كتاب ذم الهوى
الباب الاول في ذكر العقل وفضله وذكر ماهيته
اختلف الناس في ماهية العقل اختلافا كثيرا
فقال قوم هو ضرب من العلوم الضرورية
وقال آخرون هو غريزة يتأتى معها درك العلوم
وقال آخرون هو قوة يفضل بها بين حقائق المعلومات
وقال آخرون هو جوهر بسيط وقال قوم هو جسم شفاف
وقال الحارث المحاسبي هو نور
وبهذا قال أبو الحسن التميمي من أصحابنا وروى إبراهيم الحربي عن أحمد أنه قال العقل غريزة وقد روى عن المحاسبي أيضا مثله
والتحقيق في هذا أن يقال العقل غريزة كأنها نور يقذف في القلب فيستعد لإدراك الأشياء فيعلم جواز الجائزات واستحالة المستحيلات ويتلمح عواقب الأمور
وذلك النور يقل ويكثر وإذا قوى ذلك النور قمع بملاحظة العواقب عاجل الهوى
ذكر محل العقل أكثر أصحابنا يقولون محله القلب وهو مروي عن الشافعي
رضي الله عنه
ودليلهم قوله تعالى فتكون لهم قلوب يعقلون بها (1/5)
وقوله إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب قالوا المراد لمن كان له عقل فعبر بالقلب عن العقل لأنه محله
ونقل الفضل بن زياد عن أحمد رضي الله عنه أن محله الدماغ
وهو اختيار أصحاب أبي حنيفة رضي الله عنه
ذكر فضل العقل من طريق النفل
أخبرنا علي بن محمد بن أبي عمر قال أنبانا على بن الحسين بن أيوب قال أنبأنا عبد الغفار بن محمد المؤدب قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مخلد الجوهري قال حدثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة قال حدثنا داود بن المحبر قال أنبأنا عباد بن كثير عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس أنه دخل على عائشة رضي الله عنها فقال يا ام المؤمنين أرأيت الرجل يقل قيامه ويكثر رقاده وآخر يكثر قيامه ويقل رقاده أيهما أحب إليك قالت سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم كما سألتني فقال أحسنهما عقلا فقلت يا رسول الله إنما أسألك عن عبادتهما فقال يا عائشة إنهما لا يسألان عن عبادتهما إنما يسألان عن عقولهما فمن كان أعقل كان أفضل في الدنيا والآخرة
أخبرنا عبد الحق قال أنبأنا محمد بن مرزوق قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا ابن رزقويه قال حدثنا جعفر بن محمد الخلدي قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة التميمي قال حدثنا داود بن المحبر قال حدثنا غياث بن إبراهيم عن الربيع بن لوط الأنصاري عن أبيه عن جده البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلمإن لكل سبيل مطية وثيقة ومحجة (1/6)
واضحة وأوثق الناس مطية وأحسنهم دلالة ومعرفة بالمحجة الواضحة أفضلهم عقلا
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسن بن أحمد قال أنبأنا أبو الحسن أحمد بن علي قال أنبأنا عبد الباقي قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا منصور بن صقير قال حدثنا موسى بن أعين عن أبي عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلمإن الرجل ليكون من أهل الصيام وأهل الصلاة وأهل الحج وأهل الجهاد فما يجزى يوم القيامة إلا بقدر عقله
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا أبو علي بن المهدي قال أنبأنا عبيد الله بن عمر بن شاهين قال حدثنا أبي قال حدثنا محمد بن محمد الباغندي قال حدثنا محمد بن عبد النور قال حدثني أحمد بن المفضل قال حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لقد سبق إلى جنات عدن أقوام ما كانوا بأكثر الناس صلاة ولا صياما ولا حجا ولا اعتمارا ولكنهم عقلوا عن الله عز و جل مواعظه فوجلت منهم قلوبهم واطمأنت إليه النفوس وخشعت منهم الجوارح ففاقوا الخليقة بطيب المنزلة وحسن الدرجة عند الناس في الدنيا وعند الله في الآخرة
قلت المنقول عن رسول الله صلى الله عليه و سلم في فضل العقل كثير إلا أنه بعيد الثبوت فلنقتصر على هذا القدر منه
قال أبو حاتم بن حبان الحافظ لست أحفظ عن النبي صلى الله عليه و سلم خبرا صحيحا في العقل لأن أبان بن أبي عياش وسلمة بن وردان وعمير بن عمران (1/7)
وعلي بن زيد والحسن بن دينار وعباد بن كثير وميسرة بن عبد ربه وداود بن المحبر ومنصور بن صقير وذويهم ليسوا ممن أحتج بأخبارهم فأخرج ما عندهم من الأحاديث في العقل
قال عمر بن الخطاب ليس العاقل من يعرف الخير من الشر ولكنه الذي يعرف خير الشرين
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا احمد بن عبد الله الأنماطي قال أنبأنا أحمد بن الحسين المروزي قال أنبأنا أحمد بن الحارث قال حدثنا جدي محمد بن عبد الكريم قال حدثنا الهيثم بن عدي قال حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن سابط عن ابن عباس قال لما خلق الله العقل قال له أدبر فأدبر ثم قال له أقبل فأقبل فقال وعزتي ما خلقت خلقا قط أحسن منك فبك أعطى وبك آخذ وبك أعاقب
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسن بن أحمد قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن علي قال حدثنا ابن الصواف قال حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا هاشم بن محمد قال حدثنا الهيثم بن عدي قال حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت عن أبيه عن عمرو بن العاص قال يثغر الغلام لسبع سنين ويحتلم لأربع عشرة وينتهي طوله لإحدى وعشرين وينتهي عقله إلى ثمان وعشرين وما بعد ذلك تجارب
وقالت عائشة قد أفلح من جعل الله له عقلا
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه قال أنبأنا أبو الحسن الحمامي قال أنبأنا إبراهيم بن أحمد القرميسيني قال سمعت أحمد بن صالح قال حدثنا ابن عائشة قال ولد لكسرى مولود فأمر فجيء ببعض أهل الأدب وجيء بالمولود فوضع بين يديه فقال له كسرى ما خير ما أوتى هذا المولود قال عقل يولد معه قال فإن عدمه قال أدب حسن يعيش به بين الناس قال فإن عدم ذلك قال صاعقة تحرقه (1/8)
وقال بعض العلماء لما أهبط الله آدم إلى الأرض أتاه جبريل بثلاثة اشياء الدين والعقل وحسن الخلق فقال إن الله يخيرك واحدا من هذه الثلاثة فقال يا جبريل ما رأيت احسن من هؤلاء إلا في الجنة فمد يده إلى العقل فضمه إلى نفسه فقال لذينك اصعدا قالا لا نفعل قال أتعصياني قالا لا نعصيك ولكنا أمرنا أن نكون مع العقل حيثما كان
فصارت الثلاثة إلى آدم
وقال وهب بن منبه إني وجدت في بعض ما أنزل الله على أنبيائه أن الشيطان لم يكابد شيئا أشد عليه من مؤمن عاقل وأنه يكابد مائة جاهل فيستجرهم حتى يركب رقابهم فينقادون له حيث شاء ويكابد المؤمن العاقل فيصعب عليه حتى ما ينال منه شيئا من حاجته
قال وهب ولإزالة الجبل صخرة صخرة وحجرا حجرا أشد على الشيطان من مكابدة المؤمن العاقل فإذا لم يقدر عليه تحول إلى الجاهل فيستأسره ويستمكن من قياده حتى يسلمه إلى الفضائح التي يتعجل بها في الدنيا الجلد والحلق وتسخيم الوجه والقطع والرجم والصلب وإن الرجلين يستويان في أعمال البر ويكون بينهما كما بين المشرق والمغرب أو أبعد إذا كان أحدهما أعقل من الآخر وما عبد الله بشيء أفضل من العقل
وقال معاذ بن جبل لو أن العاقل أمسى وأصبح وله ذنوب بعدد الرمل كان وشيكا بالنجاة والسلامة والتخلص منها ولو أن الجاهل أمسى وأصبح وله من الحسنات وأعمال البر عدد الرمل لكان وشيكا ألا يسلم له منها مثقال ذرة قيل وكيف ذلك قال لأن العاقل إذا زل تدارك ذلك بالتوبة والعقل الذي قسم له والجاهل إنما هو بمنزله الذي يبني ويهدم فيأتيه من جهله ما يفسد صالح عمله
وقال الحسن ما يتم دين الرجل حتى يتم عقله وما أودع الله امرءا عقلا إلا استنقذه به يوما (1/9)
وقيل لعطاء بن أبي رباح ما أفضل ما أعطى الإنسان قال العقل عن الله تعالى
وقال معاوية بن قرة إن القوم ليحجون ويعتمرون ويجاهدون ويصلون يوصومون وما يعطون يوم القيامة إلا على قدر عقولهم
أخبرنا عبد الحق قال أنبأنا ابن مرزوق قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا عبد الواحد بن محمد بن عثمان البجلي قال حدثنا عمر بن محمد بن عمر بن الفياض قال حدثنا أبو طلحة أحمد بن عبد الكريم قال حدثنا عبد الله بن خبيق قال حدثنا يوسف بن اسباط قال العقل سراج ما بطن وملاك ما علن وسائس الجسد وزينة كل أحد ولا تصلح الحياة إلا به ولا تدور الأمور إلا عليه
وسئل ابن المبارك ما خير ما أعطى الرجل قال غريزة عقل قيل فإن لم يكن قال أدب حسن قيل فإن لم يكن قال أخ صالح يستشيره قيل فإن لم يكن قال صمت طويل قيل فإن لم يكن قال موت عاجل
ذكر فضيلة العقل من جهة الاستنباط
إنما تتبين فضيلة الشيء بثمرته وفائدته وقد عرفت ثمرة العقل وفائدته فإنه هو الذي دل على الإله وأمر بطاعته وامتثال أمره وثبت معجزات الرسل وأمر بطاعتهم وتلمح العواقب فاعتبرها فراقبها وعمل بمقتضى مصالحها وقاوم الهوى فرد غربه وأدرك الأمور الغامضة ودبر على استخدام المخلوقات فاستخدمها وحث على الفضائل ونهى عن الرذائل وشد أسر الحزم وقوى أزر العزم واستجلب ما يزين ونفى ما يشين فإذا ترك وسلطانه أسر فضول الهوى فحصرها في حبس المنع وكفى بهذه الأوصاف فضيلة (1/10)
ولا ينبغي أن يدال الهوى عليه فإنه عدوه فيحطه عن رتبته ويستنزله عن درجته ولا يجوز أن يجعل وهو الحاكم عليه محكوما ولا أن يصير وهو الزمام مزموما ولا أن يعود وهو المتبوع تابعا فمن صبر على مضيض مشاورته اجتنى حلاوة المنى في عواقبه
حدثني أبو القاسم ابن القاضي عن أبي الوفا ابن عقيل قال حدثني حسن المتطبب قال استدعيت إلى دار الخلافة فأدخلت حجرة فإذا بستر مسبل وإذا رجل قد اخرجت من وراء الستر وعليها أثر النعمة فنظرت إليها فإذا بها قد انخلعت فقلت هذه الرجل يحتاج صاحبها إلى رجلين قويين يلزمانه حتى لا يتحرك لتخلع وترد إلى مكانها فسمعت صوتا من وراء الستر أقبل على صناعتك فإن العقل ممسك (1/11)
الباب الثاني في ذم الهوى والشهوات
أعلم أن الهوى ميل الطبع إلى ما يلائمه وهذا الميل قد خلق في الإنسان لضرورة بقائه فإنه لولا ميله إلى المطعم ما أكل وإلى المشرب ما شرب وإلى المنكح ما نكح وكذلك كل ما يشتهيه فالهوى مستحلب له ما يفيد كما أن الغضب دافع عنه ما يؤذى فلا يصلح ذم الهوى على الإطلاق وإنما يذم المفرط من ذلك وهو ما يزيد على جلب المصالح ودفع المضار
ولما كان الغالب من موافق الهوى أنه لا يقف منه على حد المنتفع أطلق ذم الهوى والشهوات لعموم غلبة الضرر لأنه يبعد أن يفهم المقصود من وضع الهوى في النفس وإذا فهم تعذر وجود العمل به وندر مثاله أن شهوة المطعم إنما خلقت لاجتلاب الغذاء فيندر من يتناول بمقتضى مصلحته ولا يتعدى فإن وجد ذلك انغمر ذكر الهوى في حق هذا الشخص وصار مستعملا للمصالح وأما الأغلب من الناس فإنهم يوافقون الهوى فإن حصلت مصلحة حصلت ضمنا وتبعا فلما كان هذا هو الغالب ذكرت في هذا الباب ذم الهوى والشهوات مطلقا ووسمت كتابي ب ذم الهوى لذلك المعنى
وقد روى عن ابن عباس أنه قال ما ذكر الله عز و جل الهوى في موضع من كتابه إلا ذمه وقال الشعبي إنما سمى هوى لأنه يهوى بصاحبه
فصل اعلم أن مطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في
عاقبة ويحث (1/12)
على نيل الشهوات عاجلا وإن كانت سببا للألم والأذى في العاجل ومنع لذات في الآجل
فأما العاقل فإنه ينهى نفسه عن لذة تعقب ألما وشهوة تورث ندما وكفى بهذا القدر مدحا للعقل وذما للهوى
ألا ترى أن الطفل يؤثر ما يهوى وإن أداه إلى التلف فيفضل العاقل عليه بمنع نفسه من ذلك وقد يقع التساوى بينهما في الميل بالهوى
وبهذا القدر فضل الآدمي على البهائم أعني ملكة الإرادة لأن البهائم واقفة مع طباعها لا نظر لها إلى عاقبة ولا فكر في مآل فهي تتناول ما يدعوها إليه الطبع من الغذاء إذا حضر وتفعل ما تحتاج إليه من الروث والبول أي وقت اتفق والآدمي يمتنع عن ذلك بقهر عقله لطبعه
وإذا عرف العاقل أن الهوى يصير غالبا وجب عليه أن يرفع كل حادثة إلى حاكم العقل فإنه سيشير عليه بالنظر في المصالح الآجلة ويأمره عند وقوع الشبهة باستعمال الأحوط في كف الهوى إلى أن يتيقن السلامة من الشر في العاقبة
وينبغي للعاقل أن يتمرن على دفع الهوى المأمون العواقب ليستمر بذلك على ترك ما تؤذي غايته
وليعلم العاقل أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذونها وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها لأنها قد صارت عندهم كالعيش الاضطراري ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ بذلك عشر التذاذ من لم يدمن غير أن العادة تقتضيه ذلك فيلقى نفسه في المهالك لنيل ما يقتضيه تعوده ولو زال رين الهوى عن بصر بصيرته لرأى أنه قد شقى من حيث قدر (1/13)
السعادة واغتم من حيث ظن الفرح وألم من حيث أراد اللذة
فهو كالحيوان المخدوع بحب الفخ لا هو نال ما خدع به ولا أطاق التخلص مما وقع فيه
فإن قال قائل فكيف يتخلص من هذا من قد نشب فيه قيل له بالعزم القوي في هجران ما يؤذي والتدرج في ترك مالا يؤمن أذاه وهذا يفتقر إلى صبر ومجاهدة يهونهما سبعة أشياء أحدها التفكر في أن الإنسان لم يخلق للهوى وإنما هيئ للنظر في العواقب والعمل للآجل ويدل على هذا أن البهيمة تصيب من لذة المطعم والمشرب والمنكح مالا يناله الإنسان مع عيش هنى خال عن فكر وهم
ولهذا تساق إلى منحرها وهي منهمكة على شهواتها لفقدان العلم بالعواقب
والآدمي لا ينال ما تناله لقوة الفكر الشاغل والهم الواغل وضعف الآلة المستعملة
فلو كان نيل المشتهى فضيلة لما بخس حظ الآدمي الشريف منه وزيد حظ البهائم وفي توفير حظ الآدمي من العقل وبخس حظه من الهوى ما يكفي في فضل هذا وذم ذلك
والثاني أن يفكر في عواقب الهوى
فكم قد أفات من فضيلة وكم قد أوقع في رذيلة وكم من مطعم قد أوقع في مرض وكم من زلة أوجبت انكسار جاه وقبح ذكر مع إثم
غير أن صاحب الهوى لا يرى إلا الهوى
فأقرب الأشياء شبها به من في المدبغة فإنه لا يجد ريحها حتى يخرج فيعلم أين كان
والثالث أن يتصور العاقل انقضاء غرضه من هواه ثم يتصور الأذى الحاصل عقيب اللذة فإنه يراه يربى على الهوى اضعافا وقد أنشد بعض الحكماء
وأفضل الناس من لم يرتكب سببا ... حتى يميز ما تجنى عواقبه (1/14)
والرابع أن يتصور ذلك في حق غيره ثم يتلمح عاقبته بفكره فإنه سير ما يعلم به عيبه إذا وقف في ذلك المقام
والخامس ان يتفكر فيما يطلبه من اللذات فإنه سيخبره العقل أنه ليس بشيء وإنما عين الهوى عمياء
وفي الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه إذا أعجبت أحدكم امرأة فليذكر مناتنها
وهذا أحسن من قول أبي الطيب
لو فكر العاشق في منتهى ... حسن الذي يسبيه لم يسبه
لأن ابن مسعود ذكر الحال الحاضرة الملازمة وأبو الطيب أحال على أمور متأخرة إلا أن يكون أشار إلى هذا المعنى
والسادس أن يتدبر عز الغلبة وذل القهر فإنه ما من أحد غلب هواه إلا أحس بقوة عز وما من احد غلبه هواه إلا وجد في نفسه ذل القهر
والسابع أن يتفكر في فائدة المخالفة للهوى من اكتساب الذكر الجميل في الدنيا وسلامة النفس والعرض والأجر في الآخرة
ثم يعكس فيتفكر لو وافق هواه في حصول عكس ذلك على الأبد وليفرض لهاتين الحالتين حالتي آدم ويوسف عليهما السلام
في لقمة هذا وصبر هذا
ويا أيها الأخ النصوح أحضر لي قلبك عند هذه الكلمات وقل لي بالله عليك أين لذة آدم التي قضاها من همة يوسف التي ما أمضاها من كان يكون يوسف لو نال تلك اللذة
فلما تركها وصبر عنها بمجاهدة ساعة صار من قد عرفت (1/15)
فصل واعلم ان الهوى يسري بصاحبه في فنون ويخرجه من دار العقل إلى
دائرة الجنون
وقد يكون الهوى في العلم فيخرج بصاحبه إلى ضد ما يأمر به العلم
وقد يكون في الزهد فيخرج إلى الرياء
وكتابنا هذا لذم الهوى في شهوات الحس وإن كان يشتمل على ذم الهوى مطلقا
وإذ قد ذكرنا في هذا الفصل من ذم الهوى ما أملاه العقل فلنذكر من ذلك ما يحويه النقل
فصل قد مدح الله عز و جل مخالفة الهوى فقال ونهى النفس عن
الهوى قال المفسرون هو نهي النفس عما حرم الله عليها
قال مقاتل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها
وقال عز و جل واتبع هواه فمثله كمثل الكلب وقال واتبع هواه وكان أمره فرطا وقال أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وقال بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم فمن يهدي من أضل الله وقال واتبعوا أهواءهم وقال فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله وقال ليضلون بأهوائهم بغير علم وقال أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع (1/16)
هواه وقال ولئن اتبعت أهواءهم وقال فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وقال ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله
أخبرنا الحسين بن محمد البارع ومحمد بن الحسين المزرفي وعلي بن أحمد الموحد وأحمد بن محمد الزوزني وبدر بن عبد الله الشيخي قالوا حدثنا أبو جعفر المسلمة قال أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال حدثنا جعفر بن الفريابي قال حدثنا شيبان بن فروخ قال حدثنا مبارك بن فضالة قال حدثنا الحسن في هذه الآية أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قال هو المنافق لا يهوى شيئا إلا ركبه
قال الفريابي وحدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا شعيب بن حرب قال حدثنا أبو الأشهب عن الحسن قال المنافق يعبد هواه لا يهوى شيئا إلا ركبه
قال الفريابي وحدثنا هدبة بن خالد قال حدثنا همام بن يحيى عن قتادة أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قال إذا هوى شيئا ركبه
أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال أنبأنا الحسن بن علي الواعظ قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا حسن قال حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات
انفرد باخراجه مسلم من هذه الطريق وقد اتفقا على إخراجه من حديث أبي هريرة إلا أن في لفظ حديث البخاري حجبت مكان حفت
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا أبو الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن بشر قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله (1/17)
صلى الله عليه و سلم قال لما خلق الله عز و جل الجنة والنار أرسل جبريل يعني إلى الجنة فقال انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها فجاء فنظر إليها وإلى ما أعد الله عز و جل لأهلها فيها فرجع إليه فقال وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها
فأمر بها فحجبت بالمكاره وقال ارجع إليها فانظر إليها فرجع فإذا هي قد حجبت بالمكاره فقال لقد خشيت ألا يدخلها أحد
قال فانظر إلى النار وإلى ما اعددت لأهلها فيها فجاءها فنظر إليها وإلى ما أعد لأهلها فيها فإذا هي يركب بعضها بعضا فرجع إليه فقال عزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها
فأمر بها فحفت بالشهوات وقال له ارجع إليها فانظر إليها فإذا هي قد حفت بالشهوات فرجع إليه فقال وعزتك لقد خشيت أن لا ينجو منها أحد إلا دخلها
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد السلال قال أنبأنا أحمد بن محمد بن سياووش قال أنبأنا أبو حامد الإسفراييني قال أنبأنا إبراهيم بن محمد بن عبدك قال حدثنا الحسن بن سفيان قال حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الأعين قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد العلاف قال أنبأنا (1/18)
عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد ابن جعفر الخرائطي قال حدثنا أبو بدر قال حدثنا يحيى بن حماد قال حدثنا جعفر بن حبان عن أبي الحكم عن أبي بردة الأسلمي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أخوف ما أخاف عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى
وبالإسناد حدثنا الخرائطي قال حدثنا علي بن زيد الفرائضي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن ابيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أخوف ما أخاف على أمتي حكم جائر وزلة عالم وهوى متبع
وبالإسناد حدثنا الخرائطي قال حدثنا علي بن عباد بن الوليد قال حدثنا إسماعيل الصفار قال حدثنا الحسن بن دينار عن حصيب بن جحدر عن راشد بن سعد عن أبي أمامة الباهلي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع
وبه قال حدثنا الخرائطي قال حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس قال حدثنا أيوب بن عتبة عن الفضل بن بكر العبدي عن قتادة عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث مهلكات شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه (1/19)
وبه قال حدثنا الخرائطي قال حدثنا أحمد بن ملاعب قال حدثنا محمد بن مصعب القرقساني عن أبي بكر بن أبي مريم عن خالد بن محمد عن بلال بن أبي الدرداء عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال حبك الشيء يعمى ويصم
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو أحمد الباقلاوي قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد المحاملي قال حدثنا أبو جعفر بن يزيد قال حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال حدثنا محمد بن أحمد الأذرمي قال حدثنا عبد الله بن محمد الجحشي قال حدثني بكر بن سليمان الصواف عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات فتقوى الله في السر والعلانية والقول بالحق في الرضا والسخط والقصد في الغنى الفقر
وأما المهلكات فهوى متبع وشح مطاع وإعجاب المرء بنفسه وهي شرهن
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه قال أنبأنا عبدالعزيز بن محمد قال أنبأنا أحمد بن عمر الجزري قال حدثنا علي بن أبي حسان قال حدثنا الخليل بن خدويه قال مر إبراهيم الخليل فرأى عبدا في الهواء متعبدا فقال له بم نلت هذه المنزلة من الله قال بامر يسير فطمت نفسي عن الدنيا ولم أتكلم فيما لا يعنيني ونظرت فيما أمرت به فعملت به ونظرت فيما نهاني عنه فانتهيت عنه فأنا إن سألته أعطاني وإن دعوته أجابني وإن أقسمت عليه أبر قسمي سألته أن يسكنني الهواء فأسكنني (1/20)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسين بن أحمد بن طلحة وأخبرنا علي ابن محمد بن حسون قال أنبأنا أحمد بن علي بن أبي عثمان قالا أنبأنا القاضي أبو القاسم بن المنذر قال أنبأنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني سلمة بن شبيب قال حدثنا سهل بن عاصم عن سليم بن ميمون عن المعافى بن عمران عن إدريس قال سمعت وهب بن منبه يقول كان في بني إسرائيل رجلان بلغت بهما عبادتهما أن مشيا على الماء فبينما هما يمشيان في البحر إذا هما برجل يمشي في الهواء فقالا له يا عبد الله بأي شيء أدركت هذه المنزلة قال بيسير من الدنيا فطمت نفسي عن الشهوات وكففت لساني عما لا يعنيني ورغبت فيما دعاني إليه ولزمت الصمت فإن أقسمت على الله أبر قسمي وإن سألته أعطاني
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال حدثنا بن محمد بن الحجاج قال حدثنا محمد بن علي بن خلف قال حدثنا زهير بن عباد قال حدثنا منصور بن عمار قال قال سليمان بن داود الغالب لهواه أشد من الذي يفتح المدينة وحده
أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال أنبأنا علي بن أبي صادق الحيري قال أنبأنا أبو عبد الله بن باكويه الشيرازي قال أخبرني أبو يعقوب الخراط قال أنبأنا أبو محمد الغوطي قال أخبرني عثمان بن علي الكشي قال أخبرني نبهان بن المغلس قال أخبرني حذيفة بن قتادة المرعشي قال كنت في المركب فكسر بنا فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة أيام فقالت المرأة أنا عطشى فسألت الله تعالى أن يسقيها فنزلت علينا من السماء سلسلة فيها كوز معلق فيه ماء فشربت
فرفعت رأسي أنظر السلسلة (1/21)
فرايت رجلا جالسا في الهواء متربعا فقلت من أنت قال من الإنس قلت فما الذي بلغك هذه المنزلة قال آثرت مراد الله على هواي فأجلسني كما تراني
أخبرنا أبو القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال حدثنا مبادر بن عبيد الله الصوفي قال سمعت بعض اصحابنا يقول رأيت غرفة في الهواء وفيها رجل فسألته عن حاله التي بلغته إلى تلك المنزلة فقال تركت الهوى فأدخلت في الهوا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا على بن عمر القزويني والحسين بن علي الجوهري وعلي بن المحسن التنوخي قالوا أنبأنا أبو عمر بن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا جعفر بن محمد المخرمي قال حدثني سعيد بن صالح عن عبد الله بن الصلت قال قال معاوية المروءة ترك اللذة وعصيان الهوى
أخبرنا محمد بن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا طراد بن محمد قال أنبأنا علي بن محمد بن محمد بن بشران قال حدثنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا عبد الرحمن بن وافد قال حدثنا فرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن أبي الدرداء قال إذا أصبح الرجل اجتمع هواه وعمله فإن كان عمله تبعا لهواه فيومه يوم سوء وإن كان هواه تبعا لعمله فيومه يوم صالح
أخبرنا أبو بكر الصوفي قال أنبأنا علي بن أبي صادق قال أنبأنا ابن باكويه قال حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحارث قال حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا جعفر بن سليمان قال سمعت مالك بن دينار يقول من غلب شهوات الدنيا فذلك الذي يفرق الشيطان من ظله (1/22)
أخبرنا عبد الخالق بن أحمد قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا محمد بن علي بن الفتح قال أنبأنا محمد بن عبد الله بن أخي ميمي قال أنبأنا الحسين بن صفوان قال حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال حدثني العباس بن الفضل قال حدثنا السرى بن يحيى قال سمعت مالك بن دينار يقول بئس العبد عبد همه هواه وبطنه
قال القرشي وحدثني أبو علي المروزي قال أنبأنا عبدان بن عثمان قال أنبأنا عبد الله قال أنبأنا سعيد بن أبي أيوب قال حدثني بكر بن عمرو عن صفوان بن سليم قال ليأتين على الناس زمان تكون همة أحدهم فيه بطنه ودينه هواه
أنبانا على بن عبيد الله قال أنبأنا عبدالواحد بن علي بن فهد قال أنبأنا أبو الفتح بن أبي الفوارس قال أنبأنا عمر بن أحمد قال حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن قال حدثنا زكريا بن يحيى قال حدثنا الأصمعي قال سمعت أعرابيا يقول إذا أشكل عليك أمران لا تدري أيهما أرشد فخالف أقربهما من هواك فإن أكثر ما يكون الخطأ مع متابعة الهوى
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن ابن أحمد الباقلاني قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن أحمد المحاملي قال حدثنا أبو جعفر بن بريه قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الحارث الخزاز قال حدثنا المدائني قال قال ابن السماك إن شئت أخبرتك بدائك وإن شئت أخبرتك بدوائك داؤك هواك ودواؤك ترك هواك
وبالإسناد حدثنا ابن خلف قال حدثنا أبو محمد التميمي قال حدثنا أبو الحسن المدائني قال قال رجل للحسن يا ابا سعد أي الجهاد أفضل قال جهادك
هواك أخبرنا ابن حبيب قال حدثنا ابن أبي صادق قال أنبأنا ابن باكويه قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي قال مررت بأعرابي به رمد شديد ودموعه (1/23)
تسيل فقلت ألا تمسح عينيك فقال زجرني الطبيب ولا خير فيمن إذا زجر لا ينزجر وإذا أمر لا يأتمر فقلت أما تشتهي شيئا فقال أشتهي ولكن أحتمي لأن أهل النار غلبت شهواتهم فلم يحتموا فهلكوا
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال حدثني ابي قال حدثنا محمد بن العباس قال سمعت وهب بن نعيم يقول قال بشر أعلم أن البلاء كله في هواك والشفاء كله في مخالفتك إياه
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالعزيز بن علي قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا أبو بكر النقاش قال حدثنا إدريس بن عبد الكريم قال حدثنا خلف بن هشام قال سمعت الفضيل بن عياض يقول من استحوذت عليه الشهوات انقطعت عنه مواد التوفيق
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا علي بن أحمد بن البسرى عن أبي عبد الله بن بطه قال حدثني أبو صالح قال حدثني الحسين بن عبد العزيز قال حدثنا سعدان بن يزيد قال قال لي سنيد سمعت حجاجا يقول الكفر في اربعة اشياء في الغضب والشهوة والرغبة والرهبة ثم قال حجاج رأيت منه اثنتين رجلا غضب فقتل أمه ورأيت رجلا عشق فتنصر
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا ابن حيويه عن ابن المرزبان قال حدثني أحمد بن عبد الرحمن عن العباس ابن الفضل الهاشمي قال حدثني محمد بن علي بن خلف قال حدثني حسين بن حسن الأسدي عن أبيه قال كان عبد الله بن حسن بن حسن يطوف بالبيت فنظر إلى امرأة جميلة فمشى إلى جانبها ثم قال (1/24)
أهوى هوى الدين واللذات تعجبني ... فكيف لي بهوى اللذات والدين فقالت له دع احدهما تنل الآخر وقد رويت لنا هذه الحكاية على غير هذا الوجه
فبلغنا عن عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان أحمد بن عثمان عن أبيه قال لقى عبد الله بن حسن امرأة جميلة في الطواف فلما نظرت إليه وإلى جماله مالت نحوه وطمعت فيه فأقبل عليها وقال
أهوى هوى الدين واللذات تعجبني ... فكيف لي بهوى اللذات والدين
نفسي تزين لي الدنيا وزينتها ... وزاجري من حذار الموت يثنيني فتركته ومضت
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال خبرني أحمد بن عمر بن روح قال أنبأنا عبيد الله بن أحمد المقري قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي سعيد قال حدثنا حسين بن محمد يعني ابن فهم قال حدثنا أبي قال حدثني إسحاق الموصلي قال قال لي المعتصم يا إسحاق إذا نصر الهوى ذهب الرأي
أخبرنا عبد الخالق بن أحمد قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا محمد بن علي بن الفتح قال أنبأنا ابن أخي ميمي قال أنبأنا الحسين بن صفوان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن إدريس قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال سمعت أبا سليمان الداراني في قول الله عز و جل وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا قال صبروا عن الشهوات
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالعزيز بن علي قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا المفيد قال حدثنا عبد الرحمن بن أحمد قال سمعت محمد بن محمد بن أبي الورد يقول إن لله عز و جل يوما لا ينجو من شره منقاد لهواه
وإن أبطأ الصرعى نهضة يوم القيامة صريع شهوة
وإن العقول لما جرت في ميادين الطلب كان أوفر حظا من يطالبها بقدر ما استصحبته من الصبر
وإن العقل معدن والفكر معول (1/25)
أخبرنا ابن حبيب قال أنبأنا ابن أبي صادق قال أنبأنا ابن باكويه قال حدثنا عبد الواحد بن بكر قال حدثنا محمد بن أحمد المارستاني قال حدثنا عبد الله بن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول حفت الجنة بالمكاره وأنت تكرهها وحفت النار بالشهوات وأنت تطلبها فما أنت إلا كالمريض الشديد الداء إن صبر نفسه على مضض الدواء اكتسب بالصبر عافية وإن جزعت نفسه مما يلقي طالت به علة الضنى
قال ابن باكويه وحدثنا محمد بن داود قال سمعت الحسن بن علويه يقول سمعت يحيى بن معاذ وقيل له من أصح الناس عزما قال الغالب لهواه
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو الحسين الصيرفي قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا أبو بكر بن خلف قال أخبرني سعيد بن الحسن الأسدي قال أنبأنا الوليد بن هشام القحذمي قال دخل خلف بن خليفة على سليمان بن حبيب بن المهلب بالأهواز وعند سليمان جارية له يقال لها البدر من أحسن الجواري وجها وأكمله فقال سليمان لخلف كيف ترى هذه الجارية فقال أصلح الله الأمير ما رأت عيناي جارية قط أحسن منها
فقال خذ بيدها فقال خلف ما كنت لأفعل ولا أسلبها الأمير وقد عرفت عجبه بها
فقال خذها ويحك على عجبي بها ليعلم هواي أني غالب فأخذ بيدها وخرج وهو يقول
لقد حباني وأعطاني وفضلني ... عن غير مسألة مني سليمان
أعطاني البدر خودا في مجاسدها ... والبدر لم يعطه إنس ولا جان (1/26)
ولست حقا بناسي عرفه أبدا ... حتى يغيبني لحد وأكفان
أنبأنا عبدالوهاب الحافظ قال أنبأنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبدالعزيز بن الحسن بن إسماعيل قال حدثنا أحمد بن مروان قال حدثنا أحمد بن محرز قال سمعت يحيى بن يحيى يقول قال بعض العباد أشرف العلماء من هرب بدينه من الدنيا واستصعب قياده على الهوى
أخبرنا ابن ظفر قال أنبأنا ابن السراج قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال أنبأنا ابن جهضم قال سمعت أبا علي المغازلي يقول سمعت الحسن بن محمد الجريري يقول أسرع المطايا إلى الجنة الزهد في الدنيا وأسرع المطايا إلى النار حب الشهوات فمن استوى على متن شهوة من الشهوات أسرع به القود إلى ما يكره
قال ابن جهضم وسمعت محمد بن علي يقول قال ابن عطاء من غلب هواه عقله وجزعه صبره افتضح
أخبرنا ابو بكر الصوفي قال أنبأنا ابو سعد الحيرى قال أنبأنا ابن باكويه قال سمعت ابن دادويه قال سمعت عبد الله بن سهل يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول من أرضى الجوارح في اللذات فقد غرس لنفسه شجر الندامات
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا عبدالجبار ابن علي الطبري قال قال الحسن بن علي الطوعي صنم كل إنسان هواه فإذ كسره بالمخالفة استحق اسم الفتوة
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبدالملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد ابن جعفر قال حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال حدثنا زكريا بن يزيد قال (1/27)
حدثنا عبد الله بن محمد بن واصل قال حدثنا أبو مسعود المؤدب عن أبي عمرو الشيباني قال لقى عالم من العلماء راهبا من الرهبان فقال له كيف ترى الدهر فقال يخلق الأبدان ويجدد الآمال ويبعد الأمنية ويقرب المنية قال له فأي الأصحاب أبر قال العمل الصالح قال فأي شيء أضر قال النفس والهوى
أخبرنا ابن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال حدثنا علي بن جهضم قال حدثني محمد بن جعفر الوراق قال حدثني عبد الله بن يونس الرسعني عن احمد بن أبي الحواري قال لقي رجل راهبا فقال له ما أفضل العبادة فيكم يا راهب قال ما نصبت به الأبدان واسترخت به المفاصل من المداومة قال فما أحسنها قال رقة القلوب عند التذكرة قال فما أعدلها قال الاستكانة للحق قال فما حقها قال ترك الشهوات ولزوم الخلوات
وبالإسناد عن ابن أبي الحواري قال مررت براهب فوجدته نحيفا فقلت له أنت عليل قال نعم قلت منذ كم قال منذ عرفت نفسي قلت فتداو قال قد أعياني الدواء وقد عزمت على الكي قلت وما الكي قال مخالفة الهوى
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا ابن النقور قال حدثنا المخلص قال حدثنا أبو محمد السكري قال حدثنا أبو يعلى المنقري قال حدثنا الأصمعي والعتبي قالا سمعنا أعرابيا يقول ما اشد تحويل الرأي عند الهوى هو الهوان وإنما غلط باسمه فاشتق له من جنسه وإنما يعرف ما أقول من ابكته المنازل والطلول
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال (1/28)
أنبأنا ابن جهضم قال سمعت عمر بن رفيل الشيخ الصالح يقول رأيت في جبل اللكام طائرا معلقا منكسا يصيح فدنوت منه لأخلصه فإذا تحته صخرة عظيمة مكتوب عليها نقرا داؤك هواك فإن غلبت هواك فذاك دواك
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا محمد بن الحسن السلمي قال أنبأنا عبيد الله بن عثمان قال حدثنا أبو عمرو بن السماك قال حدثنا الحسن بن عمرو السبيعي قال سمعت بشر بن الحارث يقول لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات حائطا من حديد
قال السلمي وسمعت احمد بن علي بن جعفر يقول قال أبو سليمان الداراني أفضل الأعمال خلاف هوى النفس
قال وسمعت محمد بن أحمد الفارسي يقول سمعت السرى يقول لن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه قال وسمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت محمد بن حامد يقول قال أحمد بن خضرويه لا نوم أثقل من الغفلة ولا رق أملك من الشهوة ولولا ثقل الغفلة لم تظفر بك الشهوة
قال السلمي وسمعت أبا بكر بن شاذان يقول قال يوسف بن الحسين عين الهوى عوراء
وسمعت أبا الحسين بن فارس يقول سمعت الحسين بن علويه يقول قال أبو بكر الوراق اصل غلبة الهوى مقاربة الشهوات فإذا غلب الهوى أظلم القلب وإذا أظلم القلب ضاق الصدر وإذا ضاق الصدر ساء الخلق وإذا ساء الخلق أبغضه الخلق وإذ أبغضه الخلق أبغضهم وإذا أبغضهم جفاهم وإذا جفاهم صار شيطانا رجيما (1/29)
قال السلمي وسمعت أبا بكر الرازي يقول قال أبو علي الثقفي من غلبه هواه توارى عنه عقله وقال ليس شيء أولى بأن تمسكه من نفسك ولا شيء أولى بأن تغلبه من هواك
قال السلمي وسمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أبا مسلم الأصبهاني يقول قال علي بن سهل العقل والهوى يتنازعان فمعين العقل التوفيق وقرين الهوى الخذلان والنفس واقفة بينهما فأيهما ظفر كانت في حيزه
قال وسمعت أبا بكر محمد بن أحمد يقول سمعت أبا الحسين الوراق يقول الشهوة اغلب سلطان على النفس ولا يزيلها إلا الخوف المزعج
قال وسمعت أبا بكر بن شاذان يقول قال إبراهيم القصار أضعف الخلق من ضعف عن رد شهوته وأقوى الخلق من قوى على ردها
قال السلمي وسمعت أبا الفرج بن الصائغ يقول قال المرتعش وقيل له إن فلانا يمشي على الماء فقال إن من مكنه الله من مخالفة هواه لهو أعظم من المشي على الماء
أنبأنا أحمد بن احمد المتوكلي قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا أبو سعيد بن شاذان قال أنبأنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا أبو بكر بن أبي الدنيا قال بلغني أن بعض الملوك قال لبعض الحكماء العجب لمن عرف الله وجلاله كيف يخالف أمره وينتهك حريمه فقال الحكيم بإغفال الحذر وبسط أمد الأمل وبعسى وسوف ولعل
قال الملك بم يعتصم من الشهوة وقد ركبت في أبدان ضعيفة ففي كل جزء من البدن للشهوة حلول ووطن قال الحكيم إن الشهوة من نتاج الفكر وقرين كل فكرة عبرة ومع كل شهوة زاجر عنها فمن قرن شهواته بالاعتبار وحاط نفسه بالازدجار انحلت (1/30)
عنه ربقة العدوان ودحض سيء فكره بإيثار الصبر على شهوته لما يرجو من ثواب الله على طاعته ويخاف من عقابه على معصيته
أخبرنا محمد بن ابي منصور قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال حدثنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا عبد الله بن عبد الرحمن الزهري قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن العباس بن الفضل قال سمعت وهب بن نعيم بن الهيضم يقول قال بشر الحافي لحسن الفلاس من جعل شهوات الدنيا تحت قدميه فرق الشيطان من ظله ومن غلب علمه هواه فهو الصابر الغالب واعلم أن البلاء كله في هواك والشفاء كله في مخالفتك إياه
وقد حكى عن أنوشروان أنه سئل أي الأشياء أحق بالاتقاء فقال أعظمها مضرة
قيل فإن جهل قدر المضرة قال أعظمها من الهوى نصيبا
وقيل للمهلب بن أبي صفرة بم نلت ما نلت قال بطاعة الحزم وعصيان الهوى
وقال بشر الحافي لقيت عليا الجرجرائي بجبل لبنان على عين ماء فلما بصر بي قال بذنب مني لقيت اليوم إنسانا
فسعيت خلفه وقلت أوصني
فالتفت إلى وقال أمستوص أنت عانق الفقر وعاشر الصبر وعاد الهوى وعف الشهوات واجعل بيتك أخلى من لحدك يوم تنقل إليه على هذا طاب المسير إلى الله عز و جل
قال أبو علي الدقاق من ملك شهوته في حال شبيبته صيره الله ملكا في حال كهولته كيوسف عليه السلام إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين
وقال عبد الصمد الزاهد من لم يعلم أن الشهوات فخوخ فهو لعاب (1/31)
وقال أعرابي لابنه يا بني من خاف الموت بادر الفوت ومن لم يكبح نفسه عن الشهوات بادرت به إلى الهلكات والجنة والنار أمامك
وقال بعض الحكماء أعدل الناس من أنصف عقله من هواه وقال آخر العاقل من كان له على جميع شهواته رقيب من عقله
وقال آخر الهوى ملك عسوف وسلطان ظالم دانت له القلوب وانقادت له النفوس
وقال آخر النفس إذا هويت شيئا مالت إليه حتى تكون عند الذي هويت أكثر من كونها عند جسدها
وقال آخر إن لكل شيء أبا جاد وإن أبا جاد الحكمة طرد الهوى ووزن الأعمال
ذكر أشعار قيلت في ذم الهوى
أخبرنا المبارك بن علي قال اخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الخبري قالت أنبأنا على بن الحسن بن الفضل قال أنبأنا أحمد بن محمد الكاتب قال أنبأنا ابن المغيرة الجوهري قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني علي بن صالح عن عامر بن صالح قال دخل الوليد بن يزيد بعض كنائس الشام فكتب في حيطانها بفحمة
ما أرى العيش غير أن تتبع النفس هواها فمخطئا أو مصيبا ... فرأى ذلك البيت عبد الله بن علي فكتب تحته (1/32)
إن كنت تعلم حين تصبح آمنا ... أن المنايا إن أقمت تقيم
فالزم هواك كما رضيت فإنه ... لا مثل ذلك في النعيم نعيم
ورايت لبعض المتقدمين في هذا المعنى
وبالناس عاش الناس قدما ولم يزل ... من الناس مرغوب إليه وراغب
وما يستوى الصابي ومن ترك الصبا ... وإن الصبا للعيش لولا العواقب
أنبأنا إسماعيل بن احمد قال أنبأنا ابن النقور قال أنبأنا المخلص قال حدثنا أبو محمد السكري قال حدثنا أبو يعلى المنقري قال حدثنا الأصمعي قال سمعت رجلا يقول
إن الهوان هو الهوى قلب اسمه ... فإذ هويت فقد لقيت هوانا
قلت وقد سئل ابن المقفع عن الهوى فقال هوان سرقت نونه فنظمه شاعر فقال
نون الهوان من الهوى مسروقة ... فإذا هويت فقد لقيت هوانا أخبرنا عبدالخالق بن أحمد قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا محمد بن علي بن أبي الفتح قال أنبأنا ابن أخي ميمي قال حدثنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال أنشدني الحسن بن سلمان الأبلي
كم أسير لشهوة وقتيل ... أف للمشتهى خلاف الجيمل
شهوات الإنسان تورثه الذل ... وتلقيه في البلاء الطويل (1/33)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا ابن سوار قال أنشدنا أبو القاسم التنوخي قال أنشدني علي بن عبد العزيز بن حاجب النعمان
رب مستور سبته صبوة ... فتعرى ستره فانتهكا
صاحب الشهوة عبد فإذا ... غلب الشهوة صار الملكا
وقد أنشدوا لابن المبارك
ومن البلاء وللبلاء علامة ... أن لا يرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواته ... والحر يشبع تارة ويجوع
ولمحمد بن عبد الله بن مناذر
خير ما اجتن به المرء التقى ... فاتخذها عدة دون العدد
وأرى الشهوة مفتاح الردى ... فاجتنبها وانأ عنها وابتعد
ولصالح بن عبد القدوس
عاص الهوى إن الهوى مركب ... يصعب بعد اللين منه الذليل
إن يجلب اليوم الهوى لذة ... ففي غد منه البكا والعويل
ما بين ما يحمد فيه وما ... يدعو إليك الذم إلا القليل
ولابن الرومي
اتبع العقل إنه حاكم الله ولا تمش في طريق عناده ...
