يأيها الناس إن هذا الطاعون قد ظهر وانما هو وخز من الشياطين ففروا منه فى الشعاب وبلغ ذلك معاذ بن جبل فأنكر عليه هذا القول ثم لم يلبث أن مات فيه
قال الجاحظ وقد كانت الطواعين تقع كثيرا فتصير تواريخ كطاعون عمواس وطاعون العذارى وطاعون الأشراف وغيرها ولما ملك بنو العباس رفع الله ببركتهم الطواعين والموتان الجارف عن بنى آدم فإنها كانت تحصد فيهم حصدا وفى ذلك يقول العمانى للرشيد
( قد أذهب الله رماح الجن ... وأذهب التعليق والتجنى )
يريد أن ما كان بنو مروان يفعلونه من مطالبة الناس بالأموال وتعذيب عمال الخراج بالتعليق والتجريد قد ذهب
وقالت امرأة قتل ابنها غير أكفائه
( لعمرك ما خشيت على عدى ... رماح بنى مقيدة الحمار )
( ولكنى خشيت على عدى ... رماح الجن أو إياك حار )
كأنها قالت إنما كنت أخشى على ابنى طواعين الشام أو الحارث بن مالك الغسانى فأما من يرتبط الحمير ولا يرتبط الخيل فلم أكن أخشاه
وقال المنصور يوما لأبى بكر بن عياش من بركتنا أن رفع عنكم الطاعون فقال لم يكن الله ليجمعكم علينا والطاعون (1/68)
قال الصولى لما كانت سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وقع طاعون عظيم فى الناس ببغداد وما جاورها
90 - ( ديك الجن ) هو عبد السلام بن رغبان الحمصى شاعر مفلق فى المحدثين أدرك زمان المتوكل حتى قال من قصيدة له
( حتى حسبت أنو شروان من خدمى ... وخلت أن نديمى عاشر الخلفا )
ولست أعرف سبب تلقيبه بديك الجن ويشبه أن يكون قال بيتا يشتمل على ذكر ديك الجن فلقب بذلك كما لقب كثير من الشعراء بأقوال تجرى لهم مجرى الشواذ والنوادر
91 - ( كلاب الجن ) قال الجاحظ أما قول عمرو بن كلثوم
( وقد هرت كلاب الجن منا ... وشذبنا قتادة من يلينا )
فإنهم يزعمون أن كلاب الجن هم الشعراء
92 - ( ذبائح الجن ) فى الحديث أنه نهى عن ذبائح الجن وهى أن يشترى الرجل الدار أو يستخرج العين وما أشبههما فيذبح لها ذبيحة الطيرة ويضيف جماعة
93 - ( جند إبليس ) يقال ذلك للمجان والخلعاء قال الشاعر
( وكنت فتى من جند إبليس فارتقت ... بى الحال حتى صار إبليس من جندى )
94 - ( إبليس الأباليس ) قال جرير من قصيدته التى فيها
( وابن اللبون إذا مالز فى قرن ... لم يستطيع صولة البزل القناعيس ) (1/69)
( إنى ليلقى على الشعر مكتهل ... من الشياطين إبليس الأباليس )
وكانت الشعراء تزعم أن الشياطين تلقى على أفواهها الشعر وتلقنها إياه وتعينها عليه وتدعى أن لكل فحل منهم شيطانا يقول الشعر على لسانه فمن كان شيطانه أمرد كان شعره أجود
وبلغ من تحقيقهم وتصديقهم بهذا الشأن أن ذكروا لهم أسماء فقالوا إن اسم شيطان الأعشى مسحل واسم شيطان الفرزدق عمرو واسم شيطان بشار شنقناق وفى مسحل يقول الأعشى
( وما كنت ذا قول ولكن حسبتنى ... إذا مسحل يبرى لى القول أنطق )
( خليلان فيما بيننا من مودة ... شريكان جنى وإنس موفق ) وقال يذكره
( حبانى أخى الجنى نفسى فداؤه ... بأفيح جياش العشيات مرجم ) وقال أيضا فيه
( دعوت خليلى مسحلا ودعوا له ... جهنام جدعا للهجين المذمم ) وقال حسان بن ثابت
( إذا ما ترعرع منا الغلام ... فليس يقال له من هوه )
( إذا لم يسد قبل شد الإزار ... فذلك فينا الذى لاهوه )
( ولى صاحب من بنى الشيصبان ... فحينا أقول وحينا هوه )
شيصبان وشنقناق رئيسان عظيمان من الجن بزعمهم (1/70)
ولما ادعى بشار أن شنقناق يرغب فى مصاحبته ومعاونته قال
( دعانى شنقناق إلى خلف بكرة ... فقلت اتركانى فالتفرد أحمد )
يقول أحمد لى فى الشعر ألا يكون عليه معين فقال أعشى بنى سليم رد عليه
( إذا ألف الجنى قردا مشنفا ... فقل لخنازير الجزيرة أبشرى )
فجزع بشار لذلك كجزعه من قول حماد عجرد فيه
( ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمى القرد )
لأنه كان يعلم مع تغزله أن وجهه وجه قرد وفى زعمهم أن مع كل شاعر شيطانا يقول أعشى بنى سليم
( وما كان جنى الفرزدق قدوة ... وما كان فيها مثل فحل المخبل )
( وما فى الخوافى مثل عمرو وشيخه ... ولا بعد عمرو شاعر مثل مسحل )
وقال الفرزدق وهو يمدح أسد بن عبد الله القسرى
( ليبلغن أبا الأشبال مدحتنا ... من كان بالغور أو مروى خراسان )
( كأنها الذهب الإبريز حبرها ... لسان أشعر خلق الله شيطانا )
وقال أبو النجم
( إنى وكل شاعر من البشر ... شيطانه أنثى وشيطانى ذكر )
( فما يرانى شاعر إلا استتر ... فعل نجوم الليل عاين القمر ) (1/71)
وقال آخر
( إنى وإن كنت صغير السن ... وكان فى العين نبو عنى )
( فإن شيطانى أمير الجن ... يذهب بى فى الشعر كل فن )
وقال ابن ميادة
( ولما أتانى ما تقول محارب ... تغنت شياطينى وجن جنونها )
وقال منظور بن رواحة
( فلما أتانى ما يقول ترقصت ... شياطين رأسى وانتشين من الخمر )
وقال الزفيان العوافى
( أنا العوافى فمن عادانى ... أذقته بوادر الهوان )
( حتى تراه مطرق الشيطان ... علمنى الشعر معلمان )
يعنى معلما من الإنس ومعلما من الجن
وقال أبو السمط لعلى بن الجهم
( إن ابن جهم فى المغيب يعيبنى ... ويقول لى حسنا إذا لاقانى )
( ويكون حين أغيب عنه شاعرا ... ويضل عنه الشعر حين يرانى ) (1/72)
( وإذا التقينا ذاد شعرى شعره ... ونزا على شيطانه شيطانى )
( إن ابن جهم ليس يرحم أمه ... لو كان يرحمها لما عادانى )
وكان الفرزدق يقول شيطان جرير هو شيطانى إلا أنه من فمى أخبث
وقيل لجعفر بن يحيى لو قلت الشعر فقال شيطانه أخبث من أن أسلطه على عقلى
95 - ( صديق إبليس ) هو عبد الله بن هلال الذى يقال له الساحر وكان فى زمن الحجاج وكان صاحب شعبذة ونيرنجات يدعى أن إبليس يتراءى له ويصادقه ويكاتبه ويطلعه على أسراره ولما قال الحجاج ليحيى بن سعيد بن العاص أخبرنى عبد الله بن هلال صديق إبليس عليه اللعنة أنك تشبه إبليس قال وما ينكر الأمير أن يكون سيد الإنس يشبه سيد الجن فعجب من قوة جوابه
96 - ( قبح الشيطان ) بلغنى عن الصاحب أنه كان يستملح قول أبى على البصير فى أبي هفان ويستطرفه وكثيرا ما كان ينشده ويردده
( لى صديق فى خلقة الشيطان ... وعقول النساء والصبيان )
( من تظنونه فقالوا جميعا ... ليس هذا إلا أبا هفان )
قال الجاحظ إنا وإن كنا لم نر شيطانا قط ولا صورة لنا صادق ففى إجماع العرب والمسلمين وكل من لقيناه على ضرب المثل بقبح الشيطان (1/73)
دليل على أنه فى الحقيقة أقبح من كل قبيح والكتاب إنما نزل على الذين ثبت هذا فى طبائعهم غاية الثبات قال وربما قالوا فلان شيطان على معنى الشهامة والنفاذ لذلك قالوا لأبى حنيفة شيطان خرج من البحر
قال مؤلف الكتاب قلت فى كتاب يتيمة الدهر فى أبى الحسن اللحام هو من شياطين الإنس ورياحين الأنس
97 - ( خطوات الشيطان ) قال الله تعالى ( ولا تتبعوا خطوات الشيطان ) قال الزجاج خطوات الشيطان طرقه التى يسلكها أى لا تسلكوا الطرق التى يدعوكم الشيطان إليها وقال غيره أراد لا تقتفوا آثاره قال الشاعر
( يا نابذا لوصايا ... إلهه خلف ظهره )
( وتابعا خطوات الشيطان ... فى كل أمره )
( أراك لم تر ميتا ... يهوى إلى قعر قبره )
98 - ( أصابع الشيطان ) كان يقال من والاه السلطان صبعه الشيطان قال الشاعر
( قد كنت أكرم صاحب وأبره ... حتى دهتك أصابع الشيطان )
( جذ الإله بنانها وأباءها ... كم غيرت خلقا من الإنسان )
99 - ( رقى الشيطان ) هى الشعر قال جرير لما مدح عمر بن عبد العزيز فلم يعطه (1/74)
( رأيت رقى الشيطان لا تستفزه ... وقد كان شيطانى من الشعر راقيا )
وأما قول الشاعر
( ماذا يضر سليمى أن يلم بها ... مرجل الرأس ذو بردين وضاح )
( خز عمامته حلو فكاهته ... فى كفه من رقى إبليس مفتاح )
فإنه عنى ب رقى إبليس كلمات التغزل والخلابة والتجميش وما يجرى مجراها فى معاشرة النساء
100 - ( مكيال الشيطان ) قال بعض الحكماء العدل ميزان البارىء والجور مكيال الشيطان كأنه أراد ما يجرى فى الكيل من المجازفة عند الأخذ ومن التطفيف لدى الأداء فنسب ذلك إلى الشيطان
101 - ( ظل الشيطان ) العرب تقول للمتكبر الضخم ظل الشيطان قال الحجاج لمحمد بن سعد بن أبى وقاص بينا أنت ياظل الشيطان أشد الناس كبرا إذ صرت مؤذنا لفلان
102 - ( لطيم الشيطان ) يقال لمن به لقوة أوشتر يالطيم الشيطان وكان عمرو بن سعيد بن العاص يلقب بذلك
ولما بلغ عبد الله بن الزبير خبر فتك عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد قال فى خطبته بلغنا أن أبا الذبان قتل لطيم الشيطان ( وكذلك نولى بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) وكان عبد الملك يكنى أبا الذبان لشدة بخره وموت الذبان إذا دنت من فمه (1/75)
103 - ( مخاط الشيطان ) الخيوط التى تتراءى فى الهواء عند شدة الحر يقال لها مخاط الشيطان ولعاب الشمس وخيط باطل ويشبه به مالا حاصل له وما لا طائل فيه
وكان مروان بن الحكم يقال له خيط باطل لأنه كان طويلا مضطربا قال الشاعر
( لحا الله قوما أمروا خيط باطل ... على الناس يعطى من يشاء ويمنع )
104 - ( بريد الشيطان ) الوزغ ذكر الجاحظ عن شريك النخعى عن جرير عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما قال الوزغ بريد الشيطان
وفى بعض الأخبار من قتل وزغة حط الله عنه بها سبعين خطيئة ومن قتل سبعا كان كمن أعتق رقبة
105 - ( وكر الشيطان ) قال النبي ( إياكم والأسواق فإن الشيطان قد باض فيها وفرخ ) على سبيل الاستعارة والتمثيل وقد حذا الصاحب على تشبيهه فقال فى وصف بعض مواطن الشر عش من أعشاش العدوان ووكر من أوكار الشيطان
106 - ( حبائل الشيطان ) قال بعض السلف احذروا النساء فإنهن حبائل الشيطان (1/76)
وجاء فى بعض الأشعار
( إن النساء حبائل الشيطان ... )
107 - ( خمر الشيطان ) قال يحيى بن معاذ الرازى الدنيا خمر الشيطان فمن شرب منها لم يفق من سكرتها إلا وهو فى عسكر الموتى خاسرا نادما والله أعلم
108 - ( رءوس الشياطين ) يشبه بها ما يستقبح ويستهول قال الله تعالى ( إنها شجرة تخرج من أصل الجحيم طلعها كأنه رءوس الشياطين ) قال الجاحظ ليس من الناس من رأى شيطانا قط على صورته ولكن لما كان الله قد جعل فى طبائع جميع الأمم استقباح صورة الشيطان واستسماجه وكراهته وأجرى هذا على ألسنة جميعهم ضرب المثل به فى ذلك رجع بالإيحاش والتنفير وبالإخافة والتفزيع إلى ما جعله فى طبائع الأولين والآخرين والشيوخ والصبيان والرجال والنساء
وهذا التأويل أشبه من قول من زعم من المفسرين أن رءوس الشياطين نبات ينبت باليمن وقول بعضهم إن الشياطين ها هنا الحيات
وحدث الصولى بإسناد له عن أبى عبيدة أنه قال لما قدمت من البصرة وصلت إلى الفضل بن الربيع فسلمت عليه بالوزارة فضحك إلى واستدنانى حتى جلست بين يدي فرشه ثم سألنى ولا طفنى واستنشدنى فأنشدته عيون أشعار أحفظها جاهلية فقال قد عرفت أكثر هذه وأريد من مليح (1/77)
الشعر فأنشدته منها فطرب لها وضحك وزاد نشاطه ثم دخل رجل فى زى الكتاب له هيئة فأقعده إلى جانبى وقال له أتعرف هذا قال لا قال هذا علامة أهل البصرة أبو عبيدة أقدمناه لنستفيد منه ومن علمه فدعا له الرجل وقرظه لفعله هذا وقال لى والله إنى كنت مشتاقا إليك وقد سئلت عن مسألة أفتأذن لى أن أعرفك إياها قلت هات قال قال الله عز و جل ( طلعها كأنه رءوس الشياطين ) وإنما يقع الوعد والإيعاد بما عرف مثله وهذا لم يعرف فقلت إنما كلمهم الله تعالى بما يعرفون وعلى كلام العرب أما سمعت قول أمرى القيس
( أيقتلنى والمشرفى مضاجعى ... ومسنونة زرق كأنياب أغوال )
وهم لم يروا الغول ولكن لما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به فاستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل فعزمت منذ ذلك الوقت أن أضع كتابا لمثل هذا وأشباهه فلما رجعت إلى البصرة عملت كتابى الذى سميته كتاب المجاز وسألت عن الرجل فقيل هو من كتاب الوزير وجلسائه يقال له إبراهيم بن إسماعيل بن داود الكاتب العبرتانى (1/78)
الباب الرابع فيما يضاف وينسب إلى القرون الأولى
أحلام عاد
ريح عاد
أحمر ثمود
صاعقة ثمود
أكل لقمان
نخوة فرعون
صرح هامان
كنوز قارون
سد الإسكندر
نوم أصحاب الكهف
جور سدوم
جوف حمار
الاستشهاد
109 - ( أحلام عاد ) العرب تضرب المثل بأحلام عاد لما تتصور من عظيم خلقها وتزعم أن أحلامها على مقادير أجسامها قال الشاعر يمدح قوما
( وأحلام عاد لا يخاف جليسهم ... وإن نطقوا العوراء غرب لسان )
وقال آخر
( كأنما ورثوا لقمان حكمته ... علما كما ورثوا الأحلام عن عاد )
110 - ( ريح عاد ) تضرب مثلا فى الإهلاك والإفناء لقوله تعالى ( وأما عاد فاهلكوا بريح صرصر عاتية ) الآية وقال تعالى ( وفى عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم )
111 - ( أحمر ثمود ) هو قدار بن سالف عاقر ناقة الله يضرب به المثل فى الشؤم والشقوة وقد غلط زهير فى قوله (1/79)
( فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم ... كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم )
وكأنه سمع بعاد وثمود فنسب الأحمر إلى عاد على ما توهم وهو من ثمود وكان قدار أحمر أزرق وهو الذى ذكره الله تعالى فقال ( إذ انبعث أشقاها )
وعن عمار بن ياسر قال خرجنا مع رسول الله فى غزوة ذات العشيرة فلما قفلنا نزلنا منزلا فخرجت أنا وعلى بن أبى طالب ننظر إلى قوم يعتملون فنعسنا فسفت علينا التراب فما نبهنا إلا رسول الله فقال لعلى رضى الله عنه يا ابا تراب لما عليه من التراب أتعلم من أشقى الناس فقال خبرنى يا رسول الله فقال ( أشقى الناس أحمر ثمود الذى عقر ناقة الله وأشقاها الذى يخضب هذه ووضع يده على لحيته من هذا ووضع يده على قرنه ) فكان على رضى الله عنه كثيرا ما يقول عند الضجر بأصحابه ما يمنع أشقاها أن يخضب هذه من هذا
112 - ( صاعقة ثمود ) هى الصيحة التى أخذتهم فأصبحوا فى دارهم جاثمين وإنها كانت صيحة جبريل تضرب مثلا فى الإبادة والإفناء كريح عاد
ولما قيل إن الحجاج من بقية ثمود قال فى خطبة له أتزعمون أنى من بقية ثمود والله تعالى يقول ( وثمود فما أبقى ) صدق الله العظيم وكذبتم أنتم
ودعا أبو الفرج الببغاء على القرامطة فقال صب الله عليهم طوفان نوح وحجارة لوط وريح عاد وصاعقة ثمود (1/80)
113 - ( أكل لقمان ) هو لقمان العادى صاحب النسور تضرب به العرب المثل فى الأكل فنقول آكل من لقمان وتزعم أنه كان يتغدى بجزور ويتعشى بمثله
114 - ( نخوة فرعون ) أنشدنى الخوارزمى لنفسه فى اللحام
( رأيت للحام فى حلقه ... للشعر تطبيقا وتجنيسا )
( نخوة فرعون ولكنه ... جانس فى حمل العصا موسى )
( وغش إبليس ولكنه ... خالف فى السجدة إبليسا )
115 - ( صرح هامان ) بناه لفرعون من الآجر وهو أول من استعمله كما حكى الله تعالى عن فرعون إذ قال ( ما علمت لكم من إله غيرى فأوقد لى يا هامان على الطين فاجعل لى صرحا لعلى أطلع إلى إله موسى وإنى لأظنه من الكاذبين )
ويقال إنه جلب الفعلة لبناء الصرح من الآفاق وأكثرهم من الخوز حتى بنوا ما يضرب به المثل للأبنية الشاهقة الحصينة
ومن أحسن ما يحاضر به من ذلك قول أبى القاسم الزعفرانى فى تهنئة الصاحب بداره الجديدة من قصيدة أولها (1/81)
( سرك الله بالبناء الجديد ... نلت حال الشكور لا المستزيد )
( هذه الدار جنة الخلد فى الدنيا ... فاغتنمها وأختها فى الخلود )
ومنها أيضا
( ألزم الإنس كل جاف شديد ... عمل الجن كل جاف مريد )
( فابتنوا ما لو أن هامان يدنو ... منه لم يرض صرحه للصعود )
أى للصعود إلى السماء فى زعمه لظهور حقارته عنده
وقرأت فى كتاب الجوابات المسكتة لابن أبى عون أن عبد الله بن خازم قال يوما لقهرمانه إلى أين تمضى يا هامان قال أبنى لك صرحا فعجب من جوابه لأنه أشار إلى أنه فرعون إن كان هو هامان
116 - ( كنوز قارون ) يضرب بها المثل فيما يستعظم قدره من نفائس الأموال لقوله تعالى ( وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة )
وقرأت فصلا للخوارزمى من رسائله القديمة لو كنا نعمل على قدر النية لحملنا إليك خراج فارس وعشر الأهواز ودخل البصرة وتاج كسرى وإكليل شيرين وكنوز قارون وعرش بلقيس
117 - ( سد الإسكندر ) هو سد يأجوج الذى جاء ذكره فى القرآن (1/82)
وتولى بناءه ذو القرنين وهو الإسكندر عند أكثر الناس يضرب به المثل فى الحصانة والوثاقة قال المتنبى
( كأنى دحوت الأرض من خبرتى بها ... كأنى بنى الإسكندر السد من عزمى )
وقد ضرب به المثل ابن طباطبا العلوى أيضا فقال وهو يهجو ابا على بن رستم ويذكر بناءه سور أصبهان ويرمى حرته بآزريون غلامه
( يا رستمى استعمل الجدا ... وكدنا فى حظنا كدا )
( فإنك المأمول والمرتجى ... تهون الخطب إذا اشتدا )
( أحكمت من ذا السور مالم تجد ... والله من إحكامه بدا )
( فخلفه نسل كثير لمن ... أصفت لآزريونها الودا )
( وهم كيأجوج ومأجوج إن ... عددتهم لم تحصهم عدا )
( وأنت ذو القرنين فى عصرنا ... جعلته ما بينهم سدا )
118 - ( نوم أصحاب الكهف ) يضرب مثلا للنوم الكثير لأن الله تعالى يقول فى قصتهم ( فضربنا على آذانهم فى الكهف سنين عددا ) قال ابن الحجاج
( قوموا فأهل الكهف مع ... عبود عندكم صراصر )
وقصة عبود ستمر فى مكانها من الكتاب إن شاء الله تعالى
119 - ( جور سدوم ) سدوم كان ملكا فى الزمن الأول جائرا وله (1/83)
قاض أجور منه يضرب به المثل فيقال أجور من قاضى سدوم
قال أبو الليث فى موسى بن خلف صاحب ابن الفرات
( أف من دولة بموسى تقوم ... ما نراها مع البلاء تدوم )
( ما قضى مثل ما به النذل يقضى ... فى جميع الأمور قط سدوم ) وقال آخر
( لا تبع عقدة مال ... خيفة الجار الغشوم )
( واصطبر للفلك الجارى ... على كل ظلوم )
( فهو الدائر بالأمر ... على آل سدوم )
120 - ( جوف حمار ) من أمثال العرب هو أكفر من حمار وأخلى من جوف حمار وهو رجل من عاد يقال له حمار بن مويلع وجوفه واد له طويل عريض لم يكن ببلاد العرب أخصب منه وفيه من كل الثمرات فخرج بنوه يتصيدون فأصابتهم صاعقة فهلكوا فكفر وقال لا أعبد من فعل هذا ببنى ودعا قومه إلى الكفر فمن عصاه قتله فأهلكه الله تعالى وأخرب واديه فضرب العرب به المثل فى الخراب والخلاء قال الأفوه الأودى
( وبشؤم البغى والغشم قديما ... قد خلا جوف ولم يبق حمار )
وقال امرؤ القيس
( وواد كجوف العير قفر قطعته ... به الذئب يعوى كالخليع المعيل ) (1/84)
الباب الخامس فيما يضاف وينسب إلى الصحابة والتابعين رضى الله عنهم
سيرة العمرين
درة عمر
قميص عثمان
فضائل على
صدق أبى ذر
مشية أبى دجانة
دهاء معاوية
فقه العبادلة
وليمة الأشعث
حلم الأحنف
زكن إياس
زهد الحسن
ورع ابن سيرين
سجع المختار
شجة عبد الحميد
الاستشهاد
121 - ( سيرة العمرين ) هما أبو بكر وعمر رضى الله عنهما يضرب بسيرتهما المثل إذ لاعهد بمثلهما بعد النبي وكان عبد الملك ابن مروان يقول أنصفونا يا معشر الرعية تريدون منا سيرة أبى بكر وعمر ولا تسيرون فينا ولا فى أنفسكم بسيرة رعية أبى بكر وعمر نسأل الله أن يعين كلا على كل
وقال البحترى
( إن الرعية لم تزل فى سيرة ... عمرية مذ ساسها المتوكل )
وقال بعض البلغاء وقد ذكر بعض الملوك رأيت صورة قمرية وسيرة عمرية
وقال آخر رأيت بفلان نور القمرين وعدل العمرين
122 - ( درة عمر ) قال الشعبى كانت درة عمر أهيب من سيف الحجاج (1/85)
ولما جىء بالهر مزان ملك خوزستان أسيرا إلى عمر رضى الله عنه وافق ذلك غيبته عن منزلة فما زال الموكل بالهرمزان يقتفى أثر عمر حتى عثر عليه فى بعض المساجد نائما متوسدا درته فلما رآه الهرمزان قال هذا والله الملك الهنىء عدلت فأمنت فنمت والله إنى قد خدمت أربعة من ملوك الأكاسرة أصحاب التيجان فما هبت أحد منهم هيبتى لصاحب هذه الدرة
123 - ( قميص عثمان ) هو قميصه المضرج بالدم الذى قتل فيه يضرب به المثل للشيء يكون سببا للتحريش وذلك أن عمرو بن العاص رضى الله عنه لما أحس من عسكر معاوية بصفين فتورا فى المحاربة أشار عليه بأن يبرز لهم قميص عثمان ليستأنفوا جدا جديدا فى الانتقاض والمنازعة ففعل ذلك معاوية فحين وقعت أعين القوم على القميص ارتفعت ضجتهم بالبكاء والنحيب وتحرك منهم الساكن وثار من حقودهم الكامن فعندها قال عمرو حرك لها حوارها تحن
وعلى ذكر هذا القميص فإن المتوكل لما قتله الأتراك بمواطأة المنتصر وأفضى الأمر بعده وبعد المنتصر والمستعين إلى المعتز لم تزل أمه قبيحة تحرضه على الإيقاع بقتلة أبيه وتلومه على ميله لهم دون طلب الثأر منهم وكان المعتز يعدها ويمنيها وهو يعلم أنه لا يقوى عليهم مع كثرة عددهم وشدة شوكتهم وغلبتهم على أمور الخلافة فأبرزت قبيحة يوما للمعتز قميص المتوكل الذى قتل فيه وهو مضرج بالدم وجعلت تبكى وتبالغ فى التقريع والتحريض كل المبالغة فلما طال ذلك منها قال لها المعتز يا أمى ارفعى القميص وإلا صار قميصين فعندها أمسكت ولم تعد لعادتها (1/86)
124 - ( فضائل على ) يضرب بها المثل فى الكثرة كما قال محمد بن مكرم لأبى على البصير فضولك والله أكثر من فضائل على
وقال الجاحظ لا يعلم رجل في الأرض متى ذكر السبق في الإسلام والتقدم فيه ومتى ذكرت النجدة والذب عن الإسلام ومتى ذكر الفقه في الدين ومتى ذكر الزهد في الأموال التي تتناجز الناس عليها ومتى ذكر الإعطاء في الماعون كان مذكورا في هذه الخلال كلها إلا على رضي الله عنه وكان الحسن يقول قد يكون الرجل عالما وليس بعابد وعابدا وليس بعالم وعالما عابدا وليس بعاقل وسليمان بن يسار عالم عابد عاقل فانظر أين تقع خلال سليمان من خصال علي
125 - ( صدق أبى ذر ) يضرب به المثل ويروى أن النبي كان يقول ( ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء بعد النبيين أصدق لهجة من أبى ذر )
ومن أملح ما سمعت فى ضرب المثل به قول الصاحب فى إنسان كذوب الفاختة عنده أبو ذر لأن الفاختة يضرب بها المثل فى الكذب وأبو ذر يضرب به المثل فى الصدق
126 - ( مشية أبى دجانة ) هو سماك بن خرشة الأنصارى (1/87)
رضى الله عنه كان شجاعا بطلا قد تعود الإقدام حيث تزل الأقدام وله آثار جميلة فى الإسلام وكانت له مشية عجيبة فى الخيلاء ونظر إليه فى المعركة وهو يتبختر بين الصفين فقال ( إن هذه مشية يبغضها الله إلا فى هذا المكان )
وكان يقال له ذو المشهرة لأنه كانت له مشهرة إذا لبسها في الحرب لا يبقى ولا يذر
127 - ( دهاء معاوية ) ذلك مما اشتهر أمره وسار ذكره وكثرت الروايات والحكايات فيه ووقع الإجماع على أن الدهاة أربعة معاوية وعمرو ابن العاص والمغيرة بن شعبة وزياد بن أبيه رضى الله عنهم فلما كان معاوية بحيث هو من الدهاء وبعد الغور وانضم إليه الدهاة الثلاثة الذين يرون بأول آرائهم أواخر الأمور فكان لا يقطع أمرا حتى يشهدوه ولا يستضىء فى ظلم الخطوب إلا بمصابيح آرائهم سلم له أمر الملك وألقت إليه الدنيا أزمتها وصار دهاؤه ودهاء أصحابه الثلاثة مثلا ولم يذكر معهم فى الدهاء إلا قيس بن سعد بن عبادة وعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعى
128 - ( فقه العبادلة ) هم عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمرو بن العاص فهؤلاء من فقهاء الصحابة وأثباتهم وعلمائهم ومن أنبههم
ومن عبادلتهم أيضا عبد الله بن جعفر بن أبى طالب وعبد الله بن أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنهم أجمعين
129 - ( وليمة الأشعث ) كان الأشعث بن قيس بن معدى كرب (1/88)
الكندى ارتد فى جملة أهل الردة فلما أتى به لأبى بكر رضى الله عنه أسيرا استتابه وأطلقه وزوجه أخته أم فروة بنت أبى قحافة فأصبح صبيحة البناء وخرج شاهرا سيفه فلم يلق ذات أربع مما يؤكل لحمه إلا عقرها فقال الناس هذا الأشعث قد ارتد ثانية ثم إنه قال يا أهل المدينة إنا والله لو كنا ببلادنا لأولمنا فاجتزروا من هذه اللحمان وتصادقوا فى الأثمان فلم يبق دار من دور المدينة إلا دخلها من تلك اللحوم ولم ير يوم أشبه بيوم الأضحى من ذلك فضرب أهل المدينة المثل بوليمة الأشعث فقالوا وليمة الأشعث وأولم من الأشعث
130 - ( حلم الأحنف ) قال الجاحظ قد ذكروا فى الأشعار حلم لقمان ولقيم بن لقمان وذكروا قيس بن عاصم ومعاوية بن أبى سفيان ورجالا كثيرا ما رأينا هذا الاسم التزق بأحد والتحم بإنسان وظهر على الألسنة كما رأيناه تهيأ للأحنف بن قيس ثم كان مع ذلك رئيسا فى أكثر تلك الفتن فلم ير حاله عند الخاصة والعامة وعند النساك والفتاك وعند الخلفاء الراشدين والملوك المتغلبين ولا حاله فى حياته ولا حاله بعد موته إلا مستويا فينبغى أن يكون قد سبقت له من النبي دعوة وقال فيه كما رووه وذكروه أو يكون قد كان يضمر من حسن النية ومن شدة الإخلاص ما لم يكن عليه أحد من نظرائه فإن قال قائل تزعمون أن عبد المطلب كان أحلم الناس وكذلك العباس بن عبد المطلب قلنا إن الأحنف كان الحلم سيد عمله فبان حلمه من سائر أعماله ومحاسن عبد المطلب وخصال العباس فى المجد والشرف كانت متكافئة متساوية كل خصلة منها تنتصف من أختها فكانت كما قال الشاعر (1/89)
( إنى غرضت إلى تناصف وجهها ... غرض المحب إلى الحبيب الغائب )
وإذا كانت الخصال كذلك لم يغلب على صاحبها اسم دون اسم ورجع الأمر إلى أن يسمى سيدا وما أشبه ذلك من الأسماء الخاصة
131 - ( زهد الحسن ) قال الجاحظ كان الحسن رضى الله تعالى عنه يستثنى من كل غاية وقالوا أزهد الناس إلا الحسن وأفقه الناس إلا الحسن وأفصح الناس إلا الحسن وأخطب الناس إلا الحسن وعلى هذا كان جميع كلامهم
132 - ( ورع ابن سيرين ) قال الجاحظ كان يقال زهد الحسن وورع ابن سيرين وعقل مطرف وحفظ قتادة وكلهم من البصرة قال الشاعر
( فأنت بالليل ذئب لا حريم له ... وبالنهار على سمت ابن سيرين )
لما لم يستقم له أن يقول على ورع ابن سيرين أقام السمت مقامه وأحسن وهذا من لطائف الشعر
133 - ( سجع المختار ) كان المختار بن أبى عبيد الثقفى لا يوقف له على مذهب كان خارجيا ثم صار زبيريا ثم صار رافضيا يدعو إلى محمد بن الحنفية ويطلب بدم الحسين رضى الله عنه وتغلب على الكوفة وفعل الأفاعيل فقيل له يا أبا إسحاق كيف خرجت تدعو إلى هؤلاء القوم ولم تعرف بالتشيع لهم فقال إنى رأيت مروان وثب على الشام وابن الزبير على مكة ونجدة على اليمامة وابن خازم على خراسان ووالله ما أنا دونهم (1/90)
وكان يدعى أنه يلهم ضربا من السجع لأمور تكون ثم يحتال فيوقعها فيقول للناس هذا من عند الله
ولما قيل لابن عباس رضى الله عنهما إن المختار يزعم أنه يوحى إليه قال صدق المختار يعنى قول الله عز ذكره ( وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم )
وقيل للمختار إنك تقول أشياء فلا تكون فقال ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )
فمن أسجاعه أنه قال ذات يوم لتنزلن من السماء نار دهماء ولتحرقن دار أسماء فذكر ذلك لأسماء بن خارجة فقال أوقد سجع بى أبو إسحاق هو والله محرق دارى فتركه والدار وهرب من الكوفة
وقال فى بعض سجعه أما والذى شرع الأديان وحبب الإيمان وكره العصيان لأقتلن ازدعمان وجل قيس عيلان وتميما أولياء الشيطان حاشا النجيب ظبيان فكان ظبيان يقول لم أزل فى عصر المختار أتقلب آمنا
ويروى أن النبي قال ( إن لثقيف كذابا ومبيرا ) فقيل هما المختار والحجاج
وفى المختار يقول أبو تمام متمثلا
( والهاشميون استقلت عبرهم ... من كربلاء بأعظم الأوتار )
( فشفاهم المختار منه ولم يكن ... فى دينه المختار بالمختار )
وقال أعشى همدان فى أيام ابن الأشعث للحجاج
( إن ثقيفا منهم الكذابان ... كذابها الماضى وكذاب ثان ) (1/91)
ومن ظريف ما يحكى من حيل المختار أنه كان عنده كرسى قديم العهد فغشاه بالديباج وقال هذا الكرسى من ذخائر أمير المؤمنين على بن أبى طالب فضعوه فى حومة القتال وقاتلوا عنه فإن محله فيكم محل السكينة في بني إسرائيل ويقال إنه كان اشتراه من نجار بدرهمين
ولما وجه المختار إبراهيم الأشتر إلى حرب عبيد الله بن زياد خرج يشيعه ماشيا فقال له إبراهيم اركب يا أبا إسحاق فقال له إنى أحب أن تغبر قدماى فى نصرة آل محمد فشيعه فرسخين ودفع إلى قوم من خاصته حمائم بيضا ضخاما وقال لهم إن رأيتم الأمر علينا فأرسلوها فى المعركة وقال للناس إنى أجد فى محكم الكتاب وفى اليقين والصواب أن الله ممدكم بملائكة غضاب تأتى فى صور الحمام دون السحاب فلما التقت الفئتان وكادت الدبرة تكون على عسكر ابن الأشتر أرسلت الحمائم البيض فتصايح الناس الملائكة الملائكة فتراجعوا فاسرع القتل فى أصحاب عبيد الله ثم انكشفوا ووضعوا السيوف فيهم حتى أفنوهم فقال ابن الأشتر لقد ضربت رجلا على شاطىء النهر ورجع إلى سيفى تنفح منه رائحة المسك ورأيت له إقداما وجرأة فصرعته فشرقت يداه وغربت رجلاه فانظروا من هو فنظروا فإذا هو عبيد الله بن زياد
134 - ( زكن إياس ) هو أبو واثلة إياس بن معاوية وكان قاضيا فائقا زكنا يضرب بزكنه المثل ولما أراد ابو تمام أن يتمثل به فى شعر له ولم يستوله الوزن أن يذكر زكنه فى البيت أقام الذكاء مقام الزكن فقال
( إقدام عمرو فى سماحة حاتم ... فى حلم أحنف فى ذكاء إياس )
ولأبى الحسن المدائنى كتاب مقصور على زكن إياس وإبراز نوادره (1/92)
وحكى الجاحظ عنه قال كان إياس وهو صغير ضعيفا ضئيلا وكان له أخ أشد حركة منه وأقوى فكان معاوية أبوه يقدمه على إياس فقال له إياس يوما يا أبت إنك تقدم أخى على وسأضرب لك مثله ومثلى فهو مثل الفروج حين تنفلق عنه البيضة يخرج كاسيا كافيا نفسه فيلقط ويستخفه الناس فكلما كبر انتقص حتى إذا تم فصار دجاجة لم يصلح إلا للذبح وأنا مثل فرخ الحمام تنفلق عنه البيضة عن شىء ساقط لا يقدر على حركة وأبواه يغذيانه حتى يقوى ويثبت ريشه ثم يحسن بعد ذلك ويطير ويتخذه الناس ويرسلونه من المواضع البعيدة فيجىء فيصان لذلك ويكرم ويشترى بالأثمان الغالية فقال له أبوه لقد أحسنت المثل فقدمه على أخيه فوجد عنده أكثر مما ظن منه به وخرج إياس باقعة منقطع النظير
وزعم الأصمعى أن إياسا نظر إلى رجل من ثقيف أبيض بض فقال له أهندية أمك قال لا والله ما ضربت فى هندية ولا هندى قط بعرق قال بلى والله وإن جهلت وإنى لأرى فيك آثار ذلك قال لا والله إلا اللبن والحضانة فإن خادمه هندية كانت لأمى أرضعتنى مدة مديدة قال فمن ذلك
وقال المدائنى حج إياس فسمع نباح كلب فقال هذا كلب مشدود ثم سمع نباحه فقال قد أرسل فلما انتهوا من الماء سألوا أهله فكان كما قال فقيل له كيف علمت أنه موثق وأنه قد أطلق فقال كان نباحه (1/93)
وهو موثق يسمع من مكان واحد فلما أطلق سمعته يقرب مرة ويبعد أخرى ويتصرف فى ذلك
ومر ذات ليلة بماء فقال أسمع صوت كلب غريب فقيل له كيف عرفت ذلك قال بخضوع صوته وشدة نباح الآخر فسألوا عنه فإذا كلب غريب وإذا كلب ينبحه
وقال رجل لإياس أنا أصنع مثل ما تصنع فنظر إياس إلى صدع فى الأرض فقال ما فى هذا الصدع قال لا أدرى وما أرى شيئا قال إياس فيه دابة فنظروا فإذا فيه دابة فقال إياس إن الأرض لا تنصدع إلا عن دابة أو نبات
ونظر يوما بواسط فى الرحبة إلى آجرة فقال تحت هذه الآجرة دابة فتزعوها فإذا تحتهاحية مطوقة فسئل عن ذلك فقال إنى رأيت ما بين الآجرتين نديا من بين جميع الرحبة فعلمت أن تحتها شيئا يتنفس
ورأى أثر رعى بعير فقال هذا بعير أعور فنظروا فكان كما قال فقيل له من أين علمت هذا فقال لأنى وجدت رعيه من جهة واحدة (1/94)
135 - ( شجة عبد الحميد ) تضرب مثلا للعورة تصيب الإنسان الجميل فلا تشينه بل تزيده حسنا فكان عبد الحميد بن عبد الله بن عمر ابن الخطاب من أجمل أهل دهره فاصابته شجة فى وجهه فلم تشنه بل استحسنها الناس وكان النساء يخططن فى وجوههن شجة عبد الحميد والله أعلم (1/95)
الباب السادس فى ذكر رجالات العرب فى الجاهلية والإسلام مختلفى الألقاب والمراتب مضافين إلى أشياء مختلفة يضرب بأكثرهم الأمثال
قريش الأباطح
شيبة الحمد
حاتم طيء
كليب وائل
زيد الخيل
ملاعب الأسنة
سحبان وائل
أزواد الركب
عروة الصعاليك
أبو عروة السباع
سعد العشيرة
سعد المطر
دعيميص الرمل
سليك المقانب
عراف اليمامة
شيخ مهو
حنيف الحناتم
وافد البراجم
يسار الكواعب
طفيل العرائس
سعد القرقرة
وضاح اليمن
مجنون بنى عامر
شيخ المضيرة
أمين الأمة
حوارى النبي
ربانى الأمة
أشج بنى أمية
جبار بنى العباس
الاستشهاد
136 - ( قريش الأباطح ) يقال لهم أيضا قريش البطاح لأنهم لباب قريش وصميمها الذين اختطوا بطحاء مكة وهى سرتها فنزلوها وهم بنو عبد مناف وبنو عبد الدار وبنو عبد العزى وبنو زهرة وبنو تميم ابن مرة وبنو مخزوم وبنو سهم وجمح وبنو عدى بن كعب وبنو عامر ابن لؤى وبنو هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر ويقال لهم الأبطحيون أيضا قال خلف بن خليفة حين ذكر الأشراف الذين يدخلون على ابن هبيرة
( وقامت قريش قريش البطاح ... مع العصب الأول الداخله ) (1/96)
وما أحسن ما قال البحترى يمدح المتوكل
( يا بن الأباطح من أرض أباطحها ... فى ذروة المجد أعلى من روابيها )
( ما ضيع الله فى بدو ولا حضر ... رعية أنت بالإحسان راعيها )
فهؤلاء قريش الأباطح وأما قريش الظواهر فهم الذين لم تسعهم الأباطح فنزلوا ظواهر مكة وهم معيص بن عامر بن لؤى وتيم بن غالب بن فهر ومحارب والحارث ابنا فهر
137 - ( شيبة الحمد ) كان يقال لعبد المطلب بن هاشم شيبة الحمد لنور وجهه وذلك أنه كانت فى ذؤابته شعرة بيضاء حين ولد فسمى شيبة الحمد وفيه يقول حذافة بن غانم
( بنو شيبة الحمد الذى كان وجهه ... يضىء ظلام الليل كالقمر البدر )
138 - ( حاتم طيء ) جواد العرب المضروب به فى الجود المثل أنشد الجاحظ لأبى الشمقمق
( لما سألتك شيئا ... أبدلت رشدا بغى )
( ممن تعلمت هذا ... ألا تجود بشى )
( أما مررت بعبد ... لعبد حاتم طى )
وقال آخر
( الجود حاتم طى ... وحاتم البخل عون )
( له مطابخ بيض ... والعرض أسود جون )
ونظر أصرم بن حميد الطوسى إلى رجل يقول أنا مسلوب الغنى فنزل (1/97)
عن برذونه وأعطاه إياه فأنشأ يقول أبياتا منها
( إلى مسلوب الغنى إلى ... حاتم طى وحميد طى )
( مدار أحياء العلا على ... )
وقال الصاحب لابن العميد
( وهو إن جاد ذم حاتم طى ... وهو إن قال قل قس إياد )
وأخباره فى الجود أكثر من أن تحصى وأشهر من أن ينبه عليها ومن أحاسنها أنه قسم ماله بضع عشرة مرة ومر فى سفر له على بنى عنزة ولهم أسير فى القد فاستغاث به ولم يحضره فكاكه ففاداه وخلاه وأقام مقامه فى القد حتى أدى فداؤه
وروت الرواة بالأسانيد عن ملحان ابن أخى ماوية امرأة حاتم قال قلت لها يا عمتى حدثينى ببعض عجائب حاتم فقالت كل أمره عجيب فعن أية تسأل قلت حدثينى بما شئت قالت أصابت الناس سنة أذهبت الخف والظلف وأكلت النفوس فبتنا ذات ليلة وقد أسهرنا الجوع فأخذ هو عديا وأخذت أنا سفانة وجعلنا نعللهما حتى ناما ثم أقبل على يعللنى بالحديث حتى أنام قرقفت لما به من الجهد وأمسكت عن كلامه لينام فقال لى أنمت وكررها مرارا فلم أجبه فسكت ثم نظر من فتق الخباء فإذا بشخص قد أقبل فرفع رأسه فإذا امرأة تقول يا أبا سفانة أتيتك من عند صبية يتعاوون من الجوع كالذباب فقال أحضريهم فو الله لأشبعنهم قالت فقمت سريعا وقلت بماذا فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل فقال والله لأشبعن صبيانك مع (1/98)
صبيانها فلما جاءت الصبية قام حاتم إلى فرسه فذبحه ثم قدح نارا وأججها ودفع إليها شفرة وقال لها اشوى وكلى ثم قال لى أيقظى صبييك فأيقظتهما ثم قال والله إن هذا للؤم أن تأكلوا وأهل الحى جياع فجعل يأتى بيتا بيتا ويقول انهضوا عليكم بالنار فاجتمعوا حول الفرس وتقنع هو بكسائه وجلس ناحية فما أصبحوا ومن الفرس على الأرض قليل ولا كثير إلا حوافره وإنه لأشد جوعا منهم وما ذاقه
139 - ( كليب وائل ) كان سيد ربيعة فى زمانه قاد نزارا كلها والعرب تضرب به المثل فى العز والقوة والظلم وكان لا يظلم إلا القوى وبلغ من عزة وظلمه أنه كان يحمى الكلأ فلا يقرب أحد حماه ويجير الصيد فلا يهاج وكان الناس إذا وردوا الماء لم يسبق أحد منهم إلا بأمره وإن أصابهم مطر وقد ظمئوا لا يخوض إنسان حوضا إلا على ما فضل عنه وكان إذا أتى الماء وقد سبق إليه أحد ألقى عليه الكلاب فتنهشه وكان يعمد إلى الروضة تعجبه فيأمر بأن يؤخذ كلب وتشد قوائمه فيلقى فى وسطها فحيث بلغ عواؤه كان حمى لا يرعى وكان لا يمر بين يديه أحد إذا جلس ولا يحتبى فى مجلسه غيره ولا يرفع الصوت عنده ولما قتله من يمر ذكره فى مكانه من هذا الكتاب رثاه مهلهل بقوله
( نبئت أن النار بعدك أوقدت ... واستب بعدك يا كليب المجلس ) (1/99)
( وتكلموا فى أمر كل عظيمة ... لو كنت شاهدهم بها لم ينبسوا )
وقال أبو نواس يهجو إسماعيل نيبخت ويضرب المثل بكليب وائل
( على خبز إسماعيل واقية البخل ... فقد حل فى دار الأمان من الأكل )
( وما خبزه إلا كآوى يروى ابنها ... ولم تر آوى فى الحزون ولا السهل )
( وما خبزه إلا كعنقاء مغرب ... يصور فى بسط الملوك وفى المثل )
( يحدث عنها الناس من غير رؤية ... سوى صورة ما أن تمر ولا تحلى )
( وما خبزه إلا كليب بن وائل ... ليالى يحمى عزه منبت البقل )
( وإذ هو لا يستب خصمان عنده ... ولا الصوت مرفوع بجد ولا هزل )
( فإن خبز إسماعيل حل به الذى ... أصاب كليبا لم يكن ذاك عن ذل )
( ولكن قضاء ليس يسطاع رده ... بحيلة ذى مكر ولا فكر ذى عقل )
قال الجاحظ وأبيات أبى نواس على أنه مولد شاطر اشعر من شعر مهلهل فى إطراق الناس فى مجلس كليب
قال مؤلف الكتاب ومن ألفاظ الأمير أبى الفضل عبيد الله بن أحمد الميكالى أدام الله أيامه الجارية مجرى الأمثال قوله لست منى بوائل ولو كنت كليب وائل (1/100)
140 - ( زيد الخليل ) هو زيد بن مهلهل الطائى قيل له زيد الخيل لطول طراده بها وقيادته لها وكان جسيما وسيما يقبل المرأة على الهودج ويخط رجله على الأرض إذا ركب وكان شاعرا ووفد على النبي فسماه زيد الخير وقال له ( يا زيد ما وصف لي أحد في الجاهلية فرأيته في الإسلام إلا كان دون الصفة ليسك ) \ ح \ يريد غيرك وأقطعه أرضا وكانت المدينة وبيئة فقال لما خرج من عنده ( إن ينج زيد من أم ملدم ) \ ح \ فلما بلغ بلده مات
141 - ( ملاعب الأسنة ) هو عامر بن الطفيل بن مالك أحد فرسان العرب المذكورين قال أبو عبيدة فرسان العرب ثلاثة فارس تميم عتيبة بن الحارث بن شهاب وكان يقال له صياد الفوارس وسم الفوارس وفارس ربيعة بسطام بن قيس بن مسعود وفارس قيس عامر بن الطفيل ملاعب الأسنة فأما ملاعب الرماح فأبو براء عامر بن مالك بن جعفر وكان بعث إلى رسول الله يسأله أن يوجه إليهم قوما يفقهونهم في الدين فبعث إليهم قوما من أصحابه فعرض لهم عامر بن الطفيل فقتلهم يوم بئر معونة فلم يفلت منهم إلا رجل واحد فاغتم أبو براء لذلك وقلق لإخفار عامر بن الطفيل بقتلهم ذمته وبلغ بني عامر موت عامر بن الطفيل وهو منصرف من عند رسول الله وأرادوا النجعة فجعلوا يرتحلون فقال أبو براء ما يصنع القوم فقالوا يرتحلون لهذا الأمر الذى حدث قال (1/101)
أبغير إذني فقال بعض بني أخيه يزعمون أنه قد عرض لك في عقلك شيء منذ ساءك أمر هذا الرجل فدعا لبيدا واستدعى قينتين له فشرب وغنتاه فقال يا لبيد ارأيت إن حدث بعمك حدث ما كنت قائلا فإن قومك يزعمون أن عقلى قد ذهب والموت خير من عزوب العقل فقال لبيد
( قوما تنوحان مع النواح )
( وأبنا ملاعب الرماح )
( ياعامرا يا عامر القداح )
( ومدره الكتيبة الرداح )
( لو كان حى مدرك الفلاح )
( أدركه ملاعب الرماح ) فلما أثقله الشراب اتكأ على سيفه حتى فاضت نفسه وهو يقول لا خير في العيش وقد عصتنى بنو عامر
142 - ( سحبان وائل ) رجل من باهلة خطيب بليغ يضرب به المثل في الخطابة والبلاغة وهو القائل
( لقد علم الحى اليمانون أننى ... إذا قلت أما بعد أنى خطيبها )
وقال حميد الأرقط وهو يهجو ضيفا له ويضرب المثل في البيان بسحبان وفى العى بباقل
( أتانا وما داناه سحبان وائل ... بيانا وعلما بالذى هو قائل ) (1/102)
( فما زال منه اللقم حتى كأنه ... من العى لما أن تكلم باقل )
وقال بعض المحدثين
( وعاشق تحت رواق الدجى ... أغرى به الحيرة فقدان )
( أعرب عن مكنون أسراره ... أحوى لطيف الكشح خمصان ) ( كأنما يسحب في إثره ... ذيلا من الحكمة سحبان )
143 - ( أزواد الركب ) هو ثلاثة نفر من قريش مسافر بن أبى عمرو ابن أمية وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصى وأبو أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم سموا بذلك لأنه لم يكن يتزود معهم أحد في سفر وكانوا يطعمون كل من يصحبهم ويكفونه الزاد وكان ذلك خلقا من أخلاق أشراف قريش ولكن لم يسم بهذا الأسم إلا هؤلاء الثلاثة
144 - ( عروة الصعاليك ) هو عروة بن الورد الذى يقول
( ومن يك مثلى ذا عيال ومقترا ... من المال يطرح نفسه كل مطرح )
( ليبلغ عذرا أو يصيب رغيبة ... ومبلغ نفس عذرها مثل منجح )
قال المبرد إنما سمى عروة الصعاليك لإنه كان إذا شكا إليه فتى من فتيان قومه الفقر أعطاه فرسا ورمحا وقال له إن لم تستغن بهما فلا أغناك الله
145 - ( أبو عروة السباع ) يضرب به المثل في جهارة الصوت وشدته قال أبو عبيدة كان أبو عروة يصيح بالسبع وقد احتمل الشاة فيخليها ويسقط فيموت فيشق بطنه فيوجد فؤاده قد انخلع قال الشاعر (1/103)
( زجر أبى عروة السباع إذا ... اشفق أن يلتبسن بالغنم )
146 - ( سعد العشيرة ) إنما قيل له سعد العشيرة لأنه كان يركب فى عشرة من أولاده الذكور فكأنه منهم في عشيرة فصار مثلا للرجل يستكثر بأبنائه وعشيرته ويتعزز بهم
147 - ( سعد المطر ) قال الجاحظ إنما قيل سعد المطر لأنه كان يرى ملقى في المطر وهو الذى يقول فى ذلك
( دع المواعيد لا تعرض لوجهتها ... إن المواعيد مقرون بها المطر )
( إن المواعيد والأعياد قد منيا ... منه بأنكد ما يمنى به البشر )
( أما الثياب فلا يغررك إن غسلت ... صحو يدوم ولا شمس ولا قمر )
( وفى الشخوص له نوء وبارقة ... وإن يبيت فذاك الفالج الذكر )
قال والفالج الذكر هو الذى يهجم على الجوف قال ولما دها المطر المحلول مولى آل سليمان جلس على طريق الناس وقد رجعوا من الاستمطار وقد سقوا فهم ضاحكون مستبشرون فأقبل على صاحب له وقال ليس بى إلا سرورهم بالإجابة وإنما مطروا لأنى غسلت ثيابى اليوم ولم أغسل ثيابى قط إلا جاء الغيم والمطر فليخرجوا غدا فإن سقوا فإنى ظالم
ولبعضهم في معناه
( وما خفت إنى غسلت ثيابى ... سوى أن يومى يعود مطيرا )
148 - ( دعيميص الرمل ) هو أهدى أدلاء العرب للطرق يضرب (1/104)
به المثل فيقال أهدى من دعيميص الرمل ويقال إنه دخل وبار وهى بلدة تزعم العرب أنها بلدة الجن ولم يدخلها إنسى غيره فرمته الجن بالرمل حتى عمى ثم مات ولما اشتهر ذلك عنه غلب عليه هذا الأسم
ويقال هو دعيميص هذا الأمر أى العالم به قال الشاعر
( دعموص أبواب الملوك ... وراتق للخرق فاتق )
149 - ( سليك المقانب ) هو سليك بن السلكة وهى أمه وكانت أمة سوداء وسليك ايضا أسود وهو أحد أغربة العرب وأعدى الناس لا يشق غباره وأخباره في العدو والغارة مشهورة معروفة وكان يقول اللهم إني لو كنت ضعيفا كنت عبدا ولو كنت امرأة كنت أمة اللهم فهي ما شئت اللهم إنى أعوذ بك من الخيبة وأما الهيبة فلا هيبة
وممن ضرب المثل به أبو تمام في قوله
( مفازة صدر لو تطرق لم يكن ... ليسلكها فردا سليك المقانب ) وقال
( يمشى رويدا فأما حين يطلبنا ... فلا السليك يدانيه ولا رجل )
150 - ( عراف اليمامة ) أحد كهان العرب المعروفين مثل أخباريه جهينة وكاهنية باهلة ومثل شق وسطيح فأما عراف اليمامة فهو رياح بن (1/105)
كحيلة وفيه يقول الشاعر
( اقول لعراف اليمامة داونى ... فإنك إن ابرأتنى لطبيب )
151 - ( شيخ مهو ) يضرب به المثل في الخسران فيقال أخسر صفقة من شيخ مهو ومهو حى من عبد القيس وكانت إياد تسب بالفسو وتعير به فقام رجل من إياد بسوق عكاظ ومعه بردا حبرة فقال من يشترى منى عار الفسو بهذين البردين فقام عبد الله بن بيدرة أحد مهو فقال هاتهما واشهدوا إنى اشتريت عار الفسو من إياد لعبد القيس بالبردين فلما أتى رحله وسئل عن البردين قال اشتريت لكم بهما عار الدهر فوثبت عبد القيس وقالت
( إن الفساة قبلنا إياد ... ونحن لا نفسو ولا نكاد )
وتفرق الناس عن عكاظ بابتياع عبد القيس عار الفسو حتى قال الشاعر
( يا من رأى كصفقة ابن بيدرة ... من صفقة خاسرة مخسرة )
( المشترى الفسو ببردى حبرة ... شلت يمين صافق ما أخسره )
وقال ابن دارة في وقعة مسعود بن عمرو (1/106)
( وإنى إن ضربت جبال قيس ... وحالفت المزون على تميم )
( لأخسر صفقة من شيخ مهو ... وأجور في الحكومة من سدوم )
ثم إن هذا العار زال عن إياد ولصق بعبد القيس فهجوا به كثيرا
ومر إنسان بالجماز فقال يا شيخ كيف آخذ إلى عبد القيس قال امض قدما واشتم فإن كرهت الرائحة فثم
ومن هذا أخذ الحمدوني قوله في قينة ذات صنان
( من كان لا يدرى لها منزلا ... فقل له يمشى ويستنشق )
152 - ( حنيف الحناتم ) هو رجل من تيم اللات بن ثعلبة تضرب العرب به المثل في الإبالة وهى مصدر لأبل وهو البصير برعية الإبل وما يصلحها فيقال آبل من حنيف الحناتم
ومن كلامه الدال على إبالته قوله من قاظ الشرف وتربع الحزن وتشتى الصمان فقد أصاب المرعى
153 - ( وافد البراجم ) يضرب به المثل في الشقاء والجبن وذلك أن أسعد بن المنذر أخا عمرو بن هند انصرف ذات ليلة من مجلس صفائه وهو ثمل فرمى رجلا من بنى دارم بسهم فقتله فوثب عليه بنو دارم فقتلوه فغزاهم عمرو بن هند وقتل منهم مقتلة عظيمة ثم أقسم ليحرقن منهم مائة فبذلك سمى محرقا وأخذ تسعة وتسعين رجلا منهم فقذفهم في النار واراد ان يبر قسمه بمن تكمل به العدة فمر رجل يقال له عمار من بنى مالك بن حنظلة فتشمم رائحة اللحم فظن أن الملك قد اتخذ طعاما للأضياف فعرج إليه (1/107)
فأتى به فقال له من أنت فقال أبيت اللعن أنا وافد البراجم فقال عمرو إن الشقى وافد البراجم فصار مثلا للشقى يسعى بقدمه إلى مراق دمه ثم أمر به فقذف في النار تحلة لقسمه قال الطرماح في إحراق عمرو بني دارم
( ودارم قد قتلنا منهم مائة ... في جاحم النار إذ ينزون بالخدد )
( ينزون بالمشتوى منها ويوقدها ... عمرو ولولا شحوم القوم لم تقد )
وقال جرير يعير الفرزدق
( أين اللذين بنار عمرو أحرقوا ... أم أين أسعد فيكم المسترضع )
154 - ( يسار الكواعب ) وهو عبد تعرض لبنت مولاه وراودها عن نفسها فنهته فعاودها فامتنعت عليه فعاد لعادته فقالت إن كان لا بد فإنى مبخرتك ببخور فإن صبرت على حرارته صرت إلى ما تريد فعمدت إلى مجمر فأدخلته تحته واشتملت على سكين حديد فجبت به مذا كيره فصاح فقالت صبرا على مجامر الكرام
ثم لم يلبث أن مات فصار مثلا لكل جان على نفسه ومتعرض لما يجل عن قدره وفيه يقول الفرزدق لجرير
( وهل أنت إن ماتت أتانك راكب ... إلى آل بسطام بن قيس بخاطب )
( وإنى لأخشى إن خطبت إليهم ... عليك الذى لاقى يسار الكواعب )
155 - ( طفيل العرائس ) ويقال له طفيل الأعراس أيضا وهو من غطفان ويقال إنه من موالى عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه وكان (1/108)
يتتبع الأعراس فيأتيها من غير أن يدعى إليها وهو أول من فعل ذلك وإليه ينسب الطفيليون وكان يقول وددت أن الكوفة بركة مصهرجة فلا يخفى على من أعراسها شئ
وسئل عن أشرف الأعواد فقال عصا موسى ومنبر الرسول وخوان العرس وفيه يقول ذاهب في طريقه
( وكنا بالمطالب قد شقينا ... ففزنا بالسعادة عن طفيل )
وفيه يقول عملاق العثماني الذى كان نزل بنيسابور وهو الآن حى يرزق
( تلبس عملاق بن غيلان للشقا ... وللخرق والإخفاق أثواب حارس )
( يطوف بنيسابور في كل سكة ... خليفة مولاه طفيل العرائس )
156 - ( سعد القرقرة ) مضحك النعمان يعد في المستأكلين والمتطفلين قيل له ما رأيناك إلا وأنت تزيد شحما وتقطر دما فقال لأنى آخذ ولا أعطى وأخطئ ولا ألام فأنا طول الدهر مسرور ضاحك
157 - ( وضاح اليمن ) قال الجاحظ ثلاثة من العبيد قتلوا بسبب العشق منهم يسار الكواعب ومنهم عبد بنى الحسحاس ومنهم وضاح اليمن فأما يسار الكواعب فقد مرت قصته وأما عبد بنى الحسحاس فإنه كان شاعرا يشبب ببنات مواليه ويصرح بالفاحشة معهن كقوله
( وأشهد بالرحمن أنى تركتها ... وعشرين منها إصبعا من ورائيا )
ولما عرض على السيف ضحك منه بعضهن فقال
( فإن تضحكى منى فيارب ليلة ... تركتك فيها كالقباء المفرج ) (1/109)
وأما وضاح اليمن فإنه كان شاعرا من أجمل الناس وأظرفهم وأخفهم شعرا وهو القائل
( ضحك الناس وقالوا ... شعر وضاح اليماني )
( إنما شعرى قند ... خلطت بالجلجلان )
وعن الهيثم بن عدى قال سمعت صالح بن حسان يقول أفقه الناس وضاح اليمن في قوله
( إذا قلت هاتى نولينى تبسمت ... وقالت معاذ الله من فعل ما حرم )
( فما نولت حتى تضرعت عندها ... وأنبأتها ما رخص االله في اللمم )
ويحكى أن أم البنين بنت عبد العزيز بن مروان كانت تصادقه وتستخصه وكانت عند الوليد بن عبد الملك وكانت قد جعلت للوضاح هذا صندوقا تجعله فيه فإذا وجدت من الرقباء فرصة وغفلة أخرجته وخلت به فحمل إلى الوليد جوهر نفيس فأمر خادما له يحمله إلى أم البنين فدخل الخادم إليها فوجدها قد خلت بوضاح فلما أحست بالخادم جعلته في الصندوق ولم تعلم أن الخادم قد بصر به فسألها الخادم أن تهب له جوهرة منه فزجرته وأنكرت عليه تهكمه فخرج الخادم وأخبر الوليد فدخل عليها وقعد على بعض الصناديق وقال لها يا ابنة عمى هبى لى صندوقا من صناديقك هذه قالت يا أمير المؤمنين هى بأسرها لك قال لا بل أريد واحدا منها قالت خذ منها ما شئت وكان الخادم وصف له الصندوق الذى فيه وضاح وأعلمه بمكانه فأخذه فأمر بحمله واحتفار موضع يبلغ الماء به وأدلى الصندوق بما فيه إليه وهما ينظران فلم ير واحد من الوليد وأم البنين أثر ذلك في وجه صاحبه ولا أجريا حديثه إلى أن فرق بينهما الموت (1/110)
158 - ( مجنون بنى عامر ) هو قيس بن الملوح صاحب ليلى يضرب به المثل في الحب وهو أشهر من أن يذكر وشعره أسير من أن ينبه عليه ومن أحسن ما يروى له قوله
( وأدنيتتي حتى إذا ما سبيتنى ... بقول يحل العصم سهل الأباطح )
( تجافيت عنى حين ما لى حيلة ... وغادرت ما غادرت بين الجوانح )
وقوله ( وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أحزان الفؤاد وما يدرى )
( دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدرى ) ويروى لليلى
( لم يكن المجنون في حالة ... إلا وقد كنت كما كانا )
( لكنه باح بسر الهوى ... وأننى قد ذبت كتمانا )
159 - ( شيخ المضيرة ) كان أبو هريرة رضى الله عنه على فضله وأختصاصه بالنبى مزاحا أكولا وكان مروان بن الحكم يستخلفه على المدينة فيركب حمارا قد شد عليه برذعة فيلقى الرجل فيقول الطريق الطريق قد جاء الأمير
وعن أبى رافع قال كان أبو هريرة رضي الله عنه ربما دعانى إلى عشائه فيقول دع العراق للأمير فانتظرنا فإذا هو ثريد بزيت وكان يدعى الطب فيقول أكل التمر أمان من القولنج وشرب العسل على الريق أمان من الفالج وأكل السفرجل يحسن الولد وأكل الرمان يصلح الكبد (1/111)
والزبيب يشد العصب ويذهب الوصب والنصب والكرفس يقوى المعدة ويطيب النكهة والعدس يرق القلب ويذرف الدمعة والقرع يزيد في اللب ويرق البشرة وأطيب اللحم الكتف وحواشى فقار العنق والظهر وكان يديم أكل الهريسة والفالوذج ويقول هما مادة الولد وكان يعجبه المضيرة جدا فيأكل مع معاوية فإذا حضرت الصلاة صلى خلف على رضى الله عنه فإذا قيل له في ذلك قال مضيرة معاوية أدسم وأطيب والصلاة خلف على أفضل
وكان يقال له شيخ المضيرة وقيل فيه
( وتولى أبو هريرة عن نصر ... على ليستفيد الثريدا )
( ولعمرى إن الثريد كثير ... للذى ليس يستحق الهبيدا )
160 - ( أمين الأمة ) هو أبو عبيدة بن الجراح وكان من عظماء أصحاب رسول الله وكان عليه السلام يقول
( لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة ابو عبيدة بن الجراح ) \ ح \ وروى أنه أتى بطعام فقال يستحب أن يبدأ رجل صالح فابدأ يا أبا عبيدة
161 - ( حوارى النبى ) هو الزبير بن العوام لأن النبى كان يقول ( لكل نبى حوارى وحوارى الزبير ) \ ح \ وكان أحد العشرة الذين بشروا بالجنة وأحد أصحاب الشورى
ولما قتل أتى إلى على بسيفه فنظر إليه وقال هذا هو السيف الذى (1/112)
طالما جلى الكرب عن وجه رسول الله وبشر قاتله ابن جرموز بالنار وقال سمعته يقول ( بشروا قاتل ابن صفية بالنار ) \ ح \
162 - ( ربانى الأمة ) هو عبد الله بن العباس بن عبد المطلب كان يقال له ربانى الأمة وحبرها وترجمان القرآن والربانى المتأله العارف بالله تعالى وقال الله عز و جل في القرآن ( كونوا ربانيين )
163 - ( أشج بنى أمية ) هو عمر بن عبد العزيز بن مروان وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب رضى الله عنه
وكان عمر يقول إن من ولدى رجلا بوجهه أثر يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا ولما نفحه حمار برجله فأصاب جبهته وأثر فيها قال أخوه أصبغ الله أكبر هذا أشج بنى أمية يملك ويملأ الأرض عدلا
ولما قال عمر فى يزيد بن المهلب أى عراقى هو لولا عذرة في رأسه بلغ ذلك يزيد فقال من يعذرنى من لطيم الحمار
164 - ( جبار بنى العباس ) كان يقال للرشيد جبار بنى العباس لأنه أغزى ابنه القاسم الروم فقتل منهم خمسين ألفا وأخذ خمسة الآف دابة بسرج الفضة ولجمها (1/113)
وأغزى على بن عيسى بن ماهان بلاد الترك فقتل منهم أربعين ألفا وسبى عشرة آلاف وأسر ملكين منهم ثم غزا الرشيد نفسه الروم وافتتح هرقلة وأخذ الجزية من ملك الروم ولم يخلف أحد قط من الملوك ما خلفه الرشيد من الأثاث والعين والورق والجواهر وكان بقيمة مائة ألف ألف وعشرين ألف ألف دينار أى قيمة الضياع والدواب والعبيد (1/114)
الباب السابع فيما يضاف وينسب إلى القبائل
إيلاف قريش
تيه بنى مخزوم
جود طيء
لؤم باهلة
رماة بنى ثعل
قيافة بنى مدلج
عيافة بنى لهب
خطباء إياد
ثريدة غسان
مهور كندة
حرة بنى سليم
الاستشهاد
165 - ( إيلاف قريش ) كانت قريش لا تتاجر إلا مع من ورد عليها مكة في المواسم وبذى المجاز وسوق عكاظ وفى الأشهر الحرم لا تبرح دارها ولا تجاوز حرمها للتحمس في دينهم والحب لحرمهم والإلف لبيتهم ولقيامهم لجميع من دخل مكة بما يصلحهم وكانوا بواد غير ذى زرع كما حكى الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام حين قال ( ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ) فكان أول من خرج إلى الشام ووفد إلى الملوك وأبعد في السفر ومر بالأعداء وأخذ منهم الإيلاف الذى ذكره الله هاشم بن عبد مناف وكانت له رحلتان رحلة في الشتاء نحو العباهلة من ملوك اليمن ونحو اليكسوم من ملوك الحبشة ورحلة في الصيف نحو الشام وبلاد الروم وكان يأخذ الإيلاف من رؤساء القبائل وسادات العشائر لخصلتين إحداهما أن ذؤبان العرب وصعاليك الأعراب وأصحاب الغارات وطلاب الطوائل كانوا لا يؤمنون على أهل الحرم ولا غيرهم (1/115)
والخصلة الأخرى أن أناسا من العرب كانوا لا يرون للحرم حرمة ولا للشهر الحرام قدرا كبنى طيء وخثعم وقضاعة وسائر العرب يحجون البيت ويدينون بالحرمة له ومعنى الإيلاف إنما هو شيء كان يجعله هاشم لرؤساء القبائل من الربح ويحمل لهم متاعا مع متاعه ويسوق إليهم إبلا مع إبله ليكفيهم مئونة الأسفار ويكفى قريشا مئونة الأعداء فكان ذلك صلاحا للفريقين إذ كان المقيم رابحا والمسافر محفوظا فأخصبت قريش وأتاها خير الشام واليمن والحبشة وحسنت حالها وطاب عيشها ولما مات هاشم قام بذلك المطلب فلما مات المطلب قام بذلك عبد شمس فلما مات عبد شمس قام به نوفل وكان أصغرهم وقول الله تعالى ( أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) يعنى الضيق الذى كان فيه أهل مكة قبل أن يأخذ هاشم لهم الإيلاف والخوف الذى كانوا عليه ممن يمر بهم من القبائل والأعداء وهم مقتربون ومعهم الأموال وهو قوله عز ذكره ( تخافون أن يتخطفكم الناس ) يعنى في تلك الأسفار ولم يرد ذلك وهم مقيمون في حرمهم وأمنهم لأن الله تعالى يقول ( وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا ) مع قوله ( ومن دخله كان آمنا ) وقوله ( أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم ) وقد عم مطرود الخزاعى بنى عبد مناف بذكر الإيلاف لأن جميعهم قد فعل ذلك فقال
( يا أيها الرجل المحول رحله ... هلا حللت بآل عبد مناف )
( الآخذين العهد في إيلافهم ... والراحلين برحلة الإيلاف )
وفي اختصاص قريش بالإيلاف دون غيرهم من العرب قال الشاعر وهو (1/116)
يرد على بنى أسد ما يدعونه من قرابة قريش
( زعمتم أن إخوتكم قريش ... لهم إلف وليس لكم إلاف )
( أولئك أومنوا خوفا وجوعا ... وقد جاعت بنو أسد وخافوا )
166 - ( تيه بنى مخزوم ) قال الجاحظ أما بنو مخزوم وبنو أمية وبنو جعفر بن كلاب واختصاصهم بالتيه والكبر فإنهم أبطرهم ما وجدوه لأنفسهم من الفضيلة ولو كان في قوى عقولهم فضل على قوى دواعى الحمية فيهم لكانوا كبنى هاشم فى تواضعهم وفي أنصافهم لمن دونهم
ولما بلغ الحسن بن على رضى الله عنهما قول معاوية إذا لم يكن الهاشمى جودا والأموى حليما والعوامى شجاعا والمخزومى تياها لم يشبهوا آباءهم قال إنه والله ما أراد بها النصيحة ولكن أراد أن يفنى بنو هاشم ما بأيديهم فيحتاجوا إليه وأن يحلم بنو أمية فيحبهم الناس وأن يشجع بنو العوام فيقتلوا وأن يتيه بنو مخزوم فيمقتوا
وكان يقال أربعة لم يكونوا ومحال أن يكونوا زبيرى سخى ومخزومى متواضع وهاشمى شحيح وقريشى يحب آل محمد
167 - ( جود طيء ) يضرب به المثل لكون حاتم وأوس بن حارثة ابن لأم منهم وهما آية في الجود والكرم قال أبو تمام الطائى
( لكل من بنى حواء عذر ... ولا عذر لطائى لئيم )
ويروى أن أوسا وحاتما وفدا على عمرو بن هند فدعا أوسا وقال له (1/117)
أنت أفضل أم حاتم فقال أبيت اللعن لو ملكنى حاتم وولدى ولحمتى لوهبنا في غداة واحدة ثم دعا حاتما فقال له أنت أفضل ام أوس فقال أبيت اللعن إنما ذكرت بأوس ولأحد ولده أفضل منى فقال عمرو والله ما أدرى أيكما أفضل وما منكما إلا سيد كريم
ومن محاسن أوس أن النعمان بن المنذر دعا بحلة نفيسة وعنده وفود العرب من كل حى وفيهم أوس فقال لهم احضروا غدا فإنى ملبس هذه الحلة أكرمكم فحضر القوم إلا أوسا فقيل له لم تتخلف فقال إن كان المراد غيرى فأجمل الأشياء بى ألا أكون حاضرا وإن كنت المراد فسأطلب فلما جلس النعمان ولم ير أوسا قال اذهبوا إلى أوس فقولوا له احضر آمنا مما خفت فحضر فألبس الحلة فحسده قوم من أهله فقالوا للحطيئة اهجه ولك ثلاثمائة ناقة فقال كيف أهجو من لا أرى في بيتى أثاثا ولا مالا إلا من عنده ثم قال
( كيف الهجاء وما تنفك صالحة ... من آل لأم بظهر الغيب تأتينى )
فقال لهم بشر بن أبى خازم أنا أهجوه لكم وفعل فأخذ الإبل فأغار أوس عليها واكتسحها وطلبه فجعل لا يستجير حيا من أحياء العرب إلا قالوا له قد أجرناك من الجن والإنس إلا من أوس فكان في هجائه إياه ذكر أمه فلم يلبث إلا يسيرا حتى أتى به أسيرا فدخل أوس إلى أمه واستشارها في أمره فقالت أرى أن ترد عليه ماله وتعفو عنه وتحبوه وأفعل أنا مثل ذلك فإنه لا يغسل هجاءه إلا مدحه فأخبره بما قالت فقال لا جرم والله لا مدحت أحدا حتى أموت غيرك ففيه يقول (1/118)
( إلى أوس بن حارثة بن لأم ... ليقضى حاجتى فيمن قضاها )
( وما وطئ الثرى مثل ابن سعدى ... ولا لبس النعال ولا احتذاها )
168 - ( لؤم باهلة ) كان ذلك مشهورا مضروبا به المثل ولم تزل العرب تصف باهلة باللؤم في الجاهلية والإسلام ثم خفيت منهم تلك السمة وشرفت بقتيبة بن مسلم وبنيه حتى قال القائل
( إذا ما قريش خلا ملكها ... فإن الخلافة فى باهلة )
ومما يحكى من لؤم باهلة أنه قيل لأعرابى أيسرك أن لك مائة ألف درهم وأنت من باهلة فقال لا والله فقيل أفيسرك أن لك حمر النعم وأنك منها قال اللهم لا قيل أفيسرك أنك في الجنة وأنت باهلى قال نعم ولكن بشريطة ألا يعلم أهلها أننى منها
ومن أبيات التمثيل والمحاضرة التى تقع في كل اخيتار قول بعضهم
( فخرت فأصلك أصل شريف ... ضررت به نفسك الخامله )
( وما ينفع الأصل من هاشم ... إذا كانت النفس من باهلة )
ومما يستجاد لأبى هفان قوله
( أباهل ينبحنى كلبكم ... وأسدكم ككلاب العرب )
( ولو قيل للكلب يا باهلى ... عوى الكلب من لؤم هذا النسب )
وكان الأصمعى يجزع من قول اليزيدى فيه
( ومن أنت هل أنت إلا امرؤ ... إذا صح أصلك من باهلة ) (1/119)
( وللباهلى على خبزه ... كتاب يحرمه آكله )
وقد ظرف أبو محمد عبد الله بن أحمد الخازن الأصبهانى في قوله من قصيدة للصاحب
( وما قعدت بنا الأحوال حتى ... أقام حذاء أعيننا الحذايا )
( ومن باراه ضل ولا خفاء ... بلؤم الباهلى وإن تطايا )
169 - ( رماة بنى ثعل ) يضرب بهم المثل ويوصفون بجودة الرمى من بين قبائل العرب قال امرؤ القيس
( رب رام من بنى ثعل ... مخرج كفيه من ستره )
وقال أبو مسلم محمد بن بحر
( هل أنت مبلغ هذا الفارس البطل ... عنى مقالة صب غير ذى خطل )
( إن كنت أخطأت برجاسا عمدت له ... فأنت في رمى قلبى من بنى ثعل )
170 - ( قيافة بنى مدلج ) القيافة علم اختصت به العرب من بين سائر الأمم وهو إصابة الفراسة في معرفة الأشياء في الأولاد والقرابات ومعرفة الآثار وهى في كنانة أكثر منها في غيرها وبنو مدلج القافة منهم وما ظنك بقوم يلحقون الأسود بالأبيض والأبيض بالأسود والوضئ بالدميم والدميم بالوضئ والطويل بالقصير والقصير بالطويل فمنهم سراقة بن مالك المدلجى أخرجه أبو سفيان ليقتاف أثر رسول الله حين خرج إلى الغار مع أبى بكر رضي الله عنه فلما رأى أثر قدمه قال أما محمد فإنى لم أره ولكن إن شئتم أن ألحق هذا الأثر قالوا فالحقه قال هو أشبه شيء (1/120)
بالأثر الذى في مقام إبراهيم فضرب أبو سفيان بكمه على الأرض ليعفو الأثر وقال قد خرف الشيخ
ومنهم مجزز المدلجى دخل على رسول الله فرأى زيد ابن حارثة وأسامة بن زيد قد ناما في قطيفة وغطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال إن هذه أقدام بعضها من بعض فسر بذلك رسول الله
ومن مليح الشعر في القيافة قول أبى محمد بن مطران الشاشى في أخوين متفاوتين
( بين أخلاقك التى هي أخلاق ... وأخلاقه العتاق مسافه )
( ولعمرى لفى ادعائك إياه ... كمن رام إبطال علم القيافة )
171 - ( عيافة بنى لهب ) هم أزجر العرب وأعيفهم قال بعض الرواة حضرت الموقف مع عمر بن الخطاب رضوان الله عليه فصاح به صائح يا خليفة رسول الله ثم قال يا أمير المؤمنين فقال رجل من خلفى دعاه باسم ميت مات والله أمير المؤمنين فالتفت فإذا هو رجل من بنى لهب من بنى نصر بن الأزد وهم أزجر العرب وأعيفهم قال فلما وقفنا للجمار ورميت إذا حصاة قد صكت صلعة عمر فأدمتها فقال قائل أشعر والله أمير المؤمنين ولا والله ما يقف هذا الموقف أبدا فالتفت فإذا أنا بذلك اللهبى بعينه فقتل عمر رضى الله عنه قبل الحول
وقال كثير في رجل منهم يقال له لهب بن أبى أحجن الأزدى العائف
( تيممت لهبا ابتغى العلم عنده ... وقد صار علم العائفين إلى لهب )
172 - ( خطباء إياد ) يضرب بهم المثل وقال يوما عبد الملك (1/121)
ابن مروان لجلسائه هل تعرفون حيا هم أخطب الناس وأجود الناس وأشعر الناس وأنكح الناس فأطرقوا فقال هم إياد لأن قسا منهم وكعب ابن مامة وأبو داود الإيادى منهم وابن ألغز منهم وكل مثل في جنسه فأما قس فهو ابن ساعدة أسقف نجران وأحكم حكماء العرب وأبلغ وأعقل من سمع به منهم وهو أول من كتب فلان إلى فلان وأول من خطب متوكئا على عصا وأول من أقر بالبعث وأول من قال أما بعد وبه يضرب المثل في الخطابة والبلاغة قال الأعمش
( وأبلغ من قس وأجرا من الذى ... بذى الغيل من خفان أصبح خادرا )
وقال الحطيئة ( وأخطب من قس وأمضى إذا مضى ... من الريح إذ مس النفوس نكالها )
ومن مشهور كلامه مالى أرى الناس يذهبون فلا يرجعون أرضوا بالمقام فأقاموا أم تركوا فناموا
ومن سائر شعره
( في الذاهبين الأولين ... من القرون لنا بصائر )
( لما رأيت مواردا ... للموت ليس لها مصادر )
( ورأيت قومى نحوها ... يمضى الأكابر والأصاغر )
( أيقنت أنى لا محالة ... حيث صار القوم صائر )
ويروى أن النبى ذكر قسا فقال ( يحشر أمة وحده ) \ ح \
173 - ( ثريدة غسان ) كان القوم ملوكا يختصون من بين العرب بالطيبات ولهم الثريدة التى يضرب بها المثل وهى التى أجمعت العرب على أنه (1/122)
ليست ثريدة أطيب منها لا من طعام العامة ولا من طعام الخاصة فصارت مثلا في أطايب الأطعمة كمضيرة معاوية وفالوذج ابن جدعان
وذكر بعض الرواة أنها كانت من المخ والمح ولا أطيب منهما
174 - ( مهور كندة ) كانت كندة لا تزوج بناتها بأقل من مائة من الإبل وربما أمهرت الواحدة منها ألفا منها فصارت مهور كندة مثلا في الغلاء حتى قال النبى ( اللهم أذهب ملك غسان وضع مهور كندة ) \ ح \ وقال أيضا ( أعظم النساء بركة أحسنهن وجوها وأرخصهن مهورا ) \ ح \
175 - ( حرة بنى سليم ) يضرب بها المثل في السواد وهى إحدى العجائب لأنها سوداء وأهلها بنو سليم كلهم سود ومن نزلها من غير سليم اسود
وقال الجاحظ وإنهم ليتخذون المماليك للرعى والسقى والمهنة والخدمة من الروميين والصقالبة مع نسائهم فما يتوالدون ثلاثة أبطن حتى تقلبهم الحرة إلى ألوان بنى سليم ولقد بلغ من أمر هذه الحرة أن ظباءها ونعامها وذئابها وثعالبها وحميرها وخيلها وإبلها كلها سود قال والسواد والبياض هما من قبل خلقة البلدة وما طبع الله عليه الماء والتربة ومن قبل قرب الشمس وبعدها وشدة حرها ولينها وليس ذلك من قبل مسخ ولا عقوبة ولا تشويه ولا تقبيح على أن حرة بنى سليم تجرى مجرى بلاد الترك فإنك إذا رأيت الترك ورأيت إبلهم ودوابهم وكل شيء لهم حسبته شيئا واحدا وكل شيء لهم تركى المنظر (1/123)
الباب الثامن فيما يضاف وينسب إلى رجال مختلفين
حكمة لقمان
رأى سطيح
جود كعب
بخل مادر
بلاغة قس
عى باقل
جار أبى داود
جليس قعقاع
فتكة البراض
حديث خرافة
مواعيد عرقوب
وفاء السموءل
ندامة الكسعى
عدو سليك
صفقة أبى غبشان
قبر أبى رغال
نفس عصام
يدا عدل
هوان قعيس
ميتة أبى خارجة
جزاء سنمار
كنز النظف
حلف الفضول
مسير حذيفة
نكاح حوثرة
ذكر ابن ألغز
أير الحارث بن سدوس
نومة عبود
حمق هبنقة
جهل أبى جهل
شؤم طويس
كذب مسيلمة
طمع أشعب
سنيات خالد
اصفر سليم
بخت أبى نافع
قنديل سعدان
واو عمرو
شربة أبى الجهم
لحن الموصلى
غناء إبراهيم بن المهدى
عود بنان ناى زنام
خرص أبى السقاء
حكاية أبى ديونة
لواط يحيى بن أكثم
الاستشهاد
176 - ( حكمة لقمان ) قال الله عز و جل ( ولقد آتينا لقمان الحكمة ) وحكى عنه مواعظه ووصاياه لابنه ونسب إليه سورة من كتابه فما الظن بمن ثبت الله له حكمته وارتضى كلامه أليس حقيقا ان يضرب به المثل ويروى أنه كان عبدا حبشيا لرجل من بنى إسرائيل فأعتقه وأعطاه مالا وذلك في زمن داود عليه السلام (1/124)
ولم يكن لقمان نبيا في قول أكثر الناس وعن سعيد بن المسيب أن لقمان النبى كان خياطا
قال وهب بن منبه قرأت من حكمته نحوا من عشرة الآف باب لم يسمع الناس كلاما أحسن منها ثم نظرت فرايت الناس قد أدخلوها فى كلامهم واستعانوا بها في خطبهم ورسائلهم ووصلوا بها بلاغتهم وقد أكثروا من ضرب المثل بحكمته كما قال السري وهو يمدح أبا محمد الفياض الكاتب
( أخو حكم إذا بدأت وعادت ... حكمن بعجز لقمان الحكيم )
( ملكت خطامها فعلوت قسا ... برونقها وقيس بن الخطيم )
ومن محاسن مواعظه لابنه قوله له يا بنى بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا يا بنى إياك وصاحب السوء فإنه كالسيف يحسن منظره ويقبح أثره يا بنى لا تكن النملة أكيس منك تجمع في صيفها لشتائها يا بنى لا يكن الديك أكيس منك ينادى بالأسحار وأنت نائم يا بنى إياك والكذب فإنه أشهى من لحم العصفور يا بنى إن الله تعالى يحيى القلوب الميتة بنور الحكمة كما يحيى الأرض بالمطر يا بنى لا تقرب السلطان إذا غضب والنهر إذا مد يا بنى أتخذ تقوى الله بضاعة تأتك الأرباح من غير تجارة يا بنى شاور من جرب الأمور فإنه يعطيك من رأيه ما قام عليه بالغلاء وأنت تأخذه بالمجان يا بنى كذب من قال إن الشر يطفأ بالشر فإن كان صادقا فليوقد نارين ثم لينظر هل تطفأ إحداهما بالأخرى وإنما يطفئ الخير الشر كما يطفئ الماء النار
177 - ( رأى سطيح ) سطيح الكاهن كان يطوى كما تطوى الحصير ويتكلم بكل أعجوبة في الكهانة وكذلك شق الكاهن وكان نصف إنسان قال ابن الرومى متمثلا برأى سطيح (1/125)
( وإذا ارتأى رأيا فأثقب ناظر ... نظرا وأبعده مدى تطويح )
( تبدى له سر العيون كهانة ... يوحى بها رأى كرأى سطيح )
( سبقت بحنكته التجارب فظنه ... كالشوكة استغنت عن التنقيح )
وقال أيضا وذكرهما معا
( لك رأى كأنه رأى شق ... وسطيح قريعى الكهان )
( يستشف الغيوب عما توارين ... بعين جلية الإنسان )
178 - ( جود كعب ) قال الجاحظ العامة تحكم بأن حاتما الطائى أجود العرب ولو قدمته على هرم في الجود لما اعترض عليهم ولكن الذى يحدث به عن حاتم لا يبلغ مقدار ما رووه عن كعب لأن كعبا بذل النفس حتى أعطبه الكرم وبذل المجهود في المال فساوى حاتما من هذا الوجه وباينه ببذل المهجة ومن حديثه أنه خرج في ركب فيهم رجل من النمر ابن قاسط في شهر ناجر فضلوا وعطشوا فتصافنوا ماءهم والتصافن أن تطرح حصاة في القعب والتفت كعب فأبصر النمرى يحدق النظر إليه فآثره بمائة وقال للساقى اسق أخاك النمرى فشرب النمرى نصيب كعب ذلك اليوم ثم نزلوا المنزل الآخر فتصافنوا بقية مائهم ونظر النمرى إلى كعب كنظر أمسه فقال كعب كقول أمسه وارتحل القوم وقالوا ارتحل يا كعب فلم يكن به قوة للنهوض وكانوا قد قربوا من الماء فقيل له رد يا كعب إنك وارد فعجز عن الجواب ثم فاضت نفسه النفسية
وقد أكثر الناس التمثل به ومن أبدعه قول الصاحب
( وما نال كعب في السماحة كعبه ... ) (1/126)
179 - ( بخل مادر ) هو رجل من بنى هلال بن عامر يضرب به المثل بلغ من بخله انه سقى إبله فبقى في الحوض ماء قليل فسلح فيه ومدر الحوض بالسلح أى لطخه
وأحسن من هذا القول ما قرأت للصاحب في رسالة مداعبة قوله اعلم يا أخى أنك جئت في اللؤم بنادر لم تهتد له فطنه مادر
وكان يأتى الماء حتى إذا روى وأروى ملأه مدرا ضنا على غيره بوروده
180 - ( بلاغة قس ) قد تقدم ذكره وذكر ضرب المثل ببلاغته وخطابته في الباب الذى قبل هذا الباب وهو أشهر من أن يعاد حديثه
181 - ( عى باقل ) حديثه مشهور وهو أنه اشترى ظبيا بأحد عشر درهما فمر بقوم فقالوا له بكم أخذت الظبى فمد يديه وأخرج لسانه يريد بأصابعه عشرة دراهم وبلسانه درهما فشرد الظبى حين مد يديه وكان الظبى تحت إبطه فجرى المثل بعيه وقيل أشد عيا من باقل كما قيل أبلغ من سحبان وائل
182 - ( جار أبى داود ) كان كعب بن مامة إذا جاوره رجل قام له بكل ما يصلحه وعياله وحماه ممن يريده وإن هلك له بعير أو شاة أو عبد أخلف عليه وإن مات وداه فجاوره أبو داود الأيادى الشاعر فكان يفعل به ذلك ويزيد في بره فصارت العرب إذا حمدت جارا يحسن جواره قالوا كجار أبى داود قال قيس بن زهير (1/127)
( أطوف ما أطوف ثم آوى ... إلى جار كجار أبى داود )
وكان أبو داود يفعل بجيرانه مثل ما فعل كعب به ولبعض أهل العصر في االتمثيل به
( وعجزى بان عن وصف الأيادى ... كجار أبى داود للإيادى )
183 - ( جليس قعقاع ) هو القعقاع بن شور الذهلي كان إذا جالسه واحد بالقصد إليه جعل له نصيبا من ماله وأعانه على عدوه وشفع له فى حوائجه وغدا إليه بعد المجالسة شاكرا له ودخل القعقاع على معاوية رضي الله عنه يوما ومجلسه غاص بأهله فلم يجد موضعا فأوسع له بعض جلسائه حتى جلس بجنبه ثم أمر معاوية للقعقاع بمائة ألف درهم فقال القعقاع لجليسه اقبضها فلما قام قال له الرجل خذ مالك فقال ما دفعته إليك وأنا أريد أسترجعه منك فقال الرجل في ذلك
( وكنت جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس )
( ضحوك السن إن نطقوا بخير ... وعند الشر مطراق عبوس )
وكان الرجل يجالس بنى مخزوم فسعوا به وزعموا أنه يقع في الولاة فقال الرجل
( شقيت بكم وكنت لكم جليسا ... ولست جليس قعقاع بن شور )
( وقبلكم أبو جهل أخوكم ... غزا بدرا بمجمرة وتور )
184 - ( فتكة البراض ) هو البراض بن قيس الكنانى أحد فتاك العرب االذين يضرب بهم المثل في الفتك كالحارث بن ظالم وعمرو بن كلثوم (1/128)
والجحاف بن حكيم ومن خبر فتكه البراض أنه كان وهو في حيه عيارا فاتكا يجنى الجنايات على أهله فخلعه قومه وتبرءوا من صنعه ففارقهم وقدم مكة مخالف حرب بن أمية ثم نبا به المقام بمكة أيضا ففارق الحجاز إلى العراق وقدم على النعمان بن المندر فقام ببابه وكان النعمان بن المنذر يبعث كل عام إلى عكاظ بلطيمة لتباع له هناك فقال وعنده البراض والرحال وهو عروة بن عتبة من يجيز لى لطيمتى حتى يقدمها عكاظ فقال البراض أبيت اللعن أنا مجيزها على كنانة فقال النعمان ما أريد إلا رجلا يجيزها على الحيين قيس وكنانة فقال عروة الرحال أبيت اللعن أهذا العيار الخليع يكمل أن يجيز لطيمة الملك أنا والله أجيزها على أهل الشيخ والقيصوم من نجد وتهامة فقال خذها فأنت لها فرحل عروة بها وتبع البراض أثره حتى إذا صار بين ظهرانى قومه وثب إليه البراض بسيفه فضربه ضربة خر منها واستاق العير فصارت فتكة البراض مثلا قال أبو تمام
( والفتى من تعرقته الليالى ... والفيافى كالحية النضناض )
( كل يوم له بصرف الليالى ... فتكة مثل فتكة البراض )
وكان يقال فتكات الجاهلية ثلاث وفتكات الإسلام اثنتان فأما فتكات الجاهلية ففتكه البراض بعروة وفتكة الحارث بن ظالم بخالد بن جعفر بن كلاب فتك به وهو فى جوار الأسود بن المنذر الملك فقتله وطلبه (1/129)
الملك فأعجزه وفتكة عمرو بن كلثوم بعمرو بن هند الملك فتك به وقتله في دار ملكه بين الحيرة والفرات وهتك سرادقه وانتهب رحله وخزائنه وانصرف بالتغالبة إلى بادية الشام موفورا ولم يصب أحد من أصحابه وأما فتكتا الإسلام ففتكه عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد بن العاص وفيه قيل
( كأن بنى مروان إذ يقتلونه ... بغاث من الطير اجتمعن على صقر )
وفتكة المنصور بأبى مسلم
185 - ( حديث خرافة ) خرافة رجل من بنى عذرة استهوته الجن فلما خلت عنه رجع إلى قومه وجعل يحدثهم بالأعاجيب من أحاديث الجن فكانت العرب إذا سمعت حديثا لا أصل له قالت حديث خرافة وضربه ابن الزبعرى مثلا بالكفر بالبعث حيث قال
( حياة ثم موت ثم نشر ... حديث خرافة يا أم عمرو )
ثم كثر هذا في كلامهم حتى قيل للأباطيل والترهات خرافات
ويروى أن رجلا تحدث بين يدى رسول الله بحديث فقالت امرأة من نسائه هذا حديث خرافة فقال ( لا وخرافة حق ) \ ح \
ويروى أن الجن لما استهوته كانت تخبره بما يقع إليهم من أخبار السماء عند استراقهم السمع فيخبر به خرافة أهل الأرض فيجدونه كما قال (1/130)
186 - ( مواعيد عرقوب ) يضرب بها المثل في الكذب والخلف وعرقوب رجل من خيبر ويقال إنه من العمالقة أتاه أخوه يسأله فقال له عرقوب إذا أطلعت تلك النخلة فلك طلعها فلما أطلعت أتاه للعدة فقال له دعها حتى تبلح فلما أبلحت أتاه فقال دعها حتى تزهى فلما زهت قال دعها حتى ترطب فلما أرطبت قال دعها حتى تتمر فلما اتمرت سرى إليها عرقوب من الليل فجدها ولم يعط أخاه شيئا فسارت مواعيده مثلا سائرا في الأمثال كما قال كعب بن زهير
( صارت مواعيد عرقوب لها مثلا ... وما مواعيدها إلا الأباطيل )
( فليس تنجز ميعادا إذا وعدت ... إلا كما يمسك الماء الغرابيل )
وقال الشماخ
( وعدت وكان الخلف منك سجية ... مواعيد عرقوب أخاه بيترب )
ومما نقم به عمرو بن هند على المتلمس حتى أمر فيه بما أمر قوله في هجائه (1/131)
( وطردتنى حذر الهجاء ولا ... واللات والأنصاب لا تئل )
( شر الملوك وشرهم حسبا ... في الناس من عزوا ومن جهلوا )
( من كان خلف الوعد شيمته ... والغدر عرقوب له مثل )
وقال الصنوبرى في نظم قصة عرقوب
( قالوا لنا نخلة وقد طلعت ... نخلتها فاصطبر لطلعتها )
( حتى إذا صار طلعها بلحا ... قالوا توقع بلوغ بسرتها )
( حتى إذا بسرها غدا رطبا ... فازوا بأعداقها برمتها )
( عدمتها نخلة كنخلة عرقوب ... ومن قصة كقصتها )
وقرأت لبعض الكتاب فصلا فى الشكوى استظرفت منه قوله وقد حصلت على أحزان يعقوب ومواعيد عرقوب
187 - ( وفاء السموءل ) هو ابن عادياء اليهودى القائل
( إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه ... فكل رداء يرتديه جميل )
ومن وفائه أن امرأ القيس بن حجر الكندى لما أراد الخروج إلى الروم استودع السموءل دروعا له فلما هلك امرؤ القيس غزا ملك من ملوك الشام السموءل فتحصن منه في حصنه فأخذ الملك ابنا له خارج الحصن وقال له إما أن تفرج عن وديعة امرئ القيس وإما أن أقتل ابنك فامتنع من تسليم (1/132)
الوديعة فذبح الملك ابنه وهو ينظر إليه ثم انصرف ووافى السموءل بالدروع الموسم فدفعها إلى ورثة امرئ القيس وقال
( بنى لى عاديا حصنا منيعا ... وماء كلما شئت استقيت )
( وفيت بأدرع الكندى إنى ... إذا ما خان أقوام وفيت )
( وقالوا إنه كنز رغيب ... ولا والله أغدر ما مشيت )
وقد أكثر الناس من ضرب المثل به فمن ذلك قول الأعشى
( كن كالسموءل إذ طاف الهمام به ... في جحفل كسواد الليل جرار )
( بالأبلق الفرد من تيماء منزله ... حصن حصين وجار غير غدار )
( ورامه الخسف تهديدا فقال له ... مهما تقله فإنى سامع حار )
( فقال غدر وثكل أنت بينهما ... فاختر وما فيهما حظ لمختار )
( فشك غير طويل ثم قال له ... اقتل أسيرك إنى مانع جارى )
188 - ( ندامة الكسعى ) هو محارب بن قيس ومن حديثه انه كان يرمى إبلا له فبصر بنبعة في صخرة فأعجبته وقال ينبغى أن تكون هذه قوسا فجعل يتعهدها ويرقبها حتى إذا أدركت قطعها وجففها فلما جفت أتخذ منها قوسا وأسهما ثم خرج حتى أتى غرة على موارد حمير وحش (1/133)
فكمن ليلا فيها فمر قطيع منها فرماه فمرق منه السهم فظن أنه أخطأ ثم لم يزل يفعل ذلك حتى أفنى الأسهم الخمسة في خمسة أعيار وقد أصابها كلها وهو يظن أنه أخطأها فأنشأ يقول
( أبعد خمس قد حفظت عدها ... أحمل قوسى فأريد ردها )
( أخزى الإله لينها وشدها ... والله لا تسلم عندى بعدها )
( ولا أرجى ما حييت رفدها ... )
ثم عمد إلى القوس فضرب بها حجرا وكسرها ونام فلما اصبح نظر إلى الأعيار مصرعة حوله وأسهمه مضرجة فندم على كسر القوس فشد على إبهامه فقطعها وأنشأ يقول
( ندمت ندامة لو أن نفسى ... تطاوعنى إذن لقطعت خمسى )
( تبين لى سفاه الرأى منى ... لعمر وأبيك حين كسرت قوسى )
وسارت ندامته مثلا في كل نادم على ما جنته يداه كما قال الفرزدق لما طلق امرأته نوار وندم عليها
( ندمت ندامة الكسعى لما ... غدت منى مطلقة نوار )
( وكنت كفاقئ عينيه جهلا ... فأصبح لا يضئ له نهار )
( وكانت جنتى فخرجت منها ... كآدم حين لج به الفرار )
وقال آخر
( ندمت ندامة الكسعى لما ... رأت عيناك ما صنعت يداك )
189 - ( عدو السليك ) هو السليك بن السلكة الذى يقال له (1/134)
سليك المقانب وقد تقدم ذكره والعرب تضرب به المثل وتزعم أنه والشنفرى أعدى من رئى ويحكى كثير عن سبقهما الأفراس وصيدهما الظباء عدوا والله أعلم بصدقه أو كذبه قال أبو عبيدة العداءون من العرب السليك والشنفرى والمنتشر بن وهب وأوفى بن مطر ولكن المثل سار من بينهم بالسليك
190 - ( صفقة أبى غبشان ) يضرب به المثل في الخسران وكانت خزاعة سدنة الكعبة قبل قريش وكان أبو غبشان الخزاعى يلي من بينهم أمر الكعبة وبيده مفاتيحها فاتفق له أنه اجتمع مع قصى بن كلاب فى شرب بالطائف فخدعه قصى عن مفاتيح الكعبة بأن أسكره ثم اشتراها منه بزق خمر وأشهد عليه ودفع المفاتيح في يد ابنه عبد الدار بن قصى وسرحه إلى مكة فلما أشرف عبد الدار على دور مكة رفع عقيرته وقال يا معاشر قريش هذه مفاتيح بيت أبيكم إسماعيل قد ردها الله عليكم من غير غدر ولا ظلم وأفاق أبو غبشان من سكره نادما خاسرا فقال الناس أحمق من أبى غبشان وأندم من أبى غبشان وأخسر صفقة من أبى غبشان فذهبت الكلمات الثلاث أمثالا وأكثرت الشعراء القول فيه فقال بعضهم
( باعت خزاعة بيت الله إذ سكرت ... بزق خمر فما فازت ولا ربحت )
وقال آخر
( أبو غبشان أظلم من قصى ... وأظلم من بنى فهر خزاعة )
( فلا تلحوا قصيا فى شراها ... ولوموا شيخكم إذ كان باعه )
وقال آخر
( إذا افتخرت خزاعة في قديم ... وجدنا فخرها شرب الخمور ) (1/135)
( وبيعا كعبة الرحمن حمقا ... بزق بئس مفتخر الفخور )
191 - ( قبر أبى رغال ) أبو رغال هو الذى كان يرجم الناس قبره إذا أتوا مكة وكان وجهه فيما يزعمون أن صالحا النبى عليه السلام أمره على صدقات الأموال فخالف أمره وأساء السيرة فوثبت عليه ثقيف فقتلته قتلا شنيعا وإنما فعلوا ذلك لسوء سيرته فى أهل الحرم وقد ذكره الشعراء فأكثروا قال مسكين الدارمى
( وأرجم قبره في كل عام ... كرجم الناس قبر أبى الرغال )
وقال جرير
( إذا مات الفرزدق فارجموه ... كرجم الناس قبر أبى رغال )
وأنشد الجاحظ للحكم بن عمرو البهرانى
( والذى كان يكتنى برغال ... جعل الله قبره شر قبر )
وقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه لغيلان بن سلمة حين أعتق عبيده وجعل ماله في رتاج الكعبة لئن لم ترجع في مالك لأرجمن قبرك كما يرجم قبر أبى رغال
192 - ( نفس عصام ) يضرب مثلا لمن يشرف بالأكتساب لا بالأنتساب ويسود بنفسه لا بقومه وعصام هو الباهلى الذى يقول منه النابغة (1/136)
( نفس عصام سودت عصاما ... وعلمته الكر والإقداما )
( وجعلته ملكا هماما )
وكان عصام هذا حاجب الملك النعمان بن المنذر فعرض للنعمان مرض احتجب فيه عن الناس حتى أرجفوا به ولما تعذر وصول النابغة إليه قال فيه قصيدة منها قوله لعصام
( فإنى لا ألومك في دخول ... فقل لى ماوراءك يا عصام )
( ألم أقسم عليك لتخبرنى ... أمحمول على النعش الهمام )
( فإن يهلك أبو قابوس يهلك ... ربيع الناس والشهر الحرام )
قال الجاحظ وإنما مدحه ليستأذن له وليوصله ولم يمدحه لعظم الحجابة في عينه ومعلوم كيف قدر حاجب الملك اليوم
وكان الأمير إسماعيل بن أحمد السامانى يقول كن عصاميا ولا تكن عظاميا اى سد بشرف نفسك كما ساد عصام ولا تتكل على سؤدد آبائك الذين ماتوا وصاروا عظاما نخرة فإن الشاعر يقول
( إذا ما الحى عاش بعظم ميت ... فذاك العظم حى وهو ميت )
193 - ( يدا عدل ) هو عدل بن سعد العشيرة كان على شرطة تبع وكان تبع إذا أراد قتل رجل دفعه إليه فجرى المثل به في ذلك الوقت فصار الناس يقولون للشئ الذى ييئسون منه هو على يدى عدل (1/137)
وعهدى بأبى بكر الخوارزمى يقول عند ذم العدول ما وقع فى يدى عدل فهو على يدى عدل
194 - ( هوان قعيس ) قال الجاحظ كان قعيس عند عمته في ليلة مطر وقر وكان قد أتى بيتها ضيفا فأدخلت كلبها إلى البيت وتركت قعيسا في المطر فمات من البرد
وذكر الشرقى بن القطامى ان قعيس بن مقاعس من بنى تميم وأنه لما مات أبوه حملته عمته إلى صاحب بر فرهنته على صاع من بر ولم تفكه حتى غلق الرهن واستعبده الحناط فصار عبدا له فصار هوان قعيس مثلا كما قال جحظة البرمكى ويروى انه لمنصور الفقيه
( إذا ما البخيل ثوى في الثرى ... خرى وارثوه على حفرته )
( هوان البخيل على أهله ... هوان قعيس على عمته )
195 - ( ميتة أبى خارجة ) سمع أعرابى يقول وهو متعلق بأستار الكعبة اللهم ميتة كما مات أبو خارجة فقيل له كيف كانت ميتة أبى خارجة فقال أكل بذجا وشرب مشعلا ونام شامسا فأتته منيته شعبان ريان دفآن (1/138)
196 - ( جزاء سنمار ) يضرب به المثل للمحسن يكافأ بالإساءة وكان سنمار الرومى مشهورا ببناء المصانع والحصون والقصور للملوك فبنى الخورنق على فرات الكوفة للنعمان بن امرئ القيس في مدة عشرين سنة فكان يبنى مدة ويغيب مدة يريد بذلك أن يطمئن البنيان ويتمكن فلما فرغ منه وصعده النعمان وهو معه ورأى البر والبحر ورأى صيد الضباب والظباء والحمير ورأى صيد الحيتان وصيد الطير وسمع غناء الملاحين واصوات الحداة أعجبه حسن البناء وطيب موضعه فقال سنمار عند ذلك متقربا إليه بالحذق وحسن المعرفة أبيت اللعن والله إنى لأعرف فى أركانه موضع حجر لو زال لزال جميع البنيان قال أو كذلك قال نعم قال لا جرم والله لأدعنه ولا يعلم بمكانه أحد ثم أمر به فرمى من أعالى البنيان فتقطع
ويقال بل قتله مخافة أن يبنى مثله لغيره من الملوك فقال شرحبيل الكلبى وجعل الحديث مثلا
( جزانى جزاه الله شر جزائه ... جزاء سنمار وما كان ذا ذنب )
( سوى رصه البنيان عشرين حجة ... يعالى عليه بالقراميد والسكب )
( فلما رأى البنيان تم سحوقه ... وآض كمثل الطودذى الباذخ الصعب )
( وظن سنمار به كل نافع ... وفاز لديه بالكرامة والقرب )
( فقال أقذفوا بالعلج من رأس شاهق ... وذاك لعمر الله من أعظم الخطب )
197 - ( كنز النطف ) من أمثال العرب كأن عنده كنز (1/139)
النطف وهو النطف بن خيبرى أحد بني سليط بن الحارث بن يربوع وكان أصاب عيني جوهر من اللطيمة التي أنفذها باذان من اليمن إلى كسرى ابن هرمز فانتهبها بنو حنظلة وحصلت الجواهر عند النطف فكنزها وقتلت بها بنو تميم يوم صفقة المشقر وصار كنز النطف مثلا في كل رغيبة وعلق نفيس يقال لو كان عنده كنز النطف ما عدا
198 - حلف الفضول هو في بعض الروايات تحالف ثلاثة من الفضلين على ألا يروا ظلما بمكة إلا غيروه وأسماؤهم الفضل بن شراعة والفضل بن قضاعة والفضل بن نصاعة والرواية الصحيحة أنه لما كان فيه من الشرف والفضل سمى حلف الفضول
وقال رسول الله لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت إلى مثله اليوم لأجبت
وكان سبب ذلك الحلف أن رجلا جاورهم من زبيد فظلم حقه وثمن سلعته وكانت ظلامته عند العاص بن وائل السهمي وكانت لرجل من بارق ظلامة عند أبي بن خلف الجمحي فلما سمع الزبير بن عبد المطلب الزبيدي وقد صعد في الجبل ورفع عقيرته بقوله
( يا للرجال لمظلوم بضاعته ... ببطن مكة نائي الدار والنفر ) ن الحرام لمن تمت حرامته ... ولا حرام لثوب الفاجر الغدر )
فقال الزبير
( حلفت لنعقدن حلفا عليهم ... وإن كنا جميعا أهل دار (1/140)
( نسميه الفضول إذا عقدنا ... يقر به الغريب لذى الجوار )
ثم قام هو وعبد الله بن جدعان فدعوا قريشا إلى التحالف والتناصر والأخذ للمظلوم من الظالم فأجابوهما وتحالفوا في دار ابن جدعان وشهده النبي قبل الوحي فهذا حلف الفضول
وأما حلف المطيبين فهو تحالف آخر بين قريش لما اجتمعوا لذلك غمسوا أيديهم في الطيب ثم تصافحوا وتحالفوا وتعاقدوا
199 - مسير حذيفة قال المبرد من المسير المذكور الذي يتمثل به مسير حذيفة بن بدر وكان أغار على هجائن المنذر بن ماء السماء وسار في ليلة مسيرة ثمان فقال قيس بن الخطيم متمثلا به
( هممنا بالإقامة ثم سرنا ... مسير حذيفة الخير بن بدر )
200 - نكاح حوثرة حوثرة رجل من عبد القيس يضرب به العرب المثل في شدة النكاح وكثرته فتقول أنكح من حوثرة
وممن يضرب به المثل في النكاح والغلمة خوات بن جبير الأنصاري صاحب ذات النحيين وكان يأتي أحياء العرب يتطلب النساء فإذا سئل عن حاجته قال قد شرد لى بعير فخرجت في طلبه وأدرك الإسلام وشهد بدرا فقال له النبي يوما ما فعل بعيرك الشرود (1/141)
فقال أما منذ قيدة الإسلام فلا وتزعم الأنصار أن النبى دعا له بأن تسكن غلمته فسكنت بدعائه
201 - ( ذكر ابن الغز ) ابن ألغز رجل من إياد كان أعظم الناس أيرا وأشدهم نكاحا وكان إذا انعظ وتحرك يستلقى على قفاه فيجئ الفصيل الأجرب فيحتك بأيره يظنه الجذل والجذل عود فى العطن ينصب لتحتك به الإبل الجربى ويزعمون أنه أصاب رأس أيره جنب عروس زفت إليه فقالت أتهددنا بالركبة وهو القائل
( ألا ربما أنغطت حتى أخاله ... سينقد بالإنعاظ أو يتمزق )
( فأعمله حتى إذا قلت قد ونى ... أبى وتمطى جامحا يتسبق )
وممن ضرب به المثل الفرزدق حيث قال
( لحا الله هذا من خلال ومن يقل ... سوى ذاك لاقاه باير ابن ألغز )
وقال آخر
( أولاك الألى كان ابن ألغز منهم ... ولا مثل ما كان ابن ألغز يصنع )
وذكر عبد الملك بن مروان إيادا فقال هم أخطب الناس لمكان قس وأسخى الناس لمكان كعب وأشعر الناس لمكان أبى داود وأنكح الناس لمكان ابن ألغز
202 - ( أير الحارث بن سدوس ) يضرب به المثل فى كثرة الأولاد قال الأصمعى كان له أحد وعشرون ذكرا قال الشاعر (1/142)
( فلو شاء ربى كان أير أبيكم ... طويلا كأير الحارث بن سدوس )
والعرب تقول فلان طويل الأير إذا كان كثير الأولاد
وقال على بن أبى طالب كرم الله وجهه من يطل أير أبيه ينتطق به أى من كثرت إخوته استظهر بهم وضرب المنطقة إذ كانت تشد الظهر مثلا لذلك
203 - ( نومة عبود ) روى الفراء بن المفضل بن سلمة قال كان عبود عبدا أسود حطابا فغبر فى محتطبه اسبوعا لم ينم ثم أنصرف وبقى اسبوعا نائما فضرب به المثل لمن ثقل نومه فقيل قد نام نومة عبود
وقال الشرقى بن القطامى اصل ذلك أن عبودا تماوت على أهله وقال اندبونى لأعلم كيف تندبون إذا مت فسجينه وندبنه فإذا به قد مات
قال أبو عبد الله بن الحجاج وهو يضرب به المثل
( قوموا فأهل الكهف مع ... عبود عندكم صراصر )
204 - ( حمق هبنقة ) قال حمزة الأصبهانى هو هبنقة ذو الودعات واسمه يزيد بن ثروان أحد بنى قيس بن ثعلبة ومن حمقه أنه جعل في عنقه قلادة من ودع وعظم وخزف وهو ذو لحية طويلة فسئل عنها فقال لأعرف بها نفسى ولئلا أضل فبات ذات ليلة وأخذ أخوه قلادته فتقلدها (1/143)
فلما أصبح هبنقة رأى القلادة في عنق أخيه فقال له يا أخى إن كنت أنت أنا فمن أنا