ما الهوى في لفيفه إن تأملت بقرن للعقل في أجناده ...
لا تعرض سداد رأيك للطعن عليه من ناقص في سداده ...
وقال آخر
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال (1/34)
وقال غيره
وأترك الشيء أهواه ويعجبني ... أخشى عواقب ما فيه من العار
وقال غيره
إن المراة لا تريك عيوب وجهك مع صداها ...
وكذاك نفسك لا تريك عيوب نفسك مع هواها ...
وقال آخر
وكل امرئ يدري مواقع رشده ... ولكنه أعمى أسير هواه
يشير عليه الناصحون بجهدهم ... فيأبي قبول النصح وهو يراه
هوى نفسه يعميه عن قصد رشده ... ويبصر عن فهم عيوب سواه (1/35)
الباب الثالث في ذكر مجاهدة النفس ومحاسبتها وتوبيخها
اعلم وفقك الله أن النفس مجبولة على حب الهوى وقد سبق بيان أذاه فافتقرت لذلك إلى المجاهدة والمخالفة ومتى لم تزجر عن الهوى هجم عليها الفكر في طلب ما شغفت به فاستأنست بالآراء الفاسدة والأطماع الكاذبة والأماني العجيبة خصوصا إن ساعد الشباب الذي هو شعبة من الجنون وامتد ساعد القدرة إلى نيل المطلوب
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا أبو يعلى بن الفراء قال أنبأنا علي بن عمر السكري قال أنبأنا أحمد بن الحسن الصوفي قال حدثنا الحارث ابن شريح
وأخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا علي بن إسحاق وأخبرنا عبد الوهاب وابن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال حدثنا محمد بن يونس قال حدثنا عبد الله ابن سنان الهروي قالوا أنبأنا عبد الله بن المبارك
وأخبرنا محمد بن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا طراد بن محمد قال أنبأنا ابن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا بقية بن الوليد قالا أنبأنا أبو بكر (1/36)
ابن عبد الله بن أبي مريم قال حدثني ضمرة بن حبيب عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله وقال ابو بكر القرشي من اتبع نفسه هواه وقال ابن الأنباري الكيس من أدان نفسه والفاجر بدل العاجز
قال وقال لنا أحمد بن يحيى النحوي الكيس عند العرب العاقل والكيس العقل
وانشدنا
فكن أكيس الكيسى إذا ما لقيتهم ... وكن جاهلا إما لقيت ذوي الجهل
قال وقوله من أدان نفسه معناه أخذ لنفسه من نفسه من صحته لسقمه ومن غناه لفقره
ومن روى من دان نفسه معناه من استعبد نفسه وأذلها لطاعة الله قال الأعشى هو دان الرباب إذا كرهوا الدين دراكا بعزة وصيال معناه هو استعبد الرباب
أخبرنا عبد الله بن علي ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا عبد الله بن محمد العطشى قال حدثنا أبو يحيى العاقولي قال حدثنا الربيع ابن روح (1/37)
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو عبد الله الصوري قال حدثنا عبد الرحمن بن عمر قال حدثنا أبو أحمد السعدي قال حدثنا يوسف بن يزيد القراطيسي قال حدثنا المعلى بن الوليد قال حدثنا يوسف بن بقية واللفظ له قالا حدثنا سعد بن سنان عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير عن ابن البجير وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم قال اصاب النبي يوما جوع شديد فوضع حجرا على بطنه ثم قال ألا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا جائعة عارية يوم القيامة ألا رب مكرم لنفسه وهو لها مهين ألا رب مهين لنفسه وهو لها مكرم ألا يا رب متخوض متنعم فيما افاء الله على رسوله ما له عند الله من خلاق ألا وإن عمل الجنة حزنة بربوة ألا وإن عمل النار سهل بسهوة ألا يا رب شهوة ساعة أورثت حزنا طويلا
ابن البجير لا يعرف اسمه إلا أن الدارقطني قال إن اسمه عفان وفي الصحابة جماعة لا يعرفون إلا بالنسبة إلى آبائهم فقط منهم ابن ثعلبة وابن جارية وابن جميل وابن حماطة وابن حنظلة وابن الرسيم وابن عايش وليس بعبد الرحمن بن عايش وابن عبس وابن عصام وابن غنام واين الفاكه وابن مسعدة وابن المنتفق وابن نضيلة في آخرين
وفي الصحابة من اشتهر بالنسبة إلى أبيه مع معرفة اسمه كابن زامل وابن سبرة وابن رسلان وابن الشياب وابن عائذ وابن القشيب وابن اللتبية كل هؤلاء اسمه عبد الله وإنما اشتهر بأبيه
والحزن ضد السهل
والربوة المكان المرتفع من الأرض
والمراد من الحديث أن عمل الجنة صعب وعمل النار سهل لأن ذلك يخالف الطباع وهذا يوافقها (1/38)
أخبرنا محمد بن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبانا علي بن محمد قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا جعفر الفريابي قال حدثنا المسيب بن واضح قال حدثنا ابن المبارك عن حيوة بن شريح عن أبي هانئ الخولاني عن عمرو بن مالك عن فضالة بن عبيد قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول المجاهد من جاهد نفسه في الله عز و جل
أخبرنا سعيد بن أحمد قال أنبأنا ابن البسرى قال أنبأنا المخلص قال حدثنا البغوي قال حدثنا ابن صاعد قال حدثنا لوين
وأخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال حدثنا علي ابن احمد الحمامي قال حدثنا أحمد بن يوسف قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي قال حدثنا مسدد قالا حدثنا أبو الأحوص قال حدثنا سعيد بن مسروق عن أبي حازم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس الشديد من غلب الناس ولكن الشديد من غلب نفسه لفظ مسدد
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا واصل بن حمزة الصوفي قال أنبأنا أبو سهل عبد الكريم بن عبد الرحمن بن محمد قال حدثنا خلف بن محمد بن إسماعيل قال حدثنا محمد بن حاتم بن نعيم قال حدثنا أبي قال حدثنا عيسى بن موسى عن الحسن هو ابن هشام عن يحيى بن العلاء قال حدثنا ليث عن عطاء بن أبي رباح عن جابر قال قدم النبي صلى الله عليه و سلم من غزاة له فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم قدمتم خير مقدم وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا وما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال مجاهدة العبد هواه (1/39)
اعلم انه إنما كان جهاد النفس أكبر من جهاد الأعداء لأن النفس محبوبة وما تدعو إليه محبوب لأنها لا تدعو إلا إلى ما تشتهي وموافقة المحبوب في المكروه محبوبة فكيف إذا دعا إلى محبوب
فإذ عكست الحال وخولف المحبوب فيما يدعو إليه من المحبوب اشتد الجهاد وصعب الأمر بخلاف جهاد الكفار فإن الطباع تحمل على خصومة الأعداء
وقال ابن المبارك في قوله تعال وجاهدوا في الله حق جهاده قال هو جهاد النفس والهوى
أخبرنا محمد بن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا طراد قال أنبأنا على ابن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن يوسف قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي
وأخبرنا محمد وعبد الله بن علي قالا أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا بنان بن أحمد قال حدثنا هرون بن عبد الله قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج قال قال عمر بن الخطاب حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا فإنه أهون عليكم في الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم يوم القيامة وتزينوا للعرض الأكبر يؤمئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية (1/40)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن يوسف قال أنبأنا أبو علي التميمي قال أنبأنا ابن حمدان قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثنا مصعب بن عبد الله قال حدثني مالك بن أنس عن إسحاق بن عبد الله أن أنس بن مالك قال سمعت عمر بن الخطاب يوما وخرجت معه حتى دخل حائطا فسمعته يقول وبيني وبينه جدار عمر بن الخطاب بخ بخ والله بني الخطاب والله لتتقين الله أو ليعذبنك
وبه قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا المبارك عن الحسن قال أيسر الناس حسابا يوم القيامة الذين يحاسبون أنفسهم لله عز و جل في الدنيا فوقفوا عند همومهم وأعمالهم فإن كان الذي هموا به لله عز و جل مضوا فيه وإن كان عليهم امسكوا
قال وإنما يثقل الحساب يوم القيامة على الذين جازفوا الأمور في الدنيا اتخذوها على غير محاسبة فوجدوا الله عز و جل قد أحصى عليهم مثاقيل الذر
ثم قرأ يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا يحيى بن صاعد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا معمر عن يحيى بن المختار عن الحسن قال إن المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله عز و جل وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حسابوا أنفسهم في الدنيا وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة إن المؤمن يفجؤه الشيء يعجبه فيقول والله إن لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ولكن والله ما من صلة إليك هيهات هيهات حيل بيني وبينك ويفرط منه (1/41)
الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول ما أردت إلى هذا ما لي ولهذا والله لا أعود إلى هذا ابدا إن شاء الله
إن المؤمنين قوم أوثقهم القرآن وحال بينهم وبين هلكتهم
إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئا حتى يلقى الله عز و جل يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وبصره ولسانه وجوارحه
وبه قال حدثنا الآجري قال حدثنا ابن مخلد قال حدثنا علي بن إبراهيم قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا ابو مقاتل قال حدثنا عون ابن ابي شداد عن الحسن في وصية لقمان لابنه يا بني إن الإيمان قائد والعمل سائق والنفس حرون فإن فتر سائقها ضلت عن الطريق وإن فتر قائدها حرنت فإذا اجتمعا استقامت
إن النفس إذا اطمعت طمعت وإذا فوضت إليها أساءت وإذا حملتها على أمر الله صلحت وإذا تركت الأمر إليها فسدت
فاحذر نفسك واتهمها على دينك وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها
وإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق وإن الأحمق يخير نفسه في الأخلاق فما أحبت منها أحب وما كرهت منها كره
وبالإسناد قال حدثنا الآجري قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن عبد الحميد قال حدثنا هارون بن عبد الله قال حدثنا سيار قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا حجاج بن الأسود قال سمعت قتادة يقول يا ابن آدم إن كنت تريد أن لا يأتي الخير إلا عن نشاط فإن نفسك إلى السآمة والفتور والملل أقرب ولكن المؤمن هو العجاج والمؤمن هو المتوقى والمؤمن هو المتشدد وإن المؤمنين هم العجاجون إلى الله عز و جل بالليل والنهار والله ما زال المؤمنون يقولون ربنا ربنا في السر والعلانية حتى استجاب لهم (1/42)
وبه قال حدثنا الآجري قال حدثنا عبد الله بن عبد الحميد قال حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني قال حدثنا عبد الوهاب بن عطاء قال حدثنا أبو عبيدة الناجي أنه سمع الحسن يقول حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور واقرعوا هذه الأنفس فإنها طلعة وإنها تنازع إلى شر غاية وإنكم إن تقاربوها لم تبق لكم من أعمالكم شيئا فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعد وإنما أنتم ركب وقوف يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب ولا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم
إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته
وبه قال حدثنا الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال حدثنا شعيب بن عبد الحميد قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ولا أقسم بالنفس اللوامة قال تندم على ما فات وتلوم نفسها
قال أبو بكر بن أبي داود وحدثنا علي بن محمد قال حدثنا وكيع عن جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال لا يكون الرجل تقيا حتى يحاسب نفسه محسابته لشريكه
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا رزق الله وطراد قالا أنبأنا أبو الحسين بن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني شريح ابن يونس قال حدثنا سليمان بن حيان عن جعفر بن برقان عن ميمون ابن مهران قال لا يكون الرجل تقيا حتى يكون لنفسه أشد محاسبة من الشريك لشريكه (1/43)
وبالإسناد حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا خالد بن خداش عن حماد ابن زيد عن رزيق بن رديح عن سلمة بن منصور عن مولى لهم كا يصحب الأحنف بن قيس قال كنت أصحبه فكان عامة صلاته بالليل الدعاء وكان يجيء إلى المصباح فيضع أصبعه ثم يقول حس
ثم يقول يا حنيف ما حملك على ما صنعت يوم كذا ما حملك على ما صنعت يوم كذا
وبه حدثنا القرشي قال حدثني إسماعيل بن إبراهيم قال حدثنا عامر بن يسار عن مالك بن دينار قال إن قوما من بني إسرائيل كانوا في مسجد لهم فجاء شاب حتى قام على باب المسجد فقال ليس مثلي من يدخل معكم أنا صاحب كذا أنا صاحب كذا يزرى على نفسه فأوحى الله عز و جل إلى نبيهم ان فلانا صديق
وبه حدثنا القرشي قال حدثنا سعد بن سليمان عن محمد بن يزيد بن حبيش قال قال وهب بن الورد بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهي تقول يا رب ذهبت اللذات وبقيت التبعات يا رب سبحانك إنك لأرحم الراحمين يا رب مالك عقوبة إلا النار
فقالت صاحبة لها يا أخية دخلت بيت ربك اليوم فقالت والله ما أرى هاتين القدمين وأشارت إلى قدميها أهلا للطواف حول بيت ربي عز و جل فكيف أراهما أهلا أطؤ بهما بيت ربي وقد علمت حيث مشتا وأين مشتا
وبه حدثنا القرشي قال حدثني محمد بن عبد الله بن محمد عن عبد الجبار بن النضر قال مر حسان بن أبي سنان بغرفة فقال متى بنيت هذه ثم أقبل على نفسه فقال تسألين عما لا يعنيك لأعاقبنك بصوم سنة فصامها (1/44)
قال وحدثني محمد قال حدثني يونس بن يحيى عن منكدر بن محمد عن أبيه أن تميما الداري نام ليلة لم يقم يتهجد فيها فقام سنة لم ينم فيها عقوبة للذي صنع
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا علي بن عبد الله الطوسي قال قال معاوية بن هشام بن عبد الملك لخالد بن صفوان بم بلغ فيكم الأحنف بن قيس ما بلغ فذكر كلاما طويلا إلى أن قال كان أشد الناس على نفسه سلطانا
أخبرنا ابن ناصر وعلي بن أبي عمر قالا أنبأنا رزق الله وطراد قالا أنبأنا ابن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني محمد بن سعيد الدارمي عن أبيه قال قيل لرجل صف لنا الأحنف بن قيس
فقال ما رأيت أحدا أعظم سلطانا على نفسه منه
أخبرنا عبد الوهاب قال أنبأنا شجاع بن فارس قال أنبأنا شجاع بن علي قال أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق قال حدثنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا أحمد بن الهيثم قال حدثنا حفص بن عمرو العمري عن شيب بن شيبة قال قال سليمان بن عبد الملك بن هشام لخالد ابن صفوان بم بلغ فيكم الأحنف بن قيس قال إن شئت أخبرتك عنه ألفا وإن شئت حذفت القول فيه حذفا قال بل احذفه حذفا قال إن شئت ثلاثا وإن شئت اثنتين وإن شئت واحدة قال هات الثلاث قال كان لا يشره ولا يحيد ولا يمنع أحدا من حق قال فهات الاثنتين قال كان موفقا للخير معصوما عن الشر قال فهات الواحدة قال لم أر أحدا قط كان أقوى سلطانا على نفسه منه (1/45)
أخبرنا على بن عمر قال أنبأنا طراد قال أنبأنا ابن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال أنبأنا أبو بكر بن عبيد قال حدثنا أبو محمد العبدي عن عبد الله بن محمد قال حدثني ابن أبي شميلة قال دخل رجل على عبد الملك بن مروان ممن كان يوصف بالعقل والأدب فقال له عبد الملك تكلم فقال بم أتكلم وقد علمت أن كل كلام يتكلم به المتكلم عليه وبال إلا ما كان لله فبكى عبد الملك ثم قال يرحمك الله لم يزل الناس يتواعظون ويتواصون
قال يا امير المؤمنين إن للناس في القيامة جولة لا ينجو من غصص مرارتها إلا من أرضى الله بسخط نفسه
أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا ابن النقور قال أنبأنا المخلص قال حدثنا أبو محمد السكري قال حدثنا أبو يعلى المنقري عن الأصمعي قال حدثنا الفضل بن عبد الملك قال قال عبد الله بن الأهتم لابنه يا بني توق نفسك فإن في خلافها رشدك
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا طراد قال أنبأنا ابن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال حدثني محمد ابن الحسين قال حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا مهدي بن ميمون عن عبد الحميد صاحب الزيادي عن وهب بن منبه أن رجلا تعبد زمانا ثم بدت له إلى الله عز و جل حاجة فصام سبعين سبتا ياكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة ثم سأل حاجته فلم يعطها فرجع إلى نفسه فقال منك أتيت لو كان فيك خير اعطيت حاجتك فنزل إليه عند ذلك ملك فقال يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت وقد قضى الله حاجتك
وبالإسناد قال حدثنا القرشي قال حدثنا علي بن محمد قال حدثنا عبد الله (1/46)
ابن صالح قال حدثني يعقوب بن عبد الرحمن القارئ قال قال محمد بن المنكدر إني خلفت زياد بن أبي زياد مولى ابن عياش وهو يخاصم نفسه في المسجد يقول اجلسي أين تريدين اين تذهبين أتخرجين إلى احسن من هذا المسجد انظري إلى ما فيه تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان
قال وكان يقول لنفسه مالك من الطعام إلا هذا الخبز والزيت ومالك من الثياب إلا هذين الثوبين ومالك من النساء إلا هذه العجوز أفتحبين أن تموتي فقالت أنا اصبر على هذا العيش
وبالإسناد قال حدثنا القرشي قال حدثني سلمة بن شبيب قال حدثنا سهل ابن عاصم عن أبي يزيد الرقى قال قال حذيفة بن قتادة قيل لرجل كيف تصنع في شهوتك قال ما في الأرض نفس أبغض إلى منها فكيف اعطيها شهوتها
وبه قال حدثنا القرشي قال حدثني أبو عبد الرحمن قال حدثني سعدان بن سمرة العجلي قال سمعت أحمد بن الزبرقان قال سمعت عبد الله بن المبارك يقول إن الصالحين فيما مضى كانت أنفسهم تواتيهم على الخير عفوا وإن أنفسنا لا تكاد تواتينا إلا على كره فينبغي لنا أن نكرهها
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا الحسن بن عي قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثنا أبي قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا سفيان عن يسير عن جميلة بن الحارث أنه كان يقول اعكسوا هذه الأنفس عكس الخيل باللجم فوالذي نفسي بيده إني لألبس ما يساوي ثلاثة دراهم فأظل أنظر في عطفي (1/47)
أخبرنا محمد قال أنبأنا عبد القادر قال أنبأنا ابن المذهب قال حدثنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثنا الحسن بن عبد العزيز قال انبأنا عبد الله بن يوسف قال حدثنا محمد بن سليمان بن بلال بن أبي الدرداء أن أمه عثامة كف بصرها فدخل عليها ابنها يوما وقد صلى فقالت أصليتم بني فقال نعم فقالت
عثام مالك لاهيه ... حلت بدارك داهيه
ابكي الصلاة لوقتها ... إن كنت يوما باكيه
وابكي القرآن إذا تلي ... قد كنت يوما تاليه
تتلينه بتفكر ... ودموع عينك جاريه
فاليوم لا تتلينه ... إلا وعندك تاليه
لهفي عليك صبابة ... ما عشت طول حياتيه
أخبرنا علي بن أبي عمر قال أنبأنا رزق الله وطراد قالا أنبأنا ابن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني مسلمة بن شبيب قال حدثنا سهل بن عاصم عن أبي ربيعة قال قال عمر بن عبد العزيز أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النفوس
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو القاسم الأزجي قال أنبأنا أبو الحسن بن جهضم قال قال أبو بكر النقاش سمعت عمر بن واصل يقول سمعت سهلا يقول من صحب نفسه هلك ومن صحبته نفسه لم يسلم
قال ابن جهضم وحدثنا الحسين بن الحسن بن معبد قال حدثنا محمد بن البلخي قال سمعت محمد بن احمد بن سعيد يقول سمعت أبا بكر الوراق يقول (1/48)
استعن على سيرك إلى الله بترك من شغلك عن الله عز و جل وليس بشاغل يشغلك عن الله عز و جل كنفسك التي هي بين جنبيك
قال وحدثني أبو القاسم المخرمي قال سمعت ابا على الروذباري يقول النفس مجبولة على سوء الأدب والعبد مأمور بملازمة الأدب فالنفس تجري بطبعها في ميدان المخالفة والعبد مجتهد في ردها فمتى اعانها فهو شريكها في فسادها
قال ابن جهضم وحدثني خلف بن الحسن العباداني قال سمعت سمنونا يقول أول وصال العبد للحق هجرانه لنفسه وأول هجران العبد للحق مواصلته لنفسه
قال وحدثنا محمد بن أحمد الزبيري قال حدثنا أبو بكر الكناني قال قال لي علي بن سعيد رأيت في النوم امرأة لا تشبه نساء الدنيا فقلت من أنت قالت حوراء قلت زوجيني نفسك فقالت اخطبني إلى سيدي قلت فما مهرك قالت حبس نفسك عن مألوفاتها
أخبرنا علي بن أبي عمر قال أنبأنا رزق الله وطراد قالا أنبأنا ابن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثنا سلمة بن شبيب عن إبراهيم بن الأشعث سمع الفضل بن عياض يقول في قوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم قالا لا تغفلوا عن أنفسكم فإن من غفل عن نفسه فقد قتلها
أخبرنا ابو بكر الصوفي قال أنبأنا ابن أبي صادق قال أنبأنا ابن باكويه قال سمعت أحمد بن علي البوازيجي قال سمعت أبا عمران الحديثي يقول ما مددت يدي مذ عقلت عن الله عز و جل ولنفسي فيه نصيب ولولا أن الله عز و جل أودعنا هذه النفوس بحفظها له لجعلنا على ذروة كل جبل منها قطعة (1/49)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو بكر بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأنا أحمد بن عبد الله بن يوسف القرميسيني أن أباه حدثه قال حدثنا علي بن عبد الحميد الغضائري قال سمعت السرى يقول اقوى الفتوة غلبتك نفسك ومن عجر عن أدب نفسه كان عن أدب غيره أعجز ومن علامة الاستدراج العمى عن عيوب النفس
قال السلمي وسمعت نصر بن أبي نصر العطار يقول سمعت أحمد بن سليمان يقول وجدت في كتابي عن حاتم الأصم قال الموت الأحمر مخالفة النفس
قال السلمي وأخبرنا محمد بن أحمد الرازي قال حدثنا العباس بن حمزة قال سمعت أحمد بن أبي الحواري يقول من لم يعرف نفسه فهو من دينه في غرور
قال السلمي وسمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت محمد بن حامد يقول قال رجل لأحمد بن خضرويه أوصني فقال أمت نفسك تحييها
قال وسمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت الحسن بن علويه يقول قال يحيى بن معاذ لا تربح على نفسك بشيء أجل من أن تشغلها في كل وقت بما هو أولى بها
قال وسمعت محمد بن أحمد الشبهي يقول سمعت أحمد بن حمدون يقول سمعت أبي يقول من استطاع منكم أن لا يعمى عن نقصان نفسه فليفعل
قال وسمعت أبا الحسن الفارسي قال سمعت الحسن بن علويه يقول قال محمد ابن الفضل أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته نفسه ذل (1/50)
قال السلمي وحدثنا أحمد بن محمد بن يعقوب الهروي قال حدثني أحمد بن عطاء قال حدثني أبو صالح قال قال أبو سعيد الخراز مثل النفس مثل ماء واقف طاهر صاف فإن حركته ظهر ما تحته من الحمأة
وكذا النفس تظهر عند المحن والفاقة والمخالفة ومن لم يعرف ما في نفسه كيف يعرف ربه
قال وسمعت أبا الحسين الفارسي يقول سمعت أبا محمد الجريري يقول من استولت عليه النفس صار أسيرا في حكم الشهوات محصورا في سجن الهوى وحرم الله على قلبه الفوائد فلا يستلذ كلامه ولا يتسحليه وإن كثر ترداده على لسانه
قال وسمعت محمد بن عبد الله الرازي قال قال محمد بن احمد بن سالم البصري من صبر على مخالفة نفسه أوصله الله إلى مقام أنسه
قرأت على أبي القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال حدثنا عبد الواحد بن عبد العزيز التميمي قال سمعت أبي يقول سمعت أبا بكر ابن الضرير المقرى يقول دافعت الشهوات حتى صارت شهوتي المدافعة
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني أحمد ابن علي المحتسب قال أنبأنا محمد بن الحسين الصوفي قال سمعت محمد بن عبد الله الرازي قال سمعت الجريري يقول سمعت الجنيد يقول ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات
أنبأنا على بن عبد الله قال أنبأنا عبد الواحد بن علي بن فهد قال أنبأنا أبو الفتح ابن أبي الفوارس قال أنبأنا الحسن بن أحمد الصوفي قال قال فراس العابد قلت لراهب اوصني فقال عليك بما تكره نفسك فألزمه قلبك فإنه يقدم بك على ما تحب وإياك وما تحبه فإنه يقفك على ما تكره (1/51)
ذكر أشعار قيلت في ذلك
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزار قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا أبو سعيد الصيرفي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني الحسين بن عبد الرحمن قال حج سعيد بن وهب ماشيا فبلغ منه وجهد فقال
قدمي اعتورا رمل الكثيب ... واطرقا الآجن من ماء القليب
رب يوم رحتما فيه على زهرة ... الدنيا وفي واد خصيب
وسماع حسن من حسن ... صخب المزهر كالظبي الربيب
فاحسبا ذاك بهذا واصبرا ... وخذا من كل فن بنصيب
إنما أمسى لأني مذنب ... فلعل الله يعفو عن ذنوبي
أخبرنا عبد الله بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنشدني أبو عبد الله محمد بن أحمد الشيرازي الواعظ
إذا ما أطعت النفس في كل لذة ... نسبت إلى غير الحجا والتكرم
إذا ما اجبت النفس في كل دعوة ... دعتك إلى الأمر القبيح المحرم
وقال عبد الله بن المعتز
وكم دهى المرء من نفسه ... فلا تؤكلن بأنيابها
وإن أمكنت فرصة في العدو ... فلا يبد فعلك إلا بها
وإياك من ندم بعدها ... وتأميل أخرى وأنى بها
أنشدني أبو زيد بن الحسن الطبري
إذا طالبتك النفس يوما بحاجة ... فكان عليها للقبيح طريق (1/52)
فدعها وخالف ما هويت فإنما ... هواك عدو والخلاف صديق
فصل واعلم أن المغلوب بموافقة الهوى والنفس مقهور ولذلك تجد في
نفسه ذلا لمكان القهر وغالب الهوى ذو صولة
ولذلك وقع عظيم في الشرع وعند الخلق
أما في الشرع فإن قهر الهوى يوجب المباهاة
أخبرنا علي بن عبد الله قال أنبأنا ابن النقور قال حدثنا أبو حفص الكتاني قال حدثنا البغوي قال حدثنا كامل بن طلحة قال حدثنا ابن لهيعة قال حدثنا أبو عشانة قال سمعت عقبة بن عامر يقول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم عجب ربنا من شاب ليس له صبوة
أخبرنا عبد الوهاب ويحيى بن علي قالا أنبأنا أبو محمد الصريفيني قال أنبأنا محمد بن الحسن بن عبدان قال أنبأنا محمد بن هارون الحضرمي عن عبد الحميد البهرامي عن يزيد بن ميسرة قال إن الله عز و جل يقول أيها الشاب التارك شهوته من أجلي أنت عندي كبعض ملائكتي
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا أبو بكر الخرائطي قال حدثنا نصر بن داود قال حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن عبد الرحمن بن عدي عن يزيد بن ميسرة (1/53)
قال إن الله تبارك وتعالى يقول أيها الشاب التارك شهوته لي المتبذل شبابه من أجلي أنت عندي كبعض ملائكتي
أخبرنا ابن ناصر قال أنبانا أبو بكر بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول سمعت ذا النون يقول قال الله تعالى من كان لي مطيعا كنت له وليا فليثق بي وليحكم علي فوعزتي لو سألني زوال الدنيا لأزلتها له
وأما عند الخلق فإنهم يعجبون من الزاهد ويذلون له ويتبركون به لأنه قوي على حمل ما ضعفوا عنه وهجر مالا يستطيعون هجره
فصل وقد كان أهل الحزم يعودون أنفسهم مخالفة هواها وإن كان مباحا
ليقع التمرين للنفس على ما ترك الهوى مطلقا وليطلب الارباح في المعاملة بترك المباح
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم قال حدثنا أحمد بن محمد بن سنان قال حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال حدثنا عمرو بن زرارة قال حدثنا أبو عبيدة الحداد عن عبد الله بن أبي عثمان قال كان عبد الله بن عمر اعتق جاريته التي يقال لها رميثة وقال إني سمعت الله قال في كتابه لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإني والله إن كنت لأحبك في الدينا اذهبي فأنت لوجه الله
أخبرناالمبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك (1/54)
ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا أبو الفضل الربعي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن الهيثم بن عدي قال كانت لفاطمة بنت عبد الملك بن مروان زوجة عمر بن عبد العزيز جارية ذات جمال فائق وكان عمر معجبا بها قبل ان تفضي إليه الخلافة فطلبها منها وحرص فأبت دفعها إليه وغارت من ذلك فلم تزل في نفس عمر فلما استخلف أمرت فاطمة بالجارية فاصلحت ثم جليت فكانت حديثا في حسنها وجمالها ثم دخلت فاطمة بالجارية على عمر فقالت يا أمير المؤمنين إنك كنت بفلانة جاريتي معجبا وسألتنيها فأبيت ذلك عليك وإن نفسي قد طابت لك بها اليوم فدونكها فلما قالت ذلك استبانت الفرح في وجهه ثم قال ابعثي بها إلي ففعلت فلما دخلت عليه نظر إلى شيء أعجبه فازداد بها عجبا فقال لها الق ثوبك فلما همت أن تفعل قال على رسلك اقعدي اخبريني لمن كنت ومن أين أنت لفاطمة قالت كان الحجاج بن يوسف أغرم عاملا كان له من أهل الكوفة مالا وكنت في رقيق ذلك العامل فاستصفاني عنه مع رقيق له وأموال فبعث بي إلى عبد الملك بن مروان وأنا يؤمئذ صبية فوهبني عبد الملك لابنته فاطمة
قال وما فعل ذلك العامل قالت هلك قال وما ترك ولدا قالت بلى
قال وما حالهم قالت سيئة قال شدي عليك ثوبك
ثم كتب إلى عبد الحميد عامله أن سرح لي فلان بن فلان على البريد فلما قدم قال له ارفع إلي جميع ما أغرم الحجاج أباك فلم يرفع إليه شيئا إلا دفعه إليه ثم أمر بالجارية فدفعت إليه فلما أخذ بيدها قال إياك وإياها فإنك حديث السن ولعل اباك أن يكون قد وطئها فقال الغلام يا أمير المؤمنين هي لك
قال لا حاجة لي فيها
قال فابتعها مني قال لست إذن ممن ينهى النفس (1/55)
عن الهوى
فمضى الفتى بها فقالت الجارية فأين موجدتك بي يا أمير المؤمنين فقال إنها لعلى حالها ولقد ازدادت
فلم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز قال أنبأنا أبو الحسن رشيق الرقى قال حدثنا أحمد بن سعيد الوراق قال حدثنا عمر بن سعيد عن عبد الرحمن بن مهدي قال رأيت سفيان الثوري في المنام فقلت ما فعل الله بك قال لم يكن إلا أن وضعت في اللحد حتى وقفت بين يدي الله تعالى فحاسبني حسابا يسيرا ثم أمر بي إلى الجنة فبينا أنا أدور بين أشجارها وأنهارها ولا أسمع حسا ولا حركة إذ سمعت قائلا يقول سفيان بن سعيد فقلت سفيان بن سعيد قال تحفظ أنك آثرت الله على هواك يوما قال قلت إي والله فأخذتني صواني النثار من جميع الجنة
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا ابن رزق قال أنبأنا إبراهيم بن محمد المزكي قال أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج قال سمعت محمد بن سهل بن عسكر يقول سمعت عبد الرزاق يقول بعث أبو جعفر الخشابين حين خرج إلى مكة فقال إن رأيتم سفيان الثوري فاصلبوه
قال فجاء النجارون ونصبوا الخشب ونودي سفيان وإذا رأسه في حجر الفضل ورجلاه في حجر ابن عيينة
قال فقالوا له يا ابا عبد الله اتق الله ولا تشمت بنا الأعداء
قال فتقدم إلى الأستار ثم أخذها ثم قال برئت منه إن دخلها أبو جعفر
قال فمات قبل أن يدخل مكة فأخبر بذلك سفيان فلم يقل شيئا (1/56)
فتلمح يا اخي أثر خلاف الهوى كيف بان في مقام لو أقسم وميز ما بين إدلال المطيع وذل العاصي
وقد سمعت أن عمر لما جاءه منكر ونكير جذب بذاؤبة هذا وذؤابة هذا وقال من ربكما ولولا انقباض يده عن الهوى ما انبسطت إلى منكر ونكير
وقد قال بعض الحكماء ظاهر التقوى شرف الدنيا وباطنها شرف الآخرة
واعلم انك إذا عكست هذه الحال في حق موافق الهوى والنفس رأيت الذل ملازما والجاه منكسرا وكذلك الأمر عند المخلوقين في الأمرين جميعا فإنه من عرف عندهم بقهر الهوى عظم ومن نبز بأنه مقهور الهوى أهين فالعجب من سكرة ذي الهوى كيف غلبت عليه فلما أفاق لم ير غير اللوائم (1/57)
الباب الرابع في مدح الصبر والحث عليه
وإذ قد قدمنا ذم الهوى وأمرنا بمخالفة النفس ولا إمكان لمخالفتها وترك هواها إلا بالصبر فلنقل في فضله وشرفه والأمر به والله الموفق
الصبر في اللغة الحبس وكل من حبس شيئا فقد صبره ومنه المصبورة التي نهى عنها وهي الدجاجة ونحوها تتخذ غرضا وترمى حتى تقتل وسمى رمضان شهر الصبر لأنه شهر تحبس فيه النفس عما تنازع إليه من المطعم والمشرب والمنكح والصابر حابس لنفسه عما تنازع إليه من المشتهى أو شكوى ألم وسمى الصابر في المصيبة صابرا لأنه حبس نفسه عن الجزع
وحكى أبو بكر بن الأنباري عن بعض العلماء أنه قال إنما سمى الصبر صبرا لأن تمرره في القلب وإزعاجه للنفس كتمرر الصبر في الفم
واعلم وفقك الله أن الصبر مما يامر به العقل وإنما الهوى ينهى عنه فإذا فوضلت فوائد الصبر وما تجلب من الخير عاجلا وآجلا بانت حينئذ فضائل العقل وخساسة الهوى
واعلم أن الصبر ينقسم قسمين صبر عن المحبوب وصبر على المكروه فالطاعة مفتقرة إلى الصبر عليها والمعصية مفتقرة إلى الصبر عنها
ولما كانت النفس مجبولة على حب الهوى فكانت بالطبع تسعى في طلبه افتقرت إلى حبسها عما تؤذي عاقبته
ولا يقدر على استعمال الصبر إلا من عرف عيب الهوى وتلمح عقبي الصبر فحينئذ يهون عليه ما صبر عليه وعنه (1/58)
وبيان ذلك بمثل وهو أن امراة مستحسنة مرت على رجلين فلما عرضت لهما اشتهيا النظر إليها فجاهد أحدهما نفسه وغض بصره فما كانت إلا لحظة ونسى ما كان وأوغل الآخر في النظر فعلقت بقلبه فكان ذلك سبب فتنته وذهاب دينه فبان لك أن مداراة المعصية حتى تذهب أسهل من معاناة التوبة حتى تقبل وقد قال بعض السلف من تخايل الثواب خف عليه العلم
فصل قد حث الله عز و جل على الصبر
في كتابه وأمر به ومدح أهله فهو مذكور في نحو من سبعين موضعا من القرآن وهو في الحديث المنقول كثير وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر وقال علي رضي الله تعالى عنه اعلموا أن الصبر من الايمان بمنزلة الرأس من الجسد ألا وإنه لا إيمان لمن لا صبر له وقال الأشعث بن قيس إنك إن صبرت إيمانا واحتسابا وإلا سلوت كما تسلوا البهائم أخبرنا عبد الوهاب قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أحمد بن علي التوزي قال أنبأنا عمر بن ثابت قال أنبأنا علي بن احمد بن أبي قيس قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا يحيى بن سليم الطائفي قال حدثني عمرو بن يونس عن من حدثه عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة وصبر (1/59)
على الطاعة وصبر عن المعصية فمن صبر على المصيبة حتى يردها بحسن عزائها كتب الله له ثلثمائة درجة بين الدرجة إلى الدرجة كما بين السماء إلى الأرض ومن صبر على الطاعة كتب الله له ستمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش ومن صبر عن المعصية كتب الله له تسعمائة درجة ما بين الدرجة إلى الدرجة كما بين تخوم الأرض إلى العرش مرتين وبالإسناد قال حدثنا يحيى بن يوسف الذمي قال حدثنا أبو المليح عن ميمون بن مهران قال الصبر صبران الصبر على المصيبة حسن وأفضل من ذلك الصبر عن المعاصي وما نال أحد شيئا من جميع الخير نبي فمن دونه إلا بالصبر وبالإسناد قال حدثنا القرشي قال حدثنا محمد بن إدريس قال حدثنا محمد بن روح قال حدثنا القاسم بن كثير قال سمعت سليمان بن القاسم يقول كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر قال الله عز و جل إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب قال كالماء المنهمر وبه قال حدثنا القرشي قال حدثني علي بن مسلم قال حدثنا سيار قال حدثنا جعفر قال حدثنا مالك بن دينار قال قال عيسى بن مريم خشية الله عز و جل وحب الفردوس يباعدان من زهرة الدنيا ويورثان الصبر على المشقة وبه قال حدثنا القرشي قال حدثنا علي بن الحسن عن زهير بن عباد عن أبي سليمان النصيبي قال قال الحواريون لعيسى بن مريم يا روح الله كيف لنا بأن ندرك جماع الصبر (1/60)
قال اجعلوا عزمكم في الأمور كلها بين يدي هواكم ثم اتخذوا كتاب الله عز و جل إماما لكم في دينكم أخبرنا المبارك بن علي قال أنبانا محمد بن المختار قال أنبأنا محمد بن علي ابن ابي الفتح قال أنبأنا محمد بن يوسف العلاف قال أنبأنا يحيى بن صاعد قال أنبأنا مسلم بن جنادة عن وكيع عن شعبة عن عبد الحميد صاحب الزيادي عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من جهد البلاء قلة الصبر أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسن بن أحمد قال أنبأنا هلال بن محمد قال حدثنا محمد بن عمرو بن البختري قال حدثنا عبد الله بن غنام قال حدثنا حرب بن الحسن قال حدثنا ابن يمان عن الأعمش عن الحسن قال إنما يدرك ابن آدم حاجته في صبر ساعة أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا أبو بكر الخارئطي قال حدثنا علي بن داود قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني يعقوب بن إبراهيم الزهري عن أبيه قال جلس إلي يوما زياد مولى ابن عياش فقال يا عبد الله قلت ما تشاء قال ما هي إلا الجنة والنار قلت والله ما هي إلا الجنة والنار فقال وما بينهما منزل ينزله العباد قلت وما بينهما منزل ينزله العباد قال فوالله إن نفسي لنفس أضن بها عن النار وللصبر اليوم على معاصي الله خير من الصبر على الأغلال أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن خلف قال حدثنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت (1/61)
أبا عثمان الأسدي يقول قال الحارث المحاسبي لكل شيء جوهر وجوهر الإنسان العقل وجوهر العقل الصبر وبه حدثنا السلمي قال سمعت محمد بن عبد الله بن شاذان يقول سمعت أبا بكر بن أحمد يقول قال عمر بن عثمان المكي لقد وبخ الله التاركين للصبر على دينهم بما أخبرنا عن الكفار أنهم قالوا امشوا واصبروا على آلهتكم فهذا توبيخ لمن ترك الصبر من المؤمنين على دينه قال السلمي وسمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت محمد بن داود الدينوري يقول سئل عبد الخزاز عن علامة الصبر فقال ترك الشكوى وإخفاء الصبر والبلوى وقال أكثم بن صيفي حيلة من لا حيلة له الصبر وأنشد ابن مسروق إذا طالعك الكره كن بالصبر لواذا وإلا ذهب الأجر فلا هذا ولا هذا (1/62)
الباب الخامس في حراسة القلب من التعرض بالشواغل والفتن
اعلم ان القلب في اصل الوضع سليم من كل آفة والحواس الخمس توصل إليه الأخبار فترقم في صفحته
فينبغي أن يستوثق من سد الطرق التي يخشى عليه منها الفتن فإنه إذا اشتغل بشيء منها أعرض عما خلق له من التعظيم للخالق والفكر في المصالح
ورب فتنة علق به شباها فكانت سببا في هلاكه
أخبرنا هبة الله ابن محمد بن الحصين الشيباني قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أحمد بن جعفر القطيعي قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني أبي وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا أبو الفتح الشاشي وأخبرنا أبو عبد الرحمن المروزي قال أنبأنا أبو عبد الله الفراوي قالا أنبأنا عبد الغافر الفارسي قال أنبأنا أبو عمرويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان قال حدثنا مسلم ابن الحجاج قال حدثنا محمد بن رافع قال أنبأنا عبد الرزاق
وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا ابن أعين قال أنبأنا الفربري قال حدثنا البخاري قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا ابن المبارك قالا حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم غزا نبي من الأنبياء فقال لقومه لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة وهو يريد أن يبني بها ولما يبن ولا آخر قد بنى بيوتا ولم يرفع سقفها ولا آخر قد اشترى غنما او خلفات وهو ينتظر أولادها
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد (1/63)
وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا ابن اعين قال حدثنا الفربري قال حدثنا البخاري قال حدثنا أبو نعيم
وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا الشاشي
وأخبرنا المروزي قال أنبأنا الفراوي قالا انبأنا عبد الغافر الفارسي قال حدثنا ابن عمروية قال حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثنا ابن نمير قال حدثني أبي
وأخبرنا الكروخي قال أنبأنا أبو عامر الأزدي وأبو بكر الغورجي قال أنبأنا الجراحي قال حدثنا المحبوبي قال حدثنا الترمذي قال حدثنا هناد قال حدثنا وكيع قالوا حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال حدثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ألا وإن في الإنسان مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب لفظ أحمد
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري قال أنبأنا محمد بن علي بن أبي الفتح العشاري قال أنبأنا أبو الحسن بن سمعون قال حدثنا محمد بن جعفر الصيرفي قال حدثنا حماد بن الحسن قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن منصور عن الشعبي عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه و سلم قال في الإنسان مضغة إذا صحت صح لها سائر الجسد وإذا سقمت سقم لها سائر الجسد وهي القلب
هذا الحديث وما قبله مخرج في الصحيحين
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو على التميمي قال حدثنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي قال حدثنا روح قال حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت قال قيل لعيسى لو اتخذت حمارا تركبه لحاجتك قال أنا أكرم على الله من أن يجعل لي شيئا يشغلني به (1/64)
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا الحسن ابن علي التميمي قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثني إبن إسحاق قال أنبأنا عبد الله قال أنبأنا وهيب أن ابن عمر باع جمل فقيل له لو أمسكته فقال لقد كان موافقا ولكنه أذهب شعبة من قلبي فكرهت أن أشغل قلبي بشيء أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا جعفر قال أنبأنا أبو علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني علي بن مسلم قال حدثنا سيار قال حدثنا الحارث بن نبهان قال قدمت من مكة فأهديت إلى مالك بن دينار ركوة فكانت عنده فجئت يوما فجلست في مجلسه فلما قضاه قال لي يا حراث تعالى خذ تلك الركوة فقد شغلت علي قلبي فقلت يا أبا يحيى إنما اشتريتها لك تتوضأ فيها وتشرب فقال يا حارث إني إذا دخلت المسجد جاءني الشيطان فقال لي يا مالك إن الركوة قد سرقت فقد شغلت على قلبي أخبرنا ابن ظفر قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي حدثنا ابن جهضم قال حدثنا محمد بن الحسين الحامدي قال حدثنا أبي قال سمعت حارث بن أسد يقول بلية العبد تعطيل القلب من فكر الآخرة حينئذ تحدث الغفلة في القلب أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أبو العباس الكندي قال أنبأنا أبو بكر الخرائطي قال حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثني إسحاق بن محمد قال قالت رابعة شغلوا قلوبهم بحب الدنيا عن الله عز و جل ولو تركوها لجالت في الملكوت ثم رجعت إليه بطرائف الفوائد (1/65)
قال محمد بن الحسين وحدثني الصلت بن حكيم قال حدثني ابن السماك عن امرأة كانت تسكن البادية قال سمعتها تقول لو تطالعت قلوب المؤمنين بفكرها إلى ما ادخر لها في حجب الغيوب من خير الأجر لم يصف لهم في الدنيا عيش ولم تقر لهم في الدنيا عين
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا ابو عبد الرحمن السلمي قال سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت محمد بن حامد يقول قال أحمد بن خضرويه القلوب أوعية فإذا امتلأت من الحق أظهرت زيادة أنوارها على الجوارح وإذا امتلأت من الباطل أظهرت زيادة ظلمها على الجوارح
قال السلمي وسمعت ابن علوان يقول سمعت على بن الحسين يقول قال أبو تراب ليس من العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلوب
قال السلمي وسمعت أبا الحسن بن محمد يقول قال ابو الخير التيناتي حرام على قلب مأسور بحب الدنيا أن يسيح في روح الغيب
وقال إبراهيم بن أدهم طلب الملوك شيئا ففاتهم وطلبناه فوجدناه ما يجوز همي كسائي هذا
وقال أبو محمد المرتعش ما نفعني من العبادات شيء ما نفعني جمع الهمة
وسئل إبراهيم بن الحسن عن سلامة القلب فقال العزلة والصمت وترك استماع خوض الناس ولا يعقد القلب على ذنب ولا على حقد ويهب لمن ظلمه حقه
وقال ابو بكر محمد بن عمر العنبري وقد ودع محبوبا له
استودع الله قلبا مذ فجعت به ... وبالأحبة لم أسكن إلى سكن
قد كان يحمل من همي ومن حزني ... ما ليس يحمله روحي ولا بدني
لا عدت إن عاد لي قلبي أعذبه ... بالحسن كم من قبيح جاء من حسن (1/66)
الباب السادس في ذكر ما يصدأ به القلب
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا صفوان بن عيسى قال أنبأنا ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن المؤمن إذا أذنب كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب ونزع واستغفر صقل قلبه وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكر الله عز و جل في كتابه كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وقال حذيفة إذا أذنب العبد نكت في قلبه نكتة سوداء فإذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء حتى يصير قلبه كالشاة الربداء
أنبأنا أحمد بن احمد المتوكلي قال أنبأنا أبو بكر بن الخطيب قال أنبأنا أبو سعد بن شاذان قال أنبأنا محمد بن عبد الله الصفار قال حدثنا أبو بكر ابن أبي الدنيا قال حدثنا الحسن بن محبوب قال حدثنا حجاج قال قال ابن جريج أخبرني عبد الله بن كثير أنه سمع مجاهدا يقول الرين أيسر من الطبع والطبع أيسر من الأقفال والأقفال أشد من ذلك (1/67)
قال الحسن بن محبوب وحدثنا الفيض بن إسحاق قال قال حذيفة المرعشي أنبأنا عمار بن سيف عن الأعمش قال كنا عند مجاهد فقال القلب هكذا وبسط كفه فإذا أذنب الرجل ذنبا قال هكذا فعقد واحدا ثم إذا أذنب قال هكذا وعقد اثنين ثم ثلاثا ثم أربعا ثم رد الإبهام على الأصابع في الذنب الخامس يطبع على قلبه قال مجاهد فأيكم يرى أنه لم يطبع على قلبه
وقال يحيى بن معاذ سقم الجسد بالأوجاع وسقم القلوب بالذنوب فكما لا يجد الجسد لذة الطعام عند سقمه فكذلك القلب لا يجد حلاوة العبادة مع الذنوب وكان بعض الحكماء يقول إذا لم يستعمل القلب فيما خلق له من الفكر في اجتلاب المصالح في الدين والدنيا واجتناب المفاسد تعطل فاستترت جوهريته فإذا أضيف إلى ذلك فعل ما يزيده ظلمة كشرب الخمر وطول النوم وكثرة الغفلة صار كالحديد يغشاه الصدأ فيفسده (1/68)
الباب السابع في ذكر ما ينفي عن القلوب صداها
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أبو العباس الكندي قال أنبأنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا عبد الرحيم بن هارون قال حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد قيل يا رسول الله فما جلاؤها قال تلاوة القرآن قال محمد بن جعفر وحدثنا حماد بن الحسن قال حدثنا سيار عن جعفر بن سليمان عن المعلى بن زياد قال قال رجل للحسن يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي قال أذبه من الذكر وقد روى أن رجلا سأل عائشة ما دواء قسوة القلب فأمرته بعيادة المرضى وتشييع الجنائز وتوقع الموت وشكا ذلك رجل إلى مالك بن دينار فقال أدمن الصيام فإن وجدت قسوة فأطل القيام فإن وجدت قسوة فأقل الطعام وسئل ابن المبارك ما دواء القلب فقال قلة الملاقاة (1/69)
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأنا عبد الواحد بن بكر الورثاني قال حدثنا أبو الأزهر الميفارقيني قال سمعت فتح بن شخرف يقول حدثني عبد الله بن خبيق قال خلق الله القلوب مساكن للذكر فصارت مساكن للشهوات ولا يمحو الشهوات من القلوب إلا خوف مزعج أو شوق مقلق قال السلمي وسمعت أحمد بن علي بن جعفر قول سمعت الأزدي يقول سمعت إبراهيم الخاص يقول دواء القلب خمسة أشياء قراءة القرآن بالتدبر وخلاء البطن وقيام الليل والتضرع عند السحر ومجالسة الصالحين (1/70)
الباب الثامن في ذكر تقليب القلوب والرغبة إلى الله تعالى في إصلاحها
أخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا ابن اعين وأنبأنا إبراهيم بن خريم قال أنبأنا عبد بن حميد قال أنبأنا عبيد الله بن موسى كلاهما عن سفيان وأخبرنا الكروخي قال أنبأنا أبو عامر الأزدي وابو بكر الغورجي قالا أنبأنا الجراحى قال حدثنا المحبوبي قال حدثنا الترمذي قال حدثنا على بن حجر قال حدثنا عبد الله بن المبارك كلاهما عن موسى بن عقبة عن سالم عن ابن عمر قال كانت يمين النبي صلى الله عليه و سلم لا ومقلب القلوب
انفرد بإخراجه البخاري
وأخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي ح
وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا أبو الفتح الشاشي وأخبرنا ابو عبد الرحمن المروزي قال أنبأنا أبو عبد الله الفراوي قالا أنبأنا عبد الغافر قال أنبأنا ابن عمرويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثنا زهير قالا حدثنا أبو عبد الرحمن المقري ح
وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا السرخسي قال أنبأنا إبراهيم بن خريم قال حدثنا عبد بن حميد قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال حدثنا ابن المبارك قالا حدثنا حيوة قال أخبرني أبو هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلى أنه سمع عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول (1/71)
إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن تبارك وتعالى كقلب واحد يصرفها كيف يشاء
ثم قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللهم مصرف القلوب اصرف قلوبنا إلى طاعتك
انفرد بإخراجه مسلم
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي ح
وأخبرنا الكروخي قال حدثنا الأزدي والغورجي قالا أنبأنا الجراحي قال حدثنا المحبوبي قال حدثنا الترمذي قال حدثنا هناد قالا حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن أنس قال كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك
قال فقلنا يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا فقال نعم
إن القلوب بين إصبعين من اصابع الله عز و جل يقلبها تبارك وتعالى كيف يشاء
أخبرنا أبو القاسم الحريري قال أنبانا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا ابو بكر ابن بخيث قال حدثنا إسماعيل بن موسى الحاسب قال حدثنا جبارة قال حدثنا أبو إسحاق الخميسي عن يزيد الرقاشي عن أنس قال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكثر أن يقول في دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك (1/72)
أخبرنا أبو القاسم الحريري قال أنبأنا أبو طالب العشاري قال حدثنا الحسين ابن سمعون قال حدثنا أحمد بن سليمان بن زبان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا صدقة بن خالد قال حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال سمعت بشر بن عبيد الله قال سمعت أبا إدريس الخولاني يقول حدثني النواس ابن سمعان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول ما من قلب إلا بين إصبعين من اصابع الرحمن جل وعز إن شاء أقامه وإن شاء أزاغه
وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك
قال والميزان بيد الرحمن عز و جل يرفع أقواما ويخفض آخرين إلى يوم القيامة
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا على بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن محمد بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد ابن جعفر الخرائطي قال حدثنا سعدان بن يزيد قال حدثنا الهشام بن جميل قال حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد عن أم محمد عن عائشة قال الخرائطي وحدثنا الترقفي قال حدثنا الفريابي عن الثوري عن الأعمش عن أبي سعيد سفيان عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك فقلت يا رسول الله إنك تكثر أن تدعو بهذا الدعاء هل تخشى
قال وما يؤمنني يا عائشة وقلوب العباد بين (1/73)
إصبعين من اصابع الله إذا أراد أن يقلب قلب عبد قلبه وقلب الوسطى والسبابة
واللفظ لسعدان وفي هذا الباب عن أبي ذر وأم سلمة
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا محمد بن علي الدجاجي قال أنبأنا علي بن معروف قال حدثنا محمد بن الهيثم قال حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سفيان عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل القلب كمثل ريشة بأرض فلاة تقلبها الرياح
أخبرنا عبد الله بن علي قال أنبأنا الحسين بن أحمد بن طلحة قال أنبأنا أبو عمر بن مهدي قال حدثنا الحسين بن إسماعيل المحاملي قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا بقية قال حدثنا الفرج بن فضالة قال حدثني سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن المقداد بن الأسود قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول لقلب ابن آدم أسرع انقلابا من القدر إذا استجمعت غليانا
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا محمد بن الحسين السلمي قال سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت محمد بن الفضل يقول سمعت أحمد بن خضرويه يقول القلوب جوالة إما أن تجول حول العرش وإما أن تجول حول الحش (1/74)
الباب التاسع في ذكر الواعظ من القلب
أخبرنا ابن عبد الواحد الشيباني قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أحمد بن جعفر القطيعي قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا الحسن بن سوار قال حدثنا ليث يعني ابن سعد عن معاوية بن صالح أن عبد الرحمن بن جبير حدثه عن أبيه عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول يا ايها الناس ادخلوا الصراط جميعا ولا تعرجوا
وداع يدعو من جوف الصراط فإذا أراد يعني العبد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه
والصراط الإسلام
والسوران حدود الله
والأبواب المفتحة محارم الله
وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله عز و جل
والداعي من فوق واعظ الله في قلب كل مسلم
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأنا أبو العباس الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عباس الترقفي قال حدثنا الفريابي عن الثوري عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان قال ما من عبد إلا وله عينان في وجهه يبصر بهما أمر الدنيا (1/75)
وعينان في قلبه يبصر بهما أمر الآخرة فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح عينيه اللتين في قلبه فأبصر بهما ما وعد الله بالغيب وإذا أراد الله به غير ذلك تركه على ما فيه
ثم قرأ أم على قلوب أقفالها
وبالإسناد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا علي بن الأعرابي قال قال أبو العتاهية لقيت أبا نواس في المسجد الجامع فعذلته وقلت له أما آن لك أن ترعوي أما آن لك أن تزدجر
فرفع رأسه إلى وهو يقول
أتراني يا عتاهي ... تاركا تلك الملاهي
أتراني مفسدا بالنسك عند القوم جاهي ... قال فلما ألححت عليه في العذل أنشأ يقول
لن ترجع الأنفس عن غيها ... ما لم يكن منها لها زاجر
فوددت أني قلت هذا البيت بكل شيء قلته (1/76)
الباب العاشر في الأمر بتفريغ القلب من غير محبة الرب
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا عبد السلام بن محمد قال حدثنا سعيد ابن عبد العزيز قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال سأل محمود أبا سليمان وأنا حاضر ما أقرب ما يتقرب به إلى الله عز و جل
فبكى أبو سليمان ثم قال مثلى يسأل عن هذا
أقرب ما تتقرب به إليه أن يطلع على قلبك وأنت لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
وبالإسناد قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا المفيد قال حدثنا عبد الله ابن سهل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول النسك هو العناية بالسرائر وإخراج ما سوى الله عز و جل من القلب
وبه قال ابن جهضم وحدثني أحمد بن علي قال حدثني عباس بن عبد الله الهاشمي قال سمعت سهل بن عبد الله يقول ما من ساعة إلا والله عز و جل مطلع على قلوب العباد فأي قلب رأي فيه غيره سلط عليه إبليس
قال وحدثنا عبد الجبار بن بشران قال سمعت سهلا يقول من نظر إلى الله عز و جل قريبا منه بعد عن قلبه كل شيء سوى الله عز و جل ومن طلب مرضاته أرضاه الله عز و جل ومن أسلم قلبه تولى الله عز و جل جوارحه (1/77)
قال وحدثني علي بن محمد قال سمعت إبراهيم الخواص يقول قال لي محمد ابن الفضل ما خطوت أربعين سنة خطوة لغير الله عز و جل وأربعين سنة ما نظرت في شيء أستحسنه حياء من الله عز و جل أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا أبو حفص النسائي قال حدثني أحمد بن أبي الحوراي قال قال سلم الخواص تركتموه وأقبل بعضكم على بعض ولو أقبلتم عليه لرأيتم العجائب وبه قال حدثنا الخرائطي قال حدثنا ابن الجنيد قال حدثنا محمد الحسين عن حكيم بن جعفر قال قال ضيغم لكلاب إن حبه تعالى شغل قلوب محبيه عن التلذذ بمحبة غيره فليس لهم في الدنيا مع حبه لذة تداني محبته ولا يأملون في الآخرة من كرامة الثواب أكبر عندهم من النظر إلى وجه محبوبهم قال فسقط كلاب مغشيا عليه أخبرنا أحمد بن احمد المتوكلي قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا عبد الرحمن بن محمد النيسابوري قال حدثنا محمد بن عبد الله بن بهلول قال حدثنا أحمد بن علي بن أبي خميرة قال سمعت سهل بن عبد الله يقول حرام على قلب أن يشتم رائحة اليقين وفيه سكون إلى غير الله وحرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز و جل أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الصوري قال سمعت الحسن بن أحمد قال قال لبي أبو بكر الهلالي واشار إلى شجرة (1/78)
في منزله فقال هذه الشجرة ما نظرت إليها نظرة فرجع طرفي إلي إلا بعقوبة أو توبيخ في سرى يقال لي تكون بين أيدينا وتنظر إلى سوانا قرأت على أبي القاسم الحريري عن أبي طالب العشاري قال حدثنا مبادر ابن عبيد الله الصوفي قال سمعت أبا الأزهر عبد الواحد بن محمد الفارسي قال لقيت إبراهيم الجبلي بسكة بعد رجوعه إلى وطنه وتزوجه بابنة عمه وكان قد قطع البادية حافيا فحدثني أنه لما رجع إلى بلده وتزوج شغف بابنة عمه شغفا شديدا حتى ما كان يفارقها لحظة قال فتفكرت ليلة في كثرة ميلي إليها وشغفي بها فقلت ما يحسن بي أن أرد القيامة وفي قلبي هذه فتطهرت وصليت ركعتين وقلت سيدي رد قلبي إلى ما هو أولى فلما كان من الغد اخذتها الحمى فتوفيت يوم الثالث ونويت الخروح حافيا من وقتي إلى مكة أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت منصور بن عبد الله قال سمعت محمد بن حامد يقول سئل أحمد بن خضرويه أي الأعمال أفضل قال رعاية السر عن الالتفات إلى شيء سوى الله قال السلمي وسمعت محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا محمد المرتعش يقول سكون القلب إلى غير المولى تعجيل عقوبة من الله في الدنيا أخبرنا ابن ظفر قال أنبأنا السراج قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال أنبأنا ابن جهضم قال حدثني عمر بن يحيىالنقاش قال سئل الشبيل عن قوله عز و جل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم فقال أبصار الرؤوس عما حرم الله وأبصار القلوب عما سوى الله عز و جل (1/79)
قال ابن جهضم وسمعت ابن سمعون يقول في مجلسه ما سمعت قول رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة أو تمثال فإذا كان الملك لا يدخل بيتا فيه صورة أو تمثال فكيف تدخل شواهد الحق قلبا فيه أوصاف غيره من البشر
أخبرنا إبراهيم بن دينار الفقيه قال حدثنا محمد بن سعيد بن نبهان قال أنبأنا الحسين بن الحسن النعالي قال أنبأنا أحمد بن نصر الذارع قال حدثني حرب قال حدثني منصور بن محمد قال قالت رقية العابدة الموصلية إني لأحب ربي حبا شديدا فلو أمر بي إلى النار لما وجدت للنار حرارة مع حبه ولو أمر بي إلى الجنة لما وجدت للجنة لذة مع حبه لأن حبه هو الغالب علي
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري قال أنبأنا علي بن محمود الزوزني قال أنبأنا أبو طالب أحمد بن علي الفامي قال أنبأنا علي بن المثنى قال سمعت إبراهيم بن شيبان يقول سمعت محمد بن حسان أو ابن أبي حسان يقول كنت مارا في البادية فإذا أنا براهب قد أحرقته السموم والرياح فقلت له عظني فقال لي احذر فإنه غيور لا يحب أن يرى في قلب عبده أحدا سواه
أنبأنا ابن ناصر قال أنبأنا محمد بن الحسن الباقلاني قال أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي قال حدثني محمد بن عبيد الله قال حدثنا أحمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن سعيد التميمي العابد قال رأيت فتى في بعض سواحل الشام فقلت يا فتى منذ كم أنت ها هنا قال لا أدري
فقلت ولم قال لأنه قبيح بمن يحب أن يحصى الأوقات على من يحبه ثم أنشدني (1/80)
إذا فرقت بين المحبين سلوة ... فحبك لي حتى الممات قرين
سأصفيك ودي ما حييت فإن أمت ... بودك عظمى في التراب دفين
بلغني عن بعض الأشراف أنه اجتاز بمقبرة فإذا جارية حسناء عليها ثياب سوداء فعلقت بقلبه فكتب إليها
قد كنت أحسب أن الشمس واحدة ... والبدر في منظر بالحسن موصوف
حتى رأيتك في أثواب ثاكلة ... سود وصدغك فوق الخد معطوف
فرحت والقلب مني هائم دنف ... والكبد حرى ودمع العين مذروف
ردي الجواب ففيه الشكر واغتنمي ... وصل المحب الذي بالحب موقوف
ورمى بالرقعة إليها فلما قرأتها كتبت الجواب
إن كنت ذا حسب باق وذا نسب ... إن الشريف غضيض الطرف معروف
إن الزناة أناس لا خلاق لهم ... فاعلم بأنك يوم الدين موقوف
واقطع رجاك كاك الله من رجل ... فإن قلبي عن الفحشاء مصروف
فلما قرأ الرقعة زجر نفسه وقال لبئس امرأة تكون أشجع منك ثم تاب ولبس مدرعة من شعر والتجأ إلى الحرم فبينا هو في الطواف يوما إذا بجارية عليها جبة من صوف وإذا هي تلك الجارية
فقالت ما أليق هذا بالشريف هل لك في المباح فقال كنت أروم هذا قبل أن أعرف الحق وأحبه والآن فقد شغلني حبه عن حب غيره فقالت له أحسنت والله ما قلت لك هذا إلا لاختبارك لأعلم حد ما انتهيت إليه
ثم طافت وأنشدت
وطفنا فلاحت في الطواف لوائح ... غنينا بها عما يشاهد بالعقل (1/81)
الباب الحادي عشر في الأمر بغض البصر
اعلم وفقك الله أن البصر صاحب خبر القلب ينقل إليه اخبار المبصرات وينقش فيه صورها فيجول فيها الفكر فيشغله ذلك عن الفكر فيما ينفعه من أمر الآخرة
ولما كان إطلاق البصر سببا لوقوع الهوى في القلب أمرك الشرع بغض البصر عما يخاف عواقبه فإذا تعرضت بالتخليط وقد أمرت بالحمية فوقعت إذا في أذى فلم تضج من أليم الألم
قال الله عز و جل قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ثم اشار إلى مسبب هذا السبب ونبه على ما يئول إليه هذا الشر بقوله ويحفظوا فروجهم ويحفظن فروجهن
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي قال حدثنا هشيم قال أنبأنا يونس عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة بن عمرو عن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظرة الفجاءة فقال اصرف بصرك (1/82)
انفرد بإخراجه مسلم فرواه عن قتيبة عن يزيد بن زريع عن يونس وهو ابن عبيد
أخبرنا أبو نصر الطوسي وأبو القاسم السمرقندي وأبو عبد الله بن البنا وأبو الفضل ابن العالمة وابو الحسن الخياط قالوا أنبأنا ابن النقور قال أنبأنا ابن حبابة وأخبرنا إسماعيل بن احمد وعبد الوهاب بن المبارك ويحيى بن علي قالوا أنبأنا أبو محمد الصريفيني قال حدثنا عمر بن إبراهيم الكناني قالا أنبأنا البغوي قال حدثنا طالوت بن عباد قال حدثنا فضال بن جبير قال سمعت أبا أمامة الباهلي يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول أكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا اؤتمن فلا يخن وإذا وعد فلا يخلف وغضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي قال حدثنا حسين بن محمد قال حدثنا حرب عن أيوب عن الحكم بن عتيبة عن ابن عباس عن أخيه الفضل قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه و سلم من جمع إلى منى فبينما هو يسير إذ عرض له أعرابي مردف ابنة له جميلة وكان يسايره قال فكنت أنظر إليها فنظر إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقلب وجهي عن وجهها ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثا
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو بكر الشيرازي قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأنا عبد الواحد بن بكر الورثاني قال حدثنا أبو الأزهر الميافارقيني قال سمعت فتح بن شخرف يقول قال لي عبد الله (1/83)
ابن خبيق يا خراساني إنما هي أربع لا غير عينك ولسانك وقلبك وهواك فانظر عينك لا تنظر بها إلى ما لا يحل وانظر لسانك لا تقل به شيئا يعلم الله خلافه من قلبك وانظر قلبك لا يكون فيه غل ولا حقد على أحد من المسلمين وانظر هواك لا تهو شيئا من الشر فإذا لم يكن فيك هذه الأربع خصال فاجعل الرماد على رأسك فقد شقيت
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أحمد بن أحمد بن حنبل قال حدثنا هرون ابن عبد الله قال حدثنا سيار قال حدثنا جعفر قال حدثنا مالك بن دينار قال قال داود نبي الله عليه السلام معاشر الأتقياء تعالوا أعلمكم خشية الله عز و جل
أيما عبد منكم أحب أن يحيا ويرى الأعمال الصالحة فليحفظ عينيه أن تنظر إلى السوء ولسانه أن ينطق بالإفك عين الله إلى الصديقين وهو سميع لهم
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو بكر الشيرازي قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت أبا العباس الفرغاني يقول سمعت الجنيد يقول سمعت السرى يقول سمعت معروفا الكرخي يقول غضوا أبصاركم ولو عن شاة أنثى
أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أحمد بن الحسين الأنصاري قال حدثنا أبو عصمة قال كنت عند ذي النون (1/84)
وبين يديه فتى حسن يملي عليه شيئا فمرت امرأة ذات حسن وجمال وخلق فجعل الفتى يسارق النظر إليها ففطن ذو النون فلوى عنق الفتى وأنشأ يقول
دع المصوغات من ماء ومن طين ... واشغل هواك بحور خرد عين
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال أنبأنا علي بن عبد الله قال حدثنا الخلدي قال سمعت الجنيد يقول اصرف همك إلى الله تعالى وإياك أن تنظر بالعين التي بها تشاهد الله عز و جل إلى غير الله عز و جل فتسقط من عين الله عز و جل
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا أبو بكر محمد ابن علي الخياط قال أنبأنا ابن أبي الفوارس قال أنبأنا أحمد بن جعفر ابن مسلم قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال حدثنا أبو بكر المروزي قال قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل تاب وقال لو ضرب ظهري بالسياط ما دخلت في معصية الله إلا أنه لا يدع النظر فقال أي توبة هذه
قال جرير سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن نظرة الفجاءة فقال اصرف بصرك (1/85)
الباب الثاني عشر في ذم فضول النظر
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن إسحاق قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن سلمة عن أبي الطفيل عن علي قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة أخبرنا إسماعيل بن أحمد وعبد الله بن محمد الحاكم ويحيى بن علي المدير قالوا أنبأنا ابن النقور قال حدثنا ابن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا هدبة قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن سلمة بن أبي الطفيل عن علي عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا علي إن لك في الجنة كنزا وإنك ذو قرنيها فلا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة سلمة يروى عن علي أيضا أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال حدثنا أبو بكر بن بخيت قال حدثنا أبو جعفر بن ذريح قال حدثنا هناد قال حدثنا وكيع عن شريك عن أبي ربيعة عن ابن بريدة (1/86)
عن ابيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولى وليست لك الآخرة
أخبرنا ابن ناصر وعمر بن ظفر قالا أنبأنا محمد بن الحسين الباقلاوي قال أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال أنبأنا أبونصر أحمد بن محمد النيازكي قال أنبأنا أبو الخير أحمد بن محمد البزاز قال حدثنا البخاري قال حدثنا علي بن الأجلح عن عبد الله بن أبي الهذيل قال دخل عبد الله بن مسعود على مريض يعوده ومعه قوم وفي البيت امرأة فجعل رجل من القوم ينظر إلى المرأة فقال عبد الله لو أنفقأت عينك كان خيرا لك
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا ابو علي التميمي قال أنبأنا ابن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبو موسى الأنصاري قال حدثنا عبادة بن كليب قال قال رجل لداود الطائي لو أمرت بما في سقف البيت من نسج العنكبوت فنظف
فقال له اما علمت أنه كان يكره فضول النظر
ثم قال داود الطائي نبئت أن مجاهدا كانت في داره عليه ثلاثين سنة لم يشعر بها
أخبرنا ابن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني بعض الرواة عن المدائني عن أشياخه قال طلب داود بن عبد الله بعض أمراء البصرة فلجأ إلى رجل من اصحابه وكان منزله أقصى البصرة (1/87)
وكان الرجل غيورا فأنزله منزلة وكانت له امراة يقال لها زرقاء وكانت جميلة فخرج الرجل في حاجة وأوصاها أن تلطفه وتخدمه فلما قدم الرجل قال له كيف رايت الزرقاء وكيف كان لطفها بك قال من الزرقاء قال أم منزلك قال ما أدري أزرقاء هي أم كحلاء فأتاها زوجها فتناولها وقال أوصيتك بداود أن تلطفيه وتخدميه فلم تفعلي قالت أوصيتني برجل أعمى والله ما رفع طرفه إلي أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أحمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم احمد بن عبد الله قال حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال حدثنا أحمد ابن نصر قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثني عبد الله بن عيسى قال حدثني محمد بن عبد الله الزراد قال خرج حسان إلى العيد فقيل له لما رجع يا أبا عبد الله ما رأينا عيدا أكثر نساء منه قال ما لقيتني أمرأة حتى رجعت قال الدورقي وحدثني غسان بن المفضل قال حدثنا شيخ لنا يقال له أبو حكيم قال خرج حسان بن أبي سنان يوم العيد فلما رجع قالت له أمراته كم من امرأة حسنة قد نظرت اليوم فلم أكثرت قل ويحك ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى رجعت إليك (1/88)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبانا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا ابن المرزبان إذنا قال أخبرني الحسن بن عليل العنزي عن أبي جابر الضبي قال قدمت بنو كلاب البصرة فأتيتهم فإذا عجوز معها صبية لم أر أجمل منها وأنا إذ ذاك غلام فجعلت أديم النظر اليها وفطنت العجوز لنظري فقالت لي يا بني ما أحوجك إلى ما يكف بصرك أما سمعت قول الشاعر
ومن يتبع عينيه في الناس لا يزل ... يرى حاجة ممنوعة لا ينالها
قال فانصرفت والله لم أحر جوابا وفي قلبي مثل النار
وعن سفيان الثوري في قوله تعالى وخلق الإنسان ضعيفا قال المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها ولا ينتفع بها فأي شيء أضعف من هذا
وأنشد مسكين الدارمي
ما ضر لي جار أجاوره ... أن لا يكون لبابه ستر
أعمى إذا ما جارتي خرجت ... حتى يواري جارتي الخدر
وتصم عما بينهم أذني ... حتى يصير كأنه وقر
وكان في عصرنا أبو الحسن بن أحمد بن جحشويه الحربي لا يمشي إلا وعلى رأسه طرحة ليكف بذلك بصره عن الانطلاق
ودخل دار اخت له فرأى لاجة امرأة فقال نحوا تلك اللالجة كي لا أنظر إليها (1/89)
الباب الثالث عشر في التحذير من شر النظر
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال أنبأنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال العينان تزنيان وزناهما النظر
أخرجه البخاري ومسلم جميعا من حديث ابن عباس عن أبي هريرة
أخبرنا هبة الله بن الحصين قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا مروان بن معاوية الفزاري قال أنبأنا ثابت بن عمارة الحنفي عن غنيم بن قيس عن الأشعري قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل عين زانية
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا علي بن أبي علي القاضي قال أنبأنا علي ابن حسان قال حدثنا مطين قال حدثنا محمد بن الحارث الحراني قال حدثنا محمد بن سلمة عن الفزاري عن أبي شعبة أو شيبة عن النعمان بن سعد عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يا علي اتق النظرة بعد النظرة فإنها سهم مسموم يورث الشهوة في القلب
أخبرنا أحمد بن مبارك قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الخلال قال أنبأنا عبد الله بن احمد التمار قال حدثنا عبد الله (1/90)
ابن علي الخلال قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا إسماعيل بن عبد الله الرقى قال حدثنا عبد العزيز بن عبد الرحمن القرشي عن خصيف عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم نظر الرجل إلى محاسن المرأة سهم مسموم من سهام إبليس
أخبرنا أحمد قال أنبأنا المبارك قال أنبأنا الخلال قال حدثنا عبد الواحد ابن محمد الفارسي قال حدثنا عبد الله بن أحمد المصري قال حدثنا الربيع بن سليمان قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد قال كان عيسى بن مريم يقول النظر يزرع في القلب الشهوة وكفى بها خطيئة
أنبأنا عبد الوهاب الحافظ قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال حدثنا أبو الحسن العتيقي قال أنبأنا عمر بن عمرو بن المشاب قال أنبأنا أبو محمد عبد الله بن سليمان الفامي قال حدثنا محمد بن حبيب البزاز قال حدثنا الفضل ابن موسى البصري قال حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي عن سفيان قال قال عيسى بن مريم إياكم والنظرة فإنها تزرع في القلب الشهوة وكفى بها لصاحبها
فتنة قال سفيان وكان الربيع بن خثيم يغض بصره فمر به نسوة فأطرق حتى ظن النسوة أنه أعمى فتعوذن بالله من العمى
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو بكر بن بخيت قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثنا هناد قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد عن أبي الأحوص قال قال عبد الله ما كان من نظرة فإن للشيطان فيها مطمعا (1/91)
قال هناد وحدثنا وكيع عن ابان بن صمعة عن عكرمة عن ابن عباس قال الشيطان من الرجل في ثلاثة منازل في بصره وقلبه وذكره وهو من المرأة في ثلاثة منازل في بصرها وقلبها وعجزها
قال هناد وحدثنا جرير عن منصور قال قال ابن عباس في قوله تعالى يعلم خائنة الأعين قال الرجل يكون في القوم فتمر بهم المرأة فيريهم أنه يغض بصره عنها فإن رأى منهم غفلة نظر إليها فإن خاف أن يفطنوا إليه غض بصره وقد اطلع الله عز و جل من قلبه أنه يود أنه نظر إلى عورتها
قال هناد وحدثنا وكيع عن سفيان عن ليث عن عطاء قال كل نظرة يهواها القلب فلا خير فيها
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبانا حمد بن احمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبو حامد بن حبلة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا الفضل بن سهل قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا مالك بن مغول قال سمعت سعيد بن سنان قال قال عمرو بن مرة ما أحب أنى بصير إني أذكر أني نظرت نظرة وأنا شاب
اخبرنا ابن ناصر قال انبأنا ابن يوسف قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن مالك قال بلغنا أن سليمان قال لابنه يا بني امش وراء الأسد والأسود ولا تمش وراء امرأة أخبرنا إبراهيم بن دينار قال أنبأنا ابن نبهان قال أنبأنا ابن دوما قال أنبأنا أحمد بن نصر الذارع قال حدثنا الحسين بن علي المؤدب قال حدثنا محمد بن بشار (1/92)
قال حدثنا أبو بكر الحنفي قال حدثنا عبيد الله بن العيزار قال قال الحسن من أطلق طرفه طال أسفه
اخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا معتمر عن إسحاق بن سويد عن العلاء بن زياد قال لاتتبع بصرك رداء امرأة فإن النظرة تجعل في القلب شهوة
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا ابن يوسف قال أنبأنا ابو بكر الحناط قال أنبأنا أبو الفتح بن أبي الفوارس قال أنبأنا أحمد بن جعفر الختلي قال أنبأنا أحمد ابن محمد بن عبد الخالق قال حدثنا المروزي قال قلت لأبي عبد الله الرجل ينظر إلى المملوكة قال إذا خاف الفتنة لا ينظر كم نظرة قد القت في قلب صاحبها البلابل
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو عبد الله الصوري قال أخبرني أبو الفضل الحسن بن أحمد القاضي قال حدثنا أحمد بن عطاء الروذباري قال حدثنا عبيد بن محمد المقري قال قال محمد بن يعقوب قال ذو النون اللحظات تورث الحسرات أولها أسف وآخرها تلف فمن تابع طرفه تابع حتفه