ومن حمقه أنه أختصمت الطفاوة وبنو راسب إلى عرباض في رجل أدعاه هؤلاء وهؤلاء فقالت الطفاوة هذا من عرافتنا وقالت بنو راسب بل هو من عرافتنا ثم قالوا قد رضينا بحكم أول من يطلع علينا فبينما هم كذلك إذ طلع عليهم هبنقة فقصوا عليه القصة فقال الحكم عندى في ذلك أن تلقوه في نهر البصرة فإن كان راسبيا رسب وإن كان طفاويا طفا فقال الرجل قد زهدت فى النسبتين فخلوا عنى فلست من راسب ولا من الطفاوة
ومن حمقه أنه ضل له بعير فأخذ ينادى من وجد بعيرى فهو له فقيل له فلم تنشده قال فأين حلاوة الوجدان
وكان يرعى غنما له فيرعى السمان منها وينحى المهازيل فقيل له فى ذلك فقال لا أفسد ما أصلح الله ولا أصلح ما افسد الله
وقال الشاعر فيه
( عش بجد ولا يضرك نوك ... إنما عيش من ترى بالجدود )
( عش بجد وكن هبنقة القيسى ... أو مثل شيبة بن الوليد )
( رب ذى إربة مقل من المال ... وذى عنجهية مجدود )
وقال آخر
( فعش بجد وكن هبنقة ... يرض بك الناس قاضيا حكما )
وأخبار حمقه كثيرة والمثل به سائر كما سار بحمق جحا وحمق دغة (1/144)
205 - ( جهل أبى جهل ) هو ابن هشام يضرب به المثل لجهله لموافقة كنيته صفته وكان يكنى بأبى الحكم وفيه قال مصعب بن الوراق في مخالفة ظاهره باطنه
( الناس كنوه أبا حكم ... والله كناه أبا جهل )
( أبقت رياسته لأسرته ... غضب الإله وذلة الأصل )
وفيه يقول أيضا حسان بن ثابت
( ألم تريانى حين اغدو مسبحا ... بسمت ابى ذر وجهل أبى جهل )
( ومحبرتى رأس الرياء ودفترى ... ونقلى بالأسحار أو رائحا رحلى )
( فكم من فتى قد قال والده له ... علمت بهذا إنه من ذوى الفضل )
( يبرئه من أن يصاحب شاطرا ... كمن فر من حبس الخراج إلى القتل )
وقال ابن الحجاج من قصيدة
( برطل راح كالمسك ساعية ... تغنيك في طيبها عن النقل )
( عادية السن بطش سورتها ... أجهل في الرأس من أبى جهل )
206 - ( شؤم طويس ) طويس من مخنثى المدينة وكان يسمى طاوسا فلما تخنث سمى بطويس ويكنى بأبى عبد النعيم وهو أول من غنى في الإسلام بالمدينة ونقر بالدف المربع وكان مأبونا خليعا يضحك كل حزين وثكلى
وكان يقول يا أهل المدينة ما دمت بين ظهرانيكم فتوقعوا خروج الدجال والدابة فإن مت فأنتم آمنون اعلموا أن أمى كانت تمشى بين نساء الأنصار بالنمائم وولدتنى في الليلة التى مات فيها رسول الله وفطمتنى يوم مات أبو بكر وبلغت الحلم في اليوم الذى قتل فيه عمر بن (1/145)
الخطاب وتزوجت في اليوم الذى قتل فيه عثمان وولد لى في اليوم الذى قتل فيه على وكان يضرب به المثل في التخنث وفى الأبنة والشؤم
ومن أملح ما أحفظ في التمثل بشؤمه قول ابى الفتح البستى في أبى على ابن سيمجور
( ألم تر ما ارتاه أبو على ... وكنت أراه ذا لب وكيس )
( عصى السلطان فابتدرت إليه ... جيوش يقلعون أبا قبيس )
( وصير طوس معقله فأضحت ... عليه طوس أشام من طويس )
وكان أبو الحسن اللحام يلقب أبا جعفر محمد بن العباس بن الحسن بطويس حتى شهر به وفيه يقول
( عاد إلى الحضرة نفسان ... طويس والنذل ابن مطران )
( اثنان ما أن لهما ثالث ... إلا عصا موسى بن عمران )
207 - ( كذب مسيلمة ) هو أبو ثمامة مسيلمة بن حبيب الحنفى من أهل اليمامة كان صاحب نيرنجات وأسجاع ومخاريق وتمويهات وأدعى النبوة ورسول الله بمكة قبل الهجرة فما زال يخفى ويظهر ويقوى ويضعف وأهل اليمامة فرقتان إحداهما تعظمه وتؤمن به والأخرى تستخفه وتضحك منه وكان يقول أنا شريك محمد في النبوة وجبريل عليه السلام ينزل على كما ينزل عليه وكان رجال بن عنفوة من رائشى نبله والحاطبين في حبله والساعين في نصرته وكان مسيلمة يقول يا بنى حنيفة ما جعل الله قريشا بأحق بالنبوة منكم وبلادكم أوسع من بلادهم (1/146)
وسوادكم أكثر من سوادهم وجبريل ينزل على صاحبكم مثل ما ينزل على صاحبهم ولما قدم النبى المدينة وجد الناس يتذاكرونه وما يبلغهم عنه من قوله وقول بنى حنيفة فيه فقام يوما خطيبا فقال بعد حمد الله والثناء عليه أما بعد فإن هذا الرجل الذى تكثرون في شأنه كذاب فى ثلاثين كذابا قبل الدجال فسماه المسلمون مسيلمة الكذاب وأظهروا شتمه وعيبه وتصغيره وهو باليمامة يركب الصعب والذلول في تقوية أمره ويعتضد برجال بن عنفوة وهو ينصره ويذب عنه ويصدق أكاذيبه ويقرأ أقاويله التى منها والشمس وضحاها فى ضوئها ومنجلاها والليل إذا عداها يطلبها ليغشاها فأدركها حتى أتاها وأطفأ نورها فمحاها
ومنها سبح اسم ربك الأعلى الذى يسر على الحبلى فأخرج منها نسمة تسعى من بين أحشاء ومعى فمنهم من يموت ويدس فى الثرى ومنهم من يعيش ويبقى إلى أجل ومنتهى والله يعلم السر وأخفى ولا تخفى عليه الآخرة والأولى
ومنها أذكروا نعمة الله عليكم واشكروها إذ جعل لكم الشمس سراجا والغيث ثجاجا وجعل لكم كباشا ونعاجا وفضة وزجاجا وذهبا وديباجا ومن نعمته عليكم أن أخرج لكم من الأرض رمانا وعنبا وريحانا وحنطة وزوانا
وكان أبو بكر رضى الله عنه إذا قرع سمعه هذه الترهات يقول أشهد أن هذا الكلام لم يخرج من إله
وكان النبى رأى فيما يرى النائم أن في يده سوارى (1/147)
ذهب فنفخهما فطارا فوقع أحدهما باليمامة والآخر باليمن فأولهما لمسيلمة صاحب اليمامة والأسود العنسى صاحب اليمن
وكان رجال بن عنفوة صاحب مسيلمة قدم المدينة مرارا وقرأ القرآن وأظهر الإيمان واسر الكفر ويروى أن النبى بينما هو جالس في أصحابه إذ سمع وطئا من خلفه فقال هذا وطء رجل من أهل النار فإذا هو رجال بن عنفوة فلما قدم وفد حنيفة على النبى وفيهم مسيلمة إلا أنه لم يلقه وأظهروا الإسلام وأرادوا الإنصراف أمر لهم بجوائز كعادته في الوفود وقال هل بقى منكم أحد قالوا لا إلا رجل منا يحفظ رحالنا يعنون مسيلمة فقال ليس بشركم مكانا فلما رجع الوفد إلى مسيلمة وقد بلغه كلام النبى قال لهم قد سمعتم قول محمد في ( ليس بشركم مكانا ) \ ح \ وقد أشركنى فى الأمر فسكتوا ولم يحيروا جوابا فقال رجال بن عنفوة يا قوم نبى منكم خير لكم من نبى من غيركم وأنا أشهد أن محمد أشركه فى الأمر بعده فعليكم به ولما انصرفوا إلى اليمامة أعلن مسيلمة النبوة وادعى الشركة وفتن أهل اليمامة وانقسموا بين مصدق ومكذب وراض وساخط وكتب مسيلمة إلى النبى كتابا قال فيه إلى النبى محمد رسول الله من مسيلمة رسول الله أما بعد فإنى قد أشركت فى الأمر معك وإن لنا نصف الأرض ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون ولا يعدلون وختم الكتاب وأنفذه مع رسولين فلما قرئ الكتاب على النبى قال لهما ما تقولان قالا نقول ما قال أبو ثمامة فقال أما والله لولا أن الرسل لا يقتلون لقتلتكما وأملى فى الجواب ( من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب سلام على من أتبع الهدى أما بعد فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ) (1/148)
ولما صدر الرسولان إلى مسيلمة الكذاب افتعل كتابا يذكر فيه أنه جعل له الأمر من بعده فصدقه أكثر بنى حنيفة
وبلغ من تبركهم به أنهم كانوا يسألونه أن يدعو لمريضهم ويبارك لمولودهم وجاءه قوم بمولود لهم فمسح رأسه فقرع وجاءه رجل يسأله أن يدعو لمولود له بطول العمر فمات من يومه
وكان ثمامة بن أثال الحنفى يقشعر جلده من ذكر مسيلمة وقال يوما لأصحابه إن محمدا لانبى معه ولا بعده كما أن الله تعالى لا شريك له فى ألوهيته فلا شريك لمحمد في نبوته ثم قال أين قول مسيلمة يا ضفدع نقى نقى كم تنقين لا الماء تكدرين ولا الشرب تمنعين من قول الله تعالى الذى جاء به محمد ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذى الطول لا إله إلا هو إليه المصير ) فقالوا أوقح بمن يقول مثل ذلك مع مثل هذا
ولما انتقل النبى إلى جوار ربه وارتدت العرب بعث أبو بكر رضى الله عنه خالد بن الوليد إلى حرب أهل الردة فأوقع بهم وانتصف منهم ثم أمره أبو بكر رضى الله عنه بقصد اليمامة ومقارعة مسيلمة ففعل وزحف إليها فى وجوه المهاجرين والأنصار وتلقاه مسيلمة في خيله ورجله ولما كان يوم اليمامة حمى الوطيس واشتدت الواقعة وعظمت الملحمة والتجأ بنو حنيفة وفيهم مسيلمة إلى حديقة سميت من بعده حديقة الموت فاقتحمها خالد رضى الله عنه والمسلمون ووضعوا فيهم السيوف وقتل الله مسيلمة فاشترك في قتله وحشى بحربته وعبد الله بن الزبير بسيفه وفتح (1/149)
الله تعالى اليمامة على المسلمين وأفاء عليهم الغنيمة ببركة أبى بكر الصديق ويمن نقيبته رضى الله تعالى عنه
208 - ( طمع أشعب ) كان أشعب من أهل المدينة وكان صاحب نوادر وصاحب إسناد وكان يحدث فيقول حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر رضى الله عنه وكان يبغضنى فى الله فإذا قيل له دع ذا قال ليس للحق مترك
وكانت عائشة بنت عثمان كفلته وكفلت معه ابن أبى الزناد
وكان اشعب يقول تربيت أنا وابن أبى الزناد فى مكان واحد فكنت أسفل وهو يعلو حتى بلغنا إلى ما ترون
وسأله رجل شراء قوس بدينار فقال لو كنت إذا رميت عنها طائرا وقع مشويا بين رغيفين ما اشتريته بدينار
وقال له سالم بن عبد الله ما بلغ من طمعك قال ما نظرت إلى اثنين فى جنازة يتساران إلا قدرت ان الميت أوصى لى بشئ وما زفت فى جوارى امرأة إلا كنست بيتى رجاء أن يغلط بها إلى
وبلغ من طمعه أنه مر برجل يعمل طبقا فقال أحب أن تزيد فيه طوقا فقال ولم قال عسى ان يهدى إلى فيه شئ فيكون أكثر
وقيل له هل رأيت أطمع منك قال نعم خرجت إلى الشام مع رفيق لى فنزلنا عند دير فيه راهب وتلاحينا فى أمر فقلت أير الراهب فى است الكاذب فنزل الراهب وقد أنعظ وقال بأبى أنتما من الكاذب منكما
ونوادر طمعه أكثر من أن تحصى وقد تظرف من قال فى كذب مسيلمة وطمع أشعب (1/150)
( وتقول لى قولا أظنك صادقا ... فأجئ من طمع إليك وأذهب )
( فإذا اجتمعت أنا وأنت بمجلس ... قالوا مسيلمة وهذا أشعب )
209 - ( سنيات خالد ) يضرب المثل بها أهل المدينة فى القحط والشدة كما يضرب المثل بسنى يوسف وخالد هذا هو خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المعروف بابن مطرة ولى لهشام بن عبد الملك خالد بن عبد الملك بن الحارث بن الحكم المدينة سبع سنين فأقحط الناس حتى أجلى أهل البوادى إلى الشام وكان يقال سنيات خالد لا أعاد الله أمثالها
210 - ( اصفر سليم ) كان سليم صيدلانيا بالبصرة وقد عجن دواء أصفر لكل ما شرب له فكان يستشفى به كل مبرود ومحرور فسار مثلا فى البركة وحسن الموقع وقد قيل فيه غير هذا والله تعالى أعلم
211 - ( بخت أبى نافع ) كان أبو نافع تاجرا ما خسرت تجارته قط وما عرف إلا الربح فيما يبيعه ويشتريه طول أيامه فسار المثل ببخته (1/151)
212 - ( قنديل سعدان ) كان يحيى بن خالد ولى سعدان الديوان فكان يرتشى ولا يقضى حاجة لأحد ما لم يأخذ رشوة حتى قال فيه الشاعر
( صب فى قنديل سعدان ... مع التسليم زيتا )
( وقناديل بنيه ... قبل ان يخفى الكميتا )
وصب الزيت فى القنديل كناية عن الرشوة فلما شهر بالإرتشاء عزله يحيى وولى مكانه أبا صالح بن ميمون فكان يربو على سعدان فى الإرتشاء وفرط الطمع فقيل له فيه
( قنديل سعدان على ضوئه ... فرخ لقنديل أبى صالح )
( تراه فى ديوانه أحولا ... من لمحه للدرهم اللائح ) فعزله يحيى وأعاد سعدان إلى عمله
213 - ( واو عمرو ) تضرب مثلا لما لا يحتاج إليه وأول من ضرب المثل بها أبو نواس حيث قال لأشجع السلمى
( أيها المدعى سليمى سفاها ... لست منها ولا قلامة ظفر )
( إنما أنت من سليمى كواو ... ألحقت فى الهجاء ظلما بعمرو )
وقال ابن بسام
( يا طلوع الرقيب ما بين إلف ... يا غريما أتى على الميعاد )
( يا ركودا فى يوم صيف وغيم ... يا وجوه التجار يوم الكساد )
( خل عنا فإنما أنت فينا ... واو عمرو أو كالحديث المعاد ) (1/152)
وأحسن ما سمعت فيه قول أبى سعيد الرستمى للصاحب بن عباد من قصيدة
( أفى الحق أن يعطى ثلاثون شاعرا ... ويحرم ما دون الرضا شاعر مثلى )
( كما ألحقت واو بعمرو زيادة ... وضويق باسم الله فى ألف الوصل )
ووصف بعضهم زيادة لا يحتاج إليها فقال واو عمرو وبغلة الشطرنج
214 - ( شربة أبى الجهم ) يضرب مثلا للشئ الطيب اللذيذ الردئ العاقبة وكان أبو الجهم عينا لأبى مسلم على أبى جعفر المنصور يراعيه ويداخله ويحفظ أنفاسه والمنصور يستثقله ويتبرم به ويترصد الغوائل له فبينما هو ذات يوم عنده إذ عطش فاستسقى فقال المنصور يا غلام اسقه سويق اللوز بالطبرزذ فجاءه بقدح منه وفيه سم سريع القتل فشربه أبو الجهم ولم يلبث أن حرك بطنه فقام فقال المنصور إلى أين يا أبا الجهم فقال إلى حيث وجهتنى يا أبا جعفر ورجع إلى منزله وقذف كل شئ فى بطنه وتلف لوقته فقيل فيه
( تجنب سويق اللوز لا تشربنه ... فشرب سويق اللوز أردى أبا الجهم )
215 - ( لحن الموصلى ) هو إسحاق بن إبراهيم يتمثل به فى الظرف وجودة الغناء كما قال ابن عيينة وهو يصف حمامة
( وورقاء تحكى الموصلى إذا شدا ... بألحانه أحبب بها وبمن تحكى )
وقال آخر (1/153)
( أزاح بلبالى غناء البلبل ... إذ مر فى ألحانه كالموصلى )
وقال آخر
( خلق ما يكاد يصبر عنه ... قلب خلق إلا بألف كفيل )
( وحديث كأن إسحاق يحدو ... فى تضاعيفه بشعر جميل )
216 - ( غناء إبراهيم بن المهدى ) كان من آدب الناس وأشعرهم وأبلغهم وغلب عليه الغناء فبرز وأعجز وسحر وبهر حتى ضرب به المثل وكان عجيب الشأن بديع الوصف والحال وكان أسود شديد السواد براق اللون وأبوه المهدى ابيض وأمه أميل إلى السواد وتنقلت به أحوال وأدوار وتقلد الخلافة سنين إلى أن دخل المأمون بغداد وهو مسنتر ثم ظهر وعفا عنه المأمون ورد عليه امواله وأكرمه ونادمه ورتبه فى مشايخ بنى هاشم
وكان غناء إبراهيم لأخيه الرشيد ثم للثلاثة من بنى أخيه الخلفاء وهم الأمين والمأمون والمعتصم وطرب المعتصم يوما لغنائه فقال أحسنت يا أمير االمؤمنين فقال إبراهيم عربدت يا أمير المؤمنين
وكان إذا ضرب وغنى لأحدهم فى الصحارى والمصائد والمتنزهات وقفت له الطير وعكفت عليه الوحوش حتى تكاد تؤخذ بالأيدى
وكان أبو عيسى بن الرشيد يقول له السكر على صوتك شهادة يا عم
وكان أحمد بن يوسف يقول فيه القلوب من غنائه على خطر فكيف الجيوب
وقرأت لأبى إسحاق الصابى فصلا لأبى عثمان الخالدى استحسنته (1/154)
جدا فى محاسن الأفراد وهو قوله لو كان لك خصم يجمع شعر البحترى وغناء إبراهيم بن المهدى ومذاكرة الأصمعى وكتابة جعفر بن يحيى وحسن وجه المعتز وطيب عشرة حمدون لما كنت إلا منحرفا عنه معينا عليه مقبحا محاسنه من أجلك
217218 218 - ( عود بنان وناى زنام ) كان بنان وزنام مطربى المتوكل وكان كل منهما منقطع القرين فى طبقته فإذا اجتمعا على الضرب والزمر أحسنا وفتنا وأعجبا وعجبا وكان المتوكل لا يشرب إلا على سماعهما وفيهما يقول البحترى من قصيدة
( هل العيش إلا ماء كرم مصفق ... يرقرقه فى الكأس ماء غمام )
( وعود بنان حين ساعد شدوه ... على نغم الألحان ناى زنام )
219 - ( خرص أبى السقاء ) كان يخرص النخيل بالبصرة للسلطان فلا يغلط برطل فضرب به المثل فى ذلك
220 - ( حكاية أبى ديونة ) كان زنجيا وكان كما قال ابن الرومى يخاطبه
( حكيت القرد فى قبح وسخف ... وما قصرت عنه فى الحكاية )
وكان يحكى كل صوت وكل هيئة وكل مشية ويحكى أصوات الدواب (1/155)
والبهائم والطير فلا يفرق بين صوته وأصواتها ونظيره فى زماننا أبو الورد صاحب المهلبى الوزير ولا ثالث لهما
221 - ( لواط يحيى بن أكثم ) أصله من مرو فاتصل بالمأمون ايام مقامه بها فاختص به واستولى على قلبه وصحبه إلى بغداد ومحله منه محل الأقارب أو أقرب
وكان متقدما فى الفقه وآداب القضاة حسن العشرة عذب اللسان وافر الحظ من الجد والهزل ولاه المأمون قاضى القضاة وأمر بألا يحجب عنه ليلا ولا نهارا وأفضى إليه بأسراره وشاوره فى مهماته وكان يحيى ألوط من ثفر ومن قوم لوط وكان إذا رأى غلاما يفسده وقعت عليه الرعدة وسال لعابه وبرق بصره
وكان لا يستخدم فى داره إلا المرد الملاح ويقول قد اكرم الله تعالى أهل جنته بأن أطاف عليهم الغلمان فى حال رضاه عنهم لفضلهم على الجوارى فما بالى لا أطلب هذه الزلفى والكرامة فى دار الدنيا معهم
ويقال إنه هو الذى زين للمأمون اللواط وحبب إليه الولدان وغرس فى قلبه محاسنهم وفضائلهم وخصائصهم وقال إنهم بالليل عرائس وبالنهار فوارس وهم للفراش والهراش وللسفر والحضر فصدر المأمون عن رأيه وجرى فى طريقه واقتدى به المعتصم حتى اشتهر بهم وملك ثمانية آلاف منهم وما كان بنو العباس يحومون حولهم اللهم إلا (1/156)
ما كان يؤثر عن محمد الأمين من استخدام الخصيان والعبث بهم دون فحول الولدان
ويحكى أن المأمون نظر يوما إلى يحيى فى مجلسه وهو يحد النظر إلى ابن أخيه الواثق وهو إذ ذاك أمرد تأكله العين فتبسم إليه وقال يا أبا محمد حوالينا ولا علينا فقال يا أمير المؤمنين إن الكلب لا يأكل النار
وخلا به المأمون ليلة على المطايبة والمداعبة والمجاراة فى ميدان الغلمان ومترف غلام المأمون يتسمع عليهما وهو الذى حكى هذه القصة عنه قال قال له المأمون يا أبا محمد أخبرنى عن أظرف غلام مر بك قال نعم يا أمير المؤمنين احتكم إلى غلام فى نهاية الملاحة والظرف واللباقة فأخذته عينى وتعلقه قلبى فلم أفضل الحكم بينه وبين خصمه إيثارا منى للقائه ومعاودته إياى فى حكومته فدخل إلى على حين غفلة ومثله لا يحجب عنى فلما وصل إلى قال أيها القاضى أعنى على خصمى فقلت له ومن يعيننى على عينيك يا بنى قال شفتى وأدناها منى فلما شممت الخمر من فيه وفيته حدا من القبل وقلت له يا بنى ما بال شفتيك متشققتين فقال أحلى ما يكون التين إذا تشقق ثم قلت له ويدى فى ثيابه يا بنى ما أنحفك فقال كلما دق قصب السكر كان أحلى فضحك المأمون ووقع له بمائتى دينار وقال أوصلها إليه ولو على أجنحة الطير وكان إذ ذاك قد التحى وكان يحيي يعرف منزله فامتثل أمره وأوصلها له
ومما قيل فى يحيى
( وكنا نرجى أن نرى العدل ظاهرا ... فأعقبنا بعد الرجاء قنوط ) (1/157)
( متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضى قضاة المسلمين يلوط )
وفيه أيضا
( انطقنى الدهر بعد إخراسى ... بحادثات أطلن وسواسى )
( قاض يرى الحد فى الزناء ولا ... يرى على من يلوط من باس )
( أميرنا يرتشى وحاكمنا ... يلوط والرأس شر ما راس )
( ما إن أرى الجؤر ينقضى وعلى ... الأمة وال من آل عباس )
وفيه قيل
( وكنت ألوم الشيخ فيك ولا أرى ... دم الشيخ إن رام الحرام محرما )
( فلما رأيت الحسن ألقى رداءه ... عليك عذرت الشيخ يحيى بن أكثما )
ولفرط لواطه نسب إلى الأبنة فقيل فيه
( حربه يحيى لين رأسها ... إن وقعت فى اللحم لم تخدش )
( يحشو بها الممرد إذا ما خلا ... وهو كما يحشوهم يحتشى )
( ينحط من فوق إلى أسفل ... مثل انحطاط الطائر المرعش )
ويحكى أنه دخل يوما على العباس بن المأمون وهو يلعب بالشطرنج وينشد
( يا ليت يحيى لم يلده أكثمه ... ولم تطأ أرض العراق قدمه )
( أى دواة لم يلقها قلمه ... )
فقال يحيى دواتك أيها الأمير
وسمعه إسماعيل بن حماد بن أبى حنيفة يوما يغض من جده فقال له ما هذا جزاءه منك قال حين فعل ماذا حين أباح المسكر ودرأ الحد عن اللوطى (1/158)
الباب التاسع فيما يضاف وينسب إلى العرب
تيجان العرب
أغربة العرب
جمرات العرب
أثافى العرب
نخوة العرب
صناجة العرب
كسرى العرب
صلاء العرب
كاهل العرب
سابق العرب
الاستشهاد
222 - ( تيجان العرب ) جاء فى الخبر إن العمائم تيجان العرب فإذا وضعوها وضع الله عزهم وكان يقال اختصت العرب من بين الأمم بأربع العمائم تيجانها والدروع حيطانها والسيوف سيجانها والشعر ديوانها
223 - ( أغربة العرب ) وذؤبان العرب سادتها وهم أربعة سودان شجعان فمنهم عنترة بن شداد العبسى سرى السواد فيه من جهة أمه وكانت حبشية زنجية تسمى زبيبة وفيها قال من وصف رجلا بقلة شرب الشراب
( ويدعى الشرب فى رطل وباطية ... وأم عنترة العبسى تكفيه )
ومنهم خفاف بن ندبة السلمى سرى السواد فيه من قبل أمه وبلدته (1/159)
لأنه من حرة بنى سليم وأدرك النبي وكان شاعرا شجاعا وقل ما يجتمع الشعر والشجاعة فى واحد وشهد مع النبي فتح مكة ومعه لواء سليم
ومنهم السليك بن السلكة وقد تقدم ذكره
ومنهم عبد الله بن خازم السلمى والى خراسان لعبد الله بن الزبير ومن عجيب أمره أنه كان نهاية فى الشجاعة والنجدة وكان يخاف الفأر أشد مخافة فبينما هو ذات يوم عند عبيد الله بن زياد إذ أدخل عليه جرذا أبيض فتعجب منه فقال لعبد الله يا أبا صالح هل رأيت أعجب من هذا وإذا عبد الله قد تضاءل كأنه فرخ وأصفر كأنه جرادة فقال عبيد الله أبو صالح يعصى الرحمن ويتهاون بالسلطان ويقبض على الثعبان ويمشى إلى الأسد الورد ويلقى الرماح بوجهه والسيوف بيده وقد اعتراه من جرذ ما ترون أشهد أن الله على كل شيء قدير
224 - ( جمرات العرب ) بنو ضبة وبنو الحارث بن كعب وبنو نمير بن عامر وبنو عبس بن بغيض وبنو يربوع بن حنظلة قال الخليل الجمرة كل قوم يصبرون لقتال من قاتلهم لا يحالفون أحد ولا ينضمون إلى أحد تكون القبيلة نفسها جمرة تصبر لمقارعة القبائل كما صبرت عبس لقيس كلها (1/160)
225 - ( أثافى العرب ) قال محمد بن حبيب البصرى فى الكتاب المحبر سليم وهوازن ابنا منصور بن عكرمة أثفية وغطفان أثفية ومحارب أثفية وهى ألأمها
226 - ( نخوة العرب ) لم تزل العرب تتميز عن سائر الأمم بالنخوة لما كانت تختص به من السماحة والفصاحة والشجاعة حتى إن النعمان بن المنذر ترفع عن مصاهرة سلطان أبرويز إذ كان من العجم ولما بعث الله تعالى صفوة خلقه وخاتم رسله منهم ازدادت نخوتهم وصارت مثلا كما قال الشاعر
( لؤم النبيط ونخوة العرب ... )
227 - ( صناجة العرب ) كان يقال للأعشى صناجة العرب لكثرة ما غنت بشعره ويقال بل لأنه أول من ذكر الصنج فى شعره حيث قال
( ومستجيب تخال الصنج يسمعه ... إذا ترجع فيه القينة الفضل )
228 - ( كسرى العرب ) كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه إذا نظر إلى معاوية بن أبى سفيان قال هذا كسرى العرب لأنه كان يجمع بين سخاء العرب وتأنق ملوك العجم فى الرياش والمطعم
ومما يقارب هذا المعنى فصل قرأته للصاحب فى ذكر فصل قرأة للأمير شمس المعالى قرأت الفصل الذى تجشمته فإذا هو جامع هزة العرب إلى عزة العجم وناظم ما بين صليل السيف وصرير القلم (1/161)
229 - ( صلاء العرب ) قال عمر رضى الله عنه الشمس صلاء العربي وكان يقول العرب كالبعير حيثما دارت الشمس استقبلها بهامته
ووصف الراجز الإبل فقال
( تستقبل الشمس بجمجماتها ... )
230 - ( كاهل العرب ) قال معاوية للأحنف وحارثة بن قدامة ورجال من بنى سعد كلاما أحفظهم فردوا عليه جوابا قبيحا وابنه قرظة فى بيت بقربه تستمع فلما خرجوا قالت يا أمير المؤمنين لقد سمعت من هؤلاء الأجلاف كلاما رموك به فلم تنكره عليهم فأردت أن أخرج عليهم فأسطو بهم فقال لها معاوية إن مضر كاهل العرب وتميما كاهل مضر وسعدا كاهل تميم وهؤلاء كاهل سعد
وشبيه بهذا الكلام فى المعنى ما يحكى عن جعفر بن سليمان الهاشمى أنه كان يقول العراق عين الدنيا والبصرة عين العراق والمربد عين البصرة ودارى عين المربد
وعن يحيى بن خالد العرب يكتبون أحسن ما يسمعون ويحفظون أحسن ما يكتبون ويروون أحسن ما يحفظون
231 - ( سابق العرب ) عن النبي ( أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة ) (1/162)
الباب العاشر فيما يضاف وينسب إلى الإسلام والمسلمين
سهم الإسلام
قبة الإسلام
بيضة الإسلام
خضاب الإسلام
فتكتا الإسلام
نطاق الإسلام
دعوة الإسلام
عصا المسلمين
حلوبة المسلمين
جناح المسلمين
الاستشهاد
232 - ( سهم الإسلام ) كان السلف يقولون فى وصاياهم إذا مررت بقوم فابدأهم بسهم الإسلام وهو السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكان النبي يقول يوم دخول المدنية ( أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا بالليل والناس نيام وصلوا الأرحام تدخلوا الجنة بسلام )
233 - ( قبة الإسلام ) لما مصر عمر رضى الله عنه البصرة وانتقلت قبائل العرب إليها وكثرت الأبنية فيها واشتدت شوكة الإسلام بها سميت قبة الإسلام ثم لما بنى المنصور بغداد وسماها مدينة السلام وصارت دار الخلافة ومصب أموال الدنيا قال الناس هذه الآن أولى بأن تسمى قبة الإسلام من البصرة فقالوا مدينة السلام وقبة الإسلام (1/163)
ولما وقعت فتنة الزنج بالبصرة رفع إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان بسر من رأى أن البصرة قبة الإسلام وفيها قريش والهاشميون والعرب وهى على شرف الخراب والذهاب فأضحر وقال وذهبت البصرة فمه فقيل له وذهبت أنت فمه فكان يصاح به فى الطريق فمه حتى اشتهر بها فهرب من سر من رأى
وذكر ابن الموسوى النقيب قبة الإسلام فى قصيدة مدح بها الطائع وذكر فيها أباه فقال
( لما رآك رأى النبي محمدا ... فى بردة الإجلال والإعظام )
( ورأى بمجلسك المعرق فى العلا ... حرم الرجاء وقبة الإسلام )
234 - ( بيضة الإسلام ) وهى على طريقة الاستعارة والتشبيه مجتمعه وحوزته ويقال أيضا البيضة
وقد قصرت فى هذا الكتاب بابا على البيض المنسوب والمضاف
235 - ( خضاب الإسلام ) ذكر ابو عبيد الله المرزبانى فى كتاب الأنوار والثمار حديثا يرفعه إلى عقبة بن عامر أن النبي قال ( عليكم بالحناء فإنه خضاب الإسلام وإنه يصفى البصر ويذهب بالصداع ويزيد فى الباه وإياكم والسواد فإنه من سود سود الله وجهه يوم القيامة )
236 - ( فتكتا الإسلام ) كان يقال لفتكة عبد الملك بن مروان بعمرو بن سعيد بن العاص الأشدق فتكة الإسلام ثم صارت بفتكة (1/164)
المنصور بأبى مسلم فتكتين هما فتكتا الإسلام ولا ثالث لهما
237 - ( نطاق الإسلام ) هو على طريق الاستعارة أنصاره وأعوانه فكأنه يستظهر بهم عند التنطق
وسئل على بن أبى طالب رضى الله عنه عن تغيير الشيب وما يروى فى ذلك من قول النبي ( غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود ) فقال إنما قال ذلك والدين فى قل فأما وقد اتسع نطاق الإسلام فكل امرىء وما اختار لنفسه
238 - ( دعوة الإسلام ) كانت وليمة الحسن بن سهل حين بنى المأمون ببنته بوران تدعى دعوة الإسلام حتى جاءت دعوة بركوار فقال الناس هى مثلها وقالوا إن دعوة بركوار دعوة الإسلام لم يكن قبلها ولا بعدها مثلها إلا ما يحكى فى وقت بناء المأمون ببوران وبلغ من جلالة دعوة الحسن بن سهل وعظم خطرها وارتفاع مقدارها أن أقام للمأمون بفم الصلح وجمع قواده وأصحابه نزلهم أربعين يوما واحتفل بما لم ير مثله نفاسة وكثرة قال المبرد سمعت الحسن بن رجاء يقول كنا نطعم أيام مقام المأمون عند الحسن بن سهل ستة وثلاثين ألف ملاح ولقد عز بنا الحطب يوما فأوقدنا تحت القدور الخيش مغموسا فى الزيت ولما كانت ليلة البناء وجليت بوران على المأمون فرش لها حصير من ذهب وجىء بمكتل مرصع بالجواهر فيه درر كبار فنثرت على من حضر من النساء وفيهن زبيدة (1/165)
وحمدونة بنت الرشيد وعجائز الخلافة فما مس من حضر منهن من الدرر شيئا فقال المأمون شرفن أبا محمد وأكرمن بوران فمدت كل واحدة منهن يدها فأخذت درة واحدة وبقى سائر الدر يلوح على حصير الذهب فقال المأمون قاتل الله الحسن بن هانى كأنه قد رأى هذا حيث يقول
( كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب )
وكانت فى ذلك المجلس شمعة عنبر فيها مائتا رطل فضج المأمون من دخانها فعملت له على مثالات من الشمع فكان الليل مدة مقامه بفم الصلح كالنهار ولما كانت دعوة القواد نثرت عليهم رقاع فيها أسماء ضياع فمن وقعت فى يده رقعة لضيعة أشهد الحسن له بها
ويقال إنه أنفق فى هذه الدعوة أربعة آلاف ألف دينار فلما أراد المأمون أن يصعد أمر له بألف ألف دينار وأقطعه الصلح وعاتبه على احتفاله واجتهاده وحمله على نفسه فقال له يا أمير المؤمنين أتظن هذا من مال سهل والله ما هو إلا مالك رد إليك وأردت أن يفضل الله أيامك ونكاحك كما فضلك على جميع خلقه
فهذه دعوة الإسلام الأولى
وأما دعوة الإسلام الثانية فهى بيركوار لما أعذر المتوكل المعتز ومن قصتها أنه جلس بعد فراغ القواد والأكابر من الأكل ومدت بين يديه مرافع ذهب مرصعة بالجواهر وعليها أمثلة من العنبر والند والمسك المعجون على جميع الصور وجعلت بساطا ممدودا وأحضر القواد والجلساء وأصحاب المراتب فوضعت بين أيديهم صوانى الذهب مرصعة بأنواع الجواهر من (1/166)
الجانبين وبين كل سماطين فرجه وجاء الفراشون بزنابيل قد غشيت بالأدم مملوءة دراهم ودنانير نصفين فصبت فى الفرجة حتى ارتفعت على الصوانى وأمر الحاضرون أن يشربوا وأن يأخذ كل من شرب من تلك الدنانير ثلاث حفنات بقدر ما حملت يده فكلما خف موضع صبوا عليه من الزنابيل حتى يردوه إلى حالته ووقف غلمان فى آخر المجلس فصاحوا إن أمير المؤمنين يقول لكم ليأخذ من شاء ما شاء فمد الناس أيديهم إلى المال فأخذوه فكان الرجل منهم يثقله ما معه فيخرج فيسلمه إلى غلمانه ويرجع إلى مكانه ونظر ابن حمدون إلى سطل ذهب مملوء مسكا فأخذه ومر به ليدفعه إلى غلامه فقال له المتوكل إلى أين فقال إلى الحمام يا أمير المؤمنين ولما تقوض المجلس خلع على الناس ألف خلعة وأعتق ألف نسمة فصارت دعوته يقال لها دعوة الإسلام الثانية
239 - ( عصا المسلمين ) قال أبو عمرو بن العلاء من أمثالهم شق فلان عصا المسلمين إذا فرق جمعهم وشق العصا إذا خرج من الطاعة قال جرير
( ألا بكرت سلمى فجد بكورها ... وشق العصا بعد اجتماع أميرها )
وقال العتابى فى الرشيد
( إمام له كف يضم بنانها ... عصا الدين ممنوعا من البرى عودها )
( وعين محيط بالبرية طرفها ... سواء عليه قربها وبعيدها )
240 - ( حلوبة المسلمين ) من طريق الاستعارة فيئهم وخراجهم يقال درت حلوبة المسلمين إذا جبيت حقوق بيت المال (1/167)
241 - ( جناح المسلمين ) كان يقال للبريد جناح المسلمين لما كان يتطاير به من الأخبار ولما ولى الحسن بن وهب بريد الحضرة قال فيه دعبل
( من مبلغ عنى إمام الهدى ... قافية للستر هتاكه )
( هذا جناح المسلمين الذى ... قد قصه تولية الحاكه )
( أضحت بغال البرد منظومة ... إلى ابن وهب تحمل الناكه )
فبلغت المتوكل فأمر بعزله (1/168)
الباب الحادى عشر فيما يضاف وينسب إلى القراء والعلماء
خريطة شهر
فقه ابى حنيفة
جامع سفيان
عنز الأعمش
طفرة النظام
حاجة أبى الهذيل
الاستشهاد
242 - ( خريطة شهر ) تضرب مثلا فيما يختزله القراء والفقهاء من أموال الناس والودائع وذلك أن شهر بن حوشب وكان من جلة القراء والمحدثين دخل بيت المال فأخذ خريطة فيها دراهم فقال فيه القائل
( لقد باع شهر دينه بخريطة ... فمن يأمن القراء بعدك يا شهر )
فصارت خريطته مثلا وشهر هو الذى قال له رجل أنا أحبك فقال ولم لا تحبنى وأنا أخوك فى كتاب الله وشريكك على دين الله ومئونتى على غيرك
243 - ( فقه أبى حنيفة ) يضرب به المثل كما قال بعض الرجاز للمأمون
( مأمون يا ذا المنن الشريفة ... والعلم والمنزلة المنيفة ) (1/169)
( هل لك فى أرجوزة ظريفة ... أظرف من فقه أبى حنيفة )
وفيها مما يستظرف
( الذئب والنعجة فى سقيفه ... واللص والتاجر فى قطيفة )
وقال بعض المولدين
( متفقه جمع الكلام ... إلى قياس ابى حنيفة )
( فأتاك يسعى للقضاء ... بلحية فوق القطيفة )
وكان يقال أربعة لم يلحقوا ولم يسبقوا أبو حنيفة فى فقهه والخليل فى أدبه والجاحظ فى تأليفه وأبو تمام فى شعره
وممن ضرب المثل بفقه أبى حنيفة ابن طباطبا حيث قال يهجو أبا على الرستمى
( كفرا بعلمك يا بن رستم كله ... وبما حفظت سوى الكتاب المنزل )
( لو كنت يونس فى دوائر نحوه ... أو كنت قطرب فى الغريب المشكل )
( وحويت فقه أبى حنيفة كله ... ثم انتميت لرستم لم تنبل )
244 - ( جامع سفيان ) يضرب المثل بجامع سفيان الثورى فى الفقه (1/170)
للشىء الجامع لكل شيء كما يضرب المثل بسفينة نوح وعهدى بأبى بكر الخوارزمى إذا رأى رجلا جامعا أو كتابا قال ما هو إلا سفينة نوح وجامع سفيان ومخلط خراسان
وقال أبو عبد الله بن الحجاج
( بالله قولوا لى ولا تغضبوا ... لست من الحق بغضبان )
( فقر وذل وخمول معا ... أحسنت يا جامع سفيان )
245 - ( عنز الأعمش ) يضرب مثلا فيمن ينزل منزلة لا يستحقها لغيبة من يصلح لها وذلك أن الأعمش كان إذا فقد من يحدثه من أصحابه أقبل على عنز له يحدثها كراهة للفراغ وخوفا من النسيان وحرصا على الدرس والرواية فجرى المثل بعنز الأعمش فيما ذكرته وفيمن يخاطب من لا يفهم
246 - ( طفرة النظام ) هى أنه كان يقول بأن الجزء ينتقل من المكان الأول إلى المكان الثالث من غير أن يمر بالمكان الثانى بطفرة فصارت طفرة النظام مثلا فيمن يعذ السير ويقطع المسافة البعيدة فى المدة القريبة
247 - ( حاجة أبى الهذيل ) يضرب مثلا للحاجة يسألها الإنسان لغيره ويضمر ضد ما يظهر منها ولا يحب قضاءها إما بخلا بجاهه وإما لحاجة أخرى فى نفسه (1/171)
وكان أبو الهذيل سار إلى سهل بن هارون الكاتب وكان خاصا بالحسن ابن سهل يسأله الكلام فى أمره ويستعينه على إضاقة دفع إليها فسار سهل إلى الحسن فكلمه وقال له قد عرفت أيها الأمير حال أبى الهذيل ومحله وقدره فى الإسلام وأنه متكلم قومه والراد على أهل الإلحاد وقد فزع إليك لإضافة هو فيها فوعده أن ينظر له بما يصلح حاله فلما انصرف سهل إلى منزلة بعثه لؤم طبعه وسوء خلقه على أن كتب إلى الحسن بن سهل
( إن الضمير إذا سألتك حاجة ... لأبى الهذيل خلاف ما أبدى )
( فامنحه روح اليأس ثم امدد له ... حبل الرجاء بمخلف الوعد )
( وألن له كنفا ليحسن ظنه ... فى غير منفعة ولا رفد )
( حتى إذا طالت شقاوة جده ... يعنائه فاجبهه بالرد )
فلما قرأ الحسن رقعته وقع فيها هذه لك الويل صفتك لا صفتى وأمر لأبى الهذيل بألف دينار
وكان سهل بن هارون بن راهبون الكاتب الميسانى كاتبا شاعرا بليغا حكيما ولكنه كان مفرط البخل بماله وجاهه ضاربا فى اللؤم والدناءة بسهم فائز (1/172)
الباب الثانى عشر فيما يضاف وينسب إلى أصحاب المذاهب والآراء والأهواء
إيمان المرجى
وجه الناصبى
خف الرافضى
نجدة الخارجى
أكل الصوفى
ظرف الزنديق
الاستشهاد
248 - ( إيمان المرجى ) يضرب به المثل لما لا يزيد ولا ينقص لأن المرجئة يقولون إن الإيمان قول فرد لا يزيد ولا ينقص فيشبه بإيمانهم ما يكون بهذه الصفة
249 - ( وجه الناصبى ) الشيعة تصفه بالسواد ويشبه به كل شديد السواد كما قال الناشىء الأصغر
( يا خليلى وصاحبى ... من لؤى بن غالب )
( حاكم الحب جائر ... موجب غير واجب )
( لك صدغ كأنما ... لونه وجه ناصبى )
( يلدغ الناس إذ تعقرب ... لدغ العقارب )
وقال أبو الفتح كشاجم
( حب على علو همه ... لأنه سيد الأئمة )
( ميز محبيه هل تراهم ... إلا ذوى ثروة ونعمه )
( بين رئيس إلى ظريف ... قد أكمل الظرف واستتمه ) (1/173)
( فهم إذا حصلوا ضياء ... والعصب الناصبى ظلمه )
وأنشد أبو بكر الخوارزمى لنفسه
( رب ليل كطلعة الناصبى ... ذى نجوم كحجة الشيعى )
250 - ( خف الرافضى ) يشبه به ما يوصف بالسعة ويقال أوسع من خف الرافضى لأنه لا يرى المسح على الخف فيوسع مدخله ليتمكن من إدخال يده فيه ماسحا لرجليه إذا توضأ
251 - ( نجدة الخارجى ) قال الجاحظ قد علمنا أن داعى استفاضة النجدة جميع أصناف الخوارج وتقدمهم فيها إنما هو بسبب الديانة لأنا نجد عبيدهم ومواليهم ونساءهم يقاتلون مثل قتالهم ونجد السجستانى وهو عجمى واليمانى والنجرانى والجزرى وهم عرب ونجد تاهرت وهى بلاد عجم كلهم فى القتال والنجدة سواء وفى ثبات العزيمة والقوة والشدة متكافئين فاستوت حالاتهم فى النجدة مع اختلاف أنسابهم وبلدانهم وفى هذا دليل على أن الذى سوى بينهم هو التدين بالقتال
252 - ( أكل الصوفى ) يضرب المثل بأكل الصوفية يقال آكل من الصوفية وآكل من الصوفى لأنهم يدينون بكثرة الأكل ويختصون بعظم اللقم وجودة الهضم واغتنام الأكل وسئل بعض القراء عنهم فقال رقصة أكله وبلغ من عنايتهم بأمر الأكل وشدة (1/174)
حرصهم على قطع أكثر الأوقات به أن نقش بعضهم على خاتمه ( أكلها دائم ) ونقش آخر ( آتنا غداءنا ) ونقش آخر ( لا تبقى ولا تذر ) وفسر أحدهم الشجرة الملعونة فى القرآن فقال هى الخلال لمجيثه بعد انقضاء أمر الطعام ووقوع اليأس منه وفسر آخر قوله تعالى ( ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم ) فقال إلى المنزل إذا لم تكن دعوة وإلى مثل تلك الحال أشار من قال
( كأن أبا يحيى يساق إلى الموت ... إذا ما تفرقنا وصرنا إلى البيت )
( لعلم أبى يحيى بما هو صائر ... إليه إذا أمسى من الخبز والزيت )
وفسر بعضهم قوله تعالى ( هل أنبئكم بالأخسرين أعمالا ) فقال هم الذين يثردون ولا يأكلون وغيرهم يأكل وقال آخر بل هم الذين لا سكاكين معهم فى أيام البطيخ
وقال بعضهم العيش فيما بين الخشبتين يعنى الخوان والخلال
ولقبوا الطشت والإبريق إذا قدما قبل المائدة ببشر وبشير وإذا قدما بعدها بمنكر ونكير ولقبوا الحمل بالشهيد ابن الشهيد والقطائف بقبور الشهداء وكنوز الزهاد وكنوا الزماورد بأبى جامع والبهط بأبى نافع والأشنان بأبى إلياس إلى أشباه لهذه النقوش والتفاسير (1/175)
والألقاب والكنى كثيرة جدا لا يتسع لها هذا الكتاب
وقد أفصح بعض الظرفاء عن حقيقة وصفهم وجلية حالهم فقال وما قال إلا الحق
( صبحت قوما يقول قائلهم ... نحن على ذى الجلال متكله )
( فالوقت والحال والحقيقة والبرهان ... والرقص عندهم مثله )
( فلم أزل خادما لهم زمنا ... حتى تبينت أنهم أكله )
وأنشدت لأبى القاسم عمر بن عبد الله الهرندى فيهم
( تبا لقوم جعلوا ... دينا لدنيا مأكله )
( تستروا بأنهم ... صوفية محنبلة )
( وما يساوى نسكهم ... قمامة فى مزبله )
( اتخذوا شباكهم ... إحفاءهم الأسبله )
( وهم إذا فتشتهم ... منافقون أكله )
253 - ( ظرف الزنديق ) أما قولهم أظرف من الزنديق فقد صار مثلا فى زمان كثير ظرفاؤه وهو زمان المهدى وكانوا يرمون بالزندقة كصالح بن عبد القدوس وأبى العتاهية وبشار وحماد الراوية وحماد عجرد ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد وعلى بن الخليل ومثلهم وممن تقدمهم قليلا كابن المقفع وابن أبى العوجاء وما منهم فى الظاهر (1/176)
إلا نظيف البزة جميل الشكل ظاهر المروءة فصيح اللهجة ظريف التفصيل والجملة والله أعلم ببواطنهم وضمائرهم قال أبو نواس وكان أيضا يعد فيهم
( تيه مغن وظرف زنديق ... )
وقد كان الجاهل الغر من أهل ذلك العصر يتطفل على الزندقة ينتحلها ليعد من الظرفاء كما قال الشاعر
( تزندق معلنا ليقول قوم ... من الأدباء زنديق ظريف )
( فقد بقى التزندق فيه وسما ... وما قيل الظريف ولا الخفيف )
قال الجاحظ ربما سمع أحدهم ممن لا معرفة عنده ولا تحصيل له أن الزنادقة ظرفاء وأنهم عقلاء وأدباء وأنهم عباد وأصحاب اجتهاد وأن لهم البصائر فى دينهم والبذل لمهجهم وأن هناك علما وتمييزا وإنصافا وتحصيلا فيسرى إليهم مسرى المهر الأرن ويحن إليهم حنين الواله العجول ويتصبب فيهم صبابة العاشق المتيم ويرى أنه متى اتهم بهم فقد قضى له بذلك كله فلا يزال كذلك حتى يسهل فى طباعه ويرجح عنده أن يزعم أنه زنديق (1/177)
الباب الثالث عشر فيما يضاف وينسب إلى ملوك الجاهلية وخلفاء الإسلام
سيرة أزد شير
عدل أنو شروان
رمى بهرام
إيوان كسرى
نديما جذيمة
ظلم الجلندى
شقائق النعمان
خرزات الملك
ردافة الملوك
أخلاق الملوك
دين الملوك
داء الملوك
غضب الملوك
بهاء الملوك
ميدان الخلفاء
حسن الأمين
ليلة المتوكل
خلافة ابن المعتز
جوهر الخلافة
الاستشهاد
254 - ( سيرة أزدشير ) من حسن سيرته أن له كتابا فى حسن السيرة يضرب المثل به وتقتبس الملوك من أنواره فمن نكته قوله إذا رغب الملك عن العدل رغبت الرعية عن الطاعة لاصلاح للخاصة مع فساد العامة ولا نظام للدهماء مع دولة الغوغاء أوحش الأشياء عند الملوك رأس صار ذنبا وذنب صار رأسا لا سلطان إلا برجال ولا رجال إلا بمال ولا مال إلا بعمارة ولا عمارة إلا بعدل وحسن سياسة
ومن كلامه القتل أنفى للقتل وأجل منه فى معناه قول الله تعالى ( ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب )
255 - ( عدل أنو شروان ) لم يكن فى الأكاسرة بعد أزدشير الذى له فضيلة السبق أعدل من أنو شروان ولذلك ضرب المثل به فى العدل من بينهم وهو الذى ولد النبي فى زمانه لتسع سنين خلت من (1/178)
ملكه وافتخر بذلك فقال ولدت فى زمن الملك العادل فأما سائر الأكاسرة فإنهم كانوا ظلمة فجرة يستعبدون الأحرار ويجرون الرعايا مجرى الأجراء والعبيد والإماء فلا يقيمون لهم وزنا ويستأثرون عليهم حتى بأطيب الطعام والثياب الحسنة والمراكب والنساء الحسان والدور السرية ومحاسن الآداب فلا يجترى أحد من الرعايا أن يطبخ سكباجا أو يلبس ديباجا أو يركب هملاجا أو ينكح امرأة حسناء أو يبنى دارا قوراء أو يؤدب ولده أو يمد إلى مروءة يده وكانوا يبنون أمورهم على معنى قول عمرو بن مسعدة للمأمون
( ملك ما يصلح للمولى ... على العبد حرام )
إلا أنهم كانوا يحبون العمارة أشد الحب ويرونها قوام الدين والملك ولا يقارون أحدا على الإخلال بها والتقصير فيها ويروى أن بعض الأنبياء عليهم السلام قال يا رب لم آتيت الأكاسرة ما آتيتهم فأوحى إليه لأنهم عمروا بلادى حتى عاش فيها عبادى ومن كلام أنو شروان الدال على ما وراءه كل الناس أحقاء بالسجود لله تعالى وأحقهم بذلك من رفعه الله تعالى عن السجود لأحد من خلقه وقوله إن الملك إذا كثرت أمواله مما يأخذ من رعيته كان كمن يعمر سطح بيته بما يقتلع من قواعد بنيانه وقوله وجدنا للعفو من اللذة ما لم نجده للعقوبة وقوله الإنعام لقاح والشكر نتاج
256 - ( رمى بهرام ) يضرب به المثل لأنه لم يكن فى العجم أرمى منه وهو بهرام جور الملك ومن قصته المصورة فى القصور أنه خرج ذات يوم إلى الصيد على جمل وقد أردف جارية له يتعشقها فعرضت له ظباء (1/179)
فقال للجارية فى أى موضع تريدين أن أضع السهم من هذه الظباء فقالت أريد أن تشبه ذكرانها بالإناث وإناثها بالذكران فرمى ظبيا ذكرا بنشابه ذات شعبتين فاقتلع قرنيه ورمى ظبية بنشابتين أثبتهما فى موضع القرنين ثم سألته أن يجمع ظلف الظبى وأذنه بنشابة واحدة فرمى أصل أذن الظبى بقطعة سهم فلما أهوى بيده إلى أذنه ليحتك رماه بنشابة فوصل أذنه بظلفة ثم أهوى إلى الجارية مع هواه لها فرمى بها إلى الأرض وأوطأها الجمل وقال لشد ما شططت على وأردت إظهار عجزى فلم تلبث أن ماتت
257 - ( إيوان كسرى ) يضرب به المثل للبنيان الرفيع العجيب الصنعة المتناهى الحصانة والوثاقة لأنه من عجائب أبنية الدنيا ومن أحسن آثار الملوك وهو بالمدائن من بغداد على مرحلة بناه كسرى أبرويز فى نيف وعشرين سنة وتأنق فى تأسيسه وتشييده وتحسينه فلما ارتفع كان من خصائصه الثمان عشرة التى لم يعطها ملك قبله
ويقال بل بناه أنو شروان وهو الذى بنى الباب والإيوان أيضا
وأنشدنى أبو نصر المرزبانى لنفسه يذكر ذلك
( قلت لما رايته فى قصور ... مشرفات الجدران والبنيان )
( هبك كسرى كسرى الملوك أنو شروان ... بانى الأبواب والإيوان )
( أى شكر ترجوه منى إذا لم ... تقض لى حاجتى وترفع شانى )
وذكر ابن قتيبة فى كتاب المعارف أن بانية سابور ذو الأكتاف
ومن وصفه أن طوله مائة ذراع فى عرض خمسين ذراعا فى سمك مائة (1/180)
ذراع وهو متخذ من الآجر الكبار والجص وثخن الأزج خمس آجرات وطول الشرفة خمسة عشر ذراعا
ولما بنى المنصور مدينة السلام أحب أن ينقض إيوان كسرى ويبنى بنقضه الأبنية فاستشار خالد بن برمك فى ذلك فنهاه عن نقضه وقال يا أمير المؤمنين إنه آية الإسلام وإذا رآه الناس علموا أن من هذا بناؤه لا يزيل أمره إلا نبى وهو مع هذا مصلى على بن أبى طالب رضوان الله عليه والمؤنة فى هدمه ونقضه أكثر من الارتفاق به فقال المنصور يا خالد أبيت إلا ميلا إلى العجم ثم أمر بهدمه فهدمت منه ثلمة فلبغت النفقة عليها مالا كثيرا فأمر بالإضراب عن هدمه وقال يا خالد قد صرنا إلى رايك فيه فقال أنا الآن أشير بهدمه قال وكيف قال لئلا يتحدث الناس بأنك عجزت عن هدمه فلم يقبل قوله وتركه على حاله فكان المأمون يقول قد حبب إلى هذا الخبر ألا أبنى إلا بناء جليلا يصعب هدمه
قال الجاحظ قال قاسم التمار رأيت إيوان كسرى كأنما رفعت عنه الأيدي أول أمس
قال المبرد تذاكر حذيفة بن اليمان وسلمان أمر الدنيا فقال سلمان ومن أعجب ما تذاكرنا صعود غنيمات الغامدى سرير كسرى وكان أعرابى من غامد يرعى شويهات له فإذا كان الليل صيرها إلى عرصة إيوان كسرى وفى العرصة سرير رخام فتصعد غنيماته إلى ذلك السرير وكان كسرى كثيرا ما يجلس على ذلك السرير (1/181)
وممن ضرب المثل بإيوان كسرى ابن الرومى فى قوله وهو يهجو
( كان للكركدن قرن فأضحى ... وهو اليوم عند قرنك مدرى )
( من يكن قرنه كقرنك هذا ... فليكن بابه كإيوان كسرى )
وممن وصفه البحترى فى قصيدته التى منها
( حضرت رحلى الهموم فوجهت ... إلى أبيض المدائن عنسى )
( وكأن الإيوان من عجب الصنعة ... جوب فى جنب أرعن جلس )
( لم يعبه أن بزمن بسط الديباج ... واستل من ستور الدمقس )
( مشمخر تعلو له شرفات ... رفعت فى رءوس رضوى وقدس )
( ليس يدرى أصنع إنس لجن ... سكنوه أم صنع جن لإنس )
( غير أنى أراه يشهد أن لم ... يك بانيه فى الملوك بنكس )
258 - ( نديما جذيمة ) يضرب بهما المثل فى طول الصحبة كما يضرب بالفرقدين وابنى شمام ونخلتى حلوان وكان جذيمة الوضاح الملك لا ينادم أحدا ذهابا بنفسه وكان يقول أنا أعظم من أن أنادم إلا الفرقدين وكان يشرب كأسا ويصب لكل منهما كأسا فلما أتاه مالك (1/182)
وعقيل بابن أخته عمرو صاحب الطوق الذى استهوته الجن قال لهما ما حاجتكما قالا منادمتك فنادمهما أربعين سنة كانا يحادثانه وما أعادا عليه حديثا قط حتى فرق بينهما الدهر وفيهما يقول الشاعر
( ألم تعلما أن قد تفرق قبلنا ... نديما صفاء مالك وعقيل )
ويقول متمم بن نويره فى أخيه مالك وهو من الأمثال السائرة
( وكنا كندمانى جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا )
( فلما تفرقنا كأنى ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا )
259 - ( ظلم الجلندى ) هو الملك الذى ذكره الله تعالى فى كتابه فقال ( وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ) فجرى المثل لاسيما على ألسنة أهل عمان بظلمه فقالوا أظلم من الجلندى
260 - ( شقائق النعمان ) يحكى أن النعمان بن المنذر خرج يوما إلى ظهر الحيرة متنزها وقد أخذت الأرض زخرفها وازينت بالشقائق فاستحسنها وقال احموها فحميت وسميت شقائق النعمان بالنسبة إليه
وقال بعض أهل اللغة النعمان اسم من أسماء الدم نسبت الشقائق إليه تشبيها به كما قال الشاعر
( كأن شقائق النعمان فيها ... ثياب قد روين من الدماء )
261 - ( خرزات الملك ) كان الملك من ملوك العرب كلما مضت (1/183)
سنة من سنى ملكه زيدت فى تاجه خرزة وكان يقال لتلك الخرزات خرزات الملك ولما بلغت خرزات النعمان بن المنذر أربعين أشخصه كسرى أبرويز إلى حضرته لهنات نقمها عليه ثم أمر بقتله وإياه عنى لبيد بن ربيعة بقوله
( رعى خرزات الملك عشرين حجة ... وعشرين حتى فاد والشيب شامل )
262 - ( ردافة الملوك ) كانت من العرب فى بنى عتاب بن هرمى ابن رياح بن يربوع فورثها بنوهم كابرا عن كابر حتى قام الإسلام وهى أن يثنى بصاحبها فى الشراب وإن غاب الملك خلفه فى المجلس ويقال إن أرداف الملوك فى الجاهلية بمنزلة الوزراء فى الإسلام والردافة كالوزارة قال لبيد من قصيدة
( وشهدت أنجية الأفاقة عاليا ... كعبى وأرداف الملوك شهود )
263 - ( أخلاق الملوك ) توصف بالتلون والتغير لأن الملوك لهم بدوات وقد شبه بها يوما من أيام الربيع من قال
( ويوم كأخلاق الملوك ملون ... فشمس ودجن ثم ظل ووابل )
( أشبهه إياك يامن صفاته ... دنو وإعراض ومنع ونائل )
وأحسن منه فى معناه قول على بن الجهم
( أما ترى اليوم ما أحلى شمائله ... صحو وغيم وإبراق وإرعاد ) (1/184)
( كأنه أنت يامن لست أذكره ... وصل وهجر وتقريب وإبعاد )
264 - ( دين الملوك ) كان المأمون يقول الإرجاء دين الملوك وهو الذى تنسب إليه مذاهب المرجئة الذين يتركون القطع على أهل الكبائر إذا ماتوا غير تائبين بعذاب أو عفو ويقولون بإرجاء أمرهم والحكم عليهم وهم جميعا سوى الحشوة الطغام منهم يقولون إن الله تعالى إن عفا عن واحد فمن هو فى مثل حاله وإن الله تعالى لا يخلد أحدا من أهل التوحيد فى النار بارتكاب الكبائر وإنه إن أدخلهم النار عذبهم بقدر ذنوبهم ثم أخرجهم
265 - ( داء الملوك ) قد نزههم الله ورفع أقدارهم عما يرميهم به العامة وتنسبه إليهم من الداء الذى لا دواء له إلا بعصمة الله تعالى وكأنهم اعتقدوا أن ذلك ربما يتولد من فرط الترفه والتنعم فإضافته إليهم لتخصيصه بهم قال الشاعر
( داء الملوك يلوح فوق جبينه ... شهدت بذاك مواضع التحديق )
وقال أبو نصر الظريفي الأبيوردي
( قد ردنا إسحاق عن بابه ... فلم يكن فيه لنا من سلوك )
( وقال بى داء وعهدى به ... كالشمس من قبل أوان الدلوك )
( وليس ذاك الداء من دائنا ... لكن ذاك الداء داء الملوك )
وقال آخر (1/185)
( أحمد الله حمد شاكر نعماه ... ولا أشتكى صروف الزمان )
( إن عرانى داء الكرام من الدين ... فداء الملوك مما عدانى )
وقال آخر
( ما حيلتى والزمان يجفونى ... وهو على الحر غير مأمون )
( والدين داء الكرام ينحلنى ... وليس داء الكرام بالدون )
( أحمد ربى الكريم حمد فتى ... فى كدر العيش غير مغبون )
( إن كان داء الكرام يعرونى ... فإن داء الملوك يعدونى )
266 - ( غضب الملوك ) كان يقال اتقوا غضب الملوك ومد البحر ومن غرر مدائح بكر بن النطاح فى أبى دلف قوله
( ومقسم بين القواضب والقنا ... غضب الملوك ونية العباد )
( فإذا أبو دلف أمد بذكره ... جيشا كفاه مئونة الإمداد )
267 - ( بهاء الملوك ) وصف أعرابى الحسن البصرى فقال بها الملوك وسيمى العباد وفى معناه قال الأخطل لعبد الملك بن مروان
( تسمو العيون إلى إمام عادل ... معطى المهابة نافع ضرار )
( ويرى عليه إذا العيون رمقنه ... سيما النقى وهيبة الجبار )
وأخذه البحترى فقال فى المهتدى بالله
( ملك تحييه الملوك وفوقه ... سيما التقى وتخشع الزهاد ) (1/186)
( متهجد يخفى الصلاة وقد أبى ... إخفاءها أثر السجود البادى )
268 - ( ميدان الخلفاء ) هو عند أصحاب الأخبار عشرون سنة إلى أربع وعشرين وهى دوران المشترى فكأنها كناية عن أتم مدة للخلافة فمن بلغت مدة خلافته عشرين سنة إلى اثنتين وعشرين سنة معاوية وعبد الملك وهشام والمنصور والمأمون والمعتمد ولم يستكمل الأربع والعشرين غير الرشيد والمقتدر
حدث أبو العيناء قال حدثنا محمد بن عباد المهلبى قال كنا وقوفا على باب الفضل بن الربيع وهو عليل فى آخر أيام الرشيد إذ أقبل الرشيد عائدا له فقال له عبد الملك بن هلال الحمد لله يا أمير المؤمنين إذ خصك بطول البقاء وأجازك ميدان الخلفاء فتغير وجه الرشيد ودخل فخرج بعقب ذلك القاسم ابن الربيع يشتم عبد الملك بن هلال ويقول له من حملك أن تذكر لأمير المؤمنين ما مضى من مدة خلافته والله ليعيشن بعدها أربعين سنة فما عاش بعدها إلا أقل من سنة
قال محمد بن عباد وكان محمد بن عبد الرحمن السكونى واقفا معنا فأقبل على يحدثنى بنحو هذا الحديث وذلك أن المنصور انصرف من صلاة الفطر سنة ثمان وخمسين ومائة فجلس وهنأه الناس ودعوا له فقال عقال بن شيبة وقد وضعت الموائد والمنصور يأكل احمد الله يا أمير المؤمنين فقد جزت ميدان الخلفاء قبلك فقبض المنصور يده عن الطعام وقال كبرت والله يا عقال وكبر كلامك ففطن عقال لذلك وتلافى أمره وقال أجل والله يا أمير المؤمنين لقد أحزن سهلى واضطرب عقلى وأنكرنى أهلى ولا أقوم (1/187)
والله هذا المقام بعد يومى فسكن قوله هذا من المنصور ولم يعش بعد ذلك إلا شهرين وأياما
قال مؤلف الكتاب مثل قول عبد الملك بن هلال للرشيد وعقال بن شيبة للمنصور سوء أدب فى مخاطبة الملوك والكبراء لأن فيه نعيا لهم إلى أنفسهم وإنذارا إياهم لمجىء آجالهم وقد حدثنى السيد أبو جعفر الموسوى قال أنشد العباس الأرخسى الأمير نصر بن أحمد ليلة السذق الحادى والثلاثين من الأسذاق التى أقام رسومها قصيدة أولها
( مهترا بار خدايا ملك بغدادا ... سذق ويكم برتو مبارك بادا )
فقطب نصر وجهه وزوى ما بين عينيه وقال إين شمرون نى جه بايست وتنغص تلك الليلة ولم يسمع تمام القصيدة ولم يسذق بعدها أى لم يدر عليه الحول حتى مات
269 - ( حسن الأمين ) كان يقال لكل من محمد الأمين وأخيه أبى عيسى يوسف الزمان لفرط جمالهما ويقال إن جمال ولد الخلافة انتهى إليهما فما رأى الناس مثلهما قط ألا المعتز بعدهما وفى أحدهما يقول أبو نواس
( أصبحت ضبا ولا أقول بمن ... أخاف من لا يخاف من أحد )
( إذا تفكرت فى هواى له ... مسست رأسى هل طار عن جسدى )
ويحكى أن الأمير نظر إلى أبى نواس فى بعض ليالى منادمته إياه وهو ينظر إليه نظرة علق فقال له يا حسن هل تشتهينى فقال معاذ الله ومن (1/188)
يحدث نفسه بمثل ذلك فقال أقسمت عليك بحياتى إلا أخبرتنى فقال يا سيدي إن الأموات يشتهونك فكيف الأحياء فأمر بقتله فلما جىء بالنطع والسيف أنشد أبو نواس يقول
( أميرى غير منسوب ... إلى شيء من الحيف )
( سقانى مثل ما يشرب ... فعل الضيف بالضيف )
( فلما دارت الكاس ... دعا بالنطع والسيف )
( كذا من يشرب الراح ... مع التنين فى الصيف )
فأمر بإعفائه ووصله ويقال إن صاحب هذه القصة هو أبو عيسى ابن الرشيد
ويروى أن رجلا حدق النظر إلى الأمين فهم به بعض الخدم فقال بعض الحاضرين لا تلمه على النظر إلى زينة الله تعالى فى عباده
وكان الرشيد يقول للمأمون يا عبد الله أحب المحاسن كلها لك حتى لو أمكننى أن أجعل وجه أبى عيسى لك لفعلت
وقال يوما لأبى عيسى وهو صبي ليت جمالك لعبد الله يعنى المأمون فقال على أن حظه منك لى فعجب من قوة جوابه على صباه وضمه إليه وقبله
وقرأت رسالة لأبى إسحاق الصابى لا أذكرها وقد ضرب المثل فيها بحسن وجه الأمين وغناء إبراهيم بن المهدى وبلاغة جعفر بن يحيى وحفظ الأصمعى وطيب عشرة ابن حمدون وشعر البحترى
وقال أبو الحسن الموسوى من قصيدة يمدح بها الطائع لله (1/189)
( وإذا أمير المؤمنين أضاف لى ... أملى نزلت على الجواد المفضل )
( رأى الرشيد وهيبة المنصور فى ... حسن الأمين ونعمة المتوكل )
وقال أبو عبد الله المغلسى من قصيدة
( راحة تخجل السحاب ووجه ... يتلالا إشراقة كالصباح )
( ما جمال الأمين ما كرم المهدى ... ما أريحيه السفاح )
ومثل هذا التمثيل قول الرشيد فى المأمون والله إنى لأعرف فى عبد الله حزم المنصور ونسك المهدى وعزة نفس الهادى ولو شئت أن أشبهه فى الرابعة بنفسى لفعلت والله إنى لأرضى سيرته وأحمد طريقته وأستحسن سياسته وأرى قوته وذهنه وآمن ضعفه ووهنه ولولا أم جعفر وميل بنى هاشم إلى محمد لقدمت عبد الله عليه
وكان المكتفى أيضا موصوفا بالجمال وبه ضرب المثل عبد الله بن المعتز
( والله ما كلمته ولو أنه ... كالشمس أو كالبدر أو كالمكتفى )
( قايست بين جماله وفعاله ... فإذا الملاحة بالخيانة لا تفى )
270 - ( ليلة المتوكل ) هى الليلة التى قتل فيها وكانت ثلمة الإسلام وعنوان سقوط الهيبة وتاريخ تراجع الخلافة وكانت ليلة الأربعاء لثلاث خلت من شوال سنة اثنتين وثلاثين ومائتين قتله باغر التركى بمواطأة المنتصر فى مجلس أنسه وقد أحدق به الندماء والمطربون ودارت الكئوس وطابت النفوس فانقلب مجلس اللهو والطرب إلى مجلس الويل والحرب وأكثر الشعراء فى وصف هذه الوقعة فمنهم أحمد بن إبراهيم الأسدى يقول من قصيدة (1/190)
( هكذا فلتكن منايا الكرام ... بين ناى ومزهر ومدام )
( بين كاسين أروتاه جميعا ... كأس لذاته وكأس الحمام )
ومنهم البحترى شهد القتل فقال من قصيدة
( لنعم الدم المسفوح ليلة جعفر ... هرقتم وجنح الليل سود دياجره )
( كان ولى العهد أضمر غدرة ... فمن عجب أن ولى العهد غادره )
( فلا ملى الباقى تراث الذى مضى ... ولا حملت ذاك الدعاء منابره )
وممن ضرب المثل بليلة المتوكل أبو القاسم الزعفرانى حيث قال من قصيدة فى فخر الدولة
( قد ألقت الدنيا أزمتها إلى ... ملك الملوك على بن أبى على )
( فاطرب سرورا بالزمان وحسنه ... واشرب على إقبال دولة مقبل )
( كم آمن متحصن فى جوسق ... قد بات منه بليلة المتوكل )
271 - ( خلافة ابن المعتز ) تضرب مثلا فيما لا تطول مدته ويسرع انقضاؤه لأنه ولى الخلافة يوما وبعض يوم وأدركته حرفة الأدب فلم يلبث أمره أن انحل فى اليوم الثانى وقد كان بايعه أكثر الناس وذلك لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين ولقب بالمنتصر بالله فكان أول ما تكلم به قد حان للحق أن يتضح وللباطل أن يفتضح
وجرت عليه اتفاقات سوء منها أن مؤنسا الحاجب فى دار المقتدر كان بايع ابن المعتز على أن يكون حاجبه وواطأه على أن ينفذ إليه أمر المقتدر وصافيا الحرمى فبلغه أن يمنا غلام المكتفى يذهب ويجىء قدام ابن المعتز كالحاجب (1/191)
له وكان عدوا له يناوئه فرجع عن رأيه وعزمه فى أمر ابن المعتز وأخذ فى إحكام أمر المقتدر وأحضر غلمان الدار ووعدهم الزيادة فى أرزاقهم فلما أصبح ابن المعتز وأراد الركوب إلى دار الخلافة قال له وزيره محمدبن داود بن الجراح ننتظر قليلا إلى أن ينفض الطريق من عامة تعرضت فيه فقال له ابن المعتز أهم معنا أم علينا فقال ليسوا معنا قال ابن المعتز
( ليس يومى بواحد من ظلوم ... )
يريد أن أهل بغداد كانوا مع المستعين على ابن المعتز وهم الآن مع المقتدر عليه ثم جد فى الركوب فقدم أمامه الجيش إلى الشارع فلقيهم غلمان المقتدر والحشم فرموهم ومنعوهم من النفوذ وانكب العامة عليهم بالرجم فلم يجدوا مخلصا ولا مسلكا وبعث المقتدر بشذوات وطيارات فيها غلمان ومعهم خاله غريب فتصاعدوا فلما قاربوا الدار التى فيها ابن المعتز ومعهم المطارد ضجوا وكبروا وكبرت العامة حول الدار فجعل الناس يتسللون لواذا ويرمون أنفسهم فى السميريات وهرب ابن المعتز وكان متلثما فعرفه خادم لابن الجصاص الجوهرى وسعى به حتى أخذ وحدر فى طيار إلى باب الخاصة قال الصولى فوقفت حتى رأيته من حيث لم يرنى وقد أخرج من الطيارة حافيا وعليه غلالة قصب فوقها مبطنه بملحم خراسانى يضرب إلى الصفرة قليلا وعلى رأسه مجلسية فلما صار إلى مؤنس الحاجب لطمه لطمة فانكب على وجهه وأدخل الحبس فمات وقيل بل أميت بعد أيام ولم يقدر أحد على رثائه سوى ابن بسام فإنه قال
( لله درك من ميت بمضيعة ... ناهيك فى العلم والآداب والحسب ) (1/192)
( ما فيه لو ولا ليت فتنقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب )
وقال ابن علاف النهروانى قصيدة فى رثاء هر ورى بها عن ابن المعتز فقضى وطرا من حيث لم تلزمه حجة أولها
( يا هر فارقتنا ولم تعد ... وكنت منا بمنزل الولد )
( فكيف ننحل عن هواك وقد ... كنت لنا عدة من العدد )
ومنها
( يا من لذيذ الفراخ أوقعه ... ويحك هلا قنعت بالغدد )
( أطعمك الغى لحمها فرأى ... قتلك أربابها من الرشد )
( ألم تخف وثبة الزمان كما ... وثبت فى البرج وثبة الأسد )
( تدخل برج الحمام متئدا ... وتخرج الفرخ غير متئد )
( وتطرح الريش فى الطريق لهم ... وتبلع اللحم بلع مزدرد )
( وكان قلبى عليك مرتعدا ... وكنت تنساب غير مرتعد )
( عاقبة الظلم لا تنام وإن ... تأخرت مدة من المدد )
( لا بارك الله فى الطعام إذا ... كان هلاك النفوس فى المعد )
( كم أكلة خامرت حشاشره ... فأخرحت روحه من الجسد )
( ما كان أغناك عن تسورك البرج ... ولو كان جنة الخلد ) ومنها
( ثم شفوا بالحديد أنفسهم ... منك ولم يربعوا على أحد )
( كأنهم يذبحون طاغية ... كانوا لطاغوتها من العبد )
( لم يرحموا صوتك الضعيف كما ... لم ترث منها لصوتها الغرد ) (1/193)
( أذاقك الموت من أذاق كما ... أذقت أطياره يدا بيد )
( كأن حبلا حوى بجودته ... جيدك للذبح كان من مسد )
( كأن عينى تراك مضطربا ... فيه وفى فيك رغوة الزبد )
( وقد طلبت الخلاص منه فلم ... تقدر على حيلة ولم تجد )
( فاذهب من البيت خير مفتقد ... واذهب من البرج شر مفتقد ) ومنها
( حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ... ولم تكن للأذى بمعتقد )
( وحمت حول الردى بظلمهم ... ومن يحم حول وضه يرد ) ومنها
( إن الزمان استقاد منك ومن ... يسلم لغير الزمان يستقد )
( فإن رماك الردى بحادثة ... فما على الحادثات من قود ) ومنها
( من لم يمت يومه عن غده ... أو لم يمت فى غد فبعد غد )
272 - ( جوهر الخلافة ) كانت جواهر الأكاسرة وغيرهم من الملوك صارت إلى خلفاء بنى أمية ثم صارت إلى السفاح ثم إلى المنصور فاتخذها عدة للخلافة وفيها كل فص ثمين وعقد نفيس
واشترى الربيع جوهرا بألف ألف دينار وضمه إلى جوهر الخلافة ثم اشترى المهدى الفص المعروف بالجبل بثلثمائة ألف دينار وضمه إلى جوهر الخلافة ولم يزل هو والخلفاء بعده يحفظونه ويزيدون فيه ما يقدرون عليه (1/194)
ويجلب إليهم من الآفاق وأفضت الخلافة إلى المقتدر وفى خزانته من الجواهر مالا عين رأت ولا أذن سمعت وفيه المعروف بالمنقاد وقيمته مالا يقدر قدره والمعروف بالبحرة والدرة اليتيمة وزعموا أن وزنها ثلاثة مثاقيل فتبستط فيه المقتدر وقسم بعضه على الحرم ووهب بعضه لصافى الحرمى ووجه إلى وزيره العباس بن الحسن منه شيئا كثيرا فرده العباس وكتب إليه يعلمه أن هذا الجوهر زينة الإسلام وعدة الخلافة وأنه لا يصلح أن يفرق فكان ذلك أول ثقله على قلبه
وكانت زيدان القهرمانة ممكنة من خزانة الجوهر فاتخذت سبحة لم ير مثلها ويضرب بها المثل فى الارتفاع والنفاسة فيقال سبحة زيدان كما يقال أشقر مروان وجامع سفيان وعود بنان وقد ذكرتها فى باب الحلى من هذا الكتاب ولما ورد على بن عيسى من مكة إلى الوزارة قال للمقتدر بعد كلام جرى بينهما ما فعلت بسبحة جوهر قيمتها ثلاثون ألف دينار أخذت من ابن الجصاص قال هى فى الخزانة فقال إن رأى سيدنا أن يأمر بطلبها فطلبت فلم توجد فأخرجها من كمه وقال قد عرضت على بمصر فعرفتها فاشتريتها فإذا كانت خزانة الجوهر لا تحفظ فما الذى يحفظ فاشتد ذلك على المقتدر وعلى السيدة واتهمت بالسبحة زيدان وقيل ليس من يصل إلى خزانة الجوهر غيرها ثم أفضت الخلافة إلى القاهر ثم إلى الراضى وقد امتدت إلى جوهر الخلافة أيدى الخونة وأتى عليه سوء السياسة فلم يبق منه شيء فكأنه ذهب (1/195)
الباب الرابع عشر فيما يضاف وينسب إلى الكتاب والوزراء ومن يجرى مجراهم فى الدولة العباسية
بلاغة عبد الحميد
يتيمة ابن المقفع
دهن أبى أيوب
تيه عمارة
زمن البرامكة
جود الفضل بن يحيى
بلاغة جعفر
عام ابن عمار
فالج ابن أبى دواد
ضرطة وهب
خط ابن مقلة
مروءة ابن الفرات
الاستشهاد
273 - ( بلاغة عبد الحميد ) هو عبد الحميد بن يحيى بن سعيد مولى العلاء بن وهب العامرى روى الميدانى أنه كان معلما ثم بلغ من البلاغة مبلغا يضرب به المثل كما قال البحترى لمحمد بن عبد الملك
( وتفننت فى البلاغة حتى ... عطل الناس فن عبد الحميد )
وقال ابن الرومى لأبى الصقر
( لو أن عبد الحميد اليوم شاهده ... لكان بين يديه مذعنا وسنا ) وقال عمرو بن عثمان بن إسفنديار الكاتب
( وصديق رقيق حاشية الجلسة ... صافى زجاجة الآداب )
( شغلته الرقاع منه إليه ... فدعا نفسه إلى الأصحاب )
( وهو فى الحذق والبلاغة والتطويل ... عبد الحميد فى الكتاب ) (1/196)
وقال بعضهم
( لست وهب بن سليمان ... بن وهب بن سعيد )
( قد تحدثت برغم ... منه عن أمر سديد )
( أنت فى معناك ذا ... أبلغ من عبد الحميد )
وقال أبو إسحاق الصابى من قصيدة
( أنسيتم كتبا شحنت فصولها ... بفصول در عنكم منضود )
( ورسائلا نفذت إلى أطرافكم ... عبد الحميد بهن غير حميد )
ويقال إن عبد الحميد أول من نهج طرق الكتابة وبسط من باع البلاغة وشنف الرسائل وقرطها ولخص فصولها وخلصها
وكان مروان بن محمد يستكتبه ويكرمه ويقدمه ولا يرى الدنيا إلا به
وكان عبد الحميد يقول أكرموا الكتاب فإن الله تعالى أجرى أرزاق الخلق على أيديهم وكان يقول إن كان الوحى ينزل على أحد بعد الأنبياء فعلى بلغاء الكتاب
ومن غرر كلامه العلم شجرة ثمرها الألفاظ والفكر بحر لؤلؤة الحكمة
وقيل له ما الذى خرجك فى البلاغة فقال حفظ كلام الأصلع يعنى على بن أبى طالب
وكان إبراهيم بن العباس الصولى يقول فى رسالة له ما تمنيت كلام أحد أن يكون لى إلا كلام عبد الحميد حيث يقول فى رسالة له الناس أصناف مختلفون (1/197)
وأطوار متباينون فمنهم علق مضنة لا يباع ومنهم غل ظنة لا يبتاع
ويروى أنه مر بإبراهيم بن جبلة وهو يكتب خطا رديئا فقال أتحب أن يجود خطك قال نعم قال أطل جلفة قلمك واسمنها وحرف قطتك وأيمنها قال ففعلت ذلك فجاد خطى
وساير عبد الحميد يوما مروان على دابة قد طالت مدتها فى ملكه فقال له مروان قد طالت صحبة هذه الدابة لك فقال يا أمير المؤمنين من بركة الدابة طول صحبتها وقلة علتها قال فكيف سيرها قال همها أمامها وسوطها عنانها وما ضربت قط إلا ظلما
وقد حكى أن عبد الله بن طاهر خاطب المأمون فى دابة رآها تحته بهذا الخطاب بعينه وقد يجوز أن يكون حكى كلام عبد الحميد
ويحكى أن عاملا لمروان أهدى إليه غلاما أسود فقال لعبد الحميد اكتب إليه وذم فعله فى هديته وأوجز فكتب إليه لو وجدت لونا شرا من السواد وعددا أقل من الوحد لأهديته
وكتب إلى أهله وأقاربه عند هزيمة مروان كتابا قال فى فصل منه وهو يشكو الدنيا باعدتنا عن الأوطان وفرقت بيننا وبين الإخوان
ولما أيس مروان من ملكه قال لعبد الحميد إن الأمر زائل عنا وهؤلاء القوم يعنى بنى العباس يضطرون إليك فسر إليهم فإنى أرجو أن تتمكن منهم فتنفعنى فى محنتى وفى كثير من أمورى فقال وكيف لى والناس جميعا يعلمون أن هذا عن رأيك وكلهم يقول إنى غدرت بك وصرت إلى عدوك ثم أنشد (1/198)
( وذنبى ظاهر لا شك فيه ... لمبصرة وعذرى بالمغيب )
ولما زال أمر مروان أتى المنصور بخواص مروان وفيهم عبد الحميد والبعلبكى المؤذن وسلام الحادى فهم بقتلهم جميعا فقال سلام استبقنى يا أمير المؤمنين فإنى أحسن الحداء قال وما بلغ من حدائك قال تعمد إلى إبل فتظمئها ثلاثة ايام ثم توردها الماء فإذا بدأت تشرب رفعت صوتى بالحداء فترفع رءوسها وتدع الشرب ثم لا تشرب حتى أسكت فأمر المنصور بإبل ففعل بها ذلك فكان الأمر كما قال فاستبقاه وأجازه وأجرى عليه وقال له البعلبكى استبقنى يا أمير المؤمنين فإنى مؤذن منقطع القرين قال وما بلغ من أذانك قال تأمر جارية فتقدم إليك طستا وتأخذ بيدها إبريقا وتصب الماء على يدك فأبتدى بالأذان فتدهش ويذهب عقلها إذا سمعت أذانى حتى تلقى الإبريق من يدها وهى لا تعلم فأمر المنصور جارية ففعلت ذلك وأخذ البعلبكى فى الأذان فكانت حالها كما وصف وقال عبد الحميد يا أمير المؤمنين استبقنى فإنى فرد الزمان فى الكتابة والبلاغة فقال ما أعرفنى بك أنت الذى فعلت بنا الأفاعيل وعملت لنا الدواهى وأمر به فقطعت يداه ورجلاه وضربت عنقه
ويروى أنه سلمه إلى عبد الجبار فكان يحمى له طستا ويضعه على بطنه حتى قتله
274 - ( يتيمة ابن المقفع ) يضرب بها المثل لبلاغتها وبراعة تشبيهها وهى رسالة فى نهاية الحسن تشتمل على محاسن من الآداب فمنها هذا الفصل الذى فى ذكر السلطان مثل قليل مضار السلطان فى جنب (1/199)
كثير منافعه كمثل الغيث الذى هو سقيا الله وبركة السماء وحياة الأرض ومن عليها وقد يتأذى به السفر ويتداعى له البنيان وتدر سيوله فيهلك الناس والدواب ويموج له البحر وتكون فيه الصواعق فلا يمتنع الناس إذا نظروا غلى آثار رحمة الله فى الأرض التى أحياها لهم والنبات الذى أخرجه والرزق الذى بسطه عن أن يعظموا نعمة ربهم ويشكروها ويلغوا ذكر خواص البلايا التى دخلت على خواص الخلق وكمثل الرياح التى يرسلها الله بشرا بين يدى رحمته فيسوق بها السحاب ويجعلها لقاحا للأشجار وروحا للعباد ويتنسمون منها ويتقلبون فيها وتجرى مياههم وفلكهم وتقد نيرانهم بها وقد تضر بكثير من الناس فى برهم وبحرهم فيشكوها الشاكى ويتأذى بها المتأذى فلا يزيلها ذلك عن منزلها التى جعلها الله به وقدرها سببا لقوام عباده وتمام نعمته ومثل الشتاء والصيف والليل والنهار وما فيهما من قليل المضار وكثير المنافع ولو أن الدنيا كانت كلها سواء وكانت نعماؤها من غير كد وميسورها من غير معسور لكانت الدنيا إذن هى الجنة التى لا يشوب مسرتها مكروه وقد ذكر أبو تمام يتيمه ابن المقفع وأجراها مثلا فى قوله للحسن ابن وهب
( ولقد شهدتك والكلام لآلى ... توم فبكر فى النظام وثيب )
( فكأن قسا فى عكاظ يخطب ... وكأن ليلى الأخيلية تندب )
( وكثير عزة يوم بين ينسب ... وابن المقفع فى اليتيمة يسهب ) (1/200)
275 - ( دهن أبى أيوب ) كان لأبى أيوب الموريانى وزير المنصور دهن طيب الريح يدهن به إذا ركب إلى المنصور فكان الناس إذا رأوا غلبته على المنصور وطاعة المنصور له فيما يريده يقولون دهن أبى أيوب من عمل السحرة إلى أن ضربوا به المثل فقالوا للذى يغلب على الإنسان معه دهن أبى أيوب
276 - ( تيه عمارة ) هو عمارة بن حمزة بن ميمون مولى بنى العباس وكان سخيا سريا جليل القدر رفيع النفس تياها وكان خاصا بالمنصور وقبله بالسفاح يتولى لهما الدواوين وكان المثل يضرب بتيهه فيقال أتيه من عمارة قال ميمون بن مهران حدثنى من أثق به أن عمارة كان من تيهه إذا أخطأ يمضى على خطئه تكبرا عن الرجوع ويقول نقض وإبرام فى ساعة واحدة الخطأ أهون من هذا
وكان السفاح يعرفه بالكبر وعلو القدر وشدة التنزه فجرى بينه وبين أم سلمة المخزومية امرأته فى بعض الليالى كلام فاخرته فيه بأهلها فقال لها السفاح أنا أحضر لك الساعة على غير أهبة مولى من موالى ليس فى أهلك مثله ثم أمر بإحضار عمارة على الحال التى يوجد عليها فلما أتاه الرسول وجاء به إلى السفاح وأم سلمة خلف الستر وإذا بعمارة فى ثياب ممسكة وقد غلف لحيته حتى قامت فقال يا أمير المؤمنين ما كنت أحب أن ترانى على هذه الحالة فرمى السفاح إليه بمدهن ذهب كان بين يديه فيه غالية فقال يا أمير المؤمنين 201 (1/201)
هل ترى فى لحيتى موضعا لها فأخرجت أم سلمة إليه عقدا له قيمة جليلة وقالت للخادم أخبره أنى أهديته له فأخذه ووضعه بين يديه وشكر للسفاح ودعا له وترك العقد ونهض فقالت أم سلمة للسفاح قد أنسيه فقال السفاح للخادم الحقه به وقل له هذا لك فلم خلفته فاتبعه الخادم به فلما وصل إليه قال ما هو لى فاردده فلما أدى إليه الرسالة قال إن كنت صادقا فهو لك فانصرف الخادم بالعقد وعرف السفاح بما جرى وامتنع من رده على أم سلمة وقال لها قد وهبه لى فلم تزل به حتى ابتاعته منه بعشرة آلاف دينار وأكثرت التعجب من كبر نفس عمارة
وأراد المنصور يوما أن يعبث به فخرج عمارة من عنده فأمر المنصور الخدم ان يقطعوا حمائل سيفه لينظر أيأخذه أم لا ففعلوا ذلك وسقط السيف فمضى عمارة لوجهه ولم يلتفت إليه
وكان يوما يماشى المهدى فى أيام المنصور ويده فى يده فقال له رجل من هذا أيها الأمير فقال أخى وابن عمى عمارة بن حمزة فلما ولى الرجل ذكر المهدى ذلك لعمارة كالممازح له فقال له عمارة إنما انتظرت أن تقول ومولاى فانفض والله يدى من يدك فضحك المهدى
277 - ( زمن البرامكة ) يضرب لكل شىء حسن كما قال الجماز أيامنا كأنها زمن البرامكة على العفاة وقد أكثر الناس فى وصفهم وأيامهم قال صالح بن طريف
( يا بنى برمك واها لكم ... ولأيامكم المقتبلة )
( كانت الدنيا عروسا بكم ... وهى اليوم ثكول أرمله ) (1/201)
وقال آخر
( ولى عن الدنيا بنو برمك ... ولو تولى الخلق ما زادا )
( كأنما أيامهم كلها ... كانت لأهل الأرض أعيادا )
وممن ضرب المثل بذلك بعض أهل العصر فى قوله لمولانا الملك المؤيد خوارزم شاه
( رعى الله مأمون بن مأمون الذى ... رعاياه منه فى زمان البرامك )
( ولا برحت أيامه بفعاله ... وإنعامه المشهور غر المضاحك )
278 - ( جود الفضل ) هو الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك وذكره أشهر وأسير من أن ينبه عليه وكان يقال له حاتم الإسلام وحاتم الأجواد ويقال حدث عن البحر ولا حرج وعن الفضل ولا حرج وفيه يقول الشاعر
( ما لقينا كجود فضل بن يحيى ... ترك الناس كلهم شعراء )
ويقول يزيد بن خالد المعروف بابن حسبات
( ألم تر أن الجود من صلب آدم ... تحدر حتى صار فى راحة الفضل )
( إذا ما أبو العباس جادت سماؤه ... فيالك من طل ويالك من وبل )
ويقول أبو نواس ما هو أمدح شعر للمحدثين
( أنت الذى تأخذ الأيدى بحجزته ... إذا الزمان على أنيابه كلحا ) (1/103)
( وكلت بالدهر عينا غير غافلة ... بجود كفك تأسو كل ما جرحا )
279 - ( بلاغة جعفر ) كان يقال ما رأى الناس مثل ابنى يحيى الفضل فى سماحته وجعفر فى بلاغته
قال الجاحظ قال ثمامة كان جعفر أبلغ الناس لسانا وبيانا قد جمع الهدوء والجزالة والحلاوة إلى إفهام يغنى عن الإعادة ولو كان فى الأرض ناطق يستغنى عن الإشارة لاستغنى جعفر عنها كما استغنى عن الإعادة وما رأيت أحدا لا يتحبس ولا يتوقف ولا يتلجلج ولا يرقب لفظا قد استدعاه من بعده ولا يلتمس التخلص إلى معنى قد تعاصى عليه بعد طلبه إياه إلا جعفر بن يحيى
280 - ( عام ابن عمار ) هذا أحمد بن عمار بن شاذى الساكنى البصرى وزير المعتصم كان من عليه الناس فلما عزله المعتصم عن وزارته أمر بأن يولى الأزمة على الدواوين فاستعفى وقال إنى نويت أن أجاور مكة سنة فوصله المعتصم بعشرة آلاف دينار ودفع إليه عشرين ألف دينار ليفرقها بالحرمين على من يرى تفريقها عليهم ولا يعطى إلا هاشميا أو قرشيا أو أنصاريا فقال يا أمير المؤمنين ربما كان من غيرهم من لهم التقدم فى الزهد والعلم فإن منعته استذممت عليه فقال هذه خمسة آلف دينار لهؤلاء الذين ذكرتهم فحج ابن عمار وفرق المال كله مع العشرة آلاف التى له وجاور سنة ثم انصرف فكان الناس يضربون به المثل ويقولون ما رأينا مثل عام ابن عمار (1/204)
قال مؤلف الكتاب ويضربون المثل فى زماننا هذا بعام جميلة وهى الموصلية بنت ناصر الدولة أبى محمد بن حمدان أخت أبى تغلب فإنها حجت سنة ست وستين وثلثمائة وأبانت من المروءة وفرقت من الأموال وأظهرت من المحاسن ونشرت من المكارم مالا يوصف بعضه عن زبيدة وعن غيرها ممن حجت من بنات الخلفاء والملوك
وأخبرنى الثقات أنها سقت جميع أهل الموسم السويق بالسكر الطبرزد والثلح وكانت استصحبت البقول المزروعة فى مراكن الخزف على الجمال وأعدت خمسمائة راحلة للمنقطعين من رجالة الحج ونثرت على الكعبة عشرة آلاف دينار ولم تستصبح فيها إلا بشموع العنبر وأعتقت ثلثمائة عبد ومائتى جارية وأغنت الفقراء والمجاورين بالصلات الجزيلة فصارت حجتها تاريخا مذكورا وصارت مثلا مشهورا ومن قصتها أنها لما رجعت إلى بلدها وضرب الدهر ضرباته وكان ما كان من استيلاء عضد الدولة على أموالها وحصونها وممالك أهلها أفضت بها الحال إلى كل قلة وذلة وتكشفت عن فقر مدقع وكان عضد الدولة خطبها لنفسه فامتنعت وترفعت عنه واحتقدها عليها فحين وقعت فى يده تشفى منها وما زال يعنف بها فى المطالبة بالأموال حتى عراها وهتكها ثم ألزمها أحد أمرين إما أن تؤدى بقية ما وقعت عليه من المال وإما أن تختلف إلى دور العمل فتكتسب فيها ما تؤديه فى بقية مصادرها فانتهزت يوما فرصة من غفلة الموكلين بها وغرقت نفسها فى دجلة رضى الله عنها وأرضاها وجعل الجنة مأواها (1/205)
281 - ( فالج ابن أبى دواد ) وهو أحمد بن أبى دواد الإيادى قاضى قضاة المعتصم والواثق وكان من الشرف والكرم بالمنزلة العالية المشهورة وكان مصروف الهمة إلى استعباد الأحراروغرضا لمدائح الشعراء ولما أصابته عين الكمال فلج فصار فالجه مثلا فى أدواء الأشراف وعاهاتهم كما قيل لقوة معاوية وفالج أبان بن عثمان وبخر عبد الملك بن مروان وبرص أنس ابن مالك وجذام أبى قلابة وعمى حسان وصمم ابن سيرين
وكان أهل المدينة يقولون لمن يدعون عليه أصابه الله بفالج أبان
قال أبو هفان وقد نظر إلى رجل يضرب غلاما له مليحا
( ألا يا ضاربا قمر العباد ... قصدت الحسن ويحك بالفساد )
( أتضرب مثله بالسوط عشرا ... ضربت بفالج ابن أبى دواد )
ومر فى كتاب الأمير أدام الله تأييده المترجم بنزهة اللواحظ من كلام الجاحظ فى أدواء الأشراف يليق بهذا المكان وهو من رسالة إلى محمد بن عبد الملك فى الشكر نعمتنى بتوطئة المطهمات حتى أصابنى النقرس وأتخمتنى بأكل الطيبات حتى ضربنى الفالج ولولاك لكنت أبعد عن النقرس من فيج وأبعد عن الفالج من مكار فأين شرف أدوائى من جرب الحسن بن وهب وداء أحمد بن أبى خالد وأين أدواء الملوك والأنبياء من أدواء السفلة والأغبياء ممن كان داؤه أفضل من صحة غيره وعيبه أجمل من براءة ضده وما ظنك بغير ذلك من أمره
282 - ( ضرطة وهب ) هو وهب بن سليمان بن وهب بن سعيد صاحب بريد الحضرة أفلتت منه ضرطة فى مجلس الوزير عبيد الله بن يحيى (1/206)
ابن خاقان وهو غاص بأهله فطار خبرها بالآفاق ووقع فى ألسن الشعراء وصارت مثلا فى الشهرة حتى قالوا أشهر من ضرطة وهب وأفضح من ضرطة وهب وعمل أحمد بن أبى طاهر كتابا فى ذكرها والاعتذار عنها بعد كلام كثير قيل فيها كقول ابن الرومى
( ما لقينا من ظرف ضرطة وهب ... تركت أهل دهرنا شعراء )
( هى عندى كجود فضل بن يحيى ... غير أن ليس تنعش الفقراء ) وقال آخر
( يا وهب ذا الضرطة لا تبتئس ... فإن للأستاه أنفاسا )
( واضرط لنا أخرى بلا كلفة ... كأنما مزقت قرطاسا ) وقال آخر
( يا آل وهب حدثونى عنكم ... لم لا ترون العدل والإقساطا )
( ما بال ضرطتكم يحل رباطها ... عفوا ودرهمكم يشد رباطا )
( صروا ضراطكم المبذر صركم ... عند السؤال الفلس والقيراطا )
( أو فاسمحوا بنوالكم وضراطكم ... هيهات لستم للنوال نشاطا )
( لو جدتم بهما معا لوجدتم ... فرشا لكم عند الرجال بساطا )
( لكنكم أفرطتم فى واحد ... وهو الضراط فعدلوا الإفراطا )
وقول أبى على البصير
( قل لوهب البغيض يا خش الخلقة ... يا ناطقا بغير لسان )
( كانت الضرطة المشومة نارا ... أضرمت في جوانب البلدان )
( قتلت مفلجا وكان لعمرى ... عدة في الحروب للسلطان ) (1/207)
وقال عيسى بن القاشانى
( أقيك من حر حزيران ... بالأبعد االأقصى وبالدانى )
( كأنك من بيت صديق لنا ... منزلة والحبس سيان )
( نبيذه حلو وريحانه ... أتى له فى السوق شهران )
( وقينة شمطاء مضمومة ... فى سن نمروذ بن كنعان )
( إذا تغنينا حكى صوتها ... ضرطة وهب بن سليمان )
وقال أحمد بن يحيى البلاذرى
( ليت طبول العيد تحكى لنا ... ضرطة وهب بن سليمان )
( فإنها كانت تروع العدا ... ما بين مصر وخراسان )
( يا ضرطة لو أنها شرقت ... أودت بصنعا وسجستان )
وقال آخر
( أيا وهب لا تجزع لإفلات ضرطة ... نعاها عليك العائبون وأفرطوا )
( ولا تعتذر منها وإن جل أمرها ... فقد يغلط االحر الكريم فيضرط )
وقال آخر
( لقد قال وهب إذ رأى الناس أشرفوا ... لضرطته قول أمرئ غير ذى جهل )
( أيا عجبى للناس يستشرفونى ... كأن لم يروا بعدى ضروطا ولا قبلى )
وقال آخر
( إن وهب بن سليمان ... بن وهب بن سعيد )
( حمل الضرطة للرى ... على ظهر البريد ) (1/208)
( استه ينطق يوم ... الحفل بالقول الرشيد )
( لم يجد في القول فاحتاج ... إلى دبر مجيد )
وقال آخر
( ومن الحوادث أن وهبا خانه ... للحين والقدر المتاح حذار )
( فغدا وضرطته شنار شائع ... شغلت بها عن غيرها الأشعار )
( ومن البلية أنها بشهادة القاضى ... فليس يزيلها الإنكار )
وقال أحمد بن أبى طاهر
( يا وهب إن ناقة ... أظمأتها فوردت )
( ونفرت شاردة ... فأبرقت وأرعدت )
( لو كنت لما وردت ... عقلتها ما شردت )
وقال ابن بسام
( سأذكر عن بنى وهب امورا ... وليس االغمر كالرجل الخبير )
( وأخلاق البغال إذا استميحوا ... وضرط فى المجالس كالحمير )
( وجوه لا تهش إلى المعالى ... وأستاه تهش إلى الأيور )
وجرى بين وهب وبين ابن أبى عون كلام فى مجلس عبيد الله بن عبد الله ابن طاهر فتعدى وهب على ابن أبى عون فقال له على بن أبى يحيى وكان فى المجلس واحتمى لابن أبى عون كم هذا التوثب فى مجالس الأمراء والضراط فى مجالس الوزراء
ويحكى أنه ما سمعت للمهدى مزحه سوى قوله لسليمان بن وهب وكان فى رجله خف واسع يصوت يا سليمان خفك هذا ضراط فقال يا أمير المؤمنين ضرطة خير من ضغطة (1/209)
283 - ( خط ابن مقلة ) يضرب مثلا فى الحسن لأنه أحسن خطوط الدنيا وما رأى الراءون بل ما روى الراوون مثله فى ارتفاعه عن الوصف وجريه مجرى السحر
وقال الصاحب أبو القاسم إسماعيل بن عباد
( خط الوزير ابن مقله ... بستان قلب ومقله )
وقال مؤلف الكتاب
( خط ابن مقلة من أرعاه مقلته ... ودت جوارحه لو حولت مقلا )
( فالدر يصفر لاستحسانه حسدا ... والبدر يحمر من أنواره خجلا )
وقال أيضا
( سقى الله عيشا مضى وانقضى ... بلا رجعة أرتجيها ونقله )
( كوجه الحبيب وقلب الأديب ... وشعر الوليد بخط ابن مقله )
وكان ابن مقلة وهو أبو على محمد بن على بن الحسين بن مقلة كتب كتاب هدنة بين المسلمين والروم بخطه فهو إلى اليوم عند الروم في كنيسة قسطنطينية يبرزونه فى الأعياد ويعلقونه فى أخص بيوت العبادات ويعجبون من فرط حسنه وكونه غاية فى فنه
ومن خبر ابن مقلة هذا أنه استوزر لثلاثة من الخلفاء المقتدر والقاهر والراضى وتنقلت به أحوال ومحن أدت إلى قطع يده ومن نكد الدهر أن مثل تلك اليد النفيسة تقطع
قال ثابت بن سنان بن ثابت بن قرة أمرنى الراضى بالله بالدخول إلى ابن مقلة آخر اليوم الذى قطعت فيه يده فدخلت إليه فعالجته وسألنى عن خبر ابنه أبى الحسين فعرفته خبر سلامته فسكن إلى ذلك غاية السكون ثم ناح على نفسه وبكى على يده وقال يد خدمت بها الخلافة ثلاث دفعات (1/210)
وكتبت بها القرآن دفعتين تقطع كما تقطع أيدى اللصوص أتذكر وأنت تقول لى إنك فى آخر نكبه والفرج قريب قلت بلى قال فقد ترى ما حلى بى فقلت ما بقى بعد هذا شىء الآن ينبغى أن تتوقع الفرج فإنه عمل بك ما لم يعمل بنظير لك وهذا انتهاء المكروه ولا يكون بعد الانتهاء إلا الانحطاط فقال لا تغفل إن المحنة قد تشبثت بى تشبثا تنقلنى به من حال إلى حال حتى تؤذينى إلى التلف كما تشبث حمى الدق بالأعضاء فلا تفارق صاحبها حتى تؤديه ءالى الموت ثم تمثل بهذا البيت وهو لأبى يعقوب الخريمى
( إذا ماا مات بعضك فابك بعضا ... فبعض الشى من بعض قريب )
فكان الأمر على ما قال فلما قدم يحكم الماهانى من بغداد نقل ابن مقلة من ذلك الموضع إلى موضع أغمض منه فلم يوقف له على خبر وحجبت عنه ثم قطع لسانه وبقى فى الحبس مدة طويلة ثم لحقه ذرب ولم يكن له من يعالجه ولا من يخدمه حتى بلغنى أنه كان يستقى الماء بيده اليسرى وفمه ولحقه شقاء شديد إلى أن مات ودفن فى دار السلطان ثم سأل أهله بعد مدة تسليمه إليهم فنبش وسلم إليهم فدفنه ابنه أبو الحسين فى داره ثم نبشته حرته المعروفة بالدينارية ودفنته فى دارها بقصر أم حبيب
وقالوا ومن عجائبه أنه كان يراسل الراضى بالله من الحبس بعد قطع يده وقبل أن يقطع لسانه ويطمعه فى المال الذى وعد تصحيحه له ويقول إن قطع يده ليس مما يمنعه أن يستوزره لأنه يمكنه ان يوقع بحيلة يحتال بها أو يعمل (1/211)
بيده اليسرى ولقد كانت تخرج من عنده له رقاع بعد قطع يده إلى ابنه أبى الحسين وقبل أن يضيق عليه ويذكر ابنه أنها كانت بخط جيد من خطه وأنه كان يكتب بيده اليسرى ويسند القلم على ساعد يده اليمنى فيكتب به ومن عجائبه انه تقلد الوزارة ثلاث دفعات لثلاثة من الخلفاء وسافر فى عمره ثلاث سفرات اثنتين فى النفى إلى شيراز وواحدة إلى الموصل ودفن بعد موته ثلاث مرات
284 - ( مروءة ابن الفرات ) هو أبو الحسن على بن محمد بن موسى ابن الحسن بن الفرات استوزر للمقتدر ثلاث مرات وكان يضرب بمروءته المثل فمما يذكر منها أنه كان كلما تقلد الوزارة يزيد سعر القراطيس والشمع والثلج والخيش زيادة وافرة وكان ذلك متعارفا عند التجار وكانت فى داره حجرة شراب يوجه الناس من الكتاب والقواد غلمانهم من المواضع البعيدة ليأخذوا لهم منها ما يريدون من السكنجبين والجلاب والفقاع والثلج وغيرها
وكان رسم داره أن يصحب كل من يخرج منها عند غروب الشمس شمعتين ولا يسترجعان من خدمه
قال الصولى وحدثني جماعة من أهل داره أنه لما استوزر فى الكرة الثانية وخلع عليه وكان الزمان صيفا سقى الناس فى داره يوم ذلك وليلته أربعين ألف رطل من الثلج ولما قبض عليه بعد وزارته الأولى نظر فإذا هو بحرى على خمسة الآف من الناس أقل جارى أحدهم خمسة دراهم فى الشهر ونصف قفيز دقيق إلى عشرة أقفزة ومائة دينار وما بين ذلك ومن خبر عاقبه أمره فيما ذكر ثابت بن سنان أنه سلم فى دولتيه الأوليين جميعا فسلم الناس منه وشملهم إحسانه ولم يتعرض للنعم ولا للنفوس واجتمع الناس على محبته (1/212)
والأغتمام لمحنته واجتهدوا فى خلاصه وعود ايامه وصلحت الدنيا على يده فلما ساعد ابنه المحسن فى دولته الثالثة على ما اختار من التشفى من أعدائه والسرف فى القتل وإزالة النعم وإدخال الرعب سائر القلوب ولم يظهر منه إنكار لذلك لحقه من العقوبات فى الدنيا إلى ان بلغ الآخرة ما لم يلحق أحدا من نظرائه فإنه نصب بين البيازين وضرب بالقلوس وكان خاتمة أمره أن ضربت عنق ابنه بحضرته ثم ضربت عنقه بعد ان أزيلت نعمته وتعفى أثره ولم تبق منه باقية (1/213)
الباب الخامس عشر فيما يضاف وينسب إلى طبقات الشعراء
حلة امرئ القيس
يوم عبيد
حكم لبيد
حوليات زهير
صحيفة المتلمس
قدح ابن مقبل
منديل عبدة
لسان حسان
سيف الفرزدق
بنات نصيب
غزل ابن ابى ربيعة
عين بشار
طبع البحترى
أير أبى حكيمة
تشبيهات ابن المعتز
عتاب جحظة
غلام الخالدى
الاستشهاد
285 - ( حلة امرئ القيس ) تضرب مثلا للشئ الحسن يكون له أثر قبيح والمبرة يكون فى ضمنها عقوق والكرامة يحصل منها إهلاك وذلك أن امرأ القيس بن حجر لما خرج إلى قيصر يستعينه على قتلة أبيه ويستنجده فى الاستيلاء على ملكه أكرمه وأمده بجيش ثم لما صدر من عنده وشى الوشاة به إليه وأخبروه بما يكره من شأنه وخوفوه عاقبة أمره فندم على تجهيزه ثم أتبعه بحلة مسمومة عزم عليه أن يلبسها فى طريقه فلما لبسها تقرح جلده وتساقط لحمه واشتد سقمه ففى ذلك يقول
( وبدلت قرحا داميا بعد صحة ... وبدلت بالنعماء والخير أبؤسا ) (1/124)
( ولو أن نوما يشترى لأشتريته ... قليلا كتغميض القطا حيث عرسا )
( فلو أنها نفس تموت صحيحة ... ولكنها نفس تساقط أنفسا )
ثم لما نزل أنقرة مات بها وإنما سمى ذا القروح لهذه القصة
286 - ( يوم عبيد ) يضرب مثلا لليوم المنحوس الطالع وكان عبيد بن الأبرص تصدى فيه للنعمان بن المنذر فى يوم بؤسه الذى كان لا ينحو منه من لقيه فيه كما كان لا يخيب من لقيه فى يوم نعيمه فقال له يا عبيد إنك مقتول فأنشدنى قولك
( أقفر من أهله ملحوب ... ) فأنشده
( أقفر من أهله عبيد ... فاليوم لا يبدى ولا يعيد )
ثم أمر به فقتل فسار يوم عبيد مثلا كما قال أبو تمام
( لما أظلتنى سماؤك أقبلت ... تلك الشهود على وهى شهودى )
( من بعد ما ظن الأعادى أنه ... سيكون لى يوم كيوم عبيد )
287 - ( حكم لبيد ) يضرب مثلا فى الميت يبكى عليه والغائب يخترم له سنة واحدة لأن لبيدا يقول
( إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر ) (1/215)
وإلى هذا المثل يشير أبو تمام فى قوله
( ظعنوا فكان بكاى حولا بعدهم ... ثم ارعويت وذاك حكم لبيد )
288 - ( حوليات زهير ) يضرب بها المثل في جيد الشعر وبارعه وهى أمهات قصائده وغرر كلماته التى كان لا يعرض واحدة منها حتى يحول عليها الحول وهو يجتهد فى تصحيحها وتنقيحها وتهذيبها وكان يقول خير الشعر الحولى النقح المحكك
وعهدى بالخوارزمى يقول من روى حوليات زهير واعتذارات النابغة وأهاجى الحطيئة وهاشميات الكميت ونقائض جرير والفرزدق وخمريات أبى نواس وزهديات أبى العتاهية ومرائى أبى تمام ومدائح البحترى وتشبيهات ابن المعتز وروضيات الصنوبرى ولطائف كشاجم وقلائد المتنبى ولم يتخرج فى الشعر فلا اشب الله تعالى قرنه
289 - ( صحيفة المتلمس ) تضرب مثلا لمن يحمل كتابا فيه حتفه وكان طرفة بن العبد وخاله جرير بن عبد المسيح المعروف بالمتلمس ينادمان عمرو بن هند الملك فبلغه أنهما هجواه فكتب لهما إلى عامله بالبحرين كتابين أوهمهما أنه أمر لهما فيهما بجوائز وقد كان أمره بقتلهما فخرجا حتى إذا كانا بالنجف إذا هما بشيخ فى الطريق يحدث ويأكل من خبز فى يده ويتناول القمل من ثيابه فيقصعه فقال له المتلمس ما رأيت كاليوم شيخا احمق فقال له الشيخ وما رأيت من حمقى أخرج خبيثا وأدخل طيبا وأقتل عدوا وأحمق منى والله من يحتمل حتفه بيده فاستراب المتلمس بقوله وطلع عليه غلام من أهل الحيرة فقال له أتقرأ يا غلام قال نعم ففك صحيفته ودفعها إليه فإذا فيها (1/216)
أما بعد فإذا أتاك المتلمس بكتابنا هذا فاقطع يديه ورجليه وادفنه حيا فأخذها المتلمس وقذفها فى نهر الحيرة ثم قال لطرفه إن فى صحيفتك والله مافى صحيفتى فقال طرفة كلا لم يكن ليجترئ على ثم أخذ المتلمس نحو الشام فنجا برأسه وتوجه طرفة نحو البحرين وأوصل الكتاب إلى عاملها فلما قرأه قال له إن الملك قد أمرنى بقتلك فاختر أى قتلة تريدها فسقط فى يده وقال أن كان لا بد من القتل فقطع الأكحل فأمر به ففصد من الأكحل ولم تشد يده حتى نزف دمه فمات وفى ذلك يقول البحترى ويجريه مثلا فى اختيار خير الشرين
( ولقد سكنت إلى الصدود من النوى ... والشرى أرى عند طعم الحنظل )
( وكذاك طرفة حين أوجس ضربة ... فى الرأس هان عليه قطع الأكحل )
وممن ضرب المثل بصحيفة المتلمس من قال للفرزدق وقد أخذ كتابا من بعض الملوك إلى عامله بصلة له
( ألق الصحيفة يا فرزدق لا تكن ... نكداء مثل صحيفة المتلمس )