أخبرنا إبراهيم بن دينار قال أنبأنا ابن نبهان قال أنبأنا الحسين بن الحسن بن دوما قال أنبأنا الذارع قال حدثنا سعيد بن معاذ قال حدثنا حماد بن إسحاق عن أبيه قال قال بعض الحكماء أول العشق النظر وأول الحريق الشرر
قال الذارع وحدثنا صدقة بن موسى قال أنبأنا مهدي بن سابق قال (1/93)
اجتمع عند الإسكندر نفر من الفلاسفة فذكروا يوما تولد المحبة من النظر فقال أحدهم النظر أوله أسف وآخره تلف
وقال آخر من طاوع طرفه تابع حتفه
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا ابن حيويه قال أنبأنا ابن المرزبان إذنا قال حدثني محمد بن علي ابن بشر المصري قال حدثني الفضل بن عاصم المنقري قال بينا رجل يطوف بالكعبة إذ بصر بامرأة ذات جمال وقوام فأفتنته وشغلت قلبه فأنشأ يقول
ما كنت أحسب أن الحب يعرض لي ... عند الطواف ببيت الله ذي الستر
حتى ابتليت فصار القلب مختبلا ... من حب جارية حوراء كالقمر
ياليتني لم أكن عاينت صورتها ... لله ماذا توخاني به بصري
فاحذر يا أخي وفقك الله من شر النظر فكم قد أهلك من عابد وفسخ عزم زاهد وسترى في غضون هذا الكتاب ما تعتبر به من قصص من فتنة النظر فاتعظ بذلك وتلمح معنى قول النبي صلى الله عليه و سلم النظر سهم مسموم لأن السهم يسري إلى القلب فيعمل في الباطن قبل أن يرى عمله في الظاهر فاحذر من النظر فإنه سبب الآفات إلا ان علاجه في بدايته قريب فإذا كرر تمكن الشر فصعب علاجه
وأضرب لك في ذلك مثلا إذا رأيت فرسا قد مالت براكبها إلى درب ضيق فدخلت فيه ببعض بدنها ولضيق المكان لا يمكن أن تدور فيه فصيح به ارجعها عاجلا قبل أن يتمكن دخولها فإن قبل وردها خطوة إلى ورائها سهل الأمر وإن توانى حتى ولجت ثم قام يجذبها بذنبها طال تعبه وربما لم يتهيأ له (1/94)
وكذلك النظرة إذا أثرت في القلب فإن عجل الحازم بغضها وحسم المادة من أولها سهل علاجه وإن كرر النظر نقب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب متفرغ فنقشها فيه فكلما تواصلت النظرات كانت كالمياه تسقى بها الشجرة فلا تزال تنمي فيفسد القلب ويعرض عن الفكر فيما أمر به ويخرج بصاحبه إلى المحن ويوجب ارتكاب المحظورات ويلقى في التلف
والسبب في هذا الهلاك أن الناظر أول نظرة التذ بها فكررها يطلب الالتذاذ بالنظر مستهينا بذلك فأعقبه ما استهان به التلف ولو أنه غض عند أول نظرة لسلم في باقي عمره
فصل وقد أكثر الشعراء في وصف البلايا التي حلت بالناظرين فقال
الفرزدق
تزود منها نظرة لم تدع له ... فؤادا ولم يشعر بما قد تزودا
فلم أر مقتولا ولم أر قاتلا ... بغير سلاح مثلها حين أقصدا
وقال إبراهيم بن العباس بن صول الكاتب
من كان يؤتى من عدو وحاسد ... فإني من عيني أتيت ومن قلبي
هما اعتوراني نظرة ثم فكرة ... فما أبقيا لي من رقاد ولا لب
وروى أبو بكر بن دريد عن عبد الرحمن عن عمه قال قعدت إلى أعرابي (1/95)
يقال له إسماعيل بن عمار وإذا هو يفتل أصابعه ويتلهف فقلت علام تتلهف فأنشا يقول
عيناي مشئومتان ويحهما ... والقلب حيران مبتلى بهما
عرفتاه الهوى لظلمهما ... يا ليتني قبلها عدمتهما
هما إلى الحين قادتا وهما ... دل على ما أجن دمعهما
ساعدتا القلب في هواه فما ... سبب هذا البلاء غيرهما
أنبأنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن جعفر قال أنشدني الدولابي
قلبي يقول لطرفي هجت لي سقما ... والعين تزعم أن القلب أبكاها
والجسم يشهد أن العين كاذبة ... هي التي هيجت للقلب بلواها
لولا العيون وما تجنين من سقم ... ما كنت مطرحا في سر من راها
قال وأنشدني الدولابي
يقول قلبي لطرفي إذ بكى جزعا ... تبكي وأنت الذي حملتني الوجعا
فقال طرفي له فيما يعاتبه ... بل أنت حملتني الآمال والطمعا
حتى إذا ما خلا كل بصاحبه ... كلاهما بطويل السقم قد قنعا
ناداهما كبدي لا تتلفا فلقد ... قطعتماني بما لا قيتما قطعا
قال وأنشدني أبو عبد الله المارستاني
رماني بها طرفي فلم يخط مقتلي ... وما كل من يرمى تصاب مقاتله
إذا مت فابكوني قتيلا لطرفه ... قتيل عدو حاضر ما يزايله (1/96)
ومن ها هنا قال ابن المعتز
متيم يرعى نجوم الدجى ... يبكى عليه رحمة عاذله
عيني أشاطت بدمي في الهوى ... فابكوا قتيلا بعضه قاتله
ومن ها هنا قال
المتنبي وأنا الذي اجتلب المنية طرفه ... فمن المطالب والقتيل القاتل وقال أيضا يا
نظرة نفت الرقاد وغادرت ... في حد قلبي ما حييت فلولا
كانت من الكحلاء سؤلي إنما ... أجلي تمثل في فؤادي سولا
وقال أيضا
وقي الأمير هوى العيون فإنه ... مالا يزول ببأسه وسخائه
يستأسر البطل الكمي بنظرة ... ويحول بين فؤاده وعزائه
وقال ابن المعتز
وما أدري إذا ما جن ليلى ... أشوقا في فؤادي أم حريقا
ألا يا مقلتي دهيتماني ... بلحظكما فذوقا ثم ذوقا وله
ويح القلوب من العيون لقد ... قامت قيامتهن في الدنيا (1/97)
ولخالد الكاتب
ومستريح الأجفان من سهر ... أورثنيه بطول إعراض
يا طرف هذا الذي جنيت فذق ... نغصك اليوم أمسك الماضي وله
يا رب ماذا جنت عيني على بدني ... من السقام فليت العين لم تكن
لم تذهب النفس إلا عند لحظتها ... وحسبها أن ترى المملوك يملكني
جسمي وروحي مقرونان في قرن ... موكلان بطول السقم والحزن
أنبأنا عبد الوهاب الحافظ قال أنبأنا الحميدي قال أنشدني علي بن حمزة الصقلي قال سمعت أبا طاهر البغدادي ينشد في مجلس وعظه
عاتبت قلبي لما ... رأيت جسمي نحيلا
فألزم القلب طرفي ... وقال كنت الرسولا
فقال طرفي لقلبي ... بل أنت كنت الوكيلا
فقلت كفا جميعا ... تركتماني قتيلا
أخبرنا أبو المعمر قال أنبأنا الحسن بن المظفر الهمذاني قال حدثنا أبي قال أنشدني أبو منصور محمد بن عمر الأصبهاني قال أنشدني محمد العصفري قال دخل أصبهان قوال وكان يغني بهذه الأبيات
سماعا يا عباد الله مني ... وميلوا عن ملاحظة الملاح
فإن الحب آخره المنايا ... وأوله شبيه بالمزاح
أخبرنا أبو المعمر قال أنبأنا أبو علي الحسن بن المظفر قال أنشدني أبي قال أنشدنا أبو بدر محمد بن علي الأصبهاني (1/98)
وشادن لما شدا ... أسلمني إلى الردى
بطرفه وظرفه ... ولطفه لما بدا
اردت أن أصيده ... فاصطاد قلبي وعدا
ولبعضهم في معاتبة الطرف
والله يا بصري الجاني على جسدي ... لأطفين بدمعي لوعة الحزن
بالله تطمع أن أبلى هوى وضنى ... وأنت تطعم من غمض ومن وسن
هيهات حتى ترى طرفا بلا نظر ... كما أرى أنني شخص بلا بدن
وقال أبو عبد الله بن الحجاج
يا من رأى سقمي يزيد ... وعلتي تعيي طبيبي
لا تعجبن فهكذا ... تجني العيون على القلوب
وقال ابو منصور بن الفضل
في كل يوم للعيون وقائع ... إنسانها الطماح فيها يكلم
لو لم تكن جرحى غداة لقائهم ... ما كان يجري من مآقيها الدم
وقال أيضا
لواحظنا تجني ولا علم عندها ... وأنفسنا مأخوذة بالجرائر
ولم أر أغبى من نفوس عفائف ... تصدق أخبار العيون الفواجر
ومن كانت الأجفان حجاب قلبه ... أذن على أحشائه بالفواقر وقال ايضا
أبدا جنايات العيون ... بحرها يصلى الفؤاد (1/99)
ولأبي محمد بن الخفاجي
رمت عينها عيني وراحت سليمة ... فمن حاكم بين الكحيلة والعبرى
فيا طرف قد حذرتك النظرة التي ... خلست فما راقبت نهيا ولا زجرا
ويا قلب قد أرداك من قبل مرة ... فويحك لم طاوعته مرة أخرى وله
الم أقل لك لا تخلس محاسنه ... فإن طرفك موتور من الخلس
ظبي رميت له عيني حابلة ... وما علمت بأن الليث في الكنس
وقال ابن حيوس
يا للرجال لنظرة سفكت دما ... ولحادث لم ألقه مستسلما
وأرى السهام تؤم من يرمى بها ... فعلام سهم اللحظ يصمى من رمى
وقال عبد المحسن بن غالب الصوري
ما نظرة إلا لها سكرة ... كأنما طرفك خمار
هذا هوى يصدر عنه جوى ... تتلوه لوعات وأفكار
وهذه أفعالها هذه ... ما بعد رأي العين إخبار
ولم تكن أول من غرفي ... كل غرير الطرف غرار
وقال أيضا
إذا أنت لم ترع البروق اللوامحا ... ونمت جرى من تحتك السيل سائحا
غرست الهوى باللحظ ثم احتقرته ... فأهملته مستأنسا متسامحا
ولم تدر حتى أينعت شجراته ... وهبت رياح الهجر فيه لوافحا
وأمسيت تستدعي من الصبر عازبا ... عليك وتستدني من النوم بارحا (1/100)
وقال أيضا
فعرضتني فلو أني على حذر ... لم يحتكم ناظري في لذة النظر
وكنت أغضي ولا أقضي له وطرا ... منها لعلمي بعقبى ذلك النظر
والمرء ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين العين موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهجته ... لامرحبا بسرور عاد بالضرر وقال أيضا
وإذا ما تكاملت عندك القوة فاحذر مستضعف الأجفان وقال ... وقال مهيار
ما أ عف النفوس يا صاحبي شكواي لولا عراضة الأحداق ... وله سافر طرفي مع الظعائن بالسفح ... وآب الفؤاد بالخبل
نظرة غر جنت مقارعة ... يفتك فيها الجبان بالبطل
وقال ابو علي بن الشبل
حتم على الأعين الطوامح أن تنقاد ... قسرا للأعين النجل
ما كان أجدى لوم اللوائم لو ... كان فؤادي في الجب من قبلي
وللوزير أبي شجاع
لأعذبن العين غير مفكر ... فيها جرت بالدمع أم فاضت دما (1/101)
ولأهجرن من الرقاد لذيذه ... حتى يصير على الجفون محرما
سفكت دمي فلأسفكن دموعها ... وهي التي بدأت فكانت أظلما
هي أوقعتني في حبائل فتنة ... لو لم تكن نظرت لكنت مسلما
وقال شيخنا أبو عبد الله البارع
وسهام اللحظ يستحلين في وقت الوقوع ... ثم يصرفن فما يقلعن إلا عن صريع
وقال علي بن افلح
مضى يتبع الآرام بالسفح مطلقا ... فعاد أخو الأشجان عودة موثق
رمى يوم سلع طرفه متهاونا ... فآض بسهم في حشاه مفوق
فقلت له يا سعد غرتك زينب ... فسارقتها لحظا بأكناف جلق
فدونك إذ ترمى الظباء سوانحا ... تلق مراميها فمن يرم يتقي وله أيضا
كان طرفي اصل سقمي في الهوى ... لا أذاق الله طرفي الوسنا
لو تحرى في مرامي لخطة ... يوم سلع ما عناني ماعنى
وقال آخر
يا عين أنت قتلتني ... وجعلت ذنبك من ذنوبي
وأراك تهوين الدموع ... كأنها رفق الحبيب
بالله أحلف صادقا ... والصدق من شيم الأريب (1/102)
لو ميزت نوب الزمان ... من البعيد إلى القريب
ما كن إلا دون ما ... جنت العيون على القلوب
وقال آخر
ومستفتح باب البلاء بنظرة ... يزود منها قلبه حسرة الدهر
فوالله ما يدري أتدري بما جنت ... على قلبه أم أهلكته وما تدري
وقال آخر
أنا ما بين عدوين هما قلبي وطرفي ... ينظر الطرف ويهوى القلب والمقصود حتفي
وقال ابن الحريري
فتبصر ولا تشم كل برق ... رب برق فيه صواعق حين
واغضض الطرف تسترح من غرام ... تكتسي فيه ثوب ذل وشين
فبلاء الفتى موافقة النفس ... وبدء الهوى طموح العين
فصل قال لي بعض أهل هذا البلاء يوما قد سمعت منك تحريم النظر وقد بالغت في التحذير من النظر
إني نظرت يوما إلى امرأة نظرة فهويتها وقوي كلفي بها فقالت لي النفس إنك في بلاء عظيم مما لا تتيقنه فإن أول نظرة لا تثبت الشخص فلو أعدت النظر فربما أوجب التثبت السلو (1/103)
فما تقول في هذه الحادثة فقلت له هذا لا يصلح لأربعة أوجه أحدها ان هذا لا يحل
والثاني أنك لو نظرت فالظاهر تقوية ما عندك فإن ما بهتك بأول نظرة فالظاهر حسنه فلا تحسن المخاطرة بتوكيد الأمر لك لأنك ربما رأيت ما هو فوق ظنك فزاد عذابك
والثالث أن إبليس عند قصدك لهذه النظرة يقوم في ركائبه ليزين لك ما لا يحسن ثم لا تعان عليه لأنك إذا أعرضت عن امتثال امر الشرع تخلت عنك المعونة
والرابع أنك الآن في مقام معاملة للحق عز و جل على ترك محبوب وأنت تريد أن تتثبت حتى إذا لم يكن المنظور مرضيا تركته فإذن يكون تركه لأنه لا يلائم غرضك لا لله تعالى
فأين معاملته بترك المحبوب لأجله وقد قال سبحانه ويطعمون الطعام على حبه وقال لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون فإياك إياك (1/104)
الباب الرابع عشر في النهي عن النظر إلى المردان ومجالستهم
اعلم وفقك الله أن هذا الباب من أعظم أبواب الفتن قد أهمل كثير من الناس مراعاته فإن الشيطان إنما يدخل على العبد من حيث يمكنه الدخول إلى أن يدرجه إلى غاية ما يمكنه من الفتن فإنه لا يأتي إلى العابد فيحسن له الزنا في الأول وإنما يزين له النظر والعابد والعالم قد أغلقا على أنفسهما باب النظر إلى النساء الأجانب لبعد مصاحبتهن وامتناع مخالطتهن والصبي مخالط لهما فليحذر من فتنته فكم قد زل فيها قدم وكم قد حلت من عزم وقل من قارب هذه الفتنة إلا وقع فيها
وعلى منهج الحذر مضى سلف هذه الأمة وبه أمر العلماء الأئمة
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال حدثنا أبو بكر أحمد ابن علي بن ثابت قال أخبرني أبو طالب عمر بن إبراهيم الفقيه قال أنبأنا محمد بن العباس الخراز قال أنبأنا محمد بن خلف بن المرزبان إجازة وحدثناه عنه محمد بن عبد الله بن حريث الكاتب قال حدثني احمد بن هشام الحربي قال حدثنا علي بن داود المروزي وليس بالقنطري قال حدثنا عبد الرحمن بن وافد عن عمرو بن أزهر عن أبان عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا تجالسوا أبناء الملوك فإن الأنفس تشتاق إليهم مالا تشتاق إلى الجواري العواتق (1/105)
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا ابن حيوية فذكر الحديث
أخبرنا أحمد بن المبارك قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الخلال قال حدثنا عمر بن شاهين قال حدثنا محمد بن أبي سعد المقري قال حدثنا أحمد بن حماد المصيصي قال حدثنا عباس بن محرز قال حدثنا أبو أسامة عن مجالد بن سعيد عن الشعبي قال قدم وفد عبد القيس على رسول الله صلى الله عليه و سلم وفيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فاجلسه النبي صلى الله عليه و سلم وراء ظهره وقال كانت خطيئة داود النظر
أنبأنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال أنبأنا إسماعيل بن الفضل الاسماعيلي قال أنبأنا حمزة بن يوسف السهمي قال أنبأنا أبو أحمد بن عدي الحافظ قال حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن ناجية ومحمد بن حاتم الطائي قالا حدثنا صالح بن زياد السوسي قال حدثنا خطاب بن سيار الحراني قال حدثنا بقية عن الوازع عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الأمرد
أخبرنا أحمد بن منازل قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الخلال قال حدثنا ابن شاهين قال حدثنا عبد الله بن سليمان قال حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك قال حدثنا بقية قال حدثنا الوضين عن عطاء الدمشقي عن بعض المشيخة قال كان يكره أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الجميل (1/106)
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا أبو بكر الخرائطي قال حدثنا نصير بن داود الصاغاني قال حدثنا علي بن بحر قال حدثنا بقية قال حدثنا الوضين عن عطاء عن أشياخ لهم أنهم كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الحسن الوجه
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا عيسى بن عبد الله التميمي قال أنبأنا بقية بن الوليد عن الوضين بن عطاء عن بعض التابعين قال كانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الجميل
وبالإسناد قال حدثنا بقية قال قال بعض التابعين ما أنا بأخوف على الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه
وبالإسناد قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني أبو سويد قالا حدثنا إبراهيم بن هراسة عن عثمان بن صالح عن الحسن بن ذكوان قال لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور النساء وهم أشد فتنة من العذارى
وبالإسناد قال حدثنا القرشي قال حدثنا الهيثم بن خارجة قال حدثنا محمد بن حميد عن النجيب بن السرى قال كان يقال لا يبيت الرجل في بيت مع المرد
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال حدثنا محمد بن المظفر قال حدثنا الهيثم بن خلف الدوري (1/107)
قال حدثنا مهنى بن يحيى قال حدثنا محمد بن حميد عن النجيب بن السرى أنه كره أن ينام الرجل مع الغلام الأمرد
قال النجيب وكانوا يكرهون أن يحد الرجل النظر إلى الغلام الجميل الوجه
وقد روينا عن سعيد بن المسيب أنه قال إذا رأيتم الرجل يلح بالنظر إلى غلام أمرد فاتهموه
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن أحمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثني أخي أحمد بن جعفر قال حدثنا كردوس بن الواسطي قال حدثنا إسماعيل بن أبان الوراق قال حدثنا عباد بن إبراهيم عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال كانوا يكرهون مجالسة أبناء الملوك وقال مجالستهم فتنة وإنما هم بمنزلة النساء
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه عن ابن المرزبان قال حدثني أبو علي المروزي قال حدثنا محمد بن إبراهيم قال سمعت قاسما الجوعي يقول سمعت ابن أبي السائب يقول لأنا على القارئ من الغلام الأمرد أخوف مني عليه من سبعين جارية عذراء
أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو بكر محمد بن احمد المفيد قال حدثنا عبد الله بن الفرج قال حدثنا القاسم بن عثمان هو الجوعي قال حدثنا عبد العزيز بن أبي السائب عن أبيه قال لأنا اخوف على عابد من غلام من سبعين عذراء (1/108)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسن بن أحمد الفقيه قال أنبأنا أبو الفتح ابن أبي الفوارس قال أنبأنا إبراهيم بن محمد المزكي قال أنبأنا محمد بن المسيب قال حدثنا يوسف بن سعيد قال حدثني يحيى بن زكريا عن عطاء بن مسلم قال كان سفيان الثوري لا يدع أمرد يجالسه
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي الحافظ قال بلغني أن أحمد بن صالح وهو أبو جعفر المصري وكان أحد حفاظ الأثر عالما بعلل الحديث بصيرا باختلافه وقدم بغداد وجالس بها الحفاظ وجرى بينه وبين احمد ابن حنبل مذاكرات وكان أبو عبد الله يذكره ويثنى عليه وقد حدث عنه الأئمة البخاري وأبو داود وغيرهما كان لا يحدث إلا ذا لحية ولا يترك أمرد يحضر مجلسه فلما حمل أبو داود السجستاني ابنه إليه ليسمع منه وكان إذ ذاك أمرد أنكر أحمد ابن صالح على أبي داود إحضاره ابنه المجالس فقال له أبو داود هو وإن كان أمرد أحفظ من أصحاب اللحى فامتحنه بما أردت فسأله عن اشياء أجابه عنها فحدثه ولم يحدث أمرد غيره
أنبأنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا أبو القاسم يوسف بن الحسن التفكرى قال سمعت أبا علي الحسن بن علي بن بندار الزنجاني قال كان أحمد بن صالح يمتنع على المرد من رواية الحديث لهم تعففا وتنزها ونفيا للظنة عن نفسه وكان أبو داود يحضر مجلسه ويسمع منه وكان له ابن أمرد يحب أن يسمعه حديثه وعرف عادته في الامتناع فاحتال أبو داود بأن شد على ذقن ابنه قطعة من الشعر ليوهمه ملتحيا ثم أحضره المجلس وأسمعه جزءا فأخبر الشيخ بذلك فقال لأبي داود مثلي تعمل معه مثل هذا فقال له أيها الشيخ لا تنكر على ما فعلته واجمع ابني مع شيوخ الفقهاء والرواة فإن لم يقاومهم بمعرفته فاحرمه السماع فاجتمع طائفة من الشيوخ فتعرض لهم هذا الابن مطارحا وغلب الجميع بفهمه ولم يرو له مع (1/109)
ذلك الشيخ حديثا من حديثه وحصل له ذلك الجزء الأول وكان ابن أبي داود يفتخر برواية هذا الجزء الواحد
قال أبو علي وكان مالك بن أنس يمنع دخول المرد لمجلسه للسماع فاحتال هشام بن عمار فدخل في غمار الناس مستترا بهم وهو أمرد فسمع معهم ستة عشر حديثا فأخبر بذلك مالك فأحضره وضربه ستة عشر سوطا فقال هشام ليتني سمعت مائة حديث وضربني مائة سوط
وقد روى ابو علي بن الصواف قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال سمعت إبراهيم بن هانئ يقول سمعت يحيى بن معين يقول ما طمع أمرد بصحبتي ولا لأحمد بن حنبل في طريق
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني الحسن بن أبي بكر قال حدثنا محمد بن عبد الواحد أبو عمر الزاهد فيما أذن أن يرويه عنه قال حدثنا محمد بن أنس الشعوبي قال حدثنا يعقوب ابن سواك قال كنا عند أبي نصر بن الحارث فوقفت عليه جارية ما رأينا أحسن منها فقالت يا شيخ اين مكان باب حرب فقال لها هذا الباب الذي يقال له باب حرب ثم جاء بعدها غلام ما رأينا أحسن منه فسأله فقال يا شيخ أين مكان باب حرب فأطرق بشر فرد عليه الغلام السؤال فغمض عينيه فقلنا للغلام تعال أي شيء تريد فقال باب حرب فقلنا بين يديك فلما غاب قلنا يا ابا نصر جاءتك جارية فأجبتها وكلمتها وجاءك غلام (1/110)
فلم تكلمه فقال نعم يروى عن سفيان الثوري أنه قال مع الجارية شيطان ومع الغلام شيطانان فخشيت على نفسي من شيطانيه
أخبرنا أبو الحسن بن علي بن عبد الواحد قال أنبأنا علي بن عمر القزويني قال قرأت علي يوسف بن عمر قلت له حدثكم أحمد بن سليمان إملاء قال حدثنا الحارث بن محمد قال سمعت محمد بن عمرو ذكره عن شجاع بن مخلد أنه سمع بشر بن الحارث يقول احذروا هؤلاء ألأحداث
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت وأنبأنا عمر ابن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قالا أنبأنا عبدالعزيز بن علي الأزجي قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا محمد بن علي بن المأمون قال حدثنا أبو علي الروذباري بمصر قال قال لي أبو العباس بن أحمد المؤدب يا أبا علي من أين أخذ صوفية عصرنا هذا الأنس بالأحداث فقلت له يا سيدي أنت بهم أعرف وقد تصحبهم السلامة في كثير من الأمور فقال هيهات قد رأينا من هو أقوى إيمانا منهم إذا راء الحدث قد أقبل يفر كفراره من الزحف وإنما ذلك على حسب الأوقات التي تغلب الأحوال على أهلها فتأخذها عن تصرف الطباع ما أكثر الخطر ما أكثر الغلط قال أبو علي وسمعت جنيدا يقول جاء رجل إلى أبي عبد الله أحمد ابن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فقال له من هذا قال ابني فقال أحمد لا تجيء به معك مرة أخرى فلما قام قال له محمد بن عبد الرحمن الحافظ وفي رواية الخطيب قيل له أيد الله الشيخ إنه رجل (1/111)
مستور وابنه أفضل منه فقال أحمد الذي قصدنا إليه من هذا الباب ليس يمنع منه سترهما على هذا رأينا أشياخنا وبه خبرونا عن أسلافهم رحمهم الله
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو القاسم بن البسرى عن أبي عبد الله ابن بطة قال حدثني محمد بن الحسين الآجري قال حدثنا محمد بن كردي قال حدثنا أبو بكر المروزي قال جاء حسن بن البزاز إلى أبي عبد الله يعني أحمد ابن حنبل ومعه غلام حسن الوجه فتحدث معه فلما أراد أن ينصرف قال له أبو عبد الله يا أبا علي لا تمش مع هذا الغلام في طريق فقال له إنه ابن أختي قال وإن كان لا تؤثم الناس فيك
أخبرنا عبدالخالق بن احمد قال أنبأنا أحمد بن أبي نصر قال أنبأنا محمد بن احمد الطبسي وأنبأنا أبو بكر الصوفي قال أنبأنا علي بن عبد الله بن أبي صادق وعبد الغفار بن محمد الشيرازي قالوا أنبأنا عبد الله بن باكويه قال سمعت محمد بن أحمد النجار يقول سمعت وليدا السقاء بنصيبين يقول سمعت أبا عبد الله الخضري يقول سمعت فتحا الموصلي يقول صاحبت ثلاثين شيخا كانوا يعدون من الأبدال كلهم أوصوني عند فراقي إياهم اتقوا معاشرة الأحداث
قال محمد بن أحمد لقيت أبا عبد الله الخضري بالموصل فذاكرته فلم ينكره (1/112)
أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا ابن أيوب القمي قال أنبأنا أبو عبيد الله المرزباني قال حدثني أبو عبد الله الحكيمي قال حدثنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا أبو أسامة قال كنا عند شيخ يقرئ فبقي عنده غلام يقرأ عليه وأردت القيام فأخذ بيدي وقال اصبر حتى يفرغ هذا الغلام وكره أن يخلو هو والغلام
أخبرنا ابن ظفر قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا محمد بن علي قال حدثنا محمد بن أحمد ابن أبي القاسم قال دخلنا على محمد بن الحسين صاحب يحيى بن معين وكان يقال ما رفع رأسه إلى السماء منذ أربعين سنة ومعنا غلام حدث في المجلس بين يديه فقال له قم من حذاي فأجلسه من خلفه
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا ابو إسحاق إبراهيم بن سعيد بمصر قال حدثنا ابو صالح السمرقندي الصوفي قال حدثنا الحسين بن القاسم بن اليسع قال حدثنا ابو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال قال أبو حمزة نظر محمد بن عبيد الله بن الأشعث الدمشقي وكان من خيار عباد الله إلى غلام جميل فغشي عليه فحمل إلى منزله واعتاده السقم حتى أقعد من رجليه وكان لا يقوم عليهما زمنا طويلا وكنا نأتيه نعوده ونسأله عن حاله وأمره وكان لا يخبرنا بقصته ولا بسبب مرضه وكان الناس يتحدثون حديث نظره فبلغ ذلك الغلام فأتاه عائدا فهش إليه وتحرك وضحك في وجهه واستبشر برؤيته فما زال يعوده حتى قام على رجليه وعاد على حالته فسأله الغلام يوما المصير معه إلى منزله (1/113)
فأبى أن يفعل وكلمني أن أسأله أن يتحول إليه فسألته فأبى فقلت وما الذي تكره من ذلك فقال لست بمعصوم من البلاء ولا آمن من الفتنة وأخاف أن يقع علي من الشيطان محنة فيجري بيني وبينه معصية فأكون من الخاسرين
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني عبد الصمد بن محمد الخطيب قال حدثنا الحسن بن الحسين بن حكمان قال سمعت أبا الفرج الرستمي الصوفي يقول سمعت المحترق البصري يقول رأيت إبليس في النوم فقلت له كيف رأيتنا عزفنا عن الدنيا ولذاتها وأموالها فليس لك إلينا طريق فقال كيف رأيت ما استملت به قلوبكم باستماع السماع ومعاشرة الأحداث أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الشيرازي قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا عبد الله الرازي يقول سمعت أبا العباس الصياد يقول سمعت أبا سعيد الجزار يقول رأيت إبليس في النوم وهو يمر عني ناحية فقلت تعال فقال إيش أعمل بكم أنتم طرحتم عن نفوسكم ما أخادع به الناس قلت ما هو قال الدنيا فلما ولى التفت إلى فقال غير أن لي فيكم لطيفة
قلت ما هي قال صحبة الأحداث
قال أبو سعيد وقل من يتخلص من هذا من الصوفية
وبه قال السلمي وسمعت أبا بكر الرازي يقول قال يوسف بن الحسين نظرت في آفاق الخلق فعرفت من أين أتوا ورأيت آفة الصوفية في صحبة الأحداث ومعاشرة الأضداد وإرفاق النسوان وكل ما رأيتموني أفعله فافعلوه إلا صحبة الأحداث فإنه آفة الفتن (1/114)
أخبرنا ابن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال أنبأنا ابن جهضم قال حدثنا عمرو بن عبد الله قال سمعت الحلبي يقول نظر سلام الأسود إلى رجل ينظر إلى حدث فقال له يا هذا أبق على جاهك عند الله عز و جل فإنك لا تزال ذا جاه ما دمت له معظما
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا الحسن بن الفضل الأدمي قال أنبأنا أحمد ابن عبد الغفار قال حدثنا أبو سعيد محمد بن علي بن عمرو النقاش قال سمعت أبا نصر السراج يقول سمعت أحمد بن عطاء الروذباري يقول سمعت الحسين بن علي الدمشقي يقول عن أبي حمزة الصوفي قال نظر عبدالوهاب بن افلح إلى غلام أمرد حسن الوجه مرة فرفع يده يدعو وقال هذا ذنب أنا تائب إليك منه وراجع إليك عنه فعد علي بما لم أزل أعرفه منك قديما وحديثا
وبه قال النقاش وسمعت أبا بكر بن شاذان الرازي يقول سمعت خيرا النساج يقول سمعت أبا حمزة يقول لقي محمد بن حميد حدثا جميلا فقال يا من خلق الخلق على ما أحب من مشيئته لا تجعل للشيطان على قلبي سبيلا بنظرتي هذه يا جميل البلاء
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا محمد بن الحسين قال قال مظفر القرميسيني من صحب الأحداث على شرط السلامة والنصحية أداه ذلك إلى البلاء فكيف بمن صحبهم على غير وجه السلامة أخبرنا عبد الخالق بن أحمد قال أنبأنا أحمد بن أبي نصر قال أنبأنا محمد بن أحمد الطبسي قال سمعت أبا منصور عبد القاهر بن طاهر يقول من صحب الأحداث وقع في الأحداث
أخبرنا عبد الله بن علي قال أنبأنا طراد بن محمد قال أنبأنا أبو الحسين بن (1/115)
بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد قال حدثنا الحسن بن يوسف قال حدثنا بقية قال أخبرني عبيد بن الوليد بن أبي السائب عن أبي سهل قال سيكون في هذه الأمة قوم يقال لهم اللوطيون على ثلاثة اصناف فصنف ينظرون وصنف يصافحون وصنف يعملون ذلك العمل
أخبرنا علي بن عبيد الله قال حدثنا أبو جعفر محمد بن احمد بن المسلمة عن أبي الحسن بن أخي ميمي قال أنبأنا أبو الحسن علي بن سعيد الموصلي قال أنبأنا علي بن يعقوب الكوسج قال سمعت أبا بكر بن أيوب يقول سمعت إبراهيم الحربي يقول جنبوا أولادكم قرناء السوء قبل أن تصبغوهم في البلاء كما يصبغ الثوب
قال وسمعته يقول أول فساد الصبيان بعضهم من بعض
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا التنوخي قال حدثنا علي بن محمد بن أبي صابر الدلال قال وقفت علي الشبلى في قبة الشعراء في جامع المنصور والناس مجتمعون عليه فوقف عليه في الحلقة غلام لم يكن ببغداد في ذلك الوقت أحسن وجها منه يعرف بابن مسلم فقال له تنح فلم يتنح فقال له الثانية تنح يا شيطان عنا فلم يتنح فقال له الثالثة تنح وإلا والله خرقت كل ما عليك
فصل وقد افتتن بالأحداث خلق كثير من الأفاضل أخبرنا محمد بن أبي
طاهر البزاز قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن علي بن المهدي قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري (1/116)
قال حدثنا محمد بن المرزبان قال حدثنا الحسن بن المقدام قال استعدى ابن عمار ابن أبي الحصيب يحيى بن أكثم على ورثة أبيه وكان بارع الجمال فقال له أيها القاضي أعدني عليهم قال فمن يعديني أنا على عينيك
قال فهربت به أمه إلى بغداد فقال لها وقد تقدمت إليه والله لا أنفذت لك حكما أو ترديه فهو أولى بالمطالبة منك
قال ابن المرزبان وحدثني محمد بن نصر قال أنبأنا أحمد بن يونس الضبي قال كان زيدان الكاتب يكتب بين يدي يحيى بن أكثم القاضي وكان جميلا متناهي الجمال فقرص القاضي خده فاستحيى وطرح القلم من يده فقال له يحيى اكتب ما أملي عليك ثم قال
أيا قمرا خمشته فتغضبا ... وأصبح لي من تيهه متجنبا
إذا كنت للتخميش والعشق كارها ... فكن أبدا يا سيدي متنقبا
ولا تظهر الأصداغ للناس فتنة ... وتجعل منها فوق خديك عقربا
فتقتل مشتاقا وتفتن ناسكا ... وتترك قاضي المسلمين معذبا
قال ابن المرزبان وأخبرني محمد بن الجهم قال حدثني العلاء بن صالح قال كان يحيى بن اكثم عند الواثق وعنده أمرد حسن الوجه من غلمان الخليفة واقف بين يديه فأحد النظر إليه وتبسم فقال له الواثق يا يحيى بحياتي كشكيه قال إي وحياتك مرة
قلت هذا كلام مصحف والكلمة الأولى كلمتان مع التصحيف والمقصود ذكر الفجور
قال ابن المرزبان وحدثنا علي بن مسلم الكاتب قال دخل على يحيى بن أكثم ابنا مسعدة وكانا على نهاية الجمال فلما رآهما يمشيان في الصحن أنشأ يقول (1/117)
يا زائرينا من الخيام ... حياكما الله بالسلام
لم تأتياني ولي نهوض ... إلى حلال ولا حرام
يحزنني أن وقفتما بي ... وليس عندي سوى الكلام
ثم أجلسهما بين يديه وجعل يمازحهما حتى انصرفا
قال ابن الأنباري وسمعت غير ابن المرزبان من شيوخنا يحكى ان يحيى عزل عن الحكم بسبب هذه الأبيات التي أنشدها لما دخل عليه ابنا مسعدة
وبلغنا عن يحيى بن أكثم أنه رأى غلمانا صباح الوجوه في دار المأمون فقال لولا أنتم لكنا مؤمنين فبلغ المأمون فعاتبه فقال كان درسي انتهى إلى هنا
وروى أبو الفرج الأصبهاني عن عمه عن أبي العيناء قال نظر المامون إلى يحيى بن أكثم يلحظ خادما له فقال للخادم تعرض له إذا قمت فإني سأقوم للوضوء وآمره أن لا يبرح وعد إلى بما يقول لك
وقام المأمون وأمر يحيى بالجلوس فلما قام غمزه الخادم بعينه فقال يحيى لولا أنتم لكنا مؤمنين فمضى الخادم إلى المأمون فأخبره
فقال له المامون عد إليه فقل له أنحن صددنا كم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين
فخرج الخادم إليه فقال له ذلك فأطرق وكاد يموت جزعا
وخرج المأمون وهو يقول
متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ... وقاضي قضاة المسلمين يلوط
قم فانصرف واتق الله وأصلح نيتك
فانظر إلى هذا المسكين كيف شاع له هذا الذكر القبيح مع علمه الوافر حتى أن بعض القضاة بعده عزل فقال له الناس لقد كنت عفيفا عن أموالنا فقال وعن أبنائكم (1/118)
يعرض بيحيى قلت وبلغنا أن المأمون دخل إلى ديوان أحمد بن يوسف فصادف حوله مردا حسانا فقال
أسد رابض حواليه أظب ... ليس ينجو من الأسود الظباء
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد السراج قال أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أبو صالح محمد بن أبي عدي الصوفي قال حدثنا الحسين بن القاسم بن اليسع قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي قال قال أبو حمزة الصوفي كان عبد الله بن موسى من رؤساء الصوفية ووجوهم فنظر إلى غلام في بعض الأسواق فبلى به وكاد يذهب عقله عليه صبابة وحبا وكان يقف في كل يوم على طريقه حتى يراه إذا أقبل وإذا انصرف فطال به البلاء وأقعده عن الحركة فكان لا يقدر أن يمشي خطوة فأتيته يوما لأعوده فقلت يا أبا محمد ما قصتك وما هذا الأمر الذي بلغ بك ما ارى فقال أمور امتحنني الله تعالى بها فلم أصبر على البلاء فيها ولم يكن لي بها طاقة ورب ذنب استصغره الإنسان هو أعظم عند الله من ثبير وحقيق لمن تعرض للنظر الحرام أن تطول به الأسقام ثم بكا فقلت ما يبكيك قال أخاف أن يطول في النار شقائي
فانصرفت عنه وأنا راحم له لما رأيت به من سوء الحال
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا أبو سعد الماليني قال حدثنا الحسن بن إبراهيم الليثي قال حدثني الحسين بن القاسم قال كان محمد بن داود يميل إلى محمد بن جامع الصيدلاني وبسببه عمل كتاب الزهرة وبلغنا أن محمد بن جامع دخل الحمام وأصلح وجهه وأخذ المرآة فنظر إلى وجهه فغطاه وركب إلى محمد بن داود فلما رآه مغطى الوجه (1/119)
خاف أن يكون قد لحقته آفة فقال ما الخبر فقال رأيت وجهي الساعة في المرأة فغطيته وأحببت أن لا يراه أحد قبلك
فغشى على محمد بن داود
أخبرنا أبو منصور قال أنبأنا الخطيب قال حدثني مكي بن إبراهيم قال أنشدنا ابن كامل الدمشقي لأبي بكر بن داود في حبيبه يا يوسف الحسن تمثيلا وتشبيها ... يا طلعة ليس إلا البدر يحكيها
من شك في الحور فلينظر إليك فما ... صيغت معانيك إلا من معانيها ما للبدور وللتحذيف يا أملي نور البدور عن التحذيف يغنيها
إن الدنانير لا تجلى وإن عتقت ... ولا تزاد على النقش الذي فيها
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال حدثنا إسماعيل بن أحمد الحيري قال حدثنا أبو نصر بن أبي عبد الله الشيرازي قال حدثني محمد بن الحسين الظاهري قال حدثنا محمد بن الحسين بن الصباح الداودي قال أنبأنا القاضي أبو عمر محمد بن يوسف الأزدي قال كنت أساير محمد بن داود بن علي ببغداد فإذا بجارية تغني بشيء من شعره وهو
أشكو غليل فؤاد أنت متلفه ... شكوى عليل إلى إلف يعلله
سقمي تزيد مع الأيام كثرته ... وأنت في عظم ما ألقى تقلله
الله حرم قتلى في الهوى سفها ... وأنت يا قاتلي ظلما تحلله
فقال محمد بن داود كيف السبيل إلى استرجاع هذا فقال القاضي أبو عمر هيهات سارت به الركبان
أخبرنا القزاز قال أنبأنا الخطيب قال أنبأنا علي بن أيوب قال أنبأنا أبو عبد الله المرزباني وأبو عمر بن حيويه وأبو بكر بن شاذان قالوا حدثنا (1/120)
إبراهيم بن محمد بن عرفة نفطويه قال دخلت على محمد بن داود الأصبهاني في مرضه الذي مات فيه فقلت كيف تجدك فقال حب من تعلم أورثني ما ترى فقلت ما منعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه فقال أما النظر المباح فأورثني ما ترى وأما اللذة المحظورة فإنه منعني منها ما حدثني به أبي قال حدثنا سويد ابن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم انه قال من عشق وكتم وعف وصبر غفر الله له وأدخله الجنة
فإن قال قائل قد صرح هذا الرجل بأن النظر مباح فما تقول في ذلك فالجواب أنه إنما يباح النظر إلى الأمرد مع عدم الشهوة فإن عدمت لكنه يخاف أن تثور بالنظر فلأصحابنا فيه وجهان ومتى كان الطبع صحيحا فالشهوة قائمة والتحريم ملازم فمن ادعى أنه لا يشتهي فهو كذاب فلو قدرنا صدقة كان بهيمة لا آدميا وظاهر قول ابن داود يدل على أنه لم ير النظر محرما
ولقد أخطأ في ذلك وجر عليه خطؤه التلف بعد إشتهاره بين الناس وافتضاحه حتى كان أبو العباس ابن سريج إذا ناظره يقول له عليك يا ابن داود بكتاب الزهرة ولو أن هذا الرجل غض بصره أول مرة لتخلص لكنه لم ير أن الحرام سوى الفاحشة
ومن أخباره العجيبة ما أخبرتنا به شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر ابن احمد بن السراج قال أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سلامة القاضي القضاعي عن أبي الحسن بن علي بن نصر بن الصباح قال حدثنا أبو عمر عبد الله بن أحمد السمسار أن أبا بكر بن داود الأصبهاني (1/121)
كان يدخل الجامع من باب الوراقين فلما كان بعد مدة عدل عنه وجعل دخوله من غيره وكنت مجترئا عليه فسألته عن ذلك فقال يا بني السبب فيه أنى في الجمعة الماضية أردت الدخول منه فصادفت عند الباب حدثين يتحدثان وكل واحد منهما مسرور بصاحبه فلما رأياني قالا أبو بكر قد جاء فتفرقا فجعلت على نفسي أن لا أدخل من باب فرقت فيه بين مؤتلفين
فصل وقد يقع للنفس تأويل في مصاحبة الحدث الذي قد بدت زغبات الشعر
على وجهه فتقول النفس هذا ليس بأمرد وإنما هو رجل فلا بأس بصحبته وإنما يقع لها هذا التأويل لما ينظر من هواه فيقال لها كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا إن كان لك ميل إليه وعندك التذاذ برؤيته فحكمه حكم الأمرد لأن المعنى في ذاك موجود في هذا ولو أن إنسانا التذ بالنظر إلى بنت شهرين لم يجز له النظر إليها أو إلى ابن خمسين سنة أما سمعت قول عائشة وقد سألها نسوة عن المسكر فقالت لو ظنت إحداكن أن ماء حبها يسكرها فلا تشربه
واعلم أن كثيرا من الصبيان تحسن وجوهم بخروج زغبات الشعر فيزيدون بذلك في الحسن على المردان وقد افتتن بهم جماعة حتى قال أبو بكر بن داود في حبيبه
ما لهم أنكروا سوادا بخديه ولا ينكرون ورد الغصون ...
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا (1/122)
علي بن أيوب قال حدثنا أبو عمر بن حيويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنشدنا محمد بن داود لنفسه في مرض موته
انظر إلى البحر يجري في لواحظه ... وانظر إلى دعج في طرفه الساجي
وانظر إلى شعرات فوق عارضه ... كأنهن نمال دب في عاج
وأنشدنا لنفسه
ما لهم أنكروا سؤادا بخديه ولا ينكرون ورد الغصون ...
إن يكن عيب خده بدر الشعر فعيب العيون شعر الجفون ...
فقلت له نفيت القياس في لافقه وأثبته في الشعر فقال غلبة الهوى وملكة النفوس دعوا إليه
قال ومات في ليلته او في اليوم الثاني
وقال آخر
وقد زاد في ياقوتتي شفتيه لي ... ودر ثناياه زمرد شاربه
وبالقرب منه نقش خال كأنه ... ختام على ماء الجنان لشاربه
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد بن السراج قال أنبأنا أحمد بن علي بن السواق قال حدثنا محمد بن أحمد بن فارس قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم البصري قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا عبد الله بن عبيد قال اخبرني محمد بن عبد الله قال أنبأنا أبو محمد عبد الله بن أبي عبيد قال حدثني محمد بن سعيد القرشي قال أنبأنا محمد (1/123)
ابن جهم بن عثمان بن أبي جهمة قال اخبرني أبي عن جدي قال بينما عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يطوف ذات ليلة في سكة من سكك المدينة إذ سمع امرأة وهي تهتف من خدرها وتقول
هل من سبيل إلى خمر فاشربها ... أم هل سبيل إلى نصر بن حجاج
إلى فتى ماجد الأعراق مقتبل ... سهل المحيا كريم غير ملجاج
فقال عمر لا أرى معي في المصر رجلا تهتف به العواتق في خدرهن علي بنصر بن حجاج
فاتى به وإذا هو أحسن الناس وجها وأحسنهم شعرا فقال علي بالحجام فجز شعره فخرجت له وجنتان كأنهما شقتا قمر فقال اعتم فاعتم فأفتن الناس فقال عمر والله لا تساكنني بلدا انا فيه قال ولم ذاك يا امير المؤمنين هو ما قلت لك فسيره إلى البصرة
وخشيت المرأة التي سمع منها عمر ما سمع ان يبدر إليها عمر بشيء فدست إليه أبياتا تقول فيها
قل للإمام الذي تخشى بوادره ... مالي وللخمر او نصر بن حجاج
إني غنيت أبا حفص بغيرهما ... شرب الحليب وطرف فاتر ساج
إن الهوى زمه التقوى فقيده ... حتى أقر بإلجام وإسراج
لا تجعل الظن حقا أو تبينه ... إن السبيل سبيل الخائف الراجي
قال فبعث إليها عمر قد بلغني عنك خير وإني لم اخرجه من أجلك ولكنه بلغني أنه كان يدخل على النساء ولست آمنهن وبكى عمر وقال الحمد لله الذي قيد الهوى حتى أقر بإلجام وإسراج
ثم إن عمر كتب إلى عامله بالبصرة كتبا فمكث الرسول عنده أياما ثم نادى مناديه ألا إن بريد المسلمين يريد أن يخرج فمن كانت له حاجة (1/124)
فليكتب فكتب نصر بن حجاج كتابا ودسه في الكتب بسم الله الرحمن الرحيم
لعبد الله عمر أمير المؤمنين سلام عليك أما بعد يا امير المؤمنين
أإن غنت الذلفاء يوما بمنية ... وبعض اماني النساء غرام
ظننت بي الظنا الذي ليس بعده ... بقاء فما لي في الندى كلام
ويمنعني مما تظن تكرمي ... وآباء صدق سالفون كرام
ويمنعها مما تظن صلاتها ... وحال لها في قومها وصيام
فهذان حالانا فهل أنت راجعي ... فقد جب مني كاهل وسنام
فقال عمر لما قرأ الكتاب أما ولي سلطان فلا
فما رجع المدينة إلا بعد وفاة عمر (1/125)
الباب الخامس عشر في ذكر إثم النظر وعقوبته
حدثنا المبارك بن علي الصيرفي قال أنبأنا عبد الوهاب بن أحمد قال حدثنا الحسن بن محمد الخلال قال حدثنا محمد بن المظفر الحافظ قال حدثنا محمد بن جعفر بن رباح قال حدثنا عباد بن يعقوب قال حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سنان بن عبد الرحمن عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يتشلشل دما فقال له مالك قال يا رسول الله مرت بي امرأة فنظرت إليها فلم أزل أتبعها بصري فاستقبلني جدار فضربني فصنع بي ما ترى فقال إن الله عز و جل إذا اراد بعبد خيرا عجل له عقوبته في الدنيا
أخبرنا أحمد بن عبيد الباقي بن منازل قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الخلال قال حدثنا عبدالواحد بن علي قال أنبأنا المبارك محمد بن ثابت قال حدثنا محمد بن عبد الملك الدقيقي قال حدثنا يزيد ابن هارون قال أنبأنا ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لو اطلع أحد في بيتك ولم تأذن له فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناج (1/126)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا ابن يوسف قال أنبأنا البرمكي قال أنبأنا أبو بكر بن النجيب قال أنبأنا محمد بن صالح قال حدثنا هناد قال حدثنا المحاربي عن ليث عن طلحة عن خيثمة بن عبد الرحمن عن حذيفة قال من تأمل خلق امرأة من وراء الثياب فقد أبطل صومه
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا محمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبو معمر قال حدثنا أبو معاوية الضرير عن أبي سنان عن عمرو بن مرة قال نظرت إلى امرأة فأعجبتني فكف بصري فأرجو أن يكون ذلك جزائي
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال أنبأنا علي بن عبد الله الصوفي قال حدثنا محمد بن الحسن بن الجلندي المقري قال سمعت أبا عبد الله بن الجلاء يقول كنت واقفا أنظر إلى غلام نصراني حسن الوجه فمر بي أبو عبد الله البلخي فقال إيش وقوفك فقلت يا عم ما ترى هذه الصورة تعذب بالنار فضرب بيده بين كتفي وقال لتجدن غبها ولو بعد حين
قال ابن الجلاء فوجدت غبها بعد أربعين سنة أنسيت القرآن
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال كتب إلي أبو حاتم احمد بن الحسن الرازي يذكر أنه سمع محمد بن احمد بن عبد الوهاب الحافظ يقول قال أبو سعيد أحمد بن محمد الصوفي قال حدثنا (1/127)
عبد الرحمن بن أحمد بن عيسى عن أبي الأديان قال كنت مع أستاذي أبي بكر الزقاق فمر حدث فنظرت إليه فرآني أستاذي وأنا أنظر إليه فقال يا بني لتجدن غبها ولو بعد حين فبقيت عشرين سنة وأنا أراعي فما أجد ذلك الغب فنمت ليلة وأنا متفكر فيه فأصبحت وقد نسيت القرآن كله
أخبرنا أبو بكر الصوفي قال أنبأنا أبو سعيد الحيرى قال أنبأنا أبو عبد الله الشيرازي قال أخبرني أبو عبد الله الشيرازي قال أخبرني أبو يعقوب النهر جوري قال رأيت في الطواف رجلا بفرد عين وهو يقول في طوافه أعوذ بك منك فقلت له ما هذا الدعاء فقال إني مجاور منذ خمسين سنة فنظرت إلى شخص يوما فاستحسنته فإذا بلطمة وقعت على عيني فسالت عيني على خدي فقلت آه فوقعت أخرى وقائل يقول لو زدت لزدناك
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال حدثني محمد بن أبي الحسن الساحلي قال أنبأنا عمار بن عبد الله الصوفي قال سمعت محمد بن حماد الرحبي يقول سمعت أبا عمرو بن علوان يقول خرجت يوما إلى سوق الرحبة في حاجة فرأيت جنازة فتبعتها لأصلي عليها ووقفت في جملة الناس حتى يدفن الميت فوقعت عيني على امرأة مسفرة من غير تعمد فلححت بالنظر واسترجعت واستغفرت الله وعدت إلى منزلي فقالت لي عجوز يا سيدي مالي أرى وجهك أسود فأخذت المرآة فنظرت فإذا وجهي أسود فرجعت إلى سري أنظر من أين دهيت فتذكرت النظرة فانفردت في موضع أستغفر الله وأسأله الإقالة أربعين يوما فخطر في قلبي أن زر شيخك الجنيد فانحدرت إلى بغداد فلما جئت الحجرة التي هو فيها طرقت الباب فقال لي ادخل يا أبا عمرو تذنب بالرحبة وتستغفر ربك ببغداد
أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال أنبأنا أبو سعد بن أبي صادق الحيري (1/128)
قال أنبأنا أبو عبد الله الشيرازي قال أنبأنا محمد بن أحمد النجار قال أخبرني أبو بكر الكتاني قال رأيت بعض اصحابنا في المنام فقلت ما فعل الله بك قال عرض علي سيئاتي وقال فعلت كذا وكذا فقلت نعم قال وفعلت كذا وكذا فقلت نعم ثم قال فعلت كذا وكذا فاستحييت أن أقرأ فقال غفرت لك بما أقررت فكيف بما استحييت فقلت له ما كان ذلك الذنب فقال مر بي غلام أمرد حسن الوجه فنظرت إليه
وقد روى نحو هذه الحكاية عن أبي عبد الله الزراد أنه رئى في المنام فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي كل ذنب أقررت به الدنيا إلا واحدا استحييت أن أقر به فوقفني في العرق حتى سقط لحم وجهي فقيل له ما الذنب قال نظرت إلى شخص جميل فاستحييت أن أذكره
وذكر هذه الحكاية أبو طالب المكي عن منصور الفقيه قال رأيت أبا عبد الله السكري في النوم فقلت له ما فعل الله بك فقال وقفني في العرق حتى سقط لحم خدي قلت لم قال نظرت إلى غلام مقبلا ومدبرا
وحدثت عن محمد بن علي بن ابي الصقر الواسطي قال حدثنا عبد الله بن هارون القطان قال حدثنا أحمد بن علي قال حدثنا أبو الحسن الواعظ قال لما مات أبو نصر حبيب النجار الواعظ بالبصرة رئى في المنام ووجهه كدارة القمر في ليلة البدر وفي وجهه نكتة سوداء فقال له الذي رآه حبيب مالي أرى في وجهك هذه النكتة قال قال لي كنت مارا بالبصرة في بني عبس فرأيت غلاما أمرد عليه غلالة يشرق منها بدنه فنظرت إليه فلما وصلت إلى ربي قال لي حبيب
قلت لبيك
قال جز على النار فجزت عليها فنفحتني هذه النفحة فقلت أوه
فناداني نفحة بلمحة ولو زدت لزدناك (1/129)
وقد بلغنا عن أبي يعقوب الطبري أنه كان يقول كان معي شاب حسن الوجه وكان يخدمني فجاءني إنسان من بغداد صوفي وكان كثير الالتفات إلى الشاب فكنت أجد عليه لذلك فنمت ليلة من الليالي فرأيت رب العزة في المنام فقال يا أبا يعقوب لم لم تنهه وأشار إلى البغدادي عن النظر إلى الأحداث فوعزتي وجلالي إني لا اشغل بالأحداث إلا من باعدته عن قربي
قال أبو يعقوب فانتبهت وأنا أضطرب فحكيت الرؤيا للبغدادي فصاح صيحة ومات فغسلناه ودفناه واشتغل قلبي به فرأيته بعد شهر في النوم فقلت ما فعل الله بك قال وبخني حتى خفت ألا أنجو ثم عفا عني (1/130)
الباب السادس عشر في ذكر من عاقب نفسه على النظر
أخبرنا أبو القاسم الحريري قال أنبأنا أبو طالب العشاري قال أنبأنا أبو الحسين بن شمعون قال أنبأنا عثمان بن احمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الختلي قال حدثنا محمد بن حاتم الطوسي قال حدثنا أحمد بن عبد الله الهروي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم قال حدثنا مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس قال خرج عيسى بن مريم يستسقي بالناس فأوحى الله عز و جل إليه لا يستسق معك خطاء
فأخبرهم بذلك وقال من كان من أهل الخطايا فليعتزل
فاعتزل الناس كلهم إلا رجلا مصابا بعينه اليمنى فقال له عيسى مالك لا تعتزل فقال يا روح الله ما عصيت الله طرفة عين ولقد التفت فنظرت بعيني هذه إلى قدم امرأة من غير ان كنت أردت النظر إليها فقلعتها ولو نظرت إليها باليسرى قلعتها
قال فبكى عيسى حتى ابتلت لحيته بدموعه ثم قال ادع فأنت أحق بالدعاء مني فإني معصوم بالوحي وأنت لم تعصم فتقدم الرجل فرفع يديه وقال اللهم إنك خلقتنا وقد علمت ما نعمل من قبل أن تخلقنا فلم يمنعك ذلك أن تخلقنا فكما خلقتنا وتكفلت بأرزاقنا فأرسل السماء علينا مدرارا
فوالذي نفس عيسى بيده ما خرجت الكلمة تامة من فيه حتى أرخت السماء عزاليها وسقى الحاضر والباد
إن قال قائل هذا قد فعل معصية بقلع عين نفسه فكيف صارت طاعة يتوسل بها
فالجواب أنه إذا صح النقل عنه حمل على أنه كان ذلك في شرعهم جائزا فأما في شرعنا فذلك حرام أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد السراج قال أنبأنا أبو طاهر ابن (1/131)
السواق قال حدثنا محمد بن أحمد بن فارس قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف العاصي قال حدثنا ابو بكر القرشي قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني الصلت بن حكيم قال حدثني موسى بن صالح قال نظر رجل من عباد بني إسرائيل إلى امرأة جميلة نظرة شهوة فعمد إلى عينيه فقلعها
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا طراد قال أنبأنا أبو الحسين ابن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال أنبأنا أبو بكر القرشي قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني مالك بن ضيغم قال حدثتني خالتي حبابة ابنة ميمون العتكية قالت رأيت أباك ضيغما نزل ذات ليلة من فوق البيت بكوز قد برد له حتى صبه ثم اكتار من الحب ماء حارا لا يشرب فقلت له بعد ذلك إني قد رأيت الذي صنعت فمم ذاك قال حانت مني نظرة مرة إلى امرأة فجعلت على نفسي ألا تذوق الماء البارد أيام الدنيا أنغص عليها الحياة
قال القرشي وحدثنا أحمد بن إبراهيم عن علي بن إسحاق عن ابن المبارك عن الأوزاعي عن هرون بن زباب أن غزوان كان في بعض مغازيهم فكشفت جارية فنظر إليها غزوان فرفع يده فلطم عينه حتى نفرت وقال إنك للحاظة إلى ما يضرك قال القرشي وحدثني محمد بن قدامة عن محمد بن سابق عن مالك بن مغول عن أبي سنان قال قال عمرو بن مرة ما يسرني أني بصير كنت نظرت نظرة وأنا شاب
أخبرنا محمد بن ابي منصور قال أنبأنا عبد القادر بن يوسف قال حدثنا يوسف بن محمد المهرواني قال حدثنا أحمد بن محمد بن حسنون قال حدثنا (1/132)
جعفر الخواص قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثني هرون بن معروف قال حدثني سعيد بن عبد الله قال سمعت رجلا يحدث عن وهب قال كان في بني إسرائيل دير وكان فيه قوم عباد وكان لهم عيد يجتمعون فيه فخرجوا يوما في عيدهم فنظر رجل من العباد إلى جارية من بني إسرائيل متعبدة فلما رأته قد أحد النظر إليها قالت وهي لا توهمه أنه يريدها سبحان الذي أضاء العيون فأبصرت وهي متعرضة إلى ما حرم عليها فخر الحبر لوجهه ساجدا وجعل يقول سيدي لا تسلبني بصري عقوبة منك لنظري فوعزتك لأبكين بعدها ما أطاقت البكاء عميت أم لم تعم فبكى حتى عمى
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو علي الحسن بن الفضل ابن الحسن الأدمي وأنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي قالا أنبأنا أبو العباس أحمد بن عبد الغفار قال حدثنا أبو سعد محمد بن علي بن عمرو النقاش قال سمعت محمد بن عبد العزيز الواعظ قال سمعت خيرا النساج يقول كنت مع أبي حمزة بالشام فإذا نحن بصومعة راهب بين الرملة ومصر فسمعت بكاءه وشهيقه فناداه أبو حمزة ثلاثا فلم يجبه فقال له أبو حمزة سألتك بحق من يجب له الحق عليك إلا كلمتني
فقال بصوت ضعيف وما يدعوك إلى كلامي فقال أردت أن أسألك عن مسألة عرضت لي
فقال إني لفي شغل عن مسألتك وكلامك فامض راشدا عافاك الله
فقال أبو حمزة أرني وجهك فقال وما تصنع بالنظر إلى من اصيب من النظر فقال أحببت أن أشافهك بمسألتي إياك فقال إن كنت تريد جواب مسألتك فاسأل حتى أخبرك وإن كنت تريد النظر فامض لشأنك فقد أعلمتك أن بي مصيبة
قال وما مصيبتك فقال إني اطلعت من صومعتي هذه منذ عشرين سنة فوقعت عيني على شخص فأفسد قلبي وأنا في علاجه وجهاده منذ ذلك اليوم إلى وقتي ما علمت (1/133)
أني نظرت إلى أحد من الناس حتى كلمتني
فقال لعمري لقد كان هذا نظر شؤم عليك ألبسك طول العناء وأورثك إدمان البكاء
فقال هذا لعمري كذاك لقد بكيت حتى نفد دمعي وقلص فما أقدر على قطرة إلا في بعض الأيام فإذا بكيت وجدت لذلك راحة وسلوا ما
قال فما النظر الذي بلغ بك هذا كله فقال حضر بعض أعيادنا فأتاني جماعة وفيهم شخص حير عقلي كماله فكررت النظر إليه مرارا فزرع في قلبي زرعا لا تحصده المناجل ولا تسفيه الرماح ولا يزداد على مر الأيام إلا جدة وثباتا فلما رأيت ذلك عاتبت قلبي كي يراجعني فأبى إلا التعلق به والتعرض له والتطلب لأسباب قربه فلما رأيته مقيما على مخالفتي وماضيا على عصياني عاهدت الله أن لا أرى أحدا ولا يراني وهذه عقوبة كل طرف مال إلى غير ما أمره الله حتى يرجع إلى ما أمره أو يعلم انه قد عفى له عما أجرم
ثم أخذ في البكاء فانصرفنا وتركناه
أخبرتنا شهدة بنت أحمد بن الفرج قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أبو صالح السمرقندي قال حدثنا الحسين بن القاسم بن اليسع قال أنبأنا أحمد بن محمد بن عمرو الدينوري قال حدثنا جعفر ابن عبد الله الصوفي قال قال أبو حمزة حدثني ابو العمر حسام بن المضاء المصري قال غزوت في زمن الرشيد في بعض المراكب فلججنا في البحر فكسر بنا في بعض جزائر صقلية فخرج من أفلت وخرجت معهم فرأيت في بعض الجزائر رجلا لا يملك دمعه من كثرة البكاء فسألته عن حاله وقلت له ارفق بعينك فإن البكاء قد أضر بهما فقال إلا ذلك قلت ما جنايتهما عليك حتى تتمنى لها البلاء فقال جناية لا أزال إلى الله معتذرا منها أيام حياتي قلت وما هي قال سرعة نظرهما إلى الأمور المحظورة عليهما ولقد أوقعاني في ذنب نظرت إليه لولا الرجاء لرحمة الله ليئست أن يعفى عنه لي
فبالله لو صفح الله لي عنه وأدخلني (1/134)
الجنة ثم تراءى لي لاستحييت أن أنظر إليه بعينين عصتاه
ثم صعق وخر مغشيا عليه
وبلغنا عن أبي حمزة الصوفي قال وقفت على راهب في بعض بلاد الشام وقد أشرف من صومعته وهو يكلم غلاما جميلا من النصارى ويتبسم إليه فقلت له ينبغي لمن هو على طريقتك أن لا يتبسم في وجه من لا تؤمن فتنته فقال هو لعمري كما قلت غير اني اعاهد الله لافتحت عيني حولا عقوبة لها
وأغمض عينيه وأدخل رأسه وبكاء وانصرفت
أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أنبانا حمد بن احمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن محمد بن عبد الله قال سمعت أخي أبا عبد الله محمد بن محمد يقول سمعت محمد بن عبد الله الصوفي يقول سمعت خيرا النساج يقول كنت مع أمية بن الصامت الصوفي فنظر إلى غلام فقرأ وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير ثم قال وأين الفرار من سجن الله وقد حصنه بملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون
تبارك الله فما أعظم ما امتحنني به من نظري إلى هذا الغلام ما شبهت نظري إليه إلا بنار وقعت على قصب في يوم ريح فما أبقت ولا تركت
ثم قال استغفر الله من بلاء جنته عيناي على قلبي وأحشائي لقد خفت أن لا أنجو من معرته ولا أتخلص من إثمه ولو وافيت القيامة بعمل سبعين صديقا ثم بكا حتى كاد يقضى فسمعته يقول في بكائه يا طرف لأشغلنك بالبكاء عن النظر إلى البلاء (1/135)
الباب السابع عشر في ذكر من سأل الله تعالى أخذ بصره خوف الفتنة
أخبرنا عبد الملك بن أبي القاسم الكروخي قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي العميري قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن محمد الفامي قال أنبأنا محمد بن احمد بن يوسف المرواني قال حدثني أبو عبد الرحمن محمد بن المنذر شكر قال حدثنا أحمد بن محمد بن الحجاج المقري قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله ابن عبد الحكيم قال حدثنا أبو ضمرة عاصم بن أبي بكر الزهري قال سمعت مالك بن أنس يقول كان يونس بن يوسف من العباد أو من خيار الناس شك عبد الرحمن فأقبل ذات يوم وهو رائح من المسجد فلقيته امرأه فوقع في نفسه منها فقال اللهم إنك جعلت لي بصري نعمة وقد خشيت أن يكون علي نقمة فاقبضه إليك قال فعمى وكان يروح إلى المسجد يقوده ابن أخ له فإذا استقبل به الأسطوانة اشتغل الصبي يلعب مع الصبيان فإن فاتته حاجة حصبه فأقبل إليه فبينا هو ذات يوم ضحوة في المسجد إذ أحس في بطنه بشيء فحصب الصبي فشغل الصبي مع الصبيان حتى خاف الشيخ على نفسه فقال اللهم إنك كنت جعلت لي بصري نعمة وخشيت أن يكون نقمة فسألتك فقبضته إليك وقد خشيت الفضيحة فرده إلي فانصرف إلى منزله صحيحا يمشي
قال مالك فرأيته أعمى ورأيته صحيحا
وقد رويت لنا هذه الحكاية على قلب اسم هذا الرجل
أخبرنا أحمد بن علي بن المجلي قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا علي بن محمد المعدل قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر (1/136)
القرشي قال حدثني الحسن بن عبد العزيز الجروي قال حدثنا عاصم بن أبي بكر الزهري قال أنبأنا مالك بن أنس وابن أبي حاروم والمغيرة بن عبد الرحمن أن يوسف بن يونس بن حماس مرت به امرأة فوقعت في نفسه فدعا الله فذهب بصره فأقام بعد ذلك دهرا يخلف إلى المسجد مكفوفا يقاد ثم إنه تحرك عليه بقلبه وقد انصرف قائده فلم يجد من يقوده فخلا المسجد فدعا الله تعالى فرد عليه بصره فلم يزل صحيح البصر حتى مات
وبالإسناد قال حدثنا القرشي قال حدثني إبراهيم بن سعيد قال حدثنا موسى بن أيوب قال حدثنا عبيد البيروتي عن الأوزاعي عن يحيى قال بينما امرأة قائمة عند قنديل توقده إذ نظر إليها رجل ففطنت له وعرفت أنه قد تبينها فالتفتت إليه وقالت له تنظر ملء عينك إلى شيء لغيرك
قال فزادني زياد بن محمد عن عقبة أنه دعا ربه أن يذهب بصره فذهب فمكث عشرين سنة أعمى لا يبصر فلما كبر دعا ربه أن يرد عليه بصره فرد الله عليه بصره
قال يحيى بن أبي كثير وأخبرني بعض من رآه بصيرا قبل ان يعمى فرآه شيخا بصيرا بعد ما عمى
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد العزيز الأزجي قال حدثنا ابن جهضم قال سمعت محمد بن احمد الزبيري قال سمعت أبا العباس الفرغاني قال سمعت منصور بن إسماعيل يقول كنت إذا نظرت إلى الشيء الحسن يأخذ من قلبي المأخذ الشديد فسألت الله عز و جل أن يذهب بصري فذهب (1/137)
الباب الثامن عشر في ذكر ثواب من غض بصره عن الحرام
أخبرنا إسماعيل بن أحمد وعبد الوهاب بن المبارك ويحيى بن علي قالوا أنبأنا أبو محمد الصريفيني قال أنبأنا أبو حفص الكتاني وأخبرنا أحمد بن محمد الطوسي وعايل بن أحمد ويحيى بن الحسن وأحمد بن الحسن المقري وعلي بن المبارك قالوا حدثنا ابن النقور قال أنبأنا عبد الله بن حبابة قالا حدثنا البغوي قال حدثنا طالوت بن عباد قال حدثنا فضال بن جبير قال سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا اؤتمن فلا يخن وإذا وعد فلا يخلف غضوا أبصاركم وكفوا أيديكم واحفظوا فروجكم
أخبرنا يحيى بن علي قال أنبأنا أبو الحسن بن المهتدي قال حدثنا ابن شاهين قال حدثنا محمد بن صالح بن زغيل قال حدثنا عبد الواحد بن غياث وطالوت بن عباد قالا حدثنا فضال بن جبير قال سمعت أبا أمامة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول اكفلوا لي بست أكفل لكم بالجنة إذا حدث أحدكم فلا يكذب وإذا وعد فلا يخلف وإذا اؤتمن فلا يخن غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم وصلوا أرحامكم
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عتاب (1/138)
قال حدثنا عبد الله وهو ابن المبارك قال أنبأنا يحيى بن أيوب عن عبد الله ابن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من مسلم ينظر إلى محاسن امرأة أول مرة ثم يغض بصره إلا أحدث الله له عبادة يجد حلاوتها
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد ابن عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن يعقوب قال حدثنا أبو اليمان قال حدثنا ابو مهدي سعيد بن سنان عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم النظرة الاولى خطأ والثانية عمد والثالثة تدمر نظر الرجل إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس مسموم من تركها من خشية الله ورجاء ما عنده أثابه الله بذلك عبادة تبلغه لذتها
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد ابن جعفر الخرائطي قال حدثنا علي بن حرب قال حدثنا إسحاق بن عبد الواحد قال حدثنا هشيم قال حدثنا عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب ابن دثار عن صلة عن حذيفة بن اليمان قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم النظر إلى المرأة سهم من سهام إبليس مسموم فمن تركه خوف الله عز و جل أثابه الله تعالى إيمانا يجد حلاوته في قلبه (1/139)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا القاضي أبو محمد يحيى بن الحسن بن المنذر قال أنبأنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا عبيد بن عبد الواحد قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا يحيى بن أيوب عن عبد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول اللهA من نظر إلى امرأة فغض بصره عند أول دفعة رزقه الله عبادة يجد حلاوتها
قال ابن الأنباري قال اللغويون غض تفسيره يغض يقال قد غضضت من الرجل إذا طعنت عليه ووضعت منه
أخبرنا أحمد بن عبد الباقي قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الخلال قال أنبأنا محمد بن جعفر قال حدثنا قاسم بن علي الدهري قال حدثنا عبد الله بن إسحاق قال حدثنا سهل بن محمد الفارسي قال حدثنا أيوب بن سليمان قال حدثنا محمد بن مروان عن عبد الرحمن بن إسحاق عن النعمان بن سعيد عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله يقول النظر سهم من سهام إبليس مسموم فمن تركها من مخافتي أبدلته مكانها إيمانا يجد حلاوته في قلبه
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن احمد الحداد قال أنبانا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا ابن غفير الأنصاري قال حدثنا شعيب بن سلمة قال حدثنا عصمة بن محمد قال حدثنا موسى بن عقبة عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما من عبد يكف بصره عن محاسن امرأة ولو شاء أن ينظر إليها نظر إلا أدخل الله عز و جل قلبه عبادة يجد حلاوتها (1/140)
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا علي بن أحمد الملطي قال أنبأنا محمد بن يوسف قال أنبأنا الحسين بن صفوان قال حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال حدثنا أبو سعيد المدني قال حدثني عمر بن سهل المازني قال حدثني عمر بن محمد بن صهبان قال حدثني صفوان بن سليم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل عين باكية يوم القيامة إلا عين غضت عن محارم الله وعين سهرت في سبيل الله وعين يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسن بن احمد الفقيه قال أنبأنا محمد بن أحمد ابن ابي الفوارس قال أنبأنا إبراهيم بن احمد المزكي قال أنبأنا محمد بن المسيب قال حدثنا عبد الله بن خبيق قال حدثني الحسن بن مجاهد قال غض البصر عن محارم الله يورث حب الله
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو بكر الشيرازي قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا بكر محمد بن احمد يقول سمعت أبا الحسين الوراق يقول من غض بصره عن محرم أورثه الله بذلك حكمة على لسانه يهدى بها سامعوه ومن غض بصره عن شبهة نور الله قلبه بنور يهتدي به إلى طريق مرضاته
أخبرنا أبو بكر الصوفي قال أنبأنا أبو سعد بن ابي صادق قال أنبأنا أبو عبد الله الشيرازي قال حدثنا عبد الواحد بن بكر الورثاني قال حدثنا محمد بن أحمد المارستاني قال حدثنا محمد بن عيسى القرشي قال حدثني إبراهيم ابن المهلب السائح قال رأيت بين الثعلبية والخزيمية غلاما قائما يصلي قد انقطع (1/141)
عن الناس فانتظرته حتى قطع صلاته ثم قلت له ما معك مؤنس قال بلى قلت وأين هو قال أمامي ومعي وخلفي وعن يميني وعن شمالي وفوقي
فعلمت أن عنده معرفة
فقلت أما معك زاد قال بلى قلت فأين هو قال الإخلاص لله عز و جل والتوحيد له والإقرار بنبيه صلى الله عليه و سلم وإيمان صادق وتوكل واثق
قلت هل لك في مرافقتي قال الرفيق يشغل عن الله ولا احب أن أرافق أحدا فأشتغل به عنه طرفة عين
قلت اما تستوحش في هذه البرية وحدك فقال إن الأنس بالله قطع عني كل وحشة حتى لو كنت بين السباع ما خفتها ولا استوحشت منها
قلت فمن أين تأكل فقال الذي غذاني في ظلم الأرحام صغيرا قد تكفل برزقي كبيرا
قلت ففي أي وقت تجيئك الأسباب فقال لي جد معلوم ووقت مفهوم إذا احتجت إلى الطعام أصبته في أي موضع كنت وقد علم ما يصلحني وهو غير غافل عني
قلت ألك حاجة قال نعم قلت وما هي قال إذا رأيتني فلا تكلمني ولا تعلم أحدا أنك تعرفني
قلت لك ذاك فهل حاجة غيرها قال نعم قلت وما هي قال إن استطعت لا تنساني في دعائك وعند الشدائد إذا نزلت بك فافعل
قلت كيف يدعو مثلي لمثلك وأنت أفضل مني خوفا وتوكلا قال لا تقل هذا إنك قد صليت لله عز و جل قبلي ولك حق الإسلام ومعرفة الإيمان
قلت فإن لي أيضا حاجة قال وما هي قلت ادع الله لي فقال حجب الله طرفك عن كل معصية وألهم قلبك الفكر فيما يرضيه حتى لا يكون لك هم إلا هو (1/142)
قلت يا حبيبي متى ألقاك وأين أطلبك فقال أما في الدنيا فلا تحدث نفسك بلقائي فيها وأما الآخرة فإنها مجمع المتقين فإياك أن تخالف الله فيما أمرك وندبك إليه فإن كنت تبغي لقائي فاطلبني مع الناظرين إلى الله عز و جل في زمرتهم
قلت وكيف علمت ذاك قال بغض طرفي له عن كل محرم واجتنابي فيه كل منكر ومأثم وقد سألته أن يجعل جنتي النظر إليه
ثم صاح واقبل يسعى حتى غاب عن بصري
فتفهم يا أخي ما أوصيك به إنما بصرك نعمة من الله عليك فلا تعصه بنعمه وعامله بغضه عن الحرام تربح واحذر أن تكون العقوبة سلب تلك النعمة وكل زمن الجهاد في الغض لخطة فإن فعلت نلت الخير الجزيل وسلمت من الشر الطويل ألم تسمع قول القائل
إني إذا ذل الحريص ... عززت في ظل القناعه
وأقول للنفس اطمئني ... فالشجاعة صبر ساعه
وقال الآخر
ليس الشجاع الذي يحمي مطيته ... يوم النزال ونار الحرب تشتعل
لكن فتى غض طرفا أو ثنى بصرا ... عن الحرام فذاك الفارس البطل
وقال الآخر
صبرت عن اللذات حتى تولت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
وكانت على الأيام نفسي عزيزة ... فلما رأت صبري على الذل ذلت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت (1/143)
الباب التاسع عشر في معالجة الهم والفكر المتولد عن النظر
إعلم وفقك الله أنك إذا امتثلت المأمور به من غض البصر عند أول نظرة سلمت من آفات لا تحصى فإذا كررت النظر لم تأمن أن يزرع في قلبك زرعا يصعب قلعه فإن كان قد حصل ذلك فعلاجه الحمية بالغض فيما بعد وقطع مراد الفكر بسد باب النظر فحينئذ يسهل علاج الحاصل في القلب لأنه إذا اجتمع سيل فسد مجراه سهل نزف الحاصل ولا علاج للحاصل فى القلب أقوى من قطع أسبابه ثم زجر الاهتمام به خوفا من عقوبة الله عز و جل فمتى شرعت في استعمال هذا الدواء رجى لك قرب السلامة وإن ساكنت الهم ترقى إلىدرجة العزم ثم حرك الجوارح
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو بكر بن خلف قال أنبأنا محمد بن الحسين قال سمعت محمد بن أحمد النسوي يقول سمعت علي بن إبراهيم يقول سمعت إبراهيم بن المولد يقول سمعت محمد بن أحمد الرافقي يقول سمعت علي بن الحسين التميمي يقول سمعت أبا تراب النخشبي يقول احفظ همك فإنه مقدمة الأشياء فمن صح له همه صح له ما بعد ذلك من أفعاله وأحواله
أنبأنا أحمد بن أحمد المتوكلي قال أنبانا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا محمد بن موسى الصيرفي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا أبو بكر القرشي قال قيل لبعض الحكماء ما سبب الذنب قال الخطرة فإن تداركت الخطرة بالرجوع إلى الله ذهبت وإن لم تفعل تولدت عنها الفكرة فإن تداركتها بالرجوع إلى الله بطلت وإلا فعند ذلك تخالط الوسوسة (1/144)
الفكرة فتولد عنها الشهوة وكل ذلك بعد باطن في القلب لم يظهر على الجوارح فإن استدركت الشهوة وإلا تولد منها الطلب فإن تداركت الطلب وإلا تولد منه الفعل
فإن قال قائل كيف أقدر على دفع خطرات تخطر لا أملكها
فالجواب أنها ما لم تكن عزما لا تضر غير أنه لا ينبغي أن تؤجر بالخوف ممن يعلم ماتخفي الصدور لتشاغل القلب بوظائف بعيدة تلهيه عن الأمر الذي خلق له ومتى كففت جوارحك ولم تعزم على الخطايا بقلبك فقد عفى لك عن الوسواس والخواطر فإذا زجرتها بالخوف فقد بالغت في النظافة
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو بكر بن خلف قال أنبأنا محمد بن الحسين قال سمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت جعفرا الخلدي يقول قال أبو العباس بن مسروق من راقب الله في خطرات قلبه عصمه الله في حركات جوارحه (1/145)
الباب العشرون في ذكر ما يصنع من رأى امرأة فأعجبته
أخبرنا هبة الله بن محمد بن الجعبين قال أنبأنا أبو علي الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الصمد قال حدثني حرب عن أبي الزبير عن جابر ان رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى امرأة فأعجبته فأتى زينب فقضى منها حاجته وقال إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته فليأت أهله فإن ذلك يرد مما في نفسه
انفرد بإخراجه مسلم
وقد نبه هذا الحديث على أمرين أحدهما التسلي عن المطلوب بجنسه
والثاني الإعلام بأن سبب الإعجاب قوة الشهوة فأمر بتنقيصها (1/146)
الباب الحادي والعشرون في ذكر تحريم الخلوة بالأجنبية
أخبرنا ابن عبد الواحد الشيباني قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا جعفر بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا سفيان عن عمرو عن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لا يخلون رجل بامرأة ولا تسافر امرأة إلا ومعها ذو محرم
أخرجه البخاري ومسلم واسم أبي معبد نافذ مولى ابن عباس
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن إسحاق قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي
وأخبرنا سعيد بن أحمد بن الحسن بن البنا قال أنبأنا علي بن أحمد البسرى قال أنبأنا ابو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص قال حدثنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا الحسن بن عرفة قالا حدثنا جرير بن عبد الحميد عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال خطب عمر رضي الله عنه الناس بالجابية فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام في مثل مقامي هذا فقال ألا لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان (1/147)
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا محمد بن هبيرة الغاضري قال حدثنا الحسن بن قتيبة قال أنبأنا يونس عن عبد الملك بن عمير عن عبد الله ابن الزبير قال قام فينا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قام فينا كمقامي فيكم ثم قال ألا لا يخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشيطان
اخبرنا يحيى بن علي المدير قال أنبأنا أبو منصور عبد العزيز العكبري قال أنبأنا عبيد الله بن محمد الفرضي قال أنبأنا جعفر بن محمد الخلدي قال حدثنا محمد بن احمد بن عمر بن مخلد السجستاني قال حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي قال حدثنا ابن لهيعة عن أبي قتيل عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يخلون رجل بامرأة ليست له بمحرم إلا هم أو همت به
قيل يا رسول الله وإن كانا صالحين
قال ولو كانت مريم بنت عمران ويحيى بن زكريا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو علي ا لتميمي وأخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم احمد بن عبد الله قالا أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي قال حدثنا معمر بن سليمان عن فرات عن ميمون ابن مهران قال ثلاثة لا تبلون نفسك بهن لا تدخلن على سلطان وإن قلت آمره بطاعة الله ولا تدخلن على امرأة وإن قلت أعلمها كتاب (1/148)
الله عز و جل ولا تصغين سمعك لذي هوى فإنك لا تدري ما يعلق بقلبك منه
أخبرنا عن عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا التنوخي قال أنبأنا أحمد بن يوسف بن البهلول قال حدثنا أبي قال حدثنا المثنى بن جامع قال حدثنا شريح بن يونس قال حدثنا فرج ابن فضالة عن كلب بن ميمون عن ميمون بن مهران قال أوصاني عمر ابن عبد العزيز فقال يا ميمون لا تخل بامرأة لا تحل لك وإن أقرأتها القرآن ولا تتبع السلطان وإن رأيت انك تأمره بمعروف أو تنها ه عن منكر ولا تجالس ذا هوى فيلقي في نفسك شيئا يسخط الله به عليك
أنبأنا إسماعيل بن أحمد وحدثنا عنه المبارك بن علي قال أنبأنا ابن النقور قال أنبأنا المخلص قال حدثنا أبو محمد اليشكري قال حدثنا ابو يعلى المقري قال حدثنا الأصمعي قال حدثنا حماد بن زيد قال قال لنا يونس بن عبيد أوصيكم بثلاث فخذوها عني حييت أو مت لا تمكن سمعك من صاحب لهو ولا تخل بامرأة ليست لك بحرمة ولو أن تقرأ عليها القرآن ولا تدخل على أمير ولو أن تعظه
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبانا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا دعلج بن أحمد قال حدثنا موسى بن هارون قال حدثنا احمد بن إبراهيم الموصلي قال حدثنا جماد بن زيد قال قال يونس بن عبيد احفظوا عني ثلاثا مت أو عشت لا يدخلن أحدكم على ذي سلطان يعظه ويعلمه ولا يخل بامرأة شابة وإن أقرأها القرآن ولا يمكن سمعه من ذي هوى (1/149)
أنبأنا إسماعيل بن احمد قال أنبأنا عاصم قال أنبأنا علي بن محمد قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا أحمد بن عبد الأعلى قال حدثنا فرج بن فضالة عن عبيد الرحمن بن زياد قال بينما موسى جالس إذ أقبل إبليس فقال له موسى ما الذي إذا صنعه الإنسان استحوذت عليه قال إذا أعجبته نفسه واستكثر علمه ونسى ذنوبه
وأحذرك ثلاثا لا تخل بامرأة لا تحل لك فإنه ما خلا رجل بإمرأة لا تحل له إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أفتنه بها ولا تعاهد الله عهدا إلا وفيت به فإنه ما عاهد الله أحد عهدا إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء به ولا تخرجن صدقة إلا أمضيتها فإنه ما أخرج أحد صدقة فلم يمضها إلا كنت صاحبه دون أصحابي حتى أحول بينه وبين الوفاء بها
ثم ولى وهو يقول يا ويله ثلاثا علم موسى ما يحذر به بني آدم
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو بكر بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال قيل لأبي القاسم بن النصراباذي إن بعض الناس يجالس النسوان ويقول أنا معصوم في رؤيتهن
فقال ما دامت الأشباح باقية فإن الأمر والنهي باق والتحليل والتحريم مخاطب به ولن يجترىء على الشبهات إلا من هو بعرض المحرمات
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو الحسين الحمامي قال أنبأنا أبو محمد الحسن ابن علي قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا أبو بكر بن خلف قال حدثنا (1/150)
أبو محمد البلخي قال حدثنا محمد بن موسى الحنفي قال حدثنا عمي وليد بن يعقوب قال حدثني أبي قال دخل مسلمة بن عبد الملك على أخيه هشام ابن عبد الملك وعنده خادم جميل عليه عمامة سوداء وثياب وشي فقال مسلمة يا أمير المؤمنين أي فتياننا هذا قال هذا خادم لي فقال يا امير المؤمنين يدخل على حرمك مثل هذا قال إنه مجبوب لا يقدر على النساء قال إنه إن لم يقدر عليها ذكرها الرجال
قال فأخرجه هشام
فاحذر رحمك الله من أن تتعرض بسبب البلاء فبعيد أن يسلم مقارب الفتنة منها
وكما أن الحذر مقرون بالنجاة فالتعرض بالفتنة مقرون بالعطب
وندر من يسلم من الفتنة مع مقاربتها
على أنه ما يسلم من فكر وتصور وهمة
وكل هذا زلل
هذا لو كانت الخلوة بالأجنبية مباحة لم تسلم من هذه الآفات فكيف وهي محرمة (1/151)
الباب الثاني والعشرون في التحذير من فتنة النساء
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي قال حدثنا يحيى بن سعيد وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا بن أعين قال حدثنا الفربري قال حدثنا البخاري قال حدثنا آدم قال حدثنا شعبة
وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا أبو الفتح الشاشي وأخبرنا أبو عبد الرحمن المروزي قال أنبأنا أبو عبد الله الفراوي قال حدثنا عبد الغافر قال أنبأنا ابن عمرويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثنا ابن راهويه قال حدثنا جرير
وأخبرنا ابن الحصين وابن عبد الباقي قالا أنبانا أبو الطيب الطبري قال أنبأنا أبو أحمد الغطريفي قال حدثنا أبو خليفة قال حدثنا إبراهيم بن بشار الرمادي قال حدثنا سفيان وأخبرنا أبو القاسم الحريري قال أنبأنا أبو طالب العشاري قال أنبأنا أبو الحسين بن شمعون قال حدثنا محمد بن محمد بن أبي حذيفة قال حدثنا ابن أبي الخناجر قال حدثنا موسى بن داود قال حدثنا القاسم بن معن وأخبرنا على بن عبد الله قال أنبأنا أبو محمد الصريفيني قال أنبأنا أبو حفص الكتاني قال حدثنا محمد بن عبيد الله بن العلاء الكاتب قال حدثنا أحمد بن بريك قال حدثنا أسباط وحدثنا موهوب بن أحمد قال أنبأنا ابن البسرى قال أنبأنا المخلص قال حدثنا البغوي قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو خالد الأحمر قالوا أنبأنا سليمان التيمي عن أبي عثمان عن أسامة بن زيد (1/152)
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا الشاشي وأخبرنا المروزي قال أنبأنا الفراوي قالا حدثنا عبد الغافر قال حدثنا ابن عمرويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثنا بندار قالا حدثنا محمد بن جعفر وأخبرنا عبد الأول قال حدثنا الداودي قال أنبأنا السرخسي قال حدثنا إبراهيم بن خريم قال حدثنا عبد بن حميد قال حدثنا النضر بن شميل قالا حدثنا شعبة عن أبي سلمة قال سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله عز و جل مستخلفكم فيها لينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء وإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء
أنفرد بإخراجه مسلم والذي قبله متفق عليه
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا القطيعي قال أنبأنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا معاوية قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت لما ثقل رسول الله صلى الله عليه و سلم جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت يا رسول الله إن أبا بكر رجل اسيف وإنه متى يقوم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر فقال مروا أبا بكر فليصل بالناس قالت فقلت لحفصة قولي له فقالت له حفصة فقال إنكن لأنتن صواحب يوسف
أخرجاه في الصحيحين (1/153)
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال أنبأنا عبد الله بن احمد قال حدثنا أبي قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا سفيان عن عبد الرحمن بن عياش عن زيد بن علي عن أبيه عن عبد الله ابن أبي رافع عن علي عليه السلام قال اردف رسول الله صلى الله عليه و سلم الفضل ثم سار حتى أ تى الجمرة فرماها فأتته امرأة شابة من خثعم فقالت إن أبي شيخ كبير وقد أدركته فريضة الله تعالى في الحج فهل يجوز أن أحج عنه قال نعم قال ولوى عنق الفضل فقال له العباس يا رسول الله مالك لويت عنق ابن عمك قال رأيت شابا وشابة فخفت الشيطان عليهما
أنبأنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا القطيعي قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا إسحاق بن عيسى قال أنبأنا مالك عن محمد بن المنكدر عن أميمة بنت رفيقة أنها قالت أتيت رسول الله صلى الله عليه و سلم في نسوة نبايعه فقال إني لا أصافح النساء
أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال أنبأنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرازق قال حدثنا معمر عن إسماعيل ابن أمية عن عمرة عن عائشة قالت لو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى ما أحدث النساء اليوم لنهاهن عن الخروج أو حرم عليهن الخروج