وكتب شريح إلى مؤدب ابنه يشكوه ويذكر لعبه بالكلاب ويأمره بتعزيره
( ترك الصلاة لأكلب يسعى بها ... نحو الهراش مع الغواة الرجس )
( فليأتينك غاديا بصحيفة ... نكداء مثل صحيفة المتلمس )
( فإذا أتاك فخصه بملامة ... وأنله موعظة اللبيب الأكيس )
( فإذا هممت بضربه فبدرة ... وإذا ضربت بها ثلاثا فاحبس )
( واعلم بأنك ما فعلت فنفسه ... مع ما تجزعني أعز الأنفس ) (1/217)
وقال يعقوب بن الربيع فى مرثية جاريته ملك
( حتى احتبس إذا اللسان وأصبحت ... للموت قد ذبلت ذبول النرجس )
( وتكاءبت منها محاسن وجهها ... وعلا الأنين تحثه بتنفس )
( رجع اليقين مطامعى يأسا كما ... رجع اليقين مطامع المتلمس )
290 - ( قدح ابن مقبل ) يضرب مثلا فى حسن الأثر ويروى أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج ما أن أرى لك مثلا إلا قدح ابن مقبل فلم يعرف معناه واغتنم لذلك حتى دخل عليه قتيبة بن مسلم وكان راوية للشعر حافظا له عالما به فسأله عنه فقال أبشر أيها الأمير فإنه قد مدحك أما سمعت قول ابن مقبل وهو يصف قدحا له
( غدا وهو مجدول وراح كأنه ... من الصك والتقليب فى الكف أفطح )
( خروج من الغمى إذا صك صكة ... بدا والعيون المستكفة تلمح )
ويحكى عنه أنه كتب إليه مرة أخرى أما بعد فإنك سالم والسلام فلم يدر ما معناه حتى نبه على أنه أراد قول عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما فى أبنه سالم رضى الله عنه
( يديروننى عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم )
هكذا وجدته فى غير كتاب واحد ثم وجدت نسخة رقعة للصاحب إلى العامل بجرجان فى الوصية بأبى سعد الإسماعيلى أولها أخبرنى يا سيدى وخليلى أطال الله بقاءك الصقر قال أخبرنى أبو العباس محمد بن يزيد قال قلت للعتبى كنت أحب أن أعرف موقعى من قلبك قال موقع سالم يعنى سالم بن (1/218)
عبد الله بن عمر بن الخطاب رضى الله عنهم وموقعه من أبيه فقد كان يكلف به حتى إنه كان يقبله وقد شاخ الابن ويقول شيخ يقبل شيخا وسالم الآخر مولى هشام المقول فيه
( يديروننى عن سالم وأديرهم ... وجلدة بين العين والأنف سالم )
والأخ الفقيه أبو سعد أدام الله عزه عندى كسالم وسالم بل هو كالسلامة فهى أخص موقعا واشرف موضعا
291 - ( منديل عبدة ) قال عبد الملك بن مروان يوما لجلسائه وكان يتجنب غير الأدباء أى المناديل أفضل فقال قائل منهم مناديل اليمن كأنها أنوار الربيع
وقال آخر مناديل مصر كأنها غرقئ البيض فقال عبد الملك ما صنعتم شيئا أفضل المناديل منديل عبدة يعنى عبدة بن الطبيب فى قوله من قصيدة
( لما نزلنا نصبنا ظل أخبية ... وفار للقوم باللحم المراجيل )
( وردا وأشقر لم يهنئه طابخه ... ما غير الغلى منه فهو مأكول )
( ثمت قمنا إلى جرد مسومة ... أعرافهن لأيدينا مناديل )
والأصل فى هذا المعنى قول امرئ القيس
( نمش بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب ) 292 ( لسان حسان ) يضرب به المثل فى الذلاقة والطول والحدة ويقال شكره شكر حسان لآل غسان
ولما هجا النبى شعراء المشركين كابن الزبعرى وكعب بن (1/219)
مالك قال ألا رجل يرد عنا فقال حسان بلى يا رسول الله وأشار إلى نفسه فقال له اهجهم وروح القدس معك فو الله إن هجاءك اشد عليهم من وقع السهام فى غلس الظلام والق أبا بكر يعلمك تلك الهنات فلما قال ذلك النبى أخرج حسان لسانه ثم ضرب بطرفه أنفه وقال والله يا رسول الله ما يسرنى به مقول من معد
والله إنى لو وضعته على شعر لحلقه أو على صخر لفلقه قال الجاحظ فلا ينبغى ان يكون ما قال حسان إلا حقا وكيف يقول باطلا والنبى يأمره وجبريل يسدده والصديق يعلمه والله يوفقه
وقال غيره من ظريف أمر حسان أنه كان يقول الشعر فى الجاهلية فيجيد جدا ويغبر فى وجوه الفحول ويدعى أن له شيطانا يقول الشعر على لسانه كعبارة الشعراء فى ذلك فلما أدرك الإسلام وتبدل الشيطان بالملك تراجع شعره وكاد يرك قوله هذا ليعلم أن الشيطان أصلح للشاعر وأليق به وأذهب فى طريقه من الركاكة وأنا استغفر الله من هذا القول فأنى أكرهه
293 - ( سيف الفرزدق ) يضرب مثلا للسيف الكليل بيد الجبان وقصته أن جريرا والفرزدق وفدا على سليمان بن عبد الملك وهو خليفة وأمه ولادة بنت العباس العبسية وأخواله بنو عبس وكانوا يتعصبون على الفرزدق ويبغضونه لهجائه قيس بن عيلان ويحبون جريرا لمدحه إياهم فقرظوا جريرا عند سليمان وذموا الفرزدق وكان سليمان عازما على قتل أسرى من أعلاج الروم فجاء رجل من بنى عبس إلى الفرزدق وقال له إن أمير المؤمنين سيأمرك غدا بضرب عنق أسير من أسرى الروم وقد علمت أنك وإن كنت (1/220)
تصف السيوف وتحسن فإنك لم تمرن بها وهذا سيفى إنما يكفيك ان تومئ به فيأتى على ضريبته وأتاه بسيف مثلم فقال له الفرزدق ممن أنت فخشى أن يقول من بنى عبس فيتهمه فقال من بنى ضبة أخوالك فعمل الفرزدق على ذلك ووثق به فلما كان من الغد وحضر الفرزدق والوفود دار سليمان وجئ بالأسرى أمر سليمان واحدا منهم هائل المنظر أن يروع الفرزدق إذا أخذ السيف ويلفت إليه ويفزعه ووعده أن يطلقه إذا فعل ذلك ثم قال للفرزدق قم فاضرب عنقه فسل سيف العبسى فضربه به فلم يؤثر فيه وكلح الرومى فى وجهه فارتاع الفرزدق فضحك سليمان والقوم فجاء جرير وقال يعيره
( بسيف أبى رغوان سيف مجاشع ... ضربت ولم تضرب بسيف ابن ظالم )
( ضربت به عند الإمام فأرعشت ... يداك وقالوا محدث غير صارم )
فأجابه الفرزدق بقصيدة منها
( ولا نقتل الأسرى ولكن نفكهم ... إذا أثقل الأعناق حمل المغارم )
( فهل ضربة الرومى جاعلة لكم ... أبا ككليب أو أبات مثل دارم )
وقال أيضا فى الاعتذار من بنو السيف
( أيعجب الناس أن أضحكت سيدهم ... خليفة الله يستسقى به المطر )
( لم ينب سيفى من رعب ولا دهش ... من الأسير ولكن أخر القدر )
( ولن يقدم نفسا قبل ميتتها ... جمع اليدين ولا الصمصامة الذكر )
وقال أيضا
( فإن يك سيفى خان أو قدر أبى ... لمقدار يوم حتفه غير شاهد ) (1/221)
( فسيف بنى عبس وقد ضربوا به ... نبا بيدى ورقاء عن رأس خالد )
( كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... وتقطع أحيانا مناط القلائد )
وقرأت فى رسالة لابن العميد إلى ابن سمكة جرب جعلت فداءك ما قلته واختبرنى فيما ادعيته فإن لم أفعل فدمى حلال لك فاقتلنى بسيف الفرزدق وكلنى بخل وخردل والسلام
294 - ( بنات نصيب ) كان نصيب عبدا أسود لبنى كعب بن ضمرة وكان شاعرا مفلقا ولشعره ديباجة ولما سئل عنه جرير قال هو أشعر أهل جلدته ولا يقال أشعر أهل بلدته وقد يقال لمثله هو اشعر الناس وإن كان فيهم من هو أشعر منه وكان لنصيب بنات نفض عليهن من لونه فهن يشبهنه فى الأدمة والدمامة وكان يحبهن جدا وفيهن يقول
( ولولا أن يقال صبا نصيب ... لقلت بنفسى النشأ الصغار )
( بنفسى كل مهضوم حشاها ... إذا ظلمت فليس لها انتصار )
وكان يربأ بهن عن العجم ولا يرغب فيهن العرب فبقين معنسات وصرن مثلا للبنت يضن بها أبوها فلا يرضى من يخطبها ولا يرغب فيها من يرضاه لها وقد ضرب بهن المثل أبو تمام فى شعره حيث قال
( أما القوافى فقد حصنت عذرتها ... فما يصاب دم منها ولا سلب )
( منعت إلا من الأكفاء منكحها ... وكان منك عليها العطف والحدب )
( ولو عضلت عن الأكفاء أيمها ... ولم يكن لك فى إطهارها أرب )
( كانت بنات نصيب حين ضن بها ... عن الموالى ولم تحفل بها العرب ) (1/222)
295 - ( غزل ابن أبى ربيعة ) هو عمر بن عبد الله بن أبى ربيعة المخزومى أغزل خلق الله وأحلاهم شعرا فى الغزل وأرقهم طبعا فى النسيب وليس له شعر فى المدح والهجاء والفخر وإنما قصر شعره كله على ذكر النساء وصرف معظم شعره إلى الشرائف وبنات الخلائف لا سيما إذا حججن واعتمرن وظهر المستور من محاسهن وكان يذهب فى طريق من قال إنى لأعشق الشرف كما يعشق غيرى الجمال
ويروى أنه ولد فى الليلة التى قبض فيها عمر بن الخطاب رضى الله عنه فسمى باسمه فكان الناس يقولون أى حق رفع وأى باطل وضع
وقال له عبد الملك بن مروان يوما وقد سمع شعره بئس جار الغير أنت
وكان طاوس يقول إذا سمع شعره ما عصى الله تعالى بشعر كما عصى بشعر عمر
ولما قال له هشام ما يمنعك عن مدحنا قال إنى أمدح النساء لا الرجال
ومن ظريف ما حكى عنه أن نعمى إحدى صواحباته اغتسلت فى غدير فأقام عليه يشرب منه حتى جف
وكان أخوه الحارث بن عبد الله بن أبى ربيعة لا يقاره على تغزله ومجنونه فبينما هو ذات يوم فى منزل عمر قد استلقى فى مقيلة إذ دخلت عليه صاحبته الثريا فألقت نفسها عليه وهى تظنه عمر فقام الحارث مغضبا يجر رداءه وأراد أن يخرج فتلقاه عمر وسأله عن حاله فأخبره بحديث المرأة وإلقائها نفسها عليه فقال أبشر يا أخى فلا تمسك النار بعدها أبدا
ولما أنشد عمر قوله
( ويوم كتنور الطواهى سجرنه ... وألقين فيه الجزل حتى تضرما )
( قذفت بنفسى فى أجيج سمومه ... ولا زلت حتى ابتل مشفرها دما ) (1/223)
فقال له أخوه الله أكبر قد أخذت فى فن آخر من الشعر فلما اتبعهما بقوله
( أؤمل أن ألقى من الناس عالما ... بإخباركم أو أن ألم مسلما )
وقال له إنك لفى ضلالك القديم
وقد ضرب به الصاحب المثل حيث قال رسالة له أنت أغزل من عمر إذا حج واعتمر
296 - ( عين بشار ) كان بشار بن برد من عجائب الدنيا وذلك أنه كان أعمى أكمه لم يبصر شيئا قط وهو القائل
( كأن مثار النقع فوق رءوسنا ... وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه )
وهو القائل فى وصف ذكره
( عجل الركوب إذا اعتراه نافض ... وإذا أفاق فليس بالركاب )
( وتراه بعد ثلاث عشرة قائما ... مثل المؤذن شك يوم سحاب )
وفى عين بشار يقول مخلد بن على السلامى وهو يهجو إبراهيم بن المدبر ويدعو عليه
( رأيتك لا تحب الود إلا ... إذا ما كان من عصب وجلد )
( أرانى الله عزك فى انحناء ... وعينك عين بشار بن برد )
297 - ( طبع البحترى ) يضرب به المثل لأن الإجماع واقع على أنه فى الشعر أطبع المحدثين والمولدين وأن كلامه يجمع الجزالة والحلاوة والفصاحة (1/224)
والسلاسة ويقال إن شعره كتابة معقودة بالقوافى لأن فيه مثل قوله
( فالله يبقيه لنا ويحوطه ... ويعزه ويزيد فى تأييده )
وقوله
( بقيت أمير المؤمنين فإنما ... بقاؤك حسن للزمان وطيب )
( ولا كان للمكروه نحوك مذهب ... ولا لصروف الدهر فيك نصيب )
وقوله
( ما ضيع الله فى بدو ولا حضر ... رعية أنت بالإحسان راعيها )
( أمة كان قبح الجور يسخطها ... دهرا فأصبح حسن العدل يرضيها )
فانظر إلى شرف هذا الكلام وسهولته وصعوبته على من يقصد تعاطى مثله وممن ضرب بطبعه المثل السلامى حيث قال
( وأعطيت طبع البحترى وشعره ... فمن لى بمال البحترى وغمره )
وقال بعض العصريين
( يا لابسا لنقاب ورد أحمر ... يا فارشا وجهى بورد أصفر )
( حتام تنحلنى بخصر ناحل ... وتعلنى بعليل طرف أحور )
( يا واحدا فى الحسن هأنا واحد ... فى الحزن أصلى نار وجد مضمر )
( وأظل بين تذلل وتحير ... إذ أنت بين تدلل وتجبر )
( مالى بوصفك سيدى من طاقة ... ولو اننى استمليت طبع البحترى )
298 - ( أير أبى حكيمة ) ذكر الأعضاء لا يؤثم وإنما الإثم فى ذكرها عند شتم الأعراض وقول الرفث فى أكل لوم الناس وقذف المحصنات قال النبى ( من تعزى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا ) \ ح \ (1/225)
وقال أبو بكر رضى الله عنه لبديل بن ورقاء حين قال للنبى إن هؤلاء إن مسهم حر السلاح أسلموك اعضض ببظر أمك أنحن نسلمه
وقال على رضى الله عنه من يطل اير ابيه ينتطق به
وأير أبى حكيمة راشد بن إسحاق فى كثرة ما قال فى مدحه سالفا وذمه آنفا ووصفه بالضعف والوهن والفشل يجرى مجرى المثل وينخرط فى سلك طيلسان ابن حرب وضرطة وهب وحمار طياب وشاة سعيد ولقد استفرغ شعره فى ذلك وأتى بالنوادر والملح السوائر ويقال إنه كان يكتب لإسحاق ابن إبراهيم المصعبى فاتهمه بغلام له فأخذ فى هذا الفن من الشعر تنزيها لنفسه عن التهمة حتى صار عادة له فمن ملحه قوله
( لم تكتحل عيناى مذ شقتا ... بمثل أيرى بين رجلى أحد )
( أير ضعيف المتن رث القوى ... لو شئت أن أعقده لانعقد )
( إن يمس كالبقلة فى لينها ... فطالما أصبح مثل الوتد )
وقوله
( كأن أيرى من لين مقبصه ... خريطة قد خلت من الكتب )
( كأنه حية مطوقة ... قد جعلت رأسها مع الذنب )
وقوله
( أير تعقد واسترخت مفاصله ... مثل العجوز حناها شدة الكبر )
( يقوم حين يريد البول منحنيا ... كأنه قوس نداف بلا وتر )
( ولا يقوم إذا نبهته سحرا ... كما تقوم أيور الناس فى السحر )
وقوله
( ينام على كف الفتاة وتارة ... له حركات ما تحس بها الكف )
( كما يرفع الفرخ ابن يومين رأسه ... إلى أبويه ثم يدركه الضعف ) (1/226)
وأراد كشاجم أن يتعاطى فن أبى حكيمة فما شق غباره على ارتفاع مقداره فى الشعرحيث قال
( اصبح أيرى للضعف منضما ... كأنما فيه نافض الحمى )
( أصفى فأشفى على الردى وغدا ... أصم عما أرومه أعمى )
( وكان كالزير فى توتره ... فانحط حتى حسبته بما )
( لم يبق فيه حظ تؤلمه ... سعدى ولا تستلذه سلمى )
299 - ( تشبيهات ابن المعتز ) يضرب المثل بها فى الحسن والجودة ويقال إذا رأيت كاف التشبيه فى شعر ابن المعتز فقد جاءك الحسن والإحسان
ولما كان غذى النعمة وربيب الخلافة ومنقطع القرين فى البراعة تهيا له من حسن التشبيه مالم يتهيأ لغيره ممن لم يروا ما رآه ولم يستحدثوا ما استحدثه من نفائس الأشياء وطرائف الآلات ولهذا المعنى اعتذر ابن الرومى فى قصوره عن شأو ابن المعتز فى الأوصاف والتشبيهات فمن أنموذج تشبيهاته الملوكية قوله فى وصف الهلال
( وأنظر إليه كزورق من فضة ... قد أثقلته حمولة من عنبر )
وقوله
( ونسيم يبشر الأرض بالقطر ... كذيل الغلالة المبلول )
( ووجوه البلاد تنتظر الغيث ... انتظار المحب رجع االرسول ) (1/227)
وقوله فى الخمر
( وأمطر الكأس ماء من أبارقه ... فانبت الدر فى أرض من الذهب )
( وسبح القوم لما أن رأوا عجبا ... نورا من الماء فى نار من العنب )
وقوله فى الآذريون
( كأن آذريونها ... والشمس فيها عالية )
( مداهن من ذهب ... فيها بقايا غالية )
ومن تشبيهاته التى تفرد بها قوله
( والريح تجذب أطراف الرداء كما ... افضى الشقيق إلى تنبيه وسنان )
وقوله فى المعتضد
( ما يحسن القطر أن ينهل عارضه ... كما تتابع أيام الفتوح له )
وقوله
( أطال الدهر فى بغداد همى ... وقد يشقى المسافر أو يفوز )
( ظللت بها على رغمى مقيما ... كعنين تضاجعه عجوز )
وقلائد تشبيهاته ولطائف تمثيلاته أكثر من أن تحصى
300 - ( عتاب جحظة ) يشبه به كل مارق ولطف لقوله
( ورق الجو حتى قيل هذا ... عتاب بين جحظة والزمان )
وللبديع الهمذانى من رسالة له إخوانية بيننا عتاب لحظة كتاب جحظة واعتذارات بالغة كاعتذارات النابغة (1/228)
301 - ( غلام الخالدى ) يضرب به المثل فى الكياسة والشهامة والنفاذ فى سن الخدمة وجمع محاسن المماليك ومناقب العبيد وهو غلام أبى عثمان الخالدى أحد الأخوين الخالديين اللذين يهجوهما السرى الموصلى ويدعى عليهما سرقة شعره
وحدثنى أبو الحسن محمد بن الحسين الفارسى النحوى أن اسم هذا الغلام رشأ وأنه رآه بعد موت مولاه أبى عثمان فى ناحية أبى القاسم عبد العزيز بن يوسف قال وهو اليوم وزير قراد العقيلى وإلى البلد والجامعين والقصر
قال مؤلف الكتاب قرأت أنا بخطه أى بخط الغلام فى مجموع من شعر الخالديين بخط احد الأخوين فى دفتر أعارنية أبو نصر سهل بن المرزبان كتب ابن سكرة الهاشمى إلى أبى عثمان يسأله عنى فكتب إليه
( ما هو عبد لكنه ولد ... خولنيه المهيمن الصمد )
( وشد أزرى بحسن صحبته ... فهو يدى والذراع والعضد )
( صغير سن كبير معرفة ... تمازج الضعف فيه والجلد )
( معشق الطرف طرفه كحل ... معطل الجيد حلية جيد )
( وغصن بان إذا بدا وإذا ... شدا فقمرى بانة غرد )
( ثقفه كيسه فلا عوج ... فى بعض أخلاقه ولا أود )
( ماغاظنى ساعة فلا صخب ... يمر فى منزلى ولا حرد )
( مسامرى إن دجا الظلام فلى ... منه حديث كأنه الشهد )
( خازن مافى يدى وحافظه ... فليس شئ لدي يفتقد )
( يصون كتبى فكلها حسن ... يطوى ثيابى فكلها جدد )
( وحاجبى فالخفيف محتبس ... عندى به والثقيل مطرد ) (1/229)
( وصيرفى القريض وازن دينار ... المعانى الجياد منتقد )
( ويعرف الشعر مثل معرفتى ... وهو على أن يزيد مجتهد )
( وحافظ الدار إن ركبت فما ... على غلام سواه أعتمد )
( ومنفق مشفق إذا أنا أسرفت ... وبذرت فهو مقتصد )
( وأبصر الناس بالطبيخ فكالمسك ... القلايا والعنبر الثرد )
( وواجد بى من المحبة والرأفة ... أضعاف مابه أجد )
( إذا تبسمت فهو مبتهج ... وإن تنمرت فهو مرتعد )
( ذى بعض أوصافه وقد بقيت ... له صفات لم يحوها العدد ) (1/230)
الباب السادس عشر فيما يضاف وينسب إلى البلدان والأماكن
عزيز مصر
أسقف نجران
أبدال اللكام
ملكا بابل
جنة عبقر
حجام ساباط
قاضى منى
قاضى جبل
سحرة الهند
شيخ العراق
ظريف العراق
صوفية الدينور
لصوص الرى
الاستشهاد
302 - ( عزيز مصر ) فى القرآن الكريم ( وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه ) وفيه أن إخوة يوسف قالوا له ( يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر )
وكانت هذه تحية ملوكهم وعظمائهم وإلى الآن قال بعض الظرفاء فى الاقتباس من القرآن من قصة يوسف عليه الصلاة و السلام
( أيهذا العزيز قد مسنا الضر ... جميعا وأهلنا اشتات )
( ولنا فى الرحال شيخ كبير ... ولدينا بضاعة مزجاة )
وقال أبو الحسن بن طباطبا وهو يهجو حرة بنى رستم
( خليلى اغتممت فعللانى ... بصوت مطرب حسن وجيز )
( عزيزة رق حافرها فأزرت ... برقة حافر امرأة العزيز ) (1/231)
303 - ( أسقف نجران ) هو قس بن ساعدة أحد بل أوحد حكماء العرب وبلغائهم وقد تقدم ذكره وضرب المثل بخطابته وبلاغته وهو القائل
( منع البقاء تقلب الشمس ... وغدوها من حيث لا تمسى )
( وطلوعها بيضاء صافية ... وغروبها صفراء كالورس )
( اليوم أعلم ما يجئ به ... ومضى بفصل قضائه أمسى )
304 - ( أبدال اللكام ) يضرب بهم المثل فى الزهد والعبادة ورفض الدنيا وهم الزهاد والعباد الذين وردت في حقهم الآثار بأن الله تعالى إنما يرحم العباد ويعفو عنهم وينظر لهم بدعائهم لا يزيدون على السبعين ولا ينقصون عنها فكلما توفى واحد منهم قام بدل عنه يسد مكانه وينوب منابه ويكمل عدة الأبدال ولا يسكنون مكانا من أرض الله تعالى إلا جبل اللكام وهو من الشام يتصل بحمص ودمشق ويسمى هناك لبنان ثم يمتد من دمشق فيتصل بجبال أنطاكية والمصيصة ويسمى هناك اللكام قال المتنبى ابو الطيب
( بها الجبلان من صخر وفخر ... أنافا ذا المغيث وذا اللكام )
فهؤلاء الأبدال يضافون مرة إلى لبنان كما قال الشاعر
( وجاور جبال الشام لبنان إنها ... معادن أبدال إلى منتهى العرج ) (1/232)
وتارة يضافون إلى اللكام كما قال أبو دلف الخزرجي وهو يصف مجاورته لأصحاب الغايات من الدنيا والدين
( وجاورت الملوك ومن يليهم ... كما جاورت أبدال اللكام )
ويقال إن تلك البلاد الشامية لم تزل على وجه الأرض متعبدات الأنبياء والأولياء من عباد بنى إسرائيل وزهادهم ومواضع مناجاتهم ومحال كراماتهم لا سيما موسى وهارون ويوشع بن نون عليهم السلام وهى الآن مواطن الأبدال وفيها عيون عذبة وأشجار كثيرة تشتمل على كل الثمرات لا سيما التفاح اللبنانى فإن اللبنانى منه موصوف بحسن اللون وطيب الرائحة ولذاذة الطعم يحمل منه فى القرابات إلى الآفاق وهؤلاء الأبدال يتقوتون منها ومن السمك ولا يفترون آناء الليل وأطراف النهار عن ذكر الله وعبادته ولا عن اسمه والخلوة بمناجاته إلى ان يتنقلوا إلى جواره فطوبى لهم وحسن مآب
305 - ( ملكا بابل ) هما هاروت وماروت اللذان ذكرهما الله تعالى فقال ( وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت ) يضرب بهما المثل فى السحر والفتنة كما قال بعض أهل العصر
( وسائل عن دمعى السائل ... وحال لونى الكاشف الحائل )
( قلت له والأرض فى ناظرى ... اوسع منها كفة الحابل )
( بليت والله بمملوكة ... فى مقلتيها ملكا بابل )
( أو سيف مأمون بن مأمون القرم ... الهمام الملك العادل ) (1/233)
306 - ( جنة عبقر ) قال الجاحظ هو كما تقول العرب أسد الشرى وذئاب الغضى وبقر الجواء ووحش وجرة وظباء جاسم فيفرقون بينها وبين ما ليس كذلك إما فى الخبث والقوة وإما فى السمن والحسن فكذلك يفرقون أيضا بين مواضع الجن فإذا نسبوا الشكل منها إلى موضع معروف فقد خصوه من الخبث والقوة والعرامة بما ليس لجملتهم قال لبيد
( ومن فاد من إخوانهم وبنيهم ... كهولا وشبانا كجنة عبقر )
وقال
( غلب تشذر بالدهول كأنها ... جن البدى رواسيا اقدامها )
وقال النابغة
( سهكين من صدإ الحديد عليهم ... تحت السوابغ جنة العبقار )
وقال حاتم
( عليهن فتيان كجنة عبقر ... يهزون بالأيدى الوشيج المقوما )
وقال زهير
( بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا ويستعلوا )
وقال ولذلك قالوا لكل شئ فائق أو شديد عبقرى وفى القرآن ( وعبقرى حسان ) وفى الحديث فى صفة عمر رضوان الله عليه فلم ار عبقريا يفرى فريه وقال أعرابى ظلمنى والله ظلما عبقريا (1/234)
307 - ( حجام ساباط ) يضرب به المثل فى الفراغ يقال أفرغ من حجام ساباط كما يضرب المثل فى الشغل بذات النحيين فيقال أشغل من ذات النحيين ومن خبره انه كان حجاما ملازما لساباط المدائن فإذا مر به جند وقد ضرب عليهم البعث حجمهم نسيئة بدانق واحد إلى وقت قفولهم وكان مع ذلك يمر به الأسبوع والأسبوعان ولا يدنو منه احد فعندما يخرج أمه فيحجمها ليرى الناس أنه غير فارغ فما زال ذلك دأبه حتى نزف دم أمه فماتت فجأة وسار فراغ الحجام مثلا
وسمعت الخوارزمى يقول إن هذا الحجام حجم مرة كسرى أبرويز فأمر له بما اغناه عن الحجامة فكان لا يزال فارغا مكتفيا يضرب بفراغه المثل كما قال ابن بسام
( دار أبى جعفر مفروشة ... ما شئت من بسط وأسماط )
( وبعد ما بينك من خبزه ... كبعد بلخ من سميساط )
( مطبخة قفر وطباخة ... أفرغ من حجام ساباط
وكان ابن الرومى إذا ذكر ابا حفص الوراق فى شعره يسميه وراقى ساباط كما قال
( دعنى وإيا أبا حفص ساتركه ... حجام ساباط بل وراق ساباط )
308 - ( قاضى منى ) يضرب به المثل فى احتمال المشقة والتزام المؤونة معا وربما يقال أرخص من قاضى منى أنشدنى أبو بكر الخوارزمى لغيره
( قلت زورينى فقالت عجبا ... أترانى يا فتى قاضى منى )
( إذ يصلى وعليه زيهم ... أنت تهوانى وآتيك انا ) (1/235)
309 - ( قاضى جبل ) يضرب به المثل فى الجهل فيقال أجهل من قاضى جبل وجبل مدينة من طسوج كسكر وكان قاضيها أغر محجلا فى التخلف فرفع إلى المأمون انه يعض الخصوم فوقع يزنق وكان هذا القاضى قضى لخصم جاءه وحده ثم نقض حكمه لما جاءه الخصم الآخر ففيه يقول محمد بن عبد الملك
( قضى لمخاصم يوما فلما ... أتاه خصمه نقض القضاء )
( دنا منك العدو وغبت عنه ... فقال بحكمه ما كان شاء )
فهذا المثل سائر بالعراق فى قاضى جبل كما أن المثل سائر بالحجاز فى قاضى منى وقاض ثالث يضرب به المثل فيما وصفه به ابو إسحاق الصابى حيث قال
( يا رب علج أعلج ... مثل البعير الأهوج )
( رأيته مطلعا ... من خلف باب مرتج )
( وخلفه دنية ... تذهب طورا وتجى )
( فقلت قاضى إيذج ... فقال قاضى إيذج )
وقاض رابع يضرب به المثل أهل جرجان وطبرستان فى اضطراب الخلقة وهو قاضى شلمبه أنشدنى أبو نصر العميدى قال أنشدنى ابو الحسين ابن الجوهرى لنفسه
( رايت رأسا كدبه ... ولحية كالمذبه ) (1/236)
( فقلت ذا التيس من هو ... فقال قاضى شلمبة )
310 - ( سحرة الهند ) يضرب بهم المثل لأن للهند السحر والرقى والتدخين والحساب والشطرنج وخرط التماثيل كما أن للعرب البيان والشعر والفروسية والقيافة وللروم الطب والتنجيم والقرسطون واللحون والتصاوير والبناء وللفرس السياسة والإمارة واستعمال علوم الأمم
311 - ( شيخ العراق ) كان يقال ذلك بالإطلاق للمهلب بن أبى صفرة ولما وفد عليه زياد الأعجم وهو يقاتل الأزارقة بتوج أكرمه وانزله على حبيب ابنه وقال له احسن قراه فجلسا يوما يشربان فى بستان فغنت حمامة على فنن فطرب لها زياد فقال حبيب أنها فاقدة إلف كنت أراه معها فقال زياد هو أشد لشوقها وأنشأ يقول
( تغنى أنت فى ذممى وعهدى ... وذمة والدى إلا تضارى )
( فإنك كلما غردت صوتا ... ذكرت أحبتى وذكرت دارى )
( فإما يقتلوك طلبت ثأرا ... لأنك يا حمامة فى جوارى )
فضحك حبيب ودعا بقوس بندق ورماها ببندقة فسقطت ميتة فنهض زياد مغضبا وقال اخفرت يا حبيب ذمتى فقتلت جارتى وسار إلى المهلب وشكاه إليه فغضب له وقال لحبيب أما علمت أن جار أبى أمامة جارى وأن ذمته ذمتى والله لألزمنك دية الحر والعبد فأخذ من ماله ألف دينار ودفعها إلى زياد فقال من قصيدة له
( فلله عينا من رأى كقضية ... قضى لى بها شيخ العراق المهلب )
( قضى ألف دينار لجار اجرته ... من الطير إذ يبكى شجاه ويندب ) (1/237)
فرفع خبره ألى الحجاج فاستحسنه وقال لشئ ما سودت العرب المهلب
312 - ( ظريف العراق ) هو شراعة بن الزندبور يضرب به المثل فى الظرف ولما بلغ الوليد بن اليزيد خبره أمر باحضاره إليه فرأى به ما يزيد خبره على خبره وكان مما دار بينهما أن قال له الوليد ما تقول فى الشراب قال عن ايه تسألنى يا أمير المؤمنين قال ما تقول فى الماء قال هو قوام البدن ويشاركنى فيه الحمار قال ما تقول فى اللبن قال ما نظرت إليه إلا استحييت من أمى لطول إرضاعها إياه لى قال ما تقول فى الخمر قال آه صديقة روحى قال فأنت أيضا صديقى فاقعد فقعد وانبسط ثم سأله عن أصلح الأمكنة للشرب فقال عجبت ممن تحرقه الشمس ولم يغرقه المطر كيف لا يشرب إلا مصحرا فوالله ما شرب الناس على وجه أحسن من وجه السماء وصفو الهواء وخضرة الكلأ وسعة الفضاء وقمر الشتاء
313 - ( صوفية الدينور ) يضرب بهم المثل لكثرتهم بها واستيطان أعيانهم إياها ونفاق مذهبهم فيها كما يقال حكماء يونان وصاغة حران وحاكة اليمن وكتاب السواد وفعلة سجستان ولصوص طوس وجرابزة مرو وملاحو بخارى وصناع الصين ورماة الترك وقحاب الهند
314 - ( لصوص الرى ) دخل أبو عباد ثابت بن يحيى إلى المأمون وهو يختال فى مشيته فقال المأمون
( رهو خراسان وتيه النبط ... ونخوة الخوذ وغدر الشرط )
( اجتمعت فيك ومن بعد ذا ... أنك رازى كثير الغلط ) (1/238)
قال الصولى أراد بقوله رازى كثير الغلط أنه يرتفق فنسبه إلى اللصوصية لأن اللص الحاذق ينسب إلى الرى
ومثل بيتى المأمون ما أنشده الأصمعى
( إذا ما بدا عمرو بدت منه صورة ... تدل على مكنونه حين يقبل )
( بياض خراسان ولكنه فارس ... وجثة رومى وشعر مفلفل ) (1/239)
الباب السابع عشر فيما يضاف وينسب إلى أهل الصناعات
سرى القين
راية بيطار
راحة صباغ
حمار القصار
كلب القصاب
بيت الإسكاف
حرص النباش
تيه المغنى
جنون المعلم
رغفان المعلم
كذب الدلائل
كذب الصناع
قسوة الفدادين 4الاستشهاد
315 - ( سرى القين ) يضرب مثلا لمن يظهر الشخوص وهو مقيم ويعرف بالكذب فلا يصدق وإن صدق وأصله أن القين وهو الحداد بالبادية ينتقل فى مياه القوم فإذا كسد عليه عمله قال لأهل الماء إنى راحل عنكم الليلة وإن لم يرد ذلك ولكنه يشيعه ليستعمله من الناس من يريد استعماله ولما كثر ذلك من قوله قالوا إذا سمعت بسرى القين فأعلم أنه مصبح
وللبديع الهمذانى من رقعة شر الحمام الداجن ومقيم الماء ياجن وأنك لتؤذن بالبين ثم تصبح عن سرى القين ويلك ما هذه الرعونة والأخلاق الملعونة
316 - ( راية بيطار ) يضرب مثلا فى الشهرة فيقال أشهر من راية بيطار قال الشاعر وهو يصف رجلا بطول اللحية
( فقد صار بها اشهر ... من راية بيطار ) (1/240)
317 - ( راحة صباغ ) يضرب مثلا لما يستقبح ويشبه بها ما ليس يستنظف وأنشد الجاحظ لأبى المنهمر مولى تميم
( وصفت بجهدى وجه حفص وخلقه ... فما قلت فيه واحدا من ثمانية )
( لهازم مجنون وخلقة كافر ... وتقطيع كشخان ورأس ابن زانية )
( ولحية قواد وعين مخنث ... وجبهة مأبون يناك علانية )
( وراحة صباغ وصدرة حائك ... ومرفق سقط رد فى الرحم ثانية )
318 - ( حمار القصار ) يضرب به المثل فيمن يصير إلى الخوف وسوء القرى فيقال كان يوم فلان كحمار القصار إن جاع شرب وإن عطش شرب
319 - ( كلب القصاب ) يضرب مثلا للفقير يجاور الغنى فيرى من نعيم جاره وبؤس نفسه ما تتنغص معه معيشته
والعامة تقول كلاب القصابين أسرع عمى من غيرها بعشرين سنة لأنها لا تزال ترى من اللحوم ما لا تصل إليه فكأن رؤية ما تشتهيه وتمنع منه يورثها العمى
320 - ( بيت الإسكاف ) يضرب به المثل فيقال بيت الإسكاف فيه من كل جلد رقعة ومن كل أدم قطعة كما يقال هم كبيت الأدم إذا كانوا مختلفين وفيهم الشريف والوضيع قال الشاعر (1/241)
( الناس أصناف وشتى فى الشيم ... وكلهم يجمعهم بيت الأدم )
قال بعضهم يعنى أديم الأرض الذى يجمعهم على اختلافهم
321 - ( حرص النباش ) ذم رجل رجلا فقال له كياد مخنث ووقاحة نائحة وشره قواد وملق داية وبخل كلب وحرص نباش
322 - ( تيه المغنى ) يضرب به المثل كما قال أبو نواس
( تيه مغن وظرف زنديق ... )
وكما قال الآخر
( جمعت الذى لو كان يؤلم من أذى ... فيشكو لهانت عنده أم ملدم )
( غباوة أصحاب الحديث ونوكهم ... وتيه المغنى فى جنون المعلم )
323 - ( جنون المعلم ) قد جرى المثل بجنون المعلمين لفساد أدمغتهم كما قال الشاعر
( معلم صبيان يروح ويغتدى ... على أنفه ألوان ريح فسائهم )
( وقد أفسدوا منه الدماغ بفسوهم ... ورفعهم أصواتهم فى هجائهم )
وأبلغ ما قيل فى ذمهم ما أنشده الجاحظ لصقلاب المعلم
( وكيف يرجى العقل والحزم عند من ... يروح إلى أنثى ويغدو إلى طفل ) (1/242)
وأنشد لغيره فى معناه
( متى يأت المعلم يوم خير ... ولم يعرف سوى أنثى وطفل )
وأنشد
( فإن كنت قد بايعت مروان طائعا ... فصرت إذن بعد المشيب معلما )
( وفارقت قومى مؤثرا لعدوهم ... وأصبحت فيهم ذاهل العقل مفحما )
وفي كتاب جراب الدولة أن معلما مر فى النظارة إلى حرب فأصاب رأسه سهم فقال أصحابه ينبغى أن ينزعه رفقا به لئلا يفسد دماغه فقال المعلم انزعوة كيف شئتم فلو كان لى دماغ ما أتيت الحرب
324 - ( رغفان المعلم ) يضرب بها المثل فى الاختلاف وشدة التفاوت لأن رغفان المعلم تختلف تختلف بحسب اختلاف آباء الصبيان فى الغنى والفقر والجود والبخل كما قال من هجا الحجاج وذكر أنه كان معلما
( أينسى كليب زمانا مضى ... وتعليمه سورة الكوثر )
( رغيفا له فلكة ما ترى ... وآخر كالقمر الأزهر )
وأنشد الجاحظ للرقاشى فى ذكر معلم
( مختلف الخبز خفيف الرغيف ... منتثر الزاد لئيم الوصيف )
وأنشد لأبى الشمقمق
( خبز المعلم والبقال متفق ... واللون مختلف والطعم والصور )
وقال ابن الميسانى
( أما رأيت بنى زيد قد اختلفوا ... كأنهم خبز بقال وكتاب )
( هذا كريم وهذا حنبل جحد ... يمشون خلف عمير صاحب الباب ) (1/243)
وذكر بعض البلغاء قوما مختلفين فقال قزع الخريف وإبل الصدقة ورغفان المعلم
325 - ( كذب الدلال ) يقال إن أمر الدلال لا يتمشى بغير الكذب فهو يثابر عليه ويقال لكل أحد رأس مال ورأس مال الدلال الكذب
ويروى أنه أول من دل إبليس حيث قال ( هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى )
326 - ( كذب الصناع ) قال ابن سمكة في كتابه من أمثالهم أكذب من صنع وهو الصانع العامل بيده وفي الحديث ويل لعامل يد من غد وبعد غد وفيه أيضا أكذب أمتى الصواغون والصباغون
327 - ( قسوة الفدادين ) هم الأكرة الذين يرفعون أصواتهم في سياقة البقر والحمير والفديد الصوت الشديد وفي الخبر إن الجفاء والقسوة في الفدادين وجهل متعارف مشهور (1/244)
الباب الثامن عشر فى الآباء والأمهات الذين لم يلدوا والبنين والبنات الذين لم يولدوا
الفصل الأول فى الآباء
أبو الضيفان
أبو مرة
أبو يحيى
أبو الذبان
أبو دثار
أبو سريع
أبو براقش
أبو قلمون
أبو رياح
ابو عمرة
أبو مالك
أبو عذرة
ابو مثوى
أبو العجب
أبو البيضاء
أبو طريف
أبو قبيس
أبو ضوطرى
أبوليلى
أبو أيوب
ابو الأخطل
أبو زياد
أبو جعدة
أبو خالد
الاستشهاد
328 - ( أبو الضيفان ) هو إبراهيم عليه السلام لأنه اول من قرى الضيف وسن لأبنائه العرب القرى وكان إذا أراد الأكل بعث اصحابه ميلا فى ميل يطلبون ضيفا يؤاكله وقد تقدم ذكر ضيفه المكرمين
329 - ( أبو مرة ) هو إبليس وإنما يكنى بهذه الكنية لأن الشيخ النجدى الذى ظهر إبليس فى صورته فأشار على قريش بأن يكونوا سيفا واحدا على النبى كان يكنى أبا مرة أنشدنى الخوارزمى لنفسه من أبيات
( ويا من صبر يوم عنه ... فى حكم الهوى كفره )
( ويا من طرفه جيش ... كثيف لأبى مره )
ولابن الحجاج
( فما تلاقينا سوى مرة ... حتى أتى الشيخ أبو مرة ) (1/245)
وللصاحب من رسالة مداعبة وأرجو أن يساعدنا الشيخ أبو مرة كما ساعده مرة فنصلى للقبلة التى صلى عليها ونخطب على الدرجة التى خطب عليها
330 - ( أبو يحيى ) يقال لقابض الأرواح أبو يحيى كما يقال للحبشى أبو البيضاء وللأعمى أبو البصير أنشدنى أبو بكر الخوارزمى لنفسه من قصيدة
( سريعة موت العاشقين كأنما ... يغار عليها من هواهم أبو يحيى )
وله من قصيدة مرثية
( اعوذه من نفحة الريح خيفة ... عليه ورجل الموت تطلبه عجلى )
( وأدعو له بالعمر فى كل مشهد ... ويضحك منى فى الكمين أبو يحيى )
331 - ( أبو الذبان ) كنى بذلك عبد الملك بن مروان لشدة بخره وموت الذبان إذا دنت من فمه ويحكى أنه عض يوما تفاحة ورمى بها إلى بعض نسائه فدعت بسكين فقطعت موضع عضته فقال لها ما تصنعين قالت أميط عنها الأذى فطلقها من وقته
332 - ( أبو دثار ) يقال للكلة التى يتوقى بها من البعوض وهى على صورة بيت يخاط من ثوب رقيق يستشف ما وراءه ولا يجد البعوض متخللا فيه أبو دثار قال الشاعر وهو من ظريف القريض
( لنعم البيت بيت ابى دثار ... إذا ما خاف بعض القوم بعضا ) (1/246)
333 - ( أبو سريع ) هو النار فى العرفج وأنشد
( لا تعدلن بأبى سريع ... إذا غدت نكباء بالصقيع )
ونار العرفج أسرع النيران التهاما ووهى نار الزحفتين وسيمر ذكرها فى باب النيران
334 - ( أبو براقش ) طائر منقش بألوان النقوش يتلون فى اليوم ألوانا ويضرب به المثل للمتلون قال الشاعر
( إن يغدروا او يجبنوا ... أو يبخلوا لا يحلفوا )
( يغدو عليك مرجلين ... كأنهم لم يفعلوا )
( كأبى براقش كل يوم ... لونه يتحول )
ويروى يتخيل أى يصير كالأخيل قال الخليل هو طائر من طير البر يشبه القنفذ أعلى ريشه اغبر وأوسطه اسود وأحمر فإذا أهيج انتفش وتغير لونه
335 - ( ابو قلمون ) هو فى الثياب كأبى براقش فى الطير فإن أبا قلمون يتلون وابا براقش يتخيل وابو قلمون كنية لثياب إبريسم وكتان تنسج بالروم ومصر يضرب بها المثل يقال أكثر تلونا من أبى قلمون كما قال الشاعر
( أنا أبو قلمون ... فى كل لون أكون )
وقال أبو بكر الخوارزمى فى أبى طاهر الكرمانى الكاتب
( والله لا فارقت كفى قفاه ولم ... ينسج ابو قلمون فى نواحيه ) (1/247)
336 - ( أبو رياح ) تمثال فارس من نحاس بمدينة حمص على عمود حديد فوق قبة كبيرة بباب الجامع يدور مع الريح حيث هبت ويمينه مدودة وأصابعها مضمومة إلا السبابة فإذا أشكل على أهل حمص مهب الريح عرفوا ذلك به فإنه يدور بأضعف نسيم يصيبه ولذلك كنى بأبى رياح وقد يقال للرجل الطائش الذى لا ثبات له أبو رياح تشبيها به وقيل
( أف لقاض لنا وقاح ... أمسى بريئا من الصلاح )
( كأنه قبة عليها ... غراب نوح بلا جناح )
( وليس فى الرأس منه شئ ... يدور إلا أبو رياح )
ويحكى ان ابا عبادة دخل على المتوكل وبين يديه جام من ذهب فيه ألف دينار فقال يا ابا عبيدة اسألك عن شئ فإن أجبتنى على البديهة من غير أن تفكر او تتمتم فيه فلك الجام بما يحويه قال سل يا أمير المؤمنين قال اى شئ له اسم وليست له كنية وأى شئ له كنية وليس له اسم قال المنارة وأبو رياح ولم يفكر فى الجواب فعجب المتوكل من سرعة خاطره وأعطاه الجام بما فيه
337 - ( أبو عمرة ) كنية الإفلاس وكنية الجوع قال ابو فرعون الشاشى
( إن ابا عمرة حل حجرتى ... وحل نسج العنكبوت برمتى )
وقال آخر
( يا بن المحامين عن الأحساب ... إن ابا عمرة فى جرابى )
( قد الصق است بابه ببابى ... ) (1/248)
فقلبه كعادة الشعراء وكان حقه أن يقول ألزق باب استه ببابى
وأنشد أبو عمرو لبعضهم
( إن أبا عمرة شر جار ... يجرنى فى ظلم الصحارى )
( جر الذئاب جيفة الحمار ... )
338 - ( أبو مالك ) كنية الجوع وكنية الكبر قال الشاعر فى كنية الجوع
( أبو مالك يعتادنا فى الظهائر ... يلم فيلقى رحله عند جابر )
والعرب تسمى الخبز جابرا وعاصما وعامرا
وأنشد أبو عبيدة لبعض الأعراب فى كنية الكبر
( أبا مالك إن الغوانى هجرننى ... أبا مالك إنى أظنك دائبا )
اى غير زائل وإنما كنى بهذه الكنية لأنه يملك الرجل فيلزمه ولا يفارقه
وأنشد أبو عبيدة أيضا
( بئس قرينا اليفن الهالك ... أم عبيد وأبو مالك ) وأم عبيد كنية المفازة
339 - ( أبو عذرة ) يقال فلان أبو عذرة هذا الكلام أى هو الذى اخترعه ولم يسبقه إليه أحد وهو مستعار من قولهم هو أبو عذرتها أى هو الذى افتضها ويقال إن المرأة لا تنسى أبا عذرتها
340 - ( أبو مثوى ) ابو مثواه أى صاحب رحله الذى نزل به (1/249)
وضافه يقال من أبو مثواك اى على من نزلت والمثوى النزل
341 - ( أبو العجب ) كنية المشعبذ وقد قيل المشعوذ من الشعوذة وهى السرعة والخفة ولا أصل لها فى العربية وهى مخاريق خفة فى اليد وتصوير للباطل فى صورة الحق وقال أبو تمام
( ما الدهر فى فعله إلا ابو العجب ... )
وقال ابن الرومى فى البحترى
( البحترى ذنوب الوجه نعلمه ... وما رأينا ذنوبا قط ذا ادب )
( أولى بمن عظمت فى الناس لحيته ... من حاكه الشعر أن يدعى أبا العجب )
342 - ( أبو البيضاء ) كنية الحبشى كما يكنى المكفوف أبو البصر وقيل
( أبو غالب ضد اسمه واكتنائه ... كما قد نرى الزنجى يدعى بعنبر )
( ويكنى أبا البيضاء واللون أسود ... ولكنهم جاءوا بها للتطير )
343 - ( أبو ظريف ) كنية الفرج وأنشد لابن احمر
( قالت فأهد لنا إزارا معلما ... فأبو طريف ما عليه إزار )
ويكنى أيضا بأبى الجنيد وأبى الزردان كما يكنى الذكر بأبى جميح وابى رميح وابىعوف
344 - ( أبو قبيس ) جبل بمكة قال أبو الفتح البستى (1/250)
( عصا السلطان فابتدرت إليه ... جنود يقلعون أبا قبيس )
345 - ( أبو ضوطرى ) إذا سبت العرب إنسانا قالت له أبو ضوطرى وابو حباحب وأبو جخادب وأنشد
( أبا ضوطرى جدعا بأنفك كلما ... تشبهت بالسادات والكبراء )
346 - ( ابو ليلى ) كنية لمن يحمق وكذلك ابو أدراص وقالوا أبو دفار كما قالوا فى الكنية الأولى أبو مرة وهما عن العرب
347 - ( أبو أيوب ) كنية الجمل وكذلك أبو صفوان قال ابن الرومى وهو يهجو أبا أيوب سليمان بن عبد الله بن طاهر
( يا أبا أيوب هذى كنية ... من كنى الأنعام قدما لم تزل )
( ولقد وفق من كناكها ... وأصاب الحق فيها وعدل )
( قد قضى قول لبيد بيننا ... إنما يجزى الفتى ليس الجمل )
348 - ( ابو الأخطل ) كنية البغل وكذلك أبو قموص وقدمت بغلة إلى أعرابية لتركبها فقالت لعلها أبو حبوص بغلة شحذوذ أو كما يكنى به قموص والشحذوذ السئ الخلق والحبوص الشديد العدو
349 - ( أبو زياد ) كنية الحمار وكذلك أبو نافع قال الشاعر وهو يهجو زياد بن أبى زياد
( زياد لست أدرى من أبوه ... ولكن الحمار ابو زياد ) (1/251)
وأبو زياد كنية الذكر أيضا قال الشاعر
( تحاول أن تقيم ابا زياد ... ودون قيامه شيب الغراب )
350 - ( أبو جعدة ) كنية الذئب قال عبيد بن الأبرص
( هى الخمر لا شك تكنى الطلا ... كما الذئب يكنى أبا جعدة )
يضرب مثلا لمن يبر باللسان وهو يريد لصاحبه الغوائل ومعنى البيت أن الذئب وإن كان له كنية حسنة فإن فعله قبيح وفى الحديث إن عبد الله بن الزبير سئل عن المتعة فقال الذئب يكنى ابا جعدة يريد ان أبا جعدة كنية حسنة للذئب وهو خبيث كذلك المتعة تحسن باسم التزويج وهى فاسدة وقال ابن شبرمة
( يا خليلى إنما الخمر ذئب ... وابو جعدة الطلاء المريب )
( ونبيذ الزبيب ما اشتد منه ... فهو للخمر والطلاء نسيب )
351 - ( أبو خالد ) كنية الكلب قال ابن الرومى
( أخالد لا تكذب ولست بخالد ... هنالك بل أنت المكنى بخالد )
( وللكلب خير منك ولؤمك شاهد ... عليك وما دهرى بإبعاد شاهد )
وهذه قطعة مما اخترته من هذه الكنى بعد أن الغيت منها الكثير بعضها عن العرب وبعضها عن المولدين والصوفية
الفرس أبو المضاء وكذلك ابو طالب (1/252)
الفيل ابو الحجاج وبه يكنى فى بلاد الهند وكانت كنية الفيل الذى جاءت به الحبشة إلى مكة ابا العباس واسمه محمود
الأسد ابو الحارث
الثعلب أبو الحصين
القرد أبو زنة وأبو قيس
الفهد أبو الوثاب
الأرنب أبو نبهان
السنور أبو خداش
الديك أبو يقظان
الماء أبو غياث
السفرة أبو رجاء
الخوان أبو جامع وأبو الخير
الرقاق أبو حبيب
الثريد أبو رزين
البقل ابو جميل
الخل أبو نافع
الجوذاب أبو الفرج
الجبن أبو مسافر
اللحم أبو الخصيب
الخبيص ابو الطيب
التمر أبو عون (1/253)
الحلوى أبو ناجع
الفالوذج أبو سائغ
السكباج أبو عاصم
اللبن أبو الأبيض
الشراب ابو المهنأ
النقل أبو بشر
البربط أبو الشهى
المزمار أبو الصخب
الطنبور أبو اللهو
الغناء أبو شائق
النوم أبو راحة
الشبع أبو الأمن
النكاح أبو الحركة
الحمام ابو نظيف (1/254)
الفصل الثانى فى الأمهات
أم الكتاب
أم القرى
أم النجوم
أم المؤمنين
أم الحروف
أم دفر
أم الرأس
أم الطعام
أم سويد
أم عامر
أم حبين
أم عوف
أم طلحة
أم ملدم
أم المنايا
أم قشعم
أم طبق
أم الخل
أم الصبيان
أم عبيد
أم غيلان
أم الجود
أم الصدق
الاستشهاد
352 - ( أم الكتاب ) جاء فى بعض الأحاديث أن أم الكتاب هى فاتحة الكتاب لأنها هى المقدمة أمام كل سورة تقرأ فى الصلاة وهى أول القرآن ولقد ألغز الشاعر فيها فقال
( وأم لم تلد ولدا وليست ... بأم الرأس يعرفها اللبيب )
وأما قول الله عز و جل ( وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) فهو ما فى اللوح المحفوظ والله أعلم
353 - ( أم القرى ) أما فى جزيرة العرب فهى مكة وأم كل أرض أعظم بلدانها وأكثرها أهلا كالبصرة فإنها تسمى أم العراق ومرو فإنها كانت تسمى أم خراسان ويقال فى كل قرية من أمهات القرى إذا كانت كبيرة كثيرة الأهل وأم كل شئ أصله ومنه قيل للنبى أمى لأنه نسب إلى أم القرى وهى مكة ويقال بل نسب إلى العرب أى أصلهم وكانوا لا يقرءون ولا يكتبون فقيل لكل من لا يقرأ ولا يكتب أمى (1/255)
354 - ( أم القرى ) هى النار لأن من أوصافها ما قال صاحب ذات الحلل
( لا بد منها فى الشتا والصيف ... لا سيما عند نزول الضيف )
وأنشدنى أبو طالب المأمونى فى وصف النار
( أم القرى عندك أم يوح ... فقد سرى بنورها اللوح )
( أم ذات قرط ذهبى بدا ... ينيرها فى الجو تلويح )
( فإننى إخالها فى دنها ... جسم لها وهى له روح )
( كأنها الشمس وما نفضت ... من شرر عنها المصابيح )
355 - أم النجوم هي المجرة ويقال بل هي السماء قال تأبط شرا
( يرى الوحشة الأنس الأنيس ويهتدي ... بحيث اهتدت أم النجوم الشوابك )
356 - ( أم المؤمنين ) هى عائشة رضى الله عنها وكل واحدة من أزواج النبى أم المؤمنين لقول الله عز اسمه ( النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ) ويرى ان أم أوفى العبدية دخلت على عائشة رضى الله عنها فقالت لها يا أم المؤمنين ما تقولين فى امرأة قتلت ابنا لها صغيرا فقالت قد استحقت النار قالت إنه أصغر مما تظنين قالت قد استوجبت النار قالت فما تقولين فى امرأة قتلت من ابنائها الكبار ألوفا تعرض بيوم الجمل فقالت خذوا بيد عدوة الله (1/256)
357 - ( أم الحروف ) سمى النحويون حروف المد واللين أم الحروف وأمهات الأفعال عندهم فعل وجعل وأنشأ وأقبل والله أعلم
358 - ( أم دفر ) كنية الدنيا قال ابن الرومى فى أبى الصقر
( لم تظلم الدنيا بأم دفر ... إذ أنت فيها من ولاة الأمر )
وأم خنور أيضا كنية الدنيا وهى من كنى الضبع فكأن الدنيا شبهت بها لفسادها وأهل الكوفة يقولونه على وزن قيوم وسفود وأهل البصرة يقولونه على وزن عجول قال المبرد وكلاهما فصيح
ولما قال عبد الملك بن مروان وقد تمكنا من أم خنور يعنى الدنيا ونعمتها وغضارتها لم يعش بعد قوله هذا إلا أسبوعا
359 - ( أم الرأس ) هى أعلى الهامة وموضع الدماغ من الرأس وما أحاط به قال أبو الطيب المتنبى يصف القلم
( نحيف الشوى يعدو على أم رأسه ... ويخفى فيقوى عدوه حين يقطع )
360 - ( أم الطعام ) هى الحنطة لأن لها فضلا على سائر الحبوب ومن أبيات كتاب الحماسة
( ربيته وهو مثل الفرخ أطعمه ... أم الطعام ترى فى جلده زغبا )
أى أطعمه أفضل الأطعمة ويروى أعظمه أم الطعام يقول أعظم شئ فى جسده بطنه وأم الطعام البطن أيضا (1/257)
361 - ( أم سويد ) كنية الاست وكذلك أم سكين وأم تسعين وسئل ابن الأعرابى عن هذا البيت
( أبى علماء الناس لا يخبروننى ... بناطقة خرساء مسواكها حجر ) فقال هى ما علمت أم سويد يعنى الاست
362 - ( أم عامر ) هى الضبع يقال لها خامرى أم عامر قال الشاعر
( ومن يصنع المعروف فى غير أهله ... يلاقى الذى لاقى مجير أم عامر )
فقال آخر
( يا أم عمرو أبشرى بالبشرى ... موت ذريع وجراد عظلى )
أراد يقول يا أم عامر فلم يستقم له
363 - ( أم حبين ) هى دويبة على قدر كف الإنسان تأكل الأعراب ما دب ودرج سواها ولذلك قال فيها من قال
( لتهنئن ام حبين العافية )
364 - ( أم عوف ) هى الجرادة وكانت فى لسان زياد الأعجم لكنة لا يقيم معها الراء فألقى عليه بعض الشعراء هذا البيت
( فما صفرا تكنى أم عوف ... كأن حبالتيها منجلان ) (1/258)
فأجابه على البديهة
( عنيت جرادة وأظن ظنا ... بأنك إنما تبلو لسانى )
365 - ( أم طلحة ) هى القملة وزعموا أن أعرابيا كان يأكل مع بعض الأمراء فدبت قملة على عنقه فاخذها وقصعها فقيل له ما فعلت قال له لم يبق من أم طلحة إلا خرشاؤها أى جلدها المنسلخ
366 - ( أم ملدم ) هى الحمى وفى رقيتها إلى أم ملدم التى تأكل اللحم وتشرب الدم قال أصحاب الاشتقاق هى مأخوذة من اللدم وهو ضرب الوجه حتى يحمر وقال بعضهم ملذم بالذال المعجمة من قولهم لذم به إذا لزمه
367 - ( أم المنايا ) كناية عن معظم المنية قال الشاعر
( لأم المنايا علينا طريق ... وللدهر فينا أتساع وضيق )
وجعل بعضهم الدواة أم العطايا وأم المنايا فقال
( قد بعثنا إليك ام العطايا ... والمنايا زنجية الأحساب )
( فى حشاها من غير حرب حراب ... هن أمضى من مرهفات الحراب )
( لا كفاء لها ولا لك والله ... كفاء فى سادة الكتاب )
وقال بعضهم فى الدواة
( قد فتحت فاها وقالت لنا ... من مسه الفقر فإنى دواه )
وأم كل شئ معظمه قال ابن عنمة (1/259)
( لأم الأرض ويل ما أجنت ... بحيث اضر بالحسن السبيل )
368 - ( أم قشعم ) هى المنية والحرب والداهية الكبيرة والحرب أراد زهير في قوله
( لدى حيث ألقت رحلها أم قشعم ) ويقال للحرب أيضا ام قسطل
369 - ( أم طبق ) هى الداهية الكبيرة قال الأصمعى اول من نعى المنصور بالبصرة خلف الأحمر وكنا فى حلقة يونس فجاء خلف الأحمر فسلم ولم يكن الخبر فشا ثم قال
( قد طرقت ببكرها أم طبق ... )
فقال يونس وما ذاك يا أبا محرز فقال
( فنتجوها خبرا ضخم العنق )
فقال لم ادر بعد فقال
( موت الإمام فلقة من الفلق ... )
فارتفعت الضجة بالبكاء والاسترجاع
ومن كنى الدواهى أم حبوكر ومن كناها أم الربيق تقول العرب جاءت أم الربيق على أريق قال الأصمعى تزعم العرب أنه من قول رجل رأى الغول على جمل اورق
ومن كنى الدواهى أم خنشفير وأم ادراص يقال وقعوا فى أم (1/260)
أدراص اى فى موضع استحكام ام البلايا لأن ام أدراص جحرة للفأر لا يتخلص منها إذا ارتطم فيها إلا بعد جهد فأما أم الدهيم وأم اللهيم فكنيتان من كنى المنية
370 - ( أم الخل ) هى الخمر لأن الخل منها يستحيل وأول من كنى الخمر أم الخل مرداس بن خداش حيث قال
( رميت بأم الخل حبة قلبه ... فلم يستفق منها ثلاث ليال )
371 - ( أم الصبيان ) هى ريح تعترى الصبيان وشئ يفزع به الصبيان قال ابن الرومى
( شيخ إذا علم الصبيان أفزعهم ... كأنه أم غيلان وصبيان )
372 - ( أم عبيد ) هى المفازة أنشد ابو عبيدة
( بئس قرينا يفن هالك ... أم عبيد وأبو مالك )
373 - ( أم غيلان ) شجرة كثيرة الشوك بالبادية قال من تأذى بها وخرقت ثيابه
( يا أم غيلان لقيت شرا ... لقد فجعت مقترا مغبرا )
( يبر بيت الله فيمن برا ... لاقيت نجارا يجر جرا )
( بالفأس لا يبقى على ما اخضرا ... )
374 - ( أم الجود ) احسن كل الإحسان ابن الرومى فى قوله
( العرف غيث وهو منك مؤمل ... والبشر برق وهو منك مشيم ) (1/261)
( ألقحت أم الجود بعد حيالها ... ونتجت بنت المجد وهى عقيم )
375 - ( أم الصدق ) أنشدت للصاحب
( يا أبا القاسم قل لى ... لم لماذا لا تزور )
( كنت قد قدمت وعدا ... فإذن وعدك زور )
( ونحرت الود بالهجر ... كما تذكى الجزور )
( إن أم الصدق فى الود ... لمقلاة تزور )
صدر من هذه الكنى
أم شملة كنية الشمس لأنها تشمل الخلق بطلوعها
أم جابر كنية السنبلة
أم الندامة كنية العجلة
أم الفضائل كنية العلم
أم الرذائل كنية الجهل (1/262)
الفصل االثالث فى البنين
ابن الماء
ابن الليالى
ابن ذكاء
ابن الغمام
ابن جلاد
ابن خلاوة
ابن حبه
ابن النعامة
ابن داية
ابن آوى
ابن الأرض
ابن طاب
ابن السبيل
ابن الخصى
ابن طامر
ابن بجدتها
ابن الحرب
ابن الغمد
ابن ضل
ابن الدهر
ابنا عيان
ابنا شمام
ابنا سمير
بنو غبراء
أبناء الدهاليز
بنو الأيام
بنو الدنيا
الاستشهاد
376 - ( ابن الماء ) كل طائر يألف الماء فهو ابن الماء قال ذو الرمة
( وردت اعتسافا والثريا كأنها ... على قمة الرأس ابن ماء محلق )
وقال آخر
( وينذرنى بسطوته وأنى ... يخاف برودة الماء ابن ماء )
وقال أبو عيينة المهلبى
( يا عقاب الدجن فى الأمن ... وفى الخوف ابن ماء )
377 - ( ابن الليالى ) هو القمر قال نصيب
( بدأن بنا وابن الليالى كأنه ... حسام جلت عنه العيون صقيل )
( فما زلت افنى كل يوم شبابه ... إلى ان أتتك العيش وهو ضئيل )
وابن الليلة هو الهلال قال الشاعر
( كأن ابن ليلتها جانحا ... فسيط لدى الأفق من خنصر ) (1/263)
ويروى كأن ابن مزنتها معناه حين انقشعت عنه السحابة بدا كقلامة الظفر ومنه اخذ ابن المعتز قوله
( ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ... مثل القلامة قدقدت من الظفر )
وقال بعض العصريين
( وأرى الهلال ابن الثلاث مطرزا ... ثوب الدجى والجوفى زرق العصب )
( فكأنما فرس الأمير المرتجى ... ألقى بروض بنفسج نعل الذهب )
ومنه أخذ ابن حميدين
( كأنما أدهم الإظلال حين نجا ... من أشهب الصبح ألقى نعل حافره )
والعرب تقول لابن المفازات ابن الليل ولذلك قالت ام تأبط شرا وهى تندبه وابناه وابن الليل ليس بزميل
ويروى لعلى بن أبى طالب رضوان الله عليه
( ماذا يرينى الليل من أهواله ... أنا ابن عم الليل وابن خاله )
( إذا دجا دخلت فى سر باله ... )
378 - ( ابن ذكاء ) هو الصبح وابو ذكاء هو الشمس قال الراجز
( فوردت قبل انبلاج الفجر ... وابن ذكاء كامن فى كفر )
379 - ( ابن الغمام ) هو البرد وقد أحسن ابن الرومى فى قوله
( يدوى الرجال ويشفيهم بمبتسم ... كابن الغمام وريق كابنه العنب ) (1/264)
380 - ( ابن جلا ) هو الذى أمره منجل منكشف قال الشاعر
( أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ... متى أضع العمامة تعرفونى ) ومعناه أنا المشهور وينون أيضا فيقال ابن جلا قال الخارزنجى أى أنا المعروف أفتح عينيك حتى تبصرنى
381 - ( ابن خلاوة ) فى كلام العرب هو البرئ يقال أنا من هذا الأمر فالج بن خلاوة أى أنا منه ذو فلج وتخل
382 - ( ابن حبة ) هو الخبز يقال له جابر بن حبة قال بعض العصريين فى سنة قحط
( لما رأيت زمانا ... يفتر عن كل صعبة )
( والقحط فى أكله الناس ... بالذئاب تشبه )
( والحب قد عز حتى ... أنسى المحب الأحبة )
( فى حبه القلب منى ... زرعت حب ابن حبه )
383 - ( ابن نعامة ) هو المحجة وبنيات الطريق وصدر القدم وعرق تحت الأخمص وعظم الساق وكل ذلك عن الأئمة وينشد لعنترة العبسى وهو يخاطب امرأته
( إن الرجال لهم إليك وسيلة ... إن يأخذوك تكحلى وتخضبى )
( فيكون مركبك القعود ورحله ... وابن النعامة عند ذلك مركبى ) (1/265)
يقول إذا أسرت أركبت قعودا لموقعك من قلوب الرجال وإذا أنا أسرت ركبت قدمى
384 - ( ابن آوى ) يتمثل به من وجهين أحدهما ما قاله ابو نواس فى أن آوى يسمع به ولا يرى قال
( وما خبزه إلا كآوى يرى ابنه ... ولم ير آوى فى الحزون ولا السهل )
والآخر ما قاله الآخر فى صعوبة صيده ورخص ثمنه
( كابن آوى وهو صعب صيده ... فإذا صيد يساوى خردله )
وقال آخر
( إن ابن آوى لشديد المقتنص ... وهو إذا ما صيد ريح فى قفص )
385 - ( ابن دأية ) هو الغراب لأنه يقع على دأية البعير الدبر فينقرها وقيل
( ولما رأيت النسر غر ابن دأية ... وعشش فى وكريه جاشت له نفسى )
عنى بالنسر الشيب وبابن دأية الشباب
386 - ( ابن الأرض ) نبت يخرج فى رؤوس الآكام وله اصل ولا يطول وهو سريع الخروج سريع الهيج يضرب به المثل فى سرعة الإدراك والفناء
387 - ( ابن طاب ) جنس من تمور المدينة ويقول أهلها إذا وافق الهوى الصواب فاللبأ بابن طاب (1/266)
388 - ( ابن السبيل ) إذا اريد المحتار قيل ابن السبيل وقد نطق به القرآن
وقيل لأعرابى أين تحب ان يكون طعامك قال فى بطن أم طفل راضع وابن سبيل شاسع أو أسير جائع أو كبير كانع وإذا اريد ابن الزانية قيل ابن الطريق كما قال دعبل فى أبى سعيد المخزومى
( عدو راح فى ثوب الصديق ... شريك فى الصبوح وفى الغبوق )
( له وجهان ظاهره ابن عم ... وباطنه ابن زانية عتيق )
( يسرك ظاهرا ويسوء سرا ... كذاك يكون أبناء الطريق )
وأنشدت للفريانامى فى البرسخى وقد وقع الحريق فى داره
( اقول ولا شماتة فى الحريق ... أجيدى حرق دار ابن الطريق )
( فما أحرقت إلا ما حواه ... بمسألة وتدنيق وضيق )
وقولهم ابن عجل كناية عن اللقيط وعجل عجل قول الفاجرة تحت الفاجر تحثه على سرعة الفراغ
389 - ( ابن الخصى ) يضرب مثلا لما لا يجوز ان يكون كما قال أبو تمام
( وذاك له إذا العنقاء صارت ... مربية وشب ابن الخصى )
390 - ( ابن طامر ) يقال لمن لا يعرف طامر ابن طامر وهو (1/267)
البرغوث أيضا لطموره
391 - ( ابن بجدتها ) الهاء راجعة إلى الأرض يعنون العالم بها قال ابو الطيب المتنبى
( حتى أتى الدنيا ابن بجدتها ... فشكا إليه السهل والجبل )
ويحكى ان أعرابيا ضاف صديقا له فى الحضر فقدم إليه عصيدة تمر تنش حرارة فضرب بيده إليها فامتنعت عليه فقال بعد ما تأملها والله إنى لأعلم انك هشة المزدرد ولينة المسترط وإنك لتعلمين انى ابن بجدة بلادك فى أهلك وأنى أخاف ان العود إلى مثلك ستطول مدته ويتعذر وجوده فما يمنعنى ان أتلقى حرارتك ببلعوم سرطم وحلقوم لحجم وبطن أكبد وجوف ارحب ويقضى الله قضاءه بما أحببت او كرهت السرطم الذى يبلع كل شئ واللحجم اللهجم على التعاقب الواسع الجوف
392 - ( ابن الحرب ) هو الشجاع الذى تعود الحرب وألفها
وقرأت من فصل من رسالة للصاحب أبناء الحرب الذين ذاقوا كئوسها حلوة ومرة والتحفوا لباسها مرة بعد مرة
393 - ( ابن ضل ) تقول العرب لمن لا يدرى من هو ومن أبوه ضل ابن ضل وقل ابن قل ويقولون للمفلس صلمعه ابن قلمعه قال أبو سعيد هو كقولك الأحد ابن الأحد (1/268)
394 - ( ابن الغمد ) هو السيف لطول ملازمته إياه وقراره فيه قال الشاعر
( كأنى وابن الغمد والطرف أنجم ... على قصدها والنجم يسرى على قصدى )
395 - ( ابن الدهر ) هو النهار ومنه قول ابن الرومى
( وما الدهر إلا كابنه فيه بكرة ... وهاجره مسمومة الجو قاتله )
396 - ( ابنا عيان ) ضرب من الزجر وهو أن يخط الناظر فى أمر بإصبعه ثم بإصبع أخرى ويقول ابنا عيان أسرعا البيان ثم يخبر بما يرى وهو مشتق من قولك أريانى ما أريد عيانا
وهذه معنى قول ذى الرمة
( عشية مالى حيلة غير أننى ... بلقط الحصى والخط فى الدار مولع )
397 - ( ابنا شمام ) هما هضبتان فى أصل جبل يقال له شمام يضرب بهما المثل فى الأقتران والاصطحاب قال الشاعر
( فهل حدثت عن اخوين داما ... على الأيام ألا ابنى شمام )
398 - ( ابنا سمير ) العرب تقول لا أفعل ذلك ما سمر ابنا سمير وهما الليل والنهار وقيل الغداة والعشى قال ابن الرومى
( لابنى سمير صروف غير غافلة ... يحسن نقضا كما يحسن إمرارا ) (1/269)
399 - ( بنو الأيام ) هم أهل العصر قال المطرانى من قصيدة يرثى بها أبا القاسم الإسكافى ويخاطب الدهر
( ما كان ضرك لو ابقيت ذا أدب ... ألقيت إليه بنو أيامك السلما )
( أعدمت من لست منه موجدا بدلا ... ماكررت يدك الواجدان والعدما )
400 - ( بنو الدنيا ) هم الناس وقيل لعلى بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أما ترى حب الناس للدنيا فقال هم بنوها
وسمعت الخوارزمى يقول أحسن ما قيل فى مدح النساء قول الشاعر
( ونحن بنو الدنيا وهن بناتها ... وعيش بنى الدنيا لقاء بناتها )
وأبلغ ما قيل فى ذمهن قول الآخر
( إن النساء شياطين خلقن لنا ... فكلنا يتقى شر الشياطين )
على أنه نقض قول من قال
( إن النساء رياحين خلقن لنا ... فكلنا يشتهى شم الرياحين )
401 - ( بنو غبراء ) هم اللصوص والصعاليك المهتدون فى مجاهل الأرض والعاملون بطرقها وقيل بل هم الفقراء اللاصقون بالغبراء من سوء الحال على غير غطاء ولا وطاء بن قال طرفة العبد
( رأيت بنى غبراء لا ينكروننى ... ولا أهل هذاك الطراف الممدد ) يقول انا معروف عند الأخيار والأشرار وعند اللئام والكرام
402 - ( أبناء الدهاليز ) كناية عن الأنذال الأندال أبناء الزوانى قال ابن بسام (1/270)
( يا بن الدهاليز وأبناء السكك ... ويا بن عجل لا يجى زوجى يرك )
( يا بن الزنا ودك لا شريك لك ... وابن البغايا والفراش المشترك )
( ويا بن من لونومت فوق السك ... تحت الزناة وجدته كالفنك )
403 - ( أبناء درزة ) كناية عن السفل والسقاط ويقال لهم أولاد درزة قال المبرد هم خياطون من أهل الكوفة خرجوا مع زيد بن على
وقال بعض الشراة وهو حبيب بن جدرة الهلالى
( أأبا حسين لو شراة عصابة ... علقتك كان لوردهم إصدار )
( أأبا حسين والأمور إلى مدى ... أبناء درزة أسلموك وطاروا )
الفصل الرابع فى البنات
ابنة الجبل
ابنة الرم
بنت المنية
بنت الفكر
بنت المطر
بنت نارين
بنات الدهر
بنات المنايا
بنات البطون
بنات الليل
بنات الصدر
بنات الماء
بنات الفلا
بنات بخر
بنات وردان
بنات الخدود
بنات التنانير
بنات اللهو
بنات العين
بنات الأرض
بنات الطريق
الاستشهاد
404 - ( ابنة الجبل ) من أمثال العرب هو ابنة الجبل ومعناه الصدى يجيب المتكلم بين الجبال يقول هو مع كل صوت ما أن الصدى يجيب كل ذى صوت بمثل كلامه ويقال كبنت الجبل مهما تقل تقل
ويقال أن أبنة الجبل الحية أيضا وقال أبو عبيدة إذا اشتد الأمر قيل صمى صمام وصمى ابنة الجبل
قال امرؤ القيس
( بدلت من وائل وكندة عدوان ... وان وفهما صمى ابنة الجبل )
أراد حية لا تجيب الراقى فشبه الحرب التى لا يقبل فيها الصل بهذه الحية
405 - ( ابنة الكرم ) هى الخمر قال أبو نواس
( صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاك لابنة الكرم )
وقال آخر
( بنات الكروم تسلى الهموم ... وتحيى السرور وتنفى العدم )
ويقال لها أيضا أبنة العنقود قال أبو الفتح كشاجم
( حبى الحمدكان اكثر اسباب ... وذهابى بطارفى وتليدى )
( واعتياضى من الغنى بالغوانى ... واعتقادى هوى ابنة العنقود )
وقد ظرف الصنوبري فى قوله وهو يصف الديك
( مغرد الليل ما يألوك تغريدا ... مل الكرى فهو يدعو الفتية الصيدا )
( مذكرا بابنة العنقود حين حكت ... له الثريا قبيل الصب عنقودا )
وأحسن من هذا كله قول أبو محمد الفياضنى
( نحن الشهود وخفق العود خاطبنا ... نزوج ابن سحاب بنت عنقود ) (1/271)
ويقال أن أبنة الجبل الحية أيضا وقال أبو عبيدة إذا اشتد الأمر قيل صمى صمام وصمى ابنة الجبل
قال امرؤ القيس
( بدلت من وائل وكندة عدوان ... وان وفهما صمى ابنة الجبل )
أراد حية لا تجيب الراقى فشبه الحرب التى لا يقبل فيها الصلح بهذه الحية
405 - ( ابنة الكرم ) هى الخمر قال أبو نواس
( صفة الطلول بلاغة القدم ... فاجعل صفاتك لابنة الكرم )
وقال آخر
( بنات الكروم تسلى الهموم ... وتحيى السرور وتنفى العدم )
( وتبسط بالجود كف البخيل ... وتذهب من حشمة المحتشم )
ويقال لها أيضا أبنة العنقود قال أبو الفتح كشاجم
( حبى الحمدكان اكثر اسباب ... وذهابى بطارفى وتليدى )
( واعتياضى من الغنى بالغوانى ... واعتقادى هوى ابنة العنقود )
وقد ظرف الصنوبري فى قوله وهو يصف الديك
( مغرد الليل ما يألوك تغريدا ... مل الكرى فهو يدعو الفتية الصيدا )
( مذكرا بابنة العنقود حين حكت ... له الثريا قبيل الصبح عنقودا )
وأحسن من هذا كله قول أبو محمد الفياضنى
( نحن الشهود وخفق العود خاطبنا ... نزوج ابن سحاب بنت عنقود ) (1/272)
وليس بالبارد قول الآخر وهو متنازع فيه
( ما لابن هم سوى شرب ابنة العنب ... فهاتها قهوة فراجة الكرب )
406 - ( بنت المنية ) هى الحمى ويقال إن ابلغ ما قيل فى وصفها قول عبد الصمد بن المعذل من قصيدة أولها
( هجرت الهوى أيما هجرة ... وعفت الغوانى والخمرة )
( لوتنى عن وصلها سكرة ... بكاس الضنا بعدها سكره )
( وبنت المنية تنتابنى ... هدوا وتطرقنى سحرة )
( إذا وردت لم يزع وردها ... عن القلب حجب ولا سترة )
( لها قدرة فى جسوم الأنام ... حباها بها الله ذو القدرة )
( فقد سلبت أعظمى نحضها ... ولم تترك من دمى قطرة ) وهى طويلة لا يسقط منها بيت
وله أيضا من قصيدة ضادية
( بنت المنية بى موكلة ... عقب النهار كمقتض قرضا )
( ألفت وفاء ليس تسأمه ... فترى مواصلتى به فرضا )
( عرقت بنافضها وصالبها ... لحمى ورضت أعظمى رضا )
( ولو أنها ترمى بشكتها ... نيقا اشم لذاب وارفضا )
ولم يزل شعر ابن المعذل أمير ما قيل فى الحمى حتى جاءت ميمية أبى الطيب فأربت عليه وقد جعلها بنت الدهر فى قوله
( أبنت الدهر عندى كل بنت
فكيف وصلت أنت من الزحام ) (1/273)
يقول عندى كل حادثة من حوادث الدهر ونوائبه فكيف خلصت إلى جسمى من زحمة النوائب
ولبعض أهل العصر
( سئمت العيش حين رأيت ... صرف الدهر يرهقنى )
( صعودا والصعود إليه ... يعجزنى فيقلقنى )
( وبنت الموت بالآلام ... والأوجاع تطرقنى )
( تؤرقنى تحرقنى ... تعرقنى تغرقنى )
407 - ( بنت الفكر ) هى الرأى والشعر قال بعض العصريين
( ودونك البكر بنت الفكر قد برزت ... من خدرها تخدم الأستاذ سيدنا )
408 - ( بنت المطر ) قال حمزة الأصبهانى هى دويبة حمراء ترى غب المطر والعرب تضرب بها المثل فتقول أشد حمرة من بنت المطر
409 - ( بنت نارين ) هى المرقة المسخنة لأنها قد عرضت على نارين وكان بعض المترفين يقول جنبوا مائدتى بنت نارين
وأنشدنى أبوطالب المأمونى لنفسه قصيدة فى وصف مائدة تجمع أطايب الطعام وبدائع الألوان فمنها
( لم يرض طاهيها بنقص ولا ... شقق فى شئ ولا موه )
( لا ابنة نارين أرانا ولا ... مصنوعة بالرفع مأسوه )
410 - ( بنات الدهر ) حوادثه ومصائبه قال الشاعر (1/274)
( ألا ما لبنات الدهر ... ترمينى ولا أرمى )
وقال آخر
( رمتنى بنات الدهر من حيث لا أرى ... فكيف بمن يرمى وليس برام )
وقاال آخر
( نكحت بنات الدهر من غير خطبة ... فما برحت حتى سلبن سواديا )
والأخطل أراد ببنات الدهر الليالى والأيام فى قوله
( وما تبقى على الأيام إلا ... بنات الدهر والكلم العقور )
وأراد بالليالى والأيام والكلم العقور الهجاء الموجع وأحسن البحترى فى قوله
( متى ما نسبت الحادثات وجدتها ... بنات زمان أرصدت لبنيه )
411 - ( بنات المنايا ) هى السهام قال ابن الرومى فى وصف الأتراك
( لهم عدة تكفيهم كل عدة ... بنات المنايا والقسى الموتر )
412 - ( بنات البطون ) هى الأمعاء يقال للجائع سكن بنات بطنك إذا أمر بالأكل
413 - ( بنات الليل ) هى الأحلام ويقال أيضا هى النساء ويقال بنات الليل أهواله ويقال هى المنايا وبكلها جاء الشعر
414 - ( بنات الصدر ) هى ما يضمره الإنسان من الخير والشر وقال الشاعر (1/275)
( أخو ثقة يسر بحسن حالى ... وإن لم تدنه منى قرابه )
( أحب إلى من ألفى قريب ... بنات صدورهم لى مسترابه )
وقد ظرف من قال
( بنفسى من هواه أخى وتربى ... له حبى رضيع بنات قلبى )
وللصاحب من رسالة زوج بنات صدرك من بنى علمى وأفرغ صوب عقلك فى قمع أذنى
415 - ( بنات الماء ) هى ما يألف الماء من السمك والطير والضفادع وقد أحسن سيدوك الواسطى فى قوله
( أراح الله نفسى من فؤاد ... أقام على اللجاجة والخلاف )
( ومن مملوكة ملكت رقاها ... ذوى الألباب بالخدع اللطاف )
( كأن جوانحى شوقا إليها ... بنات الماء ترقص فى جفاف )
وجعل ابن االرومى السمك بنات دجلة فى قوله
( وبنات دجلة فى بيوتكم ... مأسورة فى كل معترك )
416 - ( بنات الفلا ) هى الإبل يقطع بها الفلا قال الشاعر
( إليك أمين الله جابت بنا الفلا ... بنات الفلا فى كل بر وفدفد ) فأما بنات القفر فالوحش
417 - ( بنات بخر ) سحائب تنشأ من بخار البحر فتجوز إلى البر وبنات بحر سحائب لا تجوز إلى البر ولذلك قيل بنات بخر خير من بنات بحر (1/276)
418 - ( بنات وردان ) هى دويبات تلزم الكنف وأنشد الصاحب ليلة فى مجلس قد تأذى فيه بر ائحة كريهة
( فما عدمنا من الكنيف كما ... قعدت إلا بنات وردان )
419 - ( بنات الخدور ) هى العذارى ويقال لهن أيضا بنات الحجال
420 - ( بنات التنانير ) هى الرغفان وقيل لأعرابى قدم الحضر فأضافه بعض المياسير اين كنت اليوم وبم اشتغلت فقال كنت والله عند كريم خطير أطعمنى بنات التنانير وأمهات الأبازير وحلواء الطناجير ثم سقانى رعناء القوارير من يد غزال غرير
421 - ( بنات اللهو ) وهى الأوتار قال البحترى
( تلقينا الشتاء به وزرنا ... بنات اللهو إذ قرب المزار )
وقال ابن الرومى
( يهنيك أن الفطر حين أتى ... نشر السرور به من الرمس )
( نطقت بنات اللهو فيه معا ... من بعد بعد الصوت والهمس )
422 - ( بنات العين ) هى الدموع قال ابن الرومى يرثى الشباب
( تذكرته والشيب قد حال دونه ... فظلت بنات العين منى تحدر )
423 - ( بنات الأرض ) هى الأجواف التى تحتجب عنك وقيل (1/277)
بل عروق الأرض يقطر منها الماء ويصير إليها الوحش فى القيظ فيترشفها ويقتصر عليها دون ورود الماء قال ثعلب بنات الأرض هى الأنهار الصغار
424 - ( بنيات الطريق ) هى الصعاب والمعاسف يقال للرجل إذا وعظ الزم الجادة ودع بنيات الطريق
وقال محمود الوراق
( تنكب بنيات الطريق وجورها ... فإنك فى الدنيا غريب مسافر ) (1/278)
الباب التاسع عشر فيماا يضاف إلى الأذواء والذوات
أذواء اليمن
ذو الأوتاد
ذو القرنين
ذو الكفل
ذو النورين
ذو الشهادتين
ذو العينين
ذو الرأى
ذو اليدين
ذو السيفين
ذو المشهرة
ذو النور
ذو العمامة
ذو اليد
ذو اليمين
ذو الثفنات
ذو القلمين
ذو الرياستين
ذو الوزارتين
ذو الكفايتين
ذات النحيين
ذات النطاقين
ذات الخمار
ذات الأنواط
الاستشهاد
425 - ( أذواء اليمن ) هم ملوكها وإياهم عنى أبو نواس بقوله
( ودان أذواؤنا البرية من ... معترها رغبة وراهبها )
فمنهم ذو شناتر ولم يكن من أهل الملك ولكنه من أبناء المقاول وكان فظا غليظ القلب وكان مع ذلك لا يسمع بغلام ينشأ من أبناء المقاول إلا وبعث إليه واستحضره فبعث به وأفسده ويقال إنه بعث إلى غلام منهم يقال له ذو نواس لأنه كانت له ذؤابتان تنوسان على عاتقيه وبهما سمى ذا نواس فأدخل عليه ومعه سكين لطيفة قد خبأها فلما دنا منه وعلم أنه يريد منه الفاحشة شق بها بطنه واحتز رأسه فلما بلغ حمير ما فعل ذو نواس قالوا ما نرى أحدا أحق بالملك ممن أراحنا منه فملكوا ذا نواس وهو صاحب الأخدود الذى ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز وهو الذى لما تهود تهود معه أمم من الناس (1/279)
ومنهم ذو المنار وقيل له ذو المنار لأنه أول من ضرب المنار على طرقه فى غزواته ليهتدى بها فى مرجعه
ومنهم ذو رعين يضرب به المثل فى النعمة كما قال العلوى الحمانى
( ويوم قد ظللت قرير عين ... به فى مثل نعمة ذى رعين )
( تفكهنى أحاديث الندامى ... وتطربنى مثقفة اليدين )
( فلولا خوف ما تجنى الليالى ... قبضت على الفتوة باليدين )
ومنهم ذو مرحب سمى بذلك لأنه كان يرحب به كل من رآه وكان رحب الصدر والباع هشا بشا
ومنهم ذو بزن وابنه سيف الذى انتزع الملك من الحبشة وقد تمثل به من قال لعبد الله بن طاهر
( اشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا ... بشاء مهر ودع غمدان لليمن )
( وأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن على وابن ذى يزن )
426 - ( ذو الأوتاد ) هو من ذكره الله تعالى فى كتابه العزيز وكان يأمر بمن يغضب عليه فيوتد فى الأرض بأربعة أوتاد وهو أول من سن ذلك
427 - ( ذو القرنين ) قال الجاحظ فى كتاب التدوير والتربيع ولقد سألت عن ذى القرنين أهو الإسكندر ومن أبوه ومن قيرى ومن عيرى فقال القاضى أبو الحسن على بن عبد العزيز الجرجانى فى الجواب عن ذلك وشرحه قال أكثر من بحث عن سالف الأمور وتصفح ما حدث (1/280)
منها من متقادم العصور أن التسمية بذى القرنين لا تعرف فى غير هذه اللغة ولا يوجد منها علم إلا عند هذه الأمة ومتى سمعنا غيرهم ينطق بها ووجدنا بعض الأمم يذكرها فبحثنا عن أصلها ومأخذها وسألناهم عن معناها وتأويلها اصبناها راجعة إليهم وأحلنا فى الإسناد عليهم
قالوا ولم نعثر على كثرة التفتيش والتكشيف وشدة الطلب والتنقير من ملوك الأمم وأولياء الدول وقادة الجيوش وساسة الجنود ممن ارتفع فشهر أو خمل فغمر بمن لزمه هذا الأسم أو حصل له معناه أو استحقه بلازم خلقه أو مستجد صفة فأما نحن فقد وجدنا فى التواريخ القديمة المأخوذة عن السريانية واليونانية أن ضاميرس وهو الثالث من ملوك بابل خرج عليه أطر كركسى فحاربه وظفر به فقتله ونزع قرنى رأسه فجعلها إكليلا يلبسه فسمى ذا القرنين فهذا كما تراه تسمية مأخوذة من الأمم السالفة منقولة عن تلك اللغة إلى هذه
على أن العرب قد سمت بها من ملوكهم نفرا وخصت بها هذا الملك السائح الذى ورد القرآن بذكره واجتمعت الإنس على تفخيم قدره وسنذكر ما حفظناه فى سبب هذه التسمية وتستوفى ما عندنا فى صاحبها وما انتهى إلينا فى حقيقة المسمى بها ونقول فيه على تفصيل الاختلاف والتمييز بين تلك الأقوال قولا إن لم يكن شافيا فعساه أن يكون كافيا وما علينا إلا الجهد وفوق كل ذى علم عليم
قال الله تعالى ( ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا ) الآية المتضمنة خبره فوصف هذه الجملة من أحواله فى تقلبه وانتقاله ومنتهى مسيره فى الشرق ظاعنا وغاية مبلغه من الغرب واغلا ودل على عظم ملكه وشدة وطئته وعلو كلمته وانبساط قدرته بما عد من آثاره وقص علينا من أخباره وأكد ذلك وحققه بقوله تعالى ( إنا مكنا له فى الأرض وآتيناه من كل شئ سبببا ) (1/281)
وحسبك بمن شهد الله له بالتمكين والاقتدار وناهيك بمن آتاه الله جوامع الأسباب ووطأ له أباعد الأقطار
وقد روى فى تفسير هذه الآية أن المشركين من قريش أوفدوا وفدا إلى يهود يثرب يستمدونهم مسائل يمتحنون بها النبى واعتمدوا من المسائل على قصص الأنبياء وأخبار الملوك لعلمهم بأنه لاحظ للعقل والذكاء وحدة الفطنة وقوة الفكر وتمثيل الاعتبار والمقايسة وإنعام النظر والتأمل فى استدراك خبر تقدم زمانه بساعة بل سبق وقته بلحظة وإنما هى أمور تؤخذ رواية وسماعا وتدرك قراءة وكتابة وقد رأوه ولد بمكة فى أمة أمية وبين قبائل جاهلية فعرفوه طفلا رضيعا وناشئا ويافعا وشاهدوه غلاما ومجتمعا وكهلا ومحتنكا يدرج بين ابياتهم ويتصرف نصب ألحاظهم ويتكلم بما عرفوه من ألفاظهم وأن هذه أحوال تحجز بينه وبين التهمة وتباعده عن مواقع الظنة وتحقق عند من له من العقل بلغة وفيه من التحصيل مسكة أنه عرف ذلك على حقه وأخبر عما علمت الرواة من غيبه فإنما تلقاه عن الله وحيا أو ألقاه الملك فى ورعه نفثا وذلك علامة النبوة التى لا تجهل وأمارة الرسالة التى لا تنكر فزودتهم يهود يثرب بمسائل منها خبر رجل صار مشرقا حتى بلغ مطلع الشمس حيث تبزغ وتوجه مغربا حتى بلغ مغربها حيث تجب وتسقط هكذا ذكره الرواة وإنما المراد بها منتهى العمارة من طرفى الأرض
وسألوه عن قصة يوسف وعن فتية أووا إلى كهف فاميتوا ثم أحيوا فأتاه الجواب من قبل الله تعالى فى كل ذلك بما أقام به علم صدقه ورد الكائد بأخيب ظنه (1/282)
وقد روى المفسرون والقصاص فى تأويل هذه الآيات أخبارا لم نجد فى نقلها طائلا إذ كانت النفس لا تثق بخبرهم ولا تسكن إلى صحة نقلهم وكان اختلافهم يدل على اختلاطهم وهىعلى ذلك مشهورة يمكن أخذها عن قرب وقد روى المحدثون عن النبى أنه قال ( لا أدرى أذو القرنين كان نبيا أم لا ) \ ح \
ورووا عنه أنه ملك الأرض أربعة مؤمنان وكافران فأما المؤمنان فسليمان وذو القرنين وأما الكافران فنمرود وبخت نصر
ورووا عن على وقد سئل عن ذى القرنين فقال ذلك الملك الأمرط بلغ قرن الشمس من مطلعها وقرنها من مغربها
وعن عمر رضى الله عنه أنه سمع رجلا ينادى يا ذا القرنين فقال فرعتم من أسماء الأنبياء وارتفعتم إلى أسماء الملائكة فتناوله قوم وزعموا ان ذا القرنين كان من نتاج ما بين الملائكة والإنس وأن أباه عبرى ملك أهبط إلى الأرض فسلخ جناحه وأعيد فى صورة ولد ابن آدم فنكح امرأة من الآدميات تدعى قيرى فأولدها ذا القرنين وقد أدعوا مثل ذلك فى هاروت وماروت وأبى جرهم وهى من حماقات العوام غير مستنكر
وروى عن الحسن أنه قال كان له غديرتان من شعر وعليهما سمى ذا القرنين
وعن محمد بن على بن الحسين رضى الله عنهم أنه قال الأنبياء الملوك أربعة يوسف ملك مصر وداود وسليمان ملكا ما بين الشام إلى إصطخر وذو القرنين ملك ما بين المغرب والمشرق (1/283)
وروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال حج ذو القرنين فلقى إبراهيم وهذا يدل على تقادم عهده
وقد روى من جهات كثيرة أن ذا القرنين كان فى زمن إبراهيم عليه السلام فى عصر أفريدون وتلك تواريخ لا يوثق بها والذى نقل إلينا فى التواريخ اليونانية والسريانية وهى أقرب إلى الثقة يقتضى أن بينهما زمانا طويلا يزيد على ألف سنة
وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن ذا القرنين هو عبد الله ابن الضحاك وهذه رواية مهجورة لا يلتفت العقلاء إليها ولسنا ننكر أن عبد الله بن الضحاك هذا يدعى ذا القرنين فهو اسم مشترك ولقب منقول وقد سمى أحد ملوك الحيرة من بنى نصر ذا القرنين لضفيرتين من شعركانتا له وهو المنذر بن ماء السماء وفى ملوك حمير ملكان كانا يدعى كل واحد منهما ذا القرنين وإنما ننكر أن يكون ملكا سلطانا إذ كنا نجد أخبار الأمم تكذبه وكان هذا الأمر البين لا يخمل فيخفى على العرب شأنه وهى ألهج أمة بحفظ المآثر وأحرصها على إحصاء المفاخر
وزعم بعض الفرس أن ذا القرنين هو الضحاك المسمى بيوراسف وأن قرنيه هما السلعتان اللتان تسميهما العامة حيتين وكانت ناشزتين فى فروع كتفيه وهذا أبعد شئ عن الصواب ولكن الآراء والألسن واللغات والفرق مطبقة على أن ذا القرنين هذا هو الإسكندر الرومى قاتل دارا وقد نقل إلينا من أخباره المطابقة لما اقتص الله تعالى فى كتابه والذى يقوى هذا الرأى إجماع رواة الأمم على أن السد الذى يدعى ردم يأجوج ومأجوج من صنع الإسكندر وأنه لم ينقل إلينا خبر ملك جمع بين الإيغال فى المشرق والإبعاد فى المغرب سواه
وهذه جملة من سيرة مأخودة من تواريخ يونان وفارس وأما روايات (1/284)
القصاص وأهل المبتدأ فمرفوضة عند أهل التحصيل زعمت يونان أنه لما ولد الإسكندر عرض مولده على المنجمين فحكموا له بما آل إليه أمره وترعرع الإسكندر فهجس فى نفسه صدق ما حكموا له به وهلك أبوه فيليبس وللإسكندر عشرون سنة فخلفه على ملكه فركب البحر يؤم المغرب فوطئ أرضه حتى انتهى إلى المشرق حتى قتل دارا واستولى على ممالكه وسار حتى أوغل فى المشرق فقتل فورا ملك الهند وأقام ببلاده مدة ثم سار حتى أتى تبت فدان له ملكها وأهدى له شيئا كثيرا من الذهب والمسك ثم سار حتى أتى الصين فتلقاه ملكها بالطاعة وأهدى له هدايا عظيمة من الذهب والحرير والوبر وأنواع العطر وآلات الصين وعدل إلى نواحى يأجوج ومأجوج فبنىالسد ودخل الظلمات من ناحية القطب الشمالى فى أربعمائة رجل فسار فيها ثمانية عشر يوما وخرج إلى طريق خراسان ولما انتهى إلى نهر بلخ عقد عليه جسرا من ثلثمائة سفينة وبنى على غربيه قصرا فاغتاله بعض أصحابه فسقاه سما فمرض بقومس وتحامل حتى أتى شهرزور وثقل بها وهلك ببابل العتيقة وكان أشقر ابرش قصيرا حنف وابتدأ اليونانيون تاريخ ملكه من أول سنة سبع وعشرين من عمره وهو وقت ابتداء جولانه وكانت مدته فى ذلك الوقت أحد عشر وثلاثمائة وستة وعشرون يوما ولم يكن يدعوا إلى دين وإنما كان يأمر بالتناصف وترك التظالم
إلى هنا كلام القاضى
وقال حمزة الأصبهانى فى كتابه تواريخ الأمم ومما ولده القصاص من الأخبار أن الإسكندر بنى بإيران شهر مدنا منها أصبهان وهراة وسمرقند وليس للحديث أصل لأن الرجل كان مخربا لا عامرا (1/285)
قال مؤلف الكتاب وفى أصبهان وكونها من بناء ذى القرنين يقول ابن طباطبا لأبى على بن رستم وقد هدم سور أصبهان ليزيد به فى داره
( وقد كان ذو القرنين يبنى مدينة ... فأصبح ذا القرنين يهدم سورها )
( على أنه لو كان فى صحن داره ... بقرن له سيناء زعزع طورها )
وقال آخر
( أيها الهادم سورا ... هدمه عين المنون )
( ليس يوهى سور ذى القرنين ... إلا ذو قرون )
وقد ضرب المثل بمسير ذى القرنين فى الظلمات ابن لنكك حيث قال
( تولى شباب كنت فيه منعما ... تروح وتغدو دائم الفرحات )
( فلست تلاقيه ولو سرت خلفه ... كما سار ذو القرنين فى الظلمات )
428 - ( ذو الكفل ) هو الذى نطق القرآن بذكر نبوته وهو من بنى إسرائيل بعث إلى ملك منهم يقال له كنعان فدعاه إلى الإيمان وكفل له الجنة وكتب له كتابا بالكفالة فآمن به الملك وسمى ذا الكفل بالكفالة
429 - ( ذو النورين ) هو عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه سمي بذلك لأن النبى زوجه ابنته رقية فكانا أحسن زوجين فى الإسلام ويروى أنه بعث بلطف مع رجل إلى عثمان فاحتبس فلما رجع قال له ( إن شئت أخبرتك ما حبسك ) قال نعم يا رسول الله قال ( كنت تنظر إلى عثمان ورقية تعجبا (1/286)
من حسنهما قال صدقت يا رسول الله ولما توفيت رقية زوجه أم كلثوم ثم لما توفيت قال لو كانت لنا ثالثة لزوجناكها فهو ذو النورين لهذه القصة
ودخل يوما أبو الحسن بن طباطبا دار أبى على بن رستم فرأى على بابه عثمانيين أسوديين قد لبسا عمامتين حمراويين فامتحنهما فوجدهما من الأدب خاليين فلما تمكن فى مجلس ابن رستم دعا بالدواة والقرطاس وكتب
( أرى بباب الدار أسودين ... ذوى عمامتين حمراوين )
( كجمرتين فوق فحمتين ... قد غادرا الرفض قرير العين )
( جد كما عثمان ذو النورين ... فماله أنسل ظلمتين )
( يا قبح شين صادر عن زين ... حدائد تطبع من لجين )
( ما أنتما إلا غرابا بين ... طيرا فقد وقعتما للحين )
( المظهرين الحب للشيخين ... ذرا ذوى السنة فى المصرين )
( وخليا الشيعة للسبطين ... للحسن الطيب والحسين )
( وخليا الشيعة للسبطين ... للحسن الطيب والحسين )
( ستعطيان فى مدى عامين ... صكا بخفين إلى حنين )
فاستظرفها ابن رستم وحفظها الناس
430 - ( ذو الشهادتين ) خزيمة بن ثابت الأنصارى سماه رسول الله ذا الشهادتين وذلك أن يهوديا أتاه فقال يا محمد اقضنى دينى فقال أو لم أقضك قال لا فقال إن كانت لك بينة فهاتها وقال لأصحابه ايكم يشهد أنى قضيت اليهودى ماله فأمسكوا (1/287)
جميعا فقال خزيمة أنا يا رسول الله اشهدك أنك قضيته قال ( وكيف تشهد بذلك ولم تحضره ولم تعلمه ) فقال يا رسول الله نحن نصدقك على الوحى من السماء فكيف لا نصدقك على أنك قضيته فأنفذ شهادته وسماه ذا الشهادتين لأنه صير شهادته شهادة رجلين
431 - ( ذو العينين ) قتادة بن النعمان الأنصارى شهد بدرا والعقبة وأصيبت عينه يوم أحد فردها رسول الله بيده بعد ما سقطت على خده فكانت أحسن وأصح من عينه الأخرى وكان لا يشتكيها إذا اشتكى أختها وليس هكذا عيون الناس
432 - ( ذو الرأى ) هو حباب بن المنذر بن الجموح صاحب المشورة يوم بدر أخذ رسول الله برأيه ونزل جبريل عليه السلام فقال الرأى ما قال حباب وكانت له فى الجاهلية آراء مشهورة
433 - ( ذو اليدين ) هو عمير بن عبد عمرو من خزاعة وكان يعمل بيديه جميعا فقيل له ذو اليدين وكان يدعة ذا الشمالين وهو الذى ذكر فى الحديث الذى يروون فيه أن رسول الله صلى بهم الظهر فسلم فى الركعة الثانية فقال ذو اليدين يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال ما كان ذاك فقال بلى يا رسول الله فالتفت إلى أصحابه فقال ( أحق ما يقول ذو اليدين ) قالوا صدق يا رسول الله فنهض فأتم ثم قال ( إنى لأنسى أو أنسى لأسن ) (1/288)
قال ابن قتيبة هو ذو اليدين وليس هو بذى الشمالين الذى استشهد يوم بدر
وقال الجاحظ كان يقال له ذو الشمالين فسماه النبى ذا اليمينين
434 - ( ذو المشهرة ) هو أبو دجانة الأنصارى وكانت له مشهرة إذا لبسها وبرز يتمايل بين الصفين لم يبق ولم يذر وأرضى الله ورسوله
435 - ( ذو النور ) هو عبد الله بن الطفيل الأزدى أو الدوسى
ويقال بل طفيل بن عمرو بن طفيل أعطاه رسول الله نورا فى جبينه ليدعو به قومه فقال يا رسول الله هذه مثلة أو قال شهرة فجعله فى طرف سوطه فكان كالمصباح يضئ له الطريق بالليل ولما رجع إلى قومه دوس ليعلمهم جعلوا يقولون إن الجبل ليلتهب وكان أبو هريرة رضى الله عنه ممن اهتدى بذلك النور فى بعض الحديث
436 - ( ذو العمامة ) هو سعيد بن العاص بن أمية أبو أحيحة كان يقال له ذو العمامة لأنه كان فى الجاهلية إذا لبس عمامته لم يلبس قرشى عمامة حتى ينزعها كما أن حرب بن أمية إذا حضر ميتا لم يبكه أهله حتى يقوم وكما أن أبا طالب كان إذا أطعم لم يطعم أحد يؤمه غيره وكما أن سعيد بن العاص إذا شرب الخمر لم يشربها أحد حتى يتركها وزعم بعض أصحاب المعانى أن هذا اللقب إنما لزم سعيدا كناية عن السؤدد وذلك ان العرب تقول للسيد فلان معمم يريدون ان كل جناية يجنيها الجانى من تلك القبيلة أو العشيرة فهى (1/289)
معصومة برأسه وإلى هذا المعنى ذهبوا فى تسميتهم سعيد بن العاص ذا العمامة وذا العصابة
ولما طلق خالد بن يزيد بن معاوية آمنة بنت سعيد بن العاص وتزوجها الوليد بن عبد الملك قال فى ذلك خالد
( فتاة أبوها ذو العصابة وابنه ... أخوها فما أكفاؤها بكثير )
( وكان خالد شريف المنكح تزوج أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبى طالب وآمنة بنت سعيد بن العاص ورملة بنت الزبير ففى ذلك يقول بعض الشعراء يغرى به عبد الملك بن مروان
( عليك امير المؤمنين بخالد ... ففى خالد عما تحب صدود )
( إذا ما نظرنا فى مناكح خالد ... عرفنا الذى ينوى وأين يريد )
437 - ( ذو الثدية ) ويقال له ذو اليدية لأن إحدى يديه كانت مخدجة وذو الثدية لأن تلك اليد المخدجة كانت كالثدى وعليها شعرات كشارب السنور وهو شيخ الخوارج وكبيرهم الذى علمهم الضلال
وكان النبى أمر بقتله وهو فى الصلاة فكع عنه أبو بكر وعمر رضى الله عنهما فلما قصده على رضى الله عنه لم يره فقال له النبى ( أما إنك لو قتلته لكان أول فتنة وآخرها ) ولما كان يوم النهروان وجد بين القتلى فقال على رضى الله عنه إيتونى بيده المخدجة فأتى بها فأمر بنصبها (1/290)
438 - ( ذو اليمينين ) هو أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب الذى ينسب إليه الطاهريون كتب إليه بعض اصحابه كتابا عنونه بهذين البيتين
( للأمير المهذب ... المكنى بطيب )
( ذى اليمينين طاهر بن ... الحسين بن مصعب )
وسأل المعتصم جماعة من خواصه عن معنى سبب تسمية طاهر ذا اليمينين فلم يعلموا فقال محمد بن عبد الملك ذو الأستحقاقين استحقاق مالجده زريق فى الدولة واستحقاق ماله فى دولة المأمون قال تعالى ( لأخذنا منه باليمين ) أى بالأستحقاق وقال الشماخ
( إذا ما راية رفعت لمجد ... تلقاها عرابة باليمين ) اى بالأستحقاق واليمين بمعنى الاستحقاق
وقال غيره إنما سمى ذا اليمينين لأن المأمون كتب إليه لما فرغ من أمر المخلوع يا أبا الطيب يمينك يمين أمير المؤمنين وشمالك يمين فبايع بيمينك يمين أمير المؤمنين ففعل فلزمه هذا الأسم
439 - ( ذو الثفنات ) كان يقال لكل من على بن الحسين بن على وعلى بن عبد الله بن العباس ذو الثفنات لما على اعضاء السجود منهما من السجادات الشبيهة بثفنات الإبل وذلك لكثرة صلاتهما قال دعبل
( مدارس آيات خلت من تلاوة ... ومنزل وحى مقفر العرصات )
( وبابن على والحسين وجعفر ... وحمزة والسجاد ذى الثفنات ) (1/291)
قال المبرد وكانت لعلى بن عبد الله بن عباس رضى الله عنهم خمسمائة أصل زيتون يصلى كل يوم عند كل أصل ركعتين
440 - ( ذو القلمين ) على بن ابى سعيد بن كنداجيق كان يسمى ذا القلمين لأنه كان يتولى ديوانى الخراج والجيش للمأمون بن الرشيد
441 - ( ذو الرياستين ) هو الفضل بن سهل سماه المأمون ذا الرياستين لأنه دبر له أمر السيف والقلم وولى رياسة الجيوش والدواوين وقد اوردت نكت أخباره فى كتاب فضل من اسمه الفضل
442 - ( ذو الوزارتين ) كانوا قد عزموا على ان يسموا صاعد ابن مخلد ذا التدبيرين فقال لهم عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لا تسموه بشئ ينفرد به عنكم فسموه ذا الوزارتين يعنون وزارة المعتمد ووزارة الموفق
ومدح ابن الرومى بنى نوبخت وكانوا مختصين بصاعد فأراد ان يذكر ذا الوزارتين واجتباءه إياهم فلم يستقم له ذكر ذى الوزارتين فسماه ذا الفناءين حيث قال
( ولما اجتباهم ذو الفناءين صاعد ... غدا وهو مسرور بهم غير نادم )
443 - ( ذو الكفايتين ) هو أبو الفتح بن ابى الفضل بن العميد سمى ذا الكفايتين لكفايته ركن الدولة أبا على أمور الدواوين والجيوش (1/292)
وقد أوردت نكت أخباره وغرر اشعاره فى كتاب يتيمة الدهر فى محاسن أهل العصر
444 - ( ذات النحيين ) هذلية جرى بها المثل فى الشغل والشح فقيل اشغل من ذات النحيين ومن حديثها ان خوات بن جبير الأنصارى فى الجاهلية حضر سوق عكاظ فانتهى إلى هذه المرأة وهى تبيع السمن فاخذ نحيا من أنحائها ففتحه ثم ذاقه ودفع النحى فى إحدى يديها ثم فتح نحيا آخر ودفع فمه فى يدها الأخرى ثم كشف ذيلها وواقعها وهى غير ممانعته لحفظ فم النحيين ولم تدفعه خوفا على السمن حتى قضى حاجته فلما قام عنها قالت له لاهناك الله فرفع خوات عقيرته وقال
( وأم عيال واثقين بكسبها ... خلجت لها جار استها خلجات )
( وأخرجته ريان يقطر رأسه ... من الرامك المخلوط بالمغرات )
( شغلت يديها إذ أردت خلاطها ... بنحيين من سمن ذوى عجوات )
( فكان لها الويلات من ترك نحيها ... وويل لها من شدة الطعنات )
( فشدت على النحيين كفا شحيحة ... على سمنها والفتك من فعلاتى )
فضربت العرب بها المثل فقالوا أنكح وأغلم من خوات وأشغل وأشح من ذات النحيين (1/293)
والرامك ضرب من الطيب والمغرة من الطين تتضايق بها نساء العرب كما يتضايقن بعجم الزبيب
445 - ( ذات النطاقين ) هى أسماء بنت أبى بكر الصديق رضى الله عنه وكانت تحت الزبير رضى الله عنه ومنها عبد الله والمنذر وعروة وعاصم وإنما سميت ذات النطاقين لأن رسول الله لما تجهز مهاجرا ومعه أبو بكر أتاهما عبد الله بن أبى بكر وهما فى الغار ليلا بسفرتهما ومعه أسماء وليس للسفرة شناق فشقت له أسماء من نطاقها فشنقتها به فقال لها رسول الله قد ابدلك الله بنطاقك هذا نطاقين فى الجنة فقيل لها ذات النطاقين
ولما قاتل أهل الشام عبد الله بن الزبير بمكة كانوا يصيحون به يابن ذات النطاقين وهو يقول ابنها أنا والله ثم ينشد
( وعيرها الواشون أنى أحبها ... وتلك شكاة ظاهر عنك عارها )
( فإن اعتذر عنها فإنى مكذب ... وإن تعتذر يردد عليها اعتذارها )
وكان يقال لو كان ابناء أبى بكر كبناته لعز على عمر نيل الخلافة لأن عائشة صاحبة يوم الجمل وأسماء هى التى حضت ابنها عبد الله بن الزبير على صدق القتال والجد فى المكافحة والتحصن بالكعبة ولما قال لها عبد الله وقد اشتد به الأمر فى محاصرة الحجاج إياه يا أم إنى لا اخاف القتل ولكن أخاف المثلة فقالت يا بنى إن الشاة المذبوحة لا تألم للسلخ فسار قولها مثلا
ولما قتل عبد الله وصلب تقدمت أسماء إلى الحجاج فقالت له يا حجاج (1/294)
أما آن لراكبك أن ينزل فأمر بإنزاله وكان آلى على نفسه ألا ينزله أو تتكلم أمه فى شانه وكان عبد الله يسمى العائذ لأنه عاذ بالبيت ولما حبس عبد الله ابن الحنفية فى خمسة عشر رجلا من بنى هاشم وقال لتبايعنى أو لأحرقنكم قال كثير فيه
( تخبر من تلقاه أنك عائذ ... بل العائذ المحبوس فى سجن عارم )
( وإنك آل المصطفى وابن عمه ... وفكاك أغلال وقاضى مغارم )
وسجن عارم الذى حبسهم فيه سمى بذلك وقال ابن الرقيات فى مكة
( بلد يأمن الحمائم فيه ... حيث عاد الخليفة المظلوم )
وكان عبد الله يدعى المحل لإحلاله القتال فى الحرم وقال شاعر فى رثاء صاحبه
( ألا من لقب معنى غزل ... بحب المحلة أخت المحل )
446 - ( ذات الخمار ) هنيدة بنت صعصة وعمة الفرزدق وكانت تقول من جاءت من نساء العرب بأربعة يحل لها أن تضع خمارها عندهم كأربعتى فصر متى لها أبى صعصعة وأخى غالب وخالى الأقرع بن حابس وزوجى الزبرقان بن بدر فسميت ذات الخمار لذلك
قال الزبير بن بكار كان هند بن أبى هالة ربيب النبى يقول انا أكرم الناس بأربعة ابى رسول الله وأمى خديجة وأختى فاطمة وأخى القاسم قال الزبير فهؤلاء الأربعة لا أربعتها