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب والحسين بن محمد بن طلحة قالا أنبأنا علي بن محمد بن بشران قال حدثنا محمد بن عمرو بن البحتري قال حدثنا أحمد بن الخليل بن ثابت قال حدثنا الواقدي قال حدثنا يحيى بن العلاء عن عبد المجيد بن سهل عن عكرمة عن ابن عباس قال كان النساء الأكابر (1/154)
وغيرهن يخرجن يحضرن مع رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبي بكر وعمر وعثمان العيد فلما كان سعيد ابن العاص سألني عن خروج النساء فرأيت أن يمنع الشواب الخروج فأمر مناديه لا تخرج يوم العيد شابة فكان العجائز يخرجن
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم احمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثني يحيى بن صالح الأيلي عن إسماعيل بن أمية عن عبيد بن عمير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إبليس لربه عز و جل يا رب قد أهبط آدم وقد علمت أنه سيكون له كتاب ورسل فما كتابهم ورسلهم قال الله عز و جل رسلهم الملائكة والنبيون منهم وكتبهم التوارة والإنجيل والزبور والفرقان قال فما كتابي قال كتابك الوشم وقرآنك الشعر ورسلك الكهنة وطعامك ما لم يذكر اسم الله عز و جل عليه وشرابك من كل مسكر وصدقك الكذب وبيتك الحمام ومصائدك النساء ومؤذنك المزمار ومسجدك الأسواق
تفرد به يحيى بن صالح
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا محمد بن أحمد بن رزق قال أنبأنا إبراهيم بن محمد بن يحيى المزكي (1/155)
قال أنبأنا محمد بن إسحاق السراج قال حدثنا أبو بكر محمد بن خلف الحدادي قال حدثنا الهذيل بن عمير بن أبي العريف قال حدثنا موسى بن هلال النخعي قال حدثنا أبو إسحاق عن هبيرة بن مريم عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أخوف ما أخاف على أمتي النساء والخمر
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا سعدان بن يزيد قال حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثنا حماد بن زيد عن علي بن زيد عن أبي عثمان النهدي عن عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس أنهما قالا لما كثر بنو آدم وعصوا دعت عليهم الملائكة والسماء والأرض والجبال ربنا أهلكهم
فأوحى الله عز و جل إلى الملائكة إني لو أنزلت الشهوة والشيطان منكم بمنزلة بني آدم لفعلتم مثل ما يفعلون فحدثوا أنفسهم أنهم لو ابتلوا اعتصموا فأوحى الله عز و جل إليهم أن اختاروا من أفاضلكم ملكين فاختاروا هارون وماروت وأهبطا إلى الأرض حكمين واهبطت الزهرة إليهما في صورة امرأة فواقعا الخطيئة وكانت الملائكة يستغفرون للذين آمنوا فلما واقعا الخطيئة استغفروا لمن في الأرض
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا الحسن بن أبي بكر قال أنبأنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد (1/156)
قال أنبأنا عبد الكريم بن الهثيم قال حدثنا سند بن داود قال حدثنا الفرج بن فضالة عن معاوية بن صالح عن نافع قال سافرت مع ابن عمر فلما كان آخر الليل قال يا نافع طلعت الحمراء قلت لا مرتين أو ثلاثا ثم قلت طلعت قال لا مرحبا بها ولا أهلا قلت سبحان الله نجم سامع مطيع قال ما قلت إلا ما سمعت من رسول الله أو قال قال رسول الله إن الملائكة قالت يا رب كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب قال إني ابتليتهم وعافيتكم قالوا لو كنا مكانهم ما عصيناك قال فاختاروا ملكين منكم فلم يألوا أن اختاروا هاروت وماروت فنزلا فالقى الله عليهما الشبق قلت وما الشبق قال الشهوة قال فنزلا فجاءت امرأة يقال لها الزهرة فوقعت في قلوبهما فجعل كل واحد منهما يخفي عن صاحبه ما في نفسه فرجع إليها أحدهما ثم جاء الآخر فقال هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي قال نعم فطلباها نفسها فقالت لا أمكنكما حتى تعلماني الاسم الذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان به فأبيا ثم سألاها ايضا فأبت ففعلا فلما استطيرت طمسها الله كوكبا وقطع أجنحتها ثم سألا التوبة من ربهما فخيرهما فقال إن شئتما رددتكما إلى ما كنتما عليه فإذا كان يوم القيامة عذبتكما وإن شئتما عذبتكما في الدنيا وإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه فقال أحدهما لصاحبه إن عذاب الدنيا ينقطع ويزول فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة فأوحى الله إليهما أن ائتيا بابل فانطلقا إلى بابل فخسف بهما فهما فيها منكوسان بين السماء والأرض يعذبان إلى يوم القيامة (1/157)
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا زهير بن محمد عن موسى بن جبير عن نافع عن ابن عمر أنه سمع نبي الله صلى الله عليه و سلم يقول إن آدم لما أهبطه الله إلى الأرض قالت الملائكة أي رب أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك
قال إني أعلم مالا تعلمون
قالوا ربنا نحن أطوع لك من بني آدم
قال الله تعالى للملائكة هلموا ملكين من الملائكة حتى نهبطهما إلى الأرض فننظر كيف يعملان
قالوا ربنا هاروت وماروت
فأهبطا إلى الأرض فتمثلت لهما الزهرة امرأة حسنة من أحسن النسوة فجائتهما فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تكلما بهذه الكلمة من الإشراك فقالا والله لا نشرك أبدا فذهبت عنهما ثم رجعت بصبي تحمله فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تقتلا هذا الصبي فقالا والله لا نقتله أبدا فذهبت ثم رجعت بقدح فيه خمر فسألاها نفسها فقالت لا والله حتى تشربا هذه الخمر فشربا فسكرا فوقعا عليها وقتلا الصبي فلما أفاقا قالت المراة والله ما تركتما شيئا مما أبيتماه على إلا وقد فعلتماه حين سكرتما
فخيرا بين عذاب الدنيا والأخرة فاختارا عذاب الدنيا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون قال أنبأنا (1/158)
أبو علي بن شاذان قال أنبأنا أبو علي الطوماري قال أنبأنا أبو الحسن بن البراء قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال ذكر وهب بن منبه أن عابدا كان في بني إسرائيل وكان من أعبد أهل زمانه وكان في زمانه ثلاثة إخوة لهم أخت وكانت بكرا
فخرج البعث عليهم فلم يدروا عند من يخلفون اختهم ولا من يأمنون عليها ولا عند من يضعونها فأجمع رأيهم على أن يخلفوها عند عابد بني إسرائيل فأتوه فسألوه أن يخلفوها عنده فتكون في كنفه وجواره حتى يرجعوا فأبي ذلك وتعوذ بالله عز و جل منهم ومن أختهم فلم يزالوا به حتى أطمعهم فقال أنزلوها في بيت حذاء صومعتي
فانزلوها في ذلك البيت ثم انطلقوا وتركوها فمكثت في جوار ذلك العابد زمانا ينزل إليها بالطعام من صومعته فيضعه عند باب الصومعة ثم يغلق بابه ويصعد في صومعته ثم يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع لها من الطعام
قال فتلطف له الشيطان فلم يزل يرغبه في الخير ويعظم عنده خروج الجارية من بيتها نهارا ويخوفه أن يراها أحد فيعلقها فول مشيت بطعامها حتى تضعه على باب بيتها كان أعظم لأجرك فلم يزل به حتى مشى بطعامها حتى وضعه على باب بيتها ولا يكلمها
قال فلبث بذلك زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والأجر وحضه عليه وقال له لو كنت تمشى إليها بطعامها حتى تضعه في بيتها كان أعظم لأجرك (1/159)
قال فلم يزل به حتى مشى إليها بطعامها فوضعه في بيتها
قال فلبث بذلك زمانا ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير وحضه عليه وقال له لو كنت تكلمها وتحدثها فتأنس بحديثك فإنها قد استوحشت وحشة شديدة
قال فلم يزل به حتى حدثها زمانا يطلع إليها من فوق صومعته
قال ثم أتاه إبليس بعد ذلك فقال لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وتقعد هي على باب بيتها فتحدثك كان آنس لها فلم يزل به حتى أنزله فأجسله على باب صومعته يحدثها وتخرج الجارية من بيتها حتى تقعد على باب بيتها قال فلبثا زمانا يتح2دثان ثم جاءه إبليس فرغبه في الخير والثواب فيما يصنع بها فقال لو خرجت من باب صومعتك فجلست قريبا من باب بيتها فحدثتها كان آنس لها
فلم يزل به حتى فعل
فلبثا بذلك زمانا ثم جاءه إبليس فقال لو دنوت من باب بيتها ثم قال لو دخلت البيت فحدثتها ولم تتركها تبرز وجهها لأحد كان أحسن
فلم يزل به حتى دخل البيت فجعل يحدثها نهاره كله فإذا أمسى صعد في صومعته
قال ثم اتاه إبليس بعد ذلك فلم يزل يزينها له حتى ضرب العابد على فخذها وقبلها فلم يزل به إبليس يحسنها في عينه ويسول له حتىوقع عليها فأحبلها فولدت غلاما
فجاءه إبليس فقال له أرأيت إن جاء إخوة هذه الجارية وقد ولدت منك كيف تصنع لا آمن أن تفتضح أو يفضحوك فاعمد إلى ابنها فاذبحه (1/160)
وادفنه فإنها ستكتم ذلك عليك مخافة إخوتها أن يطلعوا على ما صنعت بها ففعل فقال له أتراها تكتم إخوتها ما صنعت بها خذها فاذبحها وادفنها مع ابنها فذبحها وألقاها في الحفيرة مع ابنها وأطبق عليها صخرة عظيمة وسوى عليهما وصعد إلى صومعته يتعبد
فمكث بذلك ما شاء الله حتى قفل إخوتها من الغزو فجاءوه فسألوه عن أختهم فنعاها لهم وترحم عليها وبكاها وقال كانت خير امرأة وهذا قبرها فانظروا إليه فأتى إخوتها القبر فبكوا أختهم وترحموا عليها وأقاموا على قبرها أياما
ثم انصرفوا إلى أهاليهم
قال فلما جنهم الليل واخذوا مضاجعهم أتاهم الشيطان في النوم فبدأ بأكبرهم فسأله عن أختهم فأخبره بقول العابد وبموتها فكذبه الشيطان وقال لم يصدقكم أمر أختكم إنه أحبل أختكم وولدت منه غلاما فذبحه وذبحها معه فرقا منكم فألقاها في حفيرة خلف باب البيت وأتى الأوسط في منامه فقال له مثل ذلك
ثم أتى الأصغر فقال له مثل ذلك
فلما استيقظ القوم استيقظوا متعجبين لما رأى كل واحد منهم فأقبل بعضهم على بعض يقول رأيت عجبا فأخبر بعضهم بعضا بما رأى
فقال كبيرهم هذا حلم ليس هذا بشيء فامضوا بنا ودعوا هذا قال أصغرهم لا أمضي حتى آتي ذلك المكان فأنظر إليه (1/161)
فانطلقوا وبحثوا الموضع فوجدوا اختهم وابنها مذوبحين فسألوا عنها العابد فصدق قول إبليس فيما صنع بها
فاستعدوا عليه ملكهم
فأنزل من صومعته وقدموه ليصلب فلما أوقفوه على الخشبة أتاه الشيطان فقال قد علمت أني صاحبك الذي قد فتنتك في المرأة حتى أحبلتها وذبحتها وابنها فإن أنت اطعتني اليوم وكفرت بالله الذي خلقك خلصتك مما أنت فيه
فكفر العابد بالله فلما كفر خلى الشيطان بينه وبين أصحابه فصلبوه
قال فعند ذلك نزلت هذه الآية كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين
وقد ذكرت قصة هذا الرجل على خلاف هذه الحال في التفسير إلا أن المقصود وجود فتنة بالقتل والزنا والكفر وذلك مذكور في جميع الروايات
فتلمح وفقك الله سبب وقوعه في هذا الشر وهو أنه فسح لنفسه فيما قد نهى عنه من الكلام للأجنبية والخلوة بها وكان كمأمور بالحمية أقبل على التخليط ثقة بعافيته فأداه ذلك إلى تلف نفسه (1/162)
ولو أنه استعمل قول طبيبه لسلم من شر ما وقع فيه
نعوذ بالله من الخذلان
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا أبو المطهر قال حدثنا أبو نعيم الأصبهاني قال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن أشعث ابن سليم قال سمعت رجاء بن حيوة يحدث عن معاذ بن جبل قال ابتليتم بفتنة الضراء فصبرتم وستبتلون بفتنة السراء
وأخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب ولبسن رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغنى وكلفن الفقير مالا يجد
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا محمد ابن جعفر قال حدثنا الحسن بن عرفة قال حدثنا أبو معاوية الضرير عن ليث عن طاووس عن ابن عباس انه قال لم يكن كفر من قد مضى إلا من قبل النساء وهو كائن كفر من بقي من قبل النساء
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا أبو شعيب الحراني قال حدثنا يحيى بن عبد الله قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا حسان ابن عطية قال ما أتيت أمة قط إلا من قبل نسائهم (1/163)
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا عمر بن عبيد الله البقال قال أنبأنا أبو الحسين بن بشران قال أنبأنا عثمان بن احمد قال حدثنا حنبل قال حدثني أبو عبد الله قال حدثنا هشيم عن علي بن زيد عن أيوب اللخمي عن ابن عمر أنه وقع في سهمه جارية يوم جلولاء كأن عنقها إبريق فضة
قال فما صبرت أن قمت فقبلتها والناس ينظرون
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا ابن بشران قال حدثنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا نصر بن داو د الخلنجي قال حدثنا عباد بن موسى عن سفيان الثوري عن ابن طاووس عن أبيه في قوله تعالى وخلق الإنسان ضعيفا قال إذا نظر إلى النساء لم يصبر
وبه قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا علي بن حرب وأخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن احمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا أبو حامد بن جبلة قال حدثنا محمد بن إسحاق قال حدثنا هرون ابن عبد الله قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال ما يئس الشيطان من ابن آدم قط إلا أتاه من قبل النساء
ثم قال وهو ابن تسع وثمانين سنة وقال هارون وهو ابن أربع وثمانين سنة وقد ذهبت إحدى عينيه وهو يعشو بالأخرى وما شيء عندي أخوف من النساء
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن احمد قال أنبأنا أبو نعيم احمد بن عبد الله قال حدثنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم البالسي قال حدثنا أحمد بن مسعود قال (1/164)
حدثنا الهيثم بن جميل قال حدثنا صالح بن موسى عن معاوية بن إسحاق قال سمعت سعيد بن جبير يقول لأن أوتمن على بيت من الدر أحب إلي من أن أوتمن على امرأة حسناء
اخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم قال حدثنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني جعفر بن محمد قال حدثنا عبد الله بن جعفر قال حدثنا أبو المليح قال سمعت ميمون بن مهران يقول لأن أوتمن على بيت مال أحب إلي من أن أوتمن على امرأة
أنبأنا عبد الوهاب الحافظ قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد العزيز ابن الحسن الضراب قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن مروان قال حدثنا احمد بن علي قال سمعت يوسف بن أسباط يقول لو ائتمنني رجل على بيت مال لظننت أن أؤدي إليه الأمانة ولو ائتمنني على زنجية أن أخلو معها ساعة واحدة ما ائتمنت نفسي عليها
وقد سمعت الشيخ الصالح سفيان الثوري يقول ما بعث الله عز و جل نبيا إلا وقد تخوف عليه الفتنة من النساء
أنبأنا عبد الوهاب قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أحمد بن علي التوزي قال أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق قال أنبأنا رضوان بن احمد قال حدثنا ابو بكر القرشي قال حدثنا خلف بن هشام البزاز قال حدثنا أبو شهاب الخياط قال سمعت سفيان الثوري يقول ائتمني على بيت مملوء مالا ولا تأتمني على جارية سوداء لا تحل لي
قال القرشي وحدثنا يوسف بن موسى قال أنبانا حكام بن سلم قال (1/165)
كنت عند سفيان الثوري فجاءته امرأة فقالت إني أريد أن أسألك عن شيء فقال لها أحيفى الباب ثم تكلمي من وراء الباب
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال أنبأنا أبو الحسن بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو الحسن العتيقي قال أنبأنا أبو الطيب بن المنتاب قال أنبأنا أبو محمد عبد الله بن سليمان الفامي قال حدثنا محمد بن حبيب البزاز قال حدثنا الفضل ابن موسى قال حدثنا إبراهيم بن بشار عن سفيان قال يقال قال إبليس سهمي الذي إذا رميت به لم أخط النساء
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا أبو بكر الخرائطي قال حدثنا أبو يوسف الزهري قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني سليمان بن داود المخزومي قال حدثني إسماعيل بن يعقوب التميمي عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال قدمت امرأة من هذيل وكانت إمرأة جميلة فخطبها الناس وكادت تذهب بعقول أكثرهم فقال فيها عبيد الله بن عبد الله بن عتبة
أحبك حبا لو علمت ببعضه ... لجدت ولم يصعب عليك شديد
احبك حبا لا يحبك مثله ... قريب ولا في العاشقين بعيد
وحبك يا أم الصبي مدلهي ... شهيدي أبو بكر فذاك شهيد
ويعلم وحدي قاسم بن محمد ... وعروة ما ألقى بكم وسعيد
ويعلم ما عندي سليمان علمه ... وخارجة يبدي بنا ويعيد
متى تسألي عما أقول فتخبري ... فلله عندي طارف وتليد
فقال سعيد بن المسيب فقد امنت أن تسألنا ولو سألتنا ما طمعت أن نشهد بزور (1/166)
وهؤلاء الذين استشهد بهم وهو معهم فقهاء المدينة السبعة أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وعروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وخارجة بن زيد بن ثابت
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال حدثنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا المبرد قال حدثنا هشام عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال حج عبد الملك بن مروان وحج معه خالد بن يزيد بن معاوية وكان من رجالات قريش المعدودين وعلمائهم وكان عظيم القدر عند عبد الملك فبينما هو يطوف بالبيت إذ بصر برملة بنت الزبير بن العوام فعشقها عشقا مبرحا شديدا ووقعت بقلبه وقوعا متمكنا فلما أراد عبد الملك القفول هم خالد بالتخلف عنه فوقع بقلب عبد الملك تهمة فبعث إليه فسأله عن أمره فقال يا أمير المؤمنين رملة بنت الزبير رأيتها تطوف بالبيت قد أذهلت عقلي ووالله ما أبديت لك ما بي حتى عيل صبري ولقد عرضت النوم على عيني فلم تقبله والسلو على قلبي فامتنع منه
فأطال عبد الملك التعجب من ذلك وقال ما كنت أقول إن الهوى يستأثر مثلك
فقال وإني لأشد تعجبا من تعجبك مني ولقد كنت أقول إن الهوى لا يتمكن إلا من صنفين من الناس الشعراء والأعراب
فأما الشعراء فإنهم ألزموا قلوبهم الفكر في النساء والغزل فمال طمعهم إلى النساء فضعفت قلوبهم عن دفع الهوى فاستسلموا إليه منقادين
وأما الأعراب فإن أحدهم يخلو بامرأته فلا يكون الغالب عليه عليه غير حبه لها ولا يشغله شيء عنه فضعفوا عن دفع الهوى فتمكن منهم
وجملة أمري ما رأيت نظرة حالت بيني وبين الحزم وحسنت عندي (1/167)
ركوب الإثم مثل نظرتي هذه
فتبسم عبد الملك وقال أوكل هذا قد بلغ بك فقال والله ما عرفتني هذه الليلة قبل وقتي هذا
فوجه عبد الملك إلى آل الزبير يخطب رملة على خالد فذكروا لها ذلك فقالت لا والله أو يطلق نساءه فطلق امرأتين كانتا عنده إحداهما من قريش والأخرى من الأزد وظعن بها إلى الشام وفيها يقول
أليس يزيد الشوق في كل ليلة ... وفي كل يوم من حبيبتنا قربا
خليلي ما من ساعة تذكرانها ... من الدهر إلا فرجت عني الكربا
أحب بني العوام طرا لحبها ... ومن أجلها أحببت أخوالها كلبا
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قلبا
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا على بن أيوب قال أنبأنا محمد بن عمران قال حدثني عمر بن داود العماني قال حدثني علي بن الفضل المديني قال حدثني الحسين بن علي المهلبي قال أخبرني مسدد قال حدثني عبد الوهاب فيما أحفظ أو غيره قال كان زياد بن مخراق يجلس إلى إياس بن معاوية فقعد يومين أو ثلاثة فأرسل إليه فوجده عليلا فأتاه فقال ما بك قال له زياد علة أجدها
قال له إياس والله ما بك حمى ولا بك علة أعرفها فأخبرني ما الذي تجده فقال يا أبا واثلة تقدمت إليك امرأة فنظرت إليها في نقابهم حين قامت من عندك فوقعت في قلبي فهذه العلة منها
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا العباس بن الفضل الراجي قال حدثنا العباس بن هشام ابن محمد بن السائب قال استعمل الحجاج بن يوسف سعيد بن سلم على قضاء (1/168)
قندابيل وكرمان فقدمها وكان بكرمان علجة يقال لها أرذك وكانت من أجمل النساء وكانت بغيا يبيت عندها الرجال بجملة من المال فبلغ سعيدا خبرها فأرسل إليها فجيء بها فلما رآها قال يا عدوة الله أفتنت فتيان البلد وافسدتهم ثم قال اكشفي عن رأسك فكشفت عن شعر حسن جثل يضرب إلى عجيزتها ثم قال القي درعك فألقته وقامت عريانة في إزار فرأى ما حيره وذهب بعقله فلم يملك نفسه حتى جعل يقول بإصبعه في عكنها فإذا عكن وطية وثدي صغير ومناكب عالية لم ير مثلها قط ثم قال يا عدوة الله أدبري فأدبرت فنظر إلى ظهر فيه كالجدول وكفل كأزمكة خز حشوها قز ثم قال أقبلي فأقبلت فافتتن بها لما رأى من جمالها فوثب إليها فما فارقها حتى فعل
فبلغ الحجاج فعله فقال بعض ما يعتري الجاني من الشبق وصرف سعيدا
أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن علي المهتدي قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون قال حدثنا أبو الحسن بن الأنباري قال حدثنا محمد بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثنا أبو الحسن علي بن سعيد الكرواني قال كان بالبصرة قينة يقال لها متيم كانت متناهية الجمال والحذق فجاءت إلى الحسن بن عبيد الله العنبري القاضي تظهر التوبة وتسأله أن يلي بيعها ففعل ذلك وسفرت عن وجهها فافتتن الناس بها وأشاع قوم أن القاضي افتتن بها فقال عبد الصمد بن المعدل
ولما سرت عنها القناع متيم ... تروح منها العنبري متيما
رأى ابن عبيد الله وهو محكم ... عليها لها طرفا عليه محكما
فإن تصب قلب العنبري فقبله ... صبا بالتيامي قلب يحيى بن اكثما
وحدث القاسم بن محمد النميري قال ما رأيت شابا ولا كهلا من ولد العباس (1/169)
أصون لنفسه وأضبط لحاشيته وأعف لسانا وفرجا من عبد الله بن المعتز وكان ربما عبثنا بالغزل في مجلسه فيجري معنا فيه فيما لا يقدح به عليه قادح وكان أكثر ما يشغل به نفسه سماع الغناء وكان يعيب العشق كثيرا ويقول العشق طرف من الحمق
وكان إذا رأى منا مطرفا أو مفكرا اتهمه بهذا المعنى ويقول وقعت والله يا فلان وقل عقلك وسخفت
إلى أن رأيناه وقد حدث به سهو شديد وفكر دائم وزفير متتابع وسمعناه ينشد أشعارا منها
مالي أرى الثريا ... ولا أرى الرقيبا
يا مرسلا غزالا ... أما تخاف ذيبا
وسمعناه مرة أخرى ينشد وهو يشرب في إناء قد الفه فاتهمناه فيه وكتب عليه هذا الشعر
ما قليل لي منك بقليل ... يا منى نفسي وغاية سولي
سل بحق الله عينك عني ... هل أحست في الهوى تقبيلي
أنت أفسدت حياتي بهجر ... ومماتي بحساب طويل
وأنشد ايضا
أسر الحب أميرا ... لم يكن قبل أسيرا
فارحموا ذل عزيز ... صار عبدا مستجيرا
وأنشد ايضا يوما وقد رأى دار بعض الناس
أيا داركم فيك من لذة ... وعيش لنا ما كان أطيبه
ومن قينة أفسدت ناسكا ... وكانت له في التقى مرتبة (1/170)
وله أيضا
لقد فتكت عيناك نفسا كريمة ... فلا تأمني إن مت سطوة ثائر
كأن فؤادي في السماء ... معلق إذا غبت عن عيني بمخلب طائر
وأنشد وفي يده خاتم
حصلت منك على ... خاتم حوته البنان
فما يفارق كفي ... كأنني قهرمان
يا اهل ودي بعدتم ... وأنتم جيران
قال النميري فقلنا له جعلنا الله فداك هذه أشياء قد كنت تعيب أمثالها منا ونحن الآن ننكرها منك فكان يرجع عن بعض ذلك تصنعا ثم لا يلبث مستوره أن يظهر حتى تحقق عندنا عشقة ودخل في طبقة المرحومين فسمعته يوما ينشد
مكتوم يا أحسن خلق الله ... لا تتركيني هكذا بالله
ثم تنفس فأجبته
قد ظفر العشق بعبد الله ... وانهتك الستر بحمد الله
فقل له سم لنا سيدي ... هذا الذي تهوى بحق الله
فضحك وقال لا ولا كرامة
فكتبت إليه من الغد
بكت عينه وشكى حرقة ... من الوجد في القلب ما تنطفي
فقلت له سيدي ما الذي ... أرى بك قال سقام خفي
فقلت عشقت فقال اقتصر ... على ما ترى بي أماتكتفي (1/171)
وكتب إلي
يا من يحدث عني ... بظن سمع وعين
إن كنت تخطب سري ... فارجع بخفي حنين فكتبت إليه
هيهات لحظك عندي ... تقر فيه بعشقك
دع عنك خفي حنين ... واحرص على حل ربقك
تعال نحتال فيما ... تهوى برفقي ورفقك
وصرت إليه فقال لي يا أبا الطيب قد عصيت إبليس أكثر مما عصى ربه إلى أن أوقعني في حباله فأنشدته
من أين لا كان إبليس ... جاءني بك يسعى
أبداك لي من بعيد ... فقلت سمعا وطوعا
فأخبرني بقصته فسعيت له بلطيف الحيلة وأعانني بحزم الرأي حتى فاز بالظفر
وقال أبو بكر الصولي اعتل عبد الله بن المعتز فأتاه أبوه عائدا وقال ما عراك يا بني فأنشأ
يقول أيها العاذلون لا تعذلوني ... وانظروا حسن وجهها تعذروني
وانظروا هل ترون احسن منها ... إن رأيتم شبيهها فاعذلوني
بي جنون الهوى وما بي جنون وجنون الهوى جنون الجنون
قال فتتبع أبوه الحال حتى وقع عليها فابتاع الجارية التى شغف بها بسبعة آلاف دينار ووجهها إليه (1/172)
وأنشدنا عبد الوهاب انشدنا أبو الفضل بن خيرون قال أنشدنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال أنشدنا عبد الله بن محمد بن ورقاء قال أنشدنا ثعلب قال أنشدنا ابن الأعرابي في صفة النساء
هي الضلع العوجاء لست تقيمها ... ألا إن تقويم الضلوع إنكسارها
أيجمعن ضعفا واقتدارا على الفتى ... أليس عجيبا ضعفها واقتدارها وأنشدنا آخر
لله ما صنعت بنا ... تلك المحاجر في المعاجر
أمضى وأبعد في القلوب ... من الخناجر في الحناجر (1/173)
الباب الثالث والعشرون في التخويف من الفتن ومكايد الشيطان
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا الشاشي وأخبرنا المروزي قال أنبأنا الفراوي قالا انبأنا عبد الغافر الفارسي قال حدثنا ابن عمرويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثني هارون الأيلي قال حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني أبو صخر عن ابن قسيط عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم من عندي ليلا فغرت عليه فجاء فرأى ما أصنع فقال مالك يا عائشة أغرت فقلت ومالي لا يغار مثلي على مثلك فقال افأخذك شيطانك فقلت أو معي شيطان قال نعم
قلت ومع كل إنسان قال نعم
قلت ومعك يا رسول الله قال نعم
ولكن ربي عز و جل أعانني عليه حتى أسلم
انفرد بإخراجه مسلم
وجمهور الرواة يروون هذا الحديث اعانني عليه فأسلم على مذهب الفعل الماضي يريدون أن الشيطان قد اسلم إلا سفيان بن عيينة فإنه يقول فأسلم أنا من شره
وكان يقول الشيطان لا يسلم
وهذا الذي ذهب إليه سفيان مذهب حسن يظهر أثر المجاهدة إلا أن مسلما قد روى في صحيحه من حديث ابن معسود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا وإياك يا رسول الله قال وإياي ولكن الله عز و جل أعانني فأسلم فلا يأمرني إلا بخير (1/174)
وهذا يدل على أن الشيطان أسلم
لأنه لو لم يسلم لما كان يأمر بالخير وكفى بهذا ردا لقول ابن عيينة
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين عن صفية بنت حيي قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم
أخرجاه في الصحيحين
أخبرنا أبو القاسم الحريري قال أنبأنا أبو طالب العشاري قال أنبأنا أبو الحسين بن شمعون قال حدثنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث قال حدثنا محمود ابن خالد وعمرو بن عثمان قالا حدثنا الوليد قال حدثنا ابن جابر قال سمعت أبا عبد رب يقول سمعت معاوية بن أبي سفيان يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة انبأنا أحمد بن احمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا أبو سعيد بن شاذان قال أنبأنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني الحسين بن أبي الأسد قال حدثنا المعلى بن أسد قال حدثنا عدي بن أبي عمارة قال حدثنا زياد النميري عن أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الشيطان واضع خطمه في قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس وإن نسي الله التقم قلبه
قال القرشي وحدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ثور بن زيد عن خالد بن معدان قال ما من إنسان إلا وشيطان متبطن فقار ظهره لاو عنقه على عاتقه فاغر فاه على قلبه (1/175)
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا بهز قال حدثنا شعبة قال حدثنا قتادة قال سمعت يونس بن جبير يقول شيعنا جندب بن عبد الله فلما بلغ خص المكاتب قلنا له أوصنا
قال أوصيكم بتقوى الله عز و جل والقرآن فإنه نور الليل المظلم وهدى النهار فاعملوا به على ما كان من جهد وفاقه فإن عرض بلاء فعرض مالك قبل نفسك فإن تجاوزه البلاء فقدم مالك ونفسك دون دينك فإن المحزوب من حرب دينه والمسلوب من سلب دينه إنه لا غنى بعد النار ولا فاقة بعد الجنة وإن النار لا يفك أسيرها ولا يستغني فقيرها
اخبرنا ابن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا إبراهيم ابن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا فضيل بن عبد الوهاب قال حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت قال قال مطرف نظرت فإذا ابن آدم ملقى بين يدي الله عز و جل وبين إبليس فإن شاء أن يعصمه عصمه وإن تركه ذهب به إبليس
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن حمدان قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني علي بن مسلم قال حدثنا سيار قال حدثنا حيان الجريري قال حدثنا سويد القتادي عن قتادة قال أن (1/176)
لإبليس شيطانا يقال له قبقب يحمه أربعين سنة فإذا دخل الغلام في هذا الطريق قال له دونك إنما كنت أحمك لمثل هذا أجلب عليه وأفتنه
قال عبد الله وحدثني شريح قال حدثنا عنبسة بن عبد الرحمن عن مالك بن مغول عن عبد العزيز بن رفيع قال إذا عرج بروح المؤمن إلى السماء قالت الملائكة سبحان الذي نجى هذا العبد من الشيطان يا ويحه كيف نجا
أخبرنا الكروخي قال أنبأنا عبد الله بن محمد الأنصاري قال أنبأنا محمد ابن عبد الرحمن قال أنبأنا الحسن بن أبي الحسن قال أنبأنا محمد بن المسيب قال حدثني يوسف بن نوح قال حدثنا أبو عصمة قال أنبأنا عبد الله قال أنبأنا سفيان عن أبي سنان أن راهبا قال لسعيد بن جبير في الفتنة يستبين من يعبد الله ممن يعبد الطاغوت
أخبرنا أبو بكر الصوفي قال أنبأنا أبو سعد علي بن عبد الله قال أنبأنا أبو عبد الله ابن باكويه قال حدثنا سهل بن عبد الله الأموي قال حدثنا محمد بن الحسن البخاري قال حدثنا عيسى بن بشير قال حدثنا عبد الله بن احمد بن شبويه قال سمعت أبي يقول سمعت حفص بن حميد يقول قال رجل لعبد الله ابن المبارك رأيت رجلا يقبل شابا فظننت في نفسي أني خير منه فقال أمنك على نفسك أشد من ذنبه
اخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا محمد بن عبد الملك القرشي قال أنبأنا علي بن عمر الحافظ قال حدثنا محمد بن مخلد قال حدثنا جعفر بن محمد الخندفي قال حدثنا شريح بن يوسن قال حدثنا بشر بن السرى (1/177)
قال حدثني سفيان بن عيينة قال لو رأيت الذين كانوا يجالسونني وابتليت بهؤلاء الصبيان فأعطيتهم أسباب الفتنة فأنا لا أكاد أتخلص منهم
حدثني عبد الله بن المبارك وكان عاقلا عن اشياخ أهل الشام قالوا من أعطى أسباب الفتنة من نفسه أولا لم ينج آخرا وإن كان جاهدا
أخبرنا عبد الله بن علي المقري قال أنبأنا الحسن بن احمد النعالي قال أنبأنا محمد بن عبيد الله الحنائي قال أنبأنا عثمان بن احمد الدقاق قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الختلي قال حدثنا عبد الله بن معلى الكوفي عن يحيى بن بسطام قال حدثني سلمة الأفقم قال قلت لعبيدة بنت أبي كلاب ما تشتهين قالت الموت قلت ولم قالت لأني والله في كل يوم أصبح أخشى أن أجني على نفسي جناية يكون فيها أيام الآخرة (1/178)
الباب الرابع والعشرون في التحذير من المعاصي وقبح أثرها
أخبرنا الكروخي قال أنبأنا الغورجي والأزدي قالا أنبأنا الجراحي قال حدثنا المحبوبي قال حدثنا الترمذي وأنبأنا علي بن عبيد الله وأحمد بن الحسن وعبد الرحمن بن محمد قالوا أنبأنا ابن المأمون قال أنبأنا علي بن عمر الحربي قال حدثنا جعفر بن أحمد بن الصباح قالا حدثنا حميد بن مسعدة قال حدثنا سفيان بن حبيب وأخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن لمذهب قال أنبأنا القطيعي قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا سليمان بن داود قال حدثنا حرب وأبان كلهم عن يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله عز و جل أن يأتي المؤمن ما حرم عليه
أخرجه البخاري ومسلم جميعا
أخبرنا هبة الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا أحد أغير من الله عز و جل فلذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا احد أحب إليه المدح من الله عز و جل
أخرجاه جميعا
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر (1/179)
قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا زكريا بن أبي زائدة قال حدثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول الا وإن لكل ملك حمى وإن حمى الله ما حرم
وهذا متفق عليه
أخبرنا محمد بن عمر الفقيه قال أنبأنا أبو الحسن بن المهتدي قال أنبأنا محمد ابن عبد الله المعدل قال أنبأنا عثمان بن محمد الدقاق قال حدثنا محمد بن إبراهيم المروزي قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال حدثنا خارجة بن مصعب عن داود بن أبي هند قال حدثني مكحول بن أبي ثعلبة الخشني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الله تعال فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وحرم أشياء فلا تنتهكوها وسكت عن أشياء رحمة لا عن نسيان فلا تبحثوا عنها
أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال أنبأنا الحسن بن محمد الكوفي قال أنبأنا محمد بن يعلى قال حدثنا أبو جعفر بن دحيم قال حدثنا أبو عمرو بن أبي غرزة قال حدثنا عثمان بن محمد قال حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن هشام عن الحسن عن جابر قال قيل يا رسول الله أي الهجرة أفضل قال أن تهجر ما حرم الله عليك
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة قال حدثنا سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان قال حدثنا ابو طارق عن الحسن عن أبي هريرة قال قال (1/180)
رسول الله صلى الله عليه و سلم اتق المحارم تكن اعبد الناس اخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسن بن أحمد قال حدثنا محمد بن أحمد الحافظ قال حدثنا أحمد بن يوسف بن جلاد قال حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق قال حدثني أبي قال حدثنا عمرو بن أبي قيس عن سفيان عن عمرو بن نبهان عن الحسن عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن للحسنة نورا في القلب وزينا في الوجه وقوة في العمل وإن للخطيئة سوادا في القلب ووهنا في العمل وشينا في الوجه
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا حمد بن أحمد قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا أحمد بن السندي قال حدثنا الحسن بن علوية قال حدثنا إسماعيل بن عيسى قال حدثنا إسحاق بن بشير عن جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال يا صاحب الذنب لا تأمنن سوء عاقبته ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا علمته
قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال وأنت على الذنب أعظم من الذنب
وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب
وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب
وحزنك على الذنب إذا فاتك أعظم من الذنب إذا ظفرت به
وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك وأنت على الذنب ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب إذا عملته (1/181)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا ابن السراج قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا زكريا عن عامر قال كتبت عائشة إلى معاوية أما بعد فإن العبد إذا عمل بمعصية الله عاد حامده من الناس ذاما
وبه قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا بكار قال سمعت وهبا يقول إن الرب عز و جل قال في بعض ما يقول لبني إسرائيل إني إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي ناهية وإذا اعصيت غضبت وإذا غضبت لعنت ولعنتي تبلغ السابع من الولد
أخبرنا علي بن عبد الواحد قال أنبأنا علي بن عمر القزويني قال حدثنا يوسف ابن عمر قال حدثنا ابو عيسى السمسار قال حدثنا يوسف بن موسى قال حدثنا عبد الله قال سمعت عبد الله بن السندي قال قال الحسن ما عصى الله عبد إلا أذلة الله تبارك وتعالى
أخبرنا علي قال أنبأنا علي قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال حدثنا البغوي قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا معتمر عن علي ابن زيد قال شهدت عمر بن عبد العزيز يخطب فسمعته يقول إن أفضل العبادة أداء الفرائض واجتناب المحارم
اخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا أبو الحسن ابن لولو قال أنبأنا حمزة بن محمد الكاتب قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال سمعت بلال بن سعيد قال لا تنظر في صغر الخطيئة ولكن انظر من عصيت (1/182)
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا ابن السراج قال أنبأنا ابن المذهب قال حدثنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله قال حدثني عبد الله بن عمر قال حدثنا الحسن بن مسلم قال سمعت الحسن يقول يا بن آدم ترك الخطيئة أيسر من طلب التوبة
أنبأنا أحمد بن احمد المتوكلي قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا محمد ابن موسى الصيرفي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني ابي قال حدثنا الأصمعي عن المعتمر بن سليمان عن ابيه قال إن الرجل ليصيب الذنب في السر فيصبح وعليه مذلته
قال القرشي وحدثني محمد بن الحسين قال حدثنا إسماعيل بن عمر قال حدثنا معرف بن واصل قال سمعت محارب بن دثار يقول إن الرجل ليذنب الذنب فيجد له في قلبه وهنا
قال القرشي وحدثني ابو عبد الله التيمي قال حدثنا يسار عن جعفر عن مالك بن دينار قال بلغني أن فتى أصاب ذنبا فيما مضى فأتى نهرا ليغتسل فذكر ذنبه فوقف واستحيا فرجع فناداه النهر يا عاصي لو دنوت لغرقتك
أخبرنا محمد بن ابي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسن الزينبي قال أنبأنا محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن منصور قال حدثنا ابن أبي مريم قال حدثنا سعيد بن عبد الرحمن قال حدثني صالح بن محمد بن زائدة قال قلت لسعيد بن المسيب ما رأيت مثل فتيان هذا المسجد أفضل عبادة إن أحدهم ليخرج بالهجير فلا يزال قائما يصلى حتى العصر (1/183)
قال ابن المسيب ما كنا نعد هذا عبادة قلنا له يا أبا محمد فما العبادة قال التفكير في أمر الله والورع عما حرم الله عز و جل
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن يوسف قال أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الفضل الزهري قال حدثني أبي قال حدثني محمد بن عيسى الهاشمي قال حدثني محمد بن عبد الله المخرمي قال حدثنا بشر ابن الحارث عن ابن المبارك قال قيل لوهيب بن الورد أيجد طعم العبادة من يعصي قال لا ولا من يهم
وقد روى عن الحسن البصري أنه كان إذا ذكر أهل المعاصي يقول هانوا عليه فعصوه ولو عزوا عليه لعصمهم
وقال محمد بن كعب القرظي ما عبد الله بشيء قط أحب إليه من ترك المعاصي
وقال الفضل بقدر ما يصغر الذنب عندك يعظم عند الله وبقدر ما يعظم عندك يصغر عنده
وقال بشر إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن الصوفي قال سمعت عبد الله بن علي يقول سمعت أحمد بن عطاء يقول سمعت محمد بن الحسن قال قال سهل أعمال يعملها البر والفاجر ولا يتجنب المعاصي إلا صديق
قال الصوفي وسمعت أحمد بن محمد بن زكريا يقول وبالإسناد عن الحسن (1/184)
ابن عبد الله القرشي قال سمعت بنانا الحمال يقول من كان يسره ما يضره متى يفلح
قال الصوفي وسمعت أبا بكر الرازي يقول سمعت أبا الحسن المزين يقول الذنب بعد الذنب عقوبة الذنب والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة
فصل واعلم وفقك الله أن المعاصي قبيحة العواقب سيئة المنتهى وهي
وإن سر عاجلها ضر آجلها ولربما تعجل ضرها فمن أراد طيب عيشه فليلزم التقوى فقد روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال قال ربكم عز و جل لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد
وأخبرنا المحمدان ابن عبد الملك وابن ناصر قالا أنبأنا أحمد بن الحسن الشاهد قال أنبأنا عثمان بن محمد العلاف قال حدثنا عمر بن جعفر بن سلم قال حدثنا أحمد بن على الأبار قال حدثنا عثمان بن طالوت قال حدثنا الأصمعي عن أبيه قال كان شيخ يدور على المجالس ويقول من سره أن تدوم له العافية فليتق الله عز و جل
فمتى رأيت وفقك الله تكديرا في حال فتذكر ذنبا قد وقع فقد قال الفضيل بن عياض إني لأعصى الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي وقال أبو سليمان الداراني من صفى صفي له ومن كدر كدر عليه ومن أحسن في ليله كوفىء في نهاره ومن أحسن في نهاره كوفيء في ليله (1/185)
وقد روينا عن بعض الصالحين أنه انقطع شسع نعله في عدوه إلى ا لجمعة فقال إنما انقطع لأني لم أغتسل للجمعة
فتفكر وفقك الله في أن الذنوب تنقضي لذتها وتبقى تبعتها كما أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا عباس الدوري قال سمعت بعض أصحابنا يقول كان سفيان الثوري كثيرا ما يتمثل
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
قال محمد بن جعفر وأنشدني أبو جعفر العدوى للحسين بن مطير
ونفسك أكرم عن أشايا كثيرة ... فما لك نفس بعدها تستعيرها
ولا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها
ثم تفكر وفقك الله فيما أكسبك الذنب من الخجل فقد قيل للأسود ابن يزيد عند موته أبشر بالمغفرة
فقال وأين الخجل مما المغفرة منه
وكان بعض الحكماء يقول إن استطعت أن لا تسيء إلى من تحب فافعل
قيل له كيف يسيء الإنسان إلى من يحب فقال إذا عصيت الله أسأت إلى نفسك وهي أكبر محبوباتك (1/186)
وقيل لبعض الحكماء من أشد الناس اغترارا فقال أشدهم تهاونا بالذنب فقيل له علام تبكي فقال على ساعات الذنوب
قيل علام تأسف قال على ساعات الغفلة
وكان بعض الحكماء يقول هب أن المسيء قد غفر له أليس قد فاته ثواب المحسنين
وقال أبو علي الروذباري من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك فتترك التوبة توهما أنك تسامح في الهفوات (1/187)
الباب الخامس والعشرون في ذم الزنا
قال الله عز و جل ولا تقربو الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا
وأخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني قال أنبأنا أبو علي الحسن بن علي قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرزاق قال حدثنا معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا يسرق سارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني زان حين يزني وهو مؤمن