447 - ( ذات الأنواط ) شجرة عظيمة خضراء كانت قريش ومن (1/295)
سواهم من الكفار من العرب يأتونها كل سنة فيعلقون عليها أسلحتهم ويذبحون عندها ويقومون عندها يوما حدث وهب بن جبير بإسناده عن ابى واقد الليثى قال لما فصلنا مع رسول الله إلى حنين مررنا بها فلما رأينا السدرة ونحن يومئذ حديثو عهد بالجاهلية فسار بنا من جانب الطريق فقلنا يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم فقال لهم رسول الله ( الله أكبر ارى هذا والله كما قال قوم موسى لموسى ( اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون ) أما إنكم لتركبن سنن من كان قبلكم حذو النعل بالنعل ) ومضى على وجهه الباب العشرون فى ذكر النساء المضافات والمنسوبات يتمثل بهن
بنات طارق
بنات الحارث بن هشام
بنات نصيب
بنت الحارث ابن عباد
زرقاء اليمامة
عجائز الجنة
عجوز اليمن
حمالة الحطب
خضراء الدمن
زوانى الهند
صواحب يوسف
ضرائر الحسناء
الاستشهاد
448 - ( بنات طارق ) ذكر الزبير بن بكار بإسناد له أنهن بنات العلاء بن طارق بن الحارث بن أمية بن عبد شمس بن المرفع من كنانة يضرب بهن المثل فى الحسن والشرف
وعن محمد بن يحيى عن غسان بن عبد الحميد قال رأت عائشة رضى الله عنها بنات طارق اللاتى يقلن
( نحن بنات طارق نمشى على النمارق )
فقالت أخطأ من يقول إن الخيل أحسن من النساء وقالت هند بنت عتبة لمشركي قريش يوم أحد
( نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق )
( والدر فى المخانق ... والمسك فى المفارق )
( إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق )
( فراق غير وامق )
وعن يحيى بن عبد الملك قال جلست ليلة وراء الضحاك بن عثمان المخرومى فى مسجد رسول الله وأنا متقنع فذكر الضحاك (1/296)
الباب العشرون فى ذكر النساء المضافات والمنسوبات يتمثل بهن
بنات طارق
بنات الحارث بن هشام
بنات نصيب
بنت الحارث ابن عباد
زرقاء اليمامة
عجائز الجنة
عجوز اليمن
حمالة الحطب
خضراء الدمن
زوانى الهند
صواحب يوسف
ضرائر الحسناء
الاستشهاد
448 - ( بنات طارق ) ذكر الزبير بن بكار بإسناد له أنهن بنات العلاء بن طارق بن الحارث بن أمية بن عبد شمس بن المرفع من كنانة يضرب بهن المثل فى الحسن والشرف
وعن محمد بن يحيى عن غسان بن عبد الحميد قال رأت عائشة رضى الله عنها بنات طارق اللاتى يقلن
( نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق )
فقالت أخطأ من يقول إن الخيل أحسن من النساء وقالت هند بنت عتبة لمشركي قريش يوم أحد
( نحن بنات طارق ... نمشى على النمارق )
( والدر فى المخانق ... والمسك فى المفارق )
( إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق )
( فراق غير وامق ... )
وعن يحيى بن عبد الملك قال جلست ليلة وراء الضحاك بن عثمان المخرومى فى مسجد رسول الله وأنا متقنع فذكر الضحاك (1/297)
وأصحابه قول هند يوم أحد نحن بنات طارق فقالوا ما طارق فقلت لهم النجم فالتفت الضحاك فقال يا أبا زكريا وكيف بذلك فقلت قال الله تعالى ( والسماء والطارق وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب ) وإنما قالت نحن بنات النجم لشرفه وعلوه فقال أحسنت
449 - ( بنات الحارث بن هشام ) يضرب بهن المثل فى الحسن والشرف وغلاء المهر وأبوهن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى قال الجاحظ بنو مخزوم ضرب بهم المثل ووصفوا فى كل غاية فقيل أنبه من مخزومى وكانت قريش وكنانة ومن والاهم يؤرخون بثلاثة أشياء كانوا يقولون كان ذلك زمن بناء الكعبة وكان ذلك عام الفيل وكان ذلك عام موت هشام قال عبد الله بن ثور الخفاجى
( فأصبح بطن مكة مقشعرا ... كأن الأرض ليس بها هشام )
قال الجاحظ وهذا مثل وفوق المثل وقال مسافر بن أبى عمرو
( تقول لنا الركبان فى كل منزل ... أمات هشام أم أصابكم الجدب )
فجعل موته وفقد الغيث سواء وكانت بنو مخزوم تسمى ريحانة قريش لحظوة نسائها عند الرجال وكانت الجارية تولد لاحد آل الحارث بن هشام فتتباشر النساء بها ويرين أهلها أنهم أغنياء لرغبة الخطاب فيها ولذلك قال ابن هرمة من قصيدة
( ومن لم يرد مدحى فإن قصائدى ... نوافق عند الأكرمين سوام ) (1/298)
( نوافق عند المشترى الحمد بالندى ... نفاق بنات الحارث بن هشام )
ولما زوج الوليد بن عبد الملك ابنه عبد العزيز بأم حكيم بنت يحيى بن الحكم وأمها بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وكان يقال لها الواصلة لأنها وصلت الشرف بالجمال أمهرها بأربعين ألف دينار وقال لجرير وعدى بن الرقاع أغدوا على فقولا فى عبد العزيز وأم حكيم فغدوا عليه وأنشده جرير قصيدة منها
( ضم الإمام إليه أكرم حرة ... في كل حالات من الأحوال )
( حكمية علت الحرائم كلها ... بمفاجر الأعمام والأخوال )
( فإذا النساء تفاضلت ببعولة ... فضلتهم بالسيد المفضال )
ثم قام عدي فأنشد
( قمر السماء وشمسها اجتمعا ... بالسعد ما غابا وما طلعا )
( ماورات الأستار مثلهما ... فيمن رأى منهم ومن سمعا )
( دام السرور له بها ولها ... وتهنيا طول الحياة معا )
فقال له الوليد لئن أقللت فلقد أحسنت وأمر له بضعف ما أمر لجرير وعدى هذا أول من شبه الزوجين بالشمس والقمر ومنه اخذ الشعراء هذا التشبيه وأكثروا
450 - ( بنات نصيب ) قد تقدم ذكرهن فى الباب الخامس عشر وضرب الناس المثل بهن للبنت يضن بها أبوها على من يخطبها ولا يرغب فيها من يرضاه لها فتبقى معنسة (1/299)
451 - ( بنت الحارث بن عباد ) ممن يتمثل بها من النساء فى الشرف والجمال بنت الحارث بن عباد وأنشد الجاحظ لأمرأة من بنى مرة
( جاءوا بحارثة الضباب كأنما ... جاءوا ببنت الحارث بن عباد )
452 - ( زرقاء اليمامة ) العرب تضرب بها المثل بها فى جودة البصر وحدة النظر ويقال إن اليمامة اسمها وبها سميت بلدها اليمامة ثم أضيفت إلى البلدة فقيل زرقاء اليمامة واسم البلدة جو وربما قيل زرقاء الجو كما قال أبو الطيب المتنبى
( وأبصر من زرقاء جو لأننى ... إذا نظرت عيناى شاءهما علمى )
وهى امرأة من جديس كانت تبصر الشئ من مسيرة ثلاثة أيام فلما قتلت جديس طسما خرج رجل من طسم إلى حسان بن تبع فاستجاشه وأرغبه فخرج فى جيش جرار فلما كانوا من جو على مسافة ثلاثة أيام صعدت الزرقاء السطح فنظرت إلى الجيش وقد أمروا أن يحمل كل رجل منهم شجرة يستتر بها ليلبسوا عليها فقالت الزرقاء يا قوم قد أتتكم الشجر أو أتتكم حمير قد أخذت أشياء تجرر فلم يصدقوها ولم يستعدوا أحلف بالله لقد أرى رجلا ينهش كتفا أو يخصف نعلا فلم يصدقوها حتى صبحهم حسان فاجتاحهم وأخذ الزرقاء فشق عينيها فإذا فيهما عروق سود من الإثمد وقد ذكرها الأعشى فقال
( ما نظرت ذات أشفار كما نظرت ... حقا كما نظر الدبسى إذ سجعا ) (1/300)
( قالت أرى رجلا فى كفه كتف ... او يخصف النعل لهفى أية صنعا )
وإياها عنى النابغة بقوله
( واحكم كحكم فتاة الحى إذ نظرت ... إلى حمام سراع وارد الثمد )
( قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه فقد ) ولها قصة معروفة سائرة ويضرب بها الناس المثل
453 - ( عجائز الجنة ) روى الزبير بن بكار بإسناده له قال كان عروة بن الزبير عند عبد الملك بن مروان فذكر أخاه عبد الله فقال قال أبو بكر كذا وكذا وفعل أبو بكر كذا وكذا فقال له بعض الحاضرين اتكنيه عند أمير المؤمنين لا أم لك فقال له عروة إلى يقال لا أم لك وأنا ابن عجائز الجنة يعنى صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله وهى أم الزبير وخديجة بنت خويلد سيدة نساء العالمين وهى عمة الزبير وعائشة أم المؤمنين بنت أبى بكر الصديق وهى خالة ابن الزبير وأسماء ذات النطاقين بنت أبى بكر الصديق وهى أمه
454 - ( عجوز اليمن ) قال وهب بن منبه استعمل علينا عبد الله بن الزبير رجلا منا وكان دميما يلقب بعجوز اليمن فقدمت على ابن الزبير فى وفد اليمن وعنده عبد الله بن خالد بن أسيد فقال لى يا عبد الله كيف عجوز اليمن فلم أجبه فأعادها مرارا فلما أكثر قلت أسلمت مع سليمان لله (1/301)
رب العالمين قال فما فعلت عجوز قريش قال وما عجوز قريش قلت أم جميل حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد فضحك ابن الزبير وقال لابن خالد أسأت المسألة وأحسن الجواب
455 - ( حمالة الحطب ) هى أم جميل بنت حرب وأخت أبى سفيان التى ذكرها الله تعالى فى سورة ( تبت يدا أبى لهب ) يضرب بها المثل فى الخسران فيقال اخسر من حمالة الحطب قال الشاعر
( جمعت شيئا ولم تحرز له بدلا ... لأنت اخسر من حمالة الحطب )
ولقى الفضل بن عباس بن أبى لهب الأحوص الأنصارى الشاعر فأنشده الأحوص من شعره فقال له الفضل إنك لشاعر ولكنك لا تحسن أن تؤبد فقال بلى والله إنى لأحسن أن أوبد حيث اقول
( ما ذات حبل يراها الناس كلهم ... وسط الجحيم ولا تخفى على أحد )
( ترى حبال جميع الناس من شعر ... وحبلها وسط أهل النار من مسد )
فأجابه الفضل بن عباس فقال
( ماذا تريد إلى شتمى ومنقصتى ... أم ما تعير من حمالة الحطب )
( غراء سائلة فى المجد غرتها ... كانت سلالة شيخ ثاقب الحسب )
456 - ( خضراء الدمن ) هذه من جوامع كلم النبى القليلة الألفاظ الكثيرة المعانى التى لم تسبقه العرب إليها ولما قال ( إياكم وخضراء الدمن ) قيل يا رسول الله وما خضراء (1/302)
الدمن قال ( المرأة الحسناء فى منبت السوء ) وحكى الهمذانى عن ابى الفتح الإسكندرانى فى إحدى مقاماته
( علقت خضراء دمنه ... شقيت منها بإبنه )
457 - ( زوانى الهند ) قال الجاحظ إنما سار الزنا وطلب الرجال فى نساء الهند أعم لأن شهوتهن للرجال أشد فلذلك اتخذ الهنود دورا للزوانى قال ومن إحدى علل حبهن للزنا ورغبتهن وفارة البظر والقلفة فإن البظراء تجد من اللذة مالا تجده المختونة وأصل ختان النساء لم يحاول به الحسن دون التماس نقصان الشهوة ليكون العفاف مقصورا عليهن ولذلك قال النبى لأم عطية الخاتنة ( أشمية ولا تنهكيه فإنه اسرى للوجه وأحظى عند البعل ) كأنه أراد أنه ينقص من شهوتها بقدر ما يردها إلى الاعتدال فإن شهوتها إذا قلت ذهب التمتع ونقص حب الأزواج وحب الزوج قيد دون الفجور
وذكر صاحب كتاب المسالك والممالك أن عامة ملوك الهند يرون الزنا حلالا خلا ملك قمار قال وقد دخلت مدينته وأقمت بها سنتين فلم أر ملكا أغير ولا أشد فى الأشربة منه فإنه يعاقب على الزنا والشرب بالقتل فأما غيره من ملوك الهند فإنهم جميعا يرون الزنا مباحا ولا يتحاشون عنه غير أن من أحصن منهم امرأة فعرض لها عارض فزنيا جميعا قتل الرجل والمرأة قتلا ذريعا (1/303)
458 - ( صواحب يوسف ) يقال للنساء عند شكايتهن وذم أخلاقهن قال النبى لبعض نسائه وهو يعاتبها ( إنكن صواحبات يوسف ) وقال أبو تمام
( فهن عوادى يوسف وصواحبه ... )
409 - ( ضرائر الحسناء ) يضرب مثلا لحساد الأفاضل قال الشاعر
( حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه ... فالقوم أعداء له وخصوم )
( كضرائر الحسناء قلن لوجهها ... حسدا وبغضا إنه لدميم ) (1/304)
الباب الحادى والعشرون فيما يضاف وينسب إلى النساء
كيد النساء
رأى النساء
نخلة مريم
عرش بلقيس
ذنب صحر
شؤم البسوس
عطر منشم
حمق دغة
رغيف الحولاء
عزة أم قرفة
قوة الزباء
يوم حليمة
نكاح أم خارجة
برد العجوز
غلمة سجاح
بيت عاتكة
حمام منجاب
سوق العروس
مرآة الغريبة
سوداء العروس
بكاء الثكلى
ليلة العروس
أصابع زينب
فحش مومسة
داء الضرائر
الاستشهاد
460 - ( كيد النساء ) يضرب به المثل فى كل زمان ومكان قال بعض السلف إن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان لأن الله تعالى يقول ( إن كيد الشيطان كان ضعيفا ) وقال ( إن كيدكن عظيم ) فإن قيل إن هذا الكلام لم يحكه الله عن نفسه وإنما حكاه عن غيره حيث قال ( إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم ) قيل قد صدقتم والصفة على ما ذكرتم إلا أن الكلام لو كان منكرا لأنكره الله تعالى ولو كان معيبا لعابه تعالى وقد حكاه الله تعالى ولم يعبه وجعله قرآنا وعظمه بذلك والمعنى مما لا ينكر فى العقل ولا فى اللغة ولا فى الكلام إذا كان على هذه الصفة فهو مثله إذا كان هو المنشئ له (1/305)
ومما قيل فى كيد النساء
( كادنى المازنى عند أبى العباس ... والفضل ما علمت كريم )
( شبها بالنساء فى كل أمر ... إن كيد النساء كيد عظيم )
وقال يحيى بن على المنجم
( رب يوم عاشرته فتقضى ... بعد حمد عن آخر مذموم )
( يا لقومى لضعفه ولكيد ... مثل كيد النساء منه عظيم )
461 - ( رأى النساء ) يضرب به المثل فى الوهن والخطأ ولذلك قال النبى ( شاوروهن وخالفوهن ) وقال ( ذل من أسند أمره إلى رأى امرأة )
وقال الشاعر
( شيئان يعجز ذو الرصانة عنهما ... رأى النساء وإمرة الصبيان )
( أما النساء فميلهن إلى الهوى ... وأخو الصبا يجرى بغير عنان )
462 - ( نخلة مريم ) قال ابن سمكة من أمثالهم أعظم بركة من نخلة مريم قال وكانت نخلة مريم العجوة وقال الله تعالى فى قصتها ( وهزى إليك بجدع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا )
وقال صاحب كتاب المسالك والممالك هى فى بيت لحم ويقال إنها غرست منذ أكثر من ألفى سنة وهى منحنية
ومن بارع التمثل بها قول الشاعر
( ألم تر أن الله أوحى لمريم ... وهزى إليك الجدع يساقط الرطب ) (1/306)
( ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل شئ له سبب )
463 - ( عرش بلقيس ) يضرب به المثل كما قال الشاعر
( مطبخ داود فى نظافته ... اشبه شئ بعرش بلقيس )
( ثياب طباخه إذا اتسخت ... انقى بياضا من القراطيس )
وكما قال السرى الموصلى فى وصف قواد حاذق
( من ذم إدريس فى قيادته ... فإننى حامد لإدريس )
( كلم لى عاصيا فكان له ... أطوع من آدم لإبليس )
( وكان فى سرعة المجئ به ... آصف فى حمل عرش بلقيس )
464 - ( ذنب صحر ) صحر امرأة وهى بنت لقمان بن عاد وكان أبوها لقمان وأخوها لقيم خرجا مغيرين فأصابا إبلا كثيرة فسبق لقيم إلى منزله وعمدت صحر إلى جذور مما قدم به لقيم وصنعت منه طعاما يكون معدا لأبيها لقمان إذا قدم وقد كان لقمان حسد لقيما فى تبريزه عليه فلما قدمت صحر إليه الطعام وعلم انه من غنيمة لقيم لطمها لطمة قضت عليها فصارت عقوبتها مثلا لكل من لا ذنب له ويعاقب وفيها يقول خفاف بن ندبة
( وعباس يدب لى المنايا ... وما أذنبت إلا ذنب صحر )
465 - ( شؤم البسوس ) هى بنت منقذ التميمية زارت أختها ام جساس بن مرة ومع البسوس جار لها من جرم يقال له سعد بن شمس ومعه ناقة له فرماها كليب وائل لما رآها فى مرعى قد حماه فأقبلت الناقة (1/307)
إلى صاحبها وهى ترغو وضرعها يشخب لبنا ودما فلما رأى ما بها انطلق إلى البسوس فأخبرها بالقصة فقالت واذلاه واغربتاه وأنشأت تقول أبياتا تسميها العرب أبيات الفناء وهى
( لعمرى لو أصبحت فى دار منقذ ... لما ضيم سعد وهو جار لأبياتى )
( ولكننى اصبحت فى دار غربة ... متى يعد فيها الذئب يعدو على شاتى )
( فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل ... فإنك فى قوم عن الجار أموات )
( ودونك أذوادى فخذها وآتنى ... براحلة لا تغدرن ببنياتى )
فسمعها ابن أختها جساس فقال لها أينها الحرة اهدئى فوالله لأفتلن بلقحة جارك كليبا ثم ركب فخرج إلى كليب فطعنه طعنة اثقلته فمات منها ووقعت الحرب بين بكر وتغلب فدامت أربعين سنة وجرت خطوب يطول بذكرها الخطاب وسار شؤم البسوس مثلا ونسبت الحرب إليها لكونها سببها فقيل حرب البسوس وهى من أشهر حروب العرب والمثل بها سائر جدا
ومن أملح ما قيل فيها قول المغسلى من قصيدة
( وكأن بين يمينه ... وتراثه حرب البسوس )
( وكأنه فى زهده ... وعفافه بشر المريسى )
466 - ( عطر منشم ) الأقاويل فيه كثيرة قال ابن قتيبة أحسن ما سمعت فيه أن منشم امرأة كانت تبيع العطر والحنوط فقيل للقوم إذا تحاربوا وتفانوا دقوا بينهم عطر منشم (1/308)
وقال حمزة بن الحسن كانت منشم عطارة تبيع الطيب فكانوا إذا قصدوا حربا غمسوا أيديهم فى طيبها وتحالفوا عليه بأن يستميتوا فى الحرب ولا يولوا أو يقتلوا فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة يقول الناس قد دقوا بينهم عطر منشم فلما كثر منهم هذا القول صار مثلا فممن تمثل به زهبر حيث قال
( تداركتما عبسا وذبيان بعدما ... تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم )
467 - ( حمق دغة ) هى بنت منعج زوجت وهى صغيرة فى بنى العنبر فحملت فلما ضربها المخاض ظنت أنها تحتاج إلى الخلاء فبرزت إلى بعض الغيطان ووضعت ذا بطنها فاستهل الوليد فجاءت منصرفة وهى لا تظن إلا أنها احدثت فقالت لأمها يا أماه هل يفتح الجعرفاه قالت نعم ويدعوا أباه فسب بها بنو العنبر فسموا بنى الجعراء
ولها حماقات كثيرة والمثل بحمقها مشهور سائر أنشدنى الخوارزمى لبعض أهل عصره فى أبى منصور الأزهرى الهروى
( الأزهرى وزغه ... وحمقه حمق دغة )
( ويدعى من جهله ... كتاب تهذيب اللغة )
( وهو كتاب العين إلا ... انه قد صبغه )
قال وإنما نسج على منوال من قال فى ابن دريد
( ابن دريد بقره ... وفيه غى وشره )
( ويدعى من قحة ... وضع كتاب الجمهره ) (1/309)
( وهو كتاب العين إلا ... أنه قد غيره )
468 - ( رغيف الحولاء ) من أمثال العرب أشأم من رغيف الحلاء وكانت خبازة فى بنى سعد بن زيد مناة فمرت وعلى رأسها كارة خبز فتناول رجل من رأسها رغيفا فقالت والله مالك على حق ولا استطعمتنى فلم أخذت رغيفى أما إنك ما أردت بهذا إلا فلانا تعنى رجلا كانت فى جواره فمرت إليه شاكية وثار معه قومه إلى الرجل الذى أخذ الرغيف وقومه فقتل بينهم ألف نفس وسار رغيف الحولاء فى الشئ اليسير بجلب الخطب الكبير
وفى رسالة ابن العميد إلى أبي العلاء السروى التى ينكر فيها تعصبه للعجم على العرب اقبل وصية خليلك وامتثل مشورة نصيحك ولا تتماد فى ميدان الجهل ينضك ولا تتهافت فى لجاج يغريك واخش يا سيدى أن يقال التحمت حرب البسوس من ضرع دمى واشتبكت حرب غطفان من أجل بعير قرع وقتل ألف فارس برغيف الحولاء وصب الله على العجم سوط عذاب بمزاح ابى العلاء
469 - ( عزة أم قرفة ) قال الأصمعى من أمثالهم إذا أرادوا العز والمنعة قالوا إنه لأمنع من أم قرفة وهى بنت مالك بن حذيفة بن بدر وكان يحرس بيتها خمسون سيفا بخمسين فارسا كلهم لها محرم (1/310)
وقال غير الأصمعى هى بنت ربيعة بن بدر
470 - ( قوة الزباء ) هى امرأة من العماليق وأمها من الروم ملكت الجزيرة وعظم شأنها فكانت تغزو بالجيوش وهى التى غزت ماردا والأبلق وهما حصنان فى نهاية الوثاقة فاستصعبا عليها فقالت تمرد مارد وعز الأبلق فذهبت مثلا وهى التى فتكت بجذيمة الأبرش حتى أخذ ثأره منها قصير وقتلها والقصة معروفة سائرة
471 - ( يوم حليمة ) هو من أشهر أيام العرب ولذلك قيل ما يوم حليمة بسر وفيه يقول النابغة
( تخيرن من أزمان يوم حليمة ... إلى اليوم قد جربن كل التجارب )
وحليمة بنت الحارث بن ابى شمر وإنما نسب اليوم إليها لأن أباها وجه جيشا إلى المنذر بن ماء السماء فحضرت حليمة المعركة محرضة لعسكر أبيها على القتال واخرجت لهم طيبا فى مركن تطيبهم به ويزعم العرب ان الغبار ارتفع فى ذلك اليوم حتى غطى عين الشمس فظهرت الكواكب فسار المثل بذلك وقيل لأرينك الكواكب ظهرا كما قال طرفة
( إن تنوله فقد تمنعه ... وتريه النجم يجرى بالظهر )
472 - ( نكاح أم خارجة ) يضرب به المثل فى السرعة فيقال (1/311)
اسرع من نكاح أم خارجة وهى عمرة بنت سعد بن عبد الله بن بجيلة كان يأتيها الخاطب فيقول خطب فتقول نكح
ويروى انها كانت تسير يوما ومعها ابن لها يقود جملها فرفع لها شخص فقالت لابنها من ترى ذلك الشخص قال أراه خاطبا فقالت يا بنى تراه يعجلنا عن أن نحل ماله أل وغل
قال المبرد ولدت أم خارجة للعرب فى نيف وعشرين حيا من آباء متفرقين وكانت هى إحدى النساء اللاتى إذا تزوج منهن الرجل فأصبحت عنده كان أمرها إليها إن شاءت أقامت وإن شاءت ذهبت وكانت علامة ارتضائها للزوج أن تضع له طعاما كلما تصبح
وروى الصولى عن مشايخه عن إسماعيل الساحر قال خرجت مع السيد الحميرى وقت المغرب وقد شربنا عند نصر بن مسعود فلقينا فرحة بنت الفجاءة بن عمرو بن قطرى بن الفجاءة الخارجى راكبة فرسا وكانت ظريفة جميلة فصيحة جزلة فهمة فرافقها السيد واحسن خطابها وهى لا تعرفه فتحاورا أحسن حوار إلى ان خطب إليها نفسها فقالت أعلى ظهر الطريق فقال ألم يكن نكاح ام خارجة اسرع من هذا فاستضحكت وقالت نصبح وننظر من الرجل وممن فأنشد
( إن تسألينى بقومى تسألى رجلا ... فى ذروة العز من أحياء ذى يمن )
( إنى امرؤ حميرى حين تنسبنى ... جدى رعين وأخوالى ذو ويزن )
فعرفته فقالت يمانى وتميمية ورافضى وحرورية كيف يجتمعان قال على ألا نذكر سلفا ولا مذهبا فتزوجته سرا فأقاما معا فى عيشة راضية (1/312)
ولم ينكر أحدهما من صاحبه شيئا حتى فرق بينهما الموت
قال مؤلف الكتاب وممن جمعتهم الصداقة على اختلاف المذاهب الكميت والطرماح فإن الكميت كان رافضيا غاليا والطرماح كان خارجيا حروريا وكان بينهما أحسن وألطف ما يكون بين صديقين شقيقين فإذا قيل لهما فى ذلك قالا اجتمعنا على بغض العامة
ومما ينخرط فى سلك هذه الحكاية والحديث شجون ما حدث به ابن عائشة قال كان للحسن بن قيس بن حصين ابن شيعى وابنه حرورية وامرأة معتزلية وأخت مرجئية وهو سنى جماعى فقال لهم ذات يوم أرانى وإياكم طرائق قددا
مضى الحديث كما يقول إسحاق الموصلى فى كتاب الأغانى
473 - ( برد العجوز ) فيه أقاويل مختلفة فمنها أن عجوزا دهرية كاهنة من العرب كانت تخبر قومها ببرد يقع فى أواخر الشتاء وأوائل الربيع فيسوء أثره على المواشى فلم يكترثوا بقولها وجزوا أغنامهم واثقين بإقبال الربيع فلم يلبثوا إلا مديدة حتى وقع برد شديد اهلك الزرع والضرع فقالوا هذا برد العجوز يعنون العجوز التى كانت تنذر به
ومنها أن عجوزا كانت بالجاهلية ولها ثمانية بنين فسألهم أن يزوجوها وألحت عليهم فتآمروا بينهم وقالوا إن قتلناها لم نأمن عشيرتها ولكن نكلفها البروز للهواء ثمان ليال لكل واحد منا ليلة فقالوا لها إن كنت تزعمين أنك شابة فابرزى للهواء ثمان ليال فإننا نزوجك بعدها فوعدت (1/313)
بذلك وتعرت تلك الليلة والزمان شتاء كلب وبرزت للهواء فلما أصبحت قالت
( إيها بنى إننى لنا كحة ... وإن أبيتم إننى لجامحه )
( هان عليكم ما لقيت البارحة ... )
فقالوا لها لا بد أن تنجزى وعدك فى الليالى السبع ففعلت وماتت فى الليلة السابعة
ونسب العرب إليها برد الأيام الثمانية وأسماؤها الصن والصنبر والوبر وآمر ومؤتمر ومعلل ومطفئ الجمر ومكفئ الظعن وفيها شعر مصنوع
( كسع الشتاء بسبعة غبر ... أيام شهلتنا من الشهر )
( فإذا انقضت أيام شهلتنا ... بالصن والصنبر والوبر )
( وبآمر وبأخيه مؤتمر ... ومعلل وبمطفئ الجمر )
( ذهب الشتاء موليا عجلا ... وأتتك وافدة من الحر )
وزعم بعض المفسرين أنها الأيام التى أهلك الله تعالى فيها عادا فقال ( وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى (1/314)
لهم من باقية )
وقد ظرف ابن المعتز فى هجاء عجوز نسب إليها البرد وأوهم أنه يريد برد العجوز المذكورة وهو يعنى برد عجوز أخرى هجاها فقال
( جمد برد العجوز فى كوزها الماء ... وأطفئ نيران مجمرها )
( فليت برد العجوز فى فمها ... وحرها يكون فى حرها )
وقال ابن الرومى وهو يضرب المثل ببرد العجوز
( كنت عند الأمير أيده الله ... لأمر وذاك فى تموز )
( فتغنى فهزنى البرد حتى ... خلت انى فى وسط برد العجوز )
474 - ( غلمة سجاح ) بنت عقفان التميمية أوقح امرأة وأكذبها وذلك أنها كانت كاهنة زمانها تزعم ان رئيها ورئى سطيح واحد ثم جعلت ذلك الرئى ملكا حتى ادعت النبوة بعد موت النبى ثم تجهزت فى قومها إلى مسيلمة الكذاب فقال قيس بن عاصم
( أضحت بنيتنا أنثى نطيف بها ... وأصبحت انبياء الله ذكرانا )
( يا لعنة الله والأقوام كلهم ... على سجاح ومن بالإفك أغرانا )
( اعنى مسيلمة الكذاب لا سقيت ... أصداؤه ماء مزن حيثما كانا )
ولما آمنت به بعد جحدها لنبوته وبعد مناقضتها إياه وهبت نفسها له فقال لها
( ألا قومى إلى المخدع ... فقد هيى لك المضجع ) (1/315)
( فإن شئت سلقناك ... وإن شئت على أربع )
( وإن شئت بثلثيه ... وإن شئت به أجمع )
فقالت بل به أجمع فهو أجمع للشمل فجرى المثل بغلمتها حتى قيل أغلم من سجاح
قال الجاحظ لم نعلم أحدا قط ادعى ان الله أرسله إلى قوم وآمنوا به ثم زعم أنه كاذب سوى طليحة وسجاح فإنهما تنبئآ ثمم اظهرا التوبة وجلسا يحدثان من كان مؤمنا بهما وصدقهما ويخبرانهم بأنهما كانا فيما يدعيان مبطلين كاذبين وإذا لم تستح فاصنع ما شئت
475 - ( بيت عاتكة ) يضرب مثلا فى الموضع الذى تعرض عنه بوجهك وتميل إليه بقلبك وهو من قول الأحوص
( يا بنت عاتكة الذى أتعزل ... حذر العدا وبه الفؤاد موكل )
( إنى لأمنحك الصدود وإننى ... قسما إليك مع الصدود لأميل )
ويحكى أن كلا من يحيى بن خالد وابن المقفع مر ببيت النار فأنشد البيتين وهما من قصيدة طويلة أنشدنيها الأمير السيد أدام الله تأييده يوما من أولها إلى آخرها وأنا أسايره وهو يكسوها أحسن معرض من عبارته وجودة إنشاده فسقط سوطى من يدى وأنا لا اشعر به لاشتغال (1/316)
خاطرى بها وانصراف فكرى كله إلى جزالتها وبراعتها وشرف منشدها فلما انتهى إلى هذا البيت
( واراك تفعل ما تقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول مالا يفعل )
قال لى إن لهذا البيت قصة مع المنصور واستمر فى إنشاء تمام القصيدة فانتهت مسافة الطريق قبل أن اسأله عن تلك القصة وعرضت موانع عن مذاكرته فيها عند النزول والتمكن ثم وجدتها فى أخبار المنصور وهى أنه لما توفيت امرأة أبى بكر الهذلى وكانت أم ولده والقيمة بأمور منزله جزع عليها جزعا شديدا وبلغ ذلك المنصور فأمر الربيع بان يأتيه ويعزيه ثم يقول له إن أمير المؤمنين موجه إليك بجارية نفيسة لها أدب وظرف تسليك عن زوجك وتقوم بأمور دارك وأمر لك معها بفراش وكسوة وصلة فلم يزل الهذلى يتوقعها ونسيها المنصور ثم أن المنصور حج ومعه الهذلى فقال له وهو بالمدينة إنى احب أن اطوف الليلة فى المدينة فاطلب لى رجلا يعرف منازلها ومساكنها وربوعها وطرقها وأخبارها وأحوالها ليكون معى فيعرفنى جميعها فقال أنا لها يا أمير المؤمنين فلما أرخى الليل سدوله خرج المنصور على حمار يطوف مع الهذلى فى سكك المدينة وهو يسأل عن ربع ربع وسكة سكة وموضع موضع فيخبره لمن هو ولمن كان ويقص عليه قصته والحال فيه ثم قال وهذا يا أمير المؤمنين بيت عاتكة الذى يقول فيه الأحوص
( يا بيت عاتكة الذى أتعزل
حذر العدا وبه الفؤاد موكل )
فأنكر المنصور ابتداءه بذكر بيت عاتكة من غير أن يسأله عنه فلما رجع إلى منزله أمر القصيدة كلها على قلبه فإذا فيها
( وأراك تفعل ما نقول وبعضهم ... مذق الحديث يقول مالا يفعل ) (1/317)
فعلم المنصور أنه لم يصل إلى الهذلى ما وعده اياه من الجارية والكسوة والفراش فحمل إليه واعتذر له
476 - ( حمام منجاب ) منجاب امرأة كان لها حمام بالبصرة لم ير مثله وكان يغل غلة كثيرة وكانت تأتى إليه وجوه الناس وفيه يقول
( يا رب قائله يوما وقد تعبت ... كيف الطريق إلى حمام منجاب )
وكان بالبصرة حمام آخر لامرأة تدعى طيبه فكسد عليها فقال لها شاعر
( ما الذى تجعلينه لى ... إن حولت وجوه الناس إلى حمامك ) ونفقته لك وتركت حمام منجاب مهجورا لا يغشى قالت ألف درهم قال فعدليه وأنا أوفى لك بما ضمنته فعدلت الألف فقال الشاعر
( حمام طيبه لا حمام منجاب ... حمام طيبه سخن واسع الباب )
فترك الناس حمام منجاب وأقبلوا على حمام طيبه فوفت للشاعر بالألف وحمام بوران ببغداد كحمام منجاب بالبصرة
477 - ( سوق العروس ) يضرب به المثل فى الحسن فيقال أحسن من سوق العروس وهو مجمع الطرائف ببغداد وما ظنك بأحسن الأسواق (1/318)
فى أحسن البلاد وكان الخوارزمى إذا وصف جارية بالحسن قال كأنها سوق العروس وكأنها العافية فى البدن وكأنها مائة ألف دينار
وسمعت السيد أبا جعفر الموسرى يقول إنما يضاف إلى العروس كل شئ يجمع المحاسن كما يقال سفينة العروس للسفينة الكبيرة التى تشتمل على نفائس الأمتعة للتجارة وخزانة العروس للخزانة الخاصة من خزائن الملوك وسوق العروس لأحسن الأسواق وأجمعها لأحاسن الطرائف لأن العادة جارية باحتفال الناس لتجهيز العرائس بالطرائف والنفائس
478 - ( مرآة الغريبة ) يضرب بها المثل فيقال أنقى من مرآة الغريبة لأن المرأة الغريبة تتعهد مرآتها من الجلاء بما لا يتعهد غيرها وتتفقد من محاسن وجهها مالا يتفقده سواها فمرآتها أبدا مجلوة نقية قال ذو الرمة
( وخد كمرآءة الغريبة أسجح )
479 - ( سوداء العروس ) هى جارية سوادء تبرز أمام العروس الحسناء وتوقف بإزائها لتكون أظهر لمحاسنها
( فأحسن مرأى للكواكب أن ترى ... طوالع فى داج من الليل غيهب )
والشئ يظهر حسنه الضد ولتكون كالعوذة لجمالها وكمالها وإياها عنى أبو إسحاق الصابى بقوله فى غلام حسن الوجه بيده نبيذ أسود
( بنفسى مقبل يهدى فتونا ... إلى الشرب الكرام بحسن قده ) (1/319)
( وفى يده من التمرى كأس ... كسوداء العروس أمام خده )
480 - ( بكاء الثكلى ) يشبه به البكاء الشديد كما قال الشاعر
( ولأبكين على الحسين ... بدمع جم الدمع ساهر )
( ولأبكين بكاء ثكلى ... تسعة فجعت بعاشر )
481 - ( ليلة العروس ) يشبه بها ما يوصف بالحسن كما قال الصاحب
( وشادن فى الحسن كالطاوس ... أخلاقه كليلة العروس )
( قد نال بالحظ من النفوس ... مالم تنله الروم من طرسوس )
482 - ( اصابع زينب ) ضرب من الحلواء ببغداد يدعى أصابع زينب وفيه يقول أبو طالب المأمونى
( وضرب من الحلوى أكنى عن اسمه ... لوجدى بمن يعزى إليه وينسب )
( يصدق معناه اسمه فكأنه ... بنان وأطراف البنان مخضب )
وفيها أيضا يقول
( أحب من الحلواء ما كان مشبها ... بنان عروس فى حبير معصب )
( فما حملت كف الفتى متطعما ... ألذ وأشهى من أصابع زينب )
وكان ابن المطرز شاعر العصر ببغداد عند صديق فأحضر له أصابع زينب فأهوى إلى واحدة منها ليأخذها فقبض الصديق على يده وغمزها غمزة آلمته فقال
( يا مسكرى بمدامة ... ومن الحلاوة ما نعى ) (1/320)
( حاولت إصبع زينب ... فكسرت خمس أصابع )
483 - ( فحش مومسة ) أنشد الجاحظ
( أقسمت أنك انت ألأم من مشى ... فى فحش مومسة وزهو غراب )
484 - ( داء الضرائر ) من أمثال العرب قولهم بينهم داء الضرائر إذا كان بينهم شر دائم وحسد وبغض لأن الضرائر يبغض بعضهن بعضا ولا يكدن يخلون من مشاجرة (1/321)
الباب الثانى والعشرون فى أعضاء الحيوان وما يضاف وينسب إليها ويستعار منها
رأس لقمان
رأس الجالوت
رأس المال
رأس العصا
وجه النهار
عين الرضا
عين العقل
عين الكمال
عين العلا
عين القلب
إنسان العين
عبد العين
أنف الكرم
فم الفتنة
لسان الحال
جرح اللسان
أسنان المشط
سن القلم
سن النادم
ناب النوائب
أذنا عناق
أذنا الحائط
أذن العود
جريعاء الذقن
أعناق الرياح
أيدى سبأ
أنامل الحساب
أصابع الأيتام
ظفر الزمان
كلكل الدهر
صدر الأمر وعجزه
ثمار النحور
ثدى اللؤم
سويداء القلب
ثمرة القلب
قلب العسكر
طلائع القلوب
كبد السماء
داء البطن
ذكر الخصى
شريان الغمام
حبل الوريد
عرق الخال
الاستشهاد
485 - ( رأس لقمان ) العرب كما تصف لقمان بن عاد بالقوة وطول العمر كذلك تصف رأسه بالعظم وتضرب به المثل كما قال الشاعر
( تراه يطوف الآفاق حرصا ... ليأكل رأس لقمان بن عاد )
486 - ( رأس الجالوت ) الجالوت رئيس اليهود كما أن الأسقف رئيس النصارى والموبذ رئيس المجوس
487 - ( رأس المال ) العرب تستعير الرأس لكثير من الأشياء (1/322)
فتقول رأس المال ورأس الليل ورأس الجبل ورأس الزمان ورأس القوم ورأس الجريدة ورأس الأمر وراس العقل ورأس الدين ورأس كذا وكذا قال الخليل بن أحمد اجعل ما فى كتبك رأس المال وما فى قلبك للنفقة ومن أمثال التجار رأس المال أحد الربحين قال ابن الرومى
( كطالب ربح فى سبيل مخوفة ... فأهلك رأس المال والحرص قد يردى )
وقال أبو الشيص فى رأس الليل
( سقانى بها والليل قد شاب رأسه ... غزال بحناء الزجاجة مختضب )
وقال ابن المعتز وهو يصف ناقته
( وباتت تفلى هامة الليل مثلما ... تغلغل مدرى فى قرون كعاب )
وقال أبو محمد الخازن الأصبهانى
( وركابى تطوى البسيطة بالوخد ... وتفرى مفارق الفلوات )
وقال الخزرجى فى رأس الزمان
( قد شاب رأس الزمان واكتهل الدهر ... وأثواب عمره جدد )
وقال الأعشى فى رأس الناس
( لما رأيت زمانى كالحا سمجا ... قد صار فيه رءوس الناس أذنابا )
( يممت خير فتى فى الناس أعلمه ... للشاهدين به أعنى ومن غابا )
وقال إبراهيم بن المهدى فى رأس الحرص
( قد شاب رأسى ورأس الحرص لم يشب ... إن الحريص على الدنيا لفى تعب )
وقال أبو تمام فى رأس الروض وهو يصف ديمة (1/323)
( كشف الروض رأسه واستسر المحل ... منها كما استسر المريب )
وقال ابن المعتز فى رأس الخمر
( معتقة صاغ المزاج لرأسها ... أكاليل در ما لمنظومها سلك )
وقال الصاحب لفخر الدولة
( يا بانيا للقصر بل للعلا ... همك والفرقد تربان )
( لم تبن هذا القصر بل صغته ... تاجا على مفرق جرجان )
وقال بعض السلف رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس
وقال آخر رأس الدين صحة اليقين وقال آخر رأس المآثم الكذب وعمود الكذب البهتان وقال ابن المعتز رأس السخاء اداء الأمانة
488 - ( رأس العصا ) يقال لصغير الرأس رأس العصا وكان عمر بن هبيرة صغير الرأس جدا فقال فيه سويد بن الحارث
( فمن مبلغ رأس العصا أن بيننا ... ضغائن لا تنسى وإن هى سلت )
( رضيت لقيس بالقليل ولم تكن ... أخا راضيا لو أن نعلك زلت )
489 - ( وجه النهار ) وجه النهار أوله وقد نطق القرآن بذلك ويقال بدا وجه النهار وطر شاربه إذا ابتدأت الظلمة فيه
ومن استعارات الوجه قولهم وجه الدهر ووجه الأرض ووجه الأمر ووجه القوم للرئيس ووجه التخت للثوب النفيس ومن استعارات أبى العتاهية للوجه قوله (1/324)
( يا عاشق الدنيا يغرك وجهها ... ولتندمن إذا رأيت قفاها )
ومن استعارات أبى تمام لذلك قوله وهو يعاتب
( فما بال وجه الشعر أغبر قاتما ... وأنف العلا من عطلة الشعر راغم )
وقوله
( كم ماجد سمح تناول جوده ... مطل فأصبح وجه آمله قفا )
وقوله وهو يمدح بدرا
( بدر إذا الإحسان قنع لم يزل ... وجه الصنيعة عنده مكشوفا )
( وإذا غدا المعروف مجهولا غدا ... معروف كفك عنده معروفا )
ومن استعارات أبى الفتح كشاجم للوجه قوله
( يا معرضا عنى بوجه مدبر ... ووجوه دنياه عليه مقبله )
( هل بعد حالك هذه من حالة ... أو غاية إلا انحطاط المنزله )
ولم اجد فى الشعراء أحسن تصرفا فى استعارة الوجه من ابن المعتز فإنه جاء بالسحر الحلال حيث قال
( تفقد مساقط لحظ المريب ... فإن العيون وجوه القلوب )
( وطالع بوادره فى الكلام ... فإنك تجنى ثمار الغيوب )
وقال آخر
( ألم تستحى من وجه المشيب ... وقد ناداك بالوعظ المصيب )
( أراك تعد للآمال ذخرا ... فما أعددت للأجل القريب ) (1/325)
وقال
( قد لعمرى أطال عنا صدودا ... وجه دهر قاس قليل الحياء )
( وضع الجهل ثم قال اجهدوا جهدكم ... يا معاشر العقلاء )
وقال
( دع الناس قد طالما أتبعوك ... ورد إلى الله وجه الأمل )
( ولا تطلب الرزق من طالبيه ... واطلبه ممن به قد كفل )
وقال
( ولقد أخضب سيفى ورمحى ... ووجوه الموت سود وحمر )
وقال فى الخيل
( زينتها غرر ضاحكات ... كبدور فى وجوه الليالى )
وقال فى فصوله القصار لا تشن وجه العفو بالتأنيب
وقال ما أبين وجوه الخير والشر فى مرآة العقل إن لم يصدئها الهوى فأما قول البحترى
( فسلام على جنابك والمنهل ... فيه وربعك المأنوس )
( حيث فعل الأيام ليس بمذموم ... ووجه الزمان غير عبوس )
فهو من أحسن هذه الوجوه كلها وآخذها بمجامع القلوب ولم يقصر من قال
( لا تألمن شحوب وجهك بعدما ... بيضت للسلطان وجه المشرق )
490 - ( عين الرضا ) أول من ذكر عين الرضا فى شعره عبد الله بن معاوية عند جعفر بن أبى طالب حيث قال فى الفضيل بن السائب وأرسل البيت الرابع مثلا (1/326)
( رأيت فضيلا كان شيئا ملفقا ... فكشفه التمحيص حتى بداليا )
( وأنت أخى مالم تكن لى حاجة ... فإن عرضت أيقنت أن لا أخاليا )
( وليست براء عيب ذى الود كله ... ولا بعض ما فيه إذا كنت راضيا )
( فعين الرضا عن كل عيب كليلة ... ولكن عين السخط تبدى المساويا )
ثم تبعه من قال
( وعين البغض تبرز كل عيب ... وعين الحب لا تجد العيوبا )
491 - ( عين العقل ) رأى المأمون فى يد بعض ولده دفترا فقال ما هذا يا بنى فقال ما يشحذ الفطنة ويؤنس الوحدة فقال الحمد لله الذى أرانى من ولدى من ينظر بعين عقله
ولابن المعتز من فصوله القصار من لم يتأمل الأمر بعين عقله لم يقع سيف حيلته إلا على مقتله وله الأمانى تعمى أعين البصائر
492 - ( عين الكمال ) إذا انتهى الشئ إلى منتهاه وبلغ غايته ووافق ذلك إعجاب من يراه ثم عرض له بعض أعراض الدنيا قيل قد أصابته عين الكمال
وفى الدعاء صرف الله عنك عين الكمال (1/327)
قال مؤلف الكتاب
( اقول لمولانا خوارزم شاه لا ... تزل بنداك الغمر للناس مالكا ) ... ( هل المجد إلا خلة من خلالكا ... او البدر إلا نقطة من جمالكا )
( جمعت المعالى والمحاسن كلها ... وقاك إله الناس عين كمالكا )
493 - ( عين العلا ) أحسن ما سمعت فى استعارة العين للعلا قول أبى تمام يرثى وهو من أحسن مراثيه ومراثيه خير شعره
( ألا إن فى ظفر المنية مهجة ... تظل لها عين العلا وهى تدمع )
( هى النفس إن تبك المكارم فقدها ... فمن بين أحشاء المكارم تنزع )
كما ان أحسن ما سمعت فى عين القصائد قول القاضى ابى الحسن على بن عبد العزيز من قصيدة فى الصاحب
( ولى فيك مالو أنصف الشعر صيرت ... قوافيه كحلا فى عيون القصائد )
ومن العيون المستعارة عين الشمس وعين السماء وعين الماء وعين الميزان وعين المتاع وعين النرجس وعين الزمان وعين المنية وبكلها نطقت الأشعار
494 - ( عين القلب ) من ألطف ما قيل فيها قول أبى عثمان الناجم
( لئن راح عن عينى أحمد غائبا ... فما هو عن عين الفؤاد بغائب )
ومن أشهر ما فى ذلك قول أبى تمام
( ولذاك قيل من الظنون جلية ... صدق وفى بعض القلوب عيون )
ولأبى فراس الحمدانى فى معناه
( من السلوان فى عينيك ... آيات وآثار ) (1/328)
( أراها منك بالقلب ... ولى بالقلب إبصار )
( إذا ما برد القلب ... فما تسخنه النار )
495 - ( إنسان العين ) هو ناظر العين الذى به يبصر الإنسان وإنما سمى إنسان العين لأن الإنسان يترآءى فيه قال ذو الرمة
( وإنسان عينى يحسر الماء تارة ... فيبدو وتارات يجم فيغرق )
وقد ظرف ابن الحجاج فى قوله
( إنك إنسان له موقع ... من ناظرى فى جوف إنسانه )
وقد ظرف أبو الفضل الميكالى فى قوله
( أعددت محتفلا ليوم فراغى ... روضا غدا إنسان عين الباغى )
( روض يروض هموم قلبى حسنه ... فيه لكأس الأنس اى مساغ )
( وإذا بدت قضبان ريحان به ... حيث بمثل سلاسل الأصداغ )
وفى ناظر العين يقول منصور الفقيه
( قالوا خذ العين من كل فقلت لهم ... فى العين فضل ولكن ناظر العين )
( حرفان من ألف طومار مسودة ... وربما لم تجد فى الألف حرفين )
496 - ( عبد العين ) هو الذى يخدمك ما دامت عينك تراه فإذا زال عن عينك زال عن خدمتك
قال الجاحظ يقال للمرائى وهو الذى إذا رأى صاحبه تحرك له وأراه السرعة فى طاعته فإذا غاب عن عينه خالف ذلك عبد عين قال الشاعر
( ومولى كعبد العين أما لقاؤه ... فيرضى وأما غيبه فظنون ) (1/329)
497 - ( انف الكرم ) قد تصرف فى استعارة الناس فى استعارة الأنف بين الإصابة والمقاربة وأحسن وأبلغ ما سمعت فيها قول النبى ( جدع الحلال أنف الغيرة )
فأما أنف الكرم فأحسب أن أول من قاله بشار بن برد فى افتخاره ببيته فى العجم وكان يدعى أنه من نسل بهمن بن دارا وهو يقول
( ألا أيها السائلى جاهلا ... ليخبرنى أنا أنف الكرم )
( نمت فى الكرام بنى عامر ... فروعى وأصلى قريش العجم )
وقال لأبى عمرو بن العلاء
( أنت أنف الجود إن زايلته ... عطس الجود بأنف مصطلم )
ثم تبعه ابن الرومى وزاد عليه وأحسن فى قوله
( لو كنت عين المجد كنت سوادها ... او كنت أنف الجود كنت المارنا )
ومن استعارات الأنف قولهم أنف الجبل وانف الباب وخيشوم الربوة وليس يعجبنى قول سهل بن هارون القلم أنف الضمير إذا رعف أعلن أسراره وأبان آثاره ولا قول بعضهم فى وصف القلم
( أنف البلاغة فى البياض رعافه ... أحوى وأحمر من سواد الجحفل )
( يمسى ويصبح لاقحا من فكره ... وضموره ابدا ضمور الحيل )
ولا قول بعض المؤدبين حيث قال
( لأنت أبرد من ثلج على جمد ... ومن خسيف على خيشوم مزراب ) (1/330)
ولا قول أبى تمام
( لنا أيام لم تدم الليالى ... بذكر البين عرنين الصفاء )
بل يعجبنى قول أبى الحسن الموسوى النقيب فى الطائع
( ملك سماحتى تحلق فى العلا ... وأذل عرنين الزمان السامى )
498 - ( فم الفتنة ) قال بعض الحكماء من سد فم الفتنة كفى شرها ومن أضرم نارها صار طعاما لها
وفى الكتاب المبهج إذا كانت البلدة شاغرة كانت أفواه الفتن فاغرة واستعارات الفم أكثر من أن تحصى
ووصف أعرابى قوما فقال كانوا إذا اصطفوا سفرت بينهم السهام وإذا تصافحوا بالسيوف فغرت المنايا أفواهها
وقال بعض شعراء الرشيد يرثيه
( ياسا كنا جدثا فى غير منزله ... ويافريسة دهر غير مفروس )
( لا يوم أولى بتخريق الجيوب ولا ... لطم الخدود ولا جدع المعاطيس )
( من يوم طوس الذى نادت بمصرعه ... على المنابر أفواه القراطيس )
وقال ابن المعتز
( حلوت بأفواه النوائب بعده ... فما تشبع الأيام والدهر من أكلى )
وقال أيضا
( وألسنة من العذبات حمر ... تخاطبنا بأفواه الرماح )
( فجادت ليلها سحا وهطلا ... وتسكابا كأفواه الجراح ) (1/331)
وقال أبو فراس الحمدانى
( رأى الثغر مثغورا فسد بسيفه ... فم الدهر عنه وهو ثعبان فاغر )
وقال أبو الطيب المتنبى
( لقد حسنت بك الأيام حتى ... كأنك فى فم الدنيا ابتسام )
وقال السلامى
( يحلو بأفواه الأصابع صفعة ... حتى كأن قذالة من سكر )
499 - ( لسان الحال ) قال بعض بلغاء الحكماء لسان الحال أنطق من لسان المقال وإلى هذا المعنى اشار البحترى بقوله
( هل تصغين لأخ يقول بحاله ... مستغنيا عن قوله بلسانه )
( زلت بعقوته الخطوب طوارقا ... فتخونته وأنت من إخوانه )
وأنشدنى ابو نصر محمد بن عبد الجبار العتبى لنفسه
( لا تحسبن بشاشتى لك عن رضا ... فوحق فضلك إننى أتملق )
( وإذا نطقت يشكر برك مفصحا ... فلسان حالى بالشكاية أنطق )
ومن الأستعارات الحسنة للسان قول بعضهم لكل شئ لسان ولسان الزمان الشعر وقول الآخر الإستطالة لسان الجهل وقول بعض الفلاسفة الخط لسان اليد (1/332)
وكان يقال لأبن العميد لسان المشرفى
ولابن المعتز من رسالة يعز على أن يكثر دون تلاقينا عدد الأيام وتعبر عن ضمائرنا السن الأقلام
وللصاحب وقفت الشمس للغبار وشافه الليل لسان النهار ولأبى نصر العتبى لسان التقصير قصير
وقال بعض الشعراء فى وصف الميزان
( ولقد نظرت إلى حكومة حاكم ... بلسانه يقضى ولا يتكلم )
وقال آخر
( لسان الدمع أفصح من لسانى ... فلا تسأل سواه بعلم شانى )
وقال آخر فى وصف شمعة
( إذا غازلتها الصبا حركت ... لسان من الذهب الأملس )
وقال السرى فى وصف ليلة باردة
( وقد سفر البرق عن شدة ... لسان السماء بها ناطق )
وقال بعضهم فى وصف الفقاع
( شيخ يسيل له لسان طارد ... بالبرد حر حماره المتوهج )
500 - ( جرح اللسان ) قال امرؤ القيس
( وجرح اللسان كجرح اليد )
وقال بعض الحكماء جرح اليد يجبر وجرح اللسان لا يبقى ولا يذر (1/333)
وقال الشاعر فى معناه
( جراحات السيوف لها التئام ... ولا يلتام ما جرح اللسان )
وفى الحديث ( وهل يكب الناس فى النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ) \ ح \
501 - ( أسنان المشط ) يضرب بها المثل فى التساوى والتشاكل وفى الحديث ( الناس كأسنان المشط وإنما يتفاضلون بالعافية ) \ ح \
وقال كشاجم أبو الفتح
( تشاكلوا فأشكلوا ... فهم كأسنان المشط )
وقال ابن المعتز
( ونحن بنو عم ... كما انفرج المشط )
وقال الصنوبرى وأحسن
( أناس هم المشط استواء لدى الوغى ... إذا اختلف الناس اختلاف المشاجب )
502 - ( سن االقلم ) قال بعض البلغاء فى إحدى سنى القلم أرى وفى الأخرى شرى وهو معنى قول القائل
( وبين ثلاث من انامل كفه ... قضيب به تحيا النفوس وتقتل )
503 - ( سن النادم ) من أمثال العرب فى الندامة قولهم قرع فلان سن نادم وقال جرير
( إذا ركبت قيس خيولا مغيرة ... على القين يقرع سن خزيان نادم ) (1/334)
وقال آخر
( لتقرعن على السن من ندم ... إذا تذكرت يوما بعض أخلاقى )
504 - ( ناب النوائب ) قال ابن المعتز
( قد عضنى ناب النوائب ... ورأيت آمالى كواذب )
( والمرء يعشق لذة الدنيا ... فيغتفر المصائب )
وسمعت الخوارزمى يقول فى ذكر بعض المنكوبين قد عضه ناب النائبة العظمى ورمى بسهم الحادثة الجلى وحصل فى أسر الطامة الكبرى وأحسن ما سمعت فى ناب الدهر قول الأمير أبى الفضل الميكالى فى أبيه
( ولما تتابع صرف الزمان ... فزعنا إلى سيد نابه )
( إذ كشر الدهر عن نابه ... كشفنا الحوادث عنابه )
505 - ( اذن الحائط ) من أمثالهم للحيطان آذان أى خلفها من يسمع ما تقول قال الطرائفى الأبيوردى
( سر الفتى من دمه إن فشا ... فأوله حفظا وكتمانا )
( فاحتط على السر بكتمانه ... فإن للحيطان آذانا )
وأنشدنى أبو حفص عمر بن على لنفسه
( وبارد الطلعة حاذانا ... واسترق السمع فآذانا )
( فقلت للجلاس لا تنبسوا ... فإن للحيطان آذانا )
ومن الآذان المستعارة قول أبى على البصير
( إذا ما شال شوال عكفنا ... على زق وباطية رزوم ) (1/335)
( وإن هم أطاف بنا عركنا ... بأيدى الكأس آذان الهموم )
وقال آخر فى أذن العود
( وكأنه فى حجرها ولد لها ... ضمته بين ترائب ولبان )
( طورا تدغدغ بطنه فإذا هفا ... عركت له أذنا من الآذان )
ولم أسمع فى استعارة الآذان أحسن وأبلغ من قول السيد الأمير أدام الله علوه فى رسالة له والله يمتعه بما يمنحه من خصائص هى آذان الزمان شنوف وفى جيده عقد مرصوف
506 - ( أذنا عناق ) من أمثال العرب جاء بأذنى عناق إذا جاء بالكذب والباطل ويقال أيضا إنها من أوصاف الدواهى نعوذ بالله منها
507 - ( جريعاء الذقن ) من أمثال العرب عن أبى عبيدة والأصمعى أفلت فلان بجريعة الذقن وجريعاء الذقن أى أفلت وقد بلغت نفسه موضع الذقن وهذا مثل للمفلت من الهلاك بعد قربه منه وأنشد
( ملنا على وائل وأفلتنا ... أخو عدى جريعة الذقن )
508 - ( أعناق الرياح ) يضرب مثلا للمسر ع المجد فيقال ركب أعناق الرياح اى من سرعة سيره قال أبو فراس
( عدتنى عن زيارته عواد ... أقل مخوفها سمر الرماح ) (1/336)
( ولو أنى أطعت رسيس شوقى ... ركبت إليه أعناق الرياح )
509 - ( ايدى سبا ) من أمثال العرب فى التفرق ذهبوا أيدى سبا اى متفرقين وأصله من قصة سبأ والسيل العرم الذى خربها وفرق أهلها ولهم يقول الله عز و جل ذكره ( ومزقناهم كل ممزق )
ومن أمثالهم يد الدهر أى الأبد وللشعراء فى استعارة اليد تصرف كثير ومن أحسن ذلك قول لبيد
( وغداة ريح قد كشفت وقرة ... قد اصبحت بيد الشمال زمامها )
وقول ابن المعتز
( سقاها بعانات خليج كأنه ... إذا صافحته راحة الريح مبرد )
وقوله
( كيف يبقى على الحوادث حى ... بيد الدهر عوده منحوت )
وقال سعيد بن حميد
( كلما أحرزت يداي نفيسا ... أسرعت نحوه يد الحدثان )
وقال السرى
( مقدودة خرطت أيدى الشباب لها ... حقين دون مجال العقد من عاج )
وقوله
( يقول خذها فكف الصبح قد اخذت ... فى حل جيب من الظلماء مزرور ) (1/337)
510 - ( أنامل الحساب ) يشبه بها ما يوصف بالسرعة كما قال ابن المعتز فى وصف فرس له
( وله أربع تراها إذا هملج ... تحكى أنامل الحساب )
وقال غيره فى وصف البرق
( أرقت لبرق سرى موهنا ... خفيا كغمزك بالحاجب )
( كأن تألقه فى السماء ... يدا كاتب أو يدا حاسب )
511 - ( اصابع الأيتام ) قال بعض السلف احذروا أصابع الأيتام يعنى رفعهم إياها فى الدعاء على الظالم وهذا كما قيل أحذروا مجانيق الضعفاء اى دعواتهم وفى أصابع الأيتام يقول أبو فراس
( أبذل الحق للخصوم إذا ما ... عجزت عنه قدرة الحكام )
( رب أمر عففت عنه اختيارا ... حذرا من أصابع الأيتام )
512 - ( ظفر الزمان ) قد أكثروا فى ذلك ومن محاسنه قول ابن الرومى
( أنا بين أظفار الزمان وخائف ... منه شبا الأنياب والأضراس )
513 - ( كلكل الدهر ) يستعار كلكل البعير للدهر إذا أخنى على الإنسان فيقال قد القى عليه الدهر كلكله كما قال ابن الرومى
( أما ترى الدهر قد القى كلاكله ... على فتى بينكم ملق كلاكله ) (1/338)
وكما قال الآخر
( إذا ما الدهر جر على أناس ... كلا كله أناخ بآخرينا )
( فقل للشامتين بنا أفيقوا ... سيلقى الشامتون كما لقينا )
514 - ( صدر الأمر وعجزه ) قال أبو تمام
( لأمر عليهم ان تتم صدوره ... وليس عليهم أن تتم عواقبه )
وقال الشاعر
( لو أن صدور الأمر تبدو إلى الفتى ... كأعجازه لم تلقه متندما )
وقال ابن الرومى
( كن فى مدى المجد للأمجاد كلهم ... صدرا وكن فى مدى أعمارهم كفلا )
ومن الصدور المستعارة صدر النهار وصدر المجلس وصدر الإسلام
515 - ( ثمار النحور ) هى الثدى من قول مسلم بن الوليد وهو من استعاراته الحسنة
( فغطت بأيديها ثمار نحورها ... كأيدى الأسارى أثقلتها الجوامع )
وأخذه ديك الجن الحمصى فقال
( ظللت بها أجنى ثمار نحورها ... فتوسعنى سبا وأوسعها صبرا ) (1/339)
وأخذه كشاجم فقال
( غذتها نعمة ولذيذ عيش ... فأنبت صدرها ثمر الشباب )
وما أملح قول ابن المعتز
( لا ورمان النهود ... فوق أغصان القدود )
وقول الصابى من أبيات
( وقال شفاؤه الرمان مما ... تضمنه حشاه من السعير )
( فقلت له اصبت بغير قصد ... ولكن ذاك رمان الصدور )
516 - ( ثدى اللؤم ) أول من استعار ذلك أوس بن مغراء حيث قال
( يشيب على لؤم الفعال كبيرها ... ويغذى بثدى اللؤم منها وليدها )
وأخذ القاضى ابو الحسن على بن عبد العزيز هذه الاستعارة فنقلها إلى المدح وزاد فيها أحسن زيادة فقال للصاحب
( مسترضع بثدى المجد مفترش ... حجر المكارم مفطوم عن البخل )
517 - ( سويداء القلب ) يضرب مثلا لتفضيل بعض الشئ على كله فيقال سويداء القلب وإنسان العين وبيت القصيدة وواسطة القلادة ويضرب أيضا مثلا لمن يعز ويلطف موقعه فيقال هو منى فى سوداء عينى وسويداء قلبى وربما قيل هو فى سوادى عينى وقلبى
518 - ( ثمرة القلب ) كل ما يحبه الإنسان فهو ثمرة قلبه على طريق (1/340)
الاستعارة ويقال للولد ثمرة القلب وفى الخبر ثمرة القلب الولد ولما غضب معاوية على ابنه يزيد فهجره قال له الأحنف يا أمير المؤمنين اولادنا ثمرة قلوبنا وعماد ظهورنا ونحن لهم سماء ظليلة وأرض ذليلة إن غضبوا فأرضهم وإن سألوا فأعطهم ولا تكن عليهم قفلا فيملوا حياتك ويتمنوا موتك
ودخل عمرو بن العاص على معاوية وعنده ابنته عائشة فقال من هذه يا أمير المؤمنين قال هذه تفاحة القلب قال انبذها عنك فإنهن يلدن الأعداء ويقربن البعداء ويورثن الضغائن قال لا تقل هذا يا عمرو فوالله ما مرض المرضى ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان إلا هن وإنك لواجد خالا قد نفعه بنو أخته فقال عمرو ما أراك يا أمير المؤمنين إلا وقد حببتهن إلى بعد بغضى لهن
519 - ( قلب العسكر ) من القلوب المستعارة قلب العسكر وقلب النخلة وقلب الشتاء واستعارة بشار القلب للدن حيث قال
( شربنا من فؤاد الدن حتى ... تركنا الدن ليس له فؤاد )
واستعار اللحام القلب للسماحة فقال
( يا مهجة المجد يا قلب السماحة يا ... روح المعالى وعين الظرف والأدب )
( اليوم يرهبنى من كنت ارهبه ... واليوم اطلب دهرا كان فى طلبى ) (1/341)
520 - ( طلائع القلوب ) قال ابن المعتز فى الفصول القصار العيون طلائع القلوب وقال فيها اللحظ طرف الضمير
وجعل أبو تمام القلوب طلائع الأجساد فقال
( شاب رأسى وما رأيت مشيب الرأس ... إلا من فضل شيب الفؤاد )
( وكذاك القلوب فى كل بؤس ... ونعيم طلائع الأجساد )
521 - ( داء البطن ) يضرب مثلا للشر المستور الذى لا يقدر على مداواته قال بعض السلف فى فتنة عثمان بن عفان رضى الله عنه عن هذه الفتنة كداء البطن الذى لا يدرى من أين يؤتى له
وقال الأسود بن الهيثم النخعى
( بنى عمنا إن العداوة شرها ... ضعائن تبقى فى صدور الأقارب )
( تكون كداء البطن ليس بظاهر ... فيشفى وداء البطن من شر صاحب )
وقال آخر
( وبعض خلائق الأقوام داء ... كداء البطن ليس له دواء )
ومن البطون المستعارة بطن الوادى وبطن القرطاس وبطن الكف وظهر الأمر وبطنه
522 - ( كبد السماء ) يستعار الكبد للسماء فيقال كبد السماء كما يقال عين السماء وأديم السماء وجلدة السماء ودمع السماء كما قال الشاعر
( كالشمس فى كبد السماء محلها ... وشعاعها فى سائر الأفاق ) (1/342)
523 - ( ذكر الخصى ) يضرب مثلا للضعيف الفاتر كما قال الشاعر
( أو ما رأيت الحادثات بأسرها ... اخنت على بكلكل وجران )
( وفترت بعد مرونة فكأننى ... ذكر الخصى وفقحة السكران )
وقد استعار ابن المعتز للسحاب زبا ولا أعرف له أردأ من هذه الاستعارة حيث قال
( أنا لا أشتهى سماء كبطن العير ... والشرب تحتها فى خراب )
( تحت ماء الطوفان أو بحر موسى ... كل يوم يبول زب السحاب )
524 - ( شريان الغمام ) كتب جحظة إلى ابن المعتز كنت عزمت على المصير إلى الأمير ايده الله فانقطع شريان الغمام فقطعنى عن خدمته
فكتب إليه لئن فاتنى السرور بك لم يفتنى بكلامك والسلام
525 - ( حبل الوريد ) يضرب به المثل فى القرب وهو من قول الله تعالى ( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) ويقال للمحكم فى مناه ما تريد أقرب من حبل الوريد
526 - ( عرق الخال ) العرب تقول عرق الخال لا ينام قال الجاحظ زعم كثير من العلماء أن عرق الخال أنزع من عرق العم قالوا والدليل على أن نصيب الأمهات فى الأولاد أكثر وأنها على الشبه أغلب (1/343)
أن أكثر ما تلد الأمهات الإناث وكذلك الناس وجميع الحيوانات فإذا أردت أن تعرف حق ذلك من باطله فأحص سكان عشر دور من يمينك وعشر من شمالك وعشر من خلفك وعشر من أمامك فأنظر أيها أكثر رجالهم أو نساؤهم واعتبر ذلك فى الإبل والبقر والشياه والعرب تكره الأذكار لأن الهجمة يكفيها فحل أو فحلان والناقة تقوم مقام الجمل والجمل لا يسقى اللبن وإذا احتيج منه إلى لحم او سفر كانا سواء وكذلك الحجور فى المروج وعانات الحمير فى الفيافى ليس فى كل عانة إلا فحل واحد وكذلك الدجاج إنما فيها ديك واحد والأم والخال عند العرب أنزع وأشد جذبا للولد لأن الأم والأب قد يستويان فى وجوه ثم تفضل الأم الأب فى وجوه بعد ذلك لأن الولد ليس يخلق من ماء الأب دون ماء الأم قال تعالى ( خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب ) والأب إنما يقذف مثل المخطة أو البصقة ثم يعتزل أو يغيب أو يموت أو يكون حاضرا والأم منها الرحم وهو القالب الذى ينطبع عليه الولد وتفرغ فيه النطفة كما يفرغ الرصاص المذاب فى القالب فإذا وقع ماء الرجل وماء المرأة فى القالب وفى قرار الرحم فامتزجا تشعب خلق الولد على قدر تشعب الرحم ثم لا يغتذى إلا من دم الأم ولا يمتص إلا من قواها ولا يجذب إلا من الأجزاء التى فيها لطائف الأغذية وله ذلك ما دام فى جوفها فإذا ظهر غذته بلبنها ولا يشك الأطباء أن اللبن دم استحال عند خروجه فهى تغذوه بدمها مرتين وتزيد (1/344)
فى خلقه من أجزائها دفعتين ولذلك صار حب النساء للأولاد أشد من حب الرجال
ومن الدليل على غلبة عرق الخال قول عبيد الله بن قيس يهجو حبيب بن المهلب بن أبى صفرة
( غلبت أمه عليه اباه ... فهو كالكابلى اشبه خاله )
وقول الآخر
( وأدركه خالاته فخذلنه ... ألا إن عرق السوء لا بد مدرك )
وأنشد الأصمعى لبعض الشعراء
( سرى عرقه فى القوم حتى أصابهم ... وللخال عرق لا ينام ولا يكد )
وأنشد أبو عبيدة لمكى بن سوادة
( وخالك أصهب السبلات علج ... وعرق الخال ينمى بعد دهر )
وأنشد أبو اليقظان لرجل من كنانة وذكر امرأته وولده
( تخيرتها للنسل وهى غريبة ... فجاءت به كالبدر خرقا معمما )
( فلو شاتم الفتيان فى الحى ظالما ... لما وجدوا غير التكذب مشتما )
وقال الأبيرد وهو يهجو طلبه بن قيس بن عاصم
( قضى الله حقا يابن قيس بن عاصم ... وكان قضاء الله لا يتبدل )
( بأنك يا طلب بن قيس بن عاصم ... مقيم بدار الذل لا تترحل )
( أبت لك اعراق وأم لئيمة ... وخال قصير الباع وغد مفسكل ) (1/345)
قالوا ورأينا الناس يتباهون بأخوالهم قال رسول الله وقد أخذ بيد سعد بن أبى وقاص رضى الله عنه ( هذا خالى فليأت كل امرئ بخاله )
وقال عمرو بن الأهتم حين سب الزبرقان
( لئيم الخال ضيق العطن زمر المروءة حديث الغنى )
وافتخر امرؤ القيس بن حجر بخاله حيث قال
( خالى ابن كبشة لو علمت مكانه ... وأبو يزيد ورهطه أعمامى )
وقال رسول الله ( الخال والد ) \ ح \
والعرب إذا مدحت رجلا قالت ذاك المعم المخول
وقال الله تعالى ( ورفع أبويه على العرش وخروا له سجدا ) وإنما كان أبوه وخاله (1/346)
الباب الثالث والعشرون فى الإبل وما يضاف وينسب إليها
حمر النعم
حنين الإبل
غرائب الإبل
أسلحة الإبل
يوم الجمل
بول الجمل
صولة الجمل
سلا الجمل
ركبتا البعير
غدة البعير
ناقة صالح
راغية البكر
بكر هبنقة
حمل الدهيم
أنف الناقة
خبط عشواء
لطم المنتفش
جمل السقاية
سير السقاية
سفن البر
الاستشهاد
527 - ( حمر النعم ) هى كرائم الإبل يضرب بها المثل فى الرغائب والنفائس فيقال ما يسرنى به حمر النعم قال أبو الطيب المتنبى
( حمر الحلى والمطايا والجلابيب )
فوصفهن بالأخذ بأطراف الحسن لأن الذهب أحمر وهو حليهن ومطاياهن حمر وهى كرائم الإبل وأثوابهن حمر والحسن أحمر قال بشار
( وإذا دخلت تقنعى ... بالحسن إن الحسن أحمر )
وقلت فى كتاب المبهج قول نعم أحسن من حمر النعم تحمل بيض النعم
528 - ( حنين الإبل ) العرب تقول لا أفعل ذلك ما حنت (1/347)
الإبل وما أطت الإبل ومن أمثالهم أحن من شارف وهى الناقة المسنة لأنها اشد حنينا إلى ولدها من غيرها
ومن العرب من يصف الإبل بالرقة والحنين كما قال متمم بن نويرة
( فما وجد أظار ثلاث روائم ... رأين مجرا من حوار ومصرعا )
( يذكرن ذا البث الحزين ببثه ... إذا حنت الأولى سجعن لها معا )
( بأوجع منى يوم فارقت مالكا ... وقام به الناعى الرفيع فأسمعا )
ومنهم من يصفها بالحقد وغلظ الأكباد كما قال بلعاء بن قيس الكنانى
( يبكى علينا ولا نبكى على أحد ... لنحن أغلظ أكبادا من الإبل )
ومن أمثالهم احقد من جمل
وللبديع الهمذانى من فصل إن الإبل على غلظ أكبادها لتحن إلى أعطانها وإن الطير لتقطع عرض النهر إلى أوطانها
529 - ( غرائب الإبل ) من أمثال العرب ضرب ضرب غرائب الإبل وذلك ان رب الإبل إذا أوردها ذاد عنها الغرائب بالضرب فيضرب مثلا للرجل يظلم فيقال ارفع عنك الظلم بالضرب وبأشد ما تقدر عليه قال الكميت (1/348)
( وردت مياههم صائما ... كحائمة ورد مستعذب )
( فما خلأتنى غض السقاء
ولا قيل ابعد ولا أغرب )
وقال الحجاج على منبر الكوفة والله لأعصبنكم عصب السلمة ولألحونكم لحو العود ولأضربنكم ضرب غرائب الإبل ولآخذن البرئ بالسقيم والمطيع بالعاصى والبعيد بالقريب حتى تستقيم لى قناتكم )
530 - ( أسلحة الإبل ) من أمثال العرب عن ابى عمرو والأصمعى قولهم أخذت الإبل أسلحتها وتترست بتروسها ويقال رماحها وذلك ان يأتيها الرجل فيريد أن ينحرها أو يحلبها فتروقه فلا تنحر ولا تحلب فكأن سمنها وحسنها أسلحة لها تحول بينها وبين من يريد ان ينحرها أو يحلبها قالت ليلى الأخيلية
( ولا تأخذ البدن الصفايا سلاحها ... لتوبة فى نحس الشتاء الصنابر )
وقال النمر بن تولب
( أيام لم تأخذ إلى سلاحها ... إبلى بحلبتها ولا أعشارها )
531 - ( يوم الجمل ) حكى الجاحظ فى كتاب البغال قال وقع شر بين قوم بالمدينة فقالت عائشة رضى الله عنها أسرجوا لى بغلى فقال ابن أبى عتيق يا أم المؤمنين نحن لم نغسل بعد رءوسنا من يوم الجمل أفتريدين (1/349)
أن يقال يوم البغل قرى فى بيتك رحمك الله
وأنشد الصولى لابن مهران الدفاف
( إذا نزلت منزلا ... للطالبين لهم فقل )
( يا رائدين للندى ... حى على خير العمل )
( والضاربين أمهم ... بالسيف فى يوم الجمل )
( فعالكم من صبر ... وقولكم مثل العسل )
( ما إن رأينا أحدا ... منكم تولى فعدل )
( ولا نهى عن نفل ... إلا رعى ذاك النفل )
532 - ( بول الجمل ) يضرب به المثل فى الإدبار لأنه من بين الأبوال إلى وراء والعرب تقول اخلف من بول الجمل لأنه يبول إلى خلف قال الشاعر
( وأخلف من بول البعير لأنه ... إذا هو للإقبال وجه أدبرا )
وقال ابن الحجاج
( أنت كما قلت ولكن كما ... قد يزرق البختى إلى خلف )
533 - ( صولة الجمل ) تقول العرب فى أمثالها أصول من جمل ومعناه أعض يقال صال الجمل وعض الكلب وعقر أفصح وفى الحديث إن العرف لينفع عند الجمل الصوال والكلب العقور
قال الجاحظ أو ما علمت أن الإنسان الذى خلق له ما فى السموات (1/350)
والأرض وما بينهما كما قال ( وسخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض جميعا منه ) أنما سموه العالم الصغير سليل العالم الكبير حين وجدوا فيه من جميع أشكال ما فى العالم الكبير ووجدوا له الحواس الخمس ووجدوه يأكل اللحم والحب ويجمع بين ما يقتاته السبع والبهيمة ووجدوا له صولة الجمل ووثوب الأسد وغدر الذئب وروغان الثعلب وجبن الصقر وجمع الذرة وصنعة الزرافة وجود الديك وإلف الكلب واهتداء الحمام وربما وجدوا فيه من كل نوع من البهائم والسباع خلتين أو ثلاثا ولا يبلغ أن يكون جملا بأن يكون فيه اهتداؤه وغيرته وصوله وحقده وصبره على حمل الثقل ولا يلزمه شبه الذئب بقدر ما يتهيأ فيه من مثل مكره وغدره واسترواحه وتوحشه وشدة قلبه كما أن الرجل يصيب الرأي الغامض المرة والمرتين والثلاث ولا يبلغ بذلك المقدار أن يقال له داهية وذو مكر وصاحب خدعة كما يخطئ الرجل فيفحش خطؤه فى المرة والمرتين والثلاث ولا يبلغ الأمر به أن يقال غبى وأبله ومنقوص
534 - ( سلا الجمل ) العرب تقول فى بلوغ الشدة منتهى غايتها وقع القوم فى سلا جمل وهو شئ لا مثل له لأن السلا إنما يكون للناقة ولا يكون للجمل
قال اللحيانى السلا ما تلقيه الناقة إذا وضعت والوليد يتشحط فى السلا أى يضطرب قال النابغة
( ويقذفن بالأولاد فى كل منزل ... تشحط فى أسلائها كالوصائل ) (1/351)
الوصائل البرود الححمر وقال غيره سلا الجمل كما يقال لبن الطير ومخ الذر وحلم العصفور واير الخصى كل هذا يضرب مثلا لما لا يكون ولا يوجد 353 ( ركبتا البعير ) يضرب بهما المثل فى الشيئين المتساويين والرجلين المتكافئين اللذين لا يفضل أحدهما على الآخر
ولما تنافر عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة إلى هرم بن قطبة لم يرد أن ينفر احدهما على الآخر فقال لهما أنتما كركبتى البعير تقعان على الأرض جميعا وما منكما إلا سيد كريم فانصرفا راضيين
536 - ( ناقة صالح ) هى ناقة الله التى سبق ذكرها فى الباب الأول ويقال لها ناقة صالح ويقول من ينبه على براءة ساحته إنى لم أعقر ناقة صالح
537 - ( غدة البعير ) غدة البعير بمنزلة طاعون الإنسان ولما انصرف عامر بن الطفيل من عند النبى وقد آذاه بلسانه وانطوى له على غير الجميل نزل ديار بنى سلول بن صعصعة فغد فجعل يقول اغدة كغدة البعير وموت فى بيت سلولية حتى مات فصار قوله مثلا فى اجتماع خلتين مكروهتين
538 - ( راغية البكر ) من أمثال العرب عن أبى عمرو قولهم كانت عليهم كراغية البكر أى استؤصلوا استئصالا ويقال أيضا (1/352)
كانت عليهم كراغية السقب يعنون رغاء بكر ثمود حين عقر الناقة قدار وهو أحمر ثمود قال علقمة بن عبدة فى السقب
( رغا فوقهم سقب السماء فداحص )
واالداحص والفاحص والماحص سواء يقال للشاة إذا ذبحت دحصت برجلها أى ضربت بها
وقال الجعدى
( رأيت البكر بكر بنى ثمود ... وأنت أراك بكر الأشعريا )
قاله لأبى موسى الأشعرى رضى الله عنه
وقال أيضا
( ورغا لهم سقب السماء وخنقت ... مهج النفوس بكارب متزلف ) كارب يملأ النفوس كربا ومتزلف دان
وقال أوس بن حجر
( رغا البكر فيهم رغوة حين أدبروا ... فما كان عنهم رغوة البكر تقلع ) وإنما ضرب البكر مثلا للحرب
539 - ( بكر هبنقة ) من أمثالهم هو اروى من بكر هبنقة وهو يزيد بن ثروان المضروب به المثل فى الحمق كان له بكر يصدر مع (1/353)
الصادر وقد روى ثم يرد دمع الوارد قبل أن يصل إلى الكلأ فسار ذكره مثلا فى الحمق
540 - ( حمل الدهيم ) يضرب به المثل فيقال أثقل من حمل الدهيم والدهيم الناقة التى حمل عليها كثيف التغلبى رءوس أبناء زبان الذهلى حين قتلهم فجعلت العرب حمل الدهيم مثلا فى الدواهى العظام قال الشاعر
( يقودهم سعد إلى البيت أمه ... إلا إنما تزجى الدهيم وما تدرى )
541 - ( أنف الناقة ) هو جعفر بن قريع وإنما سمى أنف الناقة لأن قريعا نحر جزورا فقسمه بين نسائه فأدخل جعفر وهو غلام يده فى أنف الناقة وجر الرأس إلى أمه فسمى به ومن ولده بغيض بن عامر بن شماس بن لأى بن أنف الناقة الذى مدحه وقومه الحطيئة فقال
( قوم هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يسوى بأنف الناقة الذنبا ) وكانوا يغضبون إذا نودوا بهذا اللقب فلما قال فيهم الحطيئة هذا البيت جعلوا يتبجحون به ومنه أخذ ابن الرومى قوله
( لا بل هم الأنف والأذناب غيرهم ... ومن يمثل بين الأنف والذنب )
542 - ( خبط عشواء ) يضرب مثلا لمن أصابه منه بين معافى ومبتلى ولمن يصيب مرة ويخطئ أخرى والعشواء الناقة التى لا تبصر ليلا وهى تطأ كل شئ قال زهير (1/354)
( رأيت المنايا خبط عشواء من تصب ... تمته ومن تخطئ يعمر فيهرم )
ومن كلام الجاحظ يخبط خبط العشواء ويحكم حكم الورهاء ويناسب أخلاق النساء
543 - ( لطم المنتقش ) من أمثال العرب لطمه لطم المنتقش وهو البعير إذا شاكته الشوكة لا يزال يضرب بيده الأرض يروم انتقاشها
544 - ( جمل السقاية ) يضرب مثلا فى الأمتهان فيقال ما هو إلا جمل السقيا وحمار الحوائج وقال نصر الخبز ارزى
( ولو جمل السقاية لقبوه ... بمعشوق تحرى أخذ روحى )
545 - ( سير السوانى ) يضرب مثلا فيما يدوم ولا يكاد ينقص فيقال سير السوانى سفر لا ينقطع والسوانى اسم الساقية بآلاتها وأدواتها والسوانى الإبل التى يسقى عليها بالسوانى سميت بأسمائها ومن أمثالهم أذل من بعير سانية وهو الذى يدير السانية قال الطرماح
( قبيلته أذل من السوانى ... وأعرف للهوان من الخصاف )
وقال بعض المحدثين
( أقلا من اللوم يا عاذلاتى ... فحب الغوانى كبير السوانى )
546 - ( سفن البر ) يقال للجمال سفن البر وهى من قوله (1/355)
تعالى ( وآية لهم أنا حملنا ذريتهم فى الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون )
وقال بعض العرب فى وصف ناقة ما هى إلا سفينة برية
وقال آخرفى فصل الإبل سفن البر وجلودها قرب ولحومها نشب وبعرها حطب واثمانها ذهب (1/356)
الباب الرابع والعشرون فى الخيل والبغال
نواصى الخيل
خيلاء الخيل
جرى المذكيات
طلق الجموح
خاصى خصاف
شبديز كسرى
أشقر مروان
فارس الأبلق
شؤم داحس
فرسا رهان
فريق الخيل
فحل السوء
بغلة أبى دلامة
أخلاق البغال
الاستشهاد
547 - ( نواصى الخيل ) تضرب مثلا للعز والرفعة فقد يقال العز فى نواصى الخيل والذل فى أذناب البقر
قال بعض أهل العصر
( قلت لما أدنت الدنيا لنا ... نفرا ذقنا بهم حر سقر )
( فاتنا عز نواصى الخيل فليبق ... فينا ذل أذناب البقر )
548 - ( خيلاء الخيل ) عبر بعضهم بركوب البغل فقال هذا مركب تطأطأ عن خيلاء الخيل وارتفع عن ذلة العير وخير الأمور أوسطها
وقال بعض البلغاء الخيل للاختيال والبغل للإيغال والجمل للأثقال قال السرى لسيف الدولة
( لله سيف تمنى السيف شيمته ... ودولة حسدتها فخرها الدول )
( وعاشق خيلاء الخيل مبتذل ... نفسا تصان المعالى حين تبتذل ) (1/357)
549 - ( جرى المذكيات ) من أمثال العرب جرى المذكيات غلاب قال الأصمعى قيل فى الخيل المسان لأنها أقوى من الجذاع لأنها تحتمل أن تغالب الجرى غلابا
ومن أمثالهم جرى المذكى حسرت عنه الحمر يضرب مثلا للرجل المتقدم المفضل على غيره ممن قصر سعيه ولم يدرك مناه والمذكى هو الذى جاوز سن الفتى ولم يبلغ سن الهرم وقد تكامل فيه نشاطه
550 - ( طلق الجموح ) يضرب مثلا للشاب يمعن فى التصابى والخلاعة فيشبه الفرس الجموح إذا عدا فى حاجة لم ينهنهه شئ قال أبو نواس
( جربت مع الصبا طلق الجموح ... وهان على مأثور القبيح )
551 - ( خاصى خصاف ) من أمثال العرب عن أبى عمرو وهو أجرأ من خاصى خصاف وخصاف اسم فرس كان لرجل من باهلة فطلبه منه بعض الملوك للفحلة فخصاه فضرب به المثل فى الجرأة على الملوك
552 - ( شبديز كسرى ) من خصائص كسرى بن أبرويز أن الناس لم يروا أحد قط فى زمانه أمد قامة ولا أتم خلقة ولا أوفر جسامة ولا أبرع جمالا منه فكان لا يحمله إلا فرسه شبديز وكان فى الأفراس كهو فى الناس يضرب به المثل فى عظم الخلق وكرم الخلق وجمع شرائط العتق (1/358)
ولما مات شبديز لم يجسر أحد على نعيه إليه فضمن صاحب الدواب للفلهيد المغنى مالا وسأله أن يعرض لأبرويز بموت شبديز فقال وهو يغنيه فى مجلسه
( شبديز لا يسعى ولا ... يرعى ولا ينام )
فقال أبرويز قد مات إذا فقال الفلهيد من الملك سمعت ثم كان أبرويز بعد لا يحمله إلا فيل من أفيلته كان يجمع وطاءة ظهر الفيل وثياب قوائمه من الوحل وأمن راكبه من العثار ولين مشيه وبعد خطوته وكان ألطفها بدنا وأعدلها جسما
553 - ( اشقر مروان ) هذا فرس مشهور كان لمروان بن محمد آخر ملوك بنى مروان وكان يعدل شبديز أبرويز فى الحسن والكرم واستيفاء أقسام الجودة والعتق ثم فى اشتهار الذكر حتى صار مثلا لكل طرف عتيق وفرس كريم
وأخبرنى أبو النصر المرزبان قال سمعت أبا حاتم الوراق يقول قرأت فى بعض الكتب أن مروان كان يبتهج به كأبتهاجه بعبد الحميد الكاتب والبعلبكى المؤذن وسلام الحادى وكوثر الخادم وكل واحد منهم فى فنه فرد فى جنسه لم ير مثله وكان يباهى بالأشقر فيقول كالأشقر ويقرب مربطه ويبالغ فى إكرامه والعرب تتشاءم بالأشقر فتقول كالأشقر ان تقدم نحر وإن تأخر عقر ويقال إن مروان أدركه شؤم الأشقر كما ادرك لقيط ابن زرارة يوم جبلة شؤم اشقر كان تحته وكان يقول اشقر إن تتقدم تنحر وإن تتأخر تعقر (1/359)
ولما زال أمر مروان صار الأشقر إلى السفاح فحمل يحيى بن جعفر بن تمام بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب عليه وقد تحطم وهرم وكان يركبه ويعجب به وكان قد استفحل فبلغ من كرمه على هرمه أنه كان يحمل فى محفه عاج وينقل من مرج إلى مرج ولم يسمع له بنسل وقد ذكره ابو نخيلة حين دخل على السفاح فى قوله
( أصبحت الأنبار دارا تعمر ... وخربت من النفاق أدؤر )
( حمص وقنسرينها فتدمر ... أين أبو الورد وأين كوثر )
( وأين مروان واين الأشقر )
554 - ( فارس الأبلق ) يضرب به المثل فى الشهرة فيقال أشهر من فارس الأبلق ومن الفرس الأبلق وكان الرئيس من رؤساء العساكر إذا اراد أن يشتهر فى المعركة ركب فرسا أبلق ولبس مشهرة
555 - ( شؤم داحس ) كان داحس فرسا لقيس بن زهير جرى به المثل فى الشؤم لأن الحرب من أجله دامت بين ذيبان وعبس أربعين سنة
556 - ( فرسا رهان ) من أمثال العرب فى الاثنين يستبقان إلى غاية فيقال لهما كفرسى رهان وقال يحيى بن خالد للموصلى بكر إلى غدا فقال أنا والصبح كفرسى رهان ومن أحسن التمثل بهما ابن طباطبا حيث قال
( أتانى منك يا خلى كتاب ... ألذ إلى من نيل الأمانى )
( كتاب حشوه شعر موشى ... بألفاظ تسابقها المعانى ) (1/360)
( إذا أصغى لها سمع وفهم ... حسبتهما معا فرسي رهان )
557 - ( فريق الخيل ) من أمثال العر ب هو أسرع من فريق الخيل وهو السابق لأنه يفارقها فينفر عنها
558 - ( فحل السوء ) يضرب مثلا لمن يجسر على الأقرباء فيؤذيهم ويجبن عن الأجانب فلا يتعرض لهم قال عيسى بن إدريس والد أبى دلف لأخيه يحيى بن إدريس
( تصول على الأدنى وتجتنب العدا ... وما هكذا تبنى المكارم يا يحيى )
( فأنت كفحل السوء يبذل أمه ... ويترك باقى الخيل سائمة ترعى )
559 - ( بغلة أبى دلامة ) كان لأبى دلامة بغلة مشهورة يضرب بها المثل فى كثرة العيوب لأنه قال فيها قصيدة طويلة تشمل على ذكر عيوبها فيقال ما هو إلا كبغلة أبى دلامة وطيلسان ابن حرب وأير أبى حكيم وحمار طياب وشاة سعيد والقصيدة هذه
( أبعد الخيل أركبها كراما ... وبعد الغر من حضر البغال )
( رزئت ببغلة فيها وكال ... وليت ولم يكن غير الوكال )
( رأيت عيوبها وعييت فيها ... ولو أفنيت مجتهدا مقالى )
( ليحضر منطقى وكلام غيرى ... فخير خصالها شر الخصال )
( فأهون عيبها أنى إذا ما ... نزلت فقلت إمشى لا تبالى ) (1/361)
( تقوم فما تسير هناك سيرا ... وترمحنى وتأخذ فى قتالى )
( وحين ركبتها آذيت نفسى ... بضرب باليمين وبالشمال )
( وبالرجلين أركزها جميعا ... فيالك فى الشقاء وفى الكلال )
( أتيت بها الكناسة مستبيعا ... أفكر دائبا كيف احتيالى )
( فبينا فكرتى فى السوم تسرى ... إذا ما سمت أرخص أم غالى )
( أتانى خائب جمق شقى ... قديم فى الخسارة والضلال )
( فلما ابتاعها منى وصارت ... له فى البيع غير المستقال )
( أخذت بثوبه وبرئت مما ... أعد عليك من شنع الخصال )
( برئت إليك من مشش قديم ... ومن جرد ومن بلل المخالى )
( ومن فرط الحران ومن جماح ... ومن ضعف الأسافل والأعالى )
( ومن عض اللسان ومن خراط ... إذا ماهم صحبك بارتحال )
( ومن كدم الغلام ومن بياض ... بناظرها ومن حل الحبال )
( تقطع جلدها جربا وحكا ... إذا هزلت وفى غير الهزال )
( وألطف من فريخ الذر مشيا ... بها عرن وداء من سلال )
( وتكسر سرجها أبدا شماسا ... وتسقط فى الرمال وفى الوحال )
( ويهزلها الجمام إذا خصبنا ... ويدمى ظهرها مس الجلال ) (1/362)
( وتحفى إن بسطت لها الحشايا ... ولو تمشى على دمث الرمال )
( وتفزع من صياح الديك شهرا ... وتنفر للصفير وللخيال )
( إذا استعجلتها عثرت وبالت ... وقامت ساعة عند المبال )
( وتضرط أربعين إذا وقفنا ... على أهل المجالس للسؤال )
( فتقطع منطقى وتحول بينى ... وبين حديثهم مما توالى )
( حرون حين تركبها الحضر ... جموح حين تعزم للنزال )
( وألف عصا وسوط أصبحى ... ألذ لها من الشرب الزلال )
( وأما القت فأت بألف وقر ... كأعظم حمل أو ساق الجمال )
( فإنك لست عالفها ثلاثا ... وعندك منه عود للخلال )
( وإن عطشت فأوردها دجيلا ... إذا أوردت أو نهرى بلال )
( فذاك لريها سقيت حميما ... وإن مد الفرات فللنهال )
( وكانت قارحا أيام كسرى ... وتذكر تبعا عند الفعال )
( وتذكر إذ تشأ بهرام جور ... وذا الأكتاف فى الحقب الخوالى )
( فقد مرت بقرن بعد قرن ... وأخر عهدها لهلاك مالى )
( فأبدلنى بها يا رب طرفا ... يزين بحسن مركبه جمالى ) (1/363)
وقد أورد الجاحظ قصيدة أبى دلامة هذه فى قصائد البغال قال والمثل فى البغال بغلة أبى دلامة وفى الحمير حمار العبادى وفى الغنم شاة منيع وفى الكلاب كلبة أم حومل
560 - ( أخلاق البغال ) قال الجاحظ لما كان البغل من الخلق المركب والطبائع المؤلفة والأخلاق المختلفة تكون فى أخلاقه العيوب الكثيرة المتولدة من مزاجه شر الطباع مما تجاذبته الأعراق المتضادة والأخلاق المتفاوتة والعناصر المتباعدة
وقال فى موضع آخر البغل كثير التلون وبه يضرب المثل قال ابن حازم الباهلى فى تلون البغل
( مالى رأيتك لا تدوم ... على المودة للرجال )
( متبرما أبدا بمن ... آخيت ودك فى سفال )
وقال آخر
( ومتى سبرت أبا العلاء وجدته ... متلونا كتلون الأبغال )
وقال البحترى يهجو قوما
( وأخلاق البغال فكل يوم ... يعن لبعضهم خلق جديد )
وقال ابن بسام
( وجوه لا تهش إلى المعالى ... وأستاه تهش إلى الأيور )
( وأخلاق البغال إذا استجموا ... وضرط فى المجالس كالحمير ) (1/364)
الباب الخامس والعشرون فى الحمير
حمار العزير
حمار أبى الهذيل
حمار العبادى
حمار الحوائج
حمار القصار
حمار طياب
حمار قبان
عير أبى سيارة
أسنان الحمار
ظمء الحمار
صبر الحمار
ولد الحمار
ذنب الحمار
سنة الحمار
صوف الحمار
خاصى العير
عنكما العير
الاستشهاد
561 - ( حمار العزير ) قد تقدم
562 - ( حمار ابى الهذيل ) يضرب مثلا فى الأمر الصغير يتكلم فيه الرجل ومن قصته أن أبا الهذيل دخل على المأمون فاحتبسه ليأكل معه فلما وضعت المائدة وأخذوا فى الأكل قال أبو الهذيل يا أمير المؤمنين إن الله لا يستحى من الحق غلامى وحمارى بالباب فقال صدقت يا أبا الهذيل ودعا بالحاجب فقال له اخرج إلى غلام أبى الهذيل وحماره فتقدم بما يصلحهما فخرج وفعل
وكان محمد بن الجهم إذا تعذر عليه أمر يقول إن الذى سخر المأمون لحمار أبى الهذيل وغلامه قادر على ان يسهل لنا هذا الأمر
وفعل أبو الهذيل مثل ذلك على مائدة المعتصم فقال يا غلام امض حتى تطرح لحمار أبى الهذيل علفا وأمر بإطعام غلامه فقال أحمد بن أبى داود (1/365)
يا أمير المؤمنين أما ترى لجلالة هذا الشيخ وتفقده ما يلزمه من خواص أمره لم يمنعه جلالة مجلسك عما يجب لله ورسوله فى غلامه وحماره فجعل أحمد ما قدره بعض من حضر من الحاجة إلى الأعتذار منه الشهادة بالفضل له
563 - ( حمار العبادى ) من أمثال العرب فى الشيئين الرديئين ما أحدهما بأمثل من الآخر هما كحمارى العبادى وهو الذى قيل له أى حماريك شر فقال ذا ثم ذا
وتحاكم نفر إلى الرقاشى فى أيهما انذل وأسفل الكناس أو الحجام فأنشد قول الشاعر
( حمار العبادى الذى سيل فيهما ... وكانا على حال من الشر واحد )
564 - ( حمار الحوائج ) يضرب مثلا لمن يمتهن ومن أمثال العرب أتخذوا فلانا حمار الحوائج
ومن أمثال العامة فلان قواد القرية وجمل السقاية وكلب الجماعة وحمار الحوائج
565 - ( حمار طياب ) كان لطياب السقاء قديم الصحبة ضعيف الحملة شديد الهزال ظاهر الانخذال كاسف البال يسقى عليه ويرفق به ويرتزق منه مدة مديدة من الدهر وكان عرضة لشعر أبى غلالة المخزومى كما أن شاة سعيد كانت عرضة لشعر الحمدونى ولأنى غلالة فى وصفه بالضعف والتوجع له من الخسف نيف وعشرون مقطوعة مضمنة أوردها (1/366)
كلها حمزة الأصبهانى فى كتابه مضاحك الأشعار على حروف الهجاء
وحكى محمد بن داود الجراح عن جعفر رفيق طياب أن حمار طياب نفق فمات طياب على أثره بأسبوع ثم مات أبو غلالة على اثر حمار طياب وكان ذلك من عجيب الاتفاقات وسار حمار طياب مثلا كبغلة ابى دلامة فى الضعف وكثرة العيب وطيلسان ابن حرب وشاة سعيد فى كثرة ما قيل فى كل منهما فمن ملح أبى غلالة ما أورده ابن أبى عون فى كتاب التشبيهات ولم يورد سوى المختار قوله
( يا سائلى عن حمار طياب ... ذاك حمار حليف أوصاب )
( كأنه والذباب يأخذه ... من وجه تقار ووشاب )
ومما أورده حمزة قوله
( وحمار بكت عليه الحمير ... دق حتى به الذباب يطير )
( كان فيما مضى يقوم بضعف ... فهو اليوم واقف لا يسير )
( كيف يمشى وليس يعلف شيئا ... وهو شيخ من الحمير كبير )
( يأكل التبن فى الزمان ولكن ... أبعد الأبعدين عنه الشعير )
( عاين القت مرة من بعيد ... فتغنى وفى الفؤاد سمير )
( ليس لى منك يا ظلوم نصير ... انا عبد الهوى وأنت أمير )
وقوله
( أقسمت بالكاس والمدام ... وصحبة الفتية الكرام )
( أن لست أبكى على رسوم ... غيرها هاطل الغمام )
( لكن بكائى على حمار ... موكل الجسم بالسقام ) (1/367)
( قد ذاب ضرا ومات هزلا ... فصار جلدا على عظام )
( ومر يوما به شعير ... مقدار كفين للحمام )
( وحمل قت لشاة قوم ... كلاهما فى يدى غلام )
( فظل من فرحه يغنى ... وقال قد جاءنى طعامى )
( يا زائرينا من الخيام ... حياكم الله بالسلام )
( لم تطرقانى وبى حراك ... إلى حلال ولا حرام )
وقوله
( حمار أتاح به ضره ... ودار عليه بذاك الفلك )
( يميل من الضعف فى مشيه ... ويسقط فى كل درب سلك )
( فأما الشعير فما ذاقه ... كما لا يذوق الطعام الملك )
( يغنى على القت لما يراه ... وقد هزه الجوع حتى هلك )
( أخذت فؤادى فعذبته ... واسهرت عينى فما حل لك )
وقوله
( لم أبك شجوا لفقد حب ... ولا ابتلانى بذلك ربى )
( لكننى قد بكيت حزنا ... على حمار لجار جنب )
( لو شم ريح الشعير شما ... من غير أكل لقال حسبى )
( أو عاين القت من بعيد ... يوما لغنى بصوت صب )
( ليس يزول الذى بقلبى ... يا من جفانى بغير ذنب )
قوله
( حمار طياب لا تحصى معايبه ... ما فيه أكثر مما قلته فيه )
( قد دق حتى رأيت الخيط يشبهه ... من الهزال وعين الضر تبكيه )
( أقسمت بالله لولا التبن يأكله ... فى كل شهر لكان الجوع يفنيه ) (1/368)
( ما زال يطلب وصل القت مجتهدا ... والقت يقتله بالصد والتيه )
( حتى تغنى له من طول جفوته ... صوتا يبوح بما قد كان يخفيه )
( النجم يرحمنى مما أكابده ... وأنت فى غفلة عما أقاسيه )
566 - ( حمار قبان ) من أمثال العرب هو أذل من حمار قبان وهو ضرب من الخنافس بين مكة والمدينة قال الراجز
( يا عجبا لقد رأيت عجبا ... حمار قبان يسوق أرنبا ) 3567 ( عير أبى سيارة ) هذا عير مشهور يتمثل به فيقال أصح من عير ابى سيارة للرجل الصحيح فى بدنه وأبو سيارة رجل من عدوان واسمه عميلة بن خالد بن اعزل وكان له حمار أسود أجاز الناس عليه من مزدلفة إلى منى أربعين سنة وكان يقف فيقول شعرا
( خلوا الطريق عن أبى سيارة ... وعن مواليه بنى فزارة )
( حتى يجيز سالما حماره ... مستقبل القبلة يدعو جاره )
قال الجاحظ أعمار حمر الوحش تزيد على أعمار الحمر الأهلية ولا يعرف حمار أهلى عاش أكثر وعمر أطول من عير أبى سيارة فإنهم لا يشكون أنه دفع عليه أهل الموسم أربعين عاما
وكان يقول اللهم حبب بين نسائنا وبغض بين رعائنا واجعل الما فى سمحائنا
قال حمزة وكان الفضل بن على الرقاشى وخالد بن صفوان يختاران (1/369)
ركوب الحمير على البراذين ويجعلان حمار أبى سيارة قدوة لهما
فأما الفضل فإنه سئل عن ركوب الحمار فقال لأنه أقل الدواب مئونة وأكثرها معونة وأسهلها جماحا وصرعا وأخفضها مهوى وأقربها مرتقى يزهى راكبه وقد تواضع بركوبه ويدعى مقتصدا وقد اسرف فى ثمنه ولو شاء أبو سيارة أن يركب جملا مهريا او فرسا عربيا لفعل ولكنه امتطى عيرا أربعين سنة
فأما خالد فإن بعض أشراف البصرة لقيه فرآه على حمار فقال ما هذا المركب فقال عير من أصل الكدار أصحر السربال محملج القوائم مفتول الأجلاد يحمل الرحلة ويبلغ العقبة ويقل داؤه ويخف دواؤه ويمنعنى ان أكون جبارا فى الأرض أو أكون من المفسدين ولولا ما فى الحمار من المنفعة لما امتطى أبو سيارة عيره أربعين سنة
فسمع كلامه أعرابى فعارضه بأن قال الحمار إذا أوقفته أدلى وإن تركته ولى كثير الروث قليل الغوث سريع إلى القرارة بطئ إلى الغارة لا ترقأ به الدماء ولا تمهر به النساء ولا يحلب فى الإناء
568 - ( أسنان الحمار ) يضرب بها المثل فى التماثل والتساوى ومن أمثال العرب سواسية كأسنان الحمار
يقال هو سيك بتشديد الياء أى هو مثلك وهما سواء وسواسية وسواس إذا كانا متساويين قال بعضهم لا تكون السواسية إلا فى الشر قال ابن أحمر
( سواس كأسنان الحمار فلا ترى ... لذى شيبة منهم على ناشئ فضلا ) (1/370)
وقال ذو الرمة
( لهم زمرة شهب السبال أذلة ... سواسية أحرارها وعبيدها )
وقال
( سبينا منهم سبعين خودا ... سواس لم يفض لها ختام )
وقال آخر
( شبابهم وشيبهم سواء ... هم فى اللؤم أسنان الحمار )
569 - ( ظمء الحمار ) من أمثال العرب قولهم أقصر من ظمء الحمار لأنه لا يصبر على العطش أكثر من يوم والظمء ما بين الشربتين طويلا كان أو قصيرا وأقصر الأظماء ما تقول به العرب لمن أدبر وتولى ولم يبق من عمره إلا اليسير ما بقى منه إلا قدر ظمء الحمار
ويروى ان مروان الحمار قال فى الفتنة الآن نفد عمرى ولم يبق منه إلا مثل ظمء الحمار صرت أضرب الجيوش بعضا ببعض
وقال سعيد بن العاص بن ياسر رضى الله عنهما كنا نعدك من أفاضل الصحابة حتى إذا لم يبق من عمرك إلا ظمء الحمار فعلت وفعلت فقال أيما أحب إليك مودة على جميلة أو مصارعة ثقيلة فقال لله على ألا أكلمك أبدا
570 - ( صبر الحمار ) قيل لبزر جمهر بم أدركت ما أدركت قال ببكور كبكور الغراب وصبر كصبر الحمار وحرص كحرص الخنزير (1/371)
وإنما ضرب المثل فى الصبر بالحمار لصبره على الخسف وقلة التفقد وهذا من أمثال العجم وأما العرب فإنها تقول أصبر من ذى حاجة وأصبر من عود سنة جلب
571 - ( ولد الحمار ) من أمثال العرب عن أبى عمرو أخلف من ولد الحمار يريدون به البغل لأنه لا يشبه أباه ولا أمه
572 - ( ذنب الحمار ) يضرب مثلا لما يزيد ولا ينقص فيقال ما هو إلا ذنب الحمار
وكان أبو بكر الخوارزمى يقول فلان كإيمان المرجئ وذنب الحمار
573 - ( سنة الحمار ) العرب تقول لسنة المائة من التاريخ سنة الحمار وأصلها من حديث حمار عزير وموته مع صاحبه مائة سنة وأحيا الله إياهما كما قال الله تعالى ( فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وأنظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس )
وإنما قيل لمروان بن محمد مروان الحمار لأن على رأسه استكمل ملك بنى مروان مائة سنة فصارت سنة الحمار اسما لكل مائة سنة
وسمعت أبا نصر العتبى يقول عرض على بعض الأدباء حمار أراد ابتياعه فوجده مسنا فقال أرى هذا الحمار ولد قبل سنة الحمار (1/372)
574 - ( صوف الحمار ) يضرب به المثل فى العسرة والنكد فيقال أنكد من صوف الحمار كما يذكر صوف الكلب فى القلة والعسرة فيقال أعسر من صوف الكلب
575 - ( خاصى العير ) من أمثال العرب جاء فلان كخاصى العير إذا جاء مخيبا لأن خاصى العير تقع يداه على مذاكيره وقد ضرب أبو خراش مثلا فى شعر له لست استحضره
576 - ( عكما العير ) من أمثال العرب وقعا كعكمى عير إذا وقعا متساويين قال ذلك الأصمعى وأصله أن يحل عن العير حياله فيسقط عكماه معا ويقال هما عكما عير مثلان كما يقال كركبتى البعير (1/373)
الباب السادس والعشرون فى البقر والغنم
بقرة بنى إسرائيل
أذناب البقر
كعبا البقر
لسان الثور
شاة سعيد
شاة أشعب
عنز الأخفش
تيس بنى حمان
لحية التيس
صنان التيس
حالب التيس
ضرطة عنز
يوم القز
ذل العنز
الاستشهاد
577 - ( بقرة بنى إسرائيل ) يضرب بها المثل فى الشئ يأمر به السيد أو الرئيس فيبلغ المسود والمرءوس ويجنح فيه ويسد الأمر فيه على نفسه فيشدد عليه كنحو أصحاب البقرة الذين قال لهم الله تعالى على لسان موسى عليه السلام اذبحوا البقرة واضربوا القتيل فإنى أحييهما جميعا فلو اعتاضوا من جميع البقر بقرة واحدة فذبحوها كانوا غير مخالفين فلما ذهبوا مذهب الشك والتعلل ثم التعرض والتعنت صار ذلك سبب تغليظ الفرض
وقيل لأبى العيناء ما تقول فى مالك بن طوق فقال لو كان فى زمن بنى إسرائيل ونزلت آية البقرة ما ذبحوا غيره
وكتب أبو نصر العتبى إلى بعض من استماحة من أهل الأدب قد بعثت إليك بمثل بقرة بنى إسرائيل فى الصفة ولو ملكت ملء مسكها ذهبا أو مسكا لما نفست به نفسى عليك والسلام يريد قوله تعالى ( صفراء فاقع لونها تسر الناظرين ) (1/374)
578 - ( كعب البقر ) كان داود بن عيسى بن موسى يلقب بأترجة وعبد السميع بن محمد بن المنصور يلقب بشحم الحزين ومحمد بن أحمد بن عيسى الهاشمى بكعب البقر وكانوا كلهم مع المستعين فلما صاروا إلى المعتز قال المعتز
( أتانى أترجة فى الأمان ... وعبد السميع وكعب البقر )
( فأهلا وسهلا بمن جاءنا ... ويا ليت من لم يجئ فى سقر )
فقالوا قد شرفنا أمير المؤمنين بذكره لنا ولكنه ذكرنا باللقب ولم يذكر عبد السميع بلقبه فقال
( أتانى أترجة فى الأمان ... وشحم الحزين وكعب البقر )
579 - ( لسان الثور ) يشبه به اللسان الطويل العريض أنشد الصولى لبعض الشعراء فى هجاء محمد بن أحمد بن الحسين بن حرب وكان وكل ببيع الغلات ببغداد بأمر المعتمد
( ألا تعسا ونكسا لابن حرب ... وضربا بالمقامع بعد صلب )
( لقد ملئت به بغداد جورا ... وأفرغ بغضه فى كل قلب )
( تبارك من حباه بوجه قرد ... ونكهة ضيغم وطباع كلب )
( وعينى فأرة ولسان ثور ... وخلقة قنفد وجبين دب )
ولابن الرومى فى هجاء عجوز
( أدنت إلى شدقه لسانا ... ماهو إلا لسان ثور )
580 - ( شاة سعيد ) كان المثل يضرب بشاة منيع ثم تحول المثل (1/375)
إلى شاة سعيد لكثرة ما قال الحمدونى فيها وتسييره الملح فى وصف هزالها
( ما أرى إن ذبحت شاة سعيد ... حاصلا فى يدى غير الإهاب )
( ليس إلا عظامها لو تراها ... قلت هذى أدران فى جراب )
( كم تغنت بحرقة ونحيب ... لم تذق غير سف محض التراب )
( رب لاصبر لى على ذا العذاب ... بليت مهجتى وأودى شبابى )
وقوله
( صاح بى أبن سعيد ... من وراء الحجرات )
( قرب الناس الأضاحى ... وأنا قربت شاتى )
( شاة سوء من جلود ... وعظام نخرات )
( كلما أضجعتها للذبح ... قالت بحياتى )
وقوله
( جاد سعيد لى بشاة ... ذات سقم ودنف )
( ناحلة الجسم إذا ... ما هى مرت بالجيف )
( صاحت عليها هاهنا ... يا أختنا ذات العجف )
( تخنقها العبرة إن ... مرت بأصحاب العلف )
( كم قد تغنى ولها ... شوق إليه ولهف )
( وقد تقطعت إلى ... وجهك شوقا وأسف )
وقوله
( بشاة سعيد وهى روح بلا جسم ... تمثلت الأمثال فى شدة السقم )
( يقول لى الإخوان حين طبختها ... أتطبخ شطر نجا عظاما بلا لحم )
( فقلت كلوا منها فقالوا تهزؤا ... أتطعمنا ناروس قوم من العجم ) (1/376)
( فقلت لهم كانت لديهم أسيرة ... ترى القت من شأو بعيد وفى الحلم )
( وكم قد تغنت إذ تطاول جوعها ... ولم تر عند القوم شيئا من الطعم )