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله قال حدثني أبي قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد ابن سلمة قال حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لكل بني آدم حظ من الزنا فالعينان تزنيان وزناهما النظر واليدان تزنيان وزناهما البطش والرجلان تزنيان وزناهما المشي والفم يزني وزناه القبل والقلب يهوى ويتمنى والفرج يصدق ذلك أو يكذبه أخبرنا علي بن عبد الواحدالدينوري قال أنبأنا علي بن عمر القزويني قال أنبأنا علي بن عمر بن سهل الحريري قال حدثنا أحمد بن القاسم بن نصر (1/188)
قال حدثنا أبو همام قال حدثنا إسماعيل وهو ابن جعفر قال أخبرني العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال العينان تزنيان واللسان يزني واليدان تزنيان والرجلان تزنيان تحق ذلك الفرج أو يكفر به
هذا حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث سهيل وقد اخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس وأبي هريرة
أخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا ابن أعين قال أنبأنا الفربري قال حدثنا البخاري قال حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال يا أمة محمد ما احد أغير من الله أن يرى عبده أو أمته تزني
أخبرنا ابن عبد الواحد قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا جرير قال سمعت أبا رجاء العطاردي يحدث عن سمرة بن جندب قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني فانطلقت معهما فإذا بيت مبني على بناء التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يوقد تحته نار فيه رجال ونساء عراة فإذا أوقدت ارتفعوا حتى يكادوا أن يخرجوا فإذا أخمدت رجعوا فيها
فقلت ما هذا قالا الزناة
أنا اختصرت الحديث وهو متفق عليه
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد أحمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال حدثنا أحمد بن عيسى بن ماهان الرازي قال حدثنا محمد بن مصفى قال حدثنا بقية قال حدثنا عباد (1/189)
ابن كثير عن عمران عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أعمال أمتي تعرض في كل يوم جمعة وأشد غضب الله على الزناة
أخبرنا عبد الله بن علي قال أنبأنا طراد بن محمد قال أنبأنا علي بن عبد الله الهاشمي قال حدثنا محمد بن عمرو قال حدثنا يحيى بن أبي طالب قال حدثنا عمر بن عبد الغفار قال حدثنا العوام بن حوشب قال حدثنا علي بن مدرك عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الايمان سربال يسربله الله من يشاء فإذا زنى العبد نزع منه سربال الإيمان فإذا تاب رد عليه
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا عمار بن نصر قال حدثنا بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن الهيثم بن مالك الطائي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال حدثني التنوخي قال حدثنا كعب بن عمرو بن جعفر البلخي قال حدثنا عرس بن فهد الموصلي قال حدثنا الحسن بن عرفة العبدي قال حدثني يزيد بن هارون عن حميد عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إياكم والزنا فإن في الزنا ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فذهاب نور الوجه وانقطاع الرزق وسرعة الفناء
وأما اللواتي في الآخرة فغضب الرب وسوء الحساب والخلود في النار إلا أن يشاء الله (1/190)
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن احمد بن الحداد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال أنبأنا محمد بن المظفر قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا مسلمة بن علي عن الأعمش عن شقيق عن حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إياكم والزنا فإن فيه ست خصال ثلاثا في الدنيا وثلاثا في الآخرة فأما اللواتي في الدنيا فإنه يذهب بالبهاء ويورث الفقر وينقص الرزق
وأما اللواتي في الآخرة فإنه يورث سخط الرب وسوء الحساب والخلود في النار
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد العلاف قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأ أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا العباس بن عبد الله الترقفي قال حدثنا أبو مسهر قال حدثنا صدقة قال حدثنا ابن جابر عن سليم بن عامر قال حدثني أبو أمامة الباهلي قال سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأخرجاني فإذا أنا بقوم أشد شيء انتفاخا وأنتنه ريحا كأن ريحهم المراحيض قلت من هؤلاء قال هؤلاء الزانون والزواني
أخبرنا عبد الخالق بن أحمد قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا محمد بن علي بن الفتح قال أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق قال أنبأنا الحسين بن صفوان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني العباس ابن جعفر قال حدثنا محمد بن سعيد قال أنبأنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا رجل عن مكحول رفعه قال يروح أهل الجنة برائحة فيقولون ربنا ما وجدنا ريحا منذ دخلنا الجنة أطيب من هذه فيقول هذه رائحة أفواه الصوام (1/191)
ويروح أهل النار رائحة فيقولون ربنا ما وجدنا منذ دخلنا النار أنتن من هذه فيقول هذه ريح فروج الزناة
أخبرنا أحمد بن علي بن المجلي قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا علي بن محمد بن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر ابن عبيد قال حدثنا محمد بن الحسن بن شقيق قال أنبأنا إبراهيم بن الأشعث قال حدثنا عبد الرحمن بن زيد العجمي عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما طفف قوم كيلا ولا بخسوا ميزانا إلا منعهم الله القطر ولا ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسين بن قريش قال أنبأنا علي بن عمر البرمكي قال أنبأنا محمد بن العباس بن حيوية إجازة قال حدثنا عبد الله ابن أبي داود قال حدثنا محمد بن الهيثم قال حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن ليث بن أبي سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال أوحى الله عز و جل إلى موسى عليه السلام أنا قاتل القتالين ومفقر الزناة
أخبرنا محمد بن ابي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثني أبو محمد التميمي قال حدثنا داود بن المحبر قال حدثنا ميسرة ابن عبد ربه عن أبي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبد العزيز عن أبي مسلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وإبن عباس قالا خطب النبي صلى الله عليه و سلم فقال في خطبته ومن قدر على امرأة أو جارية حراما (1/192)
فواقعها حرم الله عليه الجنة وأدخله النار ومن أبصر امرأة نظرة حراما ملأ الله عينيه نارا ثم أمر به إلىالنار ومن صافح امرأة حراما جاء يوم القيامة مغلولا يده إلى عنقه ثم يؤمر به إلى النار ومن فاكهها حبس بكل كلمة كلمها في الدنيا ألف عام وأي امرأة طاوعت الرجل حراما فالتزمها أو قبلها أو باشرها أو فاكهها أو واقعها فعليها من الوزر مثل ما على الرجل
وبالإسناد قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل قال حدثنا جرير عن ليث عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال أول ما خلق الله من الإنسان فرجه فقال هذه أمانتي عندك فلا تضعها إلا في حقها
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا أبو علي بن المهتدي قال أنبأنا عبيد الله بن عمر بن شاهين قال أنبأنا محمد بن الحسين بن كوثر قال حدثنا علي بن الفضل قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا العوام بن حوشب عن علي بن مدرك عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال إن الإيمان بزة فمن زنا فارقه الإيمان فإن لام نفسه ورجع راجعه الإيمان
أخبرنا أبو بكر بن أبي طاهر قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا ابن حيوية قال أنبأنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الحلاب قال أنبأنا الحارث بن أبي أسامة قال أنبأنا محمد بن سعد قال أنبأنا أحمد بن عبد الله ابن يونس قال حدثنا أبو شهاب عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال لعبيد تزوجوا فإن العبد إذا زنا نزع الله منه نور الإيمان رده الله إليه بعد أم أمسكه (1/193)
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا محمد بن احمد في كتابه قال حدثنا محمد بن أيوب قال حدثنا عيسى بن إبراهيم قال حدثنا عفيف بن سالم قال حدثنا شعبة عن عطاء الخراساني قال إن لجهنم سبعة أبواب أشدها غما وكربا وحرا وأنتنها ريحا للزناة الذين ركبوا بعد العلم
أخبرنا محمد قال أنبأنا أحمد قال أنبأنا أبو نعيم قال حدثنا ابي قال حدثنا محمد بن أحمد بن يزيد قال حدثنا أحمد بن محمد الكتاني قال حدثنا هاشم بن القاسم قال حدثنا أبو معشر عن منصور بن غريب عن عطاء الخراساني قال إذا ظهر الزنا كثر الموت وإذا أكل الربا كان الخسف والزلزلة وإذا جار الحكام قحط المطر وإذا منعت الزكاة هلكت الماشية
وقال أحمد بن حنبل ليس بعد القتل أصعب من الزنا
فصل واعلم أن الزنا من أعظم الذنوب إلا أنه في نفسه يزيد بعضه
على بعض
فمن أفحشه زنا الرجل ببعض محارمه
وسنذكر فيما يستقبل إن شاء الله قصص من حمله العشق على الزنا بالمحارم
ومن أفحشه زنا الرجل بزوجة الرجل فتختلط المياه والأنساب
وأفحش ذلك أن تكون تلك المرأة إمراة جار أو قرابة
أخبرنا علي بن عبيد الله قال أنبأنا أبو محمد الصريفيني قال أخبرتنا أمة (1/194)
السلام بنت احمد بن كامل قالت حدثنا محمد بن إسماعيل السدار قال أنبأنا أحمد بن عبد المجوفي قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال حدثنا سفيان عن منصور
وأخبرنا يحيى بن علي قال أنبأنا ابن المأمون قال أنبأنا ابن حبابة قال أنبأنا ابن صاعد قال حدثنا يعقوب الدورقي قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش كلاهما عن أبي وائل عن أبي ميسرة عن عبد الله قال قلت يا رسول الله أي الذنب اعظم قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت ثم أي قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك
أخرجاه في الصحيحين
أخبرنا محمد بن ناصر وعمر بن ظفر قالا أنبأنا محمد بن الحسن الباقلاوي قال أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال أنبأنا أبو نصر النيازكي قال حدثنا أبو الخير أحمد بن محمد بن البزاز قال حدثنا البخاري قال حدثنا أحمد ابن حميد قال حدثنا محمد بن فضيل عن محمد بن سعيد قال سمعت أبا طيبة الكلاعي قال سمعت المقداد بن الأسود يقول سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الزنا فقال حرام حرمه الله ورسوله فقال لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد ابن جعفر الخرائطي قال حدثنا أحمد بن ملاعب قال حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين قال حدثنا عبد السلام بن شداد عن عزوان بن جرير عن أبيه (1/195)
أنهم تذاكروا عند علي بن أبي طالب عليه السلام الفواحش فقال لهم هل تدرون أي الزنا عند الله جل ثناؤه اعظم قالوا يا أمير المؤمنين كله عظيم قال ولكن سأخبركم ما اعظم الزنا عند الله تبارك وتعالى هو أن يزني العبد بزوجة الرجل المسلم فيصير زانيا وقد أفسد على الرجل المسلم زوجته
ثم قال عند ذلك إن الناس يرسل عليهم يوم القيامة ريح نتنة حتى يتأذى منها كل بر وفاجر حتى إذا بلغت منهم وألمت أن تمسك بأنفاس الناس كلهم ناداهم مناد يسمعهم الصوت فيقول لهم هل تدرون ما هذه الريح التي قد آذتكم فيقولون لا ندري والله إلا أنها قد بلغت منا كل مبلغ فيقال ألا إنها ريح فروج الزناة الذين لقوا الله بزناهم ولم يتوبوا منه (1/196)
الباب السادس والعشرون في التحذير من عمل قوم لوط
أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن ابي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ملعون ملعون من عمل بعمل قوم لوط
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن احمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرحمن عن زهير عن عمرو يعني ابن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال لعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط ولعن الله من عمل عمل قوم لوط
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا محمد بن الحسين بن الفراء قال أنبأنا علي بن عمر السكري قال حدثنا حامد بن بلال قال حدثنا محمد بن عبد الله يعني البخاري قال حدثنا يحيى بن النضر قال حدثنا غنجار عن عمر بن الصبح عن مقاتل بن حيان عن أبي الجارود العبسي عن جابر ابن عبد الله قال بلغني حديث في القصاص وكان صاحب الحديث بمصر فاشتريت بعيرا وشددت عليه رحلا ثم سرت شهرا فذكر الحديث إلى أن (1/197)
قال فلقيت الرجل فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن أخوف ما أخاف على أمتي من بعدي عمل قوم لوط ألا فليرتقب أمتي العذاب إذا كان الرجال بالرجال والنساء بالنساء
أخبرنا عبد الله بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال حدثنا أبو القاسم ابن بشران قال حدثنا الآجري قال حدثنا أبو مسلم الكشي قال حدثنا سليمان الشاذكوني
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا طراد قال أنبأنا علي بن محمد بن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا ابو بكر القرشي قال حدثنا عبيد الله ابن عمر الجشمي قالا حدثنا عبد الوارث قال حدثنا القاسم بن عبد الواحد عن عبد الله بن محمد بن عقيل أنه سمع جابر بن عبد الله يقول إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن أخوف ما أخاف على أمتي عمل قوم لوط
اخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا عبد الله بن احمد السمرقندي قال أنبأنا أحمد بن عبد الواحد قال حدثنا محمد بن أحمد السلمي قال حدثنا محمد ابن جعفر السامري قال حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال حدثنا يوسف بن ابي أمية الثقفي قال حدثنا عبد الله بن سعد الكندي قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن الضحاك بن عثمان عن مخرمة بن سليمان عن كريب عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو أمرأة في دبرها (1/198)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا محمد بن علي بن ميمون قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال أنبأنا محمد بن سفيان الحنائي قال حدثنا محمد بن عيسى بن حيان قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا أبو زيد محمد بن حسان قال حدثنا إبراهيم بن يحيى عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر قال قال النبي صلى الله عليه و سلم لم يعل فحلا حتى كان قوم لوط فإذا علا الفحل الفحل ارتج أو اهتز عرش الرحمن عز و جل فاطلعت الملائكة تعظيما لفعلهما فقالوا يا رب ألا تأمر الأرض أن تعزرهما وتأمر السماء أن تحصبهما فقال إني حليم لا يفوتني شيء
أخبرنا ابن منازل قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الخلال قال حدثنا العباس بن أحمد الهاشمي قال حدثنا علي بن أحمد ابن نوح قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال حدثنا الفضل بن دكين قال حدثنا مسعر عن سماك بن حرب عن ابن عباس أنه قال إن الرجل ليأتي الرجل فتضج الأرض من تحتهما والسماء من فوقهما والبيت والسقف كلهم يقولون أي رب ائذن لنا أن ينطبق بعضنا على بعض فنجعلهم نكالا ومعتبرا فيقول الله عز و جل إنه وسعهم حلمي ولن يفوتوني
أخبرنا عبد الله بن علي ومحمد بن أبي منصور قالا أنبانا طراد قال حدثنا أبو الحسين بن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا خالد بن خداش قال حدثنا سلم بن قتيبة قال سمعت سفيان الثوري يقول لو أن رجلا عبث بغلام بين إصبعين من اصابع رجليه يريد الشهوة لكان لواطا (1/199)
فصل واعلم أن المرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل أخبرنا عبد الله
بن علي ومحمد بن ناصر قالا أنبانا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا أبو بكر محمد بن الحسين قال حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي قال حدثنا عمار بن نصر الخراساني قال أنبأنا عثمان بن عبد الرحمن الحراني عن عنبسة بن عبد الرحمن القرشي عن العلاء عن مكحول عن وائلة بن الأسقع قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سحاق النساء زنا بينهن (1/200)
الباب السابع والعشرون في عقوبة اللوطي في الدنيا
اعلم أن الله عز و جل قص علينا من قصة عمل قوم لوط إيثارهم الفاحشة وميلهم إليها وشرح عقابه إياهم في الدنيا فأطال في ذكر ذلك مالم يطل في ذكر كفرهم
ومعلوم أن الكفر أعظم من الفاحشة ولكنه أراد تحذيرنا من تلك الأفعال وقصة القوم في القرآن في مواضع وقد عرفنا منها أنه عاقبهم في الدنيا بالرجم والحجارة
وقد رويت في عقوبة اللوطي في الدنيا أحاديث
أخبرنا عبد الله بن علي وابن ناصر قالا أنبأنا طراد بن محمد قال أنبأنا أبو الحسين بن بشران قال أنبأنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا خالد بن خداش قال حدثنا عبد العزيز الدراوردي قال حدثنا عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال فيمن عمل عمل قوم لوط يقتل الفاعل والمفعول به
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا ابو القاسم ابن أبي الزناد قال اخبرني ابن أبي حبيبة وداود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقتلوا الفاعل والمفعول به في عمل قوم لوط
أخبرنا عبد الله بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال حدثنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال (1/201)
حدثنا الحسن بن الصباح قال حدثنا عبد الوهاب بن عطاء وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا ابن المظفر قال حدثنا الهيثم بن خلف قال حدثنا عباس قال حدثنا عيسى بن شعيب كلاهما عن عباد بن منصور عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اقتلوا الفاعل والمفعول به
اخبرناالمبارك بن علي قال أنبأنا عبد الله بن أحمد السمرقندي قال أنبأنا أحمد بن عبد الواحد قال أنبأنا محمد بن احمد بن الوليد قال حدثنا محمد بن جعفر السامري قال حدثنا علي بن داود القنطري قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثنا يحيى بن أيوب عن عباد بن كثير أن عبد الله بن محمد بن محمد بن عقيل حدثه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عمل بعمل قوم لوط فاقتلوه
قال السامري وحدثنا أحمد بن ملاعب قال حدثنا يعقوب بن الزبيري قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من وجدتموه يعمل بعمل قوم لوط فارجموا الأعلى والأسفل
ذكر ما روى عن أبي بكر الصديق وغيره من الصحابة في ذلك
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا طراد قال أنبأنا أبو الحسين ابن بشران قال أنبأنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن داود بن بكر (1/202)
عن محمد بن المنكدر أن خالد بن الوليد كتب إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه وجد رجلا في بعض الأضاحي ينكح كما تنكح المرأة
فجمع أبو بكر لذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم منهم علي بن أبي طالب فقال علي إن هذا ذنب لم تعمل به إلا أمة واحدة ففعل الله بهم ما قد علمتم أرى أن تحرقه بالنار فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحرق بالنار فأمر به أبو بكر أن يحرق بالنار قال وقد حرقهم ابن الزبير وهشام بن عبد الملك
وبالإسناد قال حدثنا القرشي قال حدثنا سويد قال حدثنا ابن أبي زائدة عن ابن أبي ليلى عن يزيد بن قيس أن عليا عليه السلام رجم لوطيا وقد روي عن عمر أنه قال من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه
اخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا علي بن محمد قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال حدثنا أبو بكر الآجري قال حدثنا ابن مخلد قال حدثنا محمد ابن إسحاق الصاغاني قال حدثنا هارون بن معروف قال حدثنا غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد قال سئل ابن عباس ما حد اللوطي قال ينظر أعلى بيت في القرية فيرمى منكسا ثم يتبع بالحجارة
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا ابن المظفر قال حدثنا الهيثم بن خلف قال حدثنا عباس ابن يزيد قال حدثنا غسان قال حدثنا أبو مسلمة عن أبي نضرة قال سئل ابن عباس عن حد اللوطي قال ينظر إلى أعلى بناء في القرية فيرمى به منكوسا ثم يتبع بالحجارة
ذكر كلام التابعين ومن بعدهم في ذلك
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا أحمد بن عبد الواحد قال أنبأنا أبو بكر محمد ابن احمد السلمي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا علي بن حرب (1/203)
قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن جابر عن الشعبي قال اللوطي يرجم أحصن أو لم يحصن
وبالإسناد قال حدثنا الخرائطي قال وحدثنا احمد بن منصور الرمادي قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثنا صالح بن كيسان عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال على اللوطي الرجم احصن أو لم يحصن
قال وحدثنا عباس الدوري قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا سفيان عن حماد عن إبراهيم قال حد اللوطي حد الزاني قال سفيان وحدثنا حماد عن قتادة عن جابر بن زيد في اللوطي يرجم
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال أنبأنا الحسن ابن علي الجوهري قال حدثنا محمد بن المظفر الحافظ قال حدثنا الهيثم بن خلف الدوري قال حدثنا محمد بن احمد بن النضر قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا محمد بن بشر عن سفيان عن ابن ابي نجيح عن عطاء قال حد اللوطي حد الزاني
وعن سفيان عن منصور عن إبراهيم قال اللوطي حده حد الزاني إن احصن رجم وإلا جلد وبه قال الهيثم وحدثنا عبد الرحمن بن منصور قال قال معاذ بن هشام وحدثني أبي عن قتادة عن الحسن انه قال في الرجل خالط الرجل إن كان أحصن جلد ورجم وإن كان لم يحصن جلد ونفى
وقال معاذ وحدثني أبي عن قتادة عن جابر بن زيد وعبيد الله بن عبد الله ابن معمر أنهما قالا عليه الرجم إن كان أحصن وإن لم يحصن (1/204)
قال قتادة وقول الحسن أعجب إلي
وقال قتادة وكان الحسن يقول في الرجل يخالط البهيمة إن كان أحصن جلد ورجم وإن لم يحصن جلد ونفى وبالإسناد عن الهيثم قال حدثنا عبد الله بن سعيد الكندي قال حدثنا حماد بن خالد عن مالك بن أنس عن الزهري قال يرجم إن أحصن أو لم يحصن وكذلك قال ربيعة وابن هرمز ومالك يرجم أحصن أو لم يحصن وقال الزهري سنة ماضية
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا ابن العلاف قال حدثنا ابن بشران قال حدثنا الآجري قال حدثنا عبد الله بن العباس الطيالسي قال حدثنا إسحاق الكوسج قال قلت لأحمد بن حنبل أيرجم اللوطي أحصن أو لم يحصن قال يرجم احصن أو لم يحصن
وقال إسحاق بن راهويه كما قال احمد
وقد روى عن أحمد أن حد اللوطي كحد الزاني يختلف بالثيوبة والبكارة وهذا قول ابي يوسف ومحمد
وعن الشافعي كالروايتين عن أحمد
وقال الحكم يضرب اللوطي دون الحد وإلى هذا مال أبو حنيفة
وقال النخعي لو كان أحد ينبغي أن يرجم مرتين لكان ينبغي للوطي أن يرجم مرتين
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال أنبأنا علي بن جعفر الصوفي قال سمعت الموازيني يقول قال لي رجل من الحجاج مررت بديار قوم لوط فأخذت حجرا مما رجموا به فطرحته في مخلاة ودخلت مصر فنزلت في بعض الدور في الطبقة الوسطى وكان في سفل (1/205)
الدار حدث فأخرجت الحجر من خرجي ووضعته في روزنة في البيت فدعا الحدث الذي كان في السفل صبيا إلى عنده واجتمع معه فسقط الحجر على الحدث من الروزنة فقتله
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو الحسن محمد ابن عثمان بن مكي قال أخبرني جدي أبو الحسن أحمد بن عبد الله بن حمد قال أنبأنا أبو العباس أحمد بن عيسى الوشاء المقرئ قال سمعت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم يقول سمعت يونس بن عبد الأعلى يقول خرجت حاجا إلى مكة فلما كان ليلة عرفات رأى الإمام الذي حج بنا تلك الليلة مناما فلما صرنا إلى مكة بعد إنقضاء الحج سمعنا مناديا ينادي فوق الحجر انصتوا يا معشر الحجيج
فانصت الخلق فقال يا معشر الحجيج إن إمامكم رأى أن الله عز و جل قد غفر لكل من وافى العام البيت إلا رجلا واحدا فإنه فسق بغلام (1/206)
الباب الثامن والعشرون في ذكر عقوبة اللوطي في الآخرة
أخبرنا أحمد بن منازل قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الخلال قال حدثنا العباس بن أحمد الهاشمي قال حدثنا علي بن أحمد ابن نوح قال حدثنا محمد بن ابي عبد الله الشعراني قال حدثنا داود بن المحبر عن أبي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة عن أبي هريرة وابن عباس قالا خطبنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال في خطبته من نكح امرأة في دبرها أو غلاما أو رجلا حشر يوم القيامة أنتن من الجيفة ينادي به الناس حتى يدخله الله نار جهنم ويحبط الله عمله ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا ويجعل في تابوت من النار ويسمر عليه بمسامير من حديد من نار فتستل تلك المسامير في وجهه وفي جسده قال أبو هريرة هذا لمن لم يتب
اخبرنا عمر بن هدية الصواف قال أنبأنا علي بن أحمد بن بيان قال أنبأنا أبو الحسن بن مخلد قال أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار قال أنبأنا الحسن بن عرفة قال حدثني علي بن ثابت الجرزي عن مسلم بن جعفر عن حسان ابن حميد عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سبعة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولا يجمعهم مع العالمين يدخلون النار أول الداخلين إلا أن يتوبوا فمن تاب تاب الله عليه الناكح يده والفاعل والمفعول به ومدمن خمر والضارب أبويه حتى يستغيثا والمؤذي جيرانه حتى يلعنوه والناكح حليلة جاره (1/207)
أخبرنا أحمد بن منازل قال أنبأنا عبد الجبار قال أنبأنا الخلال قال حدثنا العباس بن أحمد الهاشمي قال حدثنا علي بن احمد بن نوح قال حدثنا محمد بن يونس قال حدثنا محمد بن حيان قال أنبأنا روح بن مسافر عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم اللوطيان لو اغتسلا بماء البحر لم يجزهما إلا أن يتوبا
أخبرنا أبو منصور بن عبد الرحمن القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني أحمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا ابو بكر محمد ابن أحمد القاضي قال حدثنا مسلم بن عيسى قال حدثنا أبي قال حدثنا حماد بن زيد عن سهيل عن انس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله إليهم حتى يحشر معهم
أخبرنا عبد الله بن علي ومحمد بن ناصر قالا انبأنا طراد بن محمد قال أنبأنا أبو الحسين ابن بشران قال حدثنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا مسلم بن خالد عن إسماعيل بن كثير عن مجاهد قال لو أن الذي يعمل ذلك العمل يعني عمل قوم لوط اغتسل بكل قطرة في السماء وكل قطرة في الأرض لم يزل نجسا
أخبرنا ابن ناصر قال أ نبأنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا محمد بن المظفر قال أنبأنا الهيثم بن خلف قال حدثنا عباد بن الوليد الغنوي قال سمعت إبراهيم بن شاس يقول سمعت الفضيل بن عياض يقول لو أن لوطيا اغتسل بكل قطرة من السماء لقي الله غير طاهر (1/208)
أخبرنا ابن منازل قال أنبأنا ابن عبد الجبار قال أنبأنا الخلال قال حدثنا العباس بن أحمد الهاشمي قال حدثنا علي بن أحمد بن نوح قال حدثنا محمد بن الرحمن قال حدثنا أبو أيوب بن سليمان عن طلحة بن زيد عن برد بن سنان عن أبي المنيب عن عبد الله بن عمرو قال يحشر اللوطيون يوم القيامة في صورة القردة والخنازير
أخبرنا ابن منازل قال أنبأنا ابن عبد الجبار قال أنبأنا الخلال قال حدثنا العباس الهاشمي قال حدثنا محمد بن يحيى الأزدي قال حدثنا أحمد ابن نصير قال حدثنا سعدان بن عمرو المعافري عن أبي الصهباء عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال من خرج من الدنيا على حال خرج من قبره على تلك الحال حتى إن اللوطي يخرج يعلق ذكره على دبر صاحبه مفتضحين على رءوس الخلائق يوم القيامة (1/209)
الباب التاسع والعشرون في التحذير من العقوبات
اعلم أن العقوبة تختلف فتارة تتعجل وتارة تتأخر وتارة يظهر أثرها وتارة يخفى
وأطرف العقوبات مالا يحس بها المعاقب وأشدها العقوبة بسلب الايمان والمعرفة ودون ذلك موت القلوب ومحو لذة المناجاة منه وقوة الحرص على الذنب ونسيان القرآن وإهمال الإستغفار ونحو ذلك مما ضرره في الدين
وربما دبت العقوبة في الباطن دبيب الظلمة إلى أن يمتلىء أفق القلب فتعمى البصيرة
وأهون العقوبة ماكان واقعا بالبدن في الدنيا وربما كانت عقوبة النظر في البصر فمن عرف لنفسه من الذنوب ما يوجب العقاب فليبادر نزول العقوبة بالتوبة الصادقة عساه يرد ما يرد
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن سوار قال أنبأنا أحمد بن محمد الجندي قال أنبأنا عبد الله بن سليمان قال حدثنا سلمة بن شبيب4 قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم البر لا يبلى والإثم لا ينسى والديان لا ينام فكن كما شئت كما تدين تدان
أخبرنا أحمد بن أحمد المتوكلي قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا علي (1/210)
ابن القاسم الشاهد قال حدثنا علي بن إسحاق المادرائي قال حدثنا المفضل ابن محمد قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الطبري قال قال الفضيل بن عياض قال الله عز و جل يا بن آدم إذا كنت أقلبك في نعمتي وأنت تنقلب في معصيتي فاحذر لا أصرعك بين معاصيك يا بن آدم اتقني ونم حيث شئت إنك إن ذكرتني ذكرتك وإن نسيتني نسيتك والساعة التي لا تذكرني فيها عليك لا لك
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا حمد بن أحمد قال حدثنا ابو نعيم قال حدثنا أبو سلمة محمد بن حيان قال حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس قال حدثنا سهل يعني ابن هاشم قال سمعت إبراهيم بن ادهم يقول سمعت فضيلا يقول ما يؤمنك أن تكون بارزت الله بعمل مقتك عليه فاغلق دونك أبواب المغفرة وأنت تضحك كيف ترى يكون حالك أنبأنا أحمد بن علي بن المجلي قال أنبأنا أبو بكر احمد بن علي الخطيب قال أنبأنا أبو الحسين بن بشران قال حدثنا الحسن بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا مجاهد بن موسى قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا ثور عن خالد بن معدان عن جبير بن نفير قال لما افتتح المسلمون قبرص فرق بين أهلها فجعل بعضهم يبكي إلى بعض فبكى أبو الدرداء فقلت له ما يبكيك في يوم أعز الله فيه الإسلام وأهله وأذل الشرك وأهله
قال دعنا منك يا جبير ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره بينا هي أمة قاهرة قادرة إذ تركوا أمر الله تعالى فصاروا إلى ما ترى
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن يوسف قال أنبأنا أبو محمد الجوهري (1/211)
قال حدثنا أبو الفضل الزهري قال حدثنا عبد الرحمن بن الحسن الذهبي قال حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبدالقدوس قال حدثنا هشام قال اغتم ابن سيرين مرة فقيل له يا أبا بكر ما هذا الغم فقال هذا الغم بذنب أصبته منذ أربعين سنة
قد ذكرنا في باب عقوبة النظر قصة الذي نظر إلى صبي فنسي القرآن بعد أربعين سنة
أنبأنا أحمد بن علي المجلي قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا أبو الحسين بن بشران قال حدثنا ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أبو أسامة عن مسعر عن علقمة بن مرثد قال بينما رجل يطوف بالبيت إذ برق له ساعد امرأة فوضع ساعده على ساعدها يتلذذ به فلصقت ساعداهما فأتى بعض الشيوخ فقال ارجع إلى المكان الذي فعلت هذا فيه فعاهد رب البيت أن لا تعود ففعل فخلي عنه
قال القرشي وحدثنا خالد بن معدان بن خداش قال حدثنا أبو عوانة عن ابي بشير عن ابن أبي نجيح أن أسافا ونائلة رجل وامرأة حجا من الشام قبلها وهما يطوفان فمسخا حجرين فلم يزالا في المسجد حتى جاء الله بالإسلام فأخرجا
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري قال أنبأنا محمد بن عمران المرزباني قال حدثنا أبو عبد الله بن مخلد قال حدثني علي بن عبدويه قال حدثنا يحيى بن النضر بن جنيد قال حدثني أبي قال حدثني المقتل العقيلي قال نتحدث عندنا بالبادية أن مجنون بنى عامر لما قال
قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا ذهب بصره (1/212)
الباب الثلاثون في الحث على التوبة والاستغفار
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد قال حدثنا شعبة وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا السرخسي قال أنبأنا إبراهيم بن خريم قال حدثنا عبد بن حميد قال حدثنا جعفر بن عون قال أنبأنا مسعر قالا حدثنا عمرو بن مرة عن أبي بردة عن الأغر عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة
لفظ أحمد وانفرد بإخراجه مسلم
وبالإسناد حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يونس قال حدثنا حماد بن زيد قال حدثنا ثابت قال حدثنا أبو بردة عن الأغر المزني قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة
انفرد بإخراجه مسلم وليس للأغر في الصحيح غيره وربما توهم متوهم أن هذا الأغر هو الذي في الحديث فبله وليس كذلك هذا صحابي وذاك تابعي
وبالإسناد حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا ابن نمير عن مالك بن مغول عن محمد بن سوقة عن نافع عن ابن عمر قال إن كنا لنعد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في المجلس رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور مائة مرة (1/213)
قال الترمذي هذا حديث صحيح
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن إبراهيم التيمي عن الحارث بن سويد عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لله عز و جل أفرح بتوبة أحدكم من رجل خرج بارض دوية مهلكة معه راحلته عليها طعامه وشرابه وزاده وما يصلحه فأضلها فخرج في طلبها حتى إذا ادركه الموت ولم يجدها قال أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه فأتى مكانه فغلبته عينه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه عليها طعامه وشرابه وزاده وما يصلحه
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وقد روى هذا المعنى عن حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم البراء بن عازب والنعمان بن بشير وأبو هريرة وأنس بن مالك
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن أبي عدي قال حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن يزيد عن بشير بن كعب عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم سيد الإستغفار اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها بعدما يصبح موقنا بها فمات من يومه كان من أهل الجنة ومن قالها بعد ما يمسي موقنا بها فمات من ليلته كان من أهل الجنة أنفرد بإخراجه البخاري
أخبرنا ابن عبد الواحد قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن مالك قال (1/214)
حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني أبي قال حدثنا ابو سلمة قال حدثنا ليث عن يزيد بن الهادي عن عمرو بن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن إبليس قال لربه عز و جل بعزتك وجلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح فيهم
فقال له ربه عز و جل فبعزتي وجلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني
اخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور قال أنبأنا عيسى بن علي بن عيسى قال حدثنا البغوي قال حدثنا كامل بن طلحة قال حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال إن امرأة جاءت لتبايعني فادخلتها الدولج فأصبت منها كل شيء إلا الجماع قال عمر لعلها مغيبة في سبيل الله قال أجل قال فائت النبي صلى الله عليه و سلم فأتى النبي صلى الله عليه و سلم فقال له مثل ذلك فقال النبي صلى الله عليه و سلم لعلها مغيبة في سبيل الله قال أجل قال فسكت عنه ونزل القرآن أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إلى آخر الآية فقال الرجل ألي خاصة أم للناس عامة فضرب عمر صدره بيده فقال لا ولا نعمة عين ولكن للناس عامة فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال صدق عمر
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا عبد الله بن لهيعة عن أبي قبيل عن مالك بن أبي الناشري أنه سمع عبد الله بن عمر يقول من ذكر خطيئة عملها فوجل قلبه منها فاستغفر الله عز و جل لم يحبسها شيء حتى تمحى (1/215)
وقد روينا عن ابن مسعود أنه قال إني لأعلم آيتين لا يقرأهما عبد عند ذنب يصيبه ويستغفر الله إلا غفر له قوله ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه الآية وقوله والذين إذا فعلوا فاحشة الاية
أخبرنا أحمد بن محمد المتوكلي قال أنبأنا أحمد بن علي قال أنبأنا أبو سعيد ابن شاذان قال حدثنا محمد بن عبد الله الصفار قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنى إبراهيم بن سعيد قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا سالم العتكي قال سمعت بكر بن عبد الله المزني قال إن أعمال بني آدم ترفع فإذا رفعت صحيفة فيها استغفار رفعت بيضاء وإذا رفعت صحيفة ليس فيها استغفار رفعت سوداء
قال القرشي وحدثني محمد بن الحسين قال حدثنا خالد بن يزيد عن حازم ابن أبي حسين عن مالك بن دينار قال البكاء على الخطيئة يحط الخطايا كما تحط الريح الورق اليابس
قال محمد بن الحسين وحدثني يحيى بن أبي بكير قال حدثنا عمارة بن ذاذان الصيدلاني قال سمعت يزيد الرقاشي يقول بلغني أنه من بكى على ذنب من ذنوبه نسي حافظاه ذلك الذنب
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبد العزيز بن علي قال حدثنا علي بن عبد الله الصوفي قال حدثنا أحمد بن هارون قال حدثني طاهر بن إسماعيل قال سمعت يحيى بن معاذ يقول الذي حجب الناس عن (1/216)
التوبة طول الأمل وعلامة التائب إسبال الدمعة وحب الخلوة والمحاسبة للنفس عند كل همة
سمعت ظفر بن علي الهمداني يقول سمعت أبا الفتح محمد بن أحمد المعلم يقول سمعت أبا زرعة روح بن علي البستي يقول سمعت الحسن بن علي التميمي يقول سمعت علي بن محمد بن العلاء يقول سمعت يحيى بن معاذ الرازي يقول المغبون من عطل أيامه بالبطالات وسلط جوارحه على الهلكات ومات قبل إفاقته من الجنايات
أخبرنا محمد بن عبد الملك قال أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون قال سمعت أحمد بن عبد الله الحربي يقول سمعت أبا بكر النجاد يقول من نقر على الناس قل أصدقاؤه ومن نقر على ذنبه طال بكاؤه ومن نقر على مطعمه طال جوعه
أخبرنا ابن ظفر قال أنبأنا ابن السراج قال أنبأنا ألأزجي قال حدثنا ابن جهضم قال حدثنا المفيد قال حدثنا عبد الله بن سهل عن مضر بن جرير قال دخلت على ابي الحجاج الجرجاني يوما فكلمته فلم يكلمني فقلت له أنت في حرج إن كان عندك علم إلا ما علمتني
فقال لي عصيت الله عز و جل بمعصية قلت نعم قال كتبت عليك ورفعت إلى الله عز و جل قلت نعم قال علمت أنه غفرها قلت لا قال فما قعودك وسكوتك اذهب فابك على نفسك أيام الحياة حتى تعلم ما حالك عنده في هذه المعصية قال ثم بكى مضر على هذه ثلاثين سنة خوفا حتى مات
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو بكر الشيرازي قال أنبأنا أبو عبد الرحمن قال سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت أبا علي الروذبادي يقول من الاغترار أن تسيء فيحسن إليك فتترك الإنابة والتوبة توهما أنك تسامح في الهفوات (1/217)
الباب الواحد والثلاثون في الافتخار بالعفاف
أنبانا أحمد بن احمد المتوكلي وعبد الرحمن بن محمد القزاز قالا أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة قال أنبأنا إسماعيل بن سعيد بن سويد قال حدثنا ابو علي الكوكبي قال حدثني أبو إسحاق البصري قال حدثني علي بن الصباح قال أنبأنا هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم قال كان عبد المطلب لا يسافر سفرا إلا ومعه ابنه الحارث وكان أكبر ولده وكان شبيها به جمالا وحسنا فأتى اليمن وكان يجالس عظيما من عظمائها فقال له لو أمرت ابنك هذا يجالسني وينادمني
فعشقت امرأته الحارث فراسلته فأبى عليها فألحت عليه فبعث إليها
لا تطمعي فيما لدي فإنني ... كرم منادمتي عفيف مئزري
أسعى لأدرك مجد قوم شاده ... عمرو قطين البيت عند المشعر فاقني حياءك واعلمي أني امرؤ ... آبى لنفسي أن يعير معشري
أنى أزن بجارتي أو كنتي ... أو أن يقال صبا بعرس الحميري
وأخبر بذلك أباه فلما يئست منه سقته سم شهر فارتحل عبد المطلب حتى إذا كان بمكة مات الحارث (1/218)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري قال أنبأنا ابن حيوية قال أنبأنا ابن المرزبان إجازة وحدثنا محمد بن حريث عنه قال حدثنا محمد بن أبي السرى قال حدثنا هشام بن محمد عن أبيه قال كان عبد المطلب بن هاشم إذا أتى اليمن نزل على بعض ملوكها وإنه أتى مرة فنزل على بعض ملوكها كما كان يفعل فأرسل إليه ذلك الملك لينادمه ويتحدث معه وكان عبد المطلب لا يشرب الشراب فأرسل إليه ذلك الملك أن ابعث إلينا بالحارث يتحدث معنا فأرسله عبد المطلب فلما جاء رأته امرأة الملك فعشقته وراسلته تريده نفسها فأبى أن يفعل ذلك وكرم فسقته شربة فيها سم شهر
قال الكلبي ويكون عند الملوك السم لسنة ولشهر وليوم ولساعة
فسقط لذلك الحارث فانصرف به عبد المطلب إلى مكة فلما كان قبل دخوله مكة مات الحارث فدخل به مكة فدفنه ورثاه عبد المطلب في قصيدة
والحارث الفياض ولى ماجدا ... أيام نازعه الهمام الكاسا
وقد روينا عن أبي سفيان بن الحارث وهو الذي سقت حكايته أنه لما حضرته الوفاة قال لأهله لا تبكوا علي فإني لم أتنطف بخطيئة منذ أسلمت
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا محفوظ بن احمد وأخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قالا أنبأنا محمد بن الحسين الجازري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا محمد بن حفص العطار قال حدثنا إبراهيم بن ابي راشد بن سليمان الأدمي قال حدثنا عبد الله بن عثمان الثقفي (1/219)