( ألا ايها الغضبان بالله ما جرى ... إليك فقد أبليت جلدى على عظمى )
581 - ( شاة أشعب ) يضرب بها المثل فى الطمع قيل لأشعب هل رأيت أطمع منك قال نعم شاة لى صعدت فى السطح فنظرت إلى قوس قزح فظنته حبل قت فسقطت فاندقت عنقها
وإلى هذ التمثيل أشار ابن الحجاج فى قوله وقد سقطت زوجته من سطح فماتت وهى من قصيدة
( عفا لله عنها إنها يوم ودعت ... أجل فقيد فى التراب مغيب )
( ولو أنها اعتلت لكان مصابها ... أخف على قلب الحزين المعذب ) ... ( ولكن رأت فى الأرض أفعى مجندلا ... على قدر غرمول الحمار المشعب )
( فظننته أيرا والظنون كواذب ... إذا أخبرت عن علم مافى المغيب )
( وأهوت إليه من يفاع ودونه ... ثمانون باعا من علة مصوب )
( فصارت حديثا شاع بين مصدق ... يحققه علما وبين مكذب )
( سوى الطمع المردى إليها تحتفها ... ومن يمتثل أمر المطامع يعطب )
( فأعظم يا هذا لك الله ربها ... وربك أجر الثكل فى شاة أشعب )
582 - ( تيس بنى حمان ) العرب تضرب به المثل فى الغلمة فتقول أغلم من تيس بنى حمان وتزعم أنه نزا على سبعين عنزا بعد ما فريت أوداجه
ويروى أن مالك بن مسمع هازل الأحنف بن قيس فقال والله لأحمق بكر وائل يعنى هبنقة القيسى أشهر من سيد بنى تميم يعنى الأحنف قال (1/377)
وكان لقاعه حاضر الجواب فقال والله لتيس بنى تميم أشهر من سيد بكر بن وائل يعنى تيس بنى حمان لأنهم من تميم وعنى بسيد بكر ابن مسمع
583 - ( لحية التيس ) يشبه بها اللحية الطويلة المشدقة قال الشاعر
( ليس بطول اللحى ... يستوجبون القضا )
( إن كان هذا كذا ... فالتيس عدل رضا )
وقال ابن بسام فى مغن يقال له لحية التيس
( اقول إذ غنى بما ساءنى ... أقصر قليلا لحية التيس )
( ودع قفا نبك وقوفا بها ... لا رحم الله امرأ القيس )
584 - ( صنان التيس ) قال الشاعر
( نكهت المدينى إذ جاءنى ... فيالك من نكهة عالية )
( له دفر كصنان التيوس ... أغنى عن المسك والغالية )
وقال بعض العصريين
( لى صاحب لا يسمى ... بين الورى إنسانا )
( لأنه التيس قرنا ... ولحية وصنانا )
585 - ( حالب التيس ) يضرب مثلا لمن يطمع فى غيره مطمع ومن يرجو من لا يجدى قال والبة بن الحباب (1/378)
( أصبحت لا تعرف الجميل ولا ... تفرق بين القبيح والحسن )
( إن الذى يرتجى نداك كمن ... يحلب تيسا من شهوة اللبن )
وقال البحترى
( أيا صالحا لا يجزك الله صالحا ... فإنك مثل التيس أخفق حالبه )
586 - ( ضرطة عنز ) يضرب مثلا لما يهون من الأمور ولما قتل ابن جرموز الزبير بن العوام وجاء برأسه إلى على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال له أبشر بالنار فإنى سمعت رسول الله يقول ( بشروا قاتل ابن صفية بالنار ) \ ح \ فانصرف ابن جرموز وهو يقول
( أتيت عليا برأس الزبير ... وكنت أرجى به الزلفة )
( فبشرت بالنار قبل العباد ... وبئست بشارة ذى التحفه )
( فسيان عندى قتل الزبير ... وضرطة عنز بذى جحفه )
وما يشبه هذا من أمثالهم لا تحبق فى هذا الأمر عناق حولية أى لا يكون له تغيير ولا يدرك له ثأر قال عدى بن حاتم حين قتل عثمان بن عفان رضى الله عنه فلما فقئت عينه يوم الجمل وقتل بنوه بصفين قيل له يا أبا طريف الم تزعم أنه لا تحبق فى هذا الأمر عناق حولية قال بلى والله إن التيس الأعظم قد حبق فيه
587 - ( يوم العنز ) يضرب مثلا لمن يلقى ما يهلكه فيقال لقى فلان يوم العنز فكأن يومها يوم ذبحها كما قيل يوم عبيد ليوم قتله قال الفرزدق (1/379)
( لقيت ابن دينار يزيد رمى به ... إلى الشام يوم العنز والله خاذله )
يعنى به المثل كالباحث عن المدية يقول كالعنز التى بحثت عن المدية فذبحت بها
588 - ( ذل النقد ) يضرب بها المثل فيقال أذل من النقد وهى صغار الغنم
قال رجل من بنى تميم
( لو كنتم ماء لكنتم زبدا ... أو كنتم لحما لكنتم غددا )
( أو كنتم صوفا لكنتم قردا ... أو كنتم شاء لكنتم نقدا )
وقال جحظة البرمكى
( رب فقير أعز من أسد ... ورب مثر أذل من نقد ) (1/380)
الباب السابع والعشرون فى الأسد
أسد الله
ليث عريسة
ليث عفرين
ليث الغاب
جرأة الأسد
عريسة الأسد
زأر الأسد
خاصى الأسد
نكهة الأسد
راكب الأسد
داء الأسد
شره الأسد
فم الأسد
برثن الأسد
أخذ سبعة
وثبة الأسد
الاستشهاد
589 - ( أسد الله ) حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه تقدم
590 - ( ليث عريسة ) من أمثال العرب عن أبى عمرو هو ليث عريسة وأنشد لحمزة الحنفى
( ليث عريسة أخو غمرات ... دونه فى العرين عيص ودار )
591 - ( ليث عفرين ) من أمثالهم أشجع من ليث عفرين كذا قال أبو عمرو والأصمعى واختلفا فى التفسير فقال أبو عمرو هو الأسد وقال الأصمعى هو دويبة كالحرباء تنفر من الكواكب وتضرب بذنبها
وزعم الجاحظ أنه ضرب من العناكب يصيد الذباب صيد الفهود وله ست عيون فإذا رأى الذباب لطئ بالأرض و سكن أطرافه فمتى سكن ووثب لم يخطئ (1/381)
قال ابن سمكة وهو دويبة مأواها التراب السهل فى أصول الحيطان تدور دوارة ثم يندس فى جوفها فإذا هيجت رمت بالتراب صعدا ويقال للرجل ابن الخمسين ليث عفرين إذا كان كاملا
592 - ( ليث الغاب ) يضرب مثلا للشجاع الذى يهاب وهو فى منزله وأنشد أبو الفتح البستى لنفسه
( وليس يعدم كنا يستكن به ... ومنعه بين أهلية وأصحابه )
( ومن نأى منهم قلت مهابته ... كالليث يحقر مهما غاب عن غابه )
593 - ( جرأة الأسد ) يتمثل بها حتى النسوان والصبيان لأن الأسد سيد السباع كما أن العقاب سيد الطيور والفرس سيد الدواب كما قال أبو الحسن المدائنى قال نصر بن سيار كان عظماء الترك يقولون ينبغى أن يكون فى القائد العظيم القيادة عشر خصال من أخلاق الحيوان جرأة الأسد وختل الذئب وروغان الثعلب وحملة الخنزير وصبر الكلب على الجراحة وتحنن الدجاجة وسخاء الديك وحذر الغراب وحراسة الكركى وهداية الحمام
594 - ( عريسة الأسد ) يضرب مثلا للمكان الرفيع المنيع قال الشاعر
( كمبتغى الصيد فى عريسة الأسد ... )
وفى أمثال الصاحب لم يدر أن عريسة الأسد ليست مرابض النقد (1/382)
وفيها إن الثعالب لا تجسر على أخياس الأسود والأرانب لا تحوم حول عيال الأسود
595 - ( زأر الأسد ) يضرب مثلا لوعيد السلطان وهو قول النابغة للنعمان
( نبئت أن أبا قابوس يوعدنى ... ولا قرار على زأر من الأسد )
596 - ( خاصى الأسد ) يضرب مثلا لمن يقدم على الأمر العظيم ويمد يده إلى الرجل الكبير فيقال أجرأ من خاصى الأسد وهكذا قال محمد بن حبيب وعن أبى عمرو أجرأ من خاصى الأسد وهو الذى يقول للأسد اخسأ من قوله تعالى ( اخسأوا فيها ولا تكلمون )
597 - ( راكب الأسد ) يضرب مثلا لمن يهاب قال بعض الحكماء صاحب السلطان كراكب الأسد يهابه الناس وهو لمركبه أهيب
598 - ( داء الأسد ) هى الحمى لأنها كثيرا ما تغزو الأسد حتى إنه قلما يخلو منها ساعة قال أبو تمام
( فإن يك قد نالتك أطراف وعكة ... فلا عجب أن يوعك الأسد الورد )
وكتبت إلى عمر بن على المطوعى رقعة فيها انصرفت البارحة بقلب مهموم وجسم محموم فما الظن بعلة الحسد فإن منها علة الجسد وداء الذئب خالطه داء الأسد
وهذا سجع تطفل على من غير بدون قصد وقد كفانى الله داء الذئب وسيكفيني داء الأسد (1/383)
599 - ( نكهة الأسد ) الأسد موصوف بالبخر وكذلك الصقر قال الشاعر
( قد ولى فارس والأهواز ... داود بن بشر )
( وله لحية تيس ... وله منقار نسر )
( وله نكهة ليث ... خالطت نكهة صقر )
قال سعيد بن حميد لأبى هفان يوما أنا الأسد فقال ليس فيك من الأسد إلا النكهة
600 - ( شره الأسد ) تقول العرب فى أمثالها أشره من الأسد وذلك أنه يبتلع البضعة العظيمة من غير مضغ وكذلك الحية لأنهما واثقان بسهولة المدخل وسعة المجرى
601 - ( فم الأسد ) يضرب مثلا للشئ الصعب المرام قال الشاعر
( ومن يحاول شيئا من فم الأسد )
602 - ( يرثن الأسد ) دخل أبو العميثل على عبد الله طاهر فقبل يده فقال عبد الله قد آذت خشونة شاربك يدى فقال كلا أيها الأمير إن شوك القنفد لا يضر برثن الأسد
وفى كتاب المبهج من تخلل بناب السد وبرثن السد فقد سخنت عينه وحان حينه
603 - ( أخذ سبعة ) من أمثال العرب أخذه أخذ سبعة بضم الباء والسبعة بتسكين الباء الموحدة اللبؤة قال ابن الكلبى سبعة رجل وهو سبعة بن عوف بن ثعلبة بن سلامان وكان شديدا فضرب به المثل ومن الدليل على أن القول هو الأول قولهم إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبى ويأخذ أخذ الأسد
604 - ( وثبة الأسد ) قال عبد الله بن المعتز للمعتضد
( هنتك أمير المؤمنين سلامة ... برغم عدو فى الحديد كظم )
( وثبت إليه وثبة أسدية ... وصلت به صول الظبا فى الريم ) (1/384)
603 - ( أخذ سبعة ) من أمثال العرب أخذه أخذ سبعة بضم الباء والسبعة بتسكين الباء الموحدة اللبؤة قال
ابن الكلبى سبعة رجل وهو سبعة بن عوف بن ثعلبة بن سلامان وكان شديدا فضرب به المثل ومن الدليل على أن القول هو الأول قولهم إياك والسلطان فإنه يغضب غضب الصبى ويأخذ أخذ الأسد
604 - ( وثبة الأسد ) قال عبد الله بن المعتز للمعتضد
( هنتك أمير المؤمنين سلامة ... برغم عدو فى الحديد كظيم )
( وثبت إليه وثبة أسدية ... وصلت به صول الظبا فى الريم (1/385)
الباب الثامن والعشرون فى الذئب
ذئب يوسف
ذئب أهبان
ذئب الغضى
داء الذئب
بقلة الذئب
نوم الذئب
لؤم الذئب
خفة رأس الذئب
نوم الذئب
ظلم الذئب
مسترعى الذئب
ختل الذئب
حمق جهيزة
الاستشهاد
605 - ( ذئب يوسف ) قد تقدم فى الباب الثانى ذكره
606 - ( ذئب أهبان ) يضرب مثلا للشى العجيب وكلام مالا يتكلم ومن قصة أهبان بن أوس السلمى أنه كان فى غنم له فعدا الذئب على شاة منها فصاح فيه أهبان فأفعى الذئب وقال له اتنزع منى رزقا رزقنيه الله قال أهبان فصفقت بيدى تعجبا وقلت والله ما رايت ولا سمعت أعجب من هذا فقال أتعجب من هذا ورسول الله بين هذه النخلات وأومأ بيده إلى أبيات المدينة يحدث بما كان ويكون ويدعو إلى الله عباده قال فجئت إلى النبى وأخبرته بالقصة وأسلمت
فكان يقال لأهبان مكلم الذئب ولولده بنو مكلم الذئب قال الشاعر
( إلى ابن مكلم الذئب ابن أوس ... رحلت غدا فكنت على أمان ) (1/386)
وقال رزين العروضى يهجو بعض ولد أهبان
( فكيف لو كلم الليث الغضوب إذا ... تركتم الناس مأكولا ومشروبا )
( هذا السنيدى لا أصل ولا طرف ... يكلم الفيل تصعيدا وتصويبا )
قال الجاحظ فى نقد شعر رزين هذا يهجو ولد أهبان لو كان ولد أهبان أدعوا أن أباهم كلم الذئب كانوا مجانين وإنما ادعوا أن الذئب كلم أباهم حتى سمى مكلم الذئب وإنه ذكر للنبى ذلك وأنه صدقه والفيل ليس الذى يكلم السندى ولم يدع سندى قط وإنما السندى هو المكلم له والفيل هو الفهم عنه فذهب رزين العروضى من التغليط كل مذهب والناس قد يكلمون الطير والبهائم والكلاب والسنانير والمراكب وكل ما تحت أيديهم من أصناف الحيوان التى قد خولوها وسخرت لهم وربما رأيت القراد يكلم القرد بكل ضرب من الكلام ويطيعه القرد فى جميع ذلك وكذلك ربما رأيت الإنسان يلقن الببغاء ضروبا من الكلام والببغاء تحكيه وإنما الشأن فى تكليم مالا يكلم الإنسان (1/387)
607 - ( ذئب الغضى ) من أمثال العرب ذئب الغضى وتيس حلب وأرنب الحلة وضب السحا وقنفذ برقة وشيطان الحماطة قال الجاحظ كله على قدر طبائع البلدان والأغذية الفاعلة فى طبائع الحيوان ألا تراهم يزعمون أن من دخل تبت لم يزل مسرورا ضاحكا من غير عجب حتى يخرج منها ومن أقام بالأهواز وكان ذا فراسة وجد النقصان فى عقله ومن أقام فيها حولا ثم تفقد قوته وجد فيها نقصا
608 - ( داء الذئب ) هو الجوع فالعرب تقول فى الدعاء على العدو رماه الإله بداء الذئب لأنه دهره جائع قال ابن الرومى
( وشاعر أجوع من ذئب ... معشش بين أعاريب )
والأسد والذئب يختلفان فى الجوع والصبر عليه لأن الأسد رغيب حريص وهو مع ذلك يحتمل ان يبقى اياما فلا يأكل شيئا والذئب وإن كان أقفر منزلا وأقل خصبا وأكثر كدا وإخفاقا فلا بد له من شئ يلقيه فى جوفه فربما استف التراب
609 - ( بقلة الذئب ) هى اللحم لأن الذئب لا يحوم حول شئ من البقول والنبات وإنما بقلة اللحم لا غير وقيل لأبى الحارث أى البقول أحب إليك قال بقلة الذئب قال الشاعر
( الخبز أفضل شئ أنت آكله ... وأفضل البقل بقل الذئب يا صاح )
610 - ( لؤم الذئب ) من تمام لؤم الذئب أنه لا يقتصر من الغنم (1/388)
على مايشبعه بل يعبث بها فلا يبقى ولا يذر ومن ذلك أنه ربما تعرض للإنسان وذئبان فيتساندان ويقبلان عليه إقبالا واحدا فإذا أدمى الإنسان أحدهما وثب الآخر على الذئب المدمى ومزقه وربما تكون الذئبة مع ذئبها فيدمى الذئب فإذا رأته قد دمى شدت عليه فأكلته قال رؤبة
( ولا تكونى يا ابنة الأشم ... حمقاء أدمت ذئبها المدمى )
يقول قد أثر الوهن فى أثرا فلا يحملنك ما ترين من أثره فى على أن تأكلينى معه كما أكلنى
ويقال إنه ليس فى خلق الله تعالى الأم من الذئب إذ يحدث له عند رؤية الدم على مجانسه الطمع فيه فيحدث له ذلك الطمع قوة يعدو بها على الآخر ومن أمثال العرب هو أعق من ذئبة قال الفرزدق
( وكنت كذئب السوء لما رأى دما ... بصاحبه يوما أحال على الدم )
وقال طرفة
( فتى ليس بابن العم كالذئب إن رأى ... بصاحبه يوما دما فهو آكله )
ولما سردت العرب أخلاق ما عاينوا من السباع وغيرها وعرفوا ما عابوا من عادتها وصفوا الشئ الواحد منها بضروب من الأخلاق المختلفة فقالوا فى تعداد أخلاق الذئب ختل الذئب خيانة بالذئب خبث الذئب عدو الذئب جوع الذئب صيحة الذئب وقاحة الذئب حدة الذئب وبكل ذلك نطقت الأشعار
611 - ( خفة رأس الذئب ) من أمثال العرب عن أبى عمرو أخف رأسا من الذئب ومعناه خفة النوم لأنه لا ينام كل نومه لشدة حذره ويبالغ من شدة احترازه واحتراسه (1/389)
612 - ( نوم الذئب ) أنه يراوح بين عينيه إذا نام فيجعل إحداهما مطبقة نائمة والأخرى مفتوحة حارسة قال الشاعر وهو يصفه
( ينام بإحدى مقلتيه ويبقي ... بأخرى المنايا فهو يقظان هاجع )
والأرنب وإن كان ينام مفتوح العينين فليس من احتراز ولكن خلقه الله كذا قال المتنبى
( أرانب غير أنهم ملوك ... مفتحة عيونهم نيام )
613 - ( ظلم الذئب ) المثل سائر بظلم الذئب والعرب تقول أظلم من الذئب قال الشاعر
( وأنت كجرو الذئب ليس بآلف ... أبى الذئب إلا أن يجور ويظلما )
وربى أعرابى ذئبا على نعجة له فلما شب افترسها فقال الأعرابى
( فريت شويهتى وفجعت طفلا ... ونسوانا وأنت لهم ربيب )
( نشأت مع السخال وأنت جرو ... فمن أنباك أن أباك ذيب )
( إذا كان الطباع طباع سوء ... فلا أدب يفيد ولا أديب )
614 - ( عدو الذئب ) تقول العرب أعدى من الذئب من العدو والعدوان ومن أمثالهم هو أبغى عدوا من الذئب وعدو الذئب مشية له يختص بها قال بعض البلغاء فى وصف إنسان مسرع مر بنا كأنه ظل ذئب (1/390)
وقال امرؤ القيس
( وإرخاء سرحان ... وتقريب تتفل )
615 - ( مسترعى الذئب ) يضرب مثلا لمن يضع الشئ فى غير موضعه ويأتمن الخائن ويستعين بمن هو عليه فيقال مسترعى الذئب ظالم ومستودع الذئب أظلم
616 - ( ختل الذئب ) من أمثالهم هو أختل من الذئب يقال ختل الذئب الصيد إذا تخفى له وكل خادع خاتل وإنما يريدون أنه يختل ليدرك صيده
617 - ( حمق جهيزة ) من أمثالهم أحمق من جهيزة وهى عرس الذئب أى أليفته ومن حمقها انها تدع ولدها وترضع ولد الضبع كفعل النعامة ببيض غيرها قالوا ومن هذا قول ابن جذل الطعان
( كمرضعة أولاد أخرى وضيعت ... بنيها فلم ترقع بذلك مرقعا )
قالوا ويشهد لما بين الضبع والذئب من الألفة أن الضبع إذا صيدت أو قتلت فإن الذئب يتكفل بأولادها ويأتيها باللحم وأنشدوا قول الكميت
( كما خامرت فى حضنها أم عامر ... لدى الختل حتى عال أوس عيالها ) (1/391)
الباب التاسع والعشرون فى الكلب
كلب أصحاب الكهف
كلب طسم
كلبة حومل
كلاب الناس
كلاب النار
كلب الرفقة
كلب الحارس
مزجر الكلب
نعاس الكلب
صوف الكلب
ريح الكلب
بخل الكلب
حرص الكلب
إلف الكلب
لؤم االكلب
غسل الكلب
واقية الكلاب
قتيل الكلاب
الاستشهاد
618 - ( كلب أصحاب الكهف ) يضرب ذلك مثلا لمن يلازم ولا يفارق كتب أبو دلامة إلى سعيد بن سالم يشكو غريما له قد لازمه
( إذا جئت الأمير فقل سلام ... عليك ورحمة الله الرحيم )
( وأما بعد ذاك فلى غريم ... من الأعراب قبح من غريم )
( غريم لازم لفناء دارى ... لزوم الكلب أصحاب الرقيم )
( له مائة على ونصف هذا ... ونصف النصف فى صك قديم )
( دراهم ما انتفعت بها ولكن ... وصلت بها شيوخ بنى تميم )
وقد ضربه دعبل مثلا فى هجاء المعتصم لما كان ثامن بنى العباس من الخلفاء
( ملوك بنى العباس فى الكتب سبعة ... ولم تأتنا فى ثامن لهم كتب ) (1/392)
( كذلك أهل الكهف فى الكهف سبعة ... كرام إذا عدوا وثامنهم كلب )
619 - ( كلب طسم ) يضرب به المثل فى مكافأة المحسن بالإساءة
كان لطسم كلب يحسنون إليه فدل بنباحه العدو عليهم فاستباحوهم وقتلوهم كما دلت براقش وهى كلبة كانت لقوم من العرب هربوا من عدو لهم ومعهم براقش فاتبع العدو أثرهم بنباح براقش وهم عليهم فحطمهم وصار قولهم على أهلها دلت براقش مثلا كما قال حمزة بن بيض
( لم تكن عن خيانة لحقتنى ... لا يسارى ولا يمينى جنتنى )
( بل جناها أخ على كريم ... وعلى أهلها براقش تجنى )
وروى فى قصة طسم أن رجلا منهم ارتبط كلبا فكان يطعمه ويسقيه رجاء أن يصيد به فأبطأ عليه يوما ودخل عليه صاحبه فوثب عليه وافترسه فصار مثلا فى كفران النعمة وفيه قيل سمن كلبك يأكلك قال الشاعر
( ككلب طسم وقد ترببه ... يعله بالحليب فى الغلس )
( ظل عليه يوما يفرفره ... إلا يلغ فى الدماء ينتهس )
وقال مالك بن أسماء
( هم سمنوا كلبا ليأكل بعضهم ... ولو ظفروا بالحزم لم يسمن الكلب ) (1/393)
وقال آخر
( أرانى وعوفا كالمسمن كلبه ... فخدشه أنيابه وأظافره )
620 - ( كلبة حومل ) يضرب بها المثل فيقال أجوع من كلبة حومل وحومل امرأة من العرب كانت تربى كلبة لها للحراسة وتجيعها وتطردها بالنهار فرأت ليلة القمر طالعا فنبحت عليه تظنه رغيفا لأستدارته ولما طالت الشدة عليها أكلت ذنبها من شدة الجوع قال الشاعر
( كما رضيت جوعا ولم ترع ذمة ... لكلبتها فى سالف لدهر حومل )
621 - ( كلاب الناس ) هم الأنذال والسفهاء قال بعض السلف الغيبة إدام كلاب الناس وفاكهة الجبناء قال الشاعر
( ككلب الإنس إن فكرت فيه ... أشد عليك من كلب الكلاب )
قال منصور الفقيه ما الكلاب الكلاب بل هم الناس إذا أسمنوا كانوا شرا من الكلاب
622 - ( كلاب النار ) قال الجاحظ يقال للخوارج والنوائح كلاب النار
623 - ( كلب الرفقة ) قال هشام أخو ذى الرمة اعلم أن لكل (1/394)
رفقة كلبا يشركهم فى فضل الزاد ويميز دونهم فإن قدرت ألا تكون كلب الرفقة فأفعل
624 - ( كلب الحارس ) يضرب مثلا للساقط ينتسب إلى الساقط فيزداد ضعة قال الشاعر
( هذا ربيعة فاعرفوه باسمه ... كان الأمير فصار كلب الحارس )
( من لم يذق مر الزمان وصرفه ... فليمس معتبرا بهذا البائس )
625 - ( مزجر الكلب ) يقال فلان بمزجر الكلب وفى صف النعال إذا كان بالبعد من مجلس الناس قال أبو سفيان بن حرب
( وما زال مهوى مزجر الكلب منهم ... لدن غدوة حتى دنت لغروب )
وفى كتاب المبهج الكريم فى مركز القلب واللئيم بمزجر الكلب
626 - ( نعاس الكلب ) العرب تضرب المثل بنعاس الكلب كما قال رؤبة
( لاقيت مطلا كنعاس الكلب ... وعدة عجب عليها صحبى )
( كالشهد بالماء الزلال العذب )
قال الجاحظ الكلب ايقظ الحيوان عينا وقت حاجة أصحابه إلى النوم وإنما نومه نهارا عند استغنائهم عن حراسته ثم لا ينام إلا غرارا وإلا غشاشا (1/395)
وأغلب ما يكون النوم عليه وأشد ما يكون إسكارا له أن يكون كما قال رؤبة
( لاقيت مطلا كنعاس الكلب ... )
يعنى بذلك القرمطة فى المواعيد وكذلك الكلب فإنه أنوم ما يكون أن يفتح من عينه بقدر ما يكفيه للحراسة وذلك ساعة فساعة وهو فى هذا كله أيقظ من ذئب وأسمع من فرس وأحذر من عقعق
وفى نعاس الكلب نهارا وسهره ليلا يقول احمد النسفى يهجو رجلا
( ينام إذا ما استيقظ الناس للعلا ... فإن جن ليل فهو يقظان حارس )
( كذلك كلب الناس ينعس يومه ... ويسهر طول الليل والليل دامس )
627 - ( صوف الكلب ) يضرب مثلا فى العسرة والنكد كما يقال مخ الذر ولبن الطير ويقال احتاج إلى الصوف من جز كلبه قال الشاعر
( من جز كلبا لما فى الكلب من وبر ... أمسى لعمرك محتاجا إلى الصوف )
628 - ( ريح الكلب ) يضرب مثلا فى النتن قال الشاعر يهجو امرأة
( ريحها ريح كلاب ... هارشت فى يوم طل )
( ولها ريح كريه ... مثل صحناة بخل )
وقال آخر
( يزداد لؤما على المديح كما ... يزداد نتن الكلاب فى المطر )
وقالت المرأة التى سألها امرؤ القيس عما يكره النساء منه وكان مفركا (1/396)
يكرهن منك أنك ثقيل الصدر خفيف العجز سريع الإراقة بطئ الإفاقة وأنك إذا عرقت عرقت بريح كلبة فقال امرؤ القيس صدقت إن أهلى كانوا أرضعونى لبن كلبة
629 - ( بخل الكلب ) يضرب مثلا للبخيل لأن الكلب إذا نال شيئا لم يطعم منه وإن رام إنسان انتزاع شئ من يده هرشه قال الشاعر
( وأبخل من كلب عقور على عرق ... )
630 - ( حرص الكلب ) تقول العرب فلان أحرص من كلب على جيفة ومن كلب على عرق
ومما يتمثل به من أخلاقه حراسة الكلب لؤم الكلب نباح الكلب حفاط الكلب إلف الكلب ويقال إن الكلب آلف من الهر لأن الكلب يألف الإنسان والهر يألف المكان وقال الشاعر يهجو رجلا
( هو الكلب إلا أن فيه ملالة ... وسوء مراعاة وما ذاك فى الكلب )
631 - ( غسل الكلب ) يضرب مثلا للئيم يتضع فلا يزداد إلا لؤما قال ابن لنكك
( قل للوضيع أبى رياش لا تدلته ... كل تيهك بالولاية والعمل )
( ما ازددت إذ وليت إلا خسة ... كالكلب أنجس ما يكون إذا أغتسل )
632 - ( واقية الكلاب ) يضرب مثلا للخسيس إذا يكون موقى قال دريد بن الصمة لما ضرب امرأته بالسيف (1/397)
( أقر العين أن عصبت يداها ... وما إن يعصبان على خضاب )
( وأبقاهن أن لهن لؤما ... وواقية كواقية الكلاب )
633 - ( قتيل الكلاب ) هو مسمع بن سنان أبو مالك بن مسمع سمى بذلك لأنه لجأ فى الردة إلى قوم من بنى عبد القيس فكان كلبهم ينبح عليه فخاف أن يدل على مكانه فقتله فقتل به وكان مالك بن مسمع إذا نسب قيل له ابن قتيل الكلاب (1/398)
الباب الثلاثون فى سائر السباع والوحوش
جلد النمر
است النمر
وثبة النمر
نوم الفهد
عيث الضبع
مجير أم عامر
خصلتا الضبع
حمق الضبع
حرص الخنزير
قبح الخنزير
روغان الثعلب
صيد ابن آوى
قبح القرد
حكاية القرد
كراع الأرنب
ظباء مكة
جآذر جاسم
داء الظبى
عين الظبى
الاستشهاد
634 - ( جلد النمر ) من أمثال العرب فى المكاشفة وإبراز صفحة العداوة قولهم لبس لهم جلد النمر قال الشاعر
( إن إخوانى من كندة قد ... لبسوا لى خمسا جلد النمر )
وكتبت إلى أبى نصر بن سهل بن المرزبان قصيدة فى الشكوى أولها
( كتبت من صومعة ... تسمح بالقوت العسر )
( والدهر من جفائه ... يلبس لى جلد النمر )
( فماء عيشى كدر ... ونجم حالى منكدر )
635 - ( است النمر ) يضرب مثلا للرجل المنيع فيقال أمنع من است النمر وأعز من أست النمر ومعناه أن النمر لا يتعرض له لأنه مكروه القتال مصمم ويقال إنه لا يرى شيئا إلا طلبه ورام الاستعلاء عليه وهو أشد السباع جرأة إذا هيج وراود رجل غلامه بدويا فقال له الغلام أما سمعت است النمر (1/399)
636 - ( وثبة النمر ) من كلام أبى العيناء الذى نحله الأعرابى فى وصف رجال الحضرة قال فما تقول فى صالح بن شيرازاد قال يتغدى بخروف ويتعشى بفصيل ويثب على فريسته وثبة النمر ويروغ من خصمه روغان الثعلب
637 - ( نوم الفهد ) قال الجاحظ الفهد أنوم الخلق وليس نومه كنوم الكلب لأن الكلب نومه نعاس واختلاس والفهد نومه صمت وليس شئ فى مثل جسم الفهد إلا والفهد أثقل منه وأحطم لظهر الدابة
وممن ضرب المثل بنوم الفهد حميد بن ثور فى قوله
( ونمت كنوم الفهد عن ذى حفيظة ... أكلت طعاما دونه وهو جائع )
وابن الرومى فى قوله
( وأما نومكم عن كل عن خير ... كنوم الفهد لا يخشى دفاعا )
وقالت المرأة السابعة فى حديث أم زرع تصف زوجها زوجى إن (1/400)
دخل فهد وإن خرج أسد يأكل ما وجد ولا يسأل عما عهد ولا يتفقد ما ذهب من البيت لطيبه نفسه بذلك قال الراجز
( ليس بنوام كنوم الفهد ... ولا بأكال كأكل العبد )
638 - ( عيث الضبع ) يقال ذلك لأن الضبع إذا وقعت فى الغنم عاثت فيها ولم تكتف بما يشبعها ولم تبق ولم تذر منها ومن عيثها وإفراطها فى الفساد استعارت العرب اسمها للسنة المجدبة فيقال أكلتنا الضبع قال ابن الأعرابى لا يريدون بالضبع السنة وإنما هو أن الناس إذا أجدبوا ضعفوا عن الانبعاث وسقطت قواهم فعاثت فيهم الضباع وأكلتهم قال الشاعر
( أبا خراشة أما أنت ذا نفر ... فإن قومى لم تأكلهم الضبع )
639 - ( مجير أم عامر ) يضرب مثلا للمحسن يكافأ بالإساءة
وأصل هذا المثل ان قوما خرجوا للصيد فى يوم حار فطردوا ضبعا حتى ألجئوها إلى خباء أعرابى فاقتحمته فأجارها الأعرابى وحال بينها وبينهم وجعل يطعمها ويسقيها اللبن وبقيت عنده بخير حال فبينما هو نائم إذ وثبت عليه فبقرت بطنه وشربت دمه ومضت هاربة وجاء ابن عم له يطلبه فإذا هو بقير والتفت إلى موضع الضبع فلم يرها فقال هى التى فعلت فعلتها والله لأجدنها وأخذ كنانته واقتفى أثرها حتى أدركها ورماها فقتلها وقال (1/401)
( ومن يصنع المعروف فى غير أهله ... يلاق الذى لاقى مجير أم عامر )
( أعد لها لما استجارت ببيته ... أحاليب ألبان اللقاح الدرائر )
( وأسمنها حتى إذا ما تمكنت ... فرته بأنياب لها وأظافر )
( فقل لذوى المعروف هذا جزاء من ... يجود بمعروف إلى غير شاكر )
640 - ( خصلتا الضبع ) يضربان مثلا فى الأمرين المكروهين ليس فيهما حظ للمختار بل هما شئ واحد فى الشر والعرب تقول فى أحاديثها إن الضبع صادت ثعلبا فقال لها الثعلب وهو بين أنيابها منى على أم عامر فقالت أخيرك خصلتين إما أن أكلمك وإما أن آكلك فقال الثعلب أما تذكرين يوم نكحتك قالت متى وفتحت فاها فأفلت الثعلب وضربت العرب المثل بخصلتي الضبع لما لا أختيار فيه
641 - ( حمق الضبع ) يضرب مثلا فيقال أحمق من ضبع ومن حمقها أن صائدها يقول لها وهي فى وكرها خامرى أم عامر أبشرى بجراد عظال وكمر رجال فلا يزال يقول لها ذلك وهى تسكن وتنقاد حتى يدخل عليها ويربط فمها ورجليها ثم يسحبها والجراد العظال الذى قد ركب بعضه بعضا وأما كمر الرجال فإن الضبع إذا وجدت قتيلا قد انتفخ جوفه ألقته على قفاه وركبته قال العباس بن مرداس (1/402)
( ولو مات منهم من جرحنا لأصبحت ... ضباع بأعلى الرقمتين عرائسا )
ويقال للرجل يأتى بما يستنكر والله ما يخفى هذا على الضبع يحمقها
ويروى أن عليا رضى الله عنه قال فى كلام له لا أكون مثل الضبع يخضعها القول فتخرج فتصاد
642 - ( حرص الخنزير ) يضرب المثل بحرص الخنزير وقبحه وقذره وحملته وصعوبة صيده وشدة الخطر فى طرده
وكان ابن المقفع يقول أخذت من كل شئ أحسن ما فيه حتى من الخنزير والكلب والفهد أخذت من الخنزير حرصه على ما يصلحه وبكوره فى حوائجه ومن الكلب نصحه لأهله وحسن محافظته على أوامر صاحبه ومن الهرة لطف نغمتها وحسن مسألتها وانتهازها الفرصة فى صيدها
643 - ( قبح الخنزير ) قال الجاحظ لو أن الكفر والإفلاس والغدر والكذب تجسدت ثم تصورت لما زادت على قبح الخنزير وكان ذلك بعض الأسباب التى مسخ بها الإنسان خنزيرا فإن القرد سمج الوجه قبيح فى كل شئ وكفاك به جرى المثل المضروب به ولكنه من وجه آخر مليح فملحه يعترض على قبحه فيمازجه ويصلح منه والخنزير أقبح منه إلا أن قبحه مصمت بهيم فصار أسمج منه كثيرا
ولما قال حماد عجرد فى بشار بن برد
( والله ما الخنزير فى نتنه ... بربعه فى النتن أو خمسه )
( بل ريحه أطيب من ريحه ... ومسه ألين من مسه ) (1/403)
( ووجهه أحسن من وجهه ... ونفسه أفضل من نفسه )
( وعوده أكرم من عوده ... وجنسه اكرم من جنسه )
قال بشار ويلاه لابن الزنديق لقد نفث بما فى صدره قيل وكيف ذاك قال ما أراد إلا قول الله تعالى ( لقد خلقنا الإنسان فى أحسن تقويم ) فأخرج الجحود به مخرج الهجاء
وقال الجماز
( لو يمسخ الخنزير مسخا ثانيا ... ما كان يمسخ فوق قبح الجاحظ )
( وإذا المرأة جلت له بمثاله ... لم تخل مقلته بها من واعظ )
644 - ( روغان الثعلب ) يضرب المثل بخبثه ومكره وحيلته ودهائه قال طرفة
( كم من خليل كنت خاللته ... لا ترك الله له واضحه )
( كلهم أروغ من ثعلب ... ما أشبه الليلة بالبارحة )
وللصابى من رسالة فى وصف الصيد والمتصيد ومعنا فهود أخطف من البروق وأثقف من الليوت وأجرى من الغيوث وأمكر من الثعالب وأدب من العقارب وأنزل من الجنادب
قال الجاحظ الثعلب جبان جدا مستضعف ولكنه مفرط الخبث والحيلة يجرى مجرى كبار السباع قال ومن خبثه ودهائه أن له حيلة عجيبة فى طلب مقتل القنفذ فإنه إذا مد شوك فروته واستدار كأنه كرة قرب من ظهره فبال عليه فإذا فعل ذلك انبسط القنفذ فعندما يقبض على مراق بطنه (1/404)
قال ومن العجب فى قسمة الأرزاق أن الذئب يصيد الثعلب فيأكله والثعلب يصيد القنفذ فيأكله والقنفذ يصيد الأفعى فيأكلها والحية تصيد الفأرة فتأكلها والفأرة تصيد الفراخ وبيض كل شئ فى أفحوصته فتأكله والعصفور يصيد الزنبور فيأكله والزنبور يصيد النحلة فيأكلها والنحلة تصيد الذبابة فتأكلها والذبابة تصيد البعوضة ولا بد للصائد من أن يصاد وكل صغير فهو يأكل مما هو أصغر منه وكل قوى فهو يأكل ما هو أقل منه والناس فى بعضهم بعضا على شبه بذلك وإن قصروا عن ذلك المقدار وقد جعل الله بعضها حياة لبعض وبعضها موتا لبعض
وذم رجل رجلا فقال اجتمعت فيه ثلاث طبيعة العقعق يعنى السرقة وروغان الثعلب يعنى الخبث ولمعان البرق الخلب يعنى الكذب
645 - ( صيد ابن آوى ) يضرب مثلا لما يشق طلبه ويصعب الظفر به فإذا وجد لم يكن له طائل قال الشاعر
( كان ابن آوى وهو صعب فإذا ... ما صيد يوما لا يساوى خردلة )
ومثله وفيه زيادة لابن الرومى فى الخنزير
( اصبحت كالخنزير فى الطرائد ... ليس لمن يطلبه من صائد )
( وربما أتلف نفس الطارد ... )
646 - ( قبح القرد ) يضرب به المثل يقال القرد قبيح ولكنه مليح وروى أن بشارا لم يجزع من هجاء قط كجزعه من بيت حماد عجرد فيه حيث قال (1/405)
( ويا أقبح من قرد ... إذا ما عمى القرد )
ويحكى أن بشارا لما سمع البيت بكى وقال يرانى فيصفنى ولا أراه فأصفه
ويحكى أن رجلا قبيح الصورة قال لمنصور بن الحسين الحلاج رحمه الله إن كنت صادقا فيما تدعيه فأمسخنى قردا فقال أما لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغا منه
وقال بعض الخلفاء لبعض ندمائه عرفت أن فى وجه بختيشوع قردية فقال الغلط من غيرك يا أمير المؤمنين بل فى وجه القرد بختيشوعية
647 - ( حكاية االقرد ) قال الجاحظ وقد عرفت شبه ظاهر القرد بظاهر الإنسان يرى ذلك فى طرفه وتغميض عينه وضحكه وحركته وحكايته وفى كفه وأصابعه وفى رفعها ووضعها وكيف يتناول بها وكيف يجهز اللقمة إلى فيه وكيف يكسر الجوز ويستخرج ما فيه وكيف يتقن كل ما أخذ به وأعيد عليه
وقال القاضى أبو الحسن على بن عبد العزيز نحن نجد القرد أكثر شبها بالإنسان من سائر الحيوان ولذلك سماه القائلون بالتناسخ بالصورة المكشوفة ويزعم أهل الشرع أنهم لمم يجدوا فى ضروب الحيوان أشبه بالإنسان تركيبا وأعضاء وجوارح ولم يروا أقرب منه خلقة وصورة وأدنى إليه شبها ومشاكلة من القرد وإن من تقدم جالينوس من الأطباء لم يفصلوا قط إنسيا ولم يشرحوا آدميا وإنما عرفوا تلك الأمور الغامضة والسرائر الكامنة بما فصلوا من أجسام القرود وبعض من وجد من القتلى على ندرة فى بعض معارك (1/406)
الملوك فلم يهدهم من الاختلاف إلا على اليسير الذى لا يعتد به
وقال غيره لما أشبه القرد الإنسان أربى عليه فى الحكاية وضرب به الممثل وقيل أحكى من قرد وقيل أولع من قرد ولو لوعة بحكاية من يراه
وقدأحسن ابن الرومى فى قوله يهجو قوما
( ليتهم كانوا قرودا فحكوا ... شيم الناس كما تحكى القرود )
والتفت يوما إلى أبى الحسن الأخفش وهو يختال فى مشيته فأنشد يقول
( هنيئا يا أبا الحسن هنيئا ... بلغت من الفضائل كل غاية )
( شركت القرد فى قبح وسخف ... وما قصرت عنه فى الحكاية )
648 - ( كراع الأرانب ) يضرب مثلا فيما قل وذل ويشبه ما صغر وهان قال الشاعر يهجو حارثة بن بدر الغدائى
( زعمت غدانة أن فيهم سيدا ... ضخما يواريه جناح الجندب )
( يرويه ما يروى الذباب وينتشى ... سكرا ويشبعه كراع الأرانب )
قال الجاحظ إنما ذكر كراع الأرنب لأن يد الأرنب قصيرة ولذلك يسرع فى الصعود فلا يلحقه من الكلاب إلا كلب قصير اليد وذلك محمود فى الكلب (1/407)
649 - ( ظباء مكة ) يضرب بها المثل فى الأمن لأنها لا تهاج ولا تصاد فى الحرم لمجاورتها الحرم فهى ترتع وتلعب آمنة وقد ضرب بها المثل عبد الله بن حسن بن حسن فأحسن فى قوله يصف نسوة
( أنس حرائر ما هممن بريبة ... كظباء مكة صيدهن حرام )
( يحسبن من لين الكلام زوانيا ... ويصدهن عن الخنا الإسلام )
650 - ( جآذر جاسم ) يقال جآذر جاسم كما يقال وحش وجرة وللقاضى أبى الحسن فصل فى ذكرهما لم أر احسن وابلغ ولا اكفى وأشفى منه وهو قد علمت أعزك الله أن الشعراء قد تداركوا عيون الجآذر ونواظر الغزلان حتى إنك لا تكاد تجد قصيدة نسيب تخلو منه إلا النادر والفذ ومتى جمعت ذلك ثم قرنت إليه قول امرئ القيس
( تصد فتبدى عن أسيل وتتقى ... بناظرة من وحش وجرة مطفل )
وقابلته بقول عدى بن الرقاع
( فكأنها بين النساء أعارها ... عينيه احور من جآذر جاسم )
رأيت إسراع القلب إلى قبول هذين البيتين وتبينت قربهما منه والمعنى واحد وكلاهما خال من الصنعة بديع من البديع إلا ما حسن من الاستعارة اللطيفة التى كسته هذه البهجة هذا وقد تخلل كل واحد منهما من حشو الكلام ما لو حذف لاستغنى عنه ومالا فائدة فى ذكره لأن امرأ القيس قال من (1/408)
وحش وجرة وعديا قال من جآذر جاسم ولم يذكر هذين الموضعين إلا استعانة بهما فى إتمام النظم واقامة القافية ولا تلتفت إلى ما يقال فى وجرة وجاسم فإنما يطلب بعضهم الإغراب على بعض وقد رأيت ظباء جاسم فلم أرها إلا كغيرها وسألت من لا أحصى من الأعراب عن وحش وجرة فلم يروا لها فضلا على وحش صريمة وغزلان بسيطة وقد يختلف خلق الظباء وألوانها بأختلاف المنشأ والمرتع وأما العيون فقل أن تختلف لذلك وأما ما أتم به عدى الوصف واضافة إلى المعنى المبتدا به بقوله
( وسنان أقصده النعاس فرنقت ... فى عينه سنة وليس بنائم )
فقد زاد به على كل من تقدم وسبق بفضله من تأخر ولو قلت إنه اقتطع على هذا المعنى فصار له وحظر على الشعراء الشركة فيه لم ارنى بعدت عن الحق ولا جانبت الصدق فيما قلته
651 - ( داء الظبى ) من أمثال العرب عن أبى عمرو الشيبانى فى صحة الجسم قولهم داء الظبى قال ومعناه ليس به داء كما أنه لا داء بالظبى قال أبو عبيدة وهذا نحو قول النابغة
( ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائب ) 652 ( عين الظبى ) تشبه بها العيون المستحسنة ويشبه بها ما يوصف بشدة السواد كما قال المتنبى (1/409)
( لقى ليل كعين الظبى لونا ... وهم كالحميا فى المشاش )
وقال بعض أهل العصر فى الجمع بين عين الظبى وعين الديك ولعله لم يسبق إليه فى بيت واحد فقال
( وليل كعين الظبى غيرت لونه ... بكأس كعين الديك بل هى ألمع )
( فلما مزجت الروح منى براحها ... ترحل عنى الغم والهم أجمع ) (1/410)
الباب الحادى والثلاثون فى السنور والفأر
سنور عبد الله
فأرة العرم
فأرة المسك
فأرة البيش
فأرة الإبل
الاستشهاد
653 - ( سنور عبد الله ) يضرب مثلا لمن يكون مرجوا فى صغره فإذا كبر تراجع ولم يفلح وفيه يقول بشار بن برد الأعمى
( أبا مخلد ما زلت سباح غمرة ... صغيرا فلما شبت خيمت بالشاطى )
( كسنور عبد الله بيع بدرهم ... صغيرا فلما شب بيع بقيراط )
وقال قبله الفرزدق
( رأيت الناس يزدادون يوما ... فيوما فى الجميل وأنت تنقص )
( كمثل الهر فى صغر يغالى ... به حتى إذا ما شب يرخص )
654 - ( فأرة العرم ) تضرب مثلا فى الضعيف يقوى على الأمر الكبير وفى المهين يجر الخطب الجليل ويضر الضرر الكبير قال الجاحظ لا يشك الناس فى أن أرض سبأ وجنتها إنما خربت حين دخلها سيل العرم وأن الذى فجر المياه فأرة وكانت سببا لدخول الماء الذى إذا دخل خرب بقدر (1/411)
قوته قال الله تعالى ( فأرسلنا عليهم سيل العرم ) والعرم المسناة التى كانوا أحكموا عملها لتكون حاجزا بين ضياعهم وبين السيل ففجرته فأرة ليكون أظهر فى الاعجوبة كما أفار الله ماء الطوفان من جوف تنور ليكون ذلك أثبت فى العبرة وأعجب فى الآية ولذلك قال خالد بن صفوان لليمانى الذى فخر عند المهدى وهو ساكت فقال له المهدى مالك لا تقول قال وما أقول فى قوم ليس منهم إلا دابغ جلد أو ناسج برد أو قائد قرد او راكب عرد اغرقتهم فأرة وملكتهم امرأة ودل عليهم هدهد
وفى هذه الفأرة يقول الحكم بن عمرو البهرانى
( خرقت فأرة بأنف ضئيل ... عرما محكم الأساس بصخر )
( فجرته وكان جيلان عنه ... عاجزا لو يرومه بعد دهر )
وجيلان فعلة الملوك وكانوا من أهل الجبل يقول فجرته فأرة ولو أن جيلان ارادت ذلك لامتنع عليها لأن الفأرة أنما خرقته لما سخر الله تعالى لها من ذلك العرم
وأنشدنى الخوارزمى لنفسه من قصيدة له فى ماس الحاجب الذى سعى فى قتل أبى الحسن المرزبانى
( لا تعجبوا من صيد صعو بازيا ... إن الاسود تصاد بالخرفان )
( قد غرقت أملاك حمير فأرة ... وبعوضة قتلت بنى كنعان )
يعنى فأرة العرم والبعوضة التى يروى أنها دخلت فى أنف نمرود بن كنعان وكان بها حتفه
655 - ( فأرة المسك ) قال الجاحظ الناس يجدون ريح المسك فى (1/412)
بيوتهم فى بعض الاحايين وهى ريح فأرة يقال لها فأرة المسك قال والتى تكون فى ناحية خراسان ويقال لها فأرة المسك ليست بالفأرة وهى بالخشف حين تضعه الظبية أشبه منه بالفأرة وإنما يأخذون سرة فأرة وهى ملأى من دم عبيط فإذا يبس طاب وإياها عنى الراجز بقوله
( كأن بين فكها والفك ... فأرة مسك ذبحت فى مسك )
وربما وجد الناس فى بيوتهم الجرذ يضرب إلى السواد ويجدون من بدنه إذا عدا إلى جحره رائحة تشبه المسك وبعض الناس زعم ان هذا الجنس هو الذى يخبأ الدراهم والدنانير والحلى كما يصنع العقعق
وقال غيره وربما قيل للنوافج فأرة المسك على طريق التشبيه والمقاربة
656 - ( فأرة البيش ) قال الجاحظ فأرة البيش دويبة تغتذى السموم فلا تضرها وحكمها حكم الطائر الذى يقال له السمندل فإنه يدخل فى التنور ولا يحترق ريشه قال بشر بن المعتمر فى هذه الفأرة
( وفأرة البيش على بيشها ... احرص من ضب على جحر )
657 - ( فأرة الإبل ) قال الجاحظ تقول العرب فى فأرة الإبل صادرة إن أرج تلك الفئرة اطيب من المسك الأذفر فى ذلك الزمان ذلك الوقت من الليل والنهار قال الشاعر وهو يصف إبلا
( كأن فأرة مسك فى مباءتها ... إذا بدا من ضياء الصبح تبشير )
وقال الراعى
( لها فأرة ذفراء كل عشية ... كما فتق الكافور بالمسك فاتقه ) (1/413)
الباب الثانى والثلاثون فى الضب والظربان والقنفذ والسرطان
ضب الكدية
ضب السحا
إبهام الضب
درج الضب
ذماء الضب
رى الضب
عقوق الضب
سن الحسل
فسو الظربان
سرى أنقد
ليلة أنقد
خشونة القنفذ
مشية السرطان
أنامل السرطان
الاستشهاد
758 - ( ضب الكدية ) من أمثال العرب ما هو إلا ضب كدية أى لا يقدر عليه والكدية قطعة من الأرض غليظة وإنما نسب الضب إليها لأنه لا يحفر أبدا فى صلابة خوفا من انهيار الجحر عليه قال كثير
( فإن شئت قلت له صادقا ... وجدتك بالقف ضبا حجولا )
( من اللاء يحفرن تحت الكدى ... ولا يبتغين الدماث السهولا )
وقال الحصين بن قعقاع
( ترى الشر قد أفنى دوابر وجهه ... كضب الكدى أفنى براثنه الحفر )
659 - ( ضب السحا ) قال الجاحظ العرب تقول ضب السحا (1/414)
كما تقول تيس الربل وقنفذ برقة وأرنب الحلة وشيطان الحماطة فيفرقون بينها وبين غيرها إما فى السمن وإما فى الخبث وإما فى القوة والله أعلم
660 - ( إبهام الضب ) يضرب به المثل فى القصر فيقال أقصر من إبهام الضب كما يقال أقصر من إبهام القطا وأقصر من إبهام الحبارى قال الشاعر
( وكف ككف الضب بل هى أقصر ... )
والعرب تحمد سعة الكف وتذم ضيقها وضيق الراحة وفى صفة النبى إنه كان رحب الراحة
661 - ( درج الضب ) من أمثال العرب خلة درج الضب اى خل سبيله يذهب حيث شاء ويضرب لمن يستغنى عنه ودرج الرياح طريقها ومدرجة الطريق قارعته
662 - ( ذماء الضب ) يضرب المثل فى الطول بذماء الضب كما يضرب بذماء الأفعى والذماء ما بين القتل وخروج النفس
وقال آخر الذماء حركة القتيل إلى أن يسكن
وقال آخر الذماء بقية النفس وشدة النزع بعد الذبح أو هشم الرأس (1/415)
وقال آخر هو دم القلب الذى يبقى فى الإنسان
قال الجاحظ العرب تقول الضب أطول شئ ذماء والكلب فى ذلك اعجب منه وإنما عجبوا من الضب لأنه يصير ليلته مذبوحا مفرئ الأوداج ساكن الحركة حتى إذا قرب من النار تحرك فيظن حيا وإن كان ميتا والأفاعى تذبح فتبقى اياما وهى تتحرك
قال وقال لى أبو الفضل العنبرى يقولون الضب أطول شئ ذماء والخنفساء أطول ذماء منه وذلك أنه يعزز فى ظهرها شوكة نافذة وفيها ذبالة تستوقد وتصبح لأهل الدار وهى تدب بها وتجول حتى الصباح فأما الأفعى فربما قطع منها الثلث من قبل ذنبها فتعيش إن سلمت من الذر
663 - ( رى الضب ) يضرب به المثل فيقال اروى من الضب لأنه لا يشرب الماء أصلا وذلك انه إذا عطش استقبل الريح فاتحا فاه فيكون ذلك ريه والعرب تقول فى الشئ الممتنع لا يكون ذلك حتى يرد الضب وفى تبعيد ما بين الجنسين ( حتى يؤلف بين الضب والنون ... )
أن الضب لا يريد الماء ولا يرده والنون لا يصبر عنه ولا يعيش إلا فيه
664 - ( عقوق الضب ) من عقوقها انها تأكل أولادها وذلك أن الضبة إذا باضت حرست بيضها فإذا أخرجت أولادها ظنتها شيئا يريد بيضها فوثبت عليها فقتلتها وأكلتها (1/416)
ومن العجائب أن الهرة تأكل أولادها فتنسب إلى البر فيقال أبر من هرة والضبة تأكل أولادها فتنسب إلى العقوق فيقال أعق من ضبة ولا يقال اعق من هرة
665 - ( سن الحسل ) من أمثالهم فى التأييد لا أفعل ذلك أو يسقط سن الحسل وهو ولد الضب وهو لا يسقط له سن أى لا أفعل ذلك أبدا قال الشاعر
( إنك لو عمرت سن الحسل ... أو عمر نوح زمن الفطحل )
( والصخر مبتل كطين الوحل ... كنت رهين هرم أو قتل )
قال الأصمعى سمعت خلفا الأحمر يقول كنت أسأل الأعراب عن زمن الفطحل فتقول هو أيام كان السلام رطبة والعرب تضرب المثل فى الطول بعمر الضب وتعده من الحيوانات الطويلة الأعمار كالحية والنسر فتقول لا أفعل ذاك ولا يكون هذا عمر الضب وسن الحسل وتقول فلان أعمر من الضب
وحكى الزيادى عن الأصمعى أنه قال يبلغ الحسل مائة سنة ثم يسقط سنه فحينئذ يسمى ضبا
666 - ( فسو الظربان ) يضرب به المثل فى النتن والظربان دويبة فوق جرو الكلب كريهة النتن وأنتن خلق الله فسوا وقد عرف ذلك من نفسه فجعله سلاحه كما عرفت الحبارى مافى برازها من السلاح على الصقر كذلك الظربان يدخل على الضب حجره وفيه بيضه وحسوله فيأتى اضيق (1/417)
موضع فى الجحر فيسده بيده ويحول دبره إليه فما يفسو ثلاث فسوات حتى يصرع الضب فيخر مغشيا عليه فيأكله ثم يقيم فى جحره حتى يأتى على آخر حسوله
وتقول الأعراب ربما أنه دخل فى خلال الهجمة فيفسو فلا يتم له ثلاث فسوات حتى تتفرق الإبل وتنفر كما تنفر عن مبرك فيه قردان فلا يردها الراعى إلا بالجهد الشديد فمن اجل هذا سمت العرب الظربان مفرق النعم
ويقال للرجلين يتشاتمان ويتفاحشان إنهما ليتجاذبان جلد الظربان وإنهما ليتماشنان جلد الظربان وقالوا للقوم إذا وقع بينهم الشر فتفارقوا فسا بينهم الظربان فلا يلتقى منهم اثنان
وقال الربيع بن أبى الحقيق يهجو قوما
( وأنتم ظرابين إذ تجلسون ... وما إن لنا فيكم من نديد )
( وأنتم نفوس وقد تعرفون ... بريح التيوس ونتن الجلود )
وقال الحكم بن عبدل
( لا تدن فاك من الأمير ونحه ... حتى يداوى ما بأنفك أهرن )
( إن كان للظربان جحر منتن ... فلجحر أنفك يا محمد أنتن )
ونظر صديقنا أبو عبد الله الغواص إلى قوم جيدى الأكل خبيثى الريح فقال
( أناس أكلهم يربى ... على أكل الثعابين )
( ونتن رياحهم يربى ... على نتن الظرابين ) (1/418)
667 - ( سرى أنقد ) أنقد هو القنفذ يضرب به المثل فى السرى والسهر لأنه لا ينام الليل كله بل يجول طول الليل كما وصفه الصاحب فى رسالة مقصورة عليه فقال هو أمضى من الأجل وأرمى من بنى ثعل إن رأته الأراقم رأت حينها أو عاينته الآساد رأت حتفها صكوك ليل لا يحجم عن دامسه وفارس ظلام لا يجبن عن حنادسه
( فأنت به حوش الفؤاد مبطنا ... سهدا إذا ما نام ليل الهوجل )
668 - ( ليلة أنقد ) من أمثال العرب فى من لم يذق غمضا بات بليلة أنقد اى ساهرا لم ينم وقالوا اجعلوا ليتلكم ليلة أنقد فى السرى والسهر قال الطرماح
( فبات يقاسى ليل أنقد دائبا ... )
وأنشدنى إسماعيل بن محمد من قصيدة الهمذانى
( وظلت تصيح البوم منه مهابة ... وبت له وعيا بليلة أنقد )
( فكان كصنع النار فى يابس الغضى ... شددت على الأحشاء من حره يدى )
وأحسن ما سمعت فى ليلة أنقد قول الأمير السيد
( يا من يبيت محبة ... منه بليلة أنقد )
( إن غبت عنى سمتنى ... وشك الردى كأن قد )
فانظر إلى رشاقة هذا الكلام وكثرة رونقه وأخذه بطرفى الحسن والجودة (1/419)
669 - ( خشونة القنفذ ) يضرب بها المثل فيقال أخشن من قنفذ وللصاحب فى وصفه يلقاك بأحسن من حد السيف ويستتر بألين من متنه متى جد وجمع أطرافه
ولكشاجم فى وصف البطيخ
( وطيب أهدى لنا طيبا ... فدلنا المهدى على المهدى )
( لم يأتنا حتى أتتنا له ... روائح أغنت عن الند )
( بظاهر أخشن من قنفذ ... وباطن ألين من زبد )
( كأنما تكشف منه المدى ... عن زعفران شيب بالشهد )
670 - ( مشية السرطان ) يضرب به المثل فى الإدبار ورجوع القهقرى وكان الخوارزمى إذا وصف راجعا إلى وراء قال مشية السرطان وكبول الجمل إذ يرجع إلى خلف
وأنشدت لأبى منصور العبدونى فى أبى أحمد بن أبى بكر بن حامد الكاتب وكان يلقب بالعطوانى لفرط ميله إلى شعر العطوى وحفظه إياه وكثرة تمثله به وذكره له
( أبا أحمد ضيعت بالخرق نعمة ... أفادكها السلطان والأبوان )
( فقد صرت مهتوك الجوانب كلها ... ولقبت للإدبار بالعطوانى )
( وأفكرت فى عود إلى ما اضعته ... وقد حيل بين العير والنزوان ) (1/420)
( فرأيك فى الإدبار رأى أخذته ... وعلمته من مشية السرطان )
671 - ( أنامل السرطان ) قرأت لبعض ظرفاء الكتاب فصلا استملحته فى وصف خط ردئ وهو نظرت فى خط منحط كأرجل البط على الشط أو أنامل السرطان على الحيطان (1/421)
الباب الثالث والثلاثون فى الحية والعقرب
حية الوادى
شيطان الحماطة
صل أصلال
ابنة الجبل
صماء الغبر
شجاع البطن
أفاعى سجستان
ثعابين مصر
ظلم الحية
عرى الحية
رجلا الحية
رقية الحية
لسان الحية
إطراق الشجاع
رداء الشجاع
ضحك الأفاعى
عقارب شهر زور
خبث العقرب
ليلة العقرب
رقية العقرب
دبيب العقرب
الاستشهاد
672 - ( حية الوادى ) يقال حية الوادى قد حمته فلا يقربه شئ يضرب مثلا للرجل المنيع الجانب قال الشاعر
( إذا وجدت بواد حية ذكرا ... فاذهب ودعنى أمارس حية الوادى )
وقال أبو تمام
( ملئتك الأحساب أى حياء ... وحيا أزمة وحية واد )
673 - ( شيطان الحماطة ) قال الجاحظ من أمثال العرب ما هو إلا شيطان الحماطة إذا رأت منظرا قبيحا والشيطان الحية والحماطة من الشجر ومن العشب يريدون حية تأوى الحماطة كما يقولون أمم الضلال وذئب الغضى وتيس الرمل قال الراجز
( عنجرد تحلف حين أحلف ... كمثل شيطان الحماط أعرف ) (1/422)
674 - ( صل أصلال ) من أمثال العرب عن أبى يزيد إنه لصل أصلال قال وأصله من الحيات يشبه بها الرجل المنيع الداهية وفيه يقول الشاعر
( ماذا رزئنا به من حية ذكر ... نضناضة بالرز ايا صل أصلال )
675 - ( ابنة الجبل ) هى الحية الصماء التى لا يقرب أحد جبلها من خوفها تنسب إلى الجبل فيقال ابنة الجبل اى صاحبته لأنه لا يقربه شئ غيرها كما يقال حية الوادى يضرب مثلا للداهية ويقال صمى صمام ابنة الجبل إذا أبى الفريقان الصلح وأرادوا الحرب واختلف ما بينهم كما قال الكميت
( فإياكم إياكم وملمة ... يقولون لها الكانون صمى ابنة الجبل )
والكانون هو الذى يكنى عنه وابنة الجبل أيضا هى الصل وقد تقدم ذكره آنفا
676 - ( صماء الغبر ) هى الحية يضرب مثلا للداهية العظيمة الشديدة قال الشاعر (1/423)
( يا بن المعلى نزلت إحدى الكبر ... داهية الدهر وصماء الغبر )
وكثيرا ما يستعار اسم الحية للدواهى وقولهم إحدى بنات طبق منها
677 - ( شجاع البطن ) كناية عن الجوع لأن أذاه يشبه بمضرة الحية والعرب تزعم ان فى بطن الإنسان حية يقال لها الصفر وأنها تؤذيه إذا جاع وإياها عنى من قال ( ولا يعض على شر سوفه الصفر )
وقال أبو خراش الهذلى
( أرد شجاع البطن قد تعلمينه ... وأوثر غيرى من عيالك بالطعم ) أى أصبر على أذى الجوع وأحمل مضضه
678 - ( أفاعى سجستان ) يضرب بها المثل فى الخبث وسوء الأثر كما يضرب المثل بثعابين مصر وجرارات الأهواز وعقارب شهر زور
ووصف شبيب بن شبة أفاعى سجستان فقال كبارها حتوف وصغارها سيوف (1/424)
وجاء فى عهد أهل سجستان على العرب حين افتتحوها ألا يقتلوا قنفذا ولا يصيدوه لأنها بلاد أفاعى
قال الجاحظ وأكثر ما يجلب أهل صنعة الترياق والحواءون الأفاعى من سجستان وذلك كسب لهم وحرفة ومتجر ولولا كثرة قنافذها لما كان لهم بها قرار ولا إقامة والقنفذ لا يبالى أى موضع قبض من الأفعى وذلك أنه إن قبض على رأسها أو قفاها فهى مأكولة على أسهل الوجوه وإن قبض على وسطها او على ذنبها جذب ما قبض عليه فاستدار وتجمع ومنحه سائر بدنه فمتى فتحت فاها لتقبض على شئ منه لم تصل إلى جلده مع شوكه النابت فيه والأفعى تهرب منه وطلبه لها وجرأته عليها على قدر هربها منه وضعفها عنه
وقال فى موضع وهو يصف إنسانا بالطمع لو أعطى أفاعى سجستان وجرارات الأهواز وثعابين مصر لأخذها إذ كان الأخذ واقعا عليها
679 - ( ثعابين مصر ) قال الجاحظ الثعابين لا تكون إلا بمصر وإليها حول الله تعالى عصا موسى عليه الصلاة و السلام قال تعالى ( فألقى موسى عصاه فإذا هى ثعبان مبين ) يعنى أنه حولها ثعبانا والثعبان عجيب الشأن فى إهلاك بنى آدم فليس له عدو إلا النمس وهى إحدى (1/425)
عجائب الدنيا وذلك أنها دويبة متحركة فإذا رأت الثعبان دنت منه فينطوى الثعبان عليها يريد ان يعضها ويأكلها فتحتبس فى بطنها ريحا وتزفر زفرة فتقد الثعبان قطعتين ولولا النمس لأكلت الثعابين أهل مصر وهى هناك أنفع لأهلها من القنافذ لأهل سجستان
680 - ( ظلم الحية ) العرب تقول ليس شئ أظلم من الحية لأن الحية لا تتخذ لنفسها بيتا وكل بيت قصدت نحوه هرب منه أهله وخلوه لها فدخلته واثقة أن ذلك الساكن بين أمرين فإما أقام فصار طعاما لها وإما هرب فصار البيت لها فأقامت فيه ساعة أو ليلة قال الراجز
( فأنت كالأفعى التى لا تحتفر ... ثم تجى سائرة فتنجحر )
681 - ( عرى الحية ) يقال أعرى من الحية كما يقال اكسبى من الكعبة ويقال أعدى من الحية لأنها تمشى على بطنها قال ابن الحجاج يمدح من وهب له دابة
( فديت من صيرنى راكبا ... وكنت أعدى قبل من حية )
( فديته إن فدائى له ... فى قلب من يحسدنى كيه )
682 - ( رقية الحية ) يضرب مثلا فى شيئين متضادين أحدهما الكلام الطويل الذى لا يفهم كما قال على بن الجهم فى وصف توقيعات محمد بن عبد الملك الزيات
( على ابن عبد الملك الزيات ... لعائن الله موفرات ) (1/426)
( يرمى الدواوين بتوقيعات ... مطولات ومقصرات ) ( أشبه شئ برقى الحيات ... )
والآخر الكلام الذى يزيل السخيمة ويصل ذات البين وهو اللين اللطيف كما قال أبو تمام فى وصف قصيدة له
( خذها مثقفة القوافى ربها ... لسوابغ النعماء غير كنود )
( كالدر والمرجان ألف نظمه ... بالشذر فى عنق الفتاة الرود )
( كشقيقة البرد المنمنم وشيه ... فى أرض مهرة أو بلاد تزيد )
( كرقى الأساود والأراقم طالما ... نزعت حمات سخائم وقود )
وروى أبو حاتم عن الأصمعى عن خلف الأحمر قال كنت أرى انه ليس فى الدنيا رقية أطول من رقية الحية فإذا رقية الخبز أطول منها يعنى ما يتكلفه الإنسان من النظم والنثر والتآليف والخطب لطلب المال
683 - ( لسان الحية ) يشبه به القدم اللطيفة كما قال بعض البلغاء فى وصف امرأة حسناء لها صدغ كالعقرب وعنق كالإبريق الفضة وسرة كمدهن العاج وقدم مكان الحية ويشبه به السنان كما قال دعبل
( وأسمر فى رأسه أزرق ... مثل لسان الحية الصادى )
684 - ( إطراق الشجاع ) من أمثال العرب أطرق إطراق الشجاع إذا سكن وسكت قال المتلمس (1/427)
( فأطرق إطراق الشجاع ولو يرى ... مساغا لنابيه الشجاع لصمما )
685 - ( رداء الشجاع ) هو قشر الحية يضرب مثلا فى الرقة ويشبه به الثوب الناعم الرقيق كما قال أبو تمام فى وصف خلعة خلعها عليه الحسن بن سهل وهى أحسن ما قيل
( قد كسانى من كسوة الصيف خرق ... مكتس من مكارم ومساع )
( حلة سابرية ورداء ... كسحا القيض أو رداء الشجاع )
( كالسراب الرقراق فى الحسن إلا ... أنه ليس مثله فى الخداع )
( يطرد اليوم ذا الهجير ولو شبه ... فى حره بيوم الوداع )
( سوف أكسوك ما يفوق عليه ... من ثناء كالبرد برد الصناع )
( حسن هاتيك فى العيون وهذا ... حسنه فى القلوب والأسماع )
قال الجاحظ الحية لا تسلخ جلدها وإنما يخلق لها كل عام قشر وغلاف فهى تسلخ القشور الناعمة والغلاف الذى على مقدار أجسادها وإنما تستبدل القشور فأما الجلود فإن أبدانها لا تفارقها إلا بسلخ السكين
قال وليس فى الأرض قشر ورقة ولا ثوب ولا جناح ولا ستر عنكبوت إلا وقشر الحية أحسن منه وأرق وأتقن وأعجب تضليعا وصنعة والحية تسلخ قشرها كما يسلخ الجنين المشيمة وكذلك أكثر الحيوان أما الطير فسلخها تغييرها وأما الحوافر فسلخها زيادتها وسلخ الإبل طرد أوبارها (1/428)
وانجراد جلودها وسلخ الأياييل نصول قرونها وسلخ الأشجار إلقاء ورقها والسراطين تسلخ فتضعف عند ذلك عن المشى والأسروع دويبة تسلخ فتصير فراشة والدعموص تسلخ فتصير إما بعوضا وإما فراشة ( فتبارك الله أحسن الخالقين )
وقد شبه محمد بن عبد الملك بن صالح الهاشمى سلخ الحية حيث قال
( نهنهت أولها بضربة صادق ... كانت كما شق الرداء المعلم )
( وعلى مسبوغ الحديد كأنه ... سلخ كسانيه الشجاع الارقم )
686 - ( ضحك الأفاعى ) قال أبو مزعون
( إن أبا فرعون زين الكوره ... أحسن شئ طللا وصوره )
( يضحك إن مرت به ممكوره ... ضحك الأفاعى فى جريب النوره )
وذلك مثل قول أهل بغداد ضحك الجوزة بين حجرين
687 - ( عقارب شهر زور ) قال الجاحظ العقارب القتالة تكون بموضعين بشهرزور وقرى الأهواز إلا أن القواتل بالأهواز جرارات ولم يذكر عقارب نصيبين لأن أصلها فيما يشكون فيه من شهر زور حين حوصر أصلها ورموا بالمجانيق بكيزان محشوة من عقارب شهرزور حتى توالدت هناك فأعطى القوم بأيديهم (1/429)
وقال ابن الرومى فى عقارب شهرزور يهجو فتاة اسمها شنطف
( إذا ما شنطف نكهت أماتت ... فمن نكهاتها قتلى وصرعى )
( يلاقى الأنف من فمها عذابا ... وترعى العين منها شر مرعى )
( وإن سكوتها عندى لبشرى ... وإن منت عددت المن منعا )
( فقرطقها كعقرب شهرزور ... إذا غنت مطوقة بأفعى )
ومما يتمثل به من عقارب قاشان فإنها معروفة بالخبث ما كتب به الصاحب كتبت من قاشان وقد قاسيت من خوف عقاربها ما يقاسيه شيخنا أبو عبد الله من عقارب الأصداع
وعلى ذكر عقارب الأصداغ قد كنت أظن الصاحب أبا عذرة قوله
( إذا لم يكن يكفف عقارب صدغه ... فقولوا له يسمح بترياق ريقه )
حتى أنشدته يوما للأمير السيد أدام الله تأييده فقال إنما أخذه ممن قال
( ضربت عينك قلبى ... إنما عينك عقرب )
( لكن المصة من ريقك ... ترياق مجرب )
688 - ( خبث العقوب ) يضرب به المثل لأن العقرب يتعرض لمن لا يتعرض له ولا كذلك الحية وفى الحديث إن عقربا لسعت االنبى فقال ( لعن الله العقرب ما أخبثها تلسع المؤمن والمشرك والنبى والذمى ) \ ح \
689 - ( ليلة العقرب ) يضرب بها المثل فى الطول لأن صاحبها (1/430)
لا ينامها فهى تطول عليه جدا ويقال إن أطول الليالى ثلاث ليلة العقرب وليلة الصد وليلة الهريسة وفى رواية مكان ليلة الصد ليلة العاشق
وأنشدنى أبو الفتح كشاجم فى كتابه
( ما ليلة المهجور باعدت ... النوى عنه أنيسه )
( أو ليلة الملدوغ حاذر ... ميتة النفس النفيسة )
( بأمر من ليل الظريف ... إذا تجوع للهريسة )
690 - ( رقية العقرب ) يشبه بها مالا يفهم من الكلام كما تقدم ذكره فى أحد وجهى ضرب المثل برقية الحية قال ابن الرومى فى ذم شعر البحترى
( كنافض حم حمى الخييرى له ... برد وكرب فمن يرويه من كرب )
( كأنه حين يصغى السامعون له ... ممن يميز بين النبع والغرب )
( رقى العقارب أو هدر القطاط إذا ... أضحوا على سقف الجدران فى صخب )
691 - ( دبيب العقرب ) يستعار للنمام وما يجرى مجراه من الشر فيقال دبت عقارب فلان إذا دنت طلائع شره قال الشاعر
( من نم فى الناس لم تؤمن عقاربه ... على الصديق ولم تؤمن أفاعيه )
( كالسيل بالليل لا يدرى به أحد ... من أين جاء ولا من أين يأتيه )
ومن فصل للصاحب أخذت عواصف شره تهب وعقارب ضره تدب (1/431)
الباب الرابع والثلاثون فى سائر الحشرات والهوام
بيت العنكبوت
نسج العنكبوت
دودة الخل
دودة القز
صنعة السرفة
لجاج الخنفساء
وادى النمل
أنمل النمل
قرية النمل
عض النملة
جناح النملة
كسب النملة
خيط النملة
جمع الذر
مخ الذر
مثقال ذرة
علم الحكل
الاستشهاد
692 - ( بيت العنكبوت ) يضرب به المثل فى الوهن والضعف قال الله تعالى ( كمثل العنكبوت أتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت ) فدل بوهن بيته على وهن خلقه ولا أوهن مما ذكر الله تعالى أنه أوهن البيوت وقد أشار الفرزدق إلى هذا المثل الذى نطق به القرآن حيث قال لجرير
( ضربت عليك العنكبوت بنسجها ... وقضى عليك به الكتاب المنزل )
وقال الأخنف
( العنكبوت بنت بيتا على وهن ... تأوى إليه ومالى مثلها وطن )
( والخنفساء لها من جنسها سكن ... وليس لى مثلها إلف ولا سكن ) (1/432)
وقال آخر
( إنما الدنيا عناء ... ليس للدنيا ثبوت )
( إنما الدنيا كبيت ... نسجته العنكبوت )
693 - ( نسج العنكبوت ) قال الحمدونى فى طيلسان ابن حرب وهو يضرب المثل بنسج العناكب
( يا بن حرب كسوتنى طيلسانا ... مل من صحبة الزمان وصدا )
( فحسبنا نسج العناكب إن قيس ... إلى نسج طيلسانك قدا )
ثم قال
( طال ترداده إلى الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى )
وقال بعض أهل العصر
( صديق لنا مذ ذقت طعم إخائه ... غصصت وقد أربى على المر شهده )
( فأضعف من نسج العناكب عهده ... وأضيع من نار الحباحب وده )
694 - ( دودة الخل ) تضرب مثلا للرجل الساقط يعيش مكان السوء فى حالة رذلة راضيا بهما إذ لم يعرف سواهما ولم يتعود غيرهما
وفى الحديث يعيشون كدود الخل فى الخل ومن امثال العرب لا يصبر على الخل إلا دوده
قال الجاحظ كأنك لا ترى أن فى ديدان الخل والديدان التى تتولد فى السموم (1/433)
إذا عتقت وعرض لها العفن وهى تعد قواتل عبرة وأعجوبة وأن التذكر فيها موقظ للأذهان ومنبه لذوى الفظنة وتحليل لعقدة البلادة وسبب لاعتياد الروية وانفساح فى الصدور وعز فى النفوس وحلاوة تقتاتها الروح وثمرة تغذو العقل وترق فى الشريعة وتشوق إلى معرفة الغايات البعيدة
695 - ( دودة القز ) تضرب مثلا فيمن يضر نفسه وينفع غيره فيقال ما فلان إلا دودة القز وفتيلة المصباح وعود الدخنة
696 - ( صنعة السرفة ) يضرب بها المثل فى عجيب نظمها وبديع تركيبها وصنعة كنها ونظرها فى عواقب أمرها ومن أظرف ما قرأته فى ذلك قول محمد بن حبيب هى دودة تنسج على نفسها بيتا فهو ناوسها حقا والدليل على ذلك أنه إذا نقض هذا البيت لم توجد الدودة فيه حية أصلا
وقال غيره كان الناس يتعلمون الحيل من أفعال البهائم وصنوف الحيوان فتعلموا الحذر من السرفة وتعلموا الحقنة من الطائر الذى إذا تخم من كثرة أكل السمك جاء البحر فأخذ منه بمنقاره ترابا ثم أدخله فى دبره قليلا فإذا فعل ذلك استطلق بطنه من ساعته واستخرجوا آلات الحرب فأخذوا الرمح من قرن الكركدن والسيف من ناب الخنزير والسهم من شوك القنفذ والترس من ظهر السلحفاة (1/434)
697 - ( لجاج الخنفساء ) يضرب به المثل لأن الخنفساء إذا نحيت عادت وكلما رمى بها رجعت مستمرة فى أدراجها ولم تبق ولم تدر فى اللجاج
قال الشاعر
( لنا صاحب مولع بالخلاف ... كثير المراء قليل الصواب )
( أشد لجاجا من الخنفساء ... وأزهى إذا ما مشى من غراب )
698 - ( وادى النمل ) يضرب مثلا للمكان الكثير السكان قال الجاحظ فى قوله تعالى ( حتى إذا أتوا على وادى النمل قالت نملة يا أيها النمل أدخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون ) أخبر بأنهم بأجمعهم وقفوا على ذلك الوادى وأن ذلك الوادى معروف بوادى النمل فكأنه كان حمى والنمل ربما أجلى أمة من الأمم عن بلادهم
699 - ( قرية النمل ) يشبه بها المحل أو الدار الكثيرة الأهل وغير هذا المعنى أراد ابو تمام بقوله فى وصف الخمر
( وكأس لمعسول الأمانى شربتها ... ولكنها أجلت وقد شربت عقلى )
( وإذا ما تحساها الفتى ظن قلبه ... لما دب فيه قرية من قرى النمل )
فأما مدب النمل فإن فرند السيف يشبه به كما قال امرؤ القيس
( متوسدا عضبا مضاربه ... فى متنه كمدبة النمل )
( يدعى صقيلا وهو ليس له ... عهد بتمويه ولا صقل ) (1/435)
حذ (1/434)
ثم أتبعه الشعراء فأكثروا من هذا التمثيل قال أبو فراس فى وصف البازى
( كأن فوق صدره والهادى ... آثار مشى الذر فى الرماد )
ووصف بعضهم الخبز فقال رغفان كأن فى خللها مداب أرجل النمل
قال أبو الفتح بن العميد والشعراء يشبهون الشئ الصغير القصير بإبهام القطا والحبارى وأظفور العصفور
وأراد أن يبتدع عليهم فى اللفظ والمعنى فكتب إلى أبى الحسين بن فارس رقعة صدرها وصلت رقعة الشيخ فكانت أقصر من أنمل الرمل وأقصر من منفقة بقة
700 - ( عض النملة ) قال بعض العلماء وهو يضرب المثل بما يستهان ولا يبالى به فيقال ما عسى ان يكون عض النملة وقرص القملة ولسع النحلة ووقوع البقة على النخلة ونباح الكلاب على السحاب وما موقع الذباب من ذى ناب
701 - ( جناح النملة ) يضرب مثلا لارتياش الضعيف واستغناء الفقير بما فيه هلاكه إذ من أقوى أسباب هلاك النمل نبات أجنحته
ويقال لم يرد الله النملة صلاحا إذا أنبت لها جناحا وقال أبو العتاهية
( أحببت دارا همها قدر ... جم العروج كثيرة شعبه ) (1/436)
( إن استهانتها بمن صرعت ... لبقدر ما تعلو به رتبه )
( وإذا استوت للنمل أجنحة ... حتى يطير فقد دنا عطبه )
وأنشدنى الأمير السيد أدام الله تأييده
( أرض من دنياك بالقوت ... وإن كان يسيرا )
( فهلاك النمل أن يكسى ... جناحا فيطيرا )
702 - ( كسب النمل ) يضرب به المثل لأن النمل والذر والفأر من الحيوانات الدائبة فى الكسب والجمع
703 - ( قوة النمل ) يضرب بها المثل لأن النملة تجر نواة التمرة وهى أضعافها وزنا
ودعا رجل لبعض الملوك فقال جعل الله جرأتك جرأة ذباب وقوتك قوة نملة وكيدك كيد امرأة فغضب الملك من قوله فقال له على رسلك أيها الملك إنه يبلغ من جرأة الذباب أن يقع على أنف الملك ويبلغ من قوة النملة أن تحمل أضعاف وزنها والفيل لا يستقل ببعض ذلك ويبلغ من كيد المرأة مالا يبلغه دهاة الرجال
704 - ( شم الذرة ) قال الجاحظ للذرة مع لطافة شخصها وخفة وزنها من الشم والاسترواح ما ليس لشئ وربما أكل الإنسان الجراد أو ما يشبهه فتسقط من يده واحدة أو رجل واحدة منها وليس يرى بقربه ذرة ولا له بالذر عهد فى ذلك المنزل فلا يلبث أن يرى الذرة قد أقبلت إلى تلك الجرادة (1/437)
فترومها وربما نقلتها وسحبتها وجرتها فإذا أعجزتها بعد ان تبلى عذرا مضت إلى جحرها راجعة فلا يلبث الإنسان أن يراها قد اقبلت وخلفها كالخيط الممدود من الذر حتى يتعاون عليها فيحملنها فأول ذلك صدق الشم لما يشمه الإنسان الجائع ثم بعد الهمة والجرأة على محاولة نقل شئ فى وزن جسمها مائة مرة او أكثر وليس شئ من الحيوان يحمل ضعف وزنه مرارا غيرها على أنها لا ترضى باضعاف الأضعاف إلا بعد انقطاع الأنفاس
705 - ( جمع الذرة ) قال الجاحظ أما ترون إلى خلق الذرة وما فيها من بديع التأليف ومن الإحساس الصادق والتدابير الحسنة ومن الروية والنظر فى العاقبة والاختيار لكل ما فيه صلاح المعيشة ومع ما فيها من البراهين النيرة والحجج الظاهرة
وقال فى موضع آخر قد علمنا الذرة تدخر فى الصيف للشتاء وتتقدم فى حالة المهلة ولا تضيع أوقات الفرصة ثم تبلغ من نقدها وصحة تمييزها والنظر فى عواقبها أنها تخاف على الحبوب التى تدخرها للشتاء أن تعفن وتسوس فتنقلها من بطن الأرض إلى ظهرها لتعيد إليها جفافها وليضربها النسيم وينفى عنها الفساد ثم ربما بل فى أكثر الأوقات اختارت ذلك ليلا لأنه أخفى وفى القمر لأنها فيه أبصر فإن كان مكانها نديا وخافت أن ينبت نقرت موضع القطمير من وسط الحبة وهى تعلم أنها من ذلك الموضع تبتدئ تنبت وهى تفلق الحب كله أنصافا وإذا كان الحب من حب الكزبرة (1/438)
فلقته أرباعا لأن أنصاف حب الكزبرة تنبت من جميع جهاته فهى من هذا الوجه مجاوزة لفطنة جميع الحيوانات
وفى وصية لقمان لأبنه يا بنى لا تكن الذرة أكيس منك تجمع فى صيفها لشتائها
وقال بعض الشعراء
( تركت والله له عرضه ... كرامة للشعر لا للتقى )
( لأنه أحرص من ذرة ... على الذى تجمعه للشتا )
وفى حديث عمرو بن معدى كرب حين سأله عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن سعد بن أبى وقاص قال أسد فى خيسه أعرابى فى شملته نبطئ فى حبوته ينقل إلينا نقل الذرة إلى جحرها
وقوله نبطى فى حبوته لم يرد احتباء النبطى لأن الاحتباء للعرب كما يقال حباء العرب حيطانها ولكن أراد أنه فى حبوة العرب كالنبطى فى علمه بالخراج وعمارة الأرض
وقد يجمع بين النمل والذر فى الوصف بالجمع قال الجمحى
( ولها بالماطرون إذا ... أكل النمل الذى جمعا )
وقال الكميت وهو يصف محلا
( وأنفد حتى النمل مافى بيوتهم ... وعلل بالسوف الوليد المهذب ) (1/439)
وقال آخر
( يجمع للوارث جمعا كما ... تجمع فى قريتها النمل )
وذكر عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه زيادا فقال قاتل الله زيادا جمع لهم كما تجمع الذرة وحاطهم كما تحوط الأم البرة وحبا العراق مائة ألف ألف درهم وثمانية عشر ألف ألف
706 - ( مخ الذر ) يضرب به المثل فى العسر والنكد فيقال أنكد من مخ الذر كما يقال أنكد من صوف الكلب وأعز من لبن الطير قال ابن الرومى فى سليمان بن عبد الله بن طاهر
( رمت نداكم يا بنى طاهر ... فرمت مخ الذر فى عسرته )
( أملت من رفد سليمانكم ... ما أمل المعتز من نصرته )
707 - ( مثقال ذرة ) يضرب مثلا فى القلة والخفة قال الجاحظ قد ذكر الله تعالى ذلك فقال ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ) فكان فى ذلك دليل على أنه فى الغاية من الصغر والخفة وعدم الرجحان قال شاعر فى بعض المعلمين
( معلم صبيان وحامل درة ... وليس له علم بمقدار ذرة )
708 - ( علم الحكل ) الحكل من الحيوان مالم يكن له صوت يستبان باختلاف مخارجه عند جزعه وضجره وطلبه ما يعدوه يضرب (1/440)
مثلا لإعظام التفرس وسمو التفكر كما يتمثل به عند الجزع والضجر وطلب الأمر العزيز المنال قال رؤبة
( لو أننى علمت علم الحكل ... علم سليمان وعلم النمل )
وقال العمانى
( ويفهم قول الحكل لو أن ذرة ... تساود أخرى لم يفته سوادها ) يقول الذر الذى لا يسمع لمناجاته صوت لو كان بينه وبين صاحبه سرار لفهمه والسرار والسواد واحد والله أعلم بالصواب (1/441)
الباب الخامس والثلاثون فى النعام
بيض النعام
عدو النعام
شراد النعام
ظل النعامة
جناحا النعامة
رجلا النعامة
شم النعامة
موق النعامة
صحة الظليم
الاستشهاد
709 - ( بيض النعام ) يضرب مثلا فى الضياع لأن النعامة تترك بيضها وتحضن بيض غيرها وتشبه بها النساء في البياض والبضاضة والعذارى فى الصحة والسلامة من الافتضاض كما قال الفرزدق
( خرجن إلى لم يطمثن قبلى ... وهن أغض من بيض النعام ) وللبيض باب فى هذا الكتاب أخذ بطرفى الصواب إن شاء الله تعالى
710 - ( عدو النعام ) يضرب به المثل فيقال أعدى من النعامة وأعدى من ظليم لأنه إذا عدا مد جناحه وكأنه يجمع فى حضره بين العدو والطيران لا سيما إذا نفر من شئ يخافه فإنه يسبق الريح ومن خفة النعام وسرعة هربها وطيرانها على وجهها وذهابها قالوا فى المثل شالت نعامتهم وخفت رأسهم وللمنهزمين أضحوا نعاما
وكتب أبو إسحاق الصابى فى وصف قوم هاربين أجفلوا إجفال النعام وأقشعوا إقشاع الغمام (1/442)
711 - ( شراد النعام ) قال الجاحظ من أعاجيب النعام أنها لا تأنس بالطير المجانسة لها ولا بالإبل لمشاكلة الإبل إياها فهى نوافر شوادر أبدا ويضرب بنفارها وشرادها المثل قال الشاعر
( وهم تركوك أحير من حبارى ... رأت صقرا وأشرد من نعام )
وقال عمران بن حطان للحجاج
( أسد على وفى الحروب نعامة ... ربداء تنفر من صفير الصافر )
712 - ( ظل النعامة ) يقال للمفرط فى الطول ظل النعامة كما يقال للضخم المتكبر ظل الشيطان قال جرير فى هجائه شبة بن عقال
( فضح المنابر يوم يسلح قائما ... ظل النعامة شبة بن عقال )
وقال بشار بن برد
( وأعرج يأتينا كظل نعامة ... يقوم على الأبواب فى السبرات )
713 - ( جناحا النعامة ) يقال لمن شمر عن ساق الجد فى أمره قد ركب جناحى نعامة قال الشماخ فى مرثية عمر بن الخطاب رضى الله عنه
( فمن يسع أو يركب جناحى نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس يسبق )
714 - ( رجلا النعامة ) يضرب مثلا للاثنين لا يستغنى أحدهما عن الآخر بحال من الأحوال قال الجاحظ كل ذى رجلين وكل ذى أربع إذا اندقت إحدى قائمتيه أو إحدى قوائمه ظلع وتحامل ومشى مشيا إذا استكره (1/443)
نفسه واحتاج أن يستعين بالصحيحة فعل إلا النعامة فإنها متى انكسرت إحدى رجليها عمدت إلى السقوط وفقدان الاستعانة بالصحيحة وعدم التقرب بها إلى مادنا من بعض الحاجة وليس فى الأرض ذو أربع ولا ذو رجلين كذلك
وأنشد بعض الأعراب يخاطب امرأته
( قفى لا تزلى زلة ليس بعدها ... جبور وزلات النساء كثير )
( أدحية عنى تطردين تبددت ... بلحمك طير طرن كل مطير )
( وإنى وإياه كرجلى نعامة ... على كل حال من غنى وفقير )
وكانت امرأته تجفو أخاه دحية وتطرده فأخبر أنه وأخاه كرجلى نعامة إن أصاب أحدهما شئ بطلت الأخرى
ويقال للفرس له ساقا نعامة وذلك لقصر ساقيها كما قال امرؤ القيس
( له أيطلا ظبى وساقا نعامة ... )
وكما قال الآخر
( له ساق ظليم خاضب ... فوجئ بالذغر ) ويقال جؤجؤ نعامة وذلك لارتفاع جؤجؤها
715 - ( شم النعامة ) هى موصوفة بصدق حاسة الشم وجودة الاسترواح مضروب بها المثل كالذئب والذر ويقال إن الهيق يشم ريح أبويه وريح السبع والإنسان من مكان بعيد ولذلك قال الراجز
( اشم من هيق وأهدى من جمل ... ) (1/444)
وزعم أبو عمرو الشيبانى أنه سأل الأعراب عن الظليم هل يسمع فقالوا لا ولكنه يعرف بأنفه مالا يحتاج معه إلى سمع قال وإنما لقب بيهس بنعامة لأنه كان شديد الصمم وإذا دعا الرجل من العرب على صاحبه بالصمم قال اللهم أصنجه صنجا كصنج النعامة والصنج أشد الصمم
716 - ( موق النعامة ) قال الجاحظ النعام موصوف بالموق وفى المثل أموق من نعامة ومن موقها أنها تخرج للطعم فربما رأت بيض نعامة أخرى قد خرجت لمثل ما خرجت له فتحضن بيضها وتدع نفسها وإياها أراد ابن هرمة بقوله
( كتاركة بيضها بالعراء ... وملبسة بيض أخرى جناحا )
717 - ( صحة الظليم ) يقال فى المثل أصح من ظليم لأنه لا يشتكى فإذا اشتكى لا يلبث أن يموت
ويقال إن الظبى أيضا كذلك
وفى فصل للصاحب من كتاب صدر جوابا عن كتاب عبارته تركنى كتابك والظليم ينسب إلى صحة بعد أمراض اكتنفت وأسقام اختلفت (1/445)
الباب السادس والثلاثون فى الطير
عتاق الطير
بغاث الطير
قواطع الطير
خطباء الطير
لبن الطير
غناء الطير
مجير الطير
مخالب طائر
حسو طائر
جناح طائر
قادمة الجناح
عنقاء مغرب
طير النار
طير العراقيب
الاستشهاد
718 - عتاق الطير ) أحرارها وهى تصيد ولا تصاد ولا تملك قال الشاعر
( ولا عيب فيها غير زرقة عينها ... كذاك عتاق الطير زرق عيونها )
وقال معاوية رضى الله عنه لصعصعة يا أحمر فقال الذهب أحمر قال يا أزرق قال البازى أزرق
وقال خلف الأحمر عتاق الطير هى الجوارح وعتاق الخيل هى التى تفوت إذا طلبت وتدرك إذا طلبت
وقال الجاحظ عتاق الطير كالعقبان والبزاة والصقور والشواهين لا سيما العقبان فإنها تبيت حيث لا ينالها سبع ولا ذو أربع وتحيد عنها سباع الطير ولا تعانى الصيد إلا فى الضرورة لأنها تسلب كل ذى صيد صيده وإذا اجتمع صاحب الصقر وصاحب الشاهين وصاحب البازى وصاحب العقاب لم يرسلوا أطيارهم خوفا من العقاب وهى طويلة العمر عاقة بولدها وإن شاءت كانت فوق كل شئ وإن شاءت تفوق كل شئ لأنها تتغدى بالعراق وتتعشى باليمن وريشها الذى عليها هو فروتها فى الشتاء (1/446)
719 - ( بغاث الطير ) قال بعض اللغويين بغاث الطير مالا مخلب له كما أن البزاة والصقور والعقبان من عتاقها وسباعها فالرخم والحدا والغربان من بغاثها
قال الجاحظ بغاث الطير ضعافها وسفلتها من العظام الأبدان والخشاش مثلها إلا أنها من صغار الطير قال الشاعر
( بغاث الطير أكثرها فراخا ... وأم الصقر مقلاة نزور )
720 - ( قواطع الطير ) قال الجاحظ قال أبو زيد الأنصارى إذا كان الشتاء قطعت إلينا الطير والغربان اى جاءت من بلادها فهى قواطع وإذا كان الصيف رجعت فهى رواجع والطير التى تقيم بأرضنا صيفا وشتاء أوابد
721 - ( خطباء الطير ) هى الفواخت والقمارى والرواشين والعنادب وما أشبهها وأظن أول من أخترع هذه الاستعارة المليحة أبو العلاء السرورى فى قوله
( اما ترى قضب الأشجار لابسة ... حسنا يبيح دم العنقود للحاسى )
( وغردت خطباء الطير ساجعة ... على منابر من ورد ومن آس )
722 - ( لبن الطير ) تضرب به العجم مثلا لما لا يفيد الأمل به كما يضرب المثل فى ذلك بالأبلق العقوق ومخ البعوض وسلا الجمل وحلم العصفور
723 - ( غناء الطير ) يضرب به المثل فى الطيب ومن أحسن (1/447)
ما قيل فى ذلك ما حكاه الجاحظ عن إبراهيم بن السندى بن شاهك قال قلت فى أيام ولايتى الكوفة لرجل من وجوهها كانت لا تجف كبده ولا يستريح قلبه ولا تسكن حركته فى طلب حوائج الناس وإدخال السرور على الضعفاء وكان عفيف الطعمة وجيها مفوها خبرنى عن الشئ الذى هون عليك النصب وقواك على هذا التعب ما هو ومن أى شكل هو فقال سمعت غناء الأطيار بالأسحار على الأشجار وسمعت خفق الأوتار وتجاوب العود والمزمار وما طربت من صوت حسن كطربى من ثناء حسن على رجل قد أحسن فقلت لله درك لقد أحسنت كرما
724 - ( مجير الطير ) كان ثور بن شجنة سيدا شريفا قد أجار الطير فكان لا يثار ولا يصاد بأرضه فسمى مجير الطير كما أجار مدلج ابن مرثد بن خيبرى الجراد فسمى مجير الجراد
725 - ( مخالب طائر ) يضرب مثلا للمكان الذى يقلق فيه ساكنه قال الشاعر
( كأن فؤادى فى مخالب طائر ... إذا ذكرتك النفس شد بها قبضا )
وقد يضرب مثلا لما لا يرجى فيقال هو فى مخالب الطير
726 - ( حسوة طائر ) يضرب مثلا فى الخفة فيقال أخف من حسوة طائر كما يقال أخف من لمعة بارق ومن كلام أبى العيناء وقد (1/448)
سأله أعرابى عن نجاح بن سلمة قال لله دره من ناقض أوتار ومدرك ثار وموقد نار يتلهب كأنه شعلة باتت على مدرجة الجائين ينتظر إلى أن يردنا قدمه فيحكم فى ماله قلمه له فى الغيبة بعد الغيبة جلسة عند الخليفة كحسوة طائر أو خلسة سارق فيقوم وقد أفاد نعما أو دفع نقما
وذكر ابن الرومى عبة الطائر فضربها مثلا فى القلة حيث قال فى محمد ابن عبد الله بن طاهر
( وما كانت الدنيا وأنت أميرها ... لتعدل عند الله عبة طائر )
727 - ( جناح الطائر ) يقال كانه فى جناح طائر إذا كان قلقا دهشا كما يقال كأنه على قرن أعفر وكأنه فى كف مصاب ويقال هو فى جناح طائر
وقلت فى باب الضباع من كتاب المبهج ارتفاع الضبعة العادية كالعقيان فى أجنحة العقبان
ويقال فى الإسراع استعار جناح نسر وترك الصبا فى عقال أسر ومن الأجنحة المستعارة جناح الرجل وجناح الحائط وجناح الطريق وجناح النجاح
وقد أحسن ابن المعتز فى قوله
( شربنا بالصغير وبالكبير ... ولم نحفل بأحداث الدهور )
( وقد ركضت بنا خيل الملاهى ... وقد طرنا بأجنحة السرور )
728 - ( قادمة الجناح ) يضرب مثلا فى تفضيل بعض الشئ على (1/449)
كله كما يقال وجه الخير وأول الرزمة وواسطة العقد ودرة التاج قال ابن هرمة لعبد الواحد بن سليمان بن عبد الملك من قصيدة
( أعبد الواحد المرجو إنى ... أغص حذار سخطك بالقراح )
( وجدنا غالبا كانت جناحا ... وكان أبوك قادمة الجناح )
وأنشدنا إياها وكان عنده عبد الله بن حسن فلما فرغ قال له قبحك الله إذ قلت لعبد الواحد
( وكان أبوك قادمة الجناح ... )
فما الذى تركت لنا قال يا بن رسول الله أما سمعت قولى فيها
( وبعض القول يذهب فى الرياح ... )
فضحك منه ورضى عنه
729 - ( عنقاء مغرب ) يقال أعز من عنقاء مغرب قال الجاحظ الأمم كلها تضرب المثل بالعنقاء فى الشىء الذى يسمع به ولا يرى كما قال أبو نواس
( وما خبزه إلا كعنقاء مغرب ... يصور فى بسط الملوك وفى المثل )
( يحدث عنها الناس من غير رؤية ... سوى صورة ما إن تمر ولا تحلى )
وما أكثر من ينكر أن يكون فى الدنيا حيوان يسمى كركدن ويزعمون أن هذا وعنقاء مغرب سواء وإن كان يرون صورة العنقاء مصورة فى بسط الملوك وحيطان قصورهم واسمها عندهم مسموع واسمها عنده بالفارسية سيمرك كأنهم قالوا هو وحده عندهم ثلاثون طائرا لأن قولهم بالفارسية سى هو ثلاثون ومرغ بالفارسية اسم لطائر بالعربية (1/450)
والعرب إذا أخبرت عن هلاك شىء وبطلانه قالت حلقت به فى الجو عنقاء مغرب كما قال الكميت
( محاسن من دنيا ودين كأنما ... بها حلقت فى الجو عنقاء مغرب )
وحكى الصولى عن بعض مشايخه قال عبيد الله بن سليمان يقول سمعت سيدنا المعتضد بالله يقول عجائب الدنيا ثلاث اثنتان لا تريان وواحدة ترى فأما اللتان لا تريان فعنقاء مغرب والكبريت الأحمر وأما التى ترى فابن الجصاص وهو أبو عبد الله بن الحسين بن الجصاص الجوهرى كان يقال له قارون الأمة لفرط يساره وكثرة أمواله وكان أجهل الناس إلا فى الجوهر فإنه كان باقعة فى التبصر به ولما عرضت للمقتدر الضيقة التى كادت تهتك ستره لم يتسع إلا بما أخذ من أمواله
قال الصولى سمعت أبا الحسن بن عبد الحميد كاتب السر يقول الذى صح مما قبض من مال ابن الجصاص من العين والورق والآنية والفرش والكراع والخدم ولا ضيعة فى ذلك ولا عقار ما قيمته ستة آلاف ألف دينار
730 - ( طير النار ) هو طائر هندى يسمى السمندل قال بعضهم هو نارى يعيش فى النار كما يعيش طير الماء فى الماء
وقال آخرون هو طير إذا هرم دخل نار الأتون أو نارا جاحمة فيمكث ساعات فيعود شابا وإياه عنى البهرانى بقوله
( وطائر يسبح فى جاحم ... كأنه يسبح فى غمر )
قال الجاحظ وفى السمندل آية غريبة وصفة عجيبة وداعية إلى التفكر وسبب للتعجب وذلك أنه يدخل أتون النار فلا تحترق له ريشة (1/451)
وقال فى مكان آخر خيرت عن فأرة البيش واغتذائها السموم وعن الطائر الذى يدعى السمندل وطيرانه فى جاحم الأتون فلا السم المجهز يضر بتلك الفأرة ولا النار المضرمة تحرق من ذلك الطائر زغبة
وقال فى مكان آخر هذا الطائر فى طباعه وفى طباع ريشه مزاج من طلاء النفاطين وأظن هذا الطلاء من طلق وخطمى ومغرة وقد كنت رأيت عودا يؤتى به من ناحية كرمان لا تحترق وكان عندنا نصرانى فى عنقه صليب منه وكان يقول لضعفاء الناس هذ العود من الخشبة التى كان المسيح صلب عليها والنار لا تعمل فيه فكان يكتسب بذلك حتى فطن له وعورض بهذا العود وزعم ثمامة أن الإنسان إذا أخذ من هذا الطحلب الذى يكون على وجه الماء فى مناقع المياه فجففه فى الظل وأحرقه فإنه لا يحترق
731 - ( طير العراقيب ) كل طير يتطير منه للإبل فهو طير العراقيب كأنه يعقرها ويعرقبها قال الفرزدق وهو يخاطب ناقته
( إذا قطنا بلغتنيه ابن مدرك ... فلاقيت من طير العراقيب أخيلا )
ومن أمثالهم إذا دعوا على المسافر رايت أخيلا وهو شقراق يتطير منه العرب للظهور ولا تتطير منه لأنفسها وإذا لقى المسافر منهم الأخيل أيقن بالعقر إن لم يك موت فى الظهور (1/452)
الباب السابع والثلاثون فى عتاق الطير
عقاب الجو
عقاب ملاع
قاب العقاب
شأو العقاب
فرخ العقاب
خوافى العقاب
بازى البر
بازى جحا
صدر البازى
بخر الصقر
الاستشهاد
732 - ( عقاب الجو ) يضرب به المثل فى الرفعة والمنعة ولما حث قصير عمرو بن عدى على الطلب بثأر خاله جذيمة من الزباء وقال له تهيأ واستعد ولا تطلن دم خالك قال له عمرو وكيف لى بها وهى أمنع من عقاب الجو فصار قوله مثلا
733 - ( عقاب ملاع ) العرب تقول فى أمثالها أبصر من عقاب ملاع قال محمد بن بن حبيب ملاع اسم هضبة وقال غيره ملاع اسم للصحراء لأن عقاب الصحراء أبصر وأسرع من عقاب الجبال قال أمرؤ القيس
( كأن دثارا حلقت بلبونه ... عقاب ملاع لا عقاب القواعل ) والقواعل الجبال الصغار
734 - ( قاب العقاب ) مقدار مطارها فى الهواء علوا وارتفاعا قال ابن الرومى (1/453)
0 - طار قوم بخفة العقل حتى ... لحقوا رفعة بقاب العقاب )
( ورسا الراجحون من جلة الناس ... رسوا الجبال ذات الهضاب )
( هكذا الصخر راجح الوزن راس ... وكذا الذر شائل الوزن هاب )
ومن فصل للبديع الهمذانى قبلت من يمناه مفتاح الأرزاق ومفتاح الآفاق ولحقت منه بقاب العقاب
735 - ( شأو العقاب ) شأو العقاب مدى طيرانها وهى تتغدى بالعراق وتتعشى باليمن وفى كتاب المبهج أحسن الخيل ما كان بين الشهاري والعراب وجمع مشية العراب إلي شأو العقاب
736 - ( فرخ العقاب ) العرب تضرب به المثل فى الحزم وكانت تقول سنان أحسن من فرخ العقاب يعنون سنان بن أبى حارثة وذلك أن العقاب تتخذ وكرها فى رءوس الجبال فلو تحرك الفرخ إذا طلب الطعم وقد أقبل إليه أبواه أو زاد فى حركته شيئا من موضع مجثمة لهوى من رأس الجبل إلى الحضيض فهو يعرف مع صغره وضعفه وقلة تجربته أن الصواب له فى ترك الحركة
وقال مسرور مولى حفصويه الكاتب المروزى وهو يرثى ابنه نصرا
( يا دار بالقفر الخراب ... والمنزل الوحش اليباب )
( بيدى فيك دفنت نصرا ... بين أطباق التراب ) (1/454)
( كشبا المهند أو كجرو ... والفهد أو فرخ العقاب )
737 - ( خوافى العقاب ) يضرب بها المثل فى السرعة كما كتب الصاحب المنهزمون نكصوا على الأعقاب وطاروا فى الجو بأجنحة العقاب
وفى كتاب المبهج إذا نبت بك بلدك فاستعر قادمة الغراب فى الاغتراب وخافية العقاب فى اقتحام العقاب فربما أسفر السفر عن الظفر وتعذر فى الوطن قضاء الوطر
ومن فصل لأبى محمد الخازن الأصفهانى هذا ولو كنت عاقلا وهيهات لكنت اليوم فى أعلى الدرجات فقد وردت ورأيت جماعة لم أكن يومئذ دونها قد صارت فى منزلة أحتاج إلى خافية حتى ألحق بها
738 - ( بازى البر ) يقال بازى البر كما يقال عقاب ملاع لأن بازى البر أبصر وأطير وأصيد من بازى الجبل قال الشاعر
( وكنت كبازى الجو قص جناحه ... يرى حسرات كلما طار طائر )
( يرى طائرات الجو يصفقن حوله ... فيذكر إذ ريش الجناحين طائر )
739 - ( بارى جحا ) كثيرا ما يسمع العامة يتمثلون ببازى جحا (1/455)
وكنت أحفظ قصة أنسانيها الشيطان فلم أذكرها فى هذا المكان
740 - ( صدر البازى ) يشبه به كل شىء حسن التخطيط بديع التحسين ويذكر فى الحسن والملاحة مع سالفة الغزال وطوق الحمامة وجناح الطاوس قال بعض أهل العصر فى وصف الربيع
( ويوم عبيرى النسيم سبى طرفى ... وقلبى بما أبدى الحسن والظرف )
( كأن موشى الغيم فيه مقابلا ... موشى الربا والشمس تنظر من سجف )
( صدور البزاة البيض صفت وقابلت ... صدور طواويس تفوت مدى الوصف )
ومنها
( ولما وهى من صيب المزن عقده ... وأقبل يروى غلة النبت بل يشفى )
( رأيت به فى الروض أعجب منظر يدل على صنع المهيمن ذى اللطف )
( فضحك بلا ثغر ونسج بلا يد ... وحلى صوغ ودمع بلا طرف )
ولأبى نصر سهل بن المرزبان فى معناه
( ألست ترى يا غرة الشهر والدهر ... محاسن هذا الفصل ذا النور والزهر )
( سماء كصدر الباز والأرض تحتها ... كأجنحة الطاوس فاشرب أبا نصر )
( عقار كعين الديك يحلو بمسمع ... يغنى غناء العندليب على قدر )
( ولا زلت بين السمر والبيض ناعما ... يروقك غض العيش فى الورق الخضر
741 - ( بخر الصقر ) الصقر والأسد بمنزلة فى البخر والمثل سائر بذلك قال الشاعر
( وله نكهة ليث ... خالطت نكهة صقر ) (1/456)
ووصف بعضهم رجلا فرد إليه شملت من المحاسن أخشنها ومن الماء زبده ومن الباز شوكته ومن الصقر بخره ومن النار دخانها ومن الخمر خمارها ومن الدار كنيفها
ومن كلام البديع الهمذانى فى حكاية مقامة والله لقد صادفت من فمه صقرا ومن يده صخرا ومن صدره سم خياط لا يرشح بقيراط (1/457)
الباب الثامن والثلاثون فى الغراب
غراب عقدة
غراب البين
غراب الليل
غراب الشباب
بكور الغراب
حذر الغراب
ثمرة الغراب
بازيار الغراب
الاستشهاد
742 - ( غراب عقدة ) من أمثال العرب قولهم آلف من غراب عقدة إذا كثر النخل والخصب فهى عقدة يألفها الغراب ولا يبرحها لأنه يجد فيها كل ما يريد فهو لا يفارقها قال ابن الأعرابى كل أرض ذات خصب عقدة الدور والأرضين من ذلك وغراب عقدة يضرب مثلا للرجل يألف الأرض الخصب ومواطن الخير فلا يختار عليهما ولا يبغى حولا عنهما
743 - ( غراب البين ) قال الجاحظ غراب البين نوعان أحدهما غربان صغار معروفة بالضعف واللؤم والآخر كل غراب يتشاءم به وإنما لزمه هذا الأسم لأن الغراب إذا بأن أهل الدار وقع فى مواضع بيوتهم يلتمس ما تركوا فتشاءموا به وتطيروا منه إذ كان لا يعترى منازلهم إلا إذا (1/458)
بانوا فسموه غراب البين واشتقوا من اسمه الغربة والاغتراب وليس فى الأرض بارح ولا قعيد ولا شىء مما يتشاءم به إلا والغراب عندهم أنكد منه
وللبديع الهمذانى فصل فى ذكره يليق بهذا الموضع وهو ما أعرف لفلان مثلا إلا الغراب لا يقع إلا مذموما على أى جنب وقع إن طار فمقسم الضمير وإن وقع فمروع بالنذير وإن حجل فمشية الأمير وإن شحج فصوت الحمير وإن أكل فدبرة البعير
قال مؤلف الكتاب قد أكثر الشعراء فى ذكر غراب البين فمن ذلك قول الشاعر
( يا غراب البين فى الشؤم ... وميزاب الجنابه )
( يا كتابا بطلاق ... وعزاء بمصابه )
وقال آخر
( بت على رغم غراب البين ... أنا ومن أحب ناعمين )
( قرير عين بقرير عين ... فظن ما شئت بعاشقين )
وقال أبو عثمان فى وصف السمك والصياد
( أنعته أبيض كاللجين ... سماكه أشعث ذو طمرين )
( فى اللون لا الطيب ممسكين ... أشد شؤما من غراب البين )
744 - ( غراب الليل ) يضرب مثلا لمن لا يؤنس بأشكاله (1/459)
قال الجاحظ غراب الليل هو الذى ترك أخلاق الغربان وتشبه بالبوم وأخذ أخلاقها فأما قول ابن المعتز
( وكابدنا السرى حتى رأينا ... غراب الليل مقصوص الجناح )
فإنما هو على الاستعارة لا الحقيقة وليس هو غراب بعينه
745 - ( غراب الشباب ) يذكر ذلك على وجه الاستعارة وهو كثير فى الألسنة نظما ونثرا كما يقال برد الشباب رداء الشباب قال مسلم بن الوليد
( وليل كغربان الشباب وصلته ... بيوم كأن الشمس تقبسه جمرا )
وأنشد حمزة الأصبهانى لابن المعتز هذه الأبيات ولم أجدها فى النسخ العراقية من شعره
( شعرات فى الرأس بيض ودعج ... حل فيها جيشان روم وزنج )
( أيها الشيب لم حللت برأسى ... إن عمرى عشر وعشر وبنج )
( طار عن مفرقى غراب شبابى ... وعلانى من بعده شاهمرج )
746 - ( حنك الغراب ) من أمثال العرب حنك أشد سوادا من حنك الغراب وحلك الغراب فحنك الغراب منقاره وحلكه سواده
747 - ( عين الغراب ) يضرب بها المثل فى الصفاء وحدة البصر فيقال أصفى من عين غراب وأبصر من غراب كما يقال أبصر من عقاب وأنشد الجاحظ لابن ميادة (1/460)
( ألا طرقتنا أم أوس ودونها ... حراج من الظلماء يعشى غرابها )
يقول إذا كان الغراب لا يرى فى حراج الظلماء مع حدة بصره فما ظنك بغيره وواحدة الحراج حرجة وهى ها هنا مثل حيث جعل كل شىء ألتف وكثف من الظلام حراجا قال أبو الطمحان القينى
( إذا شاء راعيها استقى من وقيعة ... كعين غراب صفوها لم يكدر )
والوقيعة كل مكان صلب يمسك الماء والجمع وقائع
وإنما يقال للغراب أعور لأنه يغمض إحدى عينيه مقتصرا على إحداهما من قوة بصره ويقال إنما سموه أعور على طريق التثاقل عليه قال الشاعر
( لقبونى الشحيح من سوء حالى ... مثل ما سمى الشواحج عورا )
( أنا فى ضده كمأسور قوم ... ظل يدعى بضده كافورا )
748 - ( زهو الغراب ) يضرب به المثل فيقال أزهى من غراب لأنه إذا مشى اختال ونظر فى عطفه قال حسان
( فى فحش مومسة وزهو غراب ... ) وقال آخر
( وأزهى إذا ما مشى من غراب ... )
749 - ( صحة الغراب ) يضرب به المثل كمايضرب بصحة الظليم فيقال أصح بدنا من الغراب وكأنه من الحيوان الذى لا يشتكى ولا يعرف من الأسقام إلا شكاية الموت (1/461)
750 - ( شيب الغراب ) يضرب مثلا لما لا يكون فيقال لا يكون ذلك حتى يشيب الغراب كما يقال حتى يبيض القار ويؤوب القارظ ويلج الجمل فى سم الخياط أى لا يكون ذلك أبدا وهذه من أمثال التأبيد قال الجعدى
( فإنك سوف تحلم أو تناهى ... إذا ما شبت أو شاب الغراب )
وقال ساعدة بن جؤية
( شاب الغراب ولا فؤادك تارك ... ذكرى الغضوب ولا عتابك يعتب )
751 - ( بكور الغراب ) المثل سائر بذلك معروف قال بعض العلماء تعلموا من الغراب بكوره وحذره وإخفاءه للسفاد
وقيل لبزر جمهر بم أدركت ما أدركت قال ببكور كبكور الغراب وصبر كصبر الحمار وحرص كحرص الخنزير قال الشاعر
( لبسوا الدجى لبس الغراب لريشه ... وغدوا لحاجتهم بكور غراب )
752 - ( حذر الغراب ) تقول العرب أحذر من غراب قال الشاعر
( يحذر مما قضاه خالقه ... وليس ينجو الغراب من حذره )
وفى رموز الأعراب إن الغراب قال لابنه إذا رميت فتلوص قال يا أبت إنى أتلوص قبل أن أرمى (1/462)
753 - ( ثمرة الغراب ) إذا أصاب الرجل عند صاحبه أفضل ما يريد من الخير والخصب قالوا وجد ثمرة الغراب وذلك أن الغراب إنما يبتغى من الثمر أجوده وأنضجه نقرب تناوله عليه فى رءوس النخل
ومن كلام السيد الأمير أدام الله تأييده من كتابه كتاب المخزون فى وصف الكتاب كتابك شعره النحل وثمرة الغراب وثمرة الفؤاد وبيضة العقر وزبدة الأحباب فانظر إلى حسن هذه التشبيهات وجودة هذه التلفيقات من محاسن المطعومات
754 - ( يازيار الغراب ) يشبه به الكريم يلابس ما يصغر عن قدره ويتعاطى عند الضرورة ما لا يليق به قال ابن المعتز فى وصف نبيذ أسود سئم شربه
( علنى أحمد من الدوشاب ... شربة نغصت سواد الشباب )
( لو ترانى أعل من قدح الدوشاب ... أبصرت بازيار غراب ) (1/463)
الباب التاسع والثلاثون فى الحمام
حمامة نوح
حمام الحرم
طوق الحمامة
حذق الحمامة
غناء الحمام
سجع الحمام
هداية الحمام
الاستشهاد
755 - ( حمامة نوح ) ويقال لها أيضا حمامة السفينة وسيمر ذكرها قريبا وهى التى أرسلها نوح عليه السلام مكان الغراب الذى لم يعد إليه لينظر هل غاض الماء وبدا من الأرض شىء فرجعت إليه بالبشارة
756 - ( حمام الحرم ) يضرب به المثل فى الأمن والصيانة كما يضرب بظباء مكة وقد تقدم ذكرها ويقال لها أيضا حمام مكة قال الشاعر
( وأية أرض أنت فيها ابن معمر ... كمكة لم يطرق بشر حمامها )
( إذا اخترت أرضا للمقام رضيتها ... لنفسى ولم يغلظ على مقامها )
وقال كثير فى أمن الظبى والحمام بمكة
( لعن الله من يسب عليا ... وحسينا من سوقة وإمام )
( يأمن الظبى والحمام ولايأمن ... آل الرسول عند المقام )
وقال آخر
( ليال تمنى أن تكون حمامة ... بمكة يأويك الستار المحرم )
وقال ابن قيس
( بلد تأمن الحمائم فيه ... حيث عاذ الخليفة المظلوم ) (1/464)
يعنى به عبد الله بن الزبير ومن أمثال العرب هو آمن من حمام مكة ومن أمثل وأبلغ ما سمعت فى التمثيل بحمام الحرم قول عبدان الأصبهانى وقد أحسن على إساءته
( رغيفك فى الأمن يا سيدى ... يحل محل حمام الحرم )
( فلله درك من سيد ... حرام الرغيف حلال الحرم )
757 - ( طوق الحمامة ) يضرب مثلا لما يلزم ولا يبرح ويقيم ويستديم قال الجاحظ قد أطبق العرب والأعراب والشعراء على أن الحمامة هى التى كانت دليل نوح ورائده وهى التى استعجلت عليه الطوق الذى فى عنقها وعند ذلك أعطاها الله تلك الزينة ومنحها تلك الحلية بدعاء نوح عليه السلام حين رجعت إليه ومعها من الكرم ما معها وفى رجليها من الطين والحمأة ما فيها فعوضت من ذلك خضاب الرجلين ومن حسن الدلالة والطاعة طوق العنق وفيها يقول ابن أبى الصلت
( وأرسلت الحمامة بعد سبع ... تدل على المهالك لا تهاب )
( فعادت بعدما ركضت بشىء ... من الأمواه والطين الكباب )
( فلما فتشوا الآيات صاغوا ... لها طوقا كما عقد السخاب )
( إذا ماتت تورثه بنيها ... وإن قتلت فليس له استلاب )
وهذا من أحسن ما وصف به الطوق
وقال جهم بن خلف
( وقد شاقنى صوت قمرية ... طروب الغناء هتوف الضحى ) (1/465)
( مطوقة كسيت زينة ... بدعوة مرسلها إذ دعا )
والعرب تسمى القمارى واليمام والفواخت والدباسى والشفانين والوراشين وما جانسها كلها حماما فجمعوها بالاسم العام وفرقوها بالاسم الخاص ورأينا صورها متشابهة من جهة الزواج ومن طريق الغناء والدعاء والنوح وكذلك هى فى القدور وصور الأعناق وقصب الريش وصيغة الرءوس والأرجل والسوق والبراثن
إلى هنا كلام الجاحظ وقد أكثر الشعراء فى طوق الحمام والتمثيل به قال الفرزدق
( ومن يك خائفا لأذاه شعرى ... فقد أمن الهجاء بنو حرام )
( هم منعوا سفيههم وخافوا ... قلائد مثل أطواق الحمام )
وقال ابن هرمة
( إنى امرؤ لا أصوغ الحلى تعمله ... كفاى لكن لسانى صائغ الكلم )
( إنى إذا ما امرؤ خفت نعامته ... فى الجهل واستحصدت منه قوى الأدم )
( عقدت فى ملتوى أوداج لبته ... طوق الحمامة لا يبلى على القدم )
وقال الباهلى
( نهانى أن أطيل الشعر قصدى ... إلى المعنى وعلمى بالصواب )
( وأبعثهن أربعة وخمسا ... بألفاظ مثقفة عذاب )
( وهن إذا وسمت بهن قوما ... كأطواق الحمامة فى الرقاب )
وقال أبو الطيب
( أقامت فى الرقاب له أياد ... هى الأطواق والناس الحمام )
ومن أمثال العرب طوق طوق الحمامة أى تقلدها تقليدا باقيا بقاء طوق الحمامة إلى يوم القيامة (1/466)
758 - ( خرق الحمامة ) يتمثل بذلك لأنها لا تحكم عشها وربما جاءت إلى الغصن فى الشجرة فتبنى عليه عشها فى الموضع الذى تهب فيه الريح فبيضها أضيع شىء وما ينكسر منه أكثر مما يسلم قال عبيد بن الأبرص
( عيبوا بأمرهم كما ... عيبت ببيضتها الحمامة )
( جعلت لها عودين من ... نشم وآخر من ثمامه )
759 - ( سجع الحمام ) العرب تجعل صوت الحمام مرة سجعا ومرة غناء وأخرى نوحا وتضرب به المثل فى الإطراب والشجى وبجميعه جاء الشعر قال البحترى
( إذا سجع الحمام هناك قالوا ... لفرط الشوق أين ثوى الوليد )
وقال ابن الرومى
( رأيت الشعر حين يقال فيكم ... يعود أرق من سجع الحمام )
ومن ألفاظ الصاحب كلام كصوب الغمام وسجعكسجع الحمام وقال ابن القاشانى فى غناء الحمامة
( يا ليلة جمعتنى والمدام ومن ... أهواه فى روضة تحكى الجنان لنا )
( لأشكرنك ما غنت مطوقة ... على الغصون كما طوقتنى مننا )
وقال أبو فراس فى نوحها
( أقول وقد ناحت بقربى حمامة ... أيا جارتى هل تشعرين بحالى ) (1/467)
760 - ( هداية الحمام ) يضرب بها المثل والحمام الهدى معروف بأرض الشام والعراق يشرى بالأثمان الغالية ويرسل من الغايات البعيدة وتكتب الأخبار فيؤديها ويعود بالأجوبة عنها
قال الجاحظ لولا الحمام الهدى التى تجعل بردا لما جاز أن يعلم أهل الرقة والموصل وبغداد وواسط ما كان بالبصرة وحدث بالكوفة فى يوم واحد حتى إن الحادثة لتكون بالكوفة غدوة فيعلمها أهل البصرة عشية ذلك اليوم وهذا مشهور متعارف (1/468)
الباب الأربعون فى سائر أصناف الطير
ديك العرش
ديك الجن
ديك مزبد
حسن الديك
سفاد الديك
سماحة الديك
بيضة الديك
عين الديك
دجاجة هلال
دجاجة أبى الهذيل
دراجة الحكم
نسر لقمان
مطمح النسر
حسن الطاوس
جناح الطاوس
رجل الطاوس
جيش الطاوس
حسن التدرج
سرق العقعق
صدق القطا
هداية القطا
إبهام القطا
وعيد الحبارى
سلاح الحبارى
كمد الحبارى
طيران الحبارى
جبن الصفرد
هدهد سليمان
سجود الهدهد
عذاب الهدهد
نتن الهدهد
كلام الببغاء
قهقهة القمرى
غناء العندليب
مشية القبج
كذب الفاخته
حلم العصفور
شؤم البوم
شؤم القز
حزم القرلى
اختطاف الخطاف
الاستشهاد
761 - ( ديك العرش ) روى الجاحظ عن الحسن بن عمارة عن عمرو بن مرة عن سالم بن أبى الجعد يرفعه إلى رسول الله قال ( إن مما خلق الله لديكا عرفه تحت العرش وبراثنه تحت الأرض السفلى وجناحه فى الهواء فإذا مضى ثلثا الليل وبقى ثلثه ضرب بجناحه قائلا سبحان الملك القدوس سبوح قدوس رب الملائكة (1/460)
والروح فعند ذلك تضرب الديكة وتصيح )
وعن كعب إن لله ديكا عنقه تحت العرش وبراثنه فى أسفل الأرضين فإذا صاح صاخب الديكة يقول سبحان الملك القدوس لا إله غيره
وقد ضرب ابن طباطبا المثل فى قوله لأبى عمرو بن جعفر بن شريك يعاتبه على منعه إياه شعر ديك الجن
( يا جوادا يمسى ويصبح فينا ... واحدا فى الندى بغير شريك )
( أنت من أسمح الأنام بشعر الناس ... ماذا اللجاج فى شعر ديك )
( يا حليف السماح لو أن ديك الجن ... من نسل ديك عرش المليك )
( لم يكن فيه طائل بعد أن يدخله ... الذكر فى عداد الديوك )
762 - ( ديك الجن ) يضرب مثلا للديك النجيب الحاذق الكثير السفاد ومنه سمى ديك الجن الشاعر المشهور وهو أحد شعراء سيف الدولة ابن حمدان وقد تقدم بعض ذلك فى الباب الثالث
763 - ( ديك مزبد ) يضرب مثلا للحقير يجلب النفع الكثير والوضيع له شأن كبير وقصته أنه كان لمزبد ديك قديم الصحبة نشأ فى داره وعرف بجواره فأقبل عيد الأضحى ووافق من مزبد رقة الحال وخلو بيته من كل خير ومير فلما أراد أن يغدو إلى المصلى أوصى امرأته (1/470)
بذبح الديك واتخاذ الطعام لإقامة رسم العيد فعمدت المرأة لتمسكه فجعل يصيح ويثب من جدار إلى جدار ومن دار إلى دار حتى أسقط على هذا من الجيران لبنة وكسر لذلك غضارة وقلب للآخر قارورة فسألوا المرأة عن القصة فى تعرضها له فأخبرتهم فقالوا والله ما نرضى أن يبلغ حال أبى إسحاق إلى ما نرى وكانوا هاشميين مياسير أجوادا فبعث بعضهم إلى داره بشأة وبعضهم بشاتين وأنفذ بعضهم بقرة وتغالوا فى الإهداء حتى غصت الدار بالشياه والبقر وذبحت المرأة ما شاءت ونصبت القدر وسجرت التنور وكر مزبد راجعا إلى منزله فرأى روائح الشواء قد امتزجت بالهواء فقال للمرأة أنى لك هذا الخير فقصت عليه قصة الديك وما ساق الله إليهم ببركته من الخيرات فامتلأ سرورا وقال لها احتفظى بهذا العلق النفيس وأكرمى مثواه فإنه أكرم على الله من نبيه إسماعيل عليه السلام قالت وكيف قال لأن الله تعالى لم يفد إسماعيل إلا بذبح واحد قال الله تعالى ( وفديناه بذبح عظيم ) وقد فدى هذا الديك بكل هذه الشياه والبقر
764 - ( حسن الديك ) يضرب به المثل كما يضرب بحسن الطاوس قال الجاحظ كان جعفر بن سعيد يزعم أن الديك أحسن من الطاوس وأنه مع حسنه وانتصابه واعتداله وتقلعه إذا مشى سليم من مقابح الطاوس ومن موقه وقبح صورته ومن تشاؤم أهل الدار به ومن قبح رجليه ومن نذالته وكان يزعم أنه لو ملك طاوسا لألبسه خفا (1/471)
وكان يقول وإنما يفخر له بالتلاوين وبتلك التعاريج والتهاويل التى لألوان ريشه ولربما رأيت الديك النبطى وفيه شبه بذلك إلا أن الديك أجهل من الدراج لمكان الاعتدال والانتصاب والإشراف وأسلم من العيوب من الطاوس
وكان يقول ولو كان الطاوس أحسن من الديك النبطى فى تلاوين ريشه فقط لكان فضل الديك عليه باعتدال القد والخرط وبفضل حسن الانتصاب وجوده الإشراف أكثر من فضل حسن ألوانه على ألوان الديك ولكان السليم من العيوب فى العين أجمل لاعتراض تلك الخصال القبيحة على حسن الطاوس فى عين الناظر إليه وأول منازل الحمد السلامة من الذم
وكان يزعم أن قول الناس فلانة أحسن من الطاوس وما فلان إلا طاوس وأن قول الشاعر
( خدودها مثل طواويس الذهب ... )
إنما قال ذلك لأن العامة لا تبصر الجمال ولفرس رائع كريم أحسن من كل طاوس فى الدنيا وكذلك الرجل والمرأة وإنما ذهبوا من حسنه إلى حسن ريشه فقط ولم يذهبوا حسن إلى تركيبه وتنصبه (1/472)
كحسن البازى وانتصابه ولم يذهبوا إلى أعضائه وجوارحه وإلى الثياب والوجه الذى فيه
765 - ( سفاد الديك ) يضرب به المثل كما قال الشاعر
( صيرنى الدهر إلى تدليك ... بعد سفاد كسفاد الديك )
766 - ( سماحة الديك ) قولهم أسمح من اللاقطة مختلف فيه فبعضهم يقول هى الحمامة لأنها تخرج ما فى حواصلها لفراخها وبعضهم يقول هو الديك لأنه يأخذ الحبة بمنقاره فلا يأكلها بل يلقيها للدجاج والهاء فيها للمبالغة وبعضهم يقول هى الرحا لأنها تلقط ما تطحنه أى تقذف به وبعضهم يقول هو البحر لأنه يلقط الدرة التى لا قيمة لها قال الشاعر
( تجود فتجزل قبل السؤال ... وكفك أسمح من لاقطة )
767 - ( عين الديك ) يضرب بها المثل فى الصفاء ويشبه بها الشراب الصافى كما قال الأخطل
( عقار كعين الديك صرفا كأنها ... لعاب جراد فى الفلاة يطير )
وحكى الموصلى قال سمعتنى أعرابية وأنا أنشد
( وكأس مدام يحلف الديك أنها ... لدى المزج من عينيه أصفى وأنور )
فقالت يا أبا محمد بلغنى أن الديك من صالح طيوركم وما كان ليحلف بالله كاذبا (1/473)
وقال بعض المحدثين
( هات مداما كأن فيها ... تصب أحداقها الديوك )
768 - ( دجاجة هلال ) هى كديك مزبد فى البركة وحسن الأثر على صاحبها ومن قصتها أن عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بينما يتعشى على مائدته إذ قدمت له دجاجة فائقة مشوية فاستطابها وسأل عنها فقالوا له ان هلالا أهداها للأمير فقال يا غلام أخرج كتابا من ثنى فراشى فأخرجه فإذا هو كتاب الحجاج إليه يأمره بقتل هلال والبعث إليه برأسه فلما قرأه هلال تغير وارتعد فقال له ابن الأشعث لا عليك يا هلال أقبل على طعامك اترانا نأكل دجاجتك ونبعث إليه برأسك والله لا يوصل إليك حتى يوصل إلى وأنشد هلال
( وينفسى دجاجة لم تخنى ... وضعت لى نفسى مكان الأنوق )
( فرجت كربة المنية عنى ... بعدما كدت أن أغص بريقى )
( يا بن قيس ويا بن خير بنى كندة ... بين الأشج بل والصديق )
( إن شكرى شكر الطليق من القتل ... ووجدى عليك وجد الشفيق )
769 - ( دجاجة أبى الهذيل ) تضرب مثلا للشىء اليسير يستعظمه مهديه فيكثر ذكره قال الجاحظ ومن البخلاء المذكورين أبو الهذيل أهدى مرة إلى مويس بن عمران دجاجة وكانت دون ما يتخذ لمويس إلا أنه لكرمه وحسن خلقه أظهر التعجب من سمنها وطيب لحمها فقال له كيف رأيت يا أبا عمران تلك الدجاجة قال كانت عجبا من العجاب قال (1/474)
أو تدرى ما حسنها وتدرى ما سمنها فإن الدجاجة إنما تطيب بالسمن والحسن أتدرى بأى شىء كنا نسمنها وفى أى مكان كنا نعلفها ولا يزال فى هذا ومويس يضحك ضحكا نعرفه نحن ولا يعرفه أبو الهذيل وصار بعد ذلك إن ذكروا دجاجة قال أين كانت يا ابا عمران من تلك الدجاجة وإن ذكروا بطة أو عناقا أو جزورا أو بقرة قال فأين كانت هذه الجزور فى الجزر من تلك الدجاجة فى الدجاج وإن استسمنوا شيئا من الطير أو البهائم أو الدجاج قال لا والله ولا تلك الدجاجة وإن ذكروا عذوبة الشحم قال عذوبة الشحم تصاب فى البقر والبط وبطون السمك والدجاج ولا سيما ذلك الجنس من الدجاج وإن ذكروا ميلاد شىء أو قدوم إنسان قال كان ذلك قبل أن أهدى إليك تلك الدجاجة بشهر وكان بعد أن أهديتها لك بسنة وما كان بين فلان وبين البعث بتلك الدجاجة إلا يوم وكانت مثلا فى كل شىء وتاريخا لكل شىء
770 - ( دراجة الحكم ) أمرها على الضد من دجاجة هلال لأن تلك الدجاجة مثل فى الشىء اليسير يجر النفع الكثير وهذه الدراجة مثل فى النفع القليل يجلب الضرر العظيم ومن قصتها أن بعض عمال الحكم ابن أيوب الثقفى تغدى معه يوما فتناول من بين يديه دراجة مشوية (1/475)
فحقدها عليه الحكم فعزله من عمله فقال فيه الفرزدق
( قد كان بالعرق صيد لو قنعت به ... فيه غنى لك عن دراجة الحكم )
( وفى عوارض لا تنفك تأكلها ... لو كان يشفيك لحم الإبل من قرم )
العوارض من الإبل التى تعرض لها الآفات فتنحر من أجلها والعبط التى تعتبط اعتباطا وكان الشريف من العرب يأتى القوم وقد نحروا فيقول أعبيط أم عارضة فإن قالوا عبيطا أصاب معهم من لحمه وإن قالوا عارضة أنف من أكلها
771 - ( نسر لقمان ) العرب تضرب المثل بطول عمر النسر وتزعم أنه يعيش خمسمائة سنة وأن لقمان بن عاد خير فاختار عمر سبعة أنسر فأوتى سؤله فكان يأخذ فرخ النسر فيجعله فى خربة من الجبل الذى هو فى أصله فإذا استوفى عمره أخذ فرخا آخر فوضعه مكان الآخر إلى آخر النسور وأطولها عمرا لبد الذى يقال له نسر لقمان ويضرب مثلا فى طول العمر والبقاء فيقال اتى أبد على لبد و
( أخنى عليه الذى أخنى على لبد ... ) قال لبيد
( ولقد جرى لبد فأدرك جريه ... ريب المنون وكان غير مثقل )
( لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالكسير الأعزل )
( من تحته لقمان يرجو نهضة ... ولقد رأى لقمان ألا يأتلى ) (1/476)
قال الجاحظ إن أحسنت الأوائل فىذكر نسر لقمان فقد أحسن بعض المحدثين وهو الخزرجى وذكره وضرب المثل به وبصحة بدن الغراب حين ذكر طول عمر معاذ بن مسلم بن رجاء مولى القعقاع بن شور وكان من المعمرين طعن فى السن مائة وعشرين سنة وهو قوله
( إن معاذ بن مسلم رجل ... ليس لميقات عمره أمد )
( قد شاب رأس الزمان واكتهل الدهر ... وأثواب عمره جدد )
( قل لمعاذ إذا مررت به ... قد ضج من طول عمرك الأبد )
( يا نسر لقمان كم تعيش وكم ... تخلق ثوب الحياة يالبد )
( قد أصبحت دار دارم خاوية ... وأنت فيها كأنك الوتد )
( تسأل غربانها إذا نعقت ... كيف يكون الصداع والرمد )
( مصححا كالظليم ترفل فى ... برديك منك الجبين يتقد )
( صاحبت نوحا ورضت بغلة ذى ... القرنين شيخا لولدك الولد )
( ما قصر المجد يا معاذ ولا ... زحزح منك الثراء والعدد )
( فاشخص ودعنا فإن غايتك الموت ... وإن شد ركنك الجلد )
وقد أحسن ابن طباطبا فى قوله
( بأبى الذى أنا فى لذاذة عمره ... مستقرض أعمار سبعة أنسر ) (1/477)
( مد الهوى بينى وبينك غاية ... أدنى مداها خلق يوم المحشر )
772 - ( مطمح النسر ) ما أحسن ما جمع ابن الرومى بين مطمح النسر وبين سبح النون بقوله
( أنظر إلى الدهر هل فاتته بغيته ... فى مطمح النسر أو فى مسبح النون )
وذلك أن سلطان النسر فى الهوىوسلطان الحوت فى الماء ولا يكادان ينجوان من غير الدهر
773 - ( حسن الطاوس ) يضرب به المثل فيقال أحسن من الطاوس وأزهى من الطاوس ويقال للإنسان الحسن طاوس الحسن كما يقال يوسف الحسن ومن أحسن ما سمعت فى ذلك قول البحترى فى إسرائيل النحاس النصرانى الأعور وقد قوم غلاما له فارسيا بثمن بخس فقال فيه
( متى أرضى ودجال النصارى ... يقوم ما أبيع بفرد عين )
( وأعجب ما ترى طاوس حسن ... يحكم فى شراه غراب بين )
فانظر إلى حسن ما جمع بين الطاوس والغراب فى بيت واحد ولما كان المهجو أعور شبهه بغراب البين والغراب يقال له الأعور لتغميص إحدى عينيه وما أحسن قول الخبزأرزى
( طاوس حسن بل أتم محاسنا ... جمع الملاحة بل أعز وألطف )
( ما ضره ألا يكون مقلدا ... سيفا وفى عينيه سيف مرهف )
( سل ورد خدك أى ورد جنسه ... إنى أراه يعود ساعة يقطف ) (1/478)
وقال غيره
( أيا طاووسة الحسن ... ويا عصفورة الجنة )
( ويا من قبلة من فيه ... لى أحلى من المنه )
ومن بارع أوصاف الطاوس قول القائل
( سبحان من من خلقه الطاوس ... طير على أشكاله رئيس )
( كأنه فى نفسه عروس ... كأنما يحلو به التعريس )
( ديباجة تنشر أو سدوس ... فى الريش منه ركبت فلوس )
( تشرق من داراتها شمس ... فى الرأس منه شجر مغروس )
( كأنه بنفسج يميس ... أو زهر من حزم ينوس )
ووصف على بن عبيد الريحانى الطاوس بكلام طويل ثم قال فى أواخره والعين من كثرة ما يروقها منه أكثر مما يحكى اللسان عنه
774 - ( جناح الطاوس ) بلغنى عن الصاحب أنه كان إذا نظر فى خط الأمير شمس المعالى وهو نهاية فى استيفاء أقسام الحسن قال هذا جناح طاوس
وأنشدنى أبو طالب المأمونى لنفسه من قصيدة وصف فيها دار أبى نصر ابن أبى زيد ببخارى
( وكأن الأبواب صحب تلاقين ... انقفالا ثم افترقن انفتاحا )
( وكأن الستور قد نشر الطاوس ... منها فى كل باب جناحا ) (1/479)
وقد استعار للطاوس حلة من قال
( طالع يومى غير منحوس ... فسقنى يا طارد البوس )
( كأسا كعين الديك فى روضة ... قد ألبست حلة طاوس )
775 - ( رجلا الطاوس ) يضرب مثلا لما يستقبح من جملة حسنة وللعوذة فيمن تكثر محاسنه لأن رجلى الطاوس قبيحتان جدا والطاوس هو ما هو فى الحسن قال الصاحب
( أبوك أبو على ذو علاء ... إذا عد الكرام وأنت نجله )
( وإن أباك إذ تعزى إليه ... لكالطاوس تقبح منه رجله )
كأنه قلب قول أبى الطيب
( فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال )
ووصف على بن أبى عبيدة الطاوس ثم قال آخر كلامه وإنه ليفضى إلى رجل حمشة وصيحة وحشة وصوت هائل وجسم غير طائل
قال مؤلف الكتاب قد يذكر فى مقابح المحاسن وعوذ المناقب رجل الطاوس وكلف البدر وأنف الظبى وشوك الورد ودخان النار وخمار الخمر
( وأى نعيم لا يكدره الدهر ... )
وللبديع الهمذانى من فصل إلى صديق من طوس لك يا سيدي دلال وفضل خصال لا يدفعك عنها أحد وذلك فى أكثر المطارح لسان صائح ويد لائح معها من تورية طويسية ورجل طاوسية لو خلوت عنها لكنت الإمام الذى تدعيه الشيعة وتنكره الشريعة (1/480)
776 - ( جيش الطواويس ) كان يقال لجيش عبد الرحمن بن محمد الأشعث الخارج على الحجاج جيش الطواويس لكثرة من كان فيه من الحسان الوجوه الموصوفين
777 - ( حسن التدرج ) ذكر أبو الحسن بن الناصر العلوى حسن التدرج فى قوله وهو يصفه
( صدور من الديباج نمق وشيها ... وصلن بأحناء اللجين السوارج )
( وأحداق تبر فى خدود شقائق ... تلألأ حسنا كاشتعال المسارج )
( وأذناب طلع فى ظهور كسونها ... مجزعة الأعطاف صهب الدمالج )
( فإن فخر الطاوس يوما بحسنه ... فلا حسن إلا دون حسن التدارج )
ولم يقصر المأمونى فى وصفها حيث يقول
( قد بعثنا بذات لون بديع ... كبنات الربيع أوهى أحسن )
( فى قناع من جلنار وآس ... وقميص من ياسمين وسوسن )
( دبجت وهى بنت درة بحر ... كل عن وصف حسنها كل ملسن )
778 - ( سرق العقعق ) يضرب به المثل فيقال أسرق من عقعق لأن له حذقا بالاستلاب وسرعة الخطف ومن حذقه أنه لا يستعمل ذلك فيما ينتفع به فكم من عقد ثمين خطير وكم من قرط شريف نفيس قد اختطفه من بين أيدى قوم فإما رمى به بعد تحليقه فى الهواء وإما جره ثم لا يلتفت إليه أبدا وقد أحسن من قال يصف خلقه وخلقه (1/481)
( إذا بارك الله فى طائر ... فلا بارك الله فى العقعق )
( طويل الذنابى قصير الجناح ... متى مايجد غفلة يسرق )
( يقلب عينين فى رأسه ... كأنهما قطرتا زئبق )
وهو مما يضرب به المثل من أخلاقه حذره ولفته وموقه فى تضييعه بيضه وفراخه مع حياطته أشد الحياطة قال ومن الحيوان الذى يدرب فيستجيب ويكيس ويلمح العقعق فإنه يستجيب من حيث يستجيب العصفور ويدجن ويعرف ما يراد منه ويخبأ الحلى ويسأل عنه ويصلح به فيمضى حتى يقف بصاحبه على المكان الذى خبأه فيه ولكنه لا يتولى البحث عنه وهو مع هذا كله كثيرا ما يضيع بيضه وفراخه
779 - ( صدق القطاة ) يضرب بها المثل فيقال أصدق من قطاة لأن لها صوتا واحدا لا تغيره وصوتها حكاية لاسمها تقول قطا قطا قال الشاعر
( يا صدقها حين تدعوها فتنتسب ... )
ويقال أنسب من قطاة لأنها تنتسب حين تصوب باسم نفسها
780 - ( هداية القطا ) يضرب المثل بهداية القطا فى الجاهل قال الشاعر
( وما القطا الكدر إلى القفر ... أهدى من الفقر إلى الحر )
وقال الطرماح
( تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ... ولو سلكت طرق المكارم ضلت ) (1/482)
وقال ابن لنكك
( نشأتم جميعا من وجوه سحيقة ... تكنفهم جهل ولؤم فأفرطا )
( وإن زمانا أنتم رؤساؤه ... لأهل بأن يخرى عليه ويضرطا )
( إلى كم تعيبون اللئام وإننى ... أراكم بطرق اللؤم أهدى من القطا )
781 - ( إبهام القطا ) من أمثالهم أقصر من إبهام القطا ومن إبهام الحبارى قال جرير
( ويوم كإبهام القطاة مزين ... إلى صباه غالب لى باطله )
وفى رسالة للصاحب أقصر من أباهيم القطا وأنامل الحبارى وفى رسائل الخوارزمى أقصر من ليل السكارى وإبهام الحبارى وفى بعض شعر المولدين
( أقصرمن أظفور عصفور ... )
782 - ( وعيد الحبارى ) يضرب مثلا للضعيف يتوعد القوى ومن أمثال العرب وعيد الحبارى الصقر وذلك أنها تقف وتحاربه قال الشاعر
( أقل عناء عنك إيعاد بارق ... وعيد الحبارى الصقر من شدة الرعب )
783 - ( سلاح الحبارى ) يضرب مثلا للضعيف يستعين بالآلة اللئيمة على مقاومة من هو أقوى منه فربما يغلبه بها وذلك أن الحبارى سلاحها سلاحها إذا أراد الصقر أن يصيدها ترميه بذرقها فيدبق جناحه (1/483)
ويعطل طيرانه حتى تجتمع عليه الحباريات فينتفن ريشه طاقة طاقة فيموت الصقر وإلى هذا المعنى أشار المتنبى بقوله
( فلا تنلك الليالى إن أيديها ... إذا ضربن كسرن النبع بالغرب )
( ولا تعن عدوا أنت قاهره ... فإنهن يصدن الصقر بالخرب )
وما أحسن ما قال أبو فراس فى المعنى
( ولا خير فى دفع الردى بمذلة ... كما ردها يوما بسوءته عمرو )
784 - ( كمد الحبارى ) يضرب مثلا لمن يموت كمدا فيقال مات فلان كمد الحبارى
قال أبو الأسود
( وربة ميت كمد الحبارى ... إذا ظعنت هنيدة أو تلم )
وذلك أن الحبارى تلقى ريشها كله مرة واحدة وغيرها من الطير يلقى الواحدة بعد الواحدة فليست تلقى واحدة إلا بعد نبات الأخرى والحبارى إذا تحسرت فترت همتها فإذا نظرت إلى صويحباتها يطرن ولا نهوض لها فربما ماتت كمدا
785 - ( طيران الحبارى ) يضرب بها المثل فيقال أطير من (1/484)
حبارى وليس فى الطير أسرع طيرانا منها لأنها تصاد بظاهر البصرة فتوجد فى حواصلها الحبة الخضراء غضة طرية وبينها وبين بلادها بعد وقد يضرب أيضا بطيران العقاب المثل لأنه يتغدى بالعراق ويتعشى باليمن
786 - ( جبن الصفرد ) يضرب مثلا فى جبن الضعيف وزعم أبو عبيدة أن هذا المثل مولد والصفرد طائر من خشاش الطير قال الشاعر
( تراه كالليث لدى أمنه ... وفى الوغى أجبن من صفرد )
787 - ( هدهد سليمان ) يضرب مثلا للإنسان الحقير يدل على الملك الخطير قال بعض العلماء للعلم دالة يعتز بها الصغير على الكبير والمملوك على المالك ألا ترى أن الهدهد وهو من محقرات الطير قال لسليمان عليه السلام وهو الذى أوتى ملكا لا ينبغى لأحد من بعده ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبإ يقين )
قال الجاحظ هدهد سليمان هو الذى كان يدل سليمان على مواضع المياه فى قعور الأرضين إذا أراد استنباط شىء منها ويروى أن نجدة الحرورى قال لابن عباس إنك تقول إن هدهد سليمان كان إذا نقر الأرض عرف مسافة ما بينه وبين الماء وهو لا يبصر الفخ دون التراب حتى إذا نقر الحبة انضم عليه الفخ قال أجل إذا جاء القدر عمى البصر وفى (1/485)
رواية أخرى إذا جاء الحين غطى العين قال تعالى ( وتفقد الطير فقال مالى لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين ) لما دخلت على الاسم الألف واللام جعلته معرفة فدل بذلك على أنه لم يكن هدهدا من عرض الهداهد بل كان هدهدا بعينه مخصوصا بما لا يختص به غيره
وقال ولو أنكم حملتم جميع الهداهد على حكم هدهد سليمان وجميع الغربان على حكم غراب نوح وجميع الحمام على حكم حمامة السفينة وجميع الذئاب على حكم ذئب اهبان بن أوس وجميع الحمير على حكم حمار العزير لكان ذلك حكما مردودا
وقد تعرض لخصائص الأمور أسباب فى دهر الأنبياء ونزول الوحى لا يعرض مثلها فى غير زمانهم عليهم الصلاة والسلام
788 - ( سجود الهدهد ) يضرب مثلا لمن يكثر السجود قال ابن المعتز
( وصلت هداهدة كالمجوس ... متى تر نيرانها تسجد )
وقال ابن الرومى فى ضرب المثل وهو يهجو الأخفش
( أسجد من هدهد إذا برزت ... فيشة فحل عظيمة العكر )
وسمعت البديع الهمذانى يقول لما أدخلنى أبى على الصاحب وأنا صبى أقمت رسم خدمته بتقبيل الأرض مرارا فقال لى يا بنى اقعد لم تسجد كأنك هدهد (1/486)
وقال بعض أهل الفضل فى وصف فتى حسن الصورة مسترخى التكة
( قد حرت فى وصف صديق لنا ... مطرز التكه بالعسجد )
( فى الحسن طاوس ولكنه ... أسجد فى الخلوة من هدهد )
789 - ( عذاب الهدهد ) يضرب مثلا لمن يسام سوء العذاب لأن الله تعالى حكى عن سليمان قوله فى الهدهد ( لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه )
وعن بعض المفسرين أى لأنتفن ريشه وألقينه فى مدارج النمل
وعن بعضهم لأفرقن بينه وبين إلفه
وعن آخر لأحشرنه مع غير ابناء جنسه
790 - ( نتن الهدهد ) الهدهد طير منتن البدن من جوهره وذاته ورب حيوان يكون منتنا من نفسه من غير عرض كالتيوس والحيات والظربان قال الشاعر
( تشاغلت عنا أبا الطيب ... بغير شهى ولا طيب )
( بأنتن من هدهد ميت ... أصيب فكفن فى جورب )
فجعله نهاية فى النتن لأن الهدهد منتن فى حال حياته فإذا مات أزداد نتنا بمماته فإذا كفن فى الجورب الذى سار المثل بنتن رائحته ازداد نتنا على نتنه قال الشاعر
( أثنى عليك بما علمت فإننى ... أثنى عليك بمثل ريح الجورب )
وما على ذلك مزيد فى النتن ولعمرى إن هذا لهو المبالغة فى التشبيه (1/487)
791 - ( كلام الببغاء ) يضرب مثلا لمن يقول ما يقول بغير علم ولا معرفة وإنما يؤدى شيئا سمعه ويحكى ما يلقنه ولما غلب وصيف وبغا على أمر المستعين كله حتى كان لا يصدر إلا عن رأيهما قال فى ذلك جنبذ الكاتب
( خلافة جائرة ... فاسدة ما تبتغى )
( صاحبها محتجب ... يفرق من حر الوغى )
( مقتسم معتبد ... بين وصيف وبغا )
( يقول ما قالا له ... كما تقول الببغا )
ومن ملح أوصاف الببغاء
( أنعتها صبيحة مليحة ... ناطقة باللغة الفصيحة )
( عدت من الأطيار واللسان ... يوهمنى بأنها إنسان )
( تنهى إلى صاحبها الأخبارا ... وتكشف الأستار والأسرارا )
( سكاء إلا أنها سميعة ... تعيد ما تسمعه مطيعه )
792 - ( قهقهة القمرى ) لم أسمع من ضرب بها المثل إلا أبا عبد الله ابن الحجاج فإنه ظرف وملح حيث قال
( وقينة تنغيمها فى الفنا ... أملح من قهقهة القمرى )
( غناؤها الممدود بى فاعل ... فعل الغنى المقصور بالعسر ) (1/488)
793 - ( غناء العندليب ) يضرب به المثل فى الملاحة والطيب قال بعض العصريين
( سماء كصدر الباز والأرض تحته ... كأجنحة الطاوس فاشرب أبا نصر )
( عقارا كعين الديك تحلو بمسمع ... يؤدى غناء العندليب على قدر )
وقال أيضا فى غلام
( فديتك يا أتم الناس ظرفا ... وأصلحهم لمتخذ حبيبا )
( فوجهك نزهة الألحاظ حسنا ... وصوتك متعة الأسماع طيبا )
( وسائلة تسائل عنك قلنا ... لها فى وصفك العجيبا )
( رنا ظبيا وغنى عندليبا ... ولاح شقائقا ومضى قضيبا )
وفى الكتاب المبهج ليس للبلابل كخمر بابل
794 - ( بيضة الديك ) يضرب بها المثل للشىء يقع نادرا ويحدث مرة فيقال هذا بيضة الديك أى لم يجر أكثر من مرة قال الشاعر وقد تلطف وبر بمحبوبته
( يا أحسن الناس ريقا غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك )
( قد زرتنى مرة فى العمر واحدة ... ثنى ولا تجعليها بيضة الديك )
وقد تقدم فى غير هذا الباب ضمنا وإن كان أخص به الباب الآتى
795 - ( مشية القبج ) تشبه بها كل مشية ظريفة قال الشاعر
( وكم عقعق قد رام مشية قبجة ... فأنسى ممشاه ولم يمش كالحجل ) (1/489)
وقال بعض أهل العصر
( لقاؤك يحكى قضاء الحوائج ... ووجهك للغم والهم فارج )
( وفيك لنا فتن أربع ... تسل علينا سيوف الخوارج )
( لحاظ الظباء ومشى القباج ... وطوق الحمام وزى التدارج )
796 - ( كذب الفاختة ) يضرب بها المثل كما قال الشاعر
( أكذب من فاختة ... تقول وسط الكرب )
( والطلع لم يبد لها ... هذا أوان الرطب )
وكما قال الشاعر
( وقول أبى جعفر كله ... كقول الفواخت جاء الرطب )
( وهن وإن كن أشبهنه ... فلسن يدانينه فى الكذب )
وكما قال آخر
( وقد كنت تصدق صدق القطا ... فأصبحت أكذب من فاخته )
797 - ( حلم العصفور ) قال الجاحظ العرب تضرب المثل بحلم العصفور لأحلام السخفاء قال دريد بن الصمة
( يا آل شيبان ما بالى وبالكم ... أنتم كثيرون فى أحلام عصفور )
وقال حسان بن ثابت
( لا بأس بالقوم من طول ومن قصر ... جسم البغال وأحلام العصافير ) (1/490)
وقال ابن الرومى
( أرى رجالا قد خولوا نعما ... فى خفة الحلم كالعصافير )
( تبارك الله كيف يرزقهم ... لكنه رازق الخنازير )
798 - ( سفاد العصفور ليس فى الطير أكثر سفادا من العصافير ولذلك قالوا إنها أقصر الطير أعمارا ويقال إنه ليس شىء مما يألف الناس ويعايشهم فى دورهم أقصر عمرا منها يعنون الخيل والبغال والحمير والإبل والبقر والغنم والكلاب والسنانير والخطاطيف والحمام والدجاج ويقال فى المثل أسفد من عصفور قال بعض أهل العصر
( سقيا لأيام الصبا إذ أنا ... فى طلب اللذة عفريت )
( أصيد كالبازى ولكننى ... أسفد كالعصفور ماشيت )
( شؤم البوم ) البوم يضرب به المثل فى النكد والشؤم لأنه يأوى الخراب ولا يأنس باشكاله من ذوات الأجنحة وإياه عنى أبو الطيب بقوله فى المصراع الثانى
( خير الطيور على القصور وشرها ... يأوى الخراب ويسكن الناووسا )
وقال أبو عثمان الخالدى
( ولى صاحب نحس على كل صاحب ... هو الداء أعيا أن يصيب دواء )
( أخف الورى عقلا وأثقل طلعة ... وأقحم إلا أن يقول خطاء )
799 - ( شؤم القز ) قال ابن الحجاج القز طائر يتشاءم منه (1/491)
وإذا رآه أهل السفينة لم يشكو فى الغرق وكثيرا ما يذكره ابن حجاج متمثلا به كقوله
( يا سيدى دعوة ذى حرقة ... أقدم فى الشؤم من القز )
( عمامتى كانت أميرية ... مليحة الشربش والطرز )
( ولست بالباكى على فقدها ... فالخزى أولى بى من الخز )
800 - ( حزم القرلى وخطف القرلى ) قال حمزة بن الحسن الأصفهانى القرلى طير من بنات الماء صغير الجرم شديد الغوص سريع الخطف لا يرى إلا مرفرفا على وجه الماء على جانب كطيران الحدأة يهوى بإحدى عينيه إلى قعر الماء طمعا ويرفع الأخرى إلى الهواء حذرا فإن أبصر فى الماء ما يستقل بحمله من سمك وغيره انقض عليه كالسهم المرسل فأخرجه من قعر الماء وإن أبصر فى الهواء جارحا أهوى إلى الأرض فضربوا به المثل فى الخطف وكذلك ضربوا به المثل فى الحزم والحذر
وفى أسجاع ابن الحسن كن حذرا كالقرلى إن رأى خيرا تدلى وإن رأى شرا تولى
وقد خالف هذا رواة النسب فقالوا قرلى هو اسم رجل من العرب كان لا يتخلف عن طعام أحد ولا يترك موضعا إلا قصد إليه فإن صادف فى طريق يسلكه خصومة ترك ذلك الطريق ولم يمر فيه فقالوا أطمع من قرلى
وأقول أنا خليق أن يكون هذا الرجل شبه بذلك الطير وسمى باسمه قال الشاعر (1/492)
( يا من جفانى وملا ... أنسيت أهلا وسهلا )
( ومات مرحب لما ... رأيت مالى قلا )
( إنى أظنك تحكى ... بما فعلت قرلى )
801 - ( اختطاف الخطاف ) يضرب المثل باختطاف الخطاف كما يضرب باستلاب الحدأة وفيه يقول الصنوبرى
( ومؤاتى العتاق غير مؤات ... مطيع اللحظ مؤنس اللفظات )
( لا ينيل التقبيل إلا اختطافا ... كاختطاف الخطاف ماء الفرات ) (1/493)
الباب الحادى والأربعون فى البيض
بيض الأنوق
بيض السماسم
بيض النعام
بيضة البلد
بيضة العقر
بيضة الديك
بيضة الإسلام
بيضة البقيلة
بيضة الذهب
الاستشهاد
802 - ( بيض الأنوق ) العرب تضرب المثل ببيض الأنوق فى الشىء الذى لا يوجد فتقول أعز من بيض الأنوق وأبعد من بيض الأنوق والأنوق الرخم الذكر وإنما البيضة للأنثى هذا قول أبى عمرو وأما غيره من اللغويين والمعنويين فإنهم أجمعوا على أن الأنوق تلتمس لبيضها الأوكار البعيدة والأماكن الوحشية والجبال الشامخة وصدوع الصخر الغامضة فلا يصل إليها سبع ولا آدمى كما قال الشاعر
( وكنت إذا استودعت سرا كتمته ... كبيض أنوق لا ينال له وكر )
ويروى أن رجلا من أهل الشام طلب إلى معاوية حاجة فأبى وسأله أخرى فتمثل معاوية بهذا البيت
( طلب الأبلق العقوق فلما ... فاته ذاك رام بيض الأنوق )
وقال بعض ولد عيينة بن حصن لعمر بن عبد العزيز
( إن أولى بالحق فى كل حق ... ثم أحرى بأن يكون حقيقا )
( من ابوه عبد العزيز بن مروان ... ومن كان جده الفاروقا ) (1/494)
( رد أموالنا علينا وكانت ... فى ذرا شاهق يفوق الأنوقا )
وأنشدنى الخوارزمى لنفسه
( تغربت أسأل من عن لى ... من الناس هل من صديق صدوق )
( فقالوا عزيزان لا يوجدان ... صديق صدوق وبيض الأنوق )
وقرأت للصاحب من رسالة له إلى أبى سعيد بن ابى بكر الإسماعيلي هذا الفصل وهل غاية من أفنى الطوامير واستقصى الأضايير وكتب الكتب الطوال وشحن الصحف العراض يحاول أن يدل على حالك حتى يخطر بباله أن يكشف عن بلبالك إلا أن يقال له أردت بيض الأنوق كلا بل بيض النوق وقد أبعد النجعة ولم يطبق المفصل وأراد أن يجىء بعائدة فجاء بآبدة ولكل جواد كبوة كما أن لكل صارم نبوة
803 - ( بيض السماسم ) من أمثال العرب عن اللحيانى كلفنى بيض السماسم وواحدة السمائم سماحة والسمائم طير مثل الخطاف لا يقدر على بيضه
804 - ( بيض النعام ) قد تقدم القول فى أن العرب تضرب المثل للعذارى به فى الصحة والسلامة كما قال الفرزدق
( وهن أصح من بيض النعام ... )
805 - ( بيضة البلد ) من أمثال العرب فلان بيضة البلد فيضعونها مرة فى موضع المدح وتارة فى موضع الذم فأما التى يراد بها المدح فكما قال (1/495)
على ابن أبى طالب رضى الله عنه أنا بيضة البلد وكما قالت عمرة ابنة عمرو ابن عبد ود ترثى أباها وتذكر قتل على إياه
( لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... بكيته ما أقام الروح فى جسدى )
( لكن قاتله من لا يعاب به ... وكان يدعى قديما بيضة البلد )
وإنما يراد ببيضة البلد واحدها الذى تجتمع إليه وتقبل قوله
وأما التى يراد بها الذم فهى كما قال الراعى
( تأبى قضاعة لم تعرف لكم نسبا ... وابنا نزار فأنتم بيضة البلد )
وإنما نسبهم إلى غير نسب وشبههم بيضة النعام التى يحضنها غير صاحبها فقد يراد ببيضة البلد الانفراد والذل والضياع لأن النعامة تقوم عنها وتتركها منفردة بدار مضيعة كما تقدم ذكره ولهذا المعنى أراد من قال
( لكنه حوض من أودى بإخوته ... ريب المنون فأمسى بيضة البلد )
806 - ( بيضة الديك ) يضرب المثل ببيضة الديك فى الشىء يكون مرة واحدة لا ثانية لها والذى يعطى عطية لا يعود لمثلها وذلك أن الديك يبيض فى عمره مرة واحدة لا يكون لها أخت وقد تمثل بها بشار حيث قال
( قد زرتنا مرة فى الدهر واحدة ... ثنى ولا تجعليها بيضة الديك )
807 - ( بيضة العقر ) اختلفوا فيها فمن قائل إنها البيضة التى تستبرأ بها المرأة أبكر هى أم ثيب ومن قائل إنها بيضة الديك ولا ثانية لها قط (1/496)
ومن قائل إنها آخر بيضة للدجاجة ولا بيضة لها بعدها فتضرب مثلا للشىء لا يكون بعده شىء من جنسه وهذا أسد الأقاويل وأقربها من الصواب
ويحكى أن رجلا أخذ من بين يدى بعض الملوك البخلاء بيضة فقال خذها فإنها بيضة العقر ثم لم يدعه بعد ذلك إلى مائدته
808 - ( بيضة البقيلة ) تذكر فى عيون الأطعمة ولا يستحسن المبادرة إليها
وهجا الحمدونى طفيليا فقال
( ويبدرهم إلى بيض البقيله ... )
ويقال ثلاثة ينتهى الحمق إليها وهى أن يستظل الرجل بمظلته وهو فى الظل وأن يسابق إلى بيضة البقلة وأن يحتجم فى غير داره
وحكى الجاحظ عن الحارثى أنه قال الوحدة خير من جليس السوء وجليس السوء خير من أكيل السوء وكل أكيل جليس وليس كل جليس أكيلا فإن كان لا بد من المؤاكلة فمع من لا يستأثر بالمخ ولا ينتهز بيضة البقيلة ولا يلتهم كبد الدجاجة ولا يبادر إلى دماغ ولا يختطف كلى الجدى ولا ينزع خاصرة الحمل ولا يزدرد قانصة الكركى ولا يتعرض لعيون الرءوس ولا يستولى على صدور الدراج ولا يسابق إلى أسقاط الفراخ
وحكى عن محمد بن أبى المؤمل أنه قال فى كلام ولقد كانوا متحامين بيضة البقيلة ويدفعها كل امرىء لصاحبه وأنت اليوم إن لو أردت أن تمتع عينيك بنظرة واحدة إليها لم تقدر عليها (1/497)
وسمعت السيد أبا جعفر الموسوى يقول عاتب بعض الناس صديقا له على إخلاله بإضافته بعد أن كان يدعوه كثيرا فقال ما الذى أنكرت منى هل نبشت وسادتك هل قلبت حملك هل بعثرت أبزارك هل أكلت بيضة بقيلتك هل تفلت فى طستك
809 - ( بيضة الإسلام ) هى مجتمعه وحوزته ويقال للجند حماة الحوزة ورعاة البيضة قال الشاعر يهجو بعض الحكام
( ابكى وأندب بيضة الإسلام ... إذ صرت تقعد مقعد الحكام )
( إن الحوادث ما علمت كثيرة ... وأراك بعض حوادث الأيام )
ويقال أيضا بيضة العشيرة ومنها قول أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه نحن عشيرة رسول الله وبيضتها التى انفقأت عنها وإنما دارت العرب عنها كما دارت الرحا عن قطبها
ومن البيضة المستعارة بيضة الحديد وبيضة العنبر
810 - ( بيضة الذهب ) تضرب للشىء النفيس تنقطع مادته بعد أن تكون العادة جارية بها وأصلها أن الروم كانوا ينفذون إلى الأكاسرة فى الإتاوة كل عام ألف بيضة ذهب كل واحدة زنتها مائة مثقال فلما ولى الإسكندر أتاه من قبل دارا بن دارا من يتقاضاه الإتاوة فقال قل له إن الدجاجة التى كانت تبيض الذهب قد ماتت فسار قوله مثلا وكان ذلك سببا لالتحام الشر بين دارا والإسكندر حتى قتل دارا وفى هذا المثل قال الشاعر يهجو بعض الحكام (1/498)
( من كان ينفعه الأدب ... ويحله أعلى الرتب )
( فلقد خسرت عليه ما ... ورثت من أم وأب )
( كم ضيعة كانت تصون ... الوجه عن ذل الطلب )
( أتلفتها لا فى القيان ... ولا هوى بنت العنب )
( بل فى الحوادث والجوائح ... والشوائب والنوب )
( كم قلت لما بعتها ... وحصلت فى أسر الكرب )
( ضاعت دجاجتنا التى ... كانت تبيض لنا الذهب ) (1/499)
الباب الثانى والأربعون فى الذباب والبعوض
طيش الذباب
جرأة الذباب
زهو الذباب
لجاج الذباب
طنين الذباب
أير الذباب
منجى الذباب
بق البطائح
ضعف البقة
مخ البعوض
فراش النار
جهل الفراشة
خفة الفراشة
حلم الفراشة
لعاب النحل
كيس النحل
إبر النحل
آنية النحل
نحل السكر
خصر زنبور
الاستشهاد
811 - ( طيش الذباب ) يضرب مثلا فيقال أطيش من ذباب وأنشد الأصمعى
( ولأنت أطيش حين تغدو شاردا ... رعش الجنان من القدوح الأقرح )
قال وكل ذباب أقدح يقدح بيديه كما قال عنترة
( هزجا يحك ذراعه بذراعه ... حك المكب على الزناد الأجذم )
812 - ( جرأة الذباب ) يضرب بها المثل لأن الذباب يقع على فم الأسد وهو لا يبقى شيئا وهو مع ذلك يذاد ويعود
813 - ( زهو الذباب ) قال الجاحظ يقال أزهى من ذباب لأنه يسقط على أنف الملك الجبار وعلى موق عينيه ليأكله ثم يطرد فلا ينطرد (1/500)
وحكى أن ذبابا وقع على أنف المنصور وهو يخطب فحرك رأسه ليطرده وكان الخلفاء لا يحركون أيديهم على المنابر فطار حتى سقط على رأسه فحركها فطار حتى وقع على عينه فحرك رأسه فطار حتى وقع على عينه الأخرى حتى أضجره فذبه بيده فلما نزل سأل عمرو بن عبيد لم خلق الله الذباب فقال ليذل به الجبابرة ثم قرأ قوله تعالى ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب )
814 - ( لجاج الذباب ) حكى الجاحظ فى لجاج الذباب ما هو نهاية الفصاحة والاتساع قال كان عندنا بالبصرة قاض يقال له عبد الله بن سوار لم ير الناس حاكما ذكيا ولا وقورا رزينا ضبط من نفسه وملك من حركته مثل الذى ضبط وملك وكان يصلى الغداة فى منزله وداره قريبة من مسجده ثم يأتى مجلسه فيحتبى ولا يتكى ويبقى منتصبا لا يتحرك له عضو ولا يلتفت ولا يحل حبوته ولا يحول رجلا عن رجل ولا يعتمد على أحد شقيه حتى كأنه بناء مبنى وصخرة منصوبة فلا يزال كذلك حتى يقوم لصلاة الظهر ثم يعود إلى مجلسه فلا يزال كذلك حتى يقوم إلى صلاة العصر ثم يرجع إلى مجلسه فلا يزال كذلك حتى يقوم لصلاة المغرب ثم ربما عاد إلى مجلسه بل كثيرا ما يكون ذلك إذا بقى عليه شىء من قراءة العهود والسجلات ثم يصلى العشاء الأخيرة وينصرف فالحق يقال لم يقم طول تلك المدة و الولاية مرة واحدة من مجلسه إلى وضوء ولا احتاج إليه ولا شرب ماء ولا غيره من الشراب كذلك كان شأنه فى (1/501)
طوال الأيام وقصارها وصيفها وشتائها وكان مع ذلك لا يحرك له يدا ولا عضوا ولا يشير برأسه وليس إلا أن يتكلم ثم يوجز ويبلغ باليسير من الكلام إلى المعانى الكثيرة فبينما هو ذات يوم فى مجلسه وأصحابه حواليه والسماط بين يديه إذ سقط على أنفه ذباب فأطال المكث ثم تحول إلى مؤق عينه فرام الصبر فى سقوطه على المؤق وصبر على عضته ونفاذ خرطومه كما رام الصبر على سقوطه على أنفه من غير أن يحرك أرنبته أو بعض وجهه او يذب بأصابعه فلما طال ذلك عليه من الذباب وشغله وأوجعه وأحرقه وقصد مكانا لا يحتمل التغافل أطبق جفنه الأعلى على جفنه الأسفل فلم ينهض فدعاه ذلك إلى أن والى بين الإطباق والفتح فتنحى فلما سكن جفنه عاد إلى مؤقه بأشد من مرته الأولى فغمس خرطومه فى مكان كان قد آذاه فيه قبل ذلك وكان احتماله أقل وعجزه عن الصبر على الثانية أقوى فحرك أجفانه وزاد فى شدة الحركة وفى فتح العين ومتابعة الفتح والإطباق فتنحى عنه بقدر ما سكنت حركته ثم عاد إلى موضعه فما زال يلح عليه حتى استفرغ صبره وبلغ مجهوده فلم يجد بدا من أن يذب عن عينه بيده ففعل وعيون القوم ترمقه وكأنهم لا يرونه فتنحى عنه بقدر ما سكنت حركته ثم عاد إلى موضعه فألجأه إلى أن ذب على وجهه بطرف كمه ثم ألجأه إلى أن تابع ذلك وعلم أنه كان بعين من حضر من أمنائه وجلسائه فلما نظروا إليه قالوا نشهد أن الذباب ألج من الخنفساء وأزهى من الغراب قال استغفر الله فما أكثر من أعجبته نفسه فأراد الله أن يعرفه من ضعفه ما كان مستورا عنه قد علمتم أنى (1/502)
عند الناس من أرزن الناس فقد غلبنى وفضحنى أضعف خلق الله ثم تلا قوله تعالى ( وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب )
815 - ( طنين الذباب ) يضرب المثل به للكلام يستهان ولا يبالى به قال حضرمى بن عامر
( ما زال إهداء القصائد بيننا ... شتم الصديق وكثرة الألقاب )
( حتى تركت كأن أمرك بينهم ... فى كل مجتمع طنين ذباب )
وقال ابن عروس
( يا من يروعه طنين ذباب ... ويفل عزمته صرير الباب )
فجعله يرتاع مما لا يرتاع منه
816 - ( منجى الذباب ) يضرب مثلا للئيم الذليل يكون عليه واقية من لؤمه وذله كما قال إبراهيم بن العباس
( كن كيف شئت وقل ما تشا ... وأبرق يمينا وأرعد شمالا )
( نجابك لؤمك منحى الذباب ... حمته مقاذيره أن ينالا )
وقال مسلم بن الوليد (1/503)
( فاذهب فأنت طليق عرضك إنه ... عرض عززت به وأنت ذليل )
817 - ( أير الذباب ) يضرب مثلا لما قل وذل وأنشدالجاحظ
( لما رأيت القصر أغلق بابه ... وتعلقت همدان بالأسباب )
( أيقنت أن إمارة ابن مقرب ... لم يبق منها قيس أير ذباب )
قالوا ولم يرد مقدار أيره إنما ذهب إلى مثل قول ابن أحمر فى مخ البعوض وقد تقدم ذكره وسيأتى قريبا
818 - ( بق البطائح ) يضرب به المثل فى الكثرة وسوء الأثر يذكر مع جرارات الأهواز وعقارب شهر زور وبلغنى أنها ربما ظفرت بالإنسان السكران النائم فأكلت لحمه وشربت دمه ولم تبق منه إلا عظاما عارية
819 - ( ضعف بقة ) يضرب به المثل كما قال الشاعر فى رجل اسمه ليث
( أيا من إسمه ليث ... وهو أضعف من بقة )
( لقد باعد رب الناس ... بين الإسم والخلقه )
ويضرب المثل بصغر البقة قال الخوارزمى (1/504)
( ضنيت فلو ادخلت فى حلق بقة ... خريفية من دقتى لم تغص بى )
( وأصبح قلبى فى يد الهم واغتدت ... أمانى فى أظفار عنقاء مغرب )
820 - ( جناح بعوضة ) يضرب به المثل فى القلة والصغر والخفة كما يضرب بمثقال ذرة وفى الحديث ( لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء )
821 - ( مخ البعوض ) من أمثال العرب كلفتنى مخ البعوضة أى كلفتنى مالا أطيق ولا يوجد ولا يكون ولم يذكر ذلك أحد من الشعراء إلا ابن أحمر إذ قال
( كلفتنى مخ البعوض فقد ... أقصرت لا نجح ولا عذر )
ثم تبعه ابن عروس فقال
( ولو أيقنت أن سيموت قلبى ... صغير السن كالرشإ الغضيض )
( أبحتك كل ما يحويه كفى ... ولو كلفتنى مخ البعوض )
822 - ( فراش النار ) قال الجاحظ يقال فى موضع الذم والهجاء بالطيش والجهل والتهور ما هو إلا فراش نار وذباب طمع كما قال الشاعر
( كأن بنى طهية رهط سلمى ... فراش حول نار مصطلينا )
( يطفن بحرها ويقعن فيها ... ولا يدرين ماذا يتقينا )
قال والفراش وأصناف الذباب أجهل خلق الله لأنها تغشى النار من ذوات أنفسها حتى تحترق وقال الشاعر (1/505)
( ختمت الفؤاد على حبها ... كذاك الصحيفة بالخاتم )
( هوت بى إلى حبها نظرة ... هوى الفراشة فى الجاحم )
823 - ( جهل الفراشة ) يضرب بها المثل لأن الفراشة تطلب النار لتلقى نفسها فيها قال الشاعر
( إذا ما دنا حنف الفراشة أقبلت ... إلى وهجان النار تطلب مخلصا )
وهذا كما يقال إذا جاء أجل البعير حام حول البير
وكتب أبو إسحاق الصابى تهافت الفراش فى الشهاب وولوع الذباب بالشراب وكتب مثله فى مخالفة طرائق الحصفاء وخلائق الحزماء مثل الفراش المتهافت فى الشهاب والنقد المتهجم على ليوث الغاب
824 - ( خفة الفراشة ) يضرب بها المثل لأن الفراشة أكبر من الذباب الضخم فإذا أخذتها بيدك صارت بين أصابعك كالدقيق وتقول العامة لمن تستخف روحه ما أنت إلا من فراش الجنة
825 - ( حلم الفراشة ) يقال ذلك كما يقال حلم عصفور قال الشاعر
( سفاهة سنور وحلم فراشة ... وإنك من كلب المهارش أجهل )
826 - ( لعاب النحل ) هو العسل يضرب المثل بحلاوته ويقال أيضا ريق النحل وعاب بعض القراء الفالوذج عند الحسن فقال الحسن (1/506)
لعاب النحل بلباب البر بخالص السمن ما عاب هذا مسلم ( قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق )
ومن كلام السيد الأمير أدام الله تأييده فى تشبيه الكلام بريق النحل وصل كتابك فأذعنت القلوب لفضله بالاعتراف واختلفت الألسن فى تشبيهه ببديع الأوصاف فمن مدع أنه رقية الفضل وريق النحل ومنتحل أنه سلاف العنقود ونظم العقود وقائل إنه نظم خمائل وسحر بابل فأما أنا فتركت التمثيل وتركت التحصيل وقلت هو سماء فضل جادت بصوب الحكم ووشى طبع حاكته سن القلم ونسيم خلق تنفست عنه روضة الكرم
827 - ( كيس النحل ) قال الجاحظ من يقدر على نعت النحل وكيسها ووصف ما فيها من غريب الحكم وعجيب التدبير ومن التقدم فيما ما يقوتها والادخار ليوم العجز عن كسبها وشمها مالا يشم ورؤيتها مالا يرى وحسن هدايتها والتدبير والتأمير عليها وطاعة سادتها وتقسيط أجناس الأعمال على أقدار معارفها وقوة أبدانها ( فتبارك الله أحسن الخالقين )
وكتب أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم إلى ابنه أبى سعيد مع غلام تركى بعث به إليه من بخارى قد أهديت إليك غلاما يجمع أشغال الناس وكيس النحل ونمو الهلال بورك لك فيه
828 - ( إبر النحل ) تضرب مثلا فى الوصل إلى المحبوب بمقاساة المكروه وهو يجرى مجرى شوك التمر قال أبو تمام
( ذرينى أنل مالا ينال من العلا ... فصعب العلا فى الصعب والسهل فى السهل )
( تريدين تحصيل المعالى رخيصة ... ولا بد دون الشهد من أبر النحل ) (1/507)
829 - ( آنية النحل ) ذكر الزبير بن بكار بإسناد له أن مصعب ابن الزبير كان يقال له آنية النحل من كرمه وجوده وكان من أجمل الناس وأشجعهم وأجودهم وذكره عبد الملك بن مروان فقال كان رئيسا نفيسا
وقال بعض الأشراف فى قتله
( فلا تحسب السلطان عارا عقابه ... ولا ذله عند الحفائظ والأصل )
( فقد قتل السلطان عمرا ومصعبا ... قريعى قريش واللذين هما مثلى )
( عماد بنى العاص الرفيع عماده ... وقرم بنى العوام آنية النحل )
830 - ( نحل السكر ) سمعت أبا الفتح البستى يقول الحر كنحل السكر إن أجناه المرء من بره شكرا أجناه من شكره شهدا ثم أنشدنى لنفسه
( لا نحقر المرء إن رأيت به ... دمامة أو رثاثة الحلل )
( فالنحل لا شىء فى طبولته ... ينال منه الفتى جنى العسل )
831 - ( خصر زنبور ) يشبه به خصر المعشوق من الجوارى والغلمان كما قال عمر بن أبى ربيعة
( وثلاث لقيت فى الحج يوما ... كظباء المها ملاح ظراف )
( يتقابلن كالبدور على الأغصان ... فى مثقل من الأرداف )
( بخصور تحكى خصور الزنابير ... دقاق هممن للإنتصاف ) (1/508)
الباب الثالث والأربعون في الأرض وما يضاف إليها
خبايا الأرض
شحمة الأرض
سمع الأرض وبصرها
دابة الأرض
جنة الأرض
أمانة الأرض
كتمان الأرض
أوتاد الأرض
حلية الأرض
نبات الأرض
أديم الأرض
خد الأرض
سرة الأرض
ظهر الأرض وبطنها
ابن الأرض
جدرى الأرض
بعل الأرض
سنام الأرض
حية الأرض
الاستشهاد
832 - ( خبايا الأرض ) هى الزرع يروى عن النبي أنه قال ( التمسوا الرزق فى خبايا الأرض )
وعن مصعب بن الزبير عن عبيد بن شهاب قال كان عروة بن الزبير يقول لى ازرع أمالك أرض أما سمعت قول الشاعر
( أقول لعبد الله لما لقيته ... يسير بأعلى الرقمتين مشرقا )
( تتبع خبايا الأرض وادع مليكها ... لعلك يوما أن تجاب فترزقا )
833 - ( شحمة الأرض ) هى الموضع المريع منها قيل لعمر رضى الله عنه إن نازلة البصرة اتخذوا الضياع وعمروا الأرض فكتب إليهم لا تنهكوا وجه الأرض فإن شحمتها فى وجهها قال الجاحظ شحمة الأرض هى ما يغوص فى الرمل ويسبح فيها سباحة السمك فى الماء وهى دود صغار يشبه بها كف المرأة قال ذو الرمة فى تشبيه بنان النساء بها (1/509)
( كواعب أملود كأن بنانها ... بنات النقا تخفى مرارا وتظهر )
قال أبو سليمان الغنوى هى أعرض من العظاية بيضاء حسنة متقطعة بحمرة وصفرة وهى أحسن دواب الأرض
834 - ( سمع الأرض وبصرها ) من أمثال العرب لقيته بين سمع الأرض وبصرها قال الأصمعى كأن ذلك بالفلاة بموضع لا أحد فيه وقال غيره أى بين طول الأرض وعرضها وقال ووجه ذلك أنه فى موضع لا يراه أحد ولا يسمع كلامه إلا الأرض
وكتب الصاحب فى وصف منهزم طار بين سمع الأرض وبصرها لا يدرى ما يطأ من حجرها ومدرها
835 - ( دابة الأرض ) هى التى ذكرها الله تعالى فى قصة سليمان عليه السلام فى قوله ( ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته )
وإياها عنى ابن المعتز بقوله وهو يشكرها ويذمها ويصف إفسادها
( كنت امرأ دون الأنام معتزل ... على ستر دون دينى منسدل )
( لا راجيا لدولة من الدول ... ولا أخاف آجلا على أمل )
( شغلى إذا ما كان للناس شغل ... دفتر فقه أو حديث أو غزل )
( لا عائبى ولا يرى منى زلل ... فإن ملك قربه منى اعتزل ) (1/510)
( أرقط ذو لون كئيب المكتهل ... راكب كف أينما شئت رحل )
( ولا أحل موضعا حتى يحل ... ولا يمل صاحبا حتى يمل )
( فدب فيهن دبيب قد أكل ... عصا سليمان فظل ينجدل )
( يبنى أنابيب له فيها سبل ... بالماء والطين وما فيها بلل )
( مثل العروق لا يرى فيها خلل ... يأكل أثمار القلوب لا أكل )
( حتى يرى العالم مجهول المحل ... يعود وفاقا وقد كان بطل )
وشتم رجل الأرضة فى مجلس بكر بن عبد الله المزنى فقال بكر مه هى التى أكلت الصحيفة التى تعاقد المشركون فيها على رسول الله أكلتها إلا ذكر رسول الله وبها ( تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا فى العذاب المهين ) فبها كشف أمرهم عند العوام بعد الفتنة العظيمة عليهم وكانت على الخاصة منهم أعظم المحن فهذه دابة الأرض التى هى الأرضة
وأما دابة الأرض التى ذكرها الله تعالى فقال ( وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم أن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ) فهى تضرب مثلا للمنتظر البطىء الحضور وتذكر مع ظهور مهدى الشيعة ونزول عيسى وطلوع الشمس من مغربها وقد ذكرها أبو الفتح البستى فى معنى آخر فقال وهو يذم بعض الحكام
( صح بالحاكم ما أو ... عده الله يقينا )
( وقع القول علينا ... إذ تولى الحكم فينا ) (1/511)
836 - ( جنة الأرض ) يقال لبغداد جنة الأرض ومجتمع الرافدين دجلة والفرات وواسطة الدنيا ومدينة السلام وقبة الإسلام لأنها غرة البلاد ودار الخلافة ومجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف وبها أرباب النهايات فى كل فن وآحاد الدهر فى كل نوع
وكان أبو إسحاق الزجاج يقول بغداد حاضرة الدنيا وما عداها بادية
وكان أبو الفرج الببغاء يقول هى مدينة السلام بل مدينة الإسلام فإن الدولة النبوية والخلافة الإسلامية بها عششتا وفرختا وضربتا بعروقها وسمتا بفروعها وإن هواءها أعدل من كل هواء وماءها أعذب من كل ماء ونسيمها أرق من كل نسيم وهى من الإقليم الاعتدالى بمنزلة المركز من الدائرة ولم تزل موطن الأكاسرة فى سالف الأزمان ومنزل الخلفاء فى دولة الإسلام
وكان أبو الفضل بن العميد إذا طرأ عليه أحد من منتحلى العلم وأراد امتحان عقله سأله عن بغداد فإن فطن عن خواصها ونبه على محاسنها وأثنى عليها خيرا جعل ذلك مقدمة فضله وعنوان عقله ثم سأله عن الجاحظ فإن وجد عنده أثرا بمطالعة كتبه والاقتباس من ألفاظه وبعض القياس بمسائله قضى بأنه غرة شادخة فى العلم وإن وجده ذاما لبغداد غافلا عما يجب أن يكون موسوما به من الانتساب إلى المعارف التى يختص بها الجاحظ لم ينتفع بعد ذلك عنده بشىء من المحاسن
ولما رجع الصاحب من بغداد وسأله ابن العميد عنها قال بغداد فى البلاد كالأستاذ في العباد فجعلها مثلا فى الغاية من الفضل والكمال
وأنشدنى ابن زريق الكوفى الكاتب
( سافرت أبغى لبغداد وساكنها ... مثلا قد اخترت شيئا دونه الياس ) (1/512)
( هيهات بغداد الدنيا بأجمعها ... عندى وسكان بغداد هم الناس )
قال وأنشدنى لغيره
( سقى الله بغداد من جنة ... حوت كل ما تشتهى الأنفس )
( على أنها جنة الموسرين ... ولكنها حسرة المفلس )
ومن عجيب شأنها على أنها كونها الحضرة الكبرى لاستيطان الخلفاء إياها لا يموت بها خليفة كما قال عمارة بن عقيل بن جرير بن بلال
( أعاينت فى طول من الأرض والعرض ... كبغداد دارا إنها جنة الأرض )
( قضى ربها ألا يموت خليفة ... بها إنه ما شاء فى خلقه يقضى )
ولما فرغ المنصور من بنائها فى سنة ست وأربعين ومائتين أمر نوبخت المنجم وكان متقدما فى علم النجوم بأن يأخذ المطالع ويتعرف أحوالها ففعل ووجد المشترى فى القوس والقوس طالعها فأخبره بما تدل عليه النجوم من طول ثباتها وكثرة عمارتها وانصباب الدنيا عليها وفقر الملوك والسوقة إليها فسر المنصور وقرأ ( ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) ثم قال له نوبخت وخصلة أخرى يا أمير المؤمنين هى من أعجب خصائصها قال ما هى قال لا يموت بها خليفة أبدا فجرى الأمر فيه على حكمه إلى زماننا هذا بإذن الله تعالى وذلك أن المنصور مات بمكة والمهدى بما سبذان والهادى بعيسا آباد والرشيد بطوس وقتل الأمين ومات المأمون بطرسوس والمعتصم بسر من رأى والواثق بها وقتل المتوكل ومات المنتصر بسر من رأى وخلع المستعين وكذلك المعتز وقتل المهتدى ومات المعتمد بالحسنية وكذلك المعتضد والمكتفى وقتل المقتدر (1/513)
وقتل القاهر ومات الراضى بالحسنية وقتل المتقى والمستكفى ومات المطيع بدير العاقول وخلع الطائع
837 - ( عرض الأرض ) من أمثالهم أوسع من عرض الأرض والعرب إذا ذكرت عرض الشىء أرادت به الطول والعرض كما قال الله تعالى ( وجنة عرضها السموات والأرض ) فأراد الطول والعرض وقال الشاعر
( كأن بلاد الله وهى عريضة ... على الخائف المذعور كفه حايل )
838 - ( أمانة الأرض ) يتمثل بها فيقال آمن من الأرض لأنها تؤدى ما تستودع
839 - ( كتمان الأرض ) يضرب به المثل كما قال ابن المعتز فى الفصول القصار لا تذكر الميت بسوء فتكون الأرض أكتم عليه منك
840 - ( أوتاد الأرض ) هى الجبال من قوله تعالى ( والجبال أوتادا )
وفى الخبر إن الله عز و جل لما خلق الأرض مادت فأوتدها بالجبال فسكنت قال الفرزدق يمدح سليمان بن عبد الملك
( وما أصبحت فى الأرض نفس فقيرة ... ولا غيرها إلا سليمان مالها )
( وجدنا بنى مروان أوتاد ديننا ... كما الأرض أوتادا عليها جبالها ) (1/514)
841 - ( حلية الأرض ) ذكر أبو عبد الله المرزبانى بإسناد له عن بعض الرواة أنه قال أدركت طبقة بالكوفة يقال لهم حلية الأرض ونقش الزمان وهم حماد عجرد ووالبة بن الحباب ومطيع بن إياس ويحيى بن زياد وشراعة بن الزندبود
842 - ( نبات الأرض ) يضرب به المثل فى الكثرة كما قال ابن المعتز فى فصوله القصار مصائب الدنيا أكثر من نبات الأرض
843 - ( أديم الأرض ) يدخل من باب الاستعارة كما يقال أديم السماء وأديم الأرض لما حسن وذكر الأعشى فى أديم الأرض قوله
( والأرض حمالة لما حمل الله ... وما إن ترد ما فعلا )
( يوما تراها اكتست بأردية العصب ... ويوما أديمها نغلا )
وفى استعارة الأديم لغير الأرض يقول بعض الكتاب كثرة العتاب قنغل أديم المودة
844 - ( خد الأرض ) لما استعير لها الوجه استعار لها الخد ابن المعتز حيث قال
( ومزنة حار فى أجفانها المطر ... فالروض منتظم والقطر منتشر )
( ما زال يلطم وجه الأرض وابلها ... حتى وقت خدها الغدران والخضر )
845 - ( سرة الأرض ) يقال للإقليم الرابع وفارسية إيران شهر وهو ما بين نهر بلخ إلى منتهى أذربيجان وأرمينية إلى القادسية إلى الفرات (1/515)
إلى بحر اليمن وبحر فارس إلى مكران إلى كابل وطبرستان سرة الأرض إذ هى واسطة الأرض وفى خط الاعتدال منها لاعتدال أهلها واستواء أجسامهم أما تراهم قد سلموا من شقرة الروم والصقالبة وسواد الحبشة واحتراق الزنج وقطافة الترك وقصر الصين
قال الجاحظ إقليم بابل موضع التميمة وواسطة القلادة ومكان السرة من الجسد واللبة من المرأة ومكان العذار من خد الفرس والمحة من لبيضة والغرة من القرطاس
846 - ( ظهر الأرض وبطنها ) هما من الاستعارات المشهورة قال ابن الرومى لأبى الصقر
( لاقيت أكرم من خب المطى به ... ومن مشى فوق ظهر الأرض مذ سطحا )
وكتب الصاحب فى وصف قتلى معركة بطون الأرض أعمر بهم من ظهورها وبطون السباع والطير أحصر من قبورها
847 - ( جدرى الأرض ) عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبي خرج على الصحابة رضوان الله عليهم وهم يذكرون الكمأة وبعضهم يقول هى جدرى الأرض فقال الكمأة من المن وماؤها شفاء العين والعجوة من الجنة وهى شفاء من السم
848 - ( بعل الأرض ) هو المطر قال ابن عباس رضى الله عنهما المطر بعل الأرض أى يلقحها قال ابن المعتز
( ومزنة مشعلة البارق ... تبكى على الأرض بكاء العاشق )
( تلقح بالقطر بطون الثرى ... والقطر بعل التربة العاتق ) (1/516)
849 - ( سنام الأرض ) يستعار لما ارتفع منها أنشدنى أبو الفضل بديع الزمان الهمذانى لأبى القاسم عبد الصمد بن بابك
( ألام وأتقى ولع الملام ... بحلم شاب فى بردى غلام )
( أجر على لسان الأرض ذيلى ... وأعقد بردتى على شمام )
850 - ( حية الأرض ) العرب تقول للرجل المنيع الجانب حية الأرض كما تقول حية الوادى وقد تقدم ذكرها قال ذو الإصبع العدوانى
( عذير الحى من عدوان ... كانوا حية الأرض ) (1/517)
الباب الرابع والأربعون فى الدور والأبنية والأمكنة
دار الندوة
دار سفيان
دار البطيخ
حصن تيماء
كعبة نجران
قصر غمدان
قبة أزدشير
إيوان كسرى
أهرام مصر
منارة الإسكندرية
كنيسة الرها
مسجد دمشق
غوطة دمشق
وادى القصر
دير هزقل
جانبا هرشى
قنطرة سنجة
الاستشهاد
851 - ( دار الندوة ) مشتقة من الندى والنادى وهو المجلس يضرب بها المثل فى انتياب الناس إياها واجتماعهم بها وهى دار قصى ابن كلاب بمكة كانت توضع فيها الرفادة ولا تزوج قرشية ولا قرشى إلا بها ولا يعقد لواء الحرب إلا فيها ثم تنقلت بها الأملاك بعده حتى صارت فى يد أسد بن عبد العزى بن قصى وولده وآخر من وليها منهم حكيم بن حزام وكان ولد فى الكعبة وذلك أن أمه دخلت الكعبة مع نسوة من قريش وهى حامل به فضربها المخاض فى الكعبة وأعجلها عن الخروج فأتيت بنطع فوضع تحتها فوضعت حكيما على النطع ولم يكن يدخل دار الندوة أحد من قريش لمشورة حتى يبلغ أربعين سنة إلا حكيم بن حزام فإنه دخلها وهو ابن خمس عشرة سنة وجاء الإسلام ودار الندوة بيد حكيم فباعها بعد من معاوية بمائة ألف درهم فقال له عبد الله بن الزبير بعت مكرمه قريش فقال حكيم ذهبت المكارم إلا من التقوى يا بن أخى إنى اشتريت بها بيتا فى الجنة أشهدك أنى جعلت ثمنها فى سبيل الله (1/518)
وكان حكيم أحد الأربعة الذين قال فيهم رسول الله إن بمكة أربعة من قريش أرغب بهم عن الشرك وأرغب لهم فى الإسلام قيل ومن هم يا رسول الله قال عتاب بن أسيد وجبير بن مطعم وحكيم ابن حزام وسهيل بن عمرو فرزقوا كلهم الإسلام
وكان حكيم يفعل المعروف ويصل الرحم ويحض على البر عاش فى الجاهلية ستين سنة وفى الإسلام ستين سنة
852 - ( دار أبى سفيان ) يضرب بها المثل فى الأمن والأمان وذلك أن النبي لما فتح مكة ودخل دار أبى سفيان أحب أن يتألف أبا سفيان ويريه كرم القدرة فقال ( من دخل دار أبى سفيان فهو آمن ) فقال أبو سفيان أدارى يا رسول الله أدارى يا رسول الله قال نعم دارك يا أبا سفيان فاستمر الأمر على ذلك
ولما فتح الأمير الجليل صاحب الجيش أبو المظفر نصر بن ناصر الدين أدام الله تأييده سرخس ودخلها قال من دخل دار أبى سفيان فهو آمن يعنى دار أبى سفيان السرخسى القاضى فاستحسن الناس هذه المقالة
853 - ( دار البطيخ ) يباع فيها جميع الفواكه والرياحين وتنسب إلى البطيخ وحده وقد ضرب بها ابن لنكك مثلا فأحسن حيث قال يهجو أبا الهندام كلاب بن حمزة الشاعر المقيم بديار ربيعة
( أنت ابن كل البرايا لكن اقتصروا ... على ابن حمزة وصفا غير تشميخ )
( كدار بطيخ تحوى كل فاكهة ... وما اسمها الدهر إلا دار بطيخ )
قال الجاحظ فى كتاب الأمصار أكثر الدور غلة ثلاث دار البطيخ بسر من رأى ودار الزبير بالبصرة ودار القطن ببغداد
وقال الصولى كنت يوما عند عبد الله بن طاهر فجرى بين يديه ذكر (1/519)
قصيدة ابن الرومى النونية التى فى أبى الصقر فقال عبد الله هى دار البطيخ فضحك الجماعة فقال اقرءوا نسيبها فانظروا أهى كما قلت أم لا وقد ظرف عبيد الله فإن نسيبها قوله
( أجنت لك الوجد أغصان وكثبان ... فهن نوعان تفاح ورمان )
( وفوق ذينك أعناب مهدلة ... سود لهن من الظلماء ألوان )
( وتحت هاتيك عناب تلوح به ... أطرافهن قلوب القوم قنوان )
( غصون بان عليها الدهر فاكهة ... وما الفواكه مما يحمل البان )
( ونرجس يات كسر الطل يضربه ... وأقحوان منير النور ريان )
( الفن من كل شىء طيب حسن ... فهن فاكهة شتى وريحان )
( ثمار صدق إذا عاينت ظاهرها ... لكنها حين تبلو الطعم خطان )
( بل حلوة مرة طورا يقال لها ... أرى وطورا يقول الناس ذيفان )
وذكر أبو نصر سهل بن المرزبان فى كتابه كتاب أخبار الوزراء أن ابن الرومى عمل قصيدته فى أبى الصقر التى أولها
( أجنت لك الوجد أغصان وكثبان ... )
فبلغت الأخفش فقال إذا يكون الوزير ملازما لدار البطيخ فحكيت كلمته لابن الرومى فهجاه بقصيدة ثم عاود رعونته فمزق عرضه بالهجاء فى عدة قصائد
854 - ( حصن تيماء ) بلدة بين الشام والحجاز لها حصن يتمثل به فى الحصانة يقال إن سليمان عليه السلام بناه بالحجارة والكلس فسمته العرب الأبلق لما يشوبه من البياض والسواد وكان ملكه عاديا اليهودى ثم ابنه السموءل وفيه يقول الأعمش (1/520)
( ولا عاديا لم يمنع الموت ماله ... وفرد بتيماء اليهودى أبلق )
( بناه سليمان بن داود حقبة ... له أزج صم وطىء موثق )
( يوازى كبيداء السماء ودونه ... ملاط ودارات وكلس وخندق )
قوله أزج صم كما يقال دار بلاقع أى مكبوسة الجوانب بالحجارة وغيرها حتى استوت بالسطوح وإنما قال أزج صم كما يقال دار بلاقع وبرمة أعشار وثوب أسمال
ومن أمثال العرب فى العز والمنعة تمرد مارد وعز الأبلق يعنى حضن تيماء ويقال له الأبلق والفرد كما مر ذكره فى شعر الأعشى
855 - ( كعبة نجران ) نجران أقدم بلاد اليمن وكانت لها كعبة تحج فخربت وضرب بها المثل فى الخراب وزوال الدولة قال الجاحظ قال أبو عبيدة أحبت العرب أن تشارك العجم بالبنيان وتنفرد بالشعر فبنوا غمدان وكعبة نجران وحصن مارد والأبلق الفرد وغير ذلك من البنيان
856 - ( قصر غمدان ) أحد الأبنية الوثيقة للعرب يتمثل به فى الحصانة والوثاقة وكان بصنعاء اليمن تسكنه ملوك حمير ثم تنقلت به أحوال أدت إلى خرابه وتحول الملك عنه إلى قلعة كحلان ويقال إنه بنى قبل غمدان وأول بناء بنى بعد الطوفان قال الشاعر لعبد الله بن طاهر
( اشرب هنيئا عليك التاج مرتفعا ... بشاذ مهر ودع غمدان لليمن )
( فأنت أولى بتاج الملك تلبسه ... من هوذة بن على وابن ذى يزن )
857 - ( قبة أزدشير ) بجوار فارس قبة عظيمة مشرفة على سائر (1/521)
البلاد يتمثل بها فى العلو والإشراف والوثاقة بناها أزدشير من الحجارة وقدر فيها من الصخر ما تجاوز الحد فى العد وفى الصخرة منها نحو ألفى من وأرجح
ويحكى أن أزدشير بعث بعد الفراغ من بنائها من يأتيه بخبرها فأخبره أن فيها صبيانا يتلاعبون ويتحاربون ويتضاربون فتطير من ذلك وقال اجعلوها دار الاستخراج فبقيت على ذلك إلى اليوم
858 - ( أهرام مصر ) زعم أبو معشر المنجم البلخى أن الأوائل من الأمم السالفة قبل الطوفان لما علموا أن آفة سماوية تصيب الناس من الغرق والنيران فتأتى على كل شىء من الحيوان والنبات بنوا فى ناحية صعيد مصر أهراما كثيرة بالحجارة على رءوس الجبال والمواضع المرتفعة يتحرزون بها من الماء والنار وجعلوا هرمين منها أرفعها كل هرم منها ارتفاعه أربعمائة ذراع فى الهواء مبنى بحجارة المرمر والرخام غلظ كل حجر وطوله وعرضه ما بين عشرة أذرع إلى ثمان مهندم لا يتبين هندامه إلا الحاد البصر عليه منقور فى الحجر بالكتابة المسند يقرؤه كل من يقرأ القلم المسند فيقرأ كل سحر وكل عجب
وقرىء على بعض الهرمين إنى بنيتهما فمن كان يدعى قوة فى ملكه فليهدمهما فإن الهدم أيسر من البناء فأراد المأمون هدمهما فإذا خراج الدنيا لا يقوم به فتركهما ويروى أن الطعام كان يجمع فيهما أيام يوسف عليه السلام (1/522)
وقد خرج المثل فى هرمى مصر فى الثبات والقدم والحصانة وذكرهما أعرابى مع جبلى طىء فقال وهو يهجو امرأته بالقبح والبرودة والثقل
( ألام على بغضى لما بين حية ... وضبع وتمساح أتاك من البحر )
( تحاكى نعيما زال من قبح وجهها ... وصفحتها لما بدت سطوة الدهر )
( هى الضربان فى المفاصل دائبا ... وشعبة برسام ضممت إلى صدرى )
( إذا سفرت كانت لعينك محنة ... وإن برقت فالفقر فى غاية الفقر )
( حديث كقلع الضرس أو نتف شارب ... وغنج كهشم الأنف عيل به صبرى )
( وتفتر عن ثلج عدمت حديثها ... وعن جبلى طى وعن هرمى مصر )
859 - ( منارة الإسكندرية ) إحدى عجائب الدنيا وأصلها مبنى على زجاج والزجاج منصوب فى ظهر سرطان من نحاس فى بطن أرض البحر وبين المنارة إلى يابس الأرض قناطر من زجاج وفى المنارة ثلاثمائة وخمسة وستون بيتا وكان فى أعلاها مرآة كبيرة ينظر الناظر فيها فيبصر مراكب الروم إذا أراد ملكهم أن يجهز جيشا فيها إلى مصر فإذا دفعت تلك المراكب فى البحر ورفع الشراع أبصرها هذا الناظر فى المرآة فينذر المسلمين حتى يستعدوا ويأخذوا حذرهم فاشتد ذلك على ملك الروم فلما صار بعض الخلفاء إلى الإسكندرية وجه إليه ملك الروم جاسوسا يعلمه أن فى تلك المنارة كنوزا لذى القرنين فأمر بهدمها فلما هدمت وقلعت المرآة بطل الطلسم ولم يجدوا الكنوز فتقرر عندهم أنها حيلة لقلع المرآة وطلب الجاسوس فلم يوجد فأمر الخليفة ببناء ما هدم بالجص والآجر وهو ثلث المنارة وكان طول هذه المنارة ثلاثمائة ذراع بذراع الملكى فيكون أربعمائة وخمسين ذراعا وهى غاية ما يرفع فى الهواء من البناء (1/523)
وكان عبد الله بن عمرو بن العاص يقول عجائب الدنيا أربع منارة الإسكندرية عليها مرآة إذا جلس الجالس تحتها رأى من بالقسطنطينية وبينهما عرض البحر وفرس من نحاس بارض الأندلس عليه رجل من نحاس قائلا بيديه كذا باسطا يديه أى ليس خلفى مسلك فلا يطأ ما خلفه أحد إلا ابتلعه الرمل ومنارة من نحاس عليها فارس بأرض عاد فإذا كانت الأشهر الحرم هطل منها الماء فشرب منه الناس وسقوا دوابهم وصبوا فى الحياض فإذا انقضت الأشهر الحرم انقطع ذلك الماء وشجرة من نحاس عليها زرزورة من نحاس بأرض أرمينية رومية إذا كان أوان الزيتون صفرت الزرزورة النحاس فتجىء كل زرزورة من الطيارات بثلاث زيتونات ثنتان فى رجليها وواحدة فى منقارها فتلقيها عند تلك الزرزورة فيجتمع من الزيتون ما يعصر أهل الروم فيكفيهم لإدامهم وسرجهم إلى قابل
ومن الشائع المستفيض أن عجائب الدنيا أربع منارة الإسكندرية وكنيسة الرها ومسجد دمشق وقنطرة سنجة وقد ضرب الصاحب المثل بمنارة الإسكندرية حيث قال
( زادت قرونك يا عمير ... على مساويك الجلية )
( وأقل قرن حزته ... كمنارة الإسكندريه )
860 - ( كنيسة الرها ) إحدى عجائب الدنيا الأربع والرها بلد من عمل حران والكنيسة منسوبة إليه وهى فى جربان من الأرض متخذة على رءوس أعمدة أربعة من الرخام بطيقان معقودة بينها وفيها من العجائب والتصاوير والتزاويق والطلسمات والقناديل التى تتقد من غير اتقاد ما يطول ذكره وقد تقدم كلام الجاحظ فى تلك القناديل (1/524)
861 - ( مسجد دمشق ) هو أثر بنى أمية المضروب به المثل فى الحسن وكان كل من خلفائهم يزيد فيه زيادة ويؤثر أثرا حتى تناهى حسنه وتكاملت جلالته فصار من عجائب أبنية الدنيا الأربع وما رأى الراءون ولا سمع السامعون بأحسن ولا أجل منه وهو منقوش الحيطان والسقوف والأعمدة مرصعة كلها بالجواهر ملتهبة بالذهب مشرقة بألوان الفصوص
وقال الجاحظ وهو يمدح بعض الرؤساء وأما قول الشاعر
( يزيدك وجهها حسنا ... إذا ما زدته نظرا )
وقول الدمشقيين ما تأملنا قط تأليف مسجدنا وتركيب محرابنا وفيه مصلانا إلا أثار لنا التأمل وأخرج لنا التفرس غرائب حسن لم نعرفها وعجائب صنعة لم نقف عليها وما ندرى أجوهر مقطعاته أكرم فى الجواهر أم تنضيد أجزائه فى الأجزاء فإن ذلك معنى مسروق منى فى وصفك ومأخوذ من كتبى فى مدحك
وحكى السلامى قال سمعت اللحام يقول سمعت بعض مشايخ جيران مسجد دمشق يقول لم تفتنى فيه صلاة منذ عقلت ولم أدخله فى وقت من الأوقات إلا وقعت عينى من نقوشه وتحاسينه وتزاويقه على شىء لم تقع عليه فيما تقدم وهذه جملة كافية
862 - ( قنطرة سنجة ) سنجة نهر عظيم لا يتهيأ خوضه لأن (1/525)
قرارة رمل سيال كلما وطئه إنسان برجله سال به فغرقه وهو يجرى بين حصن منصور وكيسوم وهما من ديار مضر وعلى النهر القنطرة العجيبة التى هى إحدى العجائب الأربع وهو طاق واحد من الشط إلى الشط والطاق يشتمل على مائتى خطوة وهو متخذ من حجر مهندم طول الحجر عشرة أذرع فى ارتفاع خمسة أذرع وله فرجان وهما طاقان صغيران فى جنب الطاق الكبير إلا أنهما كبيران إذا أضيفا إلى غيره
863 - ( غوطة دمشق ) إحدى نزه الدنيا وهى الأربع غوطة دمشق ونهر الأبلة وشعب بوان وصغد سمرقند يضرب بكل منها المثل فى الطيب
وكان الخوارزمى يقول قد رأيتها كلها فكانت غوطة دمشق أطيبها وأحسنها ولم أميز بين رياضها المزخرفة بالأنوار والأزاهر وبين غدرانها المعمورة بطيور الماء التى هى أحسن من الدوارج والطواويس ولم اشبهها بالجنة وصورتها منقوشة على وجه الأرض وأما نهر الأبلة فهو بالبصرة وحواليه من ميادين النخل والأترج والنارنج وسائر الأشجار وفيها من أصناف الزرع وأنواع الخضراوات مالا ينظر أحسن منه وعليه من القصور المتناظرة والأبنية الرائقة ما تحار فيه العيون وتهش له النفوس وفيه يقول ابن عيينة
( ويا حبذا نهر الأبلة منظرا ... إذا مد فى أثنائه الماء أو جزر )
وأما شعب بوان من فارس فهو الذى يقول فيه القائل
( إذا أشرف المكروب من رأس تلعة ... على شعب بوان أفاق من الكرب ) (1/526)
( وألهاه بطن كالحريرة مسه ... ومطرد بجرى من البارق العذب )
( فبالله يا ريح الجنوب تحملى ... إلى شعب بوان سلام فتى صب )
وفيه يقول المتنبى
( مغانى الشعب طيبا فى المغانى ... بمنزلة الربيع من الزمان )
ولما نزله عضد الدولة متوجها إلى العراق ومعه أبو الحسن السلامى قال له قل فى الشعب فقد سمعت ما قاله المتنبى فيه فعاد إلى خيمته وكتب
( اشرب على الشعب وانزل روضة الأنفا ... قد زاد فى حسنه فازدد به شغفا )
( إذ ألبس الهيف من أغصانه حللا ... ولقن العجم من أطياره نتفا )
( وانظر إليه تر الأغصان مثمرة ... من قارع قرطا أو لابس شنفا )
( والماء يثنى على أعطافها أزرا ... والريح تعقد فى أطرافه شرفا )
وهى قصيدة طويلة
وأما صغد سمر قند فإن قتيبة بن مسلم لما أشرف من الجبل قال لأصحابه شبهوة فلم يأتو بشىء فقال قتيبة كأنه السماء فى الخضرة وكأن قصوره النجوم الزاهرة وكأن أنهاره المجرة فاستحسنوا هذا التشبيه وتعجبوا من إصابته
864 - ( وادى القصر ) بالبصرة وهو الذى يقول فيه الخليل
( زر وادى القصر نعم القصر والوادى ... فى منزل حاضر إن شئت أوغادى ) (1/527)
( ترى به السفن والظلمان حاضرة ... والضب والنون والملاح والحادى )
قال الجاحظ من أتى هذا الوادى ورأى القصر هذا رأى أرضا كالكافور ورأى ضبابا تحترش وغزالا وسمكا وصيادا وسمع غناء ملاح فى سفينته وحداء جمال خلف بعيره وفى هذا المكان يقول الخليل أيضا
( يا جنة فاقت الجنان فما ... يبلغها قيمة ولا ثمن )
( ألفتها فاتخذتها وطنا ... إن فؤادى لحبها وطن )
( زواج حيتانها الضباب بها ... فهذه كنة وذا ختن )
( انظر وفكر فيما نطقت به ... إن الأديب المفكر الفطن )
( من سفن كالنعام مقبلة ... ومن نعام كأنها سفن )
865 - ( دير هزقل ) يضرب به المثل لمجتمع المجانين ويقال المجنون كأنه من دير هزقل وذلك أنه مأوى المجانين بإحدى الديارات يشدون هناك ويداوون
قال دعبل فى أبى عباد وكان رمى بعض كتابه بدواة فشجه بها
( أولى الأمور بضيعة وفساد ... أمر يدبره أبو عباد )
( سمح على أصحابه بدواته ... فمزمل ومضمخ بمداد )
( وكأنه من دير هزقل مفلت ... حرد يجر سلاسل الأقياد )
وقيل للمأمون إن دعبلا هجاك فقال من هجا أبا عبادة على نزقة (1/528)
وعجلته جسر أن يهجونى مع أناتى وعفوى وكان أبو عباد إذا دخل على المأمون يقول له المأمون ما أراد منك دعبل حيث قال لك
( وكأنه من دير ... هزقل مفلت )
فيقول أراد منى الذى أراده من أمير المؤمنين حيث قال فيه
( إنى من القوم الذين سيوفهم ... قتلت أخاك وشرفتك بمقعد )
( شادوا بذكرك بعد طول خموله ... واستنقذوك من الحضيض الأوهد )
فقال له المأمون إنى عفوت عنه فلا تعرض له ولك فى أسوة حسنة
وكان المأمون إذا أنشد هذا الشعر يقول فيه سبحان الله أما يستحى دعبل من الكذب متى كنت خاملا وبدر الخلافة غذيت وفى حجرها ربيت خليفة وابن خليفة وآخر خليفة
866 - ( جانبا هرشى ) هرشى أكمة بتهامة يسلكها الحاج ولها طريقان من جانبيها أيهما سلك كان صوابا فيضرب بهما المثل للأمر له بابان وينشد
( خذوا جنب هرشى أوقفاها فإنما ... كلاجا نبى هرشى لهن طريق ) (1/529)
الباب الخامس والأربعون فيما يضاف وينسب إلى البلدان والأماكن من فنون شتى
خراج مصر
كتان مصر
حمير مصر
قراطيس مصر
تفاح الشام
زجاج الشام
زيت الشام
عود الهند
سيوف الهند
ياقوت سر نديب
برود اليمن
سيوف اليمن
ثياب الروم
عنبر الشحر
دجاج كسكر
سكر الأهواز
ورد جور
عسل أصفهان
بسط أرمينية
برود الرى
طين نيسابور
سبج طوس
قشمش هراة
ثياب مرو
فلوس بخارى
كواغد سمر قند
طرائف الصين
مسك تبت
الاستشهاد
867 - ( خراج مصر ) يضرب به المثل فى الكثرة قال أبو الخطاب إن أرض مصر جبيت فى بعض الأزمان أربعة الآف ألف دينار وزعم غيره أنها جبيت ألفى ألف دينار سوى ما دفعت عليه من الخيل والدواب ودق الطرز
868 - ( كتان مصر ) قال الجاحظ قد علم الناس أن القطن بخراسان والكتان بمصر ثم للناس من ذلك فى تفاريق البلدان مالا يبلغ بعض بلاد هذين الموضعين وربما بلغت قيمة الحمل من دق مصر الذى هو من الكتان لا غير مائة ألف ألف دينار
869 - ( قراطيس مصر ) قال بعض الشعراء
( حملت إليك عروس الثناء ... على هودج ما له من بعير ) (1/530)
( على هودج من قراطيس مصر ... يلين على الطى لين الحرير )
870 - ( حمير مصر ) موصوفة بحسن المنظر وكرم المخبر وكذلك أفراسها إلا أن بعض البلاد يشارك مصر فى عتق الأفراس وكرمها وتختص مصر بالحمير التى لا تخرج البلدان أمثالها وقد تقدم فى نفائس الدواب حمير مصر وبغال برذعة وبراذين طبرستان
وكان الخلفاء لا يركبون إلا حمير مصر فى دورهم وبساتينهم وكان المتوكل يصع منارة سر من رأى على حمار مريسى ودرج تلك المنارة من خارج وأساسها على جريب من الأرض وطولها تسع وتسعون ذراعا
ومريس قرية بمصر إليها ينسب بشر المريسى
871 - ( تفاح الشام ) يضرب به المثل فى الحسن والطيب قال الشاعر
( تفاحة شامية ... من كف ظبى غزل )
( ما خلقت مذخلقت ... لغير تلك القبل )
( كأنما حمرتها ... حمرة خد خجل )
وقال الصنوبرى
( أرى الشام جاد بتفاحه ... لنا والعراق بأترجه )
وكان المأمون يقول اجتمعت فى التفاح الحمرة الخمرية والصفرة الوردية مع شعاع الذهب وبياض الفضة يلتذه من الحواس ثلاث العين للونه والأنف لعرفه والفم لطعمه وكان يحمل إلى الخلفاء من خراج حمص ودمشق (1/531)
كل سنة أربعمائة وعشرون ألف دينار ومن خراج أجناد الشام ثلاثون ألف تفاحة
872 - ( زجاج الشام ) يضرب به المثل فى الرقة والصفاء قال بعض الحكماء ارفق بالعدو كما يرفق بزجاج الشام إلى أن تجد الفرصة فإما أن يضربه الحجر فيقضه وإما أن تضر به بالحجر فترضه
873 - ( زيت الشام ) يضرب به المثل فى الجودة والنظافة وإنما قيل له الزيت الركابى لأنه كان يحمل على الإبل من الشام وهى أكثر بلاد الله زيتونا وفيه ما فيه من البركة والمنفعة قال الأصمعى حدثنى شيخان من أهل البصرة أحدهما هارون الأعور أن قتيبة بن مسلم قال أرسلنى أبى إلى هزار بن القعقاع بن سعيد بن زرارة وقال قل له أرسلنى إليك أبى فى أنه قد صارت فى قومك دماء وجراح وأحبوا أن تحضر الجامع فيمن يحضر قال فأبلغته الرسالة فقال يا جارية غنينا فجاءت بأرغفة خشن فثردهن فى تمر ممروس وماء ثم صب عليها زيتا وعرض على الغداء معه فتذكرت ما فى منزلى مما أعد لنا من الدجاج فقلت مالى حاجة بهذا وصغر فى عينى وأنا يومئذ حدث قال فأكل ثم قال يا جارية اسقينى فجاءت بماء فشرب ومسح بفضله وجهه ثم قال الحمد لله حنطة الأهواز وماء الفرات وزيت هجر وتمر الشام ومتى نؤدى شكر هذه النعمة ثم قال على بردائى فارتدى وانتعل ثم أتى المسجد فصلى ركعتين ثم اجتبى فما بقيت حلقة إلا تقوضت إليه واختصموا فتحمل جميع ما كان عليهم وانصرف وتفرق الناس (1/532)
874 - ( عود الهند ) يضرب مثلا فى أمهات الطيب قال ابن مطران يستهدى الند
( يا أكرم الأكرمين سيرة ... نعم وأزكاهم سريرة )
( ومن بهماته العوالى ... أضحت عيون العلا قريرة )
( لترمنى راحتاك شهبا ... مضلعات ومستديره )
( بلاد مجموعها ثلاث ... الهند والترك والجزيره )
يعنى عود الهند ومسك التبت وعنبر الشحر
ووصف واصف الهند فقال بحرها در وجبلها ياقوت وشجرها عود وورقها عطر
وفى كتاب العطر خير العود الهندى المندلى وكلما كان أصلب فهو أجود وامتحان جودته إذا كانت فيه رطوبة بأن يوضع عليه نقش الخاتم فينطبع وإذا كان يابسا فالنار تفصح عنه ومن خصائصه ثبات رائحته فى الثوب أسبوعا وأكثر والثوب لا يقمل ما دامت فيه رائحة منه ولبلاد الهند من الخصائص ما لم يكن لغيرها فمنها الفيل والكركدن والببر والببغاء والطاوس والدجاج الهندى والياقوت الأحمر والصندل الأبيض والعاج والساج والتوتيا والقرنفل والسنبل والفلفل وغيرها من العقاقير
875 - ( سيوف الهند ) يضرب بها المثل فى الجودة والصفاء يقال إن السيف إذا كان من صنع الهند ومن طبع اليمن فناهيك به وقد أكثر الشعراء من ذكر سيوف الهند قال الفرزدق
( كذاك سيوف الهند تنبو ظباتها ... ويقطعن أحيانا مناط القلائد ) (1/533)
وقال الصاحب من أرجوزة
( أجفان هند كسيوف الهند ... )
وقال أبو محمد الخازن من نتفه ولطائف ظرفه
( هند ترى بسيوف مقلتها ... ما لا ترى بسيوفها الهند )
876 - ( ياقوت سر نديب ) زعم الجوهريون أن الياقوت لا يكون إلا من جبل سر نديب بالهند وخيره الأحمر البهرمانى ثم الوردى ثم الرمانى وإذا بلغ البهرمانى نصف مثقال كانت قيمته خمسة آلاف دينار وكان وزن الفص الذى يسمى الجبل مثقالين قوم بمائة ألف دينار فاشتراه المنصور بأربعين ألفا
وسأل المقتدر ابن الجصاص فقال بم تعرف فضل الياقوت قال يا أمير المؤمنين بحسنه وصفائه فى العين ورزانته فى اليد وبرودته فى الفم وصبره على النار ونبو المبرد عنه فاستحسن ذلك من قوله
877 - ( برود اليمن ) يقال له وشى اليمن وعصب اليمن ويضرب بها المثل فى الحسن وتشبه بها الرياض والألفاظ كما قال البحترى
( جئناك نحمل ألفاظا مدبجة ... كأنما وشيها من يمنه اليمن )
ويقال فى نفائس الملابس برود اليمن وريط الشام وأردية مصر وأكسية الدامغان وتكك أرمينية وجوارب قزوين
878 - ( سيوف اليمن ) يضرب بها المثل كما يضرب بسيوف الهند ونصل الردين ورماح الخط ونبال الترك قال الشاعر (1/534)
( مقاديم جوالون فى الروع خطوهم ... بكل رقيق الشفرتين يمان )
وقال آخر
( ذكر على ذكر يصول بصارم ... ذكر يمان فى يمين يمان )
ولو لم يكن فى سيوف اليمن إلا صمصامة عمرو السائر ذكرها الموصوف فضلها لكفى بها وجها لضرب المثل وسيمر ذكرها فى باب السلاح ومن خصائص اليمن الزرافة كما أن من خصائص الهند الكركدن وكان الأصمعى يقول أربعة قد ملأت الدنيا ولا تكون إلا باليمن الورس والكندر والخطى والعقيق
879 - ( ثياب الروم ) هى الديباج يضرب بحسنها المثل ويشبه بها ما يستحسن من آثار الربيع قال الشاعر
( هذا الربيع كأنما أنواره ... أبناء فارس فى ثياب الروم )
وأظنه قال فى بنات الروم ليجمع بين البنين والبنات فيكون أحسن فى صنعة الشعر وإن كان لثياب الروم وجه من التشبيه حسن
ومن خصائص الروم المذكورة مع ديباجها المصطكى والسقمونيا والطين المختوم والسندس الذى يقال له البزيون
880 - ( عنبر الشحر ) يضرب به المثل قال الشاعر
( ولو كنت عطرا كنت من عنبر الشحر ... )
قال صاحب كتاب المسالك والممالك الشحر جزيرة من عمان على مائتى فرسخ ويقال إن العنبر من زبد بحر سر نديب ويقال بل من معدن (1/535)
بها ومن الناس من يزعم أنه روث دابة فى بحر الهند
قالوا وخيره الأشهب ثم الأرزق وأدونه الأسود وكان يحمل من مكة والمدينة والحجاز كل عام إلى السلطان من العنبر ثمانون رطلا ومن المتاع أربعة آلاف ثوب ومن الزبيب ثلاثمائة راحلة
881 - ( دجاج كسكر ) كسكر إحدى كور السواد من ريف دجلة والفرات ودجاجها موصوف بالجودة والسمن مذكور فى أطايب الأطعمة وربما بلغت الواحدة منها وزن الجدى والحمل قال الشاعر يصف أطعمة عنده لمن يدعوه
( لنا سمك بكسبرة مشبر ... وعند غلامنا حب مبزر )
( وفروجان قد رعيا زمانا ... لباب البر فى أبيات كسكر )
قال الجاحظ ومما ينسب إلى كسكر الجداء والسمك والصحناة
882 - ( سكر الأهواز ) السكر من خواص الأهواز ومفاخرها ومتاجرها ولا يكون إلا بها على كثرة قصب السكر فى سائر النواحى والمثل مضروب بسكر الأهواز كما قال أبو الطيب المتنبى
( تقضم الجمر والحديد الأعادى ... دونه قضم سكر الأهواز )
وكان يحمل إلى السلطان كل عام مع خراج الأهواز وهو خمسة وعشرون (1/536)
ألف درهم من السكر ثلاثون ألف رطل ومما ينسب إلى الأهواز من النفائس ديباج تستر وخز السوس قال كشاجم وهو يصف الروض
( كأن الذى دبجت تستر ... وطرزت السوس فيه نشر )
وحكى أبو النصر العتبى فى فصوله القصار لهم فى وخز النفوس أثر السوس فى خز السوس وقال بعض العصريين
( ومهفهف فتن الإله عباده ... إذ ساق حسن العالمين إليه )
( وكأن بابل أصبحت فى جفنه ... وكأنما الأهواز فى شفتيه )
883 - ( ورد جور ) جور من كور فارس مخصوصة بالورد الذى لا أطيب منه فى سائر البلاد يضرب به المثل وتقدم مع بنفسج الكوفة ومنثور بغداد وزعفران قم ونيلوفر السيروان ونارنج الصميرة وأترج طبرستان ونرجس جرجان وماء ورد جور موصوف مضروب به المثل فى الطيب مجلوب إلى أقاصى المشرق والمغرب وقد أكثروا من ذكره قال أحدهم فى وصف قوارير منه
( ومخطفات كالعذارى الحور ... مشمرات القمص كالمنثور )
( كل فتاة نشأت بجور ... تختال فى دواجها القصير )
( حاسرة عن أرج العبير ... مثل نسيم لزهر الممطور )
( أشهى من الوصل إلى المهجور ... )
وكان يحمل من فارس إلى الخلفاء كل عام من خراجها وهو سبعة (1/537)
وعشرون ألف ألف قارورة ومن الزبيب الأسود عشرون ألف رطل ومن الأنبجات خمسة عشر ألف رطل ومن الرمان والسفرجل مائة وخمسون ألفا عددا ومن التين السيرافى خمسون ألف رطل ومن الجلنجبين ألف رطل ومن الموميا رطل واحد
884 - ( كحل أصفهان ) يوصف بالجودة مع عسل الموصل وكان يحمل من أصبهان إلى حضرة السلطان كل سنة مع خراجها وهو أحد وعشرون ألف ألف درهم ومن العسل عشرون ألف رطل ومن الشمع عشرون ألف رطل ومن الموصل مع خراجها وهو أربعة وعشرون ألف ألف درهم ومن العسل عشرون ألف رطل
ويحكى أن الحجاج قال لعامله على أصبهان قد وليتك بلدة حجرها الكحل وذبابها النحل وحشيشها الزعفران وذلك أن كحلها موصوف بالجودة والزعفران بها كثير وكذلك النحل
وقرأت فى رسالة لعلى بن حمزة بن عمارة الأصفهانى إلى أبى الحسن ابن طباطبا فى وصف النحل والشهد أفضل الأعسال كلها عسل أصفهان وخيره ما إذا قطر على الأرض منه استدار كالزئبق ولم يختلط بالأرض
885 - ( بسط أرمينية ) يذكر فى الفرش الفاخرة مع زلالى قاليقلا ومطارح ميسان وحصر بغداد وستور نصيبين وكان يحمل إلى حضرة السلطان مع خراج أرمينية كل عام منه بقدر ثلاثة عشر ألف ألف درهم ومن البسط المحفورة ثلاثون بساطا ومن الرقم خمسمائة وثمانون قطعة ومن البزاة ثلاثون بازيا (1/538)
886 - ( برود الرى ) برود الرى موصوفة كبرود اليمن ويقال لها العدنيات تشبيها لها ببرود عدن من اليمن قال المرادى يصف شاهينا
( وتخاله لما تنفض بالندى ... نثر الجمان فويق برد رازى )
وقال الهرثمى
( هب البرد بالرى لم ينسج ... وفى سفط البز لم يدرج )
( رسولك ذاك الذى قال لى ... تجى مع الفجر لم لا تجى )
ومن خصائص الرى الثياب الحسنة والمقاريض الرشيقة والأمشاط الفائقة والرمان المعروف بالهبرج والمعروف بالإمليسى وكان يحمل إلى السلطان مع خراج الرى وهو اثنا عشر ألف درهم من الرمان مائة ألف ومن الخوخ المقدد ألف رطل
887 - ( طين نيسابور ) هو طين الأكل الذى لا يوجد مثله فى الأرض يحمل إلى أدانى البلاد وأقاصيها ويتحف به الملوك السادة
وربما بيع الرطل منه بدينار وقد قصر محمد بن زكريا قوله على ذكر منافعه إذ صنف فيه كثابا وفى وصفه يقول أبو طالب المأمونى
( جذلى من النقل بذاك الذى ... منه خلقنا وإليه نصير )
( ذاك الذى يحسب فى شكله ... أحجار كافور عليها عبير )
وكان عمر بن الليث يقول فى ذكر نيسابور ومناقبها وخصائصها لم لا أقاتل عن بلدة ترابها نقل وحجرها فيروزج وذلك أن الفيروزج (1/539)