قال حدثنا المفضل بن فضالة عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال كان في الجاهلية أخوان من حي يدعون بني كنة أحدهما متزوج والآخر أعزب فقضى أن المتزوج خرج في بعض ما يخرج الناس فيه وبقي الآخر مع امرأة أخيه
فخرجت ذات يوم حاسرة فإذا أحسن الناس وجها وأحسن الناس شعرا فلما علمت أن قد رآها ولولت وصاحت وقالت بمعصمها فغطت وجهها فزاده ذلك فتنة فحمل الشوق على بدنه حتى لم يبق إلا رأسه وعيناه يدوران في رأسه
وقدم الأخ فقال يا أخي ما الذي أرى بك فاعتل عليه فقال الشوصة قال الشوصة تسميها العرب اللوى وذات الجنب فقال له ابن عم له لا تكذبنه ابعث إلى الحارث بن كلدة فإنه من أطب العرب فجيء به فلمس عروقه فإذا ساكنها ساكن وضاربها ضارب فقال ما بأخيك إلا العشق فقال سبحان الله تقول هذا لرجل ميت قال هو ذاك هل عندكم شيء من شراب فجيء به ودعا بمسعط فصب فيه وحل صرة من صرارة فذر فيه ثم سقاه ثم سقاه الثانية ثم سقاه الثالثة فانتشى يغني سكرا فقال
ألما بي على الأبيات ... من خيف أزرهنه
غزالا ما رأيت اليوم ... في دور بني كنه
غزال أحور العين ... وفي منطقه غنه
فقال الرجل دور قومنا فليت شعري من (1/220)
فقال الحارث ليس فيه مستمع غير هذا اليوم ولكن أغدو عليكم من الغد
ففعل كفعله بالأمس فانتشى يغني سكرا وكانت امرأة أخيه اسمها ريا فقال
أيها الحي اسلموا ... كي تحيوا وتسلموا
خرجت مزنة من البحر ... ريا تحمحم
هي ما كنتي ... وتزعم أني لها حمو
فقال الرجل لمن حضر فأشهدكم أنها طالق ثلاثا ليرجع إلى أخي فؤاده فإن المرأة توجد والأخ لا يوجد
فجاء الناس يسعون هنيئا لك أبا فلان فإن فلانا قد نزل لك عن فلانة فقال لمن حضر أشهدكم أنها علي مثل أمي إن تزوجتها
قال عبيدة ما أدري أي الرجلين أكرم الأول أم الآخر
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا محمد بن هبة الله الطبري قال أنبأنا محمد بن الحسين بن الفضل قال أنبأنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال أنبأنا يعقوب بن سفيان قال حدثنا نوح بن الهيثم العسقلاني قال حدثنا الوليد بن عبد الله بن نافع بن دريد عن أبيه قال قدم عروة بن الزبير علي الوليد بن عبد الملك فخرجت برجله قرحة الآكلة فاجتمع رأي الأطباء على نشرها وأنه إن لم يفعل قتلته فأرسل إلى الوليد يسأله أن يبعث إليه بالأطباء (1/221)
فأرسلني بهم إليه فقالوا نسقيك مرقدا قال ولم فقالوا لئلا تحس بما يصنع بك قال بل شأنكم بها
قال فنشروا ساقه بالمنشار قال فما زال عضو من عضو حتى فرغوا منها ثم حسموها فلما نظر إليها في أيديهم تناولها وقال الحمد لله أما والذي حملني عليك إنه ليعلم أني ما مشيت بك إلى حرام قط
وفي رواية أخرى أنه قال إن مما يطيب نفسي عنك أني لم أنقلك إلى معصية الله قط
أخبرنا عبد الوهاب ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني محمد بن المرزبان قال حدثنا أبوبكر العامري قال حدثنا علي بن محمد وهو المدائني قال حدثني أبو عبد الرحمان العجلاني عن ابن سهل بن سعد الساعدي قال كنت بالشام فقال لي قائل هل لك في جميل فإنه لما به قال فدخلت عليه وهو يجود بنفسه ما تخيل لي أن الموت يكربه فقال لي يا بن سعد ما تقول في رجل لم يسفك دما حراما قط ولم يشرب خمرا قط ولم يزن قط يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله منذ خمسين سنة
قلت من هذا ما أحسبه إلا ناجيا قال الله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما تعنى نفسك
قال نعم (1/222)
قلت وكيف وأنت تشبب ببثينة مذ عشرين سنة
فقال هذا آخر وقت من أوقات الدنيا وأول وقت من أوقات الآخرة فلا نالتي شفاعة محمد صلى الله عليه و سلم إن كنت وضعت يدي عليها لريبة قط وإن كان أكثر ما نلت منها إلا أني كنت آخذ يدها فأضعها على قلبي فأستريح إليها
ثم أغمى عليه وأفاق فأنشد يقول
صرخ النعي وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
ولقد أجر الذيل في وادي القرى ... نشوان بين مزارع ونخيل قومي بثينة فاندبي بعويل ... وابكي خليلك قبل كل خليل
ثم اغمى عليه فمات
ابن سهل اسمه عياش
اخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا إسماعيل بن احمد بن معاوية الباهلي عن أبيه عن الأصمعي عن أبي سفيان بن العلاء قال بصرت الثريا بعمر بن أبي ربيعة وهو يطوف حول البيت فتنكرت وفي كفها خلوق فزحمته فأثر الخلوق في ثوبه فجعل الناس يقولون يا أبا الخطاب ما هذا زي المحرم
فأنشأ يقول
أدخل الله رب موسى وعيسى ... جنة الخلد من ملاني خلوقا
مسحت كفها بجيب قميصي ... حين طفنا بالبيت مسحا رفيقا
فقال له عبد الله بن عمر مثل هذا القول تقول في هذا الموضع فقال له (1/223)
يا أبا عبد الرحمن قد سمعت مني ما سمعت فورب هذه البنية ما حللت إزاري على حرام قط
وقد روى محمد بن الضحاك ان عمر بن أبي ربيعة لما مرض مرض الموت أسف عليه أخوه الحارث فقال له عمر يا أخي إن كان أسفك لما سمعت من قولي قلت لها وقالت لي فكل مملوك له حر إن كان كشف فرجا حراما قط
فقال الحارث الحمد لله طيبت نفسي
اخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا ابو بكر الخرائطي قال حدثني إسماعيل بن أبي هاشم قال حدثنا عبد الله بن أبي الليث قال قال عبد الملك بن مروان لليلى الأخيلية بالله هل كان بينك وبين توبة سوء قط قالت والذي ذهب بنفسه وهو قادر على ذهاب نفسي ما كان بيني وبينه سوء قط إلا أنه قدم من سفر فصافحته فغمزني في يدي فظننت أنه يخنع لبعض الأمر
قال فما معنى
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى ما علمت خليل
فقالت لا والذي ذهب بنفسه ما كلمني بسوء قط حتى فرق بيني وبينه الموت
اخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال أنبأنا أبو بكر الخرائطي قال حدثنا (1/224)
إبراهيم بن الجنيد قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثني يوسف بن الحكم الرقي قال حدثنا مروان بن محمد قال دخلت عزة على أم البنين أخت عمر ابن عبد العزيز فقالت لها يا عزة ما قول كثير
قضى كل ذي دين فوفى غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها
ما كان هذا الدين قالت كنت وعدته قبلة ثم إني تحرجت منها
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا أحمد بن علي التوزي قال أنبأنا الحسين ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني يوسف بن الحكم قال حدثني مروان بن محمد بن عبد الملك بن مروان قال دخلت عزة على أم البنين فقالت لها ما يقول كثير
قضى كل ذي دين علمت غريمه ... وعزة ممطول معنى غريمها ما كان هذا الدين يا عزة فاستحيت فقالت علي ذاك قالت كنت وعدته قبلة فتحرجت منها فقالت أم البنين أنجزيها له وعلي إثمها
قال محمد بن الحسين قال لي يوسف بن الحكم حدثني رجل من بني أمية يكنى أبا سعيد قال بلغني أن أم البنين أعتقت لكلمتها هذه أربعين رقبة وكانت إذا ذكرتها بكت وقالت يا ليتني خرست ولم أتكلم بها
أخبرنا ابن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا إبراهيم ابن عمر البرمكي قال أنبأنا ابو الحسين الزينبي قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني هارون بن مسلم قال حدثني أبو هلال (1/225)
الأسدي قال حدثني عمارة بن ثور قال سمعت ذا الرمة لما حضرته الوفاة يقول لقد مكثت متيما بمي عشرين سنة في غير ريبة ولا فساد
قال ابن المرزبان وحدثني أحمد بن صالح قال أخبرني شعيب بن صخر قال كان في تميم خصلتان قد غلبوا الناس عليهما الحلم والعفاف
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا إبراهيم ابن عمر قال أنبأنا أبو الحسن الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا عبد الله بن عمرو وأحمد بن حرب قالا حدثنا زبير بن أبي بكر قال حدثنا محمد بن المؤمل بن طالوت قال حدثنا أبي عن الضحاك بن عثمان الخزامي قال خرجت في آخر الحج فنزلت بخيمة بالأبواء على امرأة فأعجبني ما رأيت من حسنها وأطربني فتمثلت قول نصيب
بزينب ألمم قبل أن يرحل الركب ... وقل إن تملينا فما ملك القلب
خليلي من كعب ألما هديتما ... بزينب لا تفقدكما أبدا كعب
وقولا لها ما في البعاد لذي الهوى ... بعاد وما فيه لصدع النوى شعب
فمن شاء رام الصرم أو قال ظالما ... لصاحبه ذنب وليس له ذنب
فلما سمعتني أتمثل الأبيات قالت لي يا فتى أتعرف قائل هذا الشعر قلت نعم ذاك نصيب قالت نعم هو ذاك أفتعرف زينب قلت لا قالت أنا والله زينب قلت فحياك الله قالت أما إن اليوم موعده من عند أمير المؤمنين خرج إليه عام أول ووعدني هذا اليوم ولعلك لا تبرح حتى تراه
قال فما برحت من مجلسي حتى إذا أنا براكب يزول مع السراب فقالت ترى حيث ذاك الراكب إني احسبه إياه (1/226)
قال وأقبل الراكب يؤمنا حتى أناخ قريبا من الخيمة فإذا هو نصيب ثم ثنى رجله عن راحلته فنزل ثم أقبل فسلم علي وجلس منها ناحية وسلم عليها وساءلها وساءلته فاخفيا ثم إنها سألته أن ينشدها ما أحدث من الشعر بعدها فجعل ينشدها
فقلت في نفسي عاشقان أطالا التنائي لا بد أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة فقمت إلى راحلتي أشد عليها فقال لي على رسلك أنا معك فجلست حتى نهض ونهضت معه فتسايرنا ساعة ثم التفت فقال قلت في نفسك محبان التقيا بعد طول تناء لا بد من أن يكون لأحدهما إلى صاحبه حاجة قلت نعم قد كان ذلك قال فلا ورب هذه البنية التي نعمد ما جلست منها مجلسا قط أقرب من مجلسي الذي رأيت ولا كان بيننا مكروه قط
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله قال أخبرنا أبو أحمد محمد بن احمد الجرجاني قال حدثنا زكريا الساجي قال حدثنا عباس الباكسائي قال حدثنا محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان الثوري عن هشام عن محمد بن سيرين قال كانوا يعشقون من غير ريبة
وروى عن الحارث بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي أنه كان عاشقا لعائشة بنت طلحة وله فيها أشعار يطول ذكرها أفرد لها ابن المرزبان كتابا فلما قتل عنها مصعب بن الزبير قيل للحارث ما يمنعك الآن منها فقال والله لا يتحدث رجالات قريش أن تشبيبي كان لريبة أو لشيء من الباطل
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا يوسف ابن محمد المهرواني قال أنبأنا أحمد بن محمد بن حسنون قال أنبأنا جعفر الخواص قال أنبأنا أحمد بن محمد وهو ابن مسروق قال حدثني سليمان (1/227)
ابن عمرو الباهلي قال حدثنا العتبي عن أبيه قال حدثنا عبد الله بن علاثة قال دخلت على رجل من الأعراب خيمته وهو يئن فقلت ما شأنه فقالوا عاشق فقلت له ممن الرجل قال من قوم إذا عشقوا ماتوا عفة قال فجعلت اعذله وأزهده فيما هو فيه فتنفس الصعداء ثم أنشأ يقول
ليس لي مسعد فأشكو إليه ... إنما يسعد الحزين الحزين
لا ولا مسعد سوى عبراتي ... وممري بحيث كان يكون
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا يوسف بن محمد قال أنبأنا أحمد بن محمد بن حسنون وأخبرتنا شهدة قالت أنبانا أبو محمد ابن السراج قال أنبأنا محمد بن الحسين الجازري قال أنبأنا المعافى من زكريا قالا أنبأنا جعفر بن محمد الخواص قال حدثنا أبو العباس بن مسروق قال حدثنا عبد الله بن شبيب قال حدثنا محمد بن عبد الصمد البكري قال حدثنا ابن عيينة قال قال سعيد بن عقبة لأعرابي ممن أنت قال من قوم إذا عشقوا ماتوا قال عذري ورب الكعبة
فقلت ومم ذاك قال في نسائنا صباحة وفي رجالنا عفة
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا العباس بن الفضل عن محمد بن عبد الله العتبي عن سفيان بن زياد قال قلت لامرأة من بني عذرة ورأيت بها هوى غالبا حتى خفت عليها الموت ما بال العشق يقتلكم معاشر عذرة من بين احياء العرب
قالت إن فينا جمالا وتعففا فالجمال يحملنا على العفاف والعفاف يورثنا رقة القلوب والعشق يفنى آجالنا وإنا نرى محاجر لا ترونها
أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أنبأنا أبو بكر محمد بن علي قال أنبأنا (1/228)
علي بن أيوب قال حدثنا محمد بن عمران قال حدثنا ابن دريد قال حدثنا أبو عثمان سعيد بن هارون قال أخبرني التوزي قال سمعت أبا عبيدة يقول قال رجل من بني فزارة لرجل من بني عذرة تعدون موتكم من الحب مزية وإنما ذلك من ضعف البنية ووهن العقدة وضيق الروية
فقال العذري أما إنكم لو رأيتم المحاجر البلج ترشق الأعين الدلج من فوقها الحواجب الزج والشفاه السمر تفتر عن الثنايا الغر كأنها سرد الدر لجعلتموها اللات والعزى ورفعتم الإسلام وراء ظهوركم
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي ابن ثابت قال أخبرني الخلال قال أنبأنا على بن عمران بن محمد النخعي حدثهم قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري قال حدثنا نسر بن الوليد الكندي قال سمعت أبا يوسف يقول في مرضه الذي مات فيه اللهم إنك تعلم أني لم أطأ فرجا حراما قط وأنا أعلم اللهم إنك تعلم أني لم آكل درهما حراما قط وأنا أعلم
وأخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال أنبأنا محمد بن نعيم الضبي قال سمعت أبا الوليد حسان بن محمد الفقيه يقول سمعت أبا العباس بن سريج يقول سمعت إسماعيل ابن إسحاق القاضي يقول دخلت على المعتضد وعلى رأسه احداث روم صباح الوجوه فنظرت إليهم فرآني المعتضد وأنا أتأملهم فلما أردت القيام أشار إلي فمكثت ساعة فلما خلا قال لي أيها القاضي والله ما حللت سراويلي على حرام قط (1/229)
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا علي بن محمد بن قشيش قال أنبأنا أبو عمر بن حيوية قال حدثنا الصولي قال حدثنا أحمد الطالقاني قال حدثني فضل البريدي قال جلس محمد بن نصر ابن منصور بن بسام وعلى رأسه عشرة خدم لم ير قط أحسن منهم ما منهم من ثمنه ألف دينار إلا أكثر فجعل الناس ينظرون إليهم فقال محمد هم أحرار لوجه الله إن كان الله كتب علي ذنبا مع واحد منهم قط فمن عرف خلاف هذا منهم فليمض فإنه قد عتق وهو في حل مما يأخذ من مالي
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا علي بن محمد المعدل قال أنبأنا الحسين بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا محمد بن المثنى قال سمعت إبراهيم بن شأس قال سمعت إبراهيم بن ابي بكر بن عياش يقول شهدت أبي عند الموت فبكيت فقال يا بني ما يبكيك فما أتى أبوك فاحشة قط
أخبرنا عبد الرحمن قال أنبأنا أحمد بن علي قال قرأت على الحسن ابن أبي بكر عن أحمد بن كامل القاضي قال سمعت محمد بن عثمان يقول حدثني أبي قال سمعت عمر بن حفص بن غياث يقول لما حضرت أبي الوفاة أغمى عليه فبكيت عند رأسه فأفاق فقال ما يبكيك قلت أبكي لفراقك ولما دخلت فيه من هذا الأمر يعني القضاء فقال لا تبك فإني ما حللت سراويلي على حرام قط
اخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا علي بن محمد بن عبد الله المعدل قال أنبأنا عثمان بن احمد الدقاق قال حدثنا محمد بن أحمد بن البراء قال حدثنا سفيان المصيصي قال شهدت الهيثم بن حميد وهو يموت قد سجي نحو القبلة قال فقامت جاريته تغمز رجله فقال اغمزيها فإنه يعلم أنهما ما مشتا إلى حرام قط (1/230)
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال أنبأنا أبو بكر الخرائطي قال سمعت أحمد بن إسحاق الوراق يقول سمعت مسلم بن إبراهيم يقول أتت على نيف وسبعون سنة ما حللت سراويلي على حلال ولا حرام
قال الخرائطي وحدثنا عمر بن شبة قال حدثنا أبو غسان محمد بن يحيى قال سمعت بعض المدنيين يقول كان الرجل يحب الفتاة فيطيف بدارها حولا يفرح إن رأى من رآها فإن ظفر منها بمجلس تشاكيا وتناشدا الأشعار
واليوم يشير إليا وتشير إليه فيعدها وتعده فإذا التقيا لم يشك حبا ولم ينشد شعرا وقام إليها كأنه قد أشهد على نكاحها أبا هريرة
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين عبد الله ابن إبراهيم الزينبي إجازة قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني عيسى بن جعفر الكاتب قال حدثني محمد بن سعيد قال حدثني إسحاق بن جعفر الفارسي قال سمعت عمر بن عبد الرحمن يحكى عن بعض العمريين قال بينا أنا يوما في منزلي إذ دخل علي خادم لي فقال لي بالباب رجل معه كتاب
فقلت له أدخله أو خذ كتابه فأخذت الكتاب منه فإذا فيه
تجنبك البلا ولقيت خيرا ... وسلمك المليك من الغموم
شكون بنات أحشائي إليكم ... هواها حين ألفتني كتوم
وسألتني الكتاب إليك فيما ... يخامرها فدتك من الهموم
وهن يقلن يابن الجود إنا ... برمنا من مراعاة النجوم (1/231)
وعندك لو مننت شفاء سقم ... لأعضاء دمين من الكلوم
فلما قرأت الأبيات قلت عاشق
فقلت للخادم أدخله
فخرج فلم يره فقلت أخطأت فما الحيلة فارتبت في أمره وجعل الفكر يتردد في قلبي فدعوت جواري كلهن من يخرج منهن ومن لا يخرج فجمعتهن ثم قلت أخبرنني الآن قصة صاحب هذا الكتاب فجعلن يحلفن ويقلن يا سيدنا ما نعرف لهذا الكتاب سببا وإنه لباطل من جاء بهذا الكتاب فقلت قد فاتني وما أردت بهذا القول لأني ضننت عليه بمن يهوى منكن فمن عرفت منكن أمر هذا الرجل فهي له فلتذهب إليه متى شاءت وتأخذ كتابي إليه
قال وكتبت إليه كتابا أشكره على فعله وأسأله عن حاله ووضعت الكتاب في موضع من الدار فقلت من عرف شيئا فليأخذه
فمكث الكتاب في موضعه حينا لا تأخذه واحدة منهن ولا أرى للرجل أثرا فاغتممت غما شديدا ثم قلت لعله بعض فتياننا ثم قلت إن هذا الفتى قد أخبر عن نفسه بالورع وقد قنع ممن يحبه بالنظر فدبرت عليه فحجبت جميع جواري عن الخروج
فما كان إلا يوم وبعض آخر إذ دخل الخادم ومعه كتاب فقلت له ما هذا قال أرسل به إليك فلان وذكر بعض أصدقائي ففضضته فإذا فيه
ماذا أردت إلى روح معلقة ... عند التراقي وحادي الموت يحدوها
حثثت حاديها ظلما فجدبها ... في السير حتى تولت عن تراقيها
حجبت من كان تحيا عند رؤيتها ... روحي ومن كان يشفينا ترائيها (1/232)
فالنفس ترتاح نحو الظلم جاهلة ... والقلب مني سليم ما يواتيها
والله لو قيل لي تأتي بفاحشة ... وأن عقباك دنيانا وما فيها
لقلت لا والذي أخشى عقوبته ... ولا بأضعافه ما كنت آتيها
لولا الحياء لبحنا بالذي كتمت ... بنت الفؤاد وأبدينا تمنيها
قال فأسكت وقلت لا أدري ما أحتال في أمر هذا الرجل
وقلت للخادم لا يأتيك أحد بكتاب إلا قبضت عليه حتى تدخله علي
ثم لم أعرف له خبرا بعد ذلك
فبينا أنا أطوف بالكعبة إذا أنا بفتى قد أقبل نحوي وجعل يطوف إلى جنبي ويلاحظني وقد صار مثل العود فلما قضيت طوافي خرجت واتبعنى فقال لي يا هذا اتعرفني قلت ما أنكرك لسوء قال أنا صاحب الكتابين
قال فما تمالكت أن قبلت رأسه وبين عينيه وقلت بأبي أنت وأمي والله لقد شغلت علي قلبي وأطلت غمي بشدة كتمانك لأمرك فهل لك فيما سألت وطلبت
قال بارك الله لك وأقر عينيك إنما أتيتك مستحلا من نظر كنت أنظره على غير حكم الكتاب والسنة والهوى داع إلى كل بلاء وأستغفر الله
فقلت يا حبيبي أحب أن تصير معي إلى منزلي فآنس بك وتجري الحرمة بيني وبينك قال ليس إلى ذلك سبيل فاعذر وأجب إلى ما سألتك
فقلت يا حبيبي غفر الله لك ذنبك وقد وهبتها لك ومعها مائة دينار تعيش بها
ولك في كل سنة كذا وكذا
قال بارك الله لك فيها لولا عهود عاهدت الله بها وأشياء وكدتها على نفسي لم يكن في الدنيا شيء هو أحب إلي من هذا الذي تعرضه علي ولكن ليس إليه سبيل والدنيا فانية منقطعة (1/233)
فقلت له فأما إذا أبيت أن تصير إلى ما دعوناك إليه فأخبرني من هي من جواري حتى أكرمها لك ما بقيت
فقال ما كنت لأسميها لأحد أبدا
ثم سلم علي ومضى فما رأيته بعد ذلك
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت وأخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا إسماعيل بن أحمد بن معاوية الباهلي عن أبيه قال قال الأصمعي قلت لأعرابي حدثني عن ليلتك مع فلانة قال نعم خلوت بها والقمر يرينيها فلما غاب أرتنيه قلت فما كان بينكما قال الإشارة لغير ما باس والدنو بغير إمساس ولعمري لئن كانت الأيام طالت بعدها لقد كانت قصيرة معها وحسبك بالحب
وبالإسناد قال حدثنا الخرائطي قال حدثني علي بن إسماعيل قال قيل لبعض الأعراب وقد طال عشقه بجارية ما أنت صانع لو ظفرت ولا يراكما غير الله عز و جل قال إذن والله لا أجعله أهون الناظرين لكني أفعل بها ما أفعله بحضرة أهلها حديث طويل ولحظ من بعيد وترك ما يكره الرب ويقطع الحب
أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال أنبأنا أبو سعد بن أبي صادق الحيرى قال أنبأنا أبو عبدالله بن باكويه الشيرازي قال حدثنا محمد بن احمد العجلي قال حدثنا نصر بن منصور الأردبيلى قال حدثني محمد بن محمود قال حدثني محمد بن إسحاق قال نزل السرى بن دينار في دار بمصر كانت فيه امرأة جميلة تفتن الناس بجمالها فعلمت المرأة فقالت لأفتننه فلما دخلت من باب (1/234)
الدرب كشفت وأظهرت نفسها
فقال السرى مالك قالت هل كل في فراش وطيء وعيش رخي
فأقبل عليها وهو يقول
وكم ذي معاص نال منهن لذة ... ومات فخلاها وذاق الدواهيا
تصرم لذات المعاصي وتنقضي ... وتبقى تباعات المعاصي كما هيا
فها سوأتا والله راء وسامع ... لعبد بعين الله يغشى المعاصيا
أخبرنا عبد الوهاب ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المروزي قال حدثنا عمر بن بكير قال قال أعرابي علقت امرأة فكنت آتيها فأحدثها سنين ما جرت بيننا ريبة قط إلا أني رأيت بياض كفها في ليلة ظلماء فوضعت يدي على يدها فقالت مه لا تفسد ما صلح فإنه ما نكح حب قط إلا فسد قال فقمت وقد ارفضضت عرقا من الاستحياء منها ولم أعد إلى شيء من ذلك
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا ابن حيوية قال أنبأنا أبو بكر بن خلف إذنا قال حدثني إسحاق بن محمد قال حدثنا أبو عبد الله القرشي قال حدثني أبو محمد الجمحي قال حدثني رجل من قريش قال خرجنا نريد مكة حتى إذا كنا بالفرش من ملل رأيت امرأة لم أر أحسن منها وجها ولا احلى لفظا قال فحادثتها أنا وصاحب لي ساعة وعرض لها صاحبي بالقول وأنشدها أشعاره فقالت
يرى الله أن لسنا لكم بصحابة ... فروحوا بخير واسلموا أيها الركب (1/235)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال حدثنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الزينبي إجازة قال حدثنا محمد ابن خلف قال حدثني جعفر بن القاسم قال أخبرني عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال عشق رجل من النساك جارية من البصرة فبعث يخطبها فأبت وقالت إن أردت غير ذلك فعلت فأرسل إليها سبحان الله أيتها المرأة أدعوك إلى الأمر الصحيح والحلال الذي عيب فيه ولا وزر وتدعينني إلى ما لا يصلح لي ولا لك قال فأرسلت إليه قد أخبرتك بالذي عندي فإن أردت فتقدم وإن كرهت فتأخر
فأنشأ الفتى يقول
أسائلها الحلال وتدع قلبي ... إلى ما تشتهيه من الحرام
كداعي آل فرعون إليه ... وهم يدعونه نحو الغرام
فظل منعما في الخلد يسعى ... وظلوا في الجحيم وفي السقام
فلما علمت أنه قد امتنع عليها من الفاحشة أرسلت إليه أنا بين يديك على الذي تحب فكتب إليها هيهات لا حاجة لي فيمن دعاني إلى المعصية وأنا أدعوه إلى الطاعة وقال
لا خير فيمن لا يراقب ربه ... عند الهوى ويخافه أحيانا
إن الذي يبغى الهوى ويريده ... كمؤاجر شيطانه شيطانا
حجب التقى باب الهوى فأخو التقى ... عف الخليقة زائد إيمانا (1/236)
قال ابن خلف وأخبرني ابو بكر العامري عن غيث بن عبدالكريم قال عشقت عاتكة المزية ابن عم لها فأرادها على نفسها فامتنعت وأبت عليه وقالت
فما طعم ماء أي ما تقوله ... تحدر من غر طوال الذوائب
بمنعرج أو بطن واد تحدبت ... عليه رياح الصيف من كل جانب
ترقرق ماء المزن فيهن والتقت ... عليهن أنفاس الرياح العرائب
نفت جرية الماء القذى عن متونه ... فما إن به عيب تراه لشارب
بأطيب مما يقصر الوصف دونه ... تقى الله واستحياء تلك العواقب
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا أبوبكر محمد بن جعفر قال أنشدني أبو يوسف الزهري قال أنشدني الزبير بن بكار قال أنشدني أبي لجدي
قال عثمان زر حبابة ... بالعر صة تحدث تحية وسلاما
ثم تلهو إلى الصباح ولا ... تقرب في اللهو والحديث حراما
وصفوها فلم أزل علم ... الله مستولها مستهاما هل عليها في نظرة من جناح ... من فتى لا يزور إلا لماما
حال فيها الإسلام دون هواه ... فهو يهوى ويرقب الإسلاما ويميل الهوى به ثم يخشى ... أن يطيع الهوى فيلقى أثاما
قال ابن جعفر وأنشدنا ابن المرزبان قال أنشدنا عبد الله بن شبيب
وبالعرصة البيضاء إن زرت أهلها ... مهى مهملات ما عليهن سائس (1/237)
برزن لحب اللهو في غير ريبة ... عفائف باغي الغي منهن آيس
قال وانشدني علي بن الحسن الإسكافي
ما إن دعاني الهوى لفاحشة ... إلا نهاني الحياء والكرم فلا إلى فاحش مددت يدي ... ولا مشت لي بريبة قدم
قال وانشدني الحسن بن عمرو الرقي للعباس بن الأحنف
أما والذي نادى من الطور عبده ... وأنزل فرقانا وأوحى إلى النحل
لقد ولدت حواء منك بلية ... علي أقاسيها وخبلا من الخبل
وإني وإياكم وإن شفني الهوى ... لأهل عفاف لا يدنس بالجهل
قال وأنشدني عمران بن موسى المؤدب للنميري
يغطين أطراف البنان من التقى ... ويخرجن بالأسحار معتجرات
تضوع مسكا بطن نعمان أن مشت ... به زينب في نسوة عطرات
فلما رأت ركب النميري أعرضت ... وكن من أن يلقينه حذرات
أنبأنا عبد الوهاب قال أنبأنا جعفر بن احمد قال حدثنا عبد العزيز بن الحسن الضراب قال حدثنا أحمد بن مروان قال أنشدنا ابن قتيبة لإبراهيم بن هرمة
قد يدرك الشرف الفتى ورداؤه ... خلق وجيب قميصه مرقوع
إما تراني شاحبا متبذلا ... كالسيف يخلق جفنه فيضيع
فلرب لذة ليلة قد نلتها ... وحرامها بحلالها مدفوع (1/238)
أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله بن إبراهيم الخبري قال أنبأنا أبو منصور علي بن الحسن بن الفضل الكاتب قال أنبأنا أبو عبد الله بن محمد بن خالد الكاتب قال أنبأنا أبو محمد علي بن عبد الله بن العباس الجوهري قال أنبأنا أحمد بن سعيد الدمشقي وأنبأنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أحمد بن عمر النهراوني قال أنبأنا المعافى من زكريا قال حدثنا محمد بن مزيد قالا حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال قال لي أبو السائب المخزومي يا بن أخي أنشدني للأحوص فأنشدته قوله
قالت وقلت تحرجي وصلي ... حبل امرىء بوصالكم صب
صاحب إذن بعلي فقلت لها ... الغدر شيء ليس من شعبي
ثنتان لا ادنو لوصلهما ... عرس الخليل وجارة الجنب
أما الخليل فلست فاجعه ... والجار أوصاني به ربي
عوجا كذا ندكر لغانية ... بعض الحديث مطية صحبي
ونقل لها فيم الصدود ولم ... نذنب بل أنت بدأت بالذنب
إن تقبلي نقبل وننزلكم ... منا بدار السهل والرحب
أو تدبري تكدر معيشتنا ... وتصدعي متلائم الشعب
فأقبل علي فقال هذا يا ابن أخي والله المحب عينا لا الذي يقول
وكنت إذا حبيب رام صرمي ... وجدت لدى منفسحا عريضا
اذهب فلا صحبك الله ولا أوسع عليك (1/239)
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا العلاف قال أنبأنا عبد الملك قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال أنشدنا أبو بكر محمد بن جعفر لأبي عبد الله نفطويه
وخبرها الواشون أن خيالها ... إذا نمت يغشى مضجعي ووسادي
فخفرها فرط الحياء فارسلت ... تعيرني غضبي بطول رقادي
ومما أنشدوا في المبالغة في وصف العفيف
يقظاته ومنامه شرع ... كل بكل فهو مشتبه
إن هم في حلم بفاحشة ... زجرته عفته فينتبه
وروى إبراهيم بن إسماعيل الكاتب أن علية بنت المهدي كانت تقول
لا غفر الله فاحشة ارتكبتها قط وما أقول في شعري إلا عبثا (1/240)
الباب الثاني والثلاثون في فضل من ذكر ربه فترك ذنبه
ذكر ثواب من فعل ذلك في الأخرة
قال الله عز و جل ولمن خاف مقام ربه جنتان
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال حدثنا محمد بن يونس قال حدثنا موسى بن زياد المخدوجي قال حدثنا سفيان عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان قال هو الذي إذا هم بمعصية ذكر مقام الله عليه فيها فانتهى
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار وعبد القادر بن محمد قالا أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو بكر بن بخيت قال أنبأنا أبو جعفر بن ذريح قال حدثنا هناد قال حدثنا أبو الأحوص عن منصور عن مجاهد في قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان قال هو الرجل يذكر الله عند المعاصي فينحجز عنها
وحدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن مجاهد ولمن خاف مقام ربه جنتان قال من خاف الله عند مقامه على المعصية في الدنيا
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخياط قال أنبأنا أبو الفتح بن أبي الفوارس قال أنبأنا أحمد بن جعفر (1/241)
الختلي قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبدالخالق قال حدثنا أبو بكر المروزي قال قرىء على أبي عبد الله محمد بن جعفر وأبو قطن قالا حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم ولمن خاف مقام ربه جنتان قال إذا أراد أن يذنب أمسك عن الذنب مخافة الله عز و جل
وقرىء على أبي عبد الله وأنا أسمع قال حدثنا عفان وأسود بن عامر قالا أنبانا حماد بن سلمة عن أبي عمران عن ابي بكر بن أبي موسى عن أبيه في قوله ولمن خاف مقام ربه جنتان قال جنتان من ذهب للسابقين وجنتان من فضة للتابعين
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا يحيى بن إسحاق بن إبراهيم قال حدثني محمد بن سابق قال حدثنا زائدة عن منصور عن مجاهد في قوله ولمن خاف مقام ربه جنتان قال هو الذي إذا هم بالمعصية ذكر الله عز و جل فتركها
قال ابن خلف وحدثني عبد الله بن محمد قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا شعبة عن منصور عن إبراهيم ومجاهد ولمن خاف مقام ربه جنتان قال هو الرجل يريد أن يذنب الذنب فيذكر مقام ربه فيدع الذنب
وبه قال أنبأنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن احمد قال حدثني ابي (1/242)
وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا ابن أعين قال حدثنا الفربري قال حدثنا البخاري قال حدثنا مسدد
وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا ابو الفتح الشاشي
وأخبرنا أبو عبد الرحمن المروزي قال أنبأنا أبو عبد الله الفراوي قالا أنبأنا عبد الغافر قال أنبأنا ابن عمرويه قال أنبأنا إبراهيم بن محمد بن سفيان قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثنا ابو موسى محمد بن المثنى قالوا حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله
وأخبرنا الكروخي قال أنبأنا أبو عامر الأزدي وأبو بكر الغورجي قالا حدثنا الجراحي قال حدثنا المحبوبي قال حدثنا الترمذي قال حدثنا الأنصاري قال حدثنا معن
وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا أبو عاصم الفضيلي قال أنبأنا عبد الرحمن ابن ابي شريح قال أنبأنا أبو القاسم المنيعي قال حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قالا حدثنا مالك كلاهما عن خبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال سبعة يظلهم الله عز و جل في ظلة يوم لا ظل إلا ظله الإمام العادل وشاب نشأ في عبادة الله عز و جل ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله عز و جل اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله عز و جل خاليا ففاضت عيناه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال إلى نفسها فقال إني أخاف الله عز و جل
أخرجاه في الصحيحين (1/243)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحسن بن احمد الفقيه قال أنبأنا الحسين ابن محمد بن جعفر قال أنبأنا عبد الله بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني أبو محمد التميمي قال حدثنا داود بن المحبر قال حدثنا ميسرة بن عبد ربه عن ابي عائشة السعدي عن يزيد بن عمر بن عبد العزيز عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة وابن عباس قالا خطب رسول الله صلى الله عليه و سلم قبل وفاته فقال في بعض خطبته ومن قدر على امرأة أو جارية حراما فتركها مخافة منه أمنه الله يوم الفزع الأكبر وحرمه على النار وأدخله الجنة
أخبرنا عبدالخالق بن يوسف قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا محمد بن علي بن الفاتح قال أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق قال أنبأنا الحسين ابن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني محمد بن إدريس قال حدثت عن رياح العبسي قال سمعت مالك بن دينار يقول جنات النعيم بين جنات الفردوس وبين جنات عدن فيها جوار خلقن من ورد الجنة قيل ومن يسكنها قال الذين هموا بالمعاصي فلما ذكروا عظمتي راقبوني والذين انثنت أصلابهم من خشيتي
وعزتي إني لأهم بعذاب أهل الأرض فإذا نظرت إلى أهل الجوع والعطش من مخافتي صرفت عنهم العذاب
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا ابن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا حسين بن محمد قال حدثنا أبو المليح عن ميمون قال الذكر ذكران فذكر الله عز و جل باللسان حسن
وأفضل منه أن يذكر الله عندما يشرف عليه من معاصيه (1/244)
أخبرنا عبدالوهاب الحافظ قال أنبأنا علي بن أيوب قال أنبأنا أبو بكر البرقاني قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الاسماعيلي قال أخبرني إسحاق ابن إبراهيم قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبدالحميد قال حدثنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قال لا يحمد أو يحسن ورع امرىء حتى يشفى على طمع ويقدر عليه فيتركه حين يتركه لله عز و جل
وقد روى سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه و سلم كان يقول لا يقدر رجل على حرام ثم يدعه ليس به إلا مخافة الله عز و جل إلا أبدله الله في عاجل الدنيا قبل الآخرة ما هو خير له من ذلك
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد الحداد قال أنبأنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن شبل قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير قال من صدق الإيمان وبره أن يخلوا الرجل بالمرأة الحسناء فيدعها لا يدعها إلا لله عز و جل
فصل قد كان يغلب الخوف عند القدرة على الذنب تارة على الرجال فيكون
الامتناع منهم وتارة على النساء فيكون الامتناع منهن
وهذا سياق أخبار الرجال الذين امتنعوا من الذنوب مع القدرة عليها
أخبرنا عبد الأول قال أنبأنا عبد الرحمن بن محمد الداودي قال أنبأنا عبيد الله بن أحمد بن حمويه السرخسي قال حدثنا يوسف بن محمد بن مطر قال حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري قال حدثنا إبراهيم بن المنذر
وأخبرنا أبو بكر الزاغوني قال أنبأنا أبو الفتح الشاشي (1/245)
وأخبرنا أبو عبد الرحمن المروزي قال أنبأنا أبو عبد الله الفراوي قالا أنبأنا عبد الغافر قال أنبأنا ابن عمرويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد ابن سفيان قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثنا محمد ابن إسحاق المسيبي قالا حدثنا أبو ضمرة انس بن عياض قال حدثنا موسى ابن عقبة قال البخاري وحدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة قالا حدثنا نافع عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال بينما ثلاثة نفر يتماشون أخذهم المطر فمالوا إلى غار في الجبل فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل فأطبقت عليهم فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها لله صالحة فادعوا الله بها لعله يفرجها
فقال أحدهم اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ولي صبية صغار كنت أرعى عليهم فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي وإنه نأى بي الشجر فما أتيت حتى أمسيت فوجدتهما قد ناما فحلبت كما كنت أحلب فجئت بالحلاب فقمت عند رءوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما والصبية يتضاغون عند قدمي فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر
فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء
ففرج الله لهم فرجة حتى رأوا منها السماء
وقال الثاني اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء فطلبت إليها نفسها فأبت حتى آتيها بمائة دينار فسعيت حتى جمعت مائة دينار فلقيتها بها فلما قعدت بين رجليها قالت يا عبد الله اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه فقمت عنها (1/246)
اللهم فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها
ففرج لهم فرجة
وقال الآخر إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز فلما قضى عمله قال اعطني حقي فعرضت عليه حقه فتركه ورغب عنه فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا وراعيها فجاءني فقال اتق الله ولا تظلمني واعطني حقي فقلت اذهب إلى تلك البقر وراعيها فقال اتق الله ولا تهزأ بي فقلت إني لا أهزأ بك فخذ تلك البقر وراعيها فأخذها وانطلق بها فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما بقي
ففرج الله عنهم
لفظ حديث إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة وهو ابن أخي موسى بن عقبة وقد اتفقا على إخراجه من حديث إسماعيل وليس لإسماعيل عن نافع عن ابن عمر في الصحيح غيره
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني ابي قال حدثنا أسباط قال حدثنا الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن سعد مولى طلحة عن ابن عمر قال لقد سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا لو لم أسمعه إلا مرة أو مرتين حتى عد سبع مرار ولكن قد سمعته أكثر من ذلك قال كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله فأتته امرأة فأعطاها ستين دينارا على أن يطأها فلما قعد منها مقعد الرجل من أمرأته أرعدت وبكت فقال ما يبكيك أكرهتك قالت لا ولكن هذا عمل لم أعمله قط وإنما حملني عليه الحاجة (1/247)
قال أفتفعلين هذا ولم تفعليه قط قال ثم نزل فقال اذهبي والدنانير لك ثم قال والله لا يعصيى الله الكفل أبدا
فمات من ليلته فأصبح مكتوبا على بابه قد غفر الله للكفل
قال الترمذي هذا حديث حسن
أخبرنا عبد الملك بن عبد الله الكروخي قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي العميري قال أنبأنا محمد بن أحمد الفامي قال أنبأنا محمد بن أحمد المرواني قال حدثني محمد بن المنذر شكر قال حدثني الفضل بن عبد الجبار الباهلي قال أنبأنا إبراهيم بن الأشعث قال أنبأنا المعتمر بن سليمان قال سمعت أبا كعب يحدث عن الحسن قال كانت امرأة بغي لها ثلث الحسن لا تمكن من نفسها إلا بمائة دينار وإنه أبصرها عابد فأعجبته فذهب وعمل بيديه وعالج فجمع مائة دينار فجاء فقال إنك قد أعجبتني فانطلقت فعملت بيدي وعالجت حتى جمعت مائة دينار
فقالت ادفعها إلى القهرمان حتى ينتقدها ويتزنها ففعل فقالت انتقدت منه مائة دينار قال نعم قالت ادخل وكان لها من الجمال والهيئة والله أعلم به وكان لها بيت متخذ وسرير من ذهب فقالت هلم لك فلما جلس منها مجلس الخائن ذكر مقامه بين يدي الله فأخذته رعدة وماتت شهوته فقال اتركيني فلأخرج ولك المائة دينار قالت ما بدا لك وقد رأيتني كما زعمت فأعجبتك فذهبت وعالجت وكددت حتى جمعت مائة دينار فلما قدرت علي فعلت الذي فعلت
قال فرق من الله ومقامي بين يدي الله وقد ابغضت إلي
قالت لإن كنت صادقا مالي زوج غيرك
قال ذريني لأخرج
قالت لا إلا أن تجعل لي عهدا أن تزوجني
قال لا حتى اخرج
قالت فلي عليك إن أنا اتيتك أن تزوجني
قال أجل (1/248)
قال فتقنع بثوبه ثم خرج إلى بلده وارتحلت الأخرى بدنياها نادمة على ما كان منها حتى قدمت بلده فسألت عن اسمه ومنزله فدلت عليه فقيل له الملكة جاءت تسأل عنك فلما رآها شهق شهقة فمات
قال فأسقط في يديها فقالت أما هذا فقد فاتني فهل له من قريب قيل أخوه رجل فقير فقالت إني أتزوجك حبا لحب اخيك قال فتزوجته فولدت له سبعة أنبياء
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني محمد بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني محمد بن الحسين عن موسى بن داود عن ابي الزناد عن أبيه قال كان راهب يتعبد في صومعته فأشرف منها فرأى امرأة ففتن بها فأخرج رجله من الصومعة لينزل إليها فلما أخرج رجله نزلت عليه العصمة وأدركته السعادة فقال يا نفس رجل خرجت من الصومعة لتعصي الله تعود إليها وتكون معي في صومعتي والله لا كان هذا أبدا قال فتركها معلقة خارج الصومعة تسقط عليها الثلوج والأمطار وتصيبها الشمس والرياح حتى تقطعت وتناثرت وسقطت
فشكر الله ذلك من فعله وأنزل في بعض الكتب وذو الرجل يمدحه بذلك
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد السراج قال أنبأنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال حدثنا محمد بن أحمد بن فارس قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن (1/249)
حرب قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا مرحوم بن عبد العزيز قال حدثنا أبو عمران الجوني قال كان لحام بني إسرائيل لا يورع عن شيء فجهد أهل بيت من بني إسرائيل فأرسلوا إليه جارية منهم تسأله فقالت يا لحام بني إسرائيل أعطنا فقال لا أو تمكنيني من نفسك فرجعت فجهدوا جهدا شديدا فرجعت إليه فقالت يا لحام بني إسرائيل اعطنا فقال لا أو تمكنيني من نفسك فرجعت فجهدوا جهدا شديدا فأرسلوها إليه فقالت يا لحام بني إسرائيل أعطنا قال لا أو تمكنيني من نفسك قالت دونك فلما خلا بها جعلت تنتفض كما تنتفض السعفة إذا خرجت من الماء فقال لها مالك قالت أخاف الله هذا شيء لم أصنعه قط قال فأنت تخافين الله ولم تصنعيه وأفعله أنا أعاهد الله أني لا ارجع في شيء مما كنت فيه
قال فأوحى الله عز و جل إلى نبي بني إسرائيل إن كتاب لحام بني إسرائيل أصبح في كتاب أهل الجنة فأتاه النبي فقال يا لحام أما علمت أن كتابك أصبح في كتاب أهل الجنة
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال حدثني ابن المرزبان قال حدثني أبو أحمد الخراساني قال حدثني أحمد بن أبي نصر قال حدثنا إبراهيم بن خالد قال حدثني أمية بن شبل عن عبد الله بن وهب قال إبراهيم لا أراه إلا عن أبيه أن عابدا من عباد بني إسرائيل كان يتعبد في صومعته فجاء نفر من الغواة إلى امرأة بغى فقالوا لها لعلك أن تزيليه فجاءته في ليلة مطيرة مظلمة فنادته فأشرف عليها فقالت يا عبد الله آوني إليك فتركها واقبل على صلاته ومصباحه ثاقب فقالت يا عبد الله آوني إليك اما ترى الظلمة والمطر فلم تزل به حتى آواها إليه فاضطجعت قريبا منه فجعلت تريه محاسن خلقها حتى دعته نفسه إليها فقال لا والله حتى أنظر كيف