لا يكون إلا بها وربما بلغت قيمة منه إذا أربى على مثقال وجمع الخضرة وصبر على النار وامتنع على المبرد ولم يتغير بالماء الحار مائتى دينار ومن محاسنه ما فى اسمه من الفأل الحسن وحسن موقعه عند الملوك لما يجمع من حسن المنظر وجيد الفأل ويقال إن له خاصية قوية فى تقوية القلب وفيه يقول بعض العصريين
( يا من بطلعته الهلال تهللا ... ورآه من جحد الإله فهللا )
( وافاك بالنيروز طرف مسرة ... فاركبه هملاجا أغر محجلا )
( نحو المنى وأعز لحاظك كلما ... يحوى محلا فى الصدور مبجلا )
( فيروزجا أهديته متبركا ... لك باسمه متيمنا متفائلا )
( ولرب فص قد أتى متدللا ... فإذا وعى الألفاظ منه تذللا )
وفيروزج نيسابور يعد فى نفائس الجواهر مع ياقوت سر نديب ولؤلؤ عمان ولعل بذخشان وزبر جد مصر وعقيق اليمن وبجادى بلخ
ومن خصائص نيسابور الثياب الحفية والتاخيج والراختخ والمصمت فأما الحلل والعتابيات والسقلاطونيات فإن بغداد وأصبهان تشاركت فيها والسابرى وهو الرقيق الناعم من كل ثوب والأصل فيه النسبة إلى نيسابور وعرب فقيل سابرى
888 - ( سبج طوس ) السبج لا يكون إلا بطوس ومنها يحمل (1/540)
إلى الآفاق فهو من خصائص طوس كما أن من خصائصها هذا الحجر الذى تتخذ منه القدور والمقالى والمجامر وقد يتخذ منه كل ما يتخذ من الزجاج كالأقداح والكيزان وغيرها
وكثيرا ما يقول السيد أبو جعفر الموسرى الطوسى قد ألان الله لنا الحجارة كما ألان لداود عليه السلام الحديد
889 - ( قشمش هراة ) القشمش من خصائص هراة وكذا الزبيب المعروف بالطائفى يحملان منها إلى الأدانى والأقاصى ويتخذ من القشمش الشراب والدبس وقد يعد من طرائف ثمرات البلاد قشمش هراة وتين حلوان وعناب جرجان وإجاص بست ورمان الرى وتفاح قومس وسفرجل نيسابور ورطب بغداد وأنشدنى المأمونى لنفسه فى وصف القشمش
( وقشمش كخرز ... منظم لم يثقب )
( يجلى به الكأس لما ... بينهما من نسب )
( يحظى به الشارب فى النادى ... ومن لم يشرب )
( كأنه أوعية ... يحملن ذوب العنب )
( أو لؤلؤ قد عل أعلاه ... بماء الذهب )
( خصت به هراة فاختصت ... بأعلى الرتب ) (1/541)
وأنشدنى أيضا فى الزبيب الطائفى
( وطائفى من الزبيب به ... ينتقل الشرب حين ينتقل )
( كأنه فى الإناء أوعية ... من البجادى ملئها عسل )
ومن خصائص هراة الحواصل التى هى أجود من المصرية والآبسكونية ومما يحمل منها إلى الآفاق الكرابيس والمبارم والديابيج وطرائف الصفريات
890 - ( ثياب مرو ) كانت العرب تسمى كل ثوب صفيق يحمل من خراسان المروى وكل ثوب رقيق يجلب منها الشاهجانى لأن مرو عندهم أم خراسان ويقال لها مرو الشاهجان وقد بقى إلى الآن اسم الشاهجان على الثياب الرقيقة ومما تختص به مرو من الثياب الملحم وقال لى أبو الفتح البستى يوما هل تعرف بلدة أول اسمها ميم يحمل منها برسم العراضة أربعة أسماء أول كل اسم منها ميم فقلت أما على البديهة فلا ولعلى أتذكرها مع الروية فقال هى مرو ويحمل منها الملحم والملبن والمرى والمكانس
891 - ( فلوس بخارى ) أهل بخارى يضربون المثل فى المحقرات بالفلوس وقد ضربها بشار بن برد مثلا فى قوله
( ارفق بعمرو إذا حركت نسبته ... فإنه عربى من قوارير )
( إن جاز آباؤه الأنذال من مضر ... جازت فلوس بخارى فى الدنانير ) (1/542)
892 - ( كواغد سمر قند ) هى من خصائصها التى عطلت قراطيس مصر والجلود التى كان الأوائل يكتبون فيها إلا أنها أنعم وأحسن وأرفق ولا تكون إلا بسمرقند والصين
وذكر صاحب المسالك والممالك أنه وقع من الصين إلى سمر قند فى سبى سباهم زياد بن صالح فى وقعة أطلح من اتخذ الكواغيد ثم كثرت الصنعة واستمرت العادة حتى صارت متجرا لأهل سمر قند فعم خبرها والارتفاق بها جميع البلدان فى الآفاق ومن خصائص سمر قند النوشادر والثياب الوذارية ومن خصائص الصغد الحجر الرهجى والملح الكشى وهو جوهر يقطع من الغيران فى الجبال يكون أحمر فإذا دق صار أشد بياضا وأصلح من كل ملح
893 - ( طرائف الصين ) كانت العرب تقول لكل طرفة من الأوانى وما أشبهها صينية وقد بقى هذا الاسم إلى الآن على هذه الصوانى المعروفة وأهل الصين مختصون بصناعة اليد والحذق فى عمل الطرف يقولون أهل الدنيا ما عدانا عمى إلا أهل بابل فإنهم عور ولهم الإغراب فى خرط التماثيل والإبداع فى عمل النقوش والتصاوير حتى إن مصورهم يصور الإنسان ولا يغادر منه شيئا ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره ضاحكا أو باكيا ثم لا يرصى بذلك حتى يفصل بين ضحك الشامت وضحك (1/543)
الخجل وبين المبتسم والمستغرب وبين ضحك المسرور وضحك الهازىء فيركب صورة فى صورة ولهم الغضائر المستشفة يطبخ فيها الطبيخ فتكون الواحدة قدرا مرة وقصعة أخرى وخيرها المشمشى اللون الرقيق الصافى الشديد الطنين ثم الزبدى على هذا الوصف ولهم الفرند الفائق والحديد المدفون الذى تخفى فيه الصور وتظهر ويقال له الكيمخاو وهو فى شعر لابن الرومى ولهم المماطر المشمعة التى لا تبتل على الأمطار الكثيرة ولهم مناديل الغمر التى إذا اتسخت ألقيت فى النار فنقيت ولم يحترق منها شىء ولهم الحديد المصنوع يعمل منه المرائى والتعاويذ وربما اشترى بأضعاف وزنه فضة ولهم السنجاب الفارمانى الذى هو من أنفس الأوبار ولهم اللبود التى تفضل على اللبود المغربية وذكر الجاحظ فى كتاب التبصر بالتجارة أن خير اللبود الصينية ثم المغربية الحمر ثم الطالقانية البيض وذكر غيره أن أجود الصوف صوف مصر ثم أرمينية ثم تكريت ثم رويان
894 - ( مسك تبت ) تبت مخصوصة من بين بلاد الترك بالمسك الأصهب المضروب به المثل فى الطيب والجودة كما أن خر خير منها مخصوصة بالسنجاب الفاخر وكيماك بالسمور الفائق وبلاد الترك توازى بلاد الهند فى كثرة الخصائص كالمسك والسمور والسنجاب والقاقم والفنك والثعالب السود والأرانب البيض والختو واليشم والخدنك والبزاة البيض (1/544)
والخيل والرقيق والخشقاء الذى تتخذ من ذنبه وعرفه المذاب ورءوس المطارد
ولبسط الكلام فى كل منها وخصائص البلدان وتفصيل معادنها وتركيب أماكنها وتلخيص أحوالها مكان من كتاب خصائص البلدان المستفتح أيضا باسم الأمير السيد أدام الله تأييده فأما هذا الكتاب فلا يتسع لأكثر مما أوردته وهو يسير من كثير وغيض من فيض (1/545)
الباب السادس والأربعون فيما يضاف إلى البلدان وينسب من الأعراض
طاعة أهل الشام
طواعين الشام
طرب الزنج
ظرف الحجاز
نعمة المدينة
حمى خيبر
حمى الأهواز
دماميل الجزيرة
طحال البحرين
لواط خراسان
حساب الهند
هواء جرجان
برد همذان
الاستشهاد
895 - ( طاعة أهل الشام ) أهل الشام مخصوصون بطاعة السلطان من بين جميع البلدان وبهم يضرب المثل فى الطاعة والمتابعة وإنما وريت زناد معاوية بهم وكثيرا ما كان يقول أعنت على على بأربع كنت رجلا كتوما وكان ظهره وكنت فى أطوع جند وأصلحه يعنى أهل الشام وكان فى أعصى جند وأخسه يعنى أهل العراق وتركته وأصحاب الجمل وقلت إن ظفروا به كفيته وإن ظفر بهم اعتددت بها عليه فى ذنوبه وكنت أشد تألفا لقريش وأكثر تحننا منه عليها فيالك من جامع إلى ومفرق عنه ومن عون لى وعون عليه
وذكر عبد الملك بن مروان روح بن زنباع فمدحه وقال لقد جمع أبو زرعة فقه الحجاز ودهاء العراق وطاعة الشام (1/546)
896 - ( طواعين الشام ) ذكر ابو الحسن المدائنى عن أشياخه عن الحجاج أنه كان يقول لما نزلت الأشياء منازلها قالت الطاعة أنا أنزل الشام فقال الطاعون وأنا معك وقال الخصب أنا أنزل العراق فقال النفاق وأنا معك وقالت الصحة أنا أنزل البادية فقال الشقاق وأنا معك ولم تزل الشام كثيرة الطواعين حتى صارت تواريخ وكانت تظهر بالشام ثم تمتد إلى العراق وأول طاعون وقع فى الشام فى الإسلام طاعون عمواس وذلك فى زمن عمر بن الخطاب وفيه مات معاذ بن جبل وأبو عبيدة بن الجراح رضى الله عنهما ثم الجارف ثم طاعون العذارى ثم طاعون الأشراف ولم يقع بالمدينة ولا مكة قط ولما ولى بنو العباس انقطع الطاعون إلى أيام المقتدر كما تقدم ذكره عند ذكر رماح الجن
وقال بعض بنى المغيرة فيمن مات منهم فى طواعين الشام أيام ذلك
( من ينزل الشام ويعرس به ... فالشام إن لم يفننا كارب )
( أفنى بنى ريطة فرسانهم ... عشرين لم يقصص لهم شارب )
( ومن بنى أعمامهم مثلهم ... لمثل هذا يعجب العاجب )
( طعن وطاعون مناياهم ... ذلك ما خط لنا الكاتب )
ولما قدم عبد الله بن حسن على عمر بن عبد العزيز كره مكانه بالشام وعرف سنه وسمته وعقله ولسانه وفضله فلم يكن شىء أحب إليه من ألا يراه أحد من أهل الشام فقال إنى أخاف عليك طواعين الشام وإنك لم تغنم أهلك خيرا منك فالحق بهم فان حوائجك ستتبعك (1/547)
فكان ظاهر كلامه حسنا مذكورا وباطنه أجود التدبير فى تسريحه سراحا جميلا
897 - ( طرب الزنج ) هم مخصصون من بين الأمم بشدة الطرب وحب الملاهى والأغانى وإيثار الخلاعة والتصابى والمثل سائر بإطرائهم لا سيما إذا دب الشراب فيهم وانضاف حرة إلى حرا مزجتهم المكتسبة من حرارة أهويتهم
ووصف بعض البلغاء رجلا بالطرب فقال والله إنه لأطرب من زنجى عاشق سكران وقال أبو الشمقمق
( وليس على باب ابن إدريس حاجب ... وليس على باب ابن إدريس من قفل )
( طربت إلى معروفه فطلبته ... كما طربت زنج الحجاز إلى الطبل )
ويحكى من طيب عرسهم وبلوغهم فيه كل مبلغ من الأخذ بأطراف القصف والعزف وإثارة الرهج فى اللعب والرقص ما تمثل به ابن طباطبا يصف ليلة ممتعة
( وليلة أطربنى جنحها ... فخلتنى فى عرش الزنج )
( كأنما الجوزاء جنح الدجى ... طبالة تضرب بالصنج )
( قائمة قد حررت قصفها ... مائلة الرأس من الغنج )
898 - ( ظرف الحجاز ) المثل جار بذلك على الألسنة قال الشاعر (1/548)
0 - شاذن لم ير العراق وفيه ... مع ظرف الحجاز شكل العراق )
899 - ( نعمة المدينة ) قال الجاحظ سميت المدينة طيبة لطيبها ولطيبها تنفى خبثها ويتضوع طيبها فى ريح ثراها وعرف ترابها ونسيم هوائها والفعمة التى توجد فى سككها وحيطانها دليل على أنها جعلت آية حين جعلت حرما وبها للعطر والبخور والنضوح من الرائحة الطيبة أضعاف ما توجد روائحه فى سائر البلدان إذ كان العطر فيها أفخر وأثمن وما رأيت بلدة يستحيل فيها العطر ويفسد وتذهب رائحته كقصبة الأهواز وأنطاكية وإن الجويرية السوداء بالمدينة تجعل فى راسها شيئا من بلح وشيئا من نضوح مما لا قيمة له لهوانه على أهله فتجد لذلك طيب رائحة لا يعدلها بيت عروس من ذوى الأقدار حتى إن النوى المنقع الذى يكون عند أهل العراق فى غاية النتن إذا طال إنقاعه يكون عندهم فى غاية الطيب
900 - ( حمى خيبر ) يضرب بها المثل لأن خيبر مخصوصة بالحمى والوباء قال أوس بن حجر
( كأن به إذ جئته خييرية ... يعود عليه وردها وملالها )
وقال أعرابى كثرت عياله وقل ماله ما أرانى إلا سأنتجع خيبر عسى أن يخف عنى ثقل هؤلاء فارتحل إلى خيبر فلما شارفها أنشأ يقول
( قلت لحمى خيبر استعدى ... وباكرى بصالب وورد ) (1/549)
( هاك عيالى فاجهدى وجدى ... أعانك الله على ذا الجند )
فلما وصلها حم حمامة وعاش أيتامه
وقال بعض المحدثين
( يا فاتر الظل غليظ الهوى ... أنت على نفسك لى شاهد )
( ليست لحمى خيبر رقية ... تعرف إلا شعرك البارد )
901 - ( حمى الأهواز ) قال الجاحظ قصبة الأهواز مخصوصة بالحمى الدائمة اللازمة قتاله الغرباء على أن حماها ليست إلى الغريب بأسرع منها إلى القريب أخبرنا إبراهيم بن العباس عن مشيخة من أهلها عن القوابل أنهن ربما قبلن الطفل المولود فيجدنه محموما يعرفن ذلك ويتحدثن به قال ولم أربها وجنة حمراء لصبى ولا لصبية ولا دما ظاهرا ولا قريبا من ذلك وإنما وباؤها وحماها فى وقت انكشاف الوباء ونزوع الحمى عن جميع البلدان ولقد قلبت كل من نزلها إلى كثير من طبائعهم وشمائلهم ولا بد للهاشمى قبيح الوجه كان أو حسنه ودميما كان أو بارعا رائعا من أن يكون لوجهه طبائع يتبين بها من جميع قريش ومن جميع العرب ولقد كانت البلدة تنقل ذلك وتبدله ولقد تحيفته وأدخلت الضنى عليه وبينت أثرها فيه فما ظنك بصنيعها فى سائر الأجناس قال وليس يؤتى أهلها والطارئون عليها من كثرة الحميات من قبل التخم أو من قبل الحبط والإكثار وإنما يؤثون من عين البلدة ولذلك جمعت سوق الأهواز الأفاعى فى جبلها الطاعن فى منازلها المطل (1/550)
عليها والجرارات فى منازلها ولو كان فى العالم شىء هو شر من الأفعى والجرارات لما قصرت قصبة الأهواز عن توليده وتلقيحه وبليتها أن من ورائها سباخا ومناقع مياه غليظة وفيها أنهار تشقها مسايل كنفهم ومياه أمطارهم ومتوضآتهم فإذا طلعت الشمس فطال مقامها وطالت مقابلتها لذلك الجبل قبل بالصخرة التى هى فى تلك الجرارات فإذا امتلأت يبسا وحرارة وعادت جمرة واحدة قذفت ما قبلت من ذلك عليهم وقد تحدث تلك السباخ وتلك الأنهار هواء فاسدا يفسد كل شىء يشتمل عليه ذلك الهواء
902 - ( دماميل الجزيرة ) الدماميل بالجزيرة كالحمى بالأهواز قال عبد الله بن همام
( به من دماميل الجزيرة ناخس ... )
ويقال داء ناخس إذا كان لايبرأ منه
قال الجاحظ أخبرنى أبو زرعة قال مات ضرار بن عمرو وهو ابن تسعين بالدماميل فقلت له إن هذا لعجب فقال كلا إنما أحتملها من الجزيرة
903 - ( طحال البحرين ) قال الجاحظ فى خصائص البلدان عن ثقاة (1/551)
التجار الذين نقبوا فى البلاد من أقام فى البحرين مدة ربا طحاله وانتفخ بطنه قال الشاعر
( ومن يسكن البحرين يعظم طحاله ... ويغبط بما فى بطنه وهو جائع )
ومن أقام بقصبة تبت اعتراه سرور لا يدرى ما سببه ولا يزال متبسما ضاحكا حتى يخرج منها ومن مشى واختلف فى طرقات المدينة وجد فيها عرفا طيبا ورائحة عجيبة وشيراز من بين جميع فارس لها نعمة طيبة وأجمع أهل البحرين أن لهم تمرا يسمى النابجى وأن من فضخه وجعله نبيذا ثم شربه وعليه ثوب أبيض صبغه عرقه حتى كان عليه ثوب لاذ
ومن أطال الصوم بالمصيصة فى أيام الصيف هاجت به المرة وإن كثيرا منهم قد جنوا من ذلك الاحتراق
ومن أقام بالموصل حولا ثم تفقد عقله وجد فيه فضلا
ولا بد لكل من قدم من شق العراق إلى بلاد الزنج أنه لا يزال جربا ما أقام به فإن أكثر من شرب النارجيل طمس الخمار على عقله حتى لا يكون بينه وبين المعتوه إلا الشىء اليسير
904 - ( حساب الهند ) قال الجاحظ لولا خطوط الهند لضاع من الحساب البسيط والكثير ولبطلت معرفة التضاعيف ولعدموا الإحاطة (1/552)
بالتنورات وتنورات التنورات ولو أدركوا ذلك لأدركوه بعد أن تغلظ المئونة وتنتقص المنة
قال غيره التنور مقدار من مقادرير الهند يجمع الألف الكثيرة قال أبو إسحاق الصابى يهنىء بالعيد
( لم أطول فى دعوتى لمليك ... طول الله فى السلامة عمره )
( بل تلطفت فى اختصار محيط ... بالمعانى لمن تأمل أمره )
( فهو مثل الحروف فى عدد الهند ... قليل قد انطوت فيه كثره )
( جمع الله كل دعوة داع ... مستجاب دعاؤه فيه صبره )
( وأعاد العيد الذى زاد ذا العالم ... فيمن يحوزه ومسره )
( وأراه الآمال فيه ورقاه ... سعاداته ووفاه أجره )
905 - ( لواط خراسان ) قال الجاحظ كان السبب الذى أشاع فى أهل خراسان اللواط وعودهم ذلك كثرة خروجهم فى البعوث وكانوا لا يستطيعون إخراج النساء والجوارى معهم ولم يكن لهم بد من غلمان تهييء مؤنهم فلما طال مكث الغلام مع صاحبه بالليل والنهار وفى حال التبذل والتكشف وفى حال اللباس والستر وكانت الغلمة تهيج بهم شغفوا بغلمانهم وهم فحول والرجل يهيج فيواقع البهيمة ويخضخض بيديه ومن كان كذلك لم يميز بين غشيان البهائم والتدليك وبين غنج الغلمان الحسان فتعودوا ذلك فى أسفارهم ورجعوا إلى منازلهم وقد تمكنت تلك الشهوة (1/553)
فيهم مع الذى لهم فيه عند أنفسهم من خفة المؤونة والأمن من السلطان ومن الحيل وغير ذلك من المرافق ولو كانت هذه الشهوة شائعة فى الأعراب لتعشقوا الغلمان ولو تعشقوهم لنسبوا بهم ولجاءهم فيه باب من النسيب ولتهاجوا به وتفاخروا ولتنافسوا فى الغلمان ويجرى فى ذلك ما لا يخفى ولحديث فيه أشعار وأخبار والذى يدل على سلامتهم من ذلك عدم هذه المعانى وإن كان هناك شىء من هذا فليس هو إلا فى بعض من ينزل قارعة الطريق أو يقرب الأسواق وهؤلاء ليس فيهم من خصال الأعرابية إلا الجوهرية فأما الأخلاق والفصاحة والانفة والفروسية فهم على خلاف ذلك كله وقد ذكر الناس أن بالهند شيئا من هذه الفاحشة ليس بالفاشى وذكر بعض أهل البلدان وبعض قبائل الجاهلية وبعض ملوك اليمن بهذا الشأن ولكن لم نجد الأشعار بذلك متسعة والأخبار به متفقه
906 - ( هواء جرجان ) أنشدت للصاحب
( نحن والله من هوائك يا جرجان ... فى حيرة وأمر شديد )
( حرها ينضج الجلود فإن هبت ... شمال تكدرت بركود )
( كحبيب مواصل كلما هم ... بوصل أحاله بصدود )
وهواء جرجان موصوف بشدة تغيره وفرط نقاوته واختلافه فى يوم واحد كما قال بعضهم
( ألا رب يوم لى بجرجان أرعن ... ضحكت له من خرقه أتعجب )
( وأخشى على نفسى اختلاف هوائها ... وما للفتى مما قضى الله مهرب ) (1/554)
( وما خير يوم أخرق متلون ... ببرد وحر بعده يتلهب )
( فأوله للفحم والجمر مثقب ... وآخره للثلج والخيش يضرب )
وهواء البصرة أيضا يوصف بما يوصف به هواء جرجان قال ابن لنكك
( نحن بالبصرة فى لون ... من العيش ظريف )
( نحن ما هبت شمال ... بين جنات وريف )
( فإذا هبت جنوب ... فكأنا فى كنيف )
907 - ( برد همذان ) همذان موصوفة من بين بلدان الجبل بشدة البرد وما هى بأشد البلاد بردا ولكن المثل سائر ببردها وقد أكثر الشعراء فى وصفها قال أبو على كاتب بكر
( يا بلدة أسلمنى بردها ... وبرد من يسكنها للقلق )
( لا يسلم الشاتى بها من أذى ... من زهق أو نتق أو زلق )
وقال آخر
( همذان مثقلة النفوس ببردها ... والزمهرير وحرها مأمون )
( غلب الشتاء ربيعها وخريفها ... فكأنما تشرينها كانون )
وقال ابن خالويه
( إذا همذان اعتادها القر وانقضى ... برغمك أيلول وأنت مقيم )
( فعينك عمشاء وأنفك سائل ... ووجهك مسود البياض بهيم )
( وأن ت أسير البرد تمشى بغلة ... على السيف تحبو مرة وتقوم )
( بلاد اذا ما الصيف أقبل جنة ... ولكنها عند الشتاء جحيم ) (1/555)
الباب السابع والأربعون فى الجبال والأمكنة
ثقل أحد
ثالثة الأثافى
ابنة الجبل
قسوة الحجر
ظل الحجر
نقش الحجر
رشح الحجر
حجر المغناطيس
قالب الصخر
الاستشهاد
908 - ( ثقل أحد ) من الجبال التى يمثل بها فى الثقل أحد وهو جبل بالمدينة وفيه قال النبي ( أحد جبل يحبنا ونحبه ) ويروى ( جبل يعرفنا ونعرفه )
وقال القاضى ابو الحسن على بن عبد العزيز من قصيدة
( وصرت فى ثقل أحد عنده ورأى ... فى طلعتى رأى أهل الرفض فى عمر )
ومن الجبال التى يضرب بها المثل فى الثقل ثهلان وهو بالعالية ويقال له ثهلان الجرع ليبسه وقلة خيره وفيه قيل
( ثهلان ذو الهضبات هل يتحلحل ... )
ومنها عماية وهى بالبحرين ومنها أبو قبيس بمكة شرفها الله تعالى
909 - ( ثالثة الأثافى ) قطعة من الجبل ومعناها أن يوضع أثفيتان إلى جانب قطعة من الجبل ثم توضع القدر على الأثفيتين والقطعة من الجبل (1/556)
ومن أمثال العرب رماه بثالثة الأثافى أى بما يهلكه ومن أحسن ما قيل فى استعمال ثالثة الأثافى قول بديع الزمان من قصيدة
( خلقت كما ترى صعب النقاف ... أرد يد الخليفة فى الخلاف )
( ولى جسد كواحدة المثانى ... له كبد كثالثة الأثافى )
فانظر إلى حسن ما تأنق بين الواحدة وبين الثانية والثالثة على بعد ما بين الجنسين من الكثافة والنحافة
910 - ( ابنة الجبل ) يعنى القطعة من الجبل صربت مثلا فى الثقل
911 - ( قسوة الحجر ) يضرب بها المثل قال الله تعالى ( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهى كالحجارة أو أشد قسوة ) قال الأصمعى ومن أمثالهم هو أقسى من حجر وقال كثير
( كأنى أنادى صخرة حين أعرضت ... من الصم لو تمشى بها العصم زلت )
912 - ( ظل الحجر ) يشبه به كل شىء أسود كثيف لأن ظل كل شىء أسود وظل الحجر أشد سوادا لأنه مصمت لا يتخلله خلل قال الراجز
( كأنما وجهك ظل من حجر ... )
وقال آخر
( سود غرابيب كأظلال الحجر ... لا صغر أزر بهاى ولا كبر ) (1/557)
913 - ( نقش الحجر ) يضرب مثلا لما يثبت ويبقى ولا يضمحل ومن أمثال المؤدبين التعلم فى الصغر كالنقش فى الحجر والتعلم فى الكبر كالكتابة فى الماء
وسمع الأحنف بهذه الكلمة فقال الكبير أكبر عقلا لكنه أكثر شغلا
914 - ( رشح الحجر ) يضرب مثلا للبخيل يجود بالشىء القليل على عسرة ونكد
( والرشح أدنى ما يكون من السيال ... )
وكذلك البض ومنه قولهم فلان ما يبض حجرة ولا يثمر شجره وكان عبد الملك بن مروان يلقب برشح الحجر لبخله
915 - ( حجر المغناطيس ) هو الذى يجذب الحديد بطبعه فيضرب مثلا للجاذب الشىء إلى نفسه كما قال ابن طباطبا
( بأبى الذى نفسى عليه حبيس ... مالى سواه من الأنام أنيس )
( لا تنكروا أبدا مقاربتى له ... قلبى حديد وهو مغناطيس )
916 - ( قالب الصخرة ) يضرب به المثل فيقال أطمع من قالب الصخرة وكان رجل من معد رأى صخرة عظيمة ببلاد اليمن مكتوبا عليها بالمسند اقلبنى أنفعك فاحتال فى قلبها ولقى الأمرين من ذلك فإذا على الجانب الآخر رب طمع أدى إلى طبع فما زال يضرب برأسه الحجر تلهفا حتى انتثر لحمه ومات (1/558)
الباب الثامن والأربعون فى المياه وما يضاف إليها
ماء زمزم
ماء صداء
ماء المفاصل
ماء الغادية
ماء السماء
ماء طريق الحج
ماء عناق
ماء الوجه
ماء الشباب
ماء الحسن
ماء الندى
ماء النعيم
ماء الكرم
ماء الظرف
لاعق الماء
أديم الماء
جلدة الماء
سيل العرم
درج السيول
نيل مصر
عجائب البحر
الاستشهاد
917 - ( ماء زمزم ) يتمثل بشرفه على سائر المياه لشرف مكانه فيقال كأنه ماء زمزم وليس هذا ماء زمزم ويقال إنه أثر جبريل عليه السلام فإنه لما شرب له ومن يحصى فضائله فكم من مبتلى قد عوفى بالمقام عليه والشرب منه والاغتسال به بعد أن لم يدع فى الأرض ينبوعا إلا أتاه واستنقع فيه وكم من متزود منه فى القوارير إلى أقاصى البلدان لدوائه وغاسل ثيابه بمائه لما يرجوه من بركته وحسن عائدته قال الأعشى وهو يؤنب رجلا ويخبره أنه مع شرفه لم يبلغ مبلغ قريش الذين هم سكان حرم الله ولهم حظ الشرب من زمزم
( فما أنت من أهل الحجون ولا الصفا ... ولا لك حظ الشرب من ماء زمزم ) (1/559)
وقال أبو هفان وهو يمدح رجلا
( لو كنت نوءا كنت نوء المرزم ... أو كنت ماء كنت ماء الزمزم )
918 - ( ماء صداء ) صداء بئر ماؤها أعذب مياه العرب وفيها يقول ضرار السعدى
( وإنى وتهيامى بزينب كالذى ... يحاول من أحواض صداء مشربا )
وقال غيره
( كصاحب صداء الذى ليس واجدا ... كصداء ماء فهو ذا الدهر ظامىء )
ومن أمثال العرب ماء ولا كصداء أى هذا مالا بأس به ولكن ليس كماء صداء يضرب لما يحمد بعض الحمد ويفضل عليه غيره كما يقال مرعى ولا كالسعدان
919 - ( ماء مأرب ) مأرب اسم لقصر ملك سبأ ثم صار اسما للبلدة وهى التى وصفها الله بالطيب فقال ( كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور ) ولا أطيب مما وصفه الله تعالى بالطيب ولا أعذب من مائه ومأرب هى التى أرسل الله تعالى عليها سيل العرم والمثل مضروب بعذوبة ماء مأرب قال جابر بن رالان فى وصفه وأحسن كل الإحسان
( ايا لهف نفسى كلما التحت لوحة ... على شهوة من ماء أحواض مأرب )
( بقايا نطاف أودع الغيم صفوها ... مصقلة الأرجاء زرق الجوانب ) (1/560)
( ترقرق دمع المزن فيهن والتقت ... عليهن أنفاس الرياح الجنائب )
وللصاحب من فصل أنا على حافة حوض ذى ماء أزرق كصفاء مودتى لك ورقة قولى فى عتبك ولو رايته لنسيت أحواض مأرب ومشارع أم غالب
920 - ( ماء المفاصل ) من أمثال العرب أصفى من ماء المفاصل جمع المفصل بين الجبلين وماؤه أصفى ما يكون وأرقه قال الشاعر
( صفراء من حلب الكروم كأنها ... ماء المفاصل أو لعاب الجندب )
وقال أبو ذؤيب
( يشاب بماء مثل ماء المفاصل ... )
وزعم بعض الرواة أن ماء المفاصل ماء اللحم الطرى واحتج بقول كثير فى الخمر
( وما قرقف من أذرعات كأنها ... إذا نزلت من دنها ماء مفصل )
ويجوز أن يكون شبه الخمر بمتا تقدم ذكره من ماء المفاصل فى رقته وصفائه لا بماء اللحم فى حمرته
921 - ( ماء الغادية ) من أمثال العرب عن أبى عمرو أعذب من (1/561)
ماء الغادية وأعذب من ماء البارق والغادية السحابة التى تغدو والبارق السحاب الذى يكون فيه البرق
922 - ( ماء السماء ) المنذر بن ماء السماء ينسب إلى أمه وكانت تسمى ماء السماء تشبيها بها فى الحسن والصفاء والطهارة وهو المنذر بن امرىء القيس بن النعمان بن امرىء القيس بن عدى وأمه من النمر بن قاسط وأبوها عوف بن جشم
923 - ( ماء طريق الحج ) يضرب مثلا لما يستعمل على علاته ويذم كما يقال خبز الشعير يؤكل ويذم قال ابن المعتز
( وصاحب سوء وجهه لى أوجه ... وفى فمه طبل بسرى يضرب )
( ولا بد لى منه فحينا يغصنى ... وينساغ لى طورا ووجهى مقطب )
( فماء طريق الحج فى كل منهل ... يذم على ما كان منه ويشرب )
924 - ( ماء عناق ) ماء عناق من أمثال العرب يضرب للداهية وللأمر الملتبس وكان من حديثه أن رجلا بينا هو يسقى وبيته تلقاء وجهه إذ نظر فإذا برجل قد عانق امرأته يقبلها فأخذ العصا وأقبل مسرعا فلما رأته المرأة أخفت الرجل فيما بين النضد فنظر يمنه ويسره فلم ير شيئا فنظر فى الأرض فلم يبصر أحدا فكذب بصره وكر راجعا فلما كان الورد الثانى قالت المرأة هل لك فى أن أكفيك السقى وتتورع اليوم قال نعم إن شئت فاقام فى البيت وانطلقت تسعى وتحينت منه غفلة فأخذت (1/562)
العصا وأقبلت حتى علت بها رأسه فقال ويلك وما دهاك قالت أين المرأة التى رأيتك معها معانقا لها فقال والله ما كانت عندى امرأة قالت بل أنا نظرت إليها بعينى وأنا على الماء فتحالفا فلما أكثرت قال إن تكونى صادقة فإن ماءكم هذا ماء عناق فصار مثلا يضرب فى الدواهى
925 - ( ماء الوجه ) العرب تستعير فى كلامها الماء لكل ما يحسن موقعه ومنظره ويعظم قدره ومحله فتقول ماء الوجه وماء الشباب وماء السيف وماء الحيا وماء النعيم كما تستعير الاستقاء فى طلب خبر قال علقمة بن عبدة
( وفى كل حى قد خبطت بنعمة ... فحق لشأس من نداك ذنوب )
وقال رؤبة
( يأيها الماتح دلوى دونكا ... إنى رأيت الناس يحمدونكا )
وهما لم يستقيا ماء وإنما طلب أحدهما ماء وكان الآخر أسيرا وكذلك سموا السائل والمجتدى مستميحا وإنما الميح جمع الماء فى الدلو وغاية دعائهم للمرجو والمشكور أن يقولوا سقاك الله فإذا تذكروا أياما طابت لهم قالوا سقى الله تلك الأيام وربما دعوا لديار المحبوب بالسقيا كما قال طرفة
( فسقى ديارك غير مفسدها ... صوب الربيع وديمة تهمى )
فأما قولهم ماء الوجه فهو عبارة عن الحياء الذى هو أفضل من الماء وقد أحسن أبو تمام فى قوله لأبى سعيد الطائى
( رددت رونق وجهى فى صحيفته ... رد الصقال بماء الصارم الخذم )
( وما أبالى وخير القول أصدقه ... حقنت لى ماء وجهى أم حقنت دمى ) (1/563)
وسرقه اللحام فقال
( ما إن أرقت بحرصى قطرة فجرت ... من ماء وجهى إلا خلت ذاك دمى )
وقال أبو الطيب
( ولقد بكيت على الشباب ولمتى ... مسودةولماء وجهى رونق )
ولا مزيد على حسن قول ابن المعتز
( لم ترد ماء وجهه العين إلا ... شرقت قبل ريها برقيب )
ولأبى تمام استعارات فى الماء أحسن فى وصفها كقوله فى وصف نساء تكالى
( خاضت محاسنها مخاوف غادرت ... ماء الصبا والحسن غير زلال )
وقوله فى الأفشين
( قد كان بوأه الخليفةمنزلا ... من قلبه حرما على الأقدار )
( فسقاه ماء الخفض غير مصرد ... وأنامه فى الأمن غير غرار )
وقوله وهو يرثى من قصيدة أولها
( نعاء إلى كل حى نعاء ... فتى العرب احتل ربع الفناء )
( ألا أيها الموت فجعتنا ... بماء الحياة وماء الحياء )
وقد أغار السرى الموصلى عليه فى هذين البيتين ونقلهما إلى المدح حيث قال
( وكف ترقرق ماء الحياة ... )
وقوله أعنى أبا تمام
( وكيف ولم يزل للشعر ماء ... يرف عليه ريحان القلوب ) (1/564)
وقوله
( محمد بن حميد أخلقت رممه ... أريق ماء المعالى مذ اريق دمه )
فقد أحسن كما تراه فى استعارة ماء الصبا وماء الحسن وماء الخفض وماء الحياة وماء الشعر وماء المعالى وأما فى استعارة ماء الملام حيث قال
( لا تسقنى ماء الملام فإننى ... صب قد استعذبت ماء بكائى )
فإنما تحسن الاستعارة بما يحسن فيه التشبيه والتمثيل ولم يحسن فى قوله ولم يسىء إذ قال
( تمنت أن يعود لها حبيب ... منى شططا وأين لها حبيب )
ويستحسن قول الصنوبرى فى مرثيته غلاما
( إن يرق ماء ذلك الوجه فى الترب ... فإنى لماء عينى مريق )
926 - ( ماء الشباب ) قد أكثر الشعراء فى ذكره وأحسنوا التصرف فيه قال أبو محمد البياضي
( وما بقيت من اللذات إلا ... محادثة الكرام على الشراب )
( ولثمك وجنتى قمر منير ... يجول بخده ماء الشباب )
وقال أبو الفتح
( عودى وماء شبيبتى فى عودى ... لا تعمدى لمقاتل المعمود )
وقد جمع ابن الرومى فى مرثيته قينة بين ثلاثة مياه مستعارة فقال
( يا حر صدرى على ثلاثة أمواه ... أريقت فى الترب والمدر ) (1/565)
( ماءى شباب ونعمة مزجا ... بماء ذاك الحياء والخفر )
ثم جاء بماء رابع فقال
( تبتل العود بعد فقدكم ... وازدجر اللهو أى مزدجر )
( وغاض ماء النعيم بعدكم ... وانهمر الدمع أى منهمر )
927 - ( ماء الحسن ) من أحسن ما قيل فيه قول ابن المعتز
( لى مولى لا أسميه ... كل شىء حسن فيه )
( تصف الأغصان قامته ... بتثن كتثنيه )
( ويكاد البدر يشبهه ... وتكاد الشمس تحكيه )
( كيف لا يخضر عارضه ... ومياه الحسن تسقيه )
928 - ( ماء الندى ) قال العباس وأحسن
( أتتركنى جدب المحله ضنكها ... وكفاك من ماء الندى تكفان )
وقال البحترى
( وما أنا إلا غرس نعمتك الذى ... أفضت له ماء النوال فأورقا )
( وقفت بآمالى عليك جميعها ... فريتك فى إمساكهن موفقا )
وقال أيضا وزاد فى الإحسان
( ووجه جال ماء الجود فيه ... على العرنين والخد الأسيل )
( يربك تألق المعروف فيه ... شعاع الشمس فى السيف الصقيل )
929 - ( ماء النعيم ) من أحسن ما قيل فيه قول أبى الفتح كشاجم (1/566)
( ويح عين لم ترو من ماء وجه ... قد سقاه الشباب ماء نعيم )
( ما التقينا والحمد لله إلا ... مثل ما تلتقى جفون السليم )
وقال السرى فى مزين
( إذا لمع البرق فى كفه ... أفاض على الرأس ماء النعيم )
930 - ( ماء الكرم ) قد أكثروا فى ذكره ومن أحسن ما قالوا فيه
( فإن الكرم من كرم وجود ... وماء الكرم للرجل الكريم )
931 - ( ماء الظرف ) ظرف الصاحب فى استعارة الماء للظرف حيث قال
( وشادن أحسن فى إسعافه ... يقطر ماء الظرف من أعطافه )
932 - ( لاعق الماء ) من أمثال العرب أحمق من لاعق الماء وأحمق من ناطح الماء قال الشاعر
( وأحمق ممن يلعق الماء قال لى ... دع الخمر واشرب من قراح معنبر )
933 - ( أديم الماء ) يستعار الأديم للماء كما يستعار للسماء فأما استعارته للماء فكما قال كشاجم يصف سمكه
( وابنه ماء فى أديم ماء ... بيضاء مثل الفضة البيضاء )
وأما استعارته للسماء فكما قال أبو عثمان فى لابسة أزرق اسمها قتول
( ما تعدت قتول أن لبست زيا ... شبيها بوجهها ذى البهاء )
( لبست أزرقا فجاءت بوجه ... يشبه البدر فى أديم السماء ) (1/567)
934 - ( جلدة الماء ) استعار البحترى الجلدة للماء فى قوله
( أبديت لى عن جلدة الماء الذى ... قد كنت أعهده كثير الطحلب )
كما استعارها للسماء ابن المعتز فى قوله
( يا ربما نازعته ... روح دنان صافيه )
( فى روضة كأنها ... جلد سماء عارية )
935 - ( سيل العرم ) قد تقدم ذكره عند فأرة العرم وفى هذا الباب عند ذكر مأرب وسيل العرم هو الذى خرب سبأ وأباد أهلها وذكره الله تعالى فى قوله فى قصة سبأ ( فأرسلنا عليهم سيل العرم )
وقد اختلفوا فى العرم فقال ابن عباس هو اسم الوادى وقال مجاهد هو اسم السد وقال أبو عبيدة والكسائى هو المسناة وقال جعفر الصادق هو اسم الجرذ الذى ثقب السد وسيل العرم مثل فى الدواهى العظام التى تفرق الناس وتمزقهم كما يقال للقوم إذا تفرقوا بهلاك بعضهم وانتشار آخرين ذهبوا أيدى سبا
936 - ( درج السيول ) من أمثال العرب هم درج السيول وله معنيان أحدهما الإذلال والآخر العود فى موضع الذهاب والفناء يقال رجع فلان أدراجه أى من حيث جاء ومن أمثالهم من يرد السيل على أدراجه وأدراج السيول مجاريها قال الشاعر
( أنهب للمنية تعتريهم ... رجالى أم هم درج السيول ) (1/568)
937 - ( نيل مصر ) يضرب به المثل كما يضرب بالبحور قال الأعشى
( فما نيل مصر إذ تسامى عبابه ... ولا بحر سيحان إذا راح مفعما )
( بأجود منه نائلا إن بعضهم ... إذا سئل المعروف صد وجمجما )
قال الجاحظ كفاك ماء نيل مصر وما هو عليه من خلاف جميع الأنهر ونضوبه فى وقت زيادة الأنهر وزيادته فى وقت نقصانها وليست التماسيح فى شىء من الأنهار إلا فيه ومضرتها معروفة بلا منفعة بوجه من الوجوه ولم ير تمساح قط فى دجلة ولا الفرات ولا سيحان ولا جيحان ولا نهر بلخ
938 - ( عجائب البحر ) فى الخبر حدثوا عن البحر ولا حرج وقيل لبعض ركاب البحر ما أعجب ما رأيت عن عجائب البحر قال سلامتى منه
قال الجاحظ ما ظنك بماء إذا خبث وملح ولد الدر وأثمر العنبر وركب بعض الإعراب البحر مرة فرأى أهوالا من أمواجه ثم أتاه مرة أخرى وهو ساكن فقال ما يغرنى حلمك فإن عندى من جهلك العجائب
قال الجاحظ وليس ذلك بأعجب من شىء عاينه جميع من يركب البحر وذلك أن الطائر من طيره يطير فى الهواء فيعبث به طائر صغير فإذا أحرجه ذلك ذرق فتلقاه الطائر فابتلعه فلا هو يخطىء بذلك الذرق (1/569)
حلق الطائر الصغير ولا الطائر الصغير يجهل مكان ذرقه وما يعيشه من ذلك الطائر الكبير والدخس من دواب البحر ومما يعايش السمك وليس بسمك وهو يعرف الغريق ويدنو منه حتى يضع الغريق يده على ظهره فيسبح به والغريق يذهب معه ويستعين بالاعتماد عليه والتعلق به حتى ينجيه وهذا عند البحريين مشهور لا يتدافعونه (1/570)
الباب التاسع والأربعون فى النيران
نار الله
نار إبراهيم
نار موسى
نار القربان
نار الحرتين
نار الشجر
نار القرى
نار الحرب
نار الحلف
نار المسافر
نار المجوس
نار الاصطلاء
نار الإنذار
نار الاستكثار
نار الاستمطار
نار التهويل
نار الصيد
نار الزحفتين
نار الغضى
نار الحلفاء
نار الحباحب
نار البرق
نار المعدة
نار الحمى
نار الشوق
نار الشر
نار الحياة
نار الشباب
نار الشراب
نار الكى
نار الذبالة
قبسة العجلان
فراش النار
سرادق النار
سعد النار
نافخ ضرمة
الاستشهاد
939 - ( نار الله ) قد تقدم ذكرها فيما يضاف إل اسم الله تعالى وهى نار الله التى أوعدها عباده قال الجاحظ معلوم أنه عز ذكره عذب الأمم فى هذه الدنيا بالغرق والرياح وبالحاصب والخسف والرجم والمسخ والجوع والنقص من الثمرات ولم يبعث عليهم نارا كما بعث عليهم ريحا وماء وأحجارا وإنما جعلها فى عقاب الآخرة وعذاب العقبى ونهى عن أن يعذب بها شىء من الحيوان قال رسول الله ( لا تعذبوا بعذاب الله ) فقد عظمها كما ترى وخبر أنه تعالى ينتقم بالنار (1/571)
فى الآخرة من جميع أعدائه وليس يستوجبها بشر بصنيع ولا ظلم ولا جناية ولا يستوجب النار إلا بعداوة الله وبها يشفى صدوره أوليائه من أعدائهم فى الآخرة
940 - ( نار إبراهيم ) قد تقدم ذكرها فى باب ما يضاف إلى الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهى مثل فى البرد والسلامة وفى كتاب الأمثال المولدة إنه يقال للمستعجل ليس هذا نار إبراهيم وذكرها الخوارزمى فى بيت له متمثلا وهو يصف الانخزال وكسوف البال فعدل بالمثل عنه حيث قال
( فكأننى فى سجن يوسف أو أسى ... يعقوب أو فى نار إبراهيم )
وإنما توصف نار إبراهيم بالبرد والسلامة لا بالحر والشدة لأنها إحدى المعجزات وفى الكتاب المبهج خير الشراب ما يورد ريح الورد ويحكى نار إبراهيم فى اللون والبرد
941 - ( نار موسى ) قد تقدم ذكرها ووجه ضرب المثل بها للشىء اليسير يطلب فيتوصل بسببه إلى الشىء الخطير والغنيمة الباردة وذلك أنه كما نطق به القرآن فى مواضع كثيرة ذهب يقتبس نارا فكلم الله تكليما
942 - ( نار القربان ) هى التى جعلها الله آية لبنى إسرائيل فى موضع امتحان إخلاصهم وتفرق نياتهم فكانوا يتقربون بالقربان فمن كان مخلصا نزلت نار من السماء حتى تحيط به فتأكله ومن لم يروها وبقى القربان على (1/572)
حاله قضوا بأنه مدخول القلب فاسد النية ولذلك قال الله تعالى ( الذين قالوا إن الله عهد إلينا ألا نؤمن لرسول حتى يأتينا بقربان تأكله النار ) والدليل على أن ذلك قد كان من شأنهم معلوما قوله تعالى ( قد جاءكم رسل من قبلى بالبينات وبالذى قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين ) قال الجاحظ ثم إن الله تعالى ستر على عباده وجعل بيان ذلك فى الآخرة وكان ذلك التدبير مصلحة فى ذلك الأمر ووفق طبائعهم وعللهم وقد كان القوم من المعاندةومن الغباوة على مقدار لم يكن لينجع فيهم ويكمل لمصلحتهم إلا ما كانوا فيه
943 - ( نار الحرتين ) هى التى ذكرها الشاعر فى قوله
( ونار الحرتين لها زفير ... يصم لهوله الرجل السميع )
وهى نار خالد بن سنان أحد بنى مخزوم من بنى عبس ولم يكن من ولد إسماعيل عليه السلام نبى قبله وهو الذى أطفأ الله به نار الحرتين وكانت ببلاد عبس إذا كان الليل فهى نار تسطع فى السماء وكانت طي تنفش بها إبلهم من مسيرة ثلاث ليال وربما تأتى على كل شىء فتحرقه وإذا كان النهار فإنما هى دخان يفور فبعث الله خالد بن سنان فحفر لها بئرا ثم أدخلها فيها والناس ينظرون ثم افتحم فيها حتى غيبها فلما حضرته الوفاة قال لقومه إذا أنامت ودفنتمونى فاحضروا بعد ثلاث فإنكم ترون عيرا أبتر يطوف بقبرى فإذا رأيتم ذلك فانبشونى فإنى مخيركم بما هو كائن إلى يوم القيامة فاجتمعوا لذلك فى اليوم الثالث من موته فلما رأوا العير وذهبوا لينبشوا اختلفوا وصاروا فريقين وابنه عبد الله فى الفرقة التى ابت نبشه وهو (1/573)
يقول إذا أدعى ابن المنبوش فتركوه
ويروى أن ابنته قدمت على رسول الله فبسط لها رداءه وقال هذه ابنة نبى ضيعه قومه وسمعت سورة الإخلاص فقالت كان أبى يتلو هذه السورة
قال الجاحظ والمتكلمون لا يؤمنون بهذا ويزعمون أن خالدا هذا كان أعرابيا وبريا ولم يبعث الله قط نبيا من الأعراب ولا من أهل الوبر وإنما بعثهم من أهل القرى وسكان الجزر والله أعلم حيث يجعل رسالاته
944 - ( نار الشجر ) هى التى ذكرها الله تعالى فى كتابه وامتن بها على عباده فقال ( الذى جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون ) يريد عيدان الاستقداح والمرخ والعفار أكثر النيران وأسرعها قدحا ومن أمثالهم فى كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار وما أحسن ما قيل فى استجلاب بادرة الحليم المحرج
( أخرجتموه بكرة من سجيته ... والنار قد تلتظى من ناضر السلم )
( أوطأتموه على جمر العقوق ولو ... لم يحرج الليث لم يخرج من الأجم )
قال الجاحظ قد ذكر الله تعالى نعمته فى هذه النار التى هى من أكبر النعم وأعظم المنافع والمرافق فى هذه الدنيا على عباده فقال ( أفرأيتم النار التى تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون ) ثم قال تعالى ( نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين ) فكم تحت قوله ( نحن جعلناها تذكرة ) (1/574)
من تبصرة مع ما فيها من مقادرير النعم وتصاريف النقم
ووجه آخر من امتنان الله تعالى على عباده كقوله للثقلين ( يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران ) ثم قال على صلة الكلام ( فبأى آلاء ربكما تكذبان ) لا يريد أن إحراق الله العبد بالنار من آلائه ونعمائه ولكنه أراد الوعيد الصادق وإذا كان فى غاية الزجر عما يطغيه ويرديه فهو من النعم السابغة والآلاء العظام
945 - ( نار القرى ) هى مذكورة على الحقيقة لا على المثل وهى من أعظم مفاخر العرب وأشرف مآثرها وهى النار التى كانت ترفع للسفر ولمن يلتمس القرى فكلما كان موضعها أرفع كانت أفخر والأشعار فيها كثيرا ومن أحسنها قول الأعشى
( لعمرى لقد لاحت عيون كثيرة ... إلى ضوء نار فى يفاع تحرق )
( فشبت لمقرورين يصطليانها ... وبات على النار الندى والمحلق ) والمحلق هو الذى مدحه
قال الجاحظ وأحسن من هذا الشعر فى هذا المعنى من كل شعر فى معناه قول الحطيئة
( متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد )
قال وما ينبغى أن يمدح بهذا البيت إلا خير أهل الأرض وأنشد عمر رضى الله عنه هذا البيت فقال هذا لرسول الله (1/575)
ومن أحسن ما قيل فى هذه النار قول الشاعر
( له نار تشب بكل واد ... إذا النيران ألبست القناعا )
( ولم يك أكثر الفتيان مالا ... ولكن كان أرحبهم ذراعا )
وما أكرم وأشرف من قال وهو يأمر غلامه بالإيقاد والاستجلاب للإضياف
( أوقد فإن الليل ليل قر ... والريح ما تراه ريح صر )
( عسى يرى نارك من يمر ... إن جلبت ضيفا فأنت حر )
وقد جمع ابن الرومى نار القرى ونار الحرب فى قوله لعبيد الله بن عبد الله ابن طاهر حيث قال
( له ناران نار قرى وحرب ... ترى كلتيهما ذات التهاب )
946 - ( نار الحرب ) هى على طريق المثل والاستعارة لا على الحقيقة كما قال جل ذكره ( كلما أوقدا نارا للحرب أطفأها الله )
وقد أكثر الشعراء والبلغاء من ذكرها وجاء الصاحب فأربى على المغالين فى وصفها حيث كتب من رساله شبت الحرب واشتعلت نارها واستطار شرارها وثار عجاجها وهال ارتجاجها
ومن أخرى حمى وطيسها واغتبطت نفوسها
ومن أخرى قدحت نار القراع وجالت قداح المصاع وتكايل الشجعان صاعا بصاع (1/576)
ومن أخرى دارت رحى الحرب واستعرت جمرة الطعن والضرب
ومن أخرى اشتكت تصرف نابها وتكشف ساقها واستعر أوارها فحمى وطيس المراس ودنت التراس من التراس
947 - ( نار الحلف ) هى التى كانت العرب توقدها عند التحالف فلا يعقدون حلفهم إلا عندها ويذكرون عند ذلك مرافقها ويدعون الله على من ينقض العهد بالحرمان من منافعها وربما دنو منها حتى تكاد تحرقهم ويهولون الأمر فيها قال أوس بن حجر يصف عيرا على نشز
( إذا استقبلته الشمس صد بوجهه ... كما صد عن نار المهول حالف )
948 - ( نار المسافر ) هذه نار توقدها العرب خلف المسافر الذى لا يحبون رجوعه وكان فى الدعاء على الغائب أبعده الله وأسحقه وأوقد نارا على أثره وهو معنى قول بشار وضربه مثلا
( صحوت وأوقدت للجهل نارا ... ورد عليك الصبا ما استعارا )
وقال آخر
( وحملة أقوام حملت ولم تكن ... لتوقد نارا إثرهم للتندم )
والحملة الجماعة يمشون فى الدم وفى الصلح يقول لم تندم على ما أعطيت من الحمالة عند كلام الجماعة فتوقد خلفهم نارا لئلا يعودوا
949 - ( نار المجوس ) قال الجاحظ ما زال الناس كافة والأمم قاطبة حتى جاء الله بالحق مولعين بتعظيم النار حتى ظن كثير من الناس (1/577)
لإفراطهم أنهم يعبدونها ويزعم أهل الكتاب أن الله أوصاهم بها فقال ( لا تطفئوا النار من بيوتى ) ولذلك لا تجد الكنائس والبيع وبيوت العبادات تخلو من نار أبدا ليلا ونهارا فأما المجوس فإنها لم ترض بمصابيح أهل الكتاب حتى اتخذت البيوت للنيران وأقامت عليها السدنة ووقفت عليها الغلات الكثيرة وسجدت لها على جهة التعبد والمحبة وإيجاب الشكر على النعمة
وقد ضرب المثل بنار المجوس من صحب قوما فلم يرعوا حق صحبته بهم وخدمته إياهم فقال
( عمرى لقد جربتكم ... فوجدتكم نار المجوس )
وذلك أنها لا تفرق بين من يعبدها ويسجد لها وبين من يبزق فيها ويبول عليها بل تعم الجميع بالإحراق إذا أمكنها
950 - ( نار الاصطلاء ) يضرب بها المثل فى الحسن والإمتاع كما قالت أعرابية كنت أحسن من الصلاء فى الشتاء وقالت أخرى كنت فى أيام شبابى أحسن من النار الموقدة
وما أحسن ما قال ابن المعتز فى وصفها
( وموقدات بتن يضر من اللهب ... يشبعنه من فحم ومن حطب )
( يرفعن نيرانا كأشجار الذهب ... )
ومن أبيات التمثيل والمحاضرة
( النار فاكهة الشتاء ومن يرد ... أكل الفواكه شاتيا فليصطل )
ويحكى أن أعرابيا اشتد عليه البرد فأصاب نارا فدنا ليصطلى منها وهو يقول اللهم لا تحرمنيها فى الدنيا والآخرة (1/578)
951 - ( نار التهويل ) كانت العرب توقد نارا يهولون بها على الأسود إذا حافوها والأسد إذا عاين النار حدق إليها وتأملها فما أكثر ما يشغله عن السابلة
ومر أبو ثعلب الأعرج فى رفقه بوادى السباع فعرض لهم سبع فقال له المكارى لو أمرت غلمانك فأوقدوا نارا وضربوا الطساس الذى معهم ففعلوا فأحجم عنهم الأسد فقال فى حبه النار والصوت الشديد بعد بغضه لهما
( فأحببتها حبا هويت خلاطها ... ولو فى صميم النار نار جهنم )
( وصرت ألذ الصوت لو كان صاعقا ... وأطرب من صوت الحمار المرقم )
952 - ( نار الإنذار ) كانوا إذا أرادوا حربا وتوقعوا جيشا عظيما فأرادوا الاجتماع أوقدوا نارا ليبلغ الخبر أصحابهم قال عمرو بن كلثوم
( ونحن غداة أوقد فى خزازى ... رفدنا فوق رفد الرافدينا )
953 - ( نار الاستكثار ) كانوا إذا نزلوا منزلا وهم جيش يريدون محاربة قوم اسكثروا من النيران وأكثروا من الذبح مخافة أن يجزرهم جازر بقلة ذبحهم ونيرانهم فيستدل على العورة منهم
954 - ( نار الاستمطار ) كانت العرب فى الجاهلية الجهلاء إذا تتابعت عليهم الأزمان وركد فيهم البلاء واشتد الجدب واحتاجوا إلى الاستمطار استجمعوا ما قدروا عليه من البقر وعقدوا فى أذنابها وبين (1/570)
عراقيبها السلع ثم صعدوا بها فى جبل وأوقدوا فيها النار وكانوا يرون ذلك من أسباب السقيا وفيهم يقول الورل الطائى
( لادر در رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمان بالعشر )
( أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر )
955 - ( نار الصيد ) هى التى توقد للظباء وصيدها لتعش إذا رامت النظر إليها ولا تخيل من وراءها ويطلب بها أيضا بيض النعام فى أفاحيصها ومكانها وقال طفيل الغنوى
( عوازب لم تسمع نبوح مقامه ... ولم تر نارا تم حول مجرم )
( سوى نار بيض أو غزال بقفرة ... أغن من الخنس المناخر توءم )
وقد وصف السرى صيد الليل بالطست والسراج والكلب وذكرانه يقال له صيد الدالوية فى أرجوزة هى مثبتة فى ديوان شعره
956 - ( نار الزحفتين ) هى نار أبى سريع وأبو سريع هو العرفج قال قتيبة بن مسلم لعمر بن عباد بن الحصين والله للسؤدد أسرع إليك من النار فى يبيس العرفج وإنما قيل لنار العرفج نار الزحفتين لأن العرفج إذا التهبت فيه النار أسرعت فيه وعظمت واستفاضت فى أسرع من كل شىء فمن كان قريبا منها يزحف عنها ثم لاتلبث أن تنطفىء من ساعتها فى مثل تلك السرعة فيحتاج الذى يزحف عنها أن يزحف إليها من ساعته فلا تزال للمصطلى كذلك ولا يزال المصطلى بها كذلك فمن أجله قيل نار الزحفتين (1/580)
957 - ( نار الغضى ) يضرب بها المثل فى الحرارة لأنها أحر نار الجمر والغضى من بين سائر العيدان لا يصلح إلا للوقود فكأنه خلق للنار لا غير
958 - ( نار الحلفاء ) يضرب بها المثل فى سرعة الإيقاد قال الشاعر
( فما ظنك بالحلفا ... إذا دبت بها النار )
وفى سرعة الانطفاء أيضا فيقال نار الحلفاء سريعة الانطفاء
959 - ( نار الحباحب ) هى نار الحباحب ونار أبى حباحب تضرب مثلا للشىء يروق ولا طائل فيه وفيها أقاويل مختلفة قال ابن عباس رضى الله عنهما كان الحباحب رجلا بخيلا وكان لا يوقد نارا بليل كراهية أن يلقاها من ينتفع بضوئها وكان إذا احتاج إلى إيقادها أوقدها وإذا أبصر مستضيئا بها أطفأها فضربت العرب المثل بها وذكروها عند كل شىء لا ينتفع به
وقال غيره هى النار التى توريها الخيل بسنابكها من الحجارة إذا وطئتها كما قال الله تعالى ( فالموريات قدحا )
وقال آخرون هى طائر أحمر الريش يظهر ما بين المغرب والعشاء فيخيل للناظر أن فى جناحه نارا
وقال الجاحظ هى كل نار تراها ولا حقيقة لها عند التماسها كقدح الخيل من حوافرها إذا وطئت المرو والصفا والجلاميد الكبار قال النابغة
( ويوقدن بالصفاح نار الحباحب ... ) (1/581)
وقال القطامى
( إلا إنما نيران قيس إذا شتوا ... لطارق ليل مثل نار الحباحب )
ويجوز أن تكون قد شبهت النار التى لا منفعة فيها ولا حاصل تحتها بنار الحباحب الذى اقتص ابن عباس رضى الله عنهما قصتها
ووصف بليغ انقضاض الكواكب فقال وإن الفلك ليفتر عن شهب ثواقب كنيران أبى حباحب من كلام طويل قال ابن المعتز
( وحين أخذنا ثأركم من عدوكم ... فعدتم لنا تورون نار الحباحب )
960 - ( نار البرق ) ما أحسن ما وصفها أعرابى فقال
( نار تجدد للعيدان نضرتها ... والنار تشعل أحيانا فتحترق )
يقول كل نار فى الدنيا تحرق العيدان وتستهلكها إلا نار البرق فإنها تجىء بالغيث فإذا غشيت الأرض أحدث الله للعيدان جدة وللأشجار أغصانا لم تكن
961 - ( نار المعدة ) حكى أبو العيناء قال اجتمعنا فى مجلس ابن الأعرابى ومعنا الجاحظ والجماز فأخذنا نتناشد الأشعار ونتذاكر الأخبار ووقع الجاحظ والجماز فى كياد وملاحاة فقال له الجماز هات كم تعرف فى كلام العرب من نار فقال على الخبير سقطت نار الحرب ونار الشر ونار أبى حباحب ونار الله الموقدة ونار المعدة ونار الطبع ونار الاصطلاء فقال الجماز تركت أبلغ النيران وأوسعها فى البلدان وأصلحها بلسان الجيران قال وما هى قال نار حرامك التى ( كلما القى فيها فوج سألهم خزنتها ألم (1/582)
يأتكم نذير ) قال الجاحظ قد قضيت بأن لها حجابا وخزانا ولكن الشأن فى نار حرأمك التى يقال لها ( هل امتلأت وتقول هل من مزيد )
962 - ( نار الحمى ) يقال إن النيران ثلاث نار تأكل وتشرب وهى نار الحمى تأكل اللحم وتشرب الدم ونار تأكل ولا تشرب وهى نار الدنيا قال الشاعر
( النار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله )
ونار لا تأكل ولا تشرب وهى نار جهنم
963 - ( نار الشوق ) هى مذكورة على الاستعارة وكذلك نار الوجد ونار اللوعة ونار الغرام وما أشبهها وقد أكثر الناس فيها نظما ونثرا قال أحمد بن أبى طاهر يهجو المبرد
( ويوم كنار الشوق فى قلب عاشق ... على أنه منها أحر وأوقد )
( ظللت به عند المبرد قائظا ... فما زلت من ألفاظه أتبرد )
وقال لى السيد أبو جعفر الموسوى يوما وأنا معه على المائدة وقد قدم لى لون فى غاية الحرارة كأنها طبخت بنار شوقى إليك
وقال البحترى فى نار الوجد
( أما وهواك حلفةذى اجتهاد ... يعد الغى فيك من الرشاد )
( لقد أذكى فراقك نار وجدى ... وألف بين عينى والسهاد )
وقال ابن الرومى
( أترى عليل الوجد يطفىء ناره ... إلا رضاب الكاعب الغيداء ) (1/583)
وقال أبو تمام فى نار اللوعة
( أجدر بجمرة لوعة إطفاؤها ... بالدمع أن تزداد طول وقود )
وقال القاضى أبو الحسن فى نار الغرام
( ولو كنت أدرى ما أقاسى من الهوى ... لما حكمت للبين فى وصلنا يد )
( فلا ينكر التخليد فى النار عاقل ... فإنى فى نار الغرام مخلد )
964 - ( نار الشر ) النار قد تستعار فى الشر كقولهم من قدح نار الفتنة صار طعامها وكما قال ابن الرومى من قصيدة يعزى بها ابن المسيب عن ابنة له
( تعزيت عمن أثمرتك حياته ... ووشك التسلى عن ثمارك أجدر )
( لأن احتيال المرء فى ابن وفى ابنه ... يرجى وكر الدهر شخصك أعسر )
( وكم من أخى حرية قد رايته ... بنار ذوى الإصهار يكتوى ويصهر )
( لعل الذى أعطاك ستر حياتها ... كساها من اللحد الذى هو أستر )
وكما قال أبو القاسم النقيب الموسوى أخو أبى الحسن
( ومولى علنى صرفا أجاجا ... بما أسقيه من عذب زلال )
( أرى فى وجهه ماء التصافى ... وفى أحشائه نار التقالى )
965 - ( نار الحياة ) هى الحرارة الغريزية ومنها الجماع فإنه مقتبس من نار الحياة فليكثر أو يقل قال الصنوبرى
( نار راح أو نار خد ونار ... لحشا الصب فى لظاها استعار )
( ما أبالى ما دام للضيف عندى ... كيف كان الثلوج والأمطار ) (1/584)
وقال كشاجم
( يا خليلى جنبانى الرحيقا ... إننى لست للرحيق مطيقا )
( قد تيقنت أنها تطرد الهم ... وتبدى إلى السرور طريقا )
( غير أنى وحدت للراح نارا ... تلهب الجسم والمزاج الرقيقا )
( فإذا ما جمعتها ومزاجى ... حرقتنى بنارها تحريقا ) وقال
( فلا تجمعن على الضنى ... بنار المزاج ونار المدام )
( فإن تكن الراح تنفى الهموم ... فربما عرضت للسقام ) وأنشد أبو بكر الخوارزمى
( أعد الورى للبرد جندا من الصلا ... ولا قيته من بينهم بجنود )
( ثلاث من النيران نار مدامة ... ونار صبابات ونار وقود )
966 - ( نار الشباب ) أنشدنى أبو الفتح البستى لنفسه
( على بها لا كنار الخليل ... فبرد المدام يزيد الفتورا )
( ولكن كنار الشباب التى ... تحيى النفوس وتحيى السرورا )
( إذا شرب المرء منها ثلاثا ... رأى النار من فوق خديه نورا )
967 - ( نار الكى ) يضرب بها المثل للأمر يقدر فيه الخير فيكون على الضد وذلك أن رجلا رأى دخانا فظنه من نار الطبيخ فتبعه فإذا هو من نار الكى كما قال ابن المعتز
( لا تتبعن كل دخان ترى ... فالنار قد توقد للكى ) (1/585)
968 - ( نار الذبالة ) يشبه بها الحاسد الذى يضحك لك وهو يحترق حسدا عليك كما قال ابن المعتز
( كم حاسد حنق على بلا ... جرم فلم يضررنى الحنق )
( متضاحك نحوى كما ضحكت ... نار الذبالة وهى تحترق )
ويشبه بها أيضا من ينفع غيره ويضر نفسه كما قال العباس بن الأحنف
( أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا )
( صرت كأنى ذبالة نصبت ... تضىء للناس وهى تحترق )
وقال
( وفتيلة المصباح تحرق نفسها ... وتضىء للسارى وأنت كذاكا )
ولأبى إسحاق الصابى من رسالة أنت ناصب نفسك فيهم نصب الذبال الذى يستضاء به وهو يحترق والند ينفع الناس وهو ينمحق
969 - ( قبسة العجلان ) يضرب بها المثل للمستعجل فى الأمر ويشبه بمن يدخل دارا ليقبس نارا فلا يمكث فيها إلا ريثما يقتبس ثم يخرج ومثلها عجالة الراكب قال الشاعر
( وزائر زار وما زارا ... كأنه مقتبس نارا )
970 - ( فراش النار ) قد تقدم ذكرها فى باب الذباب والبعوض وما جانسهما وفراش النار ذباب النار قال النبي ( كل ذباب فى النار إلا النحلة )
وحكى الجاحظ عن أشياخه أن ما خلق الله من السباع والبهائم والحشرات والهمج قبيح المنظر مؤلم أو حسن المنظر ملذ فما كان (1/586)
كالخيل والظباء والطواويس والتدارج فإنه يلذ فى الجنة ويلذ أولياء الله بالنظر إليه وما كان قبيحا مؤلم النظر جعله الله عذابا إلى أعدائه فى النار فإذا جاء فى الأثر أن الذباب وغيره فى النار فإنما يراد به هذا المعنى وذهب بعضهم إلى أنها تكون فى النار وتلذها كما أن خزنة النار والذين يتولون من الكفار التعذيب يلذون موضعهم من النار وذهب بعضهم إلى أن الله تعالى يطبعهم على استلذاذ النار والعيش بها كما طبع ديدان الخل والثلج على أماكنها
971 - ( كلاب النار ) قد تقدم الكلام فى كلاب النار وهم الخوارج والنوائح على ما نطقت به الآثار وقد يقال للأنذال الأشرار إخوان الشر ومن جانسهم أيضا كلاب النار
972 - ( سرادق النار ) هو من الاستعارات فى القرآن التى لا أفصح منها قال الله تعالى ( إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها )
وكان أبو الخطاب الكاتب يوما فى سرادق فحميت عليه الشمس ومنعته القيلولة فقال
( من قائل لعبيد الله عن وجل ... فى صدره من بقايا شوقه مذق )
( هل أنت منقذ نفس من حشاشتها ... بعض المنية مشدود بها الرمق )
( إذ نحن فى النار صرعى قد أحاط بنا ... سرادق النار إلا أنها حرق )
973 - ( سعد النار ) كان بالمدينة رجل يقال له سعد النار واتهم سعد بن مصعب بن الزبير بامرأة وكانت تحته ابنة حمزة بن عبد الله بن الزبير فقال فيه الأحوص (1/587)
( وليس بسعد النار من تذكرونه ... ولكن سعد النار سعد بن مصعب )
( ألم تر أن القوم ليلة جمعهم ... بغوة فألفوه لدى شر مركب )
( وما يبتغى بالشر لادر دره ... وفى بيته مثل الغزال المربرب )
فدعا بالأحوص وأمر به فأوثق وأراد ضربه فقال الأحوص دعنى ولا والله لا أهجو زبيريا قط ثم قال له والله إنى ما لمتك على مزحك ولكنى أنكرت قولك
( وفى بيته مثل الغزال المربرب ... )
974 - ( نافخ النار ) من أمثال العرب ما بها نافخ ضرمة كما يقال ما بها ديار والضرمة ما أضرمت فيه النار كأئنا ما كان وفى حديث على رضى الله عنه لود معاوية أنه ما بقى من بنى هاشم نافخ ضرمة إلا طعن فى نيطه والنيط نياط القلب وهو علاقته التى يتعلق بها فإذا طعن فى ذلك المكان فقد مات (1/588)
الباب الخمسون فى الشجر والنبات
نخلتا حلوان
نخلة مريم
سروة بست
شجر الأترج
شجر الخلاف
سدرة المنتهى
نسيم الروض
برد الورد
خدود الورد
عيون النرجس
دمع الكرم
شق الأيلمة
طرف الثمام
نقيع الحنظل
فقع قرقر
خرط القتاد
حسك السعدان
عصب السلمة
قلع الصمغة
الاستشهاد
975 - ( نخلتا حلوان ) كانتا بعقبة حلوان من غرس الأكاسرة فضرب بهما المثل فى طول الصحبة وقدم المجاورة وقد أكثر الشعراء من ذكرهما فمنهم مطيع بن إياس حيث قال
( أسعدانى يا نخلتى حلوان ... وابكيالى من ريب هذا الزمان )
( واعلما إن علمتما أن تحسا ... سوف يلقاكما فتفترقان )
وقال حماد عجرد
( جعل الله سدرتى قصر شيرين ... فداء لنخلتى حلوان )
( جئت مستسعدا فما أسعدانى ... ومطيع بكت له النخلتان )
وأنشد الصولى لحماد بن إسحاق بن إبراهيم الموصلى
( أيها العاذلان لا تعذلانى ... ودعانى من البكاء دعانى )
( وابكبا لى فإننى مستحق ... منكما للبكاء أن تسعدانى ) (1/589)
( وأنا منكما بذلك أولى ... من مطيع بنخلتى حلوان )
( فهما يجهلان ما كان يشكو ... من جواه وأنتما تعلمان )
ولما صار المهدى فى شخوصه إلى الرى بعقبة حلوان استطاب الموضع فنزل به ونشط للشرب فأنشد بيتى مطيع فى نخلتى حلوان فتطير منهما وقال لئن رجعت لأفرقن بينهما فبلغ قوله المنصور فكتب إليه يا بنى أقسمت عليك ألا تكون ذلك النحس الذى يلقاهما ويقال إن حسنة جاريته هى التى قالت له هذا الكلام فأمسك لهذا عن قطعهما
ويروى أن الرشيد فى مسيرة الأول إلى الرى احتاج إلى الجمار لحرارة ثارت به فأخذ جمار إحدى النخلتين لدوائه فجفت ولم تلبث صاحبتها أن جفت أيضا وبطلتا جميعا
976 - ( نخلة مريم ) من أمثالهم أعظم بركة من نخلة مريم وقصتها معروفة قال الشاعر
( ألم تر أن الله قال لمريم ... وهزى إليك الجذع يساقط الرطب )
( ولو شاء أن تجنيه من غير هزه ... جنته ولكن كل رزق له سبب )
977 - ( سروة بست ) كانت بقرية كشمير من رستاق بست نيسابور سروة من السرو الضخم من غرس يستاسف لم ير مثلها طولا وعرضا واستواء ونضارة وكانت من مفاخر خراسان إذ لم يكن لها شبيه فى الحسن فى الآفاق وكان المثل يضرب بها فى الحسن والأعجوبة وكانت ظلالها فرسخا فجرى ذكرها غير مرة فى مجلس المتوكل فأحب أن يراها وحين لم يقدر له النهوض إلى خراسان كتب إلى طاهر بن عبد الله يأمره بقطعها (1/590)
وبعث أقطاع جذعها وأغصانها كلها فى اللبود وحملها على الجمال إلى الحضرة لينصبها النجارون بين يديه حتى لا يفقد منها أوراقها فأشار عليه جلساؤه بالإضراب عنها وخوفوه عاقبة أمرها وأخبروه بما فى قطعها من الطيرة فكأنهم أغروه بها ولم ينفع السروة شفاعة الشافعين ولم يجد طاهر بدا من امتثال الأمر فيها وانفذ النجارين لقطعها والجمال لحملها
ويحكى أن أهل الرستاق ضمنوا لطاهر مالا جزيلا على إعفائها من القطع فأبى وقال لو ضمنتم مكان كل درهم دينارا لم أقدر على مخالفة أمر أمير المؤمنين ولما قطعت عظمت المصيبة بها على أهل الناحية وارتفعت ضجاتهم بالبكاء عليها وقالت شعراؤهم فى رثائها ثم عبئت فى اللبود وحملت على ثلاثمائة جمل إلى الحضرة فتفاءل بها على بن الجهم على المتوكل فقال
( فأل سرى بسبيلة المتوكل ... فالسرو يسرى والمنية تنزل )
( ما سربلت إلا لأن إمامنا ... بالسيف من أولاده متسربل )
فجرى الأمر على ما تفاءل به وقتل المتوكل قبل وصول السروة إلى حضرته وتذاكر الناس البيتين بعد قتله
978 - ( شجرة الأترج ) تضرب مثلا لمن طاب أصله وفرعه وكل شىء منه وأول من شبه به الممدوح ابن الرومى فقال وأحسن
( كل الخلال التى فيكم محاسنكم ... تشابهت منكم الأخلاق والخلق )
( كأنكم شجر الأترج طاب معا ... حملا ونورا وطاب الطعم والورق )
وقال بديع الزمان الهمذانى
( فإن يكن شجر الأترج طاب معا ... حملا ونورا وطاب العود والورق )
( فإن لون عسيب الكلب خس معا ... قدا وقدرا وخس اللحم والمرق ) (1/591)
979 - ( شجر الخلاف ) يشبه ما يروق منظره ولا يحصل ثمره قال ابن الرومى
( فغدا كالخلاف يورق للعين ... ويأبى الإثمار كل الإباء )
وحله من قال فنظرك فى الخلاف كشجر الخلاف يزهر للعين ولا يثمر فى اليدين وقصد ابن لنكك هذا المعنى فنقله إلى السرور حيث قال
( فى شجر السرو منهم مثل ... له رواء وماله ثمر )
980 - ( سدرة المنتهى ) قال الله جل ذكره ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) فجعلها النهاية فى محل القرب والكرامة
وتمثل بها الصاحب بحضرة عضد الدولة فقال حضرة هى الغاية القصوى من المجد وسدرة المنتهى بين أهل الأرض
981 - ( نسيم الروض ) من أحسن ما قيل فيه على كثرته قول البحترى
( يذكرنيك والذكرى عناء ... مشابه فيك طيبة الشكول )
( نسيم الروض من ريح شمال ... وصوب المزن من راح شمول )
وهو القائل نثرا أيضا وحكاه الصاحب عنه فقال أنا أستحسن قول البحترى الشكر نسيم النعم
982 - ( برد الورد ) يقال للبرد المستطاب برد الورد وهو برد الربيع كما يقال للبرد الكريه برد العجوز وشتان ما بينهما ويقال إن برد الربيع مورق وبرد الخريف موبق (1/592)
983 - ( خدود الورد ) لما شبهت الخدود المستحسنة بالورد استعيرت له الخدود كما قال ابن الرومى
( خجلت غصون الورد من تقبيلها ... خجلا توردها عليه شاهد )
ومن أحسن ما قيل فى ذلك قول محمد بن موسى الحدادى البلخى
( ما بال فرقة شملنا لا تجمع ... وإلى متى يصل الزمان ويقطع )
( كم خلفت تلك الركاب وراءها ... من منزل فيه لنا مستمتع )
( فالورد يلطم خده والجلنار ... عيون نرجسه علينا تدمع )
984 - ( عيون النرجس ) تشبيه العيون بالنرجس معروف مشهور واستعارة العيون له كذلك قال ابن المعتز
( كأن عيون النرجس الغض حولنا ... مداهن در حشوهن عقيق )
وقال الصنوبرى
( أرأيت أحسن من عيون النرجس ... أم من تلاحظهن وسط المجلس )
( در تشقق عن يواقيت على ... قضب الزبرجد فوق بسط السندس )
985 - ( دمع الكرم ) يشبه به كل شىء دقيق لطيف ومن أحسن ما قيل فى ذلك قول ابن المعتز
( بكيتك حتى قيل قد ألف البكا ... ونحتك حتى قيل إلف حنين )
( ورقت دموع العين حتى كأنها ... دموع كروم لا دموع جفون ) فأخذه الصابى وزاده حيث يقول
( وكأن ما فى العين من كأسى جرى ... وكأن ما فى الكأس من أجفانى ) (1/593)
986 - ( شق الأبلمة ) من أمثال العرب قولهم المال بينى وبينك شق الأبلمة والأبلمة بالضم والكسر لأن الأبلمة إذا شققتها طولا انشقت نصفين سواء من أولها إلى آخرها وعن ابن الأعرابى أنها بقلة تخرج لها قرون كالباقلاء وليس لها أرومة وليس شىء أبلغ فى التنصيف منها ولذلك قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه للأنصار رضى الله عنهم يوم السقيفة الأمر بيننا وبينكم شق الأبلمة فنحن الخلفاء وأنتم الوزراء وكان ذلك جوابا عن قولهم منا أمير ومنكم أمير
987 - ( طرف الثمام ) يضرب مثلا لتسهيل الحاجة وقرب تناولها فيقال على طرف الثمام لأن الثمام شجر لا يطول فيشق على متناوله
988 - ( نقيع الحنظل ) يضرب مثلا لما يوصف بالمرارة والكراهة لأن الحنظل أمر شىء وأكرهه قال عنترة
( والخيل ساهمة الوجوه كأنما ... سقيت سوابقها نقيع الحنظل )
وكان سفيان بن عيينة يتمثل فى ذم الدنيا بهذين البيتين
( دنيا تساق لها العباد ذميمة ... شيبت بأكره من نقيع الحنظل )
( وبنات دهر لا تزال صروفه ... فيها وقائع مثل وقع الجندل )
989 - ( فقع قرقر ) يضرب بها المثل للذليل الضعيف الذى لا أمتناع به على من يضيمه والفقع ثخين الكمأة وهو أبيض ضخم سريع الفساد قليل الصبر على الحياة يقال أذل من فقع بقاع قرقر قال النابغة فى النعمان
( حدثونى بنى السقيفة ما يمنع ... فقعا بقرقر أن يزولا ) (1/594)
وقال آخر
( ولا تحسبنى فقع قاع بقرقر ... )
990 - ( خرط القتاد ) من أمثال العرب فى الأمر دونه مانع قولهم من دون ذلك خرط القتاد لأن شوك القتاد مانع من خرط ورقه وشوك القتاد مضروب به المثل فى الخشونة والشدة كما قال أبو تمام
( نثا خبر كأن القلب أمسى ... يجر به على شوك القتاد )
وخطب على رضى الله عنه يوما وحث على الجهاد فقام إليه رجل ومعه أخوه فقال يا أمير المؤمنين أنا وأخى كما قال الله تعالى ( رب إنى لا أملك إلا نفسى وأخى ) فمرنا بأمرك فو الله لننتهين إليه ولو حال بيننا وبينه شوك القتاد فدعا لهما بخير
وفى خرط القتاد يقول كعب بن جعيل شاعر معاوية
( أرى الشام تكره أهل العراق ... وأهل العراق لهم كارهينا )
( وكل لصاحبه مبغض ... يرى كل ما كان من ذاك دينا )
( وقالوا على إمام لنا ... فقلنا رضينا ابن هند رضينا )
( ومن دون ذلك خرط القتاد ... وضرب وطعن يفيض الشئونا )
991 - ( حسك السعدان ) يضرب به المثل فى الخشونة كما قال أبو بكر الصديق رضى الله عنه فى كلام له عند موته والله لتتخذن نضائد الديباج وشقق الحرير ولتألمن النوم على الصوف الأدربى كما يألم (1/595)
أحدكم النوم على شوك السعدان
992 - ( عصب السلمة ) السلمة شجرة إذا أرادوا قطعها عصبوا أغصانها عصبا شديدا حتى يصلوا إلى أصلها فيقطعوه
ومن أمثال العرب فى الإلحاح على سؤال البخيل وإن كرهه عصبه عصب السلمة أى فعل به كما يفعل بالسلمة فى الإلحاح والتضييق عليها
وقد رووا هذا المثل عن الحجاج فى خطبته لأهل العراق فيما كان يتوعدهم به من الشدة إلا أنه لم يرد استخراج المال وإنما أخذهم بالتشديد عليهم فى إلزامهم الطاعة
993 - ( قلع الصمغة ) يضرب مثلا فى الاستئصال لأن الصمغ إذا قلع انقلع كله ولم يبق له أثر وكذلك يقال تركتهم على مثل الصمغة إذا لم يبق لهم شىء إلا ذهب
ويروى أن الحجاج قال يوما لأنس بن مالك رضى الله عنه والله لأقلعنك قلع الصمغة ولا عصبنك عصب السلمة
ومثله قول العامة كسره كسر الجوز وقشره قشر اللوز وأكله أكل الموز (1/596)
الباب الحادى والخمسون فى اللباس والثياب
ديباجة الوجه
برد الشباب
برودة تزيد
رداء العز
قميص الشمس
سراويل قيس
طيلسان ابن حرب
قطيفة المساكين
كساء آل محمد
شعار الصالحين
حلة الأمن
خفا حنين
صف النعال
ريح الجورب
الاستشهاد
994 - ( ديباجة الوجه ) الديباجة تستعار للوجه فى الوصف بالحسن وفى الوصف بوفور الحياء والماء فأما عن الوصف بالحسن فكما قال أبو صخر الهذلى ووصف امرأة فى الغزل والنسيب بما يمدح به سادة الرجال
( أبى القلب إلا حبها عامرية ... لها كنية عمرو وليس لها عمرو )
( ووجه له ديباجة قرشية ... بها تدفع البلوى ويستنزل النصر )
( تكاد يدى تندى إذا ما لمستها ... وينبت فى أطرافها الورق الخضر ) وكما قال الكميت
( أغر كالبدر يستسقى الغمام به ... كأن ديباجتى خديه من ذهب )
وكما قال البحترى
( وأخضر موشى البرود وقد بدا ... منهن ديباج الخدود المذهب )
وكما قال ابن المعتز
( ومالى أرى ديباج وجهك أصفرا ... ونرجستى عينيك ذابلتين ) (1/597)
وأما عند الوصف بالحياء والماء فكما قال أبو تمام
( وطول مقام المرء فى الحى مخلق ... لديباجتيه فاغترب تتجدد )
وكما قال أبو الفتح البستى
( منزلتى يحفظها منزلى ... وباحتى تحفظ ديباجتى )
995 - ( برد الشباب ) قد أكثروا من هذه الاستعارة ومن أحسن ما سمعت فيها ما أنشدنيه الأمير السيد أدام الله تأييده لابن الرومى فى عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
( أيا برد الشباب وكنت عندى ... من الحسنات والقسم الرغاب )
( لبستك برهة لبس ابتذال ... على علمى بفضلك فى الشباب )
( ولو ملكت صونك فاعلمنه ... لصنتك فى الجديد من العياب )
( ولم ألبسك إلا يوم فخر ... ويوم زيارة الملك المهاب )
وما أحسن ما قال ابن طباطبا
( يا طيب ليل خلوت فيه بمن ... أقصر عن وصف كنه وجدى به )
( ليل كبرد الشباب حالكه ... نعمت فى ظله وفى طينه )
وفى المثل أحسن من برد الشباب وأطيب من برد الشباب
995 - ( برود تزيد ) يضرب بها المثل كما يضرب ببرود اليمن والعرب تنسب البرود الفاخرة إلى تزيد وتزعم أنها قبيلة للجن كما قال أبو تمام يصف شعره
( كشقيقة البرد المسهم وشيه ... فى أرض مهرة أو بلاد تزيد ) (1/598)
وقال الصاحب
( تزيد على أبراد آل تزيد ... )
996 - ( رداء العز ) قد أحسن البحترى فى قوله وأجراه مجرى المثل السائر
( أصاب الدهر دولة آل وهب ... ونال الليل منها والنهار )
( أعارهم رداء العز حتى ... تقاضاهم فردوا ما استعاروا )
وللشعراء استعارات فى الرداء فى نهاية الحسن كقولهم رداء الشمس ورداء الشباب ورداء الفتوة ورداء النور ورداء الجمال ورداء اللهو وغيرها قال طرفة
( ووجه كأن الشمس ألقت رداءها ... عليه نقى اللون لم يتخدد )
ولما أنشد النمرى الرشيد قصيدته التى أولها
( ما تنقضى حسرة منى ولا جزع ... إذا ذكرت شبابا ليس يرتجع )
( ما كنت أوفى شبابى كنه عزته ... حتى انقضى فإذا الدنيا له تبع )
فبكى الرشيد وقال ما خير دنيا لا يحظى فيها برداء الشباب وقال البحترى
( خلياه وحدة اللهو مادام ... رداء الشباب غضا جديدا )
( إن أيامه من البيض بيض ... ما رأين المفارق السود سودا )
وقال أيضا
( رقة النور واهتزاز القضيب ... خبرا منك عن أغر نجيب )
( فى رداء من الفتوة فضفاض ... وعهد من التصابى قريب )
وقال ابن المعتز
( خليلى اتركا قول النصيح ... وقوما فامزجا راحا بريح ) (1/599)
( فقد نشر الصباح رداء نور ... وهبت للندى أنفاس ريح )
وقال نصر الخبزأرزى
( نسيم عبير فى غلالة ماء ... وتمثال نور فى أديم هواء )
( تسربل سربالا من الحسن وارتدى ... رداءى جمال طرزا ببهاء )
وقال الصنوبرى
( ألقت رداء اللهو عن عاتقى ... خمس وخمسون مضت واثنتان )
ولما قالت امرأة خالد بن صفوان له إنك لجميل قال كيف وما على برنس الجمال ولا عموده ولا رداؤه ولكن قولى إنك لمليح يعنى ببرنس الجمال الشعر وبعموده القد وبردائه البياض
998 - ( قميص الشمس ) قد تصرفوا فى استعارة القميص كما تصرفوا فى استعارة الرداء ولم أسمع فى استعارة الشمس للقميص أحسن من قول الحسن ابن وهب نثرا شربت البارحة على وجه السماء وعقد الثريا ونطاق الجوزاء فلما انتبه الصبح نمت فلم استيقظ إلا بعد أن لبست قميص الشمس ولم أسمع فى قميص الليل كقول ابن المعتز
( وجاءنى فى قميص الليل مستترا ... يستعجل الخطو من خوف ومن حذر )
وقوله
( فلو ترانا فى قميص الدجى ... حسبتنا فى جسد واحد )
وقوله
( لبسنا إلى الخمار والنجم غائر ... غلالة ليل طرزت بصباح )
وأما قول ابن عروس
( خفض عليك فلو كساك قميصه ... تموز كنت فتى وحقك باردا ) (1/600)
فهو كما تراه فى حسن السبك وجوده الاستعارة
وأنا استملح قول الصنوبرى
( نثرت على تلك الثرى حلل ... مما يحوك الرعد والبرق )
( قمصان خيرى ملونة ... وغلائل من سندس زرق )
999 - ( سراويل قيس ) يضرب مثلا لثوب الرجل الضخم الطويل وكان قيصر بعث إلى معاوية رضى الله عنه بعلج من علوج الروم طويل جسيم معجب بكمال خلقته وامتداد قامته فعلم معاوية أنه ليس لمطاولته ومقاومته إلا قيس بن سعد بن عبادة فإنه كان أجسم الناس وأطولهم فقال له يوما وعنده العلج إذا أتيت رحلك فابعث إلى بسراويلك فعلم قيس مراده فنزعها ورمى بها إلى العلج والناس ينظرون فلبسها العلج فطالت إلى صدره فعجب الناس فأطرق الرومى مغلوبا وليم قيس على البذل بحضرة معاوية فأنشد يقول
( أردت لكيما يعلم الناس أنها ... سراويل قيس والوفود شهود )
( وألا يقولوا غاب قيس وهذه ... سراويل عادى نمته ثمود )
( وإنى من القوم اليمانين سيد ... وما الناس إلا سيد ومسود )
( وبز جميع الناس أصلى ومنصبى ... وجسم به أعلو الرجال مديد )
1000 - ( طيلسان ابن حرب ) كان محمد بن حرب أهدى إلى الحمدونى طيلسانا خلقا وكان الحمدونى يحفظ قول أبى حمران السلمى فى طيلسانه وهو
( يا طيلسان أبى حمران قد برمت ... بك الحياة فما تلتذ بالعمر ) (1/601)
( فى كل يوم له رفا يجدده ... هيهات ينفع تجديد مع الكبر )
( إذا ارتداه لعيد أو لجمعته ... تنكب الناس لا يبلى من النظر )
فاحتذى حذوه وانثالت عليه المعانى حتى قال فى وصف الطيلسان قرابة مائتى مقطوعة ولا تخلو واحدة منها من معنى بديع وصار الطيلسان عرضه لشعره ومثلا فى البلى والخلوقة والانخراط فى سلك حمار طياب وشاة سعيد وسرطة وهب وأير أبى حكيمة المتقدم ذكر كل منها فمن نوادر ما قال فيه مقتبسا من القرآن
( يا بن حرب كسوتنى طيلسانا ... أمرضته الأوجاع فهو سقيم )
( وإذا ما رفوته قال سبحانك ... محيى العظام وهى رميم )
وقوله ( طيلسان لو كان لفظا إذا ما ... شك إنسان أنه بهتان )
( فهو كالطور إذ تجلى له الله ... فدكت قواه والأركان )
( كم رفوناه إذ تمزق حتى ... بقى الرفو وانقضى الطيلسان )
وقوله
( فيما كسانيه ابن حرب معتبر ... فانظر إليه إنه إحدى الكبر )
( قد كان أبيض ثم ما زلنا به ... نرفوه حتى أسود من صدأ الإبر )
وقوله
( يا بن حرب أطلت فقرى برفوى ... طيلسانا قد كنت عنه غنيا )
( فهو فى الرفو آل فرعون فى العرض ... على النار بكرة وعشيا )
ومما اقتبسه من قول النبى قوله
( وطيلسان إن تأملته ... شققته بالطول والعرض )
( لو أنه بعض بنى آدم ... كان أسير الله فى الأرض ) (1/602)
لأن فى الخبر إن العبد إذا بلغ تسعين سنة كتبت له الحسنات وكفرت عنه السيئات وسمى أسير الله فى الأرض
ومن ملح مضمنات الحمدونى قوله
( كسانى ابن حرب طيلسانا كأنه ... فتى عاشق بال من الوجد كالشن )
( يغنى لإبراهيم حين لبسته ... ذهبت من الدنيا وما ذهبت منى )
وقوله
( يا طيلسانا ابن حرب قد هممت بما ... يودى بجسمى كما أودى بك الزمن )
( فقد ترانى لدى الرفاء مرتبطا ... كأننى فى يديه الدهر مرتهن )
( غنيت حين رآنى الناس ألزمه ... كأنما لى فى حانوته وطن )
( من كان يسأل عنا اين منزلنا ... فالأقحوانة منا منزل قمن )
وقوله أيضا
( قل لابن حرب طيلسانك قد ... أوهى قواى بكثرة الغرم )
( متبين فيه لمبصره ... آثار رفو أوائل الأمم )
( فكأنه الخمر التى وصفت ... فى يا شقيق الروح من حكم )
( وإذا رممناه وقيل لنا ... قد صح قوله له البلى انهدم )
( مثل السقيم برا فراجعه ... نكس وأسلمه إلى السقم )
( أنشدت حين طغى فأعجزنى ... ومن العناء رياضة الهرم )
ومن بدائع معانيه قوله
( يا بن حرب كسوتنى طيلسانا ... مل من صحبة الزمان وصدا )
( طال ترداده إل الرفو حتى ... لو بعثناه وحده لتهدى )
والشك فى أن ابن الرومى تعقبه فقال على لسانه ما لا يقصر عن إبداعه كقوله
( يا بن حرب كسوتنى طيلسانا ... يزرع الرفو فيه وهو سباخ ) (1/603)
( نسر دهر كنسر لقمان والنسران ... إن قستها إليه فراخ )
( مات رفاؤه ومات بنوه ... وبد الشيب فى بنيهم وشاخوا )
( تستطير الشقوق طولا وعرضا ... فيه حتى كأنهن رخاخ )
وضرب ابن سكرة المثل بطيلسان ابن حرب فقال يهجو أبا الطيب المتنبى من قصيدة
( هاجت بلابل قلبى ... وقام شعرى يلبى )
( لما تبدى لعينى ... فى زيه المتنبى )
( طوبى لمالك لو أنه ... أعين بلب )
( ياليت خصبك عندى ... وحل عندك جدبى )
( حتى أراك مردى ... بطيلسان ابن حرب )
1001 - ( كساء آل محمد ) الذى يضافون إليه فيقال آل الكساء كما قال ديك الجن فى قوله
( والخمسة الغر أصحاب الكساء معا ... خير البرية من عجم ومن عرب )
وكما قال أبو عثمان الخالدى
( أعاذل إن كساء التقى ... كسانيه حبى لأهل الكساء )
ومن ظريف التمثيل به قول أبى على البصير لمن وعده كساء فأخلف
( غزل الكساء ترى من النساج من ... وبأرض عمان تطرز أم عدن )
( ولأى وقت بعد ريح قرة ... هبت وأمطار ألحت يختزن )
( هبه الكساء كساء آل محمد ... هل مطلنا هذا الطويل به حسن )
ومن قصة هذا الكساء ما روت الرواة من أن وفدا بنجران من النصارى قدموا على النبي فكان ما جرى بينهم وبينه أن قال يا محمد لم تعيب عيسى وتسميه عبدا فقال أجل عبد الله (1/604)
ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم قالوا فأرنا مثله يحيى الموتى ويبرىء الأكمه والأبرص ويخلق من الطين كهيئة الطير وبايعنا على أنه ابن الله ونحن نبايعك على أنك رسول الله فقال رسول الله معاذ الله أن يكون لله ولد أو شريك فما زالوا يحاجونه ويلاحونه حتى أنزل الله ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) فعرض عليهم المباهلة وهى الملاعنة فتواعدوا لها وجمع إليه عليا وفاطمة والحسن والحسين رضى الله عنهم ثم قال ( إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا )
ويروى أن جبريل عليه السلام انضم إليهم واندس فيهم تقربا إلى الله تعالى بمداخلتهم فعدل النصارى عن المباهلة وقال بعضهم لبعض إن هذا الرجل لا يخلو من أحد أمرين إما أن يكون نبيا أو ملكا فإن كان نبيا فإن الله لا يخالفه فينا وإن كان ملكا فليس إلا استخفافا بنا والرأى أن نصالحه ونعرض عن مباهلته فجنحوا إلى مسالمته على ألا يغزوهم النبي ولا يردهم عن دينهم وعلى أن يؤدوا إليه فى كل عام ألف حلة نجرانية وثلاثين درعا عادية وصالحهم النبي وقال ( لو باهلونى لما حال الحول على واحد منهم ولأهلك الله الكاذبين ) فمن ذلك الوقت سمى الخمسة أصحاب الكساء وسادسهم جبريل عليه السلام وفيهم قيل أفضل من تحت الفلك خمسة رهط وملك
1002 - ( قطيفة المساكين ) هى الشمس يسميها فقراء العرب فى (1/605)
الشتاء قطيفة المساكين وفيها يقول قائلهم
( يا شمس يا قطيفة المساكين ... قربك الله كما تعودين )
1003 - ( شعار الصالحين ) فى كتاب الكنى لمؤلف هذا الكتاب لبس فلان شعار الصالحين إذا افتقر لأن فى الخبر الفقر شعار الصالحين
1004 - ( حلة الأمن ) قد استعار الناثرون للأمن حلة ولم أسمع بمن ضمن ذلك من الشعراء إلا ابن الرومى حيث قال
( أتنسين أياما لنا ولياليا ... محاسنها كالروض فى صبحة الدجن )
( عهود مضت محمودة فكأنها ... معانقة اللذات فى حلة الأمن )
1005 - ( خفا حنين ) من أمثال العرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة رجع فلان بخفى حنين وكان حنين رجلا إسكافا من أهل الحيرة فساومه أعرابى بخفين فاختلفا حتى أغضبه الأعرابى وأراد حنين غيظ الأعرابى فلما ارتحل أخذ أحد خفيه فطرحه ثم ألقى الآخر فى مكان أخر فلما مر الأعرابى بأحدهما قال ما أشبه هذا الخف بخفى حنين ولو معه الآخر لأخذته ومضى فلما انتهى إلى الآخر ندم على تركه الأول فأناخ راحلته ورجع فى طلب الأول وقد كان حنين كمن له فعمد إلى راحلته وما عليها فذهب بها وأقبل الأعرابى وليس معه إلا خفان فقال له قومه ماذا جئت به من سفرك قال جئتكم بخفى حنين فذهبت كلمته مثلا ويقال جاء فلان بخفى حنين وخصيى دكين (1/606)
وسخنة عين ودكين اسم خادم خصى
وأنشدنى أبو الفتح البستى لنفسه
( أكتاب بست كم تناجز كم على ... وزارة بست وهى سخنة عين )
( وخفا حنين فوق ما تطلبونه ... فكم بينكم فى ذاك حرب حنين )
وقد أحسن فى الجمع بين حرب حنين وخفى حنين
1006 - ( صف النعال ) يضرب مثلا لمكان الذليل فيقال هو فى صف النعال لافى صف الرجال كما يقال هو فى مزجر الكلب ويقال أذل من النعل
1007 - ( ريح الجورب ) يضرب مثلا فى النتن قال الشاعر
( غزا ابن عمير غزوة تركت له ... نتنا كريح الجورب المتمزق )
وقال آخر
( أثنى على بماعلمت فإننى ... أثنى عليك بمثل ريح الجورب ) (1/607)
الباب الثانى والخمسون فى الطعام وما يتصل به
عجالة الراكب
لهنة الضيف
طعام يد
ثريدة غسان
جفان ابن جدعان
حلية الخوان
كلب الخبز
قاضى الحلاوة
فالوذج السوق
حشو اللوزينج
مخ الأطعمة
أكلة خيير
شهوة المريض
قدر الرقاشى
غداء ابن أبى خالد
مواعيد الكمون
دعوة السنة
الاستشهاد
1008 - ( عجالة الراكب ) هى ما يتعجله الرجل من الطعام أو ما يتزوده الراكب لا يتعبه كالخبز والسويق وما أشبههما وفى أمثال العرب يقنع بعجالة الراكب فى الرضا بيسير الحاجة إذا أعوز جليلها
1009 - ( لهنه الضيف ) هى ما يقدم إلى الضيف ليتعلل به إلى أن يدرك الطعام فيقولون لهنوا ضيفكم كأنه مثل فى الاقتصار على اليسير إلى أن يلحقه الأكثر ومن أمثال العامة فى هذا المعنى كسيرة بملح إلى أن يدرك الشواء قال أبو نواس
( نكنا رسول عنان ... والحزم ما قد فعلنا )
( فكان خبزا بملح ... قبل الطعام أكلنا )
1010 - ( طعام يد ) لما كف بصر حسان بن ثابت رضى الله عنه كان إذا دعى إلى طعام قال طعام يد أو طعام يدين فإذا قيل طعام يد مد إليه اليد فأكل منه وإذا قيل طعام اليدين أمسك وتعبيره أن (1/608)
الطعام إذا كان حيسا أو ثريدا أو حريرة مما يكتفى فى تناوله بيد واحدة فهو طعام يد وإذا كان شواء أو غيره مما يحتاج فيه إلى استعمال اليدين فهو طعام يدين
1011 - ( جفان ابن جدعان ) كان عبد الله بن جدعان من مطعمى قريش كهاشم بن عبد مناف وهو أول من عمل الفالوذج للأضياف وفيه يقول أمية بن أبى الصلت
( له داع بمكة مشمعل ... وآخر فوق دارته ينادى )
( إلى ردح من الشيزى ملاء ... لباب البر يلبك بالشهاد )
وكانت له جفان يأكل منها القائم والراكب يحكى أنه وقع فى إحداها صبى فغرق فجرى المثل بها فى العظم وجفان سليمان عليه السلام أولى بأن يتمثل بها لقول الله عز و جل فى وصفها ( وجفان كالجواب وقدور راسيات )
1012 - ( حلية الخوان ) قال أبو على السلامى فى كتابه كتاب نتف الظرف حاكيا عن بعض المشايخ أنه كان يقول لكل شىء حلية وحلية الخوان السكرجات والبقول
1013 - ( كلب الخبز ) حكى السلامى قال كان بعض إخواننا لا يدخل بيته الجبن ويقول هو كلب الخبز يؤكل بغيره
1014 - ( فالوذج السوق ) يضرب مثلا للحسن المنظر السيء المخبر كما قال الشاعر (1/609)
( أعزز على بأخلاق وسمت بها ... عند البرية يا فالوذج السوق )
وقال ابن حجاج
( كم من صديق يروق عينى ... فى قالب الحسن واللباقة )
( ليس له فى الجميل رأى ... ولا بفعل الجميل طاقة )
( كأنه فى القميص يمشى ... فالوذج السوق فى رقاقة )
1015 - ( قاضى الحلاوة ) كان أبو الحارث جميز يقول اللوزينج قاضى الحلاوة والخبيص خاتمه الخبز
1016 - ( حشو اللوزينج ) يضرب مثلا للشىء يكون حشوه أجود من قشره وأفضل وذلك أن حشو اللوزينج خير منه فيشبه به الحشو فى الكلام يستغنى عنه وهو أحسن منه وقيل هو نادر جدا فى كلام العرب ومن أشهر ذلك قول عوف بن محلم
( إن الثمانين وبلغتها ... قد أحوجت سمعى إلى ترجمان )
فقوله وبلغتها حشو مستغنى عنه ومعنى الكلام يتم بدونه ولكنه أحسن من جملته
سمعت أبا الفرج يعقوب بن إبراهيم يقول سمعت أبا سعد رجاء يقول دخلت يوما على أبى الفضل بن العميد فقال لى امض إلى أبى الحسين بن سعد فقل له هل تعرف لقول عوف
( إن الثمانين وبلغتها ... )
ثانيا فى كون الحشو أحسن من المحشو قال فسرت إليه وبلغته الرسالة فقال سألنى عنه محمد بن على بن الفرات فسألت عنه أبا عمر غلام (1/610)
ثعلب فقال سألت عنه ثعلبا فلم يأت بشىء ثم بلغنى أن عبيد الله بن عبد الله سأل المبرد عنه فأنشده قول عدى بن زيد لابنه زيد بن عدى فى حبس النعمان
( فلو كنت الأسير ولا تكنه ... إذا علمت معد ما أقول )
قوله ولا تكنه حشو مستغنى عنه ولكنه فى الحسن نظير وبلغتها
قال مؤلف الكتاب قد أفتتحنا كتابا صغير الجرم لطيف الحجم فى نظائر هذين الحشوين وترجمته ب حشو اللوزينج فمما أودعته إياه أن المأمون قال يوما ليحيى بن أكثم هل تغديت اليوم فقال لا وأيد الله أمير المؤمنين فقال المأمون ما أظرف هذه الواو وأحسن موقعها وذلك أنه لو قال لا أيد الله أمير المؤمنين لكان أشبه بالدعاء عليه لا له ولكنه استظهر بالواو وجعلها حاجزة بين لا وأيد الله أمير المؤمنين حذرا من وقوع الشبهة
وكان الصاحب يقول هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ فى خدود المرد الملاح
وقرأت فى بعض الكتب أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه سبق إلى هذه اللفظة وذلك أنه مر به رجل معه ثوب فقال له أبو بكر أتبيعه فقال الرجل لا رحمك الله فقال أبو بكر قد قومت ألسنتكم لو تستقيمون ألا قلت لا ورحمك الله
ومما عثرت عليه من حشو اللوزينج فى شعر البحترى قوله للمتوكل
( وجزيت أعلى رتبه مأمولة ... فى جنة الفردوس غير معجل )
فقد تم الكلام عند قوله ( فى جنة الفردوس ) وقال غير معجل (1/611)
أى بعد عمر طويل لأن الجنة إنما يوصل إليها بالموت
وفى شعر لأبى الطيب
( وتحتقر الدنيا احتقار مجرب ... يرى كل ما فيها وحاشاك فانيا )
فقوله وحاشاك حشو فيه ما من الحلاوة وعليه ما عليه من الطلاوة
وفى شعر الصاحب
( قل لأبى القاسم إن جئته ... هنيت ما أوتيت هنيته )
( كل جمال فأئق رائق ... أنت برغم البدر أو تيته )
فقوله برغم البدر حشو يتم الكلام دونه ولكنه فى نهاية الظرف والملاحة ومما أستجبده جدا لابن مالك قوله
( لله همتك التى من شأنها ... جر الرماح على السماك الرامح )
لأن الرامح حشو ولكنه بمجانسة الرماح كما تراه غاية فى الحسن
وفى ضد حشو اللوزينج قولهم حشو الأكر لأنها تحشى بكل شىء ساقط لا قدر له قال جحظة أنشدت لأبى الصقر شعرا لى فقال يا أبا الحسن لا تزال تأتينا بابالغرر والدرر إذا جاءنا غيرك بحشو الأكر
1017 - ( مخ الأطعمة ) يقال للسكباج مخ الأطعمة وسيد المرق ويقال إذا طبخت اللحم بالخل فقد ألغيت من المعدة ثلث المئونة
قال بعض الخلفاء لجارية له يعرض بها إلى كم سكباج فقالت يا أمير المؤمنين هو مخ الأطعمة لا يكره بارده ولا يمل حاره بل يستطاب فى الحضر ويتزود منه فى السفر ولا يؤثر عليه الضيف فىالشتاء والصيف فضحك وأمر لها بصلة (1/612)
1018 - ( أكلة خيبر ) تضرب مثلا للطعام الوخم العاقبة وأصلها من قول رسول الله ( ما زالت أكلة خيبر تعاودنى فلا تهدأ أوان قطعت أبهرى ) وذلك أنه عليه السلام قدمت إليه بخيبر شاة مسمومة فتناول منها لقمة ثم قال ( إن هذه الشاة تخبرنى أنها مسمومة ) فكان يمرض فى كل سنة عند الوقت الذى أكل فيه تلك الأكلة إلى أن توفى عليه الصلاة و السلام شهيدا بذلك السم
1019 - ( شهوة المريض ) تضرب مثلا لما يحسن ويطيب من الأطعمة وغيرها أنشدنى أبو محمد العبد لكأنى لنفسه
( قريتكم يابنى البغيض ... كثيرة الخل والمخيض )
( والخبز فى دور موسريها ... أعز من شهوة المريض )
1020 - ( قدر الرقاشي ) كان أبو نواس يتولع بالرقاشيين ويصف قدورهم بالبياض والنظافة والصغر حتى صارت كالمثل فمن ذلك قوله فيها
( رأيت قدور الناس سودا من الصلا ... وقدر الراقاشبين زهراء كالبدر )
( يبيتها للمعتفى بفنائهم ... ثلاث كنقط الثاء من نقط الحبر )
( إذا ما تنادوا للرحيل سعى بها ... أمامهم الحولى من ولد الذر )
1021 - ( غداء ابن أبى خالد ) ويقال له أيضا غداء دينار فإذا نسب إلى ابن أبى خالد فهو مثل لمن يبيع الشىء الخطير بأكله وإذا أضيف إلى دينار فهو مثل لمن يطعم ويقرى لاجتلاب المنفعة ودفع المضرة وقصته أن أحمد بن أبى خالد وزير المأمون كان من الشره والنهم والتهاب المعدة (1/613)
على كرم فيه بحيث يضرب به المثل فيقال آكل من ابن أبى خالد وأنهم من ابن أبى خالد
ويحكى أنه ولى كورة جليلة لرجل بخوان فالوذج أهدى إليه وكان يقول إذا عوتب على قبول ما يهدى إليه من المأكول ما أصنع بطعام يهديه إلى صديق لى الله أعلم أنى أستحيى من رده عليه
ولما عرف المأمون شرهه وقبوله كل ما يهدى إليه وإجابته كل من يدعوه أجرى عليه كل يوم ألف درهم نزلا فلم يفارق مع ذلك شرهه وفيه يقول القائل
( شكرنا الخليفة إجراءه ... على ابن أبى خالد نزله )
( فكف أذاه عن المسلمين ... وصير فى بيته أكله )
( وقد كان فى الناس شغل به ... فأصبح فى بيته شغله )
وكان المأمون ولى دينار بن عبد الله الجبل ثم صرفه ووافى المدائن فأقام بها حولا لم يؤذن له فى دخول الحضرة للموجدة عليه ثم إن أحمد بن أبى خالد كلم المأمون فى أمره حتى رضى عنه وأذن له فى دخوله بغداد وقال يوما لأحمد صر إلى دينار وقل له فعلت كذا وكذا ووافقه على ما بقى عليه من المال فلما مضى أحمد إليه قال المأمون لياسر الخادم اتبعه واسمع ما يجرى بينهما وعرفنيه فلما سبق خبر مجىء أحمد إلى دينار قال لقهرمانه أعدد طعاما كثيرا طيبا لما كان يعرفه من نهم أحمد وشرهه ووافى أحمد فبدأ بمناظرة دينار فى أمر المال فاعترف بسبعة آلاف ألف درهم ووافقه على أن يحمل منها كل أسبوع ألف ألف درهم ثم قطع دينار الكلام ودعا بالطعام وساله عما يجب أن يبدأ به فطلب فراريج فقدمت فأكل (1/614)
منها عشرين فروجة كسكرية بماء الرمان ثم قدم إليه الحار والبارد والحلو والحامض فأكل منها أكل من لم يأكل شيئا تم غسل يده وقال لدينار ينبغى أن تجد فى أمر المال فقال الذى على ستة آلاف ألف درهم فقال ياسر لأحمد إنه قد اعترف بسبعة آلاف ألف درهم فقال ما أحفظ ما قال ولكن ليقل ما عنده الآن ويطالب به فتقرر الأمر بينهما على ستة آلاف ألف درهم
وانصرف أحمد إلى المأمون وكان قد تقدمه ياسر فشرح له الخبر فلما دخل قال قد تقرر الأمر بيننا على خمسة آلاف ألف درهم فقال المأمون وهو يضحك قد ذهبت ألف ألف درهم بأكلة وألف ألف أخرى بم ذهبت وألزمه ستة آلاف ألف درهم وقال ما رأيت غداء أذهب ألف ألف درهم إلا غداء دينار وما رأيت أغلى منه
1022 - ( مواعيد الكمون ) يضرب مثلا للمواعيد الكاذبة وذلك أن الكمون لا يسقى بل يوعد به بالسقى فيقال غدا نسقيك وبعد عد نكفيك فهو ينمو بالتمنية على المواعيد الكاذبة قال الشاعر
( لا تجعلنى ككمون بمزرعة ... إن فاته الماء أغنته المواعيد )
وقد أحسن ابن الرومى فى الجمع بين الفلفل والكمون حيث قال
( كم شامخ باذخ بثروته ... أضله قبلى المضلونا )
( جعلته بالهجاء فلفلة ... إذ جعلتنى مناه كمونا )
1023 - ( دعوة السنة ) يضرب مثلا لما يكون فى السنة مرة (1/615)
واحدة كدعوة البخيل التى يحتفل لها ويقال أربعة أشياء مفترطة دعوة البخيل وعشق العفيف وغضب الحليم وضربة الجبان وفى دعوة السنة يقول الشاعر
( إنها دعوة السنة ... فكلوها مبطنة )
( لن تعودوا لمثلها ... إنها فتح خرشنه ) (1/616)
الباب الثالث والخمسون فى الشراب وما يتصل به ويذكر معه
برد الشراب
قذاة الكوز
داعى اللبن
خمر بابل
نسيم الراح
رضاع الكاس
سكر الولاية
سكر الشباب
بغض الخمار
الاستشهاد
1024 - ( برد الشراب ) يتمثل به فى كل محبوب وعند كل مشتهى قال عمر بن أبى ربيعة
( قال لى صاحبى ليعلم ما بى ... أنحب القتول أخت الرباب )
( قلت وجدى بها كوجدى بالماء ... إذا ما عدمت برد الشراب )
يريد عند الحاجة وبذلك يصح المعنى
ويروى أن عليا رضى الله تعالى عنه سأله سائل فقال كيف كان حبكم لرسول الله فقال كان والله أحب إلينا من أموالنا وآبائنا وأمهاتنا ومن أبنائنا ومن برد الشراب على الظمأ وينشد لبعض الأعراب
( حديثك أشهى فاعلمى لو أناله ... إلى النفس من برد الشراب على الظمأ )
( لقد أكثر الواشون فيك ملامتى ... فكانوا بما أبدوا من اللوم ألوما )
ومن رسالة للصاحب كبرد الشراب على الأكباد الحرار وبرد الشباب فى خلع العذار
1025 - ( قذارة الكوز ) يضرب مثلا لما يؤذى على قلته وحقارته (1/617)
وقال بعض المكابدين فى خلع العذار لمن سابة يا قذاة الكوز يا صوم تموز يا برد العجوز يا درهما لا يجوز
وحكى الجاحظ عن جعفر بن سعد أنه قال الخلاف فى كل شىء حتى فى قذاة الكوز إن أردت أن تشرب جاءت إلى فيك وإن أردت أن تصب من رأس الكوز لتخرج رجعت
1026 - ( داعى اللبن ) من أمثال العرب دع داعى اللبن أى أبق فى الضرع بقية من اللبن ولا تستوعب كل ما فيه فإن الذى تبقيه يستدعى ماوراءة من اللبن
1027 - ( خمر بابل ) العرب تتمثل بخمر بابل وتراه أفضل الخمور وبابل سر العراق ويقال إن بغداد من أرضها فممن ذكر خمر بابل بعض المحدثين حيث قال
( لما رأيت الدهر دهر الجاهل ... ولم أر المغبون غير العاقل )
( شربت خمرا من خمور بابل ... فصرت من عقلى على مراحل )
ويروى أنه قال
( رحلت عيسا من خمور بابل ... )
ليكون أقوى فى طريق الاستعارة وقال ابن الرومى
( ألا ذكرا نفسى حديث البلابل ... بمشمولة صفراء من خمر بابل ) وفى كتابى المبهج ليس للبلابل كخمر بابل على غناء البلابل (1/618)
1028 - ( نسيم الراح ) يضرب مثلا فى الذكاء والطيب كما قال السرى فى استزارة صديق له
( نفسى فداؤك كيف تصبر طائعا ... عن فتية مثل البدور صباح )
( نهضوا لراحهم وذكرك بينهم ... أذكى وأطيب من نسيم الراح )
1029 - ( رضاع الكأس ) يدخل فى باب الاستعارات وقد أكثروا فيه قال الشاعر
( وإن رضاع الكأس أعظم حرمه ... وأوجب حقا من رضاع لبان )
وقال آخر
( اذكر أبا جعفر حقا أمت به ... إنى وإياك مشغوفان بالأدب )
( وإننا قد رضعنا الكاس درتها ... والكاس درتها من أقرب النسب )
وقال عصابة الجرجانى
( اقر السلام على الأمير وقل له ... إن المنادمة الرضاع الثانى )
1030 - ( سكر الولاية ) من أبيات التمثيل والمحاضرة قول ابن المعتز
( سكر الولاية طيب ... وخماره صعب شديد )
( كم تائه بولاية ... وبعزله ركض البريد )
وقال آخر
( سكرت بإمرأة السلطان جدا ... فلم تفرق عدوك من صديقك )
( رويدك من طريق صرت فيه ... فإن الحادثات على طريقك )
1031 - ( سكر الشباب ) يقال سكر الشباب أشد من سكر الشراب (1/619)
ويقال السكر ثلاث سكر الشباب وسكر الولاية وسكر الشراب وهو أهونها
وقد أبلغ هذه السكرات خمسا من قال وأحسن
( سكرات خمس إذا منى المرء ... بها صار أكله للزمان )
( سكرة المال والحداثة والعشق ... وسكر الشراب والسلطان )
وأنشدت هذه الأبيات لبعض الزهاد فقال أين هو من سكرة الموت ثم قرأ ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد )
وقال إبراهيم بن المهدى
( ما زلت فى سكرات الموت مطرحا ... ضاقت على وجوه الأرض من حيلى )
( فلم تزل دائبا تسعى لتنقذنى ... حتى اختلست حياتى من يدى أجلى )
1032 - ( بغض الخمار ) يضرب مثلا لما يستثقل ولذلك قيل لو أن المخمور يعرف قصته لقدم وصيته وفى المثل ما أطيب الخمر لولا الخمار قال الشاعر
( إذا أنا ميزت الخمار وجدته ... يكدر ما فى الخمر من لذة الخمر )
( فأحجم عن شرب المدام مخافة ... على جسدى من أن يؤول إلى ضر )
( وإن امرأ يبتاع سكرا بصحة ... لفى سكرة تغنيه عن لذة السكر )
وقال أبو على البصير فى أبى العيناء
( إنما يحلو أبو العيناء ... فى صدر النهار )
( فإذا طاولته أربى ... على بغض الخمار ) (1/620)
الباب الرابع والخمسون فى السلاح وما يجانسه
سيف على
صمصامة عمرو
سيوف الخوارج
مخراق لاعب
ظل السيف
بقية السيف
قوس حاجب
ظل الرمح
ظهر الترس
سهام الترك
عصا الأعرج
تفاريق العصا
عبيد العصا
عصا الجبان
الاستشهاد
1033 - ( سيف على ) يضرب المثل بسيف على بن أبى طالب كرم الله وجهه فى المصائب كما قال الصاحب
( أحسن من عود ومن ضارب ... ومن فتاة طفلة كاعب )
( قد غلام صيغ من فضة ... متصل الحاجب بالحاجب )
( سل على الأمة من طرفه ... سيف على بن أبى طالب )
1034 - ( صمصامة عمرو ) صمصامة عمرو بن معدى كرب أشهر سيوف العرب وبها يضرب المثل فى كرم الجوهر وحسن المنظر والمخبر والمضاء والتصميم وكان عمرو وهو فارس اليمن حسن الاستعمال له فى الجاهلية كثير العناية به فى الإسلام وفيه يقول من شعر
( سنان ما حق لا عيب فيه ... وصمصامى يصم إلى العظام )
قال عبد الله بن العباس لبعض اليمانيين لكم من السماء نجمها ومن الكعبة ركنها ومن السيوف صمصامها يعنى سهيلا والركن اليمانى وصمصامة عمرو (1/621)
وممن تمثل بها من المتقدمين عميثل بن جزى فى قوله
( أغر كمصباح الدجنة يتقى ... قذى الزاد حتى يستفاد أطايبه )
( أخ ماجد ماخاننى يوم مشهد ... كما سيف عمرو لم تخنه مضاربه )
ولما وهبها عمرو لخالد بن العاص عامل رسول الله على اليمن قال فيه عمرو بن معد يكرب
( خليل لم أخنه ولم يخنى ... إذا ما الخطب أنحى بالعظام )
( خليل لم أهبه عن قلاء ... ولكن التواهب للكرام )
( حبوت به كريما من قريش ... فسر به وصين عن اللئام )
( وودعت الصفى صفى نفسى ... على الصمصام أضعاف السلام )
فلم يزل فى آل سعد إلى أيام هشام بن عبد الملك فاشتراه خالد بن عبد الله القسرى بمال خطير وأنفذه إلى هشام وقد كان كتب إليه فيه فلم يزل عند بنى مروان حتى زال الأمر عنهم ثم طلبه السفاح والمنصور والمهدى فلم يجدوه وجد الهادى فى طلبه حتى ظفر به فجرده ودعا بمكتل من دنانير وقال لحاجبه ائذن لمن بالباب من الشعراء فلما دخلوا أمرهم أن يقولوا فيه فقالوا وأطالوا ولم يأتوا بطائل فقام أبو الهول الحميرى وأنشأ يقول
( حاز صمصامة الزبيدى عمرو ... من جميع الأنام موسى الأمين )
( سيف عمرو وكان فيما سمعنا ... خير ما أغمدت عليه الجفون )
( أخضر اللون بين خديه برد ... من ذباح تميس فيه المنون ) (1/622)
( أوقدت فوقه الصواعق نارا ... ثم سالت به الرعاف المتون )
قال الجاحظ يزعم كثير من الناس أن بعض السيوف من نيران الصواعق وذلك شائع على أفواه الأعراب
( فإذا ما سللته بهر الشمس ... ضياء فلم تكد تستبين )
( وكأن الفرند والجوهر الجارى ... على صفحتيه ماء معين )
( نعم مخراق ذى الحفيظة يوم الروع ... يعصى به ونعم القرين )
( ما يبالى إذا الضريبة حانت ... أشمال سطت به أم يمين )
( وكأن المنون شطت إليه ... فهو من كل جانبيه منون )
فقال الهادى السيف لك والمكتل فأخذهما وفرق على الشعراء الدنانير وقال لهم دخلتم معى وحرمتم من أجلى وليس فى السيف عوض
وذكر أبو هفان أن صاحب هذه القصيدة يامين البصرى وقال غيره هو أبو الهول وهو القائل فى وصف هذا السيف
( كأن على متنيه أمواج لجة ... تففأ فى ضحضاحة وتطول )
( كأن صغار الذر كسرن فوقه ... عيون جراد بينهن ذحول )
( حسام غداة الروع ماض كأنه ... من الله فى قبض النفوس رسول )
وأما يامين فهو القائل
( نصل كأن المنايا جند طاعته ... فى طوله قصر إلا عن القصر )
( أمضى من الأجل الماضى وأنفذ من ... جارى القضاء واضوا من سنا القمر )
1035 - ( سيوف الخوارج ) يضرب المثل بسيوف الخوارج لأنهم (1/623)
يتأنقون فى استجادتها ثم يقاتلون بها تدينا إذا قاتل غيرهم تكسبا وقد ذكر السبب فى استفاضة النجدة فيهم بعض العصربين فقال
( وفيك لنا فتن أربع ... تسل علينا سيوف الخوارج )
( لحاظ الظباء وطوق الحمام ... ومشى النعاج وحسن التدارج )
1036 - ( مخراق لاعب ) هو سيف اللاعب لا سيف المحارب وذلك أخف له وهو أضرب به
( والضرب فى الهيجاء غير ... الضرب فى الميدان )
قال عمرو بن كلثوم فى السيف
( كأن سيوفنا فينا وفيهم ... محاريق بايدى لاعبينا )
1037 - ( ظل السيف ) فى الخبر لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف قال الشاعر
( العز تحت ظلال السيف مطلبه ... فلا يفوتنك عز آخر الأبد )
وقال آخر
( مقامهم تحت ظل السيوف ... عافى الخلافة من دائها )
وقال آخر
( اليوم لا جبل نلوذ بظله ... اليوم نتخذ السيوف ظلالا )
( اليوم نقدح زند كل ملمة ... اليوم نسرع للنسور رجالا ) (1/624)
1038 - ( بقية السيف ) قال على كرم الله وجهه بقية السيف أنمى عددا وأكثر ولدا فوجد ذلك عيانا فى ولده وولد المهلب وذلك أنه قتل مع الحسين بن على رضى الله عنه عامة أهل بيته فلم ينج منهم إلا على ابن الحسين بن على رضى الله عنهم وإنما نجاه صغر سنه فلما أدرك أخرج الله من صلبه الكثير الطيب وقتل المهالبة بالعقر دفعتين وبقنداييل حتى استؤصلوا ثم أدرك منهم روح ويزيد ابنا حاتم ويقال إنه لو تفاخرت الجن والإنس لفخرها الإنس بابنى حاتم روح ويزيد وأمثالها من المهالبة كثير
وذكر المدائنى عن أشياخه أنه مكث آل المهلب بعد مقتل يزيد وأخيه نيفا وعشرين سنة لا يولد لهم أنثى ولا يموت لهم غلام
1039 - ( قوس حاجب ) هو حاجب بن زرارة التميمى أتى كسرى فى جدب أصاب قومه بدعوة النبى فسأله أن يؤذن له ولقومه فى دخول الريف من بلاده حتى يحيوا ويمتاروا فقال لهم كسرى إنكم معشر العرب قوم غدر فإذا أذنت لكم أفسدتم بلادى وأغربتم على رعيتى فقال حاجب أنا ضامن للملك ألا يفعلوا قال فمن لى بأن تفى قال أرهنك قوسى فضحك من حوله فقال كسرى إنه لا يتركها أبدا وقبلها منه وأذن له فى دخول الريف ولما أحيا الله الناس بدعوة النبى وقد مات حاجب ارتحل عطارد بن حاجب إلى كسرى فى طلب قوس أبيه فأمر بردها عليه وكساه حلة فلما وفد على النبي فى وفد بنى تميم وأسلم أهدى الحلة إليه فلم يقبلها فباعها (1/625)
بأربعة آلاف درهم من رجل من اليهود وبقيت القوس عند ولد جعفر ابن عمير بن عطارد بن حاجب لأنهم أكبر ولده وصارت مفخرة كبيرة لبنى تميم ويروى أن كسرى لما عوتب على ارتهانها قال لولا أنهم عندى أقل منها لما أخذتها
ويحكى أن كسرى قال لحاجب إن قوسك هذه لقصيرة معوجه فقال أيها الملك إن وفائى طويل مستقيم
ومن مليح ما سمعت فى قوس حاجب قول المطرانى
( تزهى علينا بقوس حاجبها ... زهو تميم بقوس حاجبها )
1040 - ( ظل الرمح ) يضرب به المثل فى الطول كما قال ابن الطثرية
( ويوم كظل الرمح قصر طوله ... دم الدن عنا واصطفاق المزاهر )
قال الجاحظ قولهم منينا بيوم كظل الرمح فإنهم لا يريدون به الطول وحده ولكنهم يريدون أنه مع الطول ضيق غير واسع قالوا وليس يوجد لظل الشخص نهاية مع طلوع الشمس وقال ابن المعتز
( بدلت من ليل كظل حصاة ... ليلا كظل الرمح ليس موات )
وقال آخر
( نهار مثل إبهام الحبارى ... وليل مثل ظل الرمح طولا )
1041 - ( ظهر الترس ) يشبه به الأرض المستوية الخالية قال البحترى
( والعيس ترمى بأيديها على عجل ... فى مهمة مثل ظهر الترس رجراج )
ويضرب ظهر المجن مثلا لمن تحول عن عهده قال الشاعر
( قلبت له ظهر المجن فلم أدم ... على ذاك إلا ريثما أتحول ) (1/626)
وقال بعض أهل العصر
( لقد قلب الدهر الخؤون مجنه ... فقلبى على جمر الغضى يتقلب )
( وأصبحت فى ظفر الزمان ونابه ... وما فيه ألا دون ما أترقب )
ومن حديث على رضى الله عنه أنه كتب إلى ابن العباس رضى الله عنهما حين أخذ من مال البصرة ما أخذ إنى أشركتك فى أمانتى ولم يكن رجل أوثق منك فى نفسى فلما رأيت الزمان على ابن عمك قد كلب والعدو قد حرب قلبت لابن عمك ظهر المجن ففارقته مع المفارقين وخذلته مع الخاذلين واختطفت ما قدرت عليه من مال الأمة اختطاف الذئب دامية المعزى
وإنما خص الدامية لأن من طبع الذئب محبة الدم فهو يؤثر الدامية على غيرها كما تقدم ذكره فى باب الذئب
1042 - ( سهام الترك ) يضرب بها المثل وتذكر مع سهام الترك رماح العرب ومزاريق الهند ورايات الديلم ونصول الرى
1043 - ( عصا الأعرج ) تضرب مثلا فيقال أقرب من عصا الأعرج وذلك بأنه يقربها من نفسه إذا قعد لحاجته إليها فهى قريبة منه فى حال قعوده وقيامه
1044 - ( تفاريق العصا ) تضرب مثلا للمحقرات يحتاج إليها وينتفع بها قالت غنية الأعرابية
( أحلف بالمروة حقا والصفا ... أنك خير من تفاريق العصا )
تقوله لابنها وكان غازيا كثير التعرض للناس مع ضعف أمر ودقة عظم فواثب فتى فقطع الفتى أنفه فأخذت غنية دية أنفه فحسن حالها بعد فقر (1/627)
مدقع ثم واثب آخر فقطع أذنه فأخذت ديته فزادت حسن حال ثم واثب آخر فقطع شفته فأخذت ديتها فلما رأت ما صار عندها من المال وذلك من كسب جوارح ابنها حسن رأيها فيه وذكرته فى أرجوزتها
وسئل ابن الأعرابى عن تفاريق العصا فقال العصا تقطع فتصير سواجير ثم تقطع فتصير أوتارا ثم تقطع فتصر كل قطعة شظاظا ثم تقطع فتصير مهارا وهو العود يجعل فى فم الفصيل لئلا يرضع أمه
1045 - ( عبيد العصا ) يضرب هذا المثل للقوم إذا استذلوا وهو اسم لكل ذليل وتابع ولزم ذلك بنى أسد لقول صاحبهم بشر بن أبى خازم
( عبيد العصا لم يتقوك بذمة ... سوى سيب سعدى إن سيبك واسع )
وقال الشاعر
( قولا لدودان عبيد العصا ... ماغركم بالأسد الباسل )
ومن كلام الحجاج فى خطبة له يا أهل العراق يا أهل الشقاق والنفاق ومساوى الأخلاق يا بنى اللكيعة وأولاد الإماء وعبيد العصا
1046 - ( عصا الجبان ) يضرب بها المثل فيقال عصا الجبان أطول وإثما يطول الجبان عصاه من فشله يرى أن طولها أشد ترهيبا لعدوه من قصرها
1047 - ( قتيل العصا ) العرب تقول إياك وقتيل العصا أى لا تكن قاتلا ولا مقتولا فى شق عصا المسلمين والله سبحانه وتعالى أعلم (1/628)
الباب الخامس والخمسون فى الحلى وما يشبهها
قرط مارية
طوق عمرو
سبحة زيدان
خاتم الملك
حلقة الخاتم
درة التاج
واسطة القلادة
فرائد الدر
قشور الدر
منطقة الجوزاء
خلاخيل الرجال
الاستشهاد
1048 - ( قرط مارية ) من أمثال العرب خذه ولو بقرط معاوية ومارية بنت ظالم بن وهب ابن الحارث بن معاوية الكندى وابنها الحارث الأعرج وإياه عنى حسان بقوله
( أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفصل )
1049 - ( طوق عمرو ) يضرب مثلا للشىء يكبر عنه الإنسان وأصله أن عمرو بن عدى كان له طوق يلبسه فى صغره فاستهوته الجن دهرا إلى أن وجده مالك وعقيل نديما جذيمة فأتيا به خاله جذيمة الأبرش فألبسته أمه وطوقته بالطوق الذى كان يلبسه فى الصغر فلما رأى جذيمة ابن أخته عمرا والطوق فى عنقه قال شب عمرو عن الطوق فصار مثلا وإياه عنى السرى بقوله
( تصابى فأضحى بعد سلوته صبا ... وعاود عمرو طوقه بعد ما شبا ) (1/629)
1050 - ( سبحة زيدان ) زيدان قهرمانة أم المقتدر وكانت ممكنة من خزانة الجواهر وفيها جوهر الخلافة فاتخذت سبحة تشتمل على ثلاثين درة متشابهة فى الوزن واللون كل واحدة منها كبيضة العصفور مفصلة بعشر يواقيت لم ير مثلها فى عقد ملكه ولا خزانة ملك فصارت مثلا فى النفائس والذخائر وقد تقدم بعض ذكرها والله أعلم
1051 - ( خاتم الملك ) يضرب مثلا فى النفاسة والشرف كما قال بشار
( ألا يا خاتم الملك الذى ... أملك إن نلته )
( فؤادى فيك مجنون ... ولو أسطيع سلسلته )
( وأنت الحجر الأسود ... لو يخلو لقبلته )
وكتب الصاحب من رسالة وصل كتاب مولاى فكانت فاتحته أحسن من كتاب الفتح وواسطته أنفس من واسطة العقد وخاتمته أشرف من خاتم الملك
1052 - ( حلقة الخاتم ) يضرب بها المثل فى الضيق كما قال الشاعر
( كأن فجاج الأرض حلقة خاتم ... على فما تزداد طولا ولا عرضا )
وتذكر معها كفه حابل قال الشاعر
( كأن بلاد الله وهى عريضة ... على الخائف المذعور كفه حابل )
ويحكى أن بشار بن برد ضحك يوما بعد طول سكوته فقيل له (1/630)
ما يضحكك يا أبا معاذ فقال أهاههنا محتشم قالوا لا قال لو أعطى كل إنسان أمنيته هلك الناس وبطل الحرث والنسل قيل كيف قال ماعلى ظهرها رجل إلا وهو يتمنى أن يكون أيره أعظم من أير حمار ولا امرأة إلا وهى تتمنى أن يكون فرجها أضيق من حلقة خاتم فمتى يدخل ذاك فى هذه
1053 - ( درة التاج ) يضرب بها المثل فى تفضيل بعض الشىء على بعض قال المتنبى
( إن الخليفة لم يسمك سيفه ... حتى بلاك فكنت خير الصارم )
( فإذا تتوج كنت درة تاجه ... وإذا تختم كنت فص الخاتم )
1054 - ( واسطة القلادة ) يضرب بها المثل أيضا فى تفضيل بعض الشىء على كله فقال واسطة القلادة ودرة التاج وإنسان الحدقة وعين الكتيبة وأول الجريدة وبيت القصيدة
وفى الكتاب المبهج الصديق الصدوق واسطة العقد وأول العقد
1055 - ( فرائد الدر ) يضرب مثلا للمحاسن من النفائس ويشبه بها الكلام الحسن والخط الرائق
ولابن طباطبا كتاب مترجم ب فرائد الدر كتب إلى صديق كان قد استعاره يسترجعه منه (1/631)
( يا در رد فرائد الدر ... وارفق بعبد فى الهوى حر )
1056 - ( قشر الدر ) يشبه به الجلد الناعم كما قال أبو نواس
( ظبى كأن الله ألبسه ... قشور الدر جلدا )
( وترى على وجناته ... فى أى حين شئت وردا )
وقال ابن المعتز فى تشبيه الكأس بقشر الدر
( من لى على رغم العذول بقهوة ... بكر ربيبة حانة عذراء )
( موج من الذهب المذاب تضمه ... كأس كقشر الدرة البيضاء )
وشتان ما بين هذه القشور والقشور التى ذكرها فى قوله
( ويبرز للرائين وجها كأنه ... كساه أبوه من قشور الخنافس )
1057 - ( منطقة الجوزاء ) يستعار للجوزاء المنطقة كما تستعار الثريا للعقد كما قال بعض أهل العصر وهو الهمذانى
( خليلى إنى من محبتى العلا ... بليت بعلوى الصفات أخى البدر )
( فعقد الثريا من محاسن ثغره ... ومنطقة الجوزاء فى خصره تجرى )
1058 - ( خلاخيل الرجال ) وهى القيود قال على بن الجهم وهو فى الحبس
( إذا سلمت نفس الحبيب تشابهت ... صروف الليالى سهلها وشديدها )
( فلا تجزعى إما رأيت قيوده ... فإن خلاخيل الرجال قيودها )
وقال أبو إسحاق الصابى
( الحبس قصر لكل حر ... والقيد خلخال كل فحل )
( والخطب كالضيف لا تراه ... ينزل إلا على الأجل ) (1/632)
الباب السادس والخمسون فى الليالى المضافة
ليلة القدر
ليلة الميلاد
ليلة التمام
ليل المحب
ليلة النابغة
ليل الضرير
ليل السليم
ليلة الخلافة
ليلة حرة
ليلة الغدير
ليلة الهرير
ليلة الفرزدق
ليلة الحزيز
ليلة منبج
ليلة الصدر
ليل الشباب
حاطب الليل
فصل فى ذكر الأيام المضافة
الاستشهاد
1059 - ( ليلة القدر ) قال النبي فى ليلة القدر ( اطلبوها فى العشر الأواخر من رمضان )
وأكثر العلماء على أنها فى السابعة والعشرين من شهر رمضان ويروى عن بعضهم أنه قال كلمات سورة القدر ثلاثون على عدد ليالى الشهر
وقد ضرب بها المثل من قال
( فتى ترهب الأموال من ظل كفه ... كما يرهب الشيطان من ليلة القدر )
( سأدعو له والناس دعوة مخلص ... عسى أن يريح العاشقين من الهجر )
ومن أحسن ما قيل فى ضرب المثل بها قول أبى الفتح البستى
( قيل لى قد خفيت قلت كبدر ... صار يخفى من بعد أن كان بدرا )
( أنا خاف كليلة القدر فى الناس ... وعال كليلة القدر قدرا )
1060 - ( ليلة الميلاد ) هى الليلة التى ولد فيها عيسى عليه الصلاة و السلام يضرب بها المثل فى الطول قال أبو نواس (1/633)
( يا ليلة الميلاد هل عرفت ... أسهر منى عاشقا مذ كنت )
( ألم أصابرك فما صبرت ... حتى بدت غرة يوم السبت )
وقال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
( مضت ليلة الميلاد أطول ليلة ... وأقصرها هذان مختلفان )
( فطالت بمعنى واحد وتقاصرت ... بقرب حبيب واجتماع معان )
وقال ابن بسام
( يا مقيتا يصور اليوم حولا ... ساعة منه ليلة الميلاد )
( خل عنا فأنما أنت فينا ... واو عمرو أو كالحديث المعاد )
1061 - ( ليلة التمام ) ليلة التمام أطول ليلة فى السنة قال امرؤ القيس
( فبت أكابد ليل التمام ... والقلب من خشية مقشعر )
وقد أحسن القائل
( أيا قمر التمام أعنت ظلما ... على تطاول الليل التمام )
1062 - ( ليل المحب ) قد أكثر الشعراء فى وصف ليل المحب بالطول فما طالوا وحصل خالد الكاتب على الغرة و النكتة حيث قال
( وليل المحب بلا آخر ... )
1063 - ( ليلة النابغة ) حدث أبو العيناء عن الأصمعى أنه قال (1/634)
انصرفت ليلة من دار الرشيد وأنا أشكو علة ثم غدوت إليه فقال لى يا اصمعى كيف بت فقلت بليلة النابغة يا أمير المؤمنين فقال إنا لله هو قوله
( فبت كأنى ساورتنى ضئيلة ... من الرقش فى أنيابها السم ناقع )
فقلت والله يا أمير المؤمنين ما أخبرت خبره وإنما أردت قوله
( كلينى لهم يا أميمة ناصب ... وليل أقاسيه بطىءالكواكب )
1064 - ( ليل الضرير ) لم يزل الشعراء يصفون الليل بالطول ويزيد بعضهم على بعض فى الإبداع والإبلاغ حتى جاء سيدوك الواسطى فسبق إلى وصف تفرد به إذ وجد ما ضيعوه من ذلك فأخذه وهو قوله
( عهدى بنا ورداء الشمل يجمعنا ... والليل أطوله كاللمح للبصر )
( واليوم ليلى مذ غابوا فديتهم ... ليل الضرير فصبحى غير منتظر )
1065 - ( ليل السليم ) يضرب به المثل فى الطول والسهر فيه لأن السليم لا ينام لما به ولا يترك والنوم إن غشيه النعاس لئلا يسرى السم فى بدنه والعرب تعلق عليه الحلى وتسهره كما قال النابغة
( يسهد من نوم العشاء سليمها ... لحلى النساء فى يديه قعاقع ) (1/635)
وقال السرى فى وصف القلم
( لك القلم يضحى ويمسى ... له الإقليم محمى الحريم )
( هو الصل الذى لو عض صلا ... لأسلمه إلى الليل السليم )
وفى كتاب المبهج شتان ما بين ليل السليم وليل النائم فى فراش النعيم
1066 - ( ليلة الخلافة ) هى ليلة لم يتفق مثلها قط ويقال لها ليلة الخلفاء أيضا وكانت ليلة السبت لأربع عشرة ليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة مائة وسبعين مات فيها خليفة وولد خليفة واستخلف خليفة مات الهادى وولد المأمون واستخلف الرشيد
1067 - ( ليلة حرة ) من أمثال العرب عن أبى عمرو قولهم للمرأة باتتبليلة حرة إذا امتنعت على زوجها فى ليلة زفافها فلم يقدر على افتضاضها قال النابغة
( شمس موانع كل ليلة حرة ... يخلفن ظن الفاحش المعيار )
أى إذا أساء الظن الفاحش بهن أخلفن ظنه لعفتهن ومن أمثالهم باتت بليلة شيباء إذا أمكنت زوجها من نفسها ليلة عرسها تشبه بمن شابت وجرت مجرى من لا تمتنع لأن الحدثة أشد امتناعا من الطاعنة فى السن
1068 - ( ليلة الغدير ) هى الليلة التى خطب رسول الله فى غدها بغدير خم على أقتاب الإبل فقال فى خطبته ( من (1/636)
كنت مولاه فعلى مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) فالشيعة يعظمون هذه الليلة ويحيونها قياما
وقد ذكر ابن طباطبا غداة غدير خم فى قوله للوسمى
( يا من يسر لى العداوة أبدها ... واعمد بجهدك أو ذر )
( لله عندى عادة مشكورة ... فيمن يعادينى فلا تتجبر )
( أنا واثق بدعاء جدى المصطفى ... لأبى غداة غدير خم فاحذر )
( والله أسعدنا بإرث دعائه ... فيمن يعادى أو يوالى فاصبر )
1069 - ( ليلة الهرير ) كانت بصفين فاشتد فيها القتال وكشفت الحرب عن ساقها وتناثرت الرءوس وكثر عدد القتلى وكان على رضى الله عنه كلما قتل واحدا كبر تكبيرة فأحصيت تكبيراته تلك الليلة فبلغت سبعمائة وضرب المثل بهذه الليلة فى الشدة واستفحال المطاردة
1070 - ( ليلة الفرزدق ) يضرب بها المثل لليلة يبلغ فيها الخليع النهاية من الخلاعة وتعاطى الفحش والركض فى حلبه المآثم وقصتها أن الفرزدق نزل ليلة بدير راهبة فأكل عندها طفيشلا بلحم خنزير وشرب من خمرها وزنى بها وسرق كساءها ثم قال لله در أبن المراغة يعنى جريرا فى قوله
( وكنت إذا نزلت بدار قوم ... رحلت بخزية وتركت عارا )
وبعض الرواة ينسب القصة إلى أبى الطمحان القينى (1/637)
1071 - ( ليلة الحزيز ) قال الجاحظ فى مدينة البصرة موضع يقال له الحزيز يقال إن الناس لم يروا قط هواء أعدل ولا نسيما أرق ولا أطيب من ذلك الموضع وكان أمية بن عبد الله بن خالد يقول ما أسيت على العراق إلا على ثلاث خلال ليل الحزيز وقصب السكر وحديث ابن أبى بكرة قال أبو عبيدة وأى شىء بقى ويله
وأراد الحجاج أن يعالجه على هذا المكان تياذوق الطبيب فقال سفل عن ببس البرية وخشونتها وقحولتها وعلا عن الآجام وعفنها وكان يتعالج هناك
1072 - ( ليلة منبج ) منبج بالشام كالحزيز بالعراق فى طيب الهواء وعذوبة الماء ورقة النسيم وصحة التربة وهى بلدة البحترى وأبى فراس الحمدانى وقد ظهرت آثارها عليهما فى اعتدال الطبع وعذوبة اللفظ واختلاط أشعارهما بأجزاء النفس وقبلهما كانت مسقط رأس عبد الملك بن صالح الهاشمى ووطنه وهو جبل قريش ولسان بنى العباس ومن به يضرب المثل فى البلاغة
ولما دخل الرشيد منبجا قال لعبد الملك وهذا البلد منزلك قال يا أمير المؤمنين هو لك ولى بك قال كيف بناؤك به قال دون منازل أهلى وفوق منازل غيرهم قال كيف صفة مدينتك هذه قال عذبة الماء طيبة الهواء قليلة الأدواء قال كيف ليلها قال سحر كله قال (1/638)
صدقت إنها لطيبة قال بك طابت يا أمير المؤمنين وأين تذهب بها عن الطيب وهى تربة حمراء وسنبلة صفراء وشجرة خضراء فياف من قيصوم وشيح فقال الرشيد هذا الكلام والله أحسن من الدر المنظوم
وقد أخذ ابن المعتز قوله سحر كله فقال
( يا رب ليل كله سحر ... مفتضح البدر عليل النسيم )
( تلتقط الأنفاس برد الندى ... فيه فتهديه لحر الهموم )
1073 - ( ليلة الصدر ) تقول العرب فى أمثالها أنقى من ليلة الصدر وهى الليلة التى يصدرون فيها ولا يبقى على الماء أحد قال أبو عبيدة من أمثالهم فى اصطلام الدهر الناس بالجوع قولهم تركتهم على مثل ليلة الصدر قال يعنون نفر الناس من حجهم مثل قولهم تركته على أنقى من الراحة
1074 - ( ليل الشباب ) قال ابن الرومى
( وعزاك عن ليل الشباب معاشر ... فقالوا نهار الشيب أهدى وأرشد )
( وكان نهار المرء أهدى لرشده ... ولكن ظل الليل أندى وأبرد )
وقال ابن المعتز
( ونهار شيب الرأس يوقظ من ... قد كان فى ليل الشباب رقد )
1075 - ( حاطب الليل ) يشبه به المكثار لأن حاطب الليل (1/639)
ربما احتطب واحتمل فيما يحتطبه حية وهو لا يشعر بها لمكان الظلمة فيكون فيها حتفه كذلك المكثار ربما عثر لسانه فى إكثاره بما يجنى على رأسه وإياه عنى بشر بن المعتمر بقوله فى مزدوجته التى أنشدها الجاحظ وفسرها
( يا عجبا والدهر ذو عجائب ... من شاهد وقلبه كالغائب )
( كحاطب يحطب فى بجاده ... فى ظلمة الليل وفى سواده )
( يحمل فوق ظهره الصل الذكر ... والأسود السالخ مكروه النظر )
وقال ابن المعتز من قصيدة
( فرشنا لكم منا جناحى مودة ... وأنتم زمانا تضمرون الدواهيا )
( أظنكم من حاطب الليل جمعت ... حبائله عقاربا وأفاعيا ) - فصل فى ذكر الأيام المضافة -
وهى أكثر من أن تحصى ورأيت الأخذ ببعض أطراف القول فيها يستغرق الصحائف الكثيرة فاقتصرت من ذكرها على القدر الذى قدرت فيه الكفاية وبالله التوفيق
قال أبو بكر الخوارزمى فيما يقولون ما يومى من فلان بواحد أى ما الشر على منه من جهة واحدة والغالب فى اليوم أنه لا يذكر إلا فى الشر كقول الله سبحانه وتعالى
( وذكرهم بايام الله ) أى عقوبته ووقائعه فى أعدائه
وقالوا فى الدعاء لا أرانى الله يومك أى يوم موتك ويوم عبيد يوم قتله ويوم العنز يوم ذبحها (1/640)
وأنت إذا نظرت فى قولهم يوم البسوس وهو يوم بكر وتغلب ويوم تحلاق اللمم وهو بينهما ويوم الفجار وهو بين كنانة وقيس ويوم النباج وهو بين أسد وتميم وعامر ويوم خزازى وهو لعدنان على قحطان ويوم ذى قار وهو بين بكر بن وائل والفرس ويوم حليمة وهو بين المنذر والحارث الغسانى حتى عد أكثر من مائة يوم ثم قال فإذا نظرت من الأيام إلى يوم بدر وأحد والخندق وحنين حتى عد أيام المغازى كلها ثم قال فإذا نظرت بعدها فى يوم اليمامة على حنيفة ويوم الحيرة لخالد على بنى بقيلة ويوم قنسرين فى الروم لأبى عبيدة ويوم القادسية والمدائن وجلولاء ونهاوند على الفرس لسعد بن أبى وقاص والنعمان وغيرهما ويوم الدار ويوم الجمل ويوم صفين والنهروان حتى عد أكثر وقائع الإسلام علمت أن ذلك أكثر من قولهم يوم الشورى ويوم بركوار
قال غيره وقد تقع الأيام على يوم السرور والخير قال الله تعالى ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) وقال الشاعر
( فيوم علينا ويوم لنا ... ويوم نساء ويوم نسر ) (1/641)
الباب السابع والخمسون فى الأزمان والأوقات
زمن الفطحل
زمن الورد
عام الحزن
عام الجحاف
زبدة الحقب
بكر الدهر
نسيم السحر
إغفاءة الفجر
تباشير الصبح
فلق الصبح
نفس الربيع
جمرات الظهيرة
قمر الشتاء
فاكهة الشتاء
برد الكوانين
ركوب الكوسج
سقوط الجمرة
هلال شوال
حد الأحد
ثقل الأربعاء
الاستشهاد
1076 - ( زمن الفطحل ) من أمثال العرب كان ذلك زمن الفطحل قال رؤبة
( إنك لو عمرت عمر الحسل ... أو عمر نوح زمن الفطحل )
( والصخر مبتل كطين الوحل ... كنت رهين هرم أو قتل )
وسئل عن زمن الفطحل فقال أيام كانت الحجارة رطبة وإذا كل شىء ينطق قال وزعم بعض أهل اللغة أن زمن الفطحل هو زمن الخصب والسعة وأنهم أرادوا برطوبة السلام ابتلال الصخر ورفاهية العيش واتصال الغيوث وصدق الأنواء
وقال الخليل زمان الفطحل زمان لم يخلق الناس بعد
قال القاضىأبو الحسن على بن عبد العزيز أما قولهم أيام كانت الحجارة رطبة وإذ كل شىء ينطق فهما من الأمور التى يتدوالها جهلة الأمم وهو الظاهر بين أغفال العرب والعامة هذا ابن أمية بن أبى الصلت وهو من (1/642)
حكماء العرب والمتخصصين منها بالرواية يقول
( وإذا هم لا لبوس لهم عراة ... وإذ صم السلام لهم رطاب )
( بآية قام ينطق كل شىء ... وخان أمانة الديك الغراب )
وعن مقاتل بن سليمان أنه كان يقول إذ الصخور كانت لينة وإذ قدم إبراهيم أثرت فى صخرة المقام للين الصخر كله يومئذ وليس مذهب هؤلاء فيما رووه يذهب مذهب من جعلها أجزاء من الأرض تناسبت فتضامت وتحجرت فيزعم أن الصخر إنما ييبس من ندوة ويصلب بمدر خلوة ولو أرادوا ذلك لوجدوا متسعا فى القول لكن الأوهام التى صورت لهم أن البهائم كانت ناطقة عاقلة وفروع السعدان ملساء لينة وأغصان السيال ناعمة خضراء هى التى أدتهم لذلك ولا يبعد أن يكون القوم قصدوا استعطاف القلوب إلى الحكمة وأرادوا تألفهم على الفهم فوضعوا أمثالا وشوها ببعض الهزل وأدرجوا الجد فى أثناء المزح ليخف على القلوب احتمالها ويسوغ إليها التفاتها وظن من لم يقع من التمييز موقع الكمال بالبهائم أنها كانت تنطق وتفصح وتبين عن نفسها وتعرب فاختلقوا أحاديث أضافوها إليها وكان للعرب فى ذلك شأن خصوصا ما ازدادت على سائر الأمم به لفضل ما فيها من اللهج بالكلام وما أوتيت من الاقتدار على التصرف فى المنطق فاختلقت لها قريضا وفصلت أسجاعا كالذى حكته عن الضب أنه قال فى صبره على الماء وهو عندهم أصبر ذى نفس
( آليت ألا أردا ... إلا عرادا عردا )
( وصليانا صردا ... وعنكثا ملتبدا ) (1/643)
وزعموا أن القطا قالت للحجل حجل حجل كفرس فى الجبل يهمز من خوف الأجل
فقال الحجل قطا قطا أرى قفاك أمعطا بيضك ثنتان وبيضي مائتا
هكذا جاءت الرواية والأمثال تجرى على ألفاظها وأشباه ذلك كثير والعرب تسمى ذلك الزمان زمان الفطحل قال
( زمن الفطحل إذ السلام رطاب ... )
1077 - ( زمن الورد ) زمن الورد يضرب به المثل فى الحسن والطيب قال أبو الفرج الببغاء
( زمن الورد أطيب الأزمان ... وأوان الربيع خير أوان )
( أشرف الزهر زاد فى أشرف الدهر ... فصل فيه أشرف الفتيان )
وقال ابن سكرة الهاشمى
( وعادلة هبت بليل تلومنى ... وما عندها من لذة القصف ما عندى )
( توبخنى بالشيب والشيب مرشد ... لعمرى ولكن لست أرشد للرشد )
( فقلت لها كفى ملامك إننى ... بطىء عن العذال فى زمن الورد )
1078 - ( عام الحزن ) هو العام الذى توفيت فيه خديجة رضى الله عنها وأبو طالب وكانت وفاتهما فى عام واحد لسنة ست من الوحى فسمى النبى ذلك العام عام الحزن
1079 - ( عام الجحاف ) كما يقال عام الفيل للعام الذى وردت فيه الحبشة مكة بالفيل وعام الرمادة للعام الذى اشتد فيه القحط وذلك زمن (1/644)
خلافة عمر رضى الله عنه ويقال عام الجحاف وهو سيل كان ببطن مكة سنة ثمانين للهجرة أجحف بالناس وذهب بالإبل عليها الحمولة
1080 - ( زبدة الحقب ) يضرب مثلا للشىء النادر الذى لا يتفق مثله إلا فى الأحقاب كما قال ابو تمام فى ذلك
( حتى إذا مخض الله السنين لها ... مخض البخيلة كانت زبدة الحقب )
1081 - ( نسيم السحر ) يضرب به المثل لطيبه وقد استكثر الصاحب من ذلك فكتب سلام كما هب نسيم السحر على صفحات الزهر ولذ طعم الكرى بعد برح السهر وكتب نثر كما تفتح الزهر عن كميمه ونظم كما تنفس السحر عن نسيمه وتبسم الدر عن نظيمه
1082 - ( بكر الدهر ) قال إبراهيم بن العباس الصولى
( وليلة من الليالى الغر ... قابلت فيها بدرها ببدرى )
( لم تك غير شفق وفجر ... حتى تولت وهى بكر الدهر )
1083 - ( إغفاءة الفجر ) يضرب بها المثل فيقال ألذ من إغفاءة الفجر وأحسن ما سمعت فى إغفاءة الفجر قول ابن طباطبا
( أقول وقد أوقظت من سنة الهوى ... بعذل يحاكى لذعه لذعة الهجر )
( دعونى وحلم اللهو فى ليلة المنى ... ولا توقظونى بالملام وبالزجر )
( فقالوا لى استيقظ فشيبك لائح ... فقلت لهم طيب الكرى ساعة الفجر ) (1/645)
1084 - ( تباشير الصبح ) تباشير الصبح أوائله قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
( بكر فقد صاحت العصافير ... ولاح من صبحك التباشير )
1085 - ( فلق الصبح ) من أمثالهم عن أبى عمرو أبين من فلق الصبح وأبين من عمود الصبح قال أبو تمام
( نسب كأن عليه من شمس الضحى ... نورا ومن ضوء الصباح عمودا )
وقال البحترى
( كالصبح يضرب فى الدجى بعموده ... )
ويقال كان ذلك من بياض الفلق إلى سواد الغسق أى من مفتتح النهار إلى مختتمه
1086 - ( نفس الربيع ) يضرب المثل بطيبه فيقال أطيب من نفس الربيع كما يقال أطيب من نفس الحبيب وقد ذكره من قال
( العذل والتفنيد غير صواب ... مع أربع أصبحن من أصحابى )
( نفس الربيع وصبوة عذرية ... ومدامة تجلى وشرخ شباب )
وقال
( تنفس هذا الربيع المريع ... وأصبح للروض كالرائض )
( وما فرحى بشباب الزمان ... والشيب يعرض فى عارضى )
1087 - ( جمرات الظهيرة ) تقع فى الاستعارات الحسنة كما كتب بعض الظرفاء فى وصف انتصاف نهار الصيف فقال انتقل من كل شىء ظله وقام قائم الهجيرة ورمت الشمس بجمرات الظهيرة (1/646)
1088 - ( قمر الشتاء ) يضرب به المثل فى الضياع فيقال أضيع من قمر الشتاء لأنه لا يجلس فيه كما يجلس فى قمر الصيف قال ابن حجاج
( خاطر يصفع الفرزدق فى الشعر ... ونحو ينيك أم الكسائى )
( غير أنى أصبحت أضيع فى القوم ... من البدر فى ليالى الشتاء )
1089 - ( فاكهة الشتاء ) يقال للنار فاكهة الشتاء قال الشاعر
( النار فاكهة الشتاء فمن يرد ... أكل الفواكه شاتيا فليصطل )
1090 - ( برد الكوانين ) يشبه به كل ما يوصف بالبرد قال الشاعر
( أبرد من برد الكوانين ... زيادة الواحل فى الطين )
( لا يصلح التسليم يوم الندى ... إلا لأصحاب البراذين )
وقد زاد ابن المعتز فى هذا المعنى زيادة حسنة فقال
( بكر نا وقد طاب الشراب وأوقدت ... حمياه فى القيال نار نشاط )
1091 - ( ركوب الكوسج ) جرت العادة فى أول يوم من شهر آذرماه الفارسى من كوسج أن يتناول فى هذا اليوم بعض الأدوية المسخنة ويطلى ببعض الأطلية الحارة ويركب ويخرج فى شهرة من الثياب المضحكة للناس وهذه السنة مستعملة ببغداد وفارس قال المرادى
( قد ركب الكوسج يا سيدى ... فانزل على المرهم والراح )
( وانعم بآذرماه عيشا وخذ ... من لذة العيش بمفتاح )
1092 - ( سقوط الجمرات ) كناية عن انتهاء البرد وابتداء الحر وسقوط الجمرات الثلاث فى ما بين شاباط وآذرماه على ما تنطق به التقاويم ووصف بعضهم إنسانا باردا فقال (1/647)
كأن قيام فلان من عندنا سقوط جمرة فى الشتاء
1093 - ( هلال شوال ) يضرب مثلا للشىء السار الذى يسر به الناس ويختلفون فى النظر إليه قال ابن المعتز
( مر بنا تشرق الطريق به ... فى قد غصن وحسن تمثال )
( فخلته والعيون تأخذه ... من كل فج هلال شوال )
أخذه من قول ذى الرمة حيث قال
( قياما ينظرون إلى بلال ... كأنهم يرون به الهلالا )
وقال الطائى
( رمقوا أعالى جذعه فكأنما ... رمقوا الهلال عشية الإفطار )
وقال كشاجم
( بحر علم غداة حجة خصم ... طود حلم هلال ليلة عيد )
1094 - ( حد الأحد ) كان قدار بن سالف ومن تابعه من ثمود عقروا ناقة الله يوم الأربعاء فصبحهم العذاب يوم الأحد فأهلكهم وفى الحديث ( تعوذوا بالله من شر الأحد ) وفيه وإياكم والشخوص يوم الأحد فإن له حدا كحد السيف )
ولما ولى يزيد بن معاوية سالم بن زياد خراسان كتب إلى عبيد الله بن زياد وهو على البصرة بأن يوجه عبد الله بن خازم فى أربعة آلاف من أهل البصرة فى تقوية سالم بن زياد فقال عبيد الله أخرجوا ابن خازم يوم الأحد إذا ضرب الناقوس حتى لا يرجع أبدا وجعل يردد الرسل والشرط إليه (1/648)
ليخرج وابن خازم يتربص ويعتل بالعوام إلى أن زاغت الشمس فركب بالعشى فقال للموكل به أعلم صاحبك أنه قد ذهب حد الأحد
وقال أبو تمام فى محمد بن يوسف وقد أوقع بقوم فى يوم الأحد
( من كان أنكأ حدا فى كنائسهم ... أأنت أم سيفك الماضى أم الأحد )
وقال إسماعيل الناشى
( تجنب حدة الأحد ... ولا تركب إلى أحد )
( فما بالدير من أحد ... يؤمل ثم لا أحد )
1094 - ( ثقل الأربعاء ) يقال إن الأربعاء أثقل الأيام وفيه قيل من مزدوجه
( الأربعا يوم وحش ... النحس فيه منكمش )
( الأخذ فيه والعطا ... من ذى المودات خطأ )
ولابن الحجاج من قصيدة يرثى بها أبا الفتح بن العميد
( أقول ليوم الأربعاء وقد غدا ... على بوجه أغبر اللون قاتم )
( بعثت على الأيام نحسا مؤيدا ... بشؤمك يا يوم الندى والمكارم )
وقرأت فى أخبار مزبد أن رجلا جاءه فقال له أحب أن تخرج معى وتصل جناحى فى حاجة لى فقال هذا يوم الأربعاء استثقله ولست ابرح من منزلى فقال الرجل وما تكره من يوم الأربعاء وفيه ولد يونس بن متى فقال لا جرم وقد بانت بركته فى اتساع موضعه وحسن كسوته حتى وصل على ورق القرع قال وفيه ولد يوسف قال ما أحسن ما فعل به إخوته حتى طال حبسه وغربته قال وفيه أوحى إلى إبراهيم عليه السلام (1/649)
قال فما كان أبرد الأتون الذى أوقدوه له حتى خلصه الله تعالى منه قال وفيه نصر الله رسوله يوم الأحزاب قال أجل بأبى أنت وأمى ولكن بعد أن باغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وظنوا بالله الظنونا هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا
فهذا فى الأربعاء عامة وأما الأربعاء التى لا تدور فقد قال ابن عباس رضى الله عنهما فيما رواه عن النبى أنه قال ( آخر أربعاء فى الشهر نحس مستمر )
وتمثل به من قال
( لقاؤك للمبكر يوم سوء ... ووجهك أربعاء لا تدور ) (1/650)
الباب الثامن والخمسون فى الآثار العلوية سوى ما تقدم منها
شمس العصر
لعاب الشمس
كلف البدر
عادة القمر
قمر المقنع
صحبة الفرقدين
مناط العيوق
نجوم الشباب
سحابة الصيف
مر السحاب
ظل الغمام
برق خلب
مطر الربيع
مطر مصر
ريق المزن
عيث الغيث
نسيم الصبا
أنفاس الرياح
الاستشهاد
1096 - ( شمس العصر ) تضرب مثلا للشيخ المسن ذى السن العالية الذى خرف وبلغ ساحل الحياة فيقال ما هو إلا شمس العصر على القصر
1097 - ( لعاب الشمس ) لعاب الشمس عند العرب هو ما يتراءى كالخيوط فى الجو عند شدة الحر قال الراجز
( وذاب للشمس لعاب فنزل ... وقام ميزان النهار فاعتدل )
وقد يشبه به الشىء الباطل الذى لا اصل له ويقال له أيضا مخاط الشيطان وخيط الشيطان وخيط الشمس وكما يقال لعاب الشمس يقال بصاق القمر للحجر الأبيض الذى يقال له حجر المها
1098 - ( كلف البدر ) يشبه به ما يعرض فى المحاسن من القبح وقد تقدم طرف من ذكره قال الشاعر
( إن يكن أثر فى عارضه ... ذلك الشعر ففى البدر كلف ) (1/651)
1099 - ( عادة القمر ) تضرب مثلا لمن لا يجىء إلا ليلا قال ابن الرومى
( لا تعجب من سرانا فالسرى ... عادة الأقمار والناس هجود )
وقال آخر
( هكذا البدر فى الظلام يواتى ... )
وقال أبو إسحاق الصابى
( سرى إلى وجنح الليل معتكر ... كذلك البدر فى ظلمائه سار )
1100 - ( قمر المقنع ) كان رجلا من أهل مرو أعور يقول بالحلول والتناسخ ويدعى الإلهية ويضرب فى السحر والنيرنجيات بسهم وافر فاتخذ وجها من ذهب واشتدت شوكته بما وراء النهر وتفاقم أمره وأجابه قومه المبيضة الذين بقيت منهم إلى الآن بقية فى حدود كش ونسف ومن مخاريقه أنه احتال حتى أظهر فى الجو قمرا يقال إنه من عكس شعاع عين الزئبق التى بتلك الأرض وهو حتى الآن منسوب إليه ولما كان سنة ثلاث وستين ومائة استعمل المهدى المسيب على خراسان وأمره بمحاربة المقنع فناصبه الحرب وتحصن المقنع فلما أحس باستيلاء المسيب على الحصن جميع نساءه كلهن وقال أنا صاعد إلى السماء فمن أراد أن يصحبنى فليشرب من هذا الشراب وسقاهن شرابا مسموما وشرب هو أيضا منه فمات ومتن جميعا
1101 - ( صحبة الفرقدين ) يضرب بها المثل فى طول الصحبة والتساوى والتشاكل كما قال البحترى (1/652)
( كالفرقدين إذا تأمل ناظر ... لم يعل موضع فرقد عن فرقد )
وقال آخر
( شغلى بمعتدل القوام ... ظلوم لحظ المقلتين )
( أفنيته عضا وتقبيلا ... وإنى بين ذين )
( وكأننى وكأن من ... أهوى اجتماع الفرقدين )
1102 - ( مناط العيوق ) يضرب به المثل فى البعد فيقال أعز من بيض الأنوق وابعد من مناط العيوق ويقال أيضا أبعد من مناط الثريا قال الشاعر
( وأبعد من هذا الذى قد اردته ... مناط الثريا من يد المتناول )
1103 - ( نجوم الشيب ) قال ابن الرومى
( رب ليل تراه كالدهر طولا ... قد تناهى فليس فيه مزيد )
( ذى نجوم كأنهن نجوم الشيب ... ليست تغور لا بل تزيد )
1104 - ( سحابة الصيف ) يضرب مثلا لمن يقل لبثه ويخف مكثه ويشبه بها أيضا غضب العاشق وقال أحد الحكماء الذين وقفوا على تابوت الإسكندر الرومى وتكلم كل واحد منهم بحكمة بالغة انظر إلى فلم النائم كيف انقضى وإلى سحاب الصيف كيف انجلى وكان ابن شبرمة إذا نزلت به نازلة يتمثل بقول الشاعر
( سحابة صيف عن قليل تقشع ... )
ومن فصل للصاحب سحائب الصيف اثبت من قولك والخط فى الماء أقوى من عهدك (1/653)
وفى الكتاب المبهج إقبال الدنيا كإلمامة طيف أو زيارة ضيف أو سحابة صيف
1105 - ( مر السحاب ) يتمثل به فى السرعة قال بعض الحكماء الفرص تمر مر السحاب قال الشاعر
( الدهر أقصر مدة ... من أن يمحق بالعتاب )
( فتغنم الساعات منه ... فمرها مر السحاب )
وقد شبه به الأعشى مشى المرأة حيث قال
( كأن مشيتها من بيت جارتها ... مر السحابة لا ريث ولا عجل )
1106 - ( ظل الغمام ) يضرب مثلا لما لا يدوم بل يسرع انقضاؤه قال كثير
( وإنى وتهيامى بعزة بعد ما ... تخليت عما بيننا وتخلت )
( لكا لمرتجى ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت )
وقال ابن المعتز
( إلا إنما الدنيا كظل غمامة ... إذا ما رجاها المستظل اضمحلت )
( فلا تك مفراحا إذا هى أقبلت ... ولا تك مجزاعا إذا هى ولت )
1107 - ( برق خلب ) يقال له برق خلب وبرق خلب قال الشاعر (1/654)
( وقول بلا فعل كبارق خلب ... )
وقال آخر
( لا يكن وعدك برقا خلبا ... إن خير البرق ما الغيث معه )
والبرق الخلب هو الذى لا غيث معه يضرب مثلا لمن يخلف كما يخلف ذلك البرق والخلب من الخلابة قال الليث عن الخليل البرق الخلب الذى يومض ويطمع فى المطر ثم يعد ويخلف
وللصاحب من رسالة وعدة برق خلب وروغان ثعلب
1108 - ( مطر الربيع ) الدهاقين يقولون مطر الربيع ماء كله أى نفع كله وذلك أن الماء حياة كل شىء فمطر الربيع هو الماء الذى تحيا به الأرض بعد موتها ولا يضيع منه شىء كما تضيع أمطار سائر الفصول وقد أحسن من قال لشارب دواء
( وجال نفع الدواء فيك كما ... يجول ماء الربيع فى المطر )
1109 - ( مطر مصر ) يضرب مثلا للشىء النافع يتضرر منه لأن من عيوب مصر أنها لا تمطر فإذا أمطرت كره أهلها ذلك أشد كراهة قال الله تعالى ( وهو الذى يرسل الرياح بشرا بين يدى رحمته ) يعنى المطر فهذه رحمة موجهة لهذا الخلق وهم لها كارهون وهى لهم غير موافقة ولا تزكو عليها زروعهم قال الشاعر
( يقولون مصر أخصب الأرض كلها ... فقلت لهم بغداد أخصب من مصر ) (1/655)
( وما مصر إلا بلدة مثل غيرها ... تعاقبها الأيام بالعسر واليسر )
( ولكنكم تطرونها بهواكم ... ولم تخل أرض من محب ومن مطر )
( وإلا فأين الخصب من معشر بها ... يقاسون أنواع العذاب من الفقر )
( وما خير قوم تجدب الأرض عندهم ... بما فيها خصب العالمين من القطر )
( إذ بشروا بالغيث ريعت قلوبهم ... كما ريع فى الظلماء سرب القطا الكدر )
قال الجاحظ وإذا هبت بها الريح المريسية وهى ريح الجنوب ثلاثة عشر يوما تباعا اشترى أهلها الأكفان والحنوط وأيقنوا بالوباء القاتل
1110 - ( ريق المزن ) يدخل فى باب الاستعارات قال بعض أهل العصر
( ر يق الحبيب بريق المزن والعنب ... أذاقنى ثمرات اللهو والطرب )
( وقد سرقت من الأيام صفوتها ... فكيف أهرب منها وهى فى طلبى )
1111 - ( عيث الغيث ) يضرب مثلا لما يعم خيره ويخص شره وذلك أن الغيث على إغاثته الخلق وإحيائه الأرض بعد موتها ربما ضر الخلق بهدم البيوت وتخريب العمران وتعويق المواعيد وإيذاء المسافرين وقد أنشد الشيخ أبو الفتح البستى
( لا ترج شيئا خالصا نفعه ... فالغيث لا يخلو منن العيث )
1112 - ( نسيم الصبا ) الصبا مخصوصة من بين الرياح برقة النسيم وطيب الهبوب لا نخفاضها عن برد الشمال وارتفاعها عن حر الجنوب وقد أكثر الناس من ذكرها قال امرؤ القيس (1/656)
( نسيم الصبا جاءت بريا القرنفل ... )
وقال ابن طباطبا
( أتانى قريض كنظم الجمان ... وروض الجنان وأمن الفؤاد )
( وعهد الصبا ونسيم الصبا ... وبرد الفؤاد وطيب الرقاد )
وقال ابن الرومى فى وصف اللوزينج
( مستكثف الحر ولكنه ... أدق جر ما من نسم الصبا )
1113 - ( أنفاس الرياح ) من إحدى الاستعارات الحسنة السائرة قال إسحاق بن خلف فى وصف السيف
( ألقى بجانب خصره ... أمضى من الأجل المتاح )
( وكأنما ذر الهباء ... عليه أنفاس الرياح )
وقال السرى فى وصف قصيدة ( أتتك وقد أعدت خلالك لفظها ... خلالا ففيه من خلالك رونق )
( معان كأنفاس الرياح بسحرة ... تمر بأنوار الرياض فتعبق ) (1/657)
الباب التاسع والخمسون فى الأدب وما يتعلق به
أدب النفس
حرفة الأدب
حلية الأدب
بيت القصيدة
طريق القافية
غذاء الروح
سير المثل
طغيان القلم
عنوان الخير
توراة الثمانين
آخر الصك
جواب الجواب
الاستشهاد
1114 - ( أدب النفس ) قالوا أدب النفس خير من أدب الدرس ونظمه من قال
( يا مغرقا فى أدب الدرس ... أفضل منه أدب النفس ) وأهدى أبو غسان التميمي إلى الأمير نصر بن أحمد فى يوم نيروز كتابا من تأليفه فقال له ما هذا يا أبا غسان فقال كتاب أدب النفس قال وكيف لا تعمل بما فيه وكان أبو غسان التميمى من سيئ الأدب فى المجالس ويعد ممن يسئ الأدب
1115 - ( حرفة الأدب ) قال الخليل حرفة الأدب آفة الأدباء وفى الكتاب المبهج حرفة الأدب حرفة وفى غيره حرفة الأدب حرقة
ويروى لنفر من الأدباء والشعراء منهم الخليل والحموى قولهم
( ما ازددت فى أدبى حرفا اسر به ... إلا تزيدت حرفا دونه شوم )
( إن المقدم فى حذق بصنعته ... أنى توجه منها فهو محروم ) (1/658)
وقال ابن بسام فى مرثية ابن المعتز
( ما فيه لو ولا ليت فتنقصه ... وإنما أدركته حرفة الأدب )
1116 - ( حلية الأدب ) قيل لكل شئ حلية وحلية الأدب الصدق قال الصاحب
( الزم الصدق إنه ... حلية العلم والأدب )
( كذب المرء شينه ... لعن الله من كذب )
1117 - ( بيت القصيدة ) يضرب مثلا فى تفضيل بعض الشئ على كله وقد تقدم ذكر مثله يقال فلان فارس الكتيبة وأول الجريدة وبيت القصيدة قال المتنبى
( ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ... أنت البديع الفرد فى أبياتها )
وهذا البيت بيت القصيدة التى عرضها
1118 - ( طريق القافية ) لما قال أبو إسحاق إبراهيم الموصلى فى وصف الخمر
( وصافية تعشى العيون رقيقه ... سلسلة عام فى الدنان وعام )
( أدرنا بها الكأس الروية بيننا ... من الراح حتى انزاح كل ظلام )
( فما بان قرن الشمس حتى كأننا ... من الغى نحكى أحمد بن هشام )
قال له أحمد بن هشام لم هجوتنى مع الصداقة التى بيننا قال لأنك قعدت على طريق القافية (1/659)
1119 - ( غذاء الروح ) يقال إن الأدب غذاء الروح كما أن الطعام غذاء الجسم وفى الكتاب المبهج الكلام الفائق بالحظ الرائق نزهة العين وفاكهة القلب وريحانة الروح انتهى
1120 - ( سير المثل ) يضرب به المثل فيقال أسير من مثل وقال أبو عثمان الخالدي
( إنى لأملأ للآماق من قمر ... بدر وأسير فى الآفاق من مثل )
1121 - ( طغيان القلم ) طغيان كل شئ مجاوزته حده وطغيان القلم إنما يجرى بما لا يقصده الكاتب فكأنه يطغى فى ذلك
1122 - ( عنوان الخبر ) قال ابن الرومى فى أبى الصقر
( له محيا جميل يستدل به ... على جميل وللبطنان ظهران )
( وقل من ضمنت خيرا طويته ... إلا وفى وجهه للبشر عنوان )
وقيل لإنسان وسيم جسيم ما هذه الجسامة قال عنوان نعمة الله
1123 - ( توراة الثمانين ) هى التى ترجمتها ثمانون حبرا لبعض ملوك الروم وذلك أنه أوردهم وفرق بينهم وأمرهم بترجمة التوراة ليأمن تواطؤهم على تغيير شئ منها ففعلوا وهى الآن أصح تراجم التوراة
1124 - ( آخر الصك ) يشبه به ما وصفه ابن الرومى وسبق إليه فى قوله (1/660)
( لك وجه كآخر الصك فيه ... لمحات كثيرة من رجال )
( كخطوط الشهود مشتهيات ... معلمات أن لست بابن حلال )
1125 - ( جواب الجواب ) كان الصاحب يقول جواب الجواب من الخطط الصعاب (1/661)
الباب الستون فى فنون مختلفة الترتيب على التوالى حروف الهجاء
الألف إرجاف العوام
أيام الشباب
أخبار الآحاد
أنفاس الحبيب
أنفاس الرياض
أسارى الثرى
أثافى الشر
الباء بكاء السرور
باب السماء
باب الآخرة
بكر بكرين
بيدق الشطرنج
بغلة الشطرنج
التاء تحلة القسم
ترهات البسابس
تقسيمات إقليدس
الثاء ثقل الفيل
ثقل الدين
ثقل الرصاص
الجيم جهد البلاء
جهد المقل
جلسة الآمن
جلسة الخطيب
جهل الصبا
الحاء حكم الصبى
حلم النائم
حب الظرف
حاسى الذهب
حمى الروح
الخاء خدعة الصبى
خطيب القدر
خبط الفيل
الدال دار القرار
داء الكرام
دينار يحيى
دعوة المظلوم
الذال ذل الفقر
ذل الهوى
ذل العز
ذل السؤال
الراء رشاء الحاجة
راكب الفيل
راكب التنين
ريق الدنيا
رقية الزنا (1/662)
الزاى زكاة الجاه
زغب الحسن
السين سقاية الحاج
سر الزجاجة
سوس المال
سر الفلك
سوط عذاب
سلم الشوق
سفاتج الأحزان
سقط الجند
الشين شريكا عنان
الصاد صحبة السفينة
صدع الزجاج
صبغة الشباب
صولة الكريم
صابون الهموم
الضاد ضمير الغيب
ضربة الخائف
ضربة لازب
الطاء والظاء طعم الحياة
ظل الموت
العين والغين عرق القربة
عرق الموت
عز التقى
غفلة الرقيب
غضب العاشق
غبار العسكر
غبار الولاية
غصص الموت
الفاء والقاف فتنة الدجال
فقاع القلى
فطنة الأعراب
فتح الفتوح
قبور الأحياء
قبلة الحمى
قرن الكركدن
قمع الفؤاد
قطب السرور
الكاف واللام كتاب النثار
كيمياء الفرح
كف الجواد
كرب الدواء
لمع السراب
لعاب المنية
لزوم الدبق
لذة الخلسة
الميم والنون مجالس الكرام
ميزان القوم
مصباح السرور
مفتاح النجاح
مفتاح باب الرزق
مفتاح الأمصار
مفتاح الفتن
مطية الجهل
مودة السوق
مولى الموالى
معترك المنايا
مدرجة الشرف
نقد البلد
نور الهموم
الواو والياء وقار الشيب
وقاحة العميان
ينبوع الأحزان (1/663)
الاستشهاد
1126 - ( إرجاف العوام ) كان محمد بن عبد الملك الزيات يقول إرجاف العوام مقدمة الكون فنظمه جحظة فقال
( أرى الإرجاف متصلا بنذل ... ولابس حلتى كبر وتيه )
( وإرجاف العوام مقدمات ... لأمر كائن لا شك فيه )
وخفف العوام وحقها التشديد وإنما جاء بها عامية بغدادية
1127 - ( أيام الشباب ) يشبه بها ما يوصف بالحسن والطيب قال ابن أبى البغل
( مداد مثل خافية الغراب ... وقرطاس كرقراق السراب )
( وأقلام كمرهفة الحراب ... وخط مثل موشى الثياب )
( وألفاظ كأيام الشباب ... )
1128 - ( أنفاس الحبيب ) يشبه بها كل شئ طيب قال أبو بكر الخوارزمى
( وطيب لا يحل لكل طيب ... يحيينا بأنفاس الحبيب )
( متى يشممه أنف جن قلب ... كأن الأنف جاسوس القلوب )
1129 - ( أنفاس الرياض ) من أحسن ما قيل فيها قول ابن الرومى
( كذلك أنفاس الرياض بسحرة ... تطيب وأنفاس الأنام تغير ) (1/664)
1130 - ( أخبار الآحاد ) هى التى لم يروها إلا الآحاد ولا يحكم بها أكثر الفقهاء ومن فصل للصاحب مولاى يعرف أخبار الآحاد وكم أهلكت من العباد وله من نتفة
( لا تع ما جاءك الوشاة به ... فإن هذى أخبار آحاد )
( وعد إلى الرسم فى مواصلتى ... وأعطف على عبدك ابن عباد )
1131 - ( أسارى الثرى ) كان محمد بن عبد الملك بن صالح إذا ذكر عنده قوم موتى بسوء قال كفوا عن أسارى الثرى
وفى معناه يقول ابن المعتز فى الفصول القصار لا تذكر الميت بشر فتكون الأرض أكتم عليه منك
1132 - ( اثافى الشر ) قال الأصمعى كان جرير والفرزدق والأخطل يسمون أثافى الشر تهاجوا أربعين سنة
1133 - ( بكاء السرور ) السرور إذا أفرط أبكى والغم إذا أفرط أضحك
قال أبو الطيب ومن السرور بكاء وقال آخر ( ومن فرح النفس ما يقتل ... )
وقال آخر ومن الشدائد ما يضحك وقال بعض العصريين
( وكنت أبكى قرير العين من فرح ... والآن من عجب فى ضحك مكروب )
( وكنت أولع بالتصفيق من طرب ... فالآن أوهى يدى تصفيق محروب ) (1/665)
1134 - ( باب السماء ) قلت فى الكتاب المبهج لا يقرع باب السماء بمثل الدعاء
1135 - ( باب الآخرة ) قال ابن المعتز فى الفصول القصار والموت باب الآخرة
1136 - ( بكر بكرين ) البكر الأول ولد الرجل والعرب تتشاءم به إذا كان ذكرا فإذا كان كل من أبويه كذا قيل له بكر بكرين وهو النهاية فى الشؤم وكان قيس بن زهير بكر بكرين وكان أزرق ويقال بكر بكرين شيطان قال الشاعر فى غلام كان بكر بكرين
( يا بكر بكرين ويا خلب الكبد ... أصبحت منى كذراع من عضد )
1137 - ( بيدق الشطرنج ) يشبه به القصير الدنئ الساقط وأظن الناظم أول من شبهه به حيث قال
( ألا يا بيدق الشطرنج ... فى القيمة والقامة )
( لقد صغر منك الكل ... غير الدبر والهامة )
1138 - ( بغلة الشطرنج ) يشبه بها من يستغنى عنه ولا يحتاج إليه ويكون دخيلا فى القوم إذ ليس للبغل مكان فى دواب الشطرنج وله يقال فى المثل من أنت فى الرفعة قال بعض العصريين
( يا كاتبا أقبل من زرنج ... مبرقع الوجه بلون الزنج ) اذهب فأنت بغلة الشطرنج
1139 - ( تحلة القسم ) أحسن ما سمعت فيها قول عبيد الله ابن عبد الله بن طاهر (1/666)
( حلف الأمير بقطعة يده ... إذ مس من يهواه بالألم )
( حتى إذا ضاق الفضاء به ... جعل الفصاد تحلة القسم )
1140 - ( ترهات البسابس ) ذكر الأصمعى ان الترهات الطرق الصغار المتشعبة من الطريق الأعظم والبسابس جمع بسبس وهو الصحراء الواسعة التى لا شئ فيها يقال لها بسبس وسبسب هذا أصل الكلمة ثم يقال لمن جاء بكلام محال أخذ فى ترهات البسابس وجاء بالترهات ومعنى المثل أنه اخذ فى غير القصد وسلك الطريق الذى لا ينتفع به كقولهم وركب بسبسات الطريق قال الشاعر
( تطاول ليلى واعترتنى وساوسى ... لآت أتى بالترهات البسابس )
1114 - ( تقسيمات إقليدس ) حكى ابو القاسم الآمدى قال سمع بعض الشيوخ من نقدة الشعر قول العباس بن الأخنف
( وصاكم هجر وحبكم قلى ... وعطفكم صد وسلمكم حرب )
( وأنتم بحمد الله فيكم فظاظة ... وكل ذلول من مراكبكم صعب )
فقال هذا والله أحسن من تقسيمات إقليدس
1142 - ( ثقل الفيل ) يضرب به المثل وكان أبو حنيفة رضى الله عنه كثيرا ما يتمثل بهذا البيت
( وما الفيل تحمله ميتا ... باثقل من بعض جلاسنا )
وأنشد الميدانى
( وما الفيل تحمله موقرا ... رصاصا بأثقل من معبد ) (1/667)
وقال بعض الظرفاء
( أنت والله ثقيل ... وثقيل وثقيل )
( أنت فى المنظر إنسان ... وفى المخبر فيل )
1143 - ( ثقل الدين ) يضرب به المثل كما قال ابن الرومى
( وثقيل كأنه ثقل دين ... يتعداه طالعا كل عين )
( حمل الله ثقلها ثقلها ثم ... براه علاوة الثقلين )
ويروى أن نعمان قال لأبنه يا بنى حملت الصخر والحديد فلم أحمل أثقل من الدين وأكلت الطيبات وعانقت الحسان فلم أصب ألذ من العافية وذقت المرارات فلم أذق أمر من الحاجة إلى الناس
1144 - ( ثقل الرصاص ) أنشد الجاحظ لابن دوست
( لى جيران ثقال كلهم ... فأخف القوم فى ثقل الرصاص )
( قلت لما قيل لى قد غضبوا ... غضب الخيل على اللجم الدلاص )
1145 - ( جهد البلاد ) اختلفت الآراء والأقاويل فيه فيروى أن الأحنف كان يقول فيه جهد البلاء خادم يدمدم وبيت يكف وحطب يفرقع وخوان ينتظر به غائب
وأتى عبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبى طالب برجل قد استحق القتل فأقيم ليضرب عنقه ودعا بالسياف فقال رجل من جلسائه هذا والله جهد البلاء فقال عبد الله لا تقل هذا فوالله ما هذا وشرط حجام بمشرطة إلا سواء ولكن جهد البلاء فقر مدقع بعد خير موسع
ويروى أن المأمون قال يوما لجلسائه ما جهد البلاء فقال عمرو بن (1/668)
مسعدة طول الليلة الساهرة من خوف ذى البطشة القادرة فقال إن هذا الجهد لم يبلغ أن يكون كل الجهد فقال صالح العباسي جهد البلاء زوال النعمة وانتهاك الحرمة والأمر الغمة فقال المأمون إن الأمر الغمة لناهيك به فقال الحجاج بن خيثمة بل جهد البلاء على من غضب عليه أمير المؤمنين فلا يقبل له عذرا ولا يعده صفحا فالأرض لا تقله والسماء لا تظله فقال ثمامة جهد البلاء جرى حكم جاهل على عالم فقال المأمون ينبغى أن يكون لحديثك قصة قال نعم يا أمير المؤمنين حبسنى الرشيد ووكل بى مسرورا فمنعنى النعاس وقرب الناس ثم دخل على يوما وهو يقرأ ( والمرسلات عرفا ) ويقول ( ويل للمكذبين ) فقلت إن المكذبين هم الرسل والمكذبين قومهم فقال قد قيل لى إنك قدرى ولكننى لم اصدق إلى الآن فأى جهد يكون أجهد من هذا فقال المأمون صدقت يا بن معن
وحكى الأصمعى عن المعتمر بن سليمان أنه قال لم يعالج جهد البلاء من لم يعالج الأيتام
وقال الجاحظ ليس جهد البلاء مد الأعناق وانتظار وقوع السيوف لأن الوقت قصير والحس مغمور ولكن جهد البلاء أن تظهر الخلة وتطول المدة وتعجز الحيلة فلا تجد صديقا مؤنسا إلا ابن عم شامتا وجارا حاسدا ووليا قد تحول عدوا وزوجة مختلفة وجارية مضيعة وعبدا لا يحترمك وولدا ينهرك
وقال فى مكان آخر قد علمنا أن المخنوق يجد الترفيه وإرخاء الوتر (1/669)
وأن صاحب الحصر وصاحب الأسر يجدان عند التطلق وانفتاح المخرج ما يجده آكل الرطب وكذلك المصبور على ضرب العنق هو الذى يسمى جهد البلاء فإنه إذا سلم وقد عاين بريق السيف يجد لتلك السلامة من اللذة مالا يجد لشئ من الفواكه والحلوى
1146 - ( جهد المقل ) أحسن ما سمعت فيه قول الشاعر
( قد بعثنا إليك اصلحك الله ... بشئ فكن له ذا قبول )
( لا تقسه إلى ندى كفك الغمر ... وإفضالك الجسيم الجزيل )
( واغتفر قلة الهدية منى ... إن جهد المقل غير قليل )
وكتب بعضهم فى ذكر قصيدة هى الجهد المقل لا دعوى المستقل
1147 - ( جلسة الآمن ) قيل لمحمد بن واسع ألا تسكن فقال تلك جلسة الآمن ولست به
1148 - ( جلسة الخطيب ) تمثل بها فى الخفة بعض الظرفاء فقال جلسة فلان عندى أخف من جلسة الخطيب فيما بين الخطبتين
وفى الكتاب المبهج جلسة العيادة خلسة
1149 - ( جهل الصبى ) يضرب به المثل فيقال أجهل من صبى ويقال الصبى صبى ولو لقى النبى قال الشاعر
( ولا تحكما حكم الصبى فإنه ... كثير على ظهر الطريق مجاهله )
1150 - ( حكم الصبى ) يضرب به المثل لمن يشط فى الأقتراح على صاحبه وكان أبو سفيان بن حرب إذا نزل به جار يقول له يا هذا إنك (1/670)
قد اخترتنى جارا فجناية على دونك وإن جنت عليك يد فاحكم على حكم الصبى على أهله وقال قدير بن منيع لجديع بن على لك على حكم الصبى على أهله
1151 - ( حلم النائم ) يشبه به ما يسرع انقضاؤه وقال حكيم كان مكتوبا على تابوت الإسكندر انظر إلى حلم النائم كيف انقضى وإلى سحاب الصيف كيف انجلى وقال الشاعر فى وصف الدنيا
( أحلام نوم أو كظل زائل ... إن اللبيب بمثلها لا يخدع )
وقال إبراهيم بن المهدى
( وما المرء دنياه إلا كهاجع ... رأى فى غرار النوم أضغاث أحلام )
1152 - ( حب الظرف ) هو الجرب عند فتيان الشام والعراق ومتظرفيهما قال الصنوبرى
( الشيب عندى والإفلاس والجرب ... هذا ا هلاك وذا شؤم وذا عطب )
( إن دام الحال لا ظفر يدوم ولا ... جلد يدوم ولا لحم ولا عصب )
( ولقبوه بحب الظرف ليتهم ... يانفس ضاعوا كما قد ضاع ذا اللقب )
وقال آخر
( يا صروف الدهر حسبى ... اى دنب كان ذنبى )
( علة عمت وخصت
فى حبيب ومحب )
( دب فى كفيه ظرف ... حبه دب بقلبى )
( فهو يشكو حر حب ... واشتكائى حر حب ) (1/671)
( ومن أحسن ما سمعت فى الجرب قول الآخر
( سيدى ليس ذا جرب ... هذه حكة الطرب )
( كلما قلت قد ذهب ... دب فى الجلد والتهب )
( ما أراه مزايلى ... ما رأى التين والعنب )
1153 - ( حاسى الذهب ) هو عبد الله بن جدعان يسمى حاسى الذهب لأنه كان يشرب فى أناء ذهب وكانت قريش تتمثل بقولها أقرى من حاسى الذهب لجوده وكثرة قراه
1154 - ( حمى الروح ) كان بختشيوع يقول للمأمون يا أمير المؤمنين لا تجالس الثقيل فإنا نجد فى كتبنا أن مجالسه الثقيل حمى الروح
1155 - ( خدعة الصبى ) من أمثال العرب إنها خدعة الصبى عن اللبن يقال للشئ اليسير يخدع به الإنسان عن الشئ الخطير وإنما يشبه بما يعطى الصبى عند فطامه من طعام أو غيره فيعلل به ليسلو عن اللبن
1156 - ( خطيب القدر ) سمعت الأمير السيد أدام الله تأييده يقول سأل أعرابى اهله فقال اين بلغت قدركم فقالت قد قام خطيبها تكنى عن الغليان
1157 - ( خبط الفيل ) يضرب به المثل فى ثقل الوطأة وكانت الأكاسرة ربما قتلت الرجل بوطء الأفيلة وكانت قد دربت على ذلك وعلمت (1/672)
فإذا ألقى إليها الرجل تركت العلف وقصدت نحوه فضربته بخراطيمها وخبطته بقوائمها حتى يموت وكان ممن ألقى تحت أرجل الفيلة النعمان ابن المنذر
1158 - ( دار القرار ) قال الله عز من قائل ( وإن الآخرة هى دار القرار ) قال على بن الجهم
( من وراء الشباب شيب حثيث السير ... والليل مزعج بنهار )
( ومع الصحة السقام وحال العز ... مقرونة بحال الصغار )
( ليس دار الدنيا بدار قرار ... فتزود منها لدار القرار
1159 - ( دينار يحيى ) يحيى هذا بلى بالعباس المصيصي الخياط المعروف بالمشنوق لما أعطاه دينارا خفيفا كما بلى ابن حرب بالحمدونى إذ خلع عليه طيلسانا خلقا فصار دينار يحيى مثلا فى الخفة كما صار طيلسان ابن حرب مثلا فى الخلوقة فمن ملح العباس فى دينار يحيى قوله
( دينار يحيى ذلك الرجس ... كأنما جاء من الحبس )
( وفى هبوب الريح يحكى لنا ... تقلب الرقاص فى العرس )
( كأنه فى الكف من خفة ... مقداره من صفرة الورس )
وله أيضا رحمه الله تعالى
( دينار يحيى زائد النقصان ... فيه علامة سكة الحرمان )
( قد دق منظره ودق خياله ... فكأنه روح بلا جثمان )
( أهداه مكتتما إلى برقعة ... فوجدته أخفى من الكتمان ) (1/673)
1160 - ( داء الكرام ) كناية عن الدين لأن الكرام كثيرا ما يبتلون به وربما يراد به رقة الحال كما قال الشاعر
( وافق المهرجان والعيد منى ... رقة الحال وهى داء الكرام )
( فاقتصرنا على الدعاء وفيه ... صدق عون على وفاء الذمام )
وقال آخر
( أحمد ربى اللطيف حمد فتى ... فى كدر العيش غير مغبون )
( إن كان داء الكرام يعرونى ... فإن داء الملوك يعدونى )
1161 - ( دعوة المظلوم ) جاء فى الخبر اتقوا دعوة المظلوم ولو كان كافرا وفيه اتقوا دعوة المظلوم فإنها لينة الحجاب وقال الشاعر
( كنت الصحيح وكنا منك فى سقم ... فإن سقمت فإنا الظالممون غدا )
( دعت عليك أكف طالما ظلمت ... ولن ترد يد مظلومة أبدا )
وبات أبو العيناء عند ابن مكرم فى بيت فتأذى بفسائه فتحول إلى الصفة فلحقه النتن فصعد غرفة فوجد تلك الرائحة فقال له يا بن الفاعلة ما أشبه فساءك بدعوة المظلوم والريح العقيم ليس دونهما حجاب
1162 - ( ذل السؤال ) من أحسن ما سمعت فيه قول القائل
( يقول الناس كسب فيه عار ... فقلت العار فى ذل السؤال )
( لنقل الصخر من قلل الجبال ... أخف على من منن الرجال )
وقول أبى تمام
( ذل السؤال شجافى الحلق معترض ... من فوقه شرق من تحته جرض ) (1/674)
( ما ماء كفك إن جادت وإن بخلت ... من ماء وجهى إذا أفنيته عوض )
1163 - ( ذل الفقر ) من دعاء بعض السلف اللهم إنى أعوذ بك من ذل الفقر وبطر الغنى قال ابن أبى السرح
( صحبتكم حولين فى حال عزة ... أرجي نداكم والجنون فنون )
( فما نلت منكم طائلا غير أننى ... تعلمت ذل الفقر كيف يكون )
1164 - ( ذل الهوى ) لما قصد أبو تمام البصرة شق ذلك على عبد الصمد بن المعذل فكتب إليه يقول
( أنت بين اثنتين تبرز للناس ... وكلتاهما بوجه مذال )
( لست تنفك طالبا لوصال ... من حبيب أو طالبا لنوال )
( أى ماء لحر وجهك يبقى ... بين ذل الهوى وذل السؤال )
1165 - ( ذل العزل ) كان بعض الولاة يقول لا يقوم عز الولاية بذل العزل وقال ابن المعتز
( وذل العزل يضحك كل يوم ... ويضرب فى قفا الوالى المدل )
1166 - ( رشاء الحاجة ) من فصول أبى الفتح البستى القصار الرشوة رشاء الحاجة
1167 - ( راكب الفيل ) سمع البحترى قول الشاعر
( ومغن يتغنى ... بطعام وشراب )
( فإذا رمنا سكوتا ... فبمال وثياب ) (1/675)
فقال مثل هذا مثل راكب الفيل يركب بدانق وينزل بدرهم
1168 - ( راكب اثنين ) يضرب مثلا لمن يعمد لشيئين اثنين فما يتحصل منهما على شئ ويتضرر بذلك قال الشاعر
( أضحى حريث أدام الله صرعته ... كراكب اثنين يرجو قوة اثنين )
( حتى إذا أخذا فى حال شوطهما ... تفرقا فهو فى بين الطريقين )
( طال الزمان ولم يظفر بحاجته ... كذاك حال الذى يدعو إلهين )
1169 - ( ريق الدنيا ) أول من قال ذلك للنبيذ ابن الرومى فى قوله
( فتى هجر الدنيا وحرم ريقها ... وما ريقها إلا الشراب المصرد )
وفى الكتاب المبهج الدنيا معشوقة ريقها الراح
1170 - ( رقية الزنا ) قال المدائنى لما نزل الحطيئة بيتى فسمع شبانا يتغنون فقال جنبونى تغنيكم فإن الغناء رقية الزنا
وكان سليمان بن عبد الملك يقول إن الفرس يصهل فتنق له الحجر وأن الفحل يهدر فتضع له الناقة وإن التيس لينب فتستحرم له العنز وإن الرجل يغنى فتشتاق له المرأة
1171 - ( زكاة الجاه ) سأل سائل رئيسا كتاب وصاة فمنعه إياه فقال له إن الله تعالى قد أمرنا بإيتاء الزكاة وزكاة الجاه الكتب فأمر له بما سال
ومما يستحسن لأبى احمد بن أبى بكر الكاتب قوله لأبى الفضل البلعمى (1/676)
( يا أبا الفضل لك الفضل المبين ... وبما تكنى به أنت قمين )
( ليس تخلو من زكاة نعمة ... أوجبت شكرا لرب العالمين )
( فزكاة المال من أصنافه ... وزكاة الجاه رفد المستعين )
1172 - ( زغب الحسن ) أول من قال ذلك لخط عارض الغلام الصاحب فى قوله
( قلت وقد قيل بدا شعره ... بمثل ذاك الشعر لا يشعر )
( هل زغب الحسن له ضائر ... ذا القر التم به يقمر )
1173 - ( سقاية الحاج ) كانت من مكارم قريش ومآثرها إذ كانت تسقى الحاج نبيذ الزبيب طول أيام الموسم وكانت تسمى تلك المكرمة سقاية الحاج ويتولاها أكابرهم ويتوارثونها كابرا عن كابر حتى استقرت للعباس بن عبد المطلب وسمى ساقى الحجيج
ويروى أن مفاخرة وقعت بين طلحة بن شيبة والعباس وعلى بن أبى طالب رضى الله عنهم فقال العباس أنا صاحب السقاية والقائم عليها وقال ابن شيبة أنا صاحب البيت ومعى مفتاحه فقال على ما أدرى ما تقولون أنا صليت إلى هذه القبلة قبلكما وقبل الناس أجمعين بستة أشهر فنزلت آية ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر )
1174 - ( سر الزجاجة ) يضرب مثلا لما لا يكتم من الأسرار لأن الزجاجة جوهر لا يكتم فيه شئ لما فى جرمه من الضياء
وكتب ابن المعتز إلى صديق له أقلل من فلان نصيبك فإنه أنم من زجاجة على ما فيها (1/677)
وللسرى فى هذا المعنى ملح لم أر مثلها حسنا وبراعة فمنها قوله وهو يعاتب صديقا له أسر له حديثا فأذاعه
( لسانك السيف لا يخفى له أثر ... وأنت كالصل لا تبقى ولا تذر )
( سرى إليك كأسرار الزجاجة لا ... يخفى على العين منها الصفو والكدر )
( فاحذر من السر كسرا لا انجبار له ... فللزجاجة كسر ليس ينجبر )
ومنها قوله
( رأيتك تبدى للصديق نوافذا ... عدوك من أمثالها الدهر آمن )
( وتكشف أسرار الأخلاء مازحا ... ويا رب مزح راح وهو ضغائن )
( سألقاك بالبشر الجميل مداهنا ... فلى منك خل مذ عرفت مداهن )
( أنم بما استودعته من زجاجة ... يرى الشئ منها ظاهرا وهو باطن )
وقوله
( أريد منك ثمارا لست أخفيها ... وأرتجى الحال قد حلت أواخيها )
( أستودع الله خلا منك أو سعه ... ودا ويوسعنى غشا وتمويها )
( كأن سرى فى أحشائه لهب ... فما تطيق له طيا حواشيها )
( قد كان صدرك للأسرار جندلة ... ضنينة بالذى تخفى نواحيها )
( فصار من بث ما استودعت جوهرة ... رقيقة تستشف العين ما فيها )
وللأمير السيد أدام الله تأييده فى حل البيتين الأخيرين قد كان فى حفظ السر صخرة لا تنصدع فأصبح زجاجة لا يحجب ما فى ضمنه ولا يمتنع
1175 - ( سر الفلك ) قال بعض العصريين فى صديق له منجم
( صديق لنا عالم بالنجوم ... يحدثنا بلسان الفلك ) (1/678)
( ويكتم أسرار إخوانه ... ولكن ينم بسر الملك )
1176 - ( سوط عذاب ) من استعارات القرآن قول الله تعالى ( فصب عليهم ربك سوط عذاب ) اقتبس منه كشاجم فقال
( يا رحمة الله التى قد أصبحت ... دون الأنام على سوط عذاب )
1177 - ( سلم الشرف ) قال بعض الحكماء التواضع سلم الشرف وقال آخر التواضع من مصايد الشرف
1178 - ( سوس المال ) قال بعضهم العيال سوس المال ومن أبلغ ما قيل فى التمثل بالسوس قول خالد بن صفوان وبالله لثلاثون فى مالى أسرع من السوس فى الصوف فى الصيف
وقال أبو نصر العتبى فى فصوله القصار للهم فى وخز النفوس أثر السوس فى خز السوس
1179 - ( سفاتج الأحزان ) قال بعض الأدباء كتب الوكلاء سفاتج الأحزان فنظمه من قال
( طلب الثناء مجاهدا ليعزه ... فغدا بدار مذلة وهوان )
( ورأى رقاع وكيله فزهى بها ... فإذا الرقاع سفاتج الأحزان )
وفى الكتاب المبهج الضياع مدارج الغموم وكتب وكلائها سفاتج الهموم (1/679)
1180 - ( سقط الجند ) هم الذين قد أسقطت أرزاقهم فلا أذل منهم ولا أضيع يضرب بهم المثل فى السقوط والذل قال الشاعر
( وعاشق من سقط الجند ... قد مات من شهوة الشهد )
( أهدى إلى أحبابه كامخا ... في زمن النرجس والورد ) 1181
شريكا عنان يضرب بهما المثل كقولهم رضيعا لبان فى المتقاربين المتماثلين وقد أحسن أبو تمام فى الجمع بينهما وبين ما يذكر معهما من أشكالهما حيث قال
( شريكا عنان رضيعا لبان ... عتيقا رهان حليفا صفاء )
1182 - ( صحبة السفينة ) يضرب مثلا فى الصحبة التى لا صداقة معها وذلك أن الناس ربما تصاحبوا فى السفينة ثم لا يتصادقون بعدها قال الشاعر
( من غاب عنكم نسيتموه ... وروحه عندكم رهينة )
( أظنكم فى الوفاء ممن ... صحبته صحبة السفينة )
1183 - ( صبغة الشباب ) هى السواد فإن الإنسان أحسن ما يكون فى العين ما دام أسود الشعر قال كشاجم فى وصف مجللات بسواد
( كسيت من أديمها الحلل الجون ... غشاء أحسن به من غشاء ) (1/680)
( مشبها صبغة الشباب ولمات ... العذارى ولبسة الخلفاء )
1184 - ( صدع الزجاج ) يضرب مثلا لما لا يجبر ولا يلتئم وأنشدنى الأمير السيد أدام الله تمكينه لابن العلاف فى الزجاج فقال
( قد ود قد جبرناه ... فأعيتنا صدوعه )
( فإذا ودك مما ... كنت بالأمس تبيعه )
1185 - ( صولة الكريم ) يقال اتقوا صولة الكريم إذا جاع وصولة اللئيم إذا شبع ويقال نعوذ بالله من صولة الكريم إذا جاع وضربة الجبان إذا خاف
1186 - ( صابون الهموم ) كان كسرى يقول النبيذ صابون الهموم ومن أمثال التجار النقد صابون القلوب يعنون أنه يغسل ما خامرها من الموجدة بطول المطل
1187 - ( ضمير الغيب ) قال بعض فضلاء أهل العصر
( كم فى ضمير الغيب من أسرار ... يهدى اليسار إلى ذوى الإعسار )
( فاستشعر الظن الجميل توقعا ... لمناجح الأوطار والأطوار )
1188 - ( ضربة الجبان ) يقال اتقوا ضربة الجبان إذا خاف لأنه لا يبقى ولا يذر ومن أمثالهم عصا الجبان أطول والله أعلم
1189 - ( ضربة لازب ) يضرب مثلا فى الشئ الواجب اللازم قال البحيرى (1/681)
( وإذا رأيت الهجر ضربة لازب ... يوما رأيت الصبر ضربة لازب )
1190 - ( طعم الحياة ) سئل بعضهم عن طعم الماء فقال طعم الحياة قال ابن المعتز
( هاك منى خذها ومنك فهات ... صفق مشمولة كطعم الحياة )
( كل يوم تعفو الحوادث حال ... فانتهز فيه فرصة الأوقات )
1191 - ( ظل الموت ) قال أعرابى لابنه يا بنى كن يدا لأصحابك على من قاتلهم ولكن إياك والسيف فإنه ظل الموت واتق الرمح فإنه رشاء المنية واحذر السهام فإنها رسل الهلاك قال فبماذا أقاتل قال بما قال القائل
( جلاميد ترتاد الأكف كأنها ... رءوس رجال حلقت بالمواسم )
1191 - ( عرق القربة ) من أمثال العرب فى عرق القربة لقيت من فلان عرق القربة أى شدة ومشقة وأصله أن حامل القربة يتعب فى حملها وثقلها حتى يعرق جبينه فاستعير عرقه فى موضع الشدة والتعب
1193 - ( عرق الموت ) يضرب مثلا لأشد الشدة وكان الحسين الخادم خادم المعتضد والمكتفى الذى كان يتولى البريد يلقب بعرق الموت وقيل إن المكتفى لقبه بذلك (1/682)
1194 - ( عز التقى ) يقال إنه لم يمدح عالم بأحسن من قول ابن الخياط فى الإمام مالك بن أنس رضى الله تعالى عنه
( يأبى الجواب فما يراجع هيبة ... والسائلون نواكس الأذقان )
( هذا التقى وظل سلطان التقى ... لهو المهيب وليس ذا سلطان )
1195 - ( غفلة الرقيب ) يشبه بها ما يستحسن ويستلذ كما قال العطوى
( أحسن من غفلة الرقيب ... وغمزة اللحظ من حبيب )
وقال غيره
( يدير فى كفه مداما ... أحسن من غفلة الرقيب )
ومن فصل للأمير السيد أدام الله تأييده ما زلت أسمع بوصل الحبيب وغفلة الرقيب ونيل الوطر ومخالسة النظر وكل ذلك مستصغر فى جنب سرورى بكتابك وإعجابى بثمرة خطابك
1196 - ( غضب العاشق ) تشبه به سحابة الصيف وتشبه سحابة الصيف بغضب العاشق فى سرعة الأنحلال
وكان الهمذانى يقول غضب العاشق أقصر عمرا من أن ينتظر عذرا
1197 - ( غبار العسكر ) كان أبو السمط مروان بن أبى الجنوب يلقب غبار العسكر لقوله
( لما بدا لون المشيب سترته ... وتركت منه ذوائبا لم تستر ) (1/683)
( قالت أرى شيبا برأسك قلت لا ... هذا غبار من غبار العسكر )
وفى رهج الخميس يقول أبو تمام
( من لم يقد فيطير فى خيشومه ... رهج الخميس فلن يقود خميسا )
وفى كتاب المبهج ناهيك بمن أدى حق الخميس وطار فى أنفه رهج الخميس
1198 - ( غصص الموت ) يشبه بها كل ثقل وكراهة قال الشاعر
( وصديق كأنه غصص الموت ... كثير المراء ويشجى الخليلا )
( يذكر الدين والخصومة فى الدين ... وقد حازت الكئوس العقولا )
( ويصلى فى غير وقت صلاة ... ليس إلا لأن يكون ثقيلا ) 1199 ( فتنة الدجال ) كان النبى يتعوذ بالله من فتنة الدجال وعذاب القبر والأخبار فى وصف الدجال وفتنته والأختلاف فى أمره أعظم من أن يتسع لها هذا الباب
1200 - ( فقاع القلى ) قال بعض المولدين
( شربت فقاع القلى بعدكم ... لعارض من تخمة الحب )
( حتى تجشأت جميع الذى ... قد كان من حبك فى قلبى )
1201 - ( فطنة الأعراب ) يضرب بها المثل وذلك لصفاء أذهانهم وجودة قرائحهم قال شاعر فى قوم (1/684)
( لا دقة الخصر الرقيق غذتهم ... وتباعدوا عن فطنة الأعراب )
1202 - ( فتح الفتوح ) فتح مكة يسمى فتح الفتوح ويشبه به كل فتح جليل القدر كما قال أبو تمام فى فتح عمورية
( فتح الفتوح تعالى أن يحيط به ... نظم من الشعر أو نظم من الخطب )
( فتح تفتح أبواب السماء له ... وتبرز الأرض فى أثوابها القشب )
1203 - ( قبور الأحياء ) يروى أن يوسف عليه السلام كتب على باب السجن هذه منازل البلوى وقبور الأحياء وتجربة الأصدقاء وشماتة الأعداء
1204 - ( قبلة الحمى ) هى ما يثور بشفة المحموم من البثور وتسميها أهل اللغة العقابيل قال الشاعر
( يا ليت حماك بى أو كنت حماك ... إنى أغار عليها حين تغشاكا )
( حماك حاسدة حماك عاشقة ... لو لم تكن هكذا ما قبلت فاكا )
1205 - ( قمع الفؤاد ) قال بعض الحكماء الأذن قمع الفؤاد
ومن فصل للصاحب زوج بنات صدرك من بنى علمى وأفرغ صوب عقلك فى قمع أذنى
1206 - ( قرن الكر كدن ) الكركدن حيوان لا يكون (1/685)
إلا بأرض الهند يحكى عنه أعاجيب ويذكر أن قرنا واحدا فى جبهته فى طول ذراع وعرضه يضرب به المثل ويشبه به القرنان قال ابن الرومى
( كان للكركدن قرن فأضحى ... وهو الآن عند قرنك مدرى )
( من يكن قرنه كقرنك هذا ... فليكن بابه كإيوان كسرى )
1207 - ( قطب السرور ) هو النبيذ عند أصحابه قال العطوى
( أنا بالقرب منك عند كريم ... لم أجد فى نداه شبه شبيه )
( مجلس كالرياض حسنا ولكن ... ليس قطب السرور يا قطب فيه )
وقال السرى
( الكأس قطب السرور والطرب ... فاحظ بها قبل حادث النوب )
1208 - ( كتاب النثار ) هم الكتاب الذين لم يختلفوا إلى الكتاب وكان الخوارزمى يقول فلان من أدباء الدار وكتاب النثار
وممن ذكرهم فى شعره ابن عروس حيث قال
( ولما أن رايتهم وقوفا ... على الجسرين كالحدا الضوارى )
( سألت فقيل كتاب ولكن ... ألم تسمع بكتاب النثار )
ثم قال
( وكم بغل على بغل وكم من ... حمار قد أناف على حمار )
( وبرذون تراه قد تثنى ... على برذونه مثل الجدار )
1209 - ( كيمياء الفرح ) النبيذ كيمياء الفرح وصابون الفرح وجام الكرم (1/686)
1210 - ( كف الجواد ) قال العسكرى فى تشبيهه المطر بها
( حال بينى وبين بابك حالان ... وحول وقرب عهد عهاد )
( فكأن الوحول ليل محب ... وكأن السماء كف جواد )
1211 - ( كرب الدواء ) كان المكتفى يلقب وزيره العباس بن الحسين كرب الدواء فلما قتل فى أيام المقتدر قيل فيه
( قد أرحنا من بلاء ... ومضى كرب الدواء )
( كان والله على الصحة ... غيظ العقلاء )
1212 - ( لمع السراب ) يضرب مثلا لما لا حاصل له من الوعد الكاذب وغيره قال المأمونى
( يفتح بالوعد باب نائلها ... حتى يرى الوصل ثم ينطبق )
( وعد كلمع السراب تحسبه ... منك قريبا ودونه شفق )
ومن فصل للصاحب بعض الوعد كلمع السراب وبعضه كنقع التراب والأصل فيه قوله تعالى ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا )
1213 - ( لعاب المنية ) كان لأبى حية النميرى سيف ليس بينه وبين العصا فرق وكان يسميه لعاب المنية فحكى جار له قال اشرفت عليه ليلة وقد انتضاه وكان كلب قد دخل بيته فظنه لصا فجعل يقول أيها المغتر بنا والمجترئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك خير قليل وشر طويل وسيف صقيل ولعاب المنية الذى سمعت به مشهورة ضربته ولا تخاف نبوته (1/687)
اخرج بالعفو عنك أو لأدخلن العقوبة عليك والله لئن أدع قيسا لتملأ الفضاء خيلا ورجلا سبحان الله ما أكثرها وأطيبها ثم فتح الباب فخرج كلب فقال الحمد لله الذى مسخك كلبا وكفانا حربا
1214 - ( لزوم الدبق ) وصف الحسين الجمل البصرى ابن الخراسانى فقال يلزم لزوم الدبق إلى أن يأخذ شيئا ثم ينسل انسلال الزئبق
1215 - ( لذة الخلسة ) قال الجاحظ قيل لرجل يعشق قينة لو اشتريتها ببعض ما تنفق عليها فقال كيف لى إذ ذاك بلذة الخلسة ونيل المسارقة وانتظار الوعد على الرقبة وإيقاع الكشح على مولاها
1216 - ( مجالس الكرام ) كان ابو مسلم الخولانى يكثر الجلوس فى المساجد ويقول المساجد مجالس الكر ام
1217 - ( ميزان القوم ) كانت العرب تقول السفر ميزان القوم كأنه يزنهم بأوزانهم ويفصح عن مقاديرهم فى الكرم واللؤم قال الشاعر
( ولا تكن كلئام أظهروا ضجرا ... إن اللئام إذا ما سافروا ضجروا )
1218 - ( مصباح السرور ) فى الكتاب المبهج الخمر مصباح السرور ولكنها مفتاح الشرور
1219 - ( مفتاح النجاح ) قال بعض الحكماء مفتاح النجاح الصبر على طول مدته (1/688)
قال الشاعر
( مفتاح باب الفرج الصبر ... كل عسر بعده يسر )
( وكل من أعياك أخلاقه ... فإنما حيلته الهجر )
1220 - ( مفتاح باب الرزق ) قال الشاعر وهو أحسن ما قيل فى معناه
( قبل أنامله فلسن أناملا ... لكنهن مفاتح الأرزاق )
1221 - ( مفتاح الأمصار ) كان يقال لعمر بن الخطاب رضى الله عنه مفتاح الأمصار لأنه هو الذى فتح أكثرها وهو أول من مصر الأمصار ودون الدواوين فى الإسلام
1222 - ( مفتاح الفتن ) يقال إن ذلك كان قتل عثمان رضى الله عنه وقيل بل قتل الحسين رضى الله عنه حدث الصولى قال حدثنى الحسين بن على الكاتب قال دخلت يوما على عبيد الله بن سليمان وعنده ابن الأشنب وحده فحين وقعت عينه على قال لى يا أبا عبد الله إنا رضينا فى شئ قد تشاجرنا فيه بأول من يدخل علينا فاحكم بيننا من غير أن تعرف ما قاله كل واحد منا لئلا تتبع قوله ثم قال تلاحينا على أشد ما كان فى الإسلام على المسلمين فقال أحدنا أشده قتل عثمان لأنه مفتاح الفتن وأول الاختلاف وسبب الفرقة وقال أحدنا قتل الحسين لأن المسلمين يئسوا بعد قتله من كل فرج يرتجونه وعدل ينتظرونه قال فقلت أيد الله الوزير الأمر فى هذا الحكم أوضح سبيلا وأقرب متناولا من أن يقع فيه لأحد شك قال أين ذلك اشرحه لنا فقلت إن أشده على رسول الله فهو (1/689)
الأشد على المسلمين فضحك عبيد الله وقال لله درك يا أبا عبد الله من صادع بالحق حاكم بالعدل أنت والله أحج فى جوابك من قريش فقال ابن الشنب لا يكون أشد على رسول الله من أمر عثمان رضى الله عنه وإن لم يكن عنده كالحسين لأمر الإسلام فقال عبيد الله اسكت يا هذا فإنك عند الحجة عطفت عن المحجة
1223 - ( مطية الجهل ) هى الشباب قال ابن عباس رضى الله عنه فى تفسير قوله تعالى ( إذ أنتم جاهلون ) قال سفيان قال الحسن أى شبان لأن الشباب مطية الجهل قال النابغة
( فإن يك عامر قد قال جهلا ... فإن مطية الجهل الشباب )
ومن روى مظنة بالظاء والنون عنى معدلة قال أبو نواس
( كان الشباب مظنة الجهل ... ومحسن الضحكات والهزل )
1224 - ( مودة السوقة ) يضرب بها المثل فى الضعف والركاكة قال بعضهم
( قد نرى يا بن أبى إسحاق ... فى ودك عهده )
( وكذا السوقى للإخوان ... سوقى المودة )
1225 - ( مولى الموالى ) يضرب به المثل فى القلة والذلة قال الجاحظ أنشدنى ابو زيد وأبو عبيدة
( فلو كان عبد الله مولى هجوته ... ولكن عبد الله مولى مواليا ) (1/690)
وأنشد
( من لقلب صد عن سلمى ... على غير مثال )
( صد عنها خشية الناس ... ومن قيل وقال )
( رغبت عنى لأنى ... كنت مولى لا أبالى )
وأنشد مولى لموال
( ليتها قالت إذا ما ... غيروها لا ابالى )
1226 - ( معترك المنايا ) هو ما بين الستين إلى السبعين من أعمار الناس لأن النبى قال ( أكثروا أعمار أمتى ما بين الستين إلى السبعين ) \ ح \ ولما أنافت سنو عبد الملك بن مروان على الستين وسئل عن مبلغ عمره قال فى معترك المنايا
1227 - ( مدرجة الشرف ) قال أكثم بن صيفى المناكح الكريمة مدارج الشرف
1228 - ( نقد البلد ) يضرب مثلا للإنسان المتوسط ويشبه ما يتعامل به أهل البلاد من النقد المتوسط بين الجودة والرداءة فيقال فلان من نقد البلد ومن الطبقة الوسطى
1229 - ( نور الهموم ) هو الشيب قال ابن المعتز
( أنكرت هند مشيبى وولت ... بدموع فى الرداء سجوم )
( فاعذرى يا هند شيبى لهمى ... أن شيب الرأس نور الهموم ) (1/691)
وقد شبه الشيب كثيرا بالنور قال ابن الرومى
( قد يشيب الفتى وليس عجيبا ... أن يرى النور فى القضيب الرطيب )
وقال التميمى
( أقول ونوار المشيب بعارضى ... قد افتر عنه ناب أسود سالخ )
( أشيب وحاجات الفؤاد كأنما ... يجيش بها الصدر مرجل طابخ )
وقال آخر
( لم يعرف القوم الأولى شبهوا المشيب ... بالنوار ما شبهوا )
( الشيب نوار ولكنه ... يثمر بالموت فآها له )
1230 - ( وقار الشيب ) يروى أن إبراهيم عليه الصلاة و السلام أول من شاب وحلاه الله بالشيب ليميزه عن إسحاق إذ كان من الشبه به مالا يكاد يميز بينهما فلما وخطه الشيب قال يا رب ما هذا قال هو الوقار قال يا رب زدنى وقارا وقال دعبل
( أهلا وسهلا بالمشيب فإنه ... سمة الوقور وهيبة المتحرج )
وقال أبو نواس
( يقولون فى الشيب الوقار لأهله ... وشيبى بحمد الله غير وقار )
ومن فصل للبديع الهمذانى الشباب هناء والمشيب إناء فالحمد لله الذى بيض القار وسماه الوقار
1231 - ( وقاحة العميان ) من أمثال العامة أوقح من الأعمى لأن الحياء فى العين وليست له وأحسن ما سمعت فى ذم الأعمى
( كيف يرجو الحياء منه صديق ... ومكان الحياء منه خراب ) (1/692)
وقيل لأبى العيناء ويحك ما أوقحك فقال أما علمت أن للحياء شرائط ليست معى واحدة منهن قيل فصفهن قال أولهن فى العينين ولست أبصر الثانية اجتناب الكذب وأنا من اليمامة من رهط مسيلمة الكذاب والثالثة أن النبى قال ( الحياء من الإيمان ) \ ح \ فأى إيمان ترون معى
ونظير هذا ما يحكى أن رجلا سأل يحيى بن أكثم فقال له يحيى أخطأت باب الرزق من ثلاثة أوجه أحدها أنى امرؤ مروزى وبخل أهل مرو مضروب به المثل والآخر أنى تميمى ومن لم يكن من التميميين بخيلا فهو لغير رشدة والثالث أنى قاض والقاضى يأخذ ولا يعطى ويرتزق ولا يرزق
1232 - ( ينبوع الأحزان ) قال بعض الفلاسفة القنية ينبوع الأحزان قال عبيد الله بن عبد الله بن طاهر
( ألم تر أن الدهر يهدم ما بنى ... ويأخذ ما أعطى ويفسد ما أسدى )
( فمن سره ألا يرى ما يسوءه ... فلا يتخذ شيئا يخاف له فقدا ) (1/693)
الباب الحادى والستون فى الجنان وهو آخر الأبواب
جنة الدنيا
جنة الرجل
جنة الفردوس
جنة الخلد
جنة عدن
جنة المأوى
جنة المنتهى
ظل طوبى
باب الجنة
روضة الجنة
كنوز الجنة
ريح الجنة
الاستشهاد
1233 - ( جنة الدنيا ) كان يقال للشام جنة الدنيا ولما افرج هرقل عن بلاد الشام للمسلمين وخرج منها هاربا إلى الروم بكى حتى أخضلت لحيته وغشى عليه فلما أفاق قال السلام عليك يا سوريا يا جنة الدنيا سلام غير ملاق
1234 - ( جنة الرجل ) فى الخبر جنة الرجل داره وأنشدنى المأمونى لنفسه
( أجد صنع المبانى حين تبنى ... فليس لمن يحل بها حصون )
( وأحسن جنة الدنيا إلى أن ... يكون من القيامة ما يكون )
( فما الإحسان إلا مقلة لا ... تغمض أن يكون لها جفون )
1235 - ( جنة الفردوس ) يضرب مثلا للمكان يجمع الحسن والأمان والطيب وممن ضرب به المثل فى شعره أبو تمام يث قال
( مالى أرى القبة الفيحاء مقفلة ... دونى وقد طال ما استفتحت مقفلها )
( كأنها جنة الفردوس معرضة ... وليس لى عمل زاك فأدخلها ) (1/694)
1236 - ( جنة الخلد ) قال ابن طباطبا
( ومهما أنس لا أنس التذاذى ... بجنات كجنات الخلود )
( بنفسج عارضى إلى أقاحى ... ثغور زانها ورد الخدود )
وأحسن جدا فى قوله
( ووجنة كجنة ... عشقى فيها قد خلد )
1237 - ( جنة عدن ) من الأبيات السائرات على وجه الأرض قول القائل
( الموت باب وكل الناس داخله ... يا ليت شعرى بعد الباب ما الدار )
الجواب
( الدار جنة عدن إن عملت بما ... يرضى إلا له وإن خالفت فالنار )
1238 - ( جنة المأوى ) قال بعض المفسرين أخص الجنان وأعلاها جنة المأوى لقوله تعالى ( ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ) فلما كانت السدرة غاية لتلك المواطن وعندها جنة المأوى علمنا أنها أخص الجنان
1239 - ( جنة المنتهى ) قال سعيد بن جبير
( لو كنت لا أهدى إلى أن أرى ... شيئا على قدرك أو قدرى )
( لم أهد إلا جنة المنتهى ... ترفل فى أثوابها الخضر )
1240 - ( ظل طوبى ) أحسن ما ينشده القصاص على فروع المنابر قول محمود الوراق ويروى لغيره (1/695)
( من يشترى قبة فى الخلد عالية ... فى ظل طوبى رفيعات مبانيها )
( دلالها المصطفى والله بائعها ... ممن أراد وجبريل مناديها )
1241 - ( باب الجنة ) خطب على رضى الله عنه فقال فى خطبته أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله الذل وسيم الخسف وديث الصغار
1242 - ( روضة الجنة ) فى الخبر ألا إن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار وفيه إن منبرى هذا على ترعة من ترع الجنة وفيه عائد المريض على مخارف الجنة حتى يرجع وفيه من سره أن يلزم بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة
1243 - ( كنوز الجنة ) كان يقال أربع من كنوز الجنة كتمان المصيبة وكتمان المرض وكتمان الفاقة وكتمان الصدقة
1244 - ( ريح الجنة ) فى الحديث ( ريح الولد من الجنة ) وقال الحسين والحسن ( إنكم لتنجبون وإنكم لتنجلون وإنكم من ريحان الجنة )
وقال الجاحظ فى قول أبى العتاهية
( إن الشباب حجة التصابى ... روائح الجنة فى الشباب )
يعنى كمغنى الطرب الذى ترتاح له القلوب ولا تقدر على وصفه الألسن (1/696)
وقال بعض أهل العصر يصف ندا
( وند ماله ند ... تعاطيه من السنة )
( إذا ما دخل النار ... حكى رائحة الجنة )
إلى هنا انتهى الكتاب ولله الحمد والصلاة على النبى محمد وآله (1/697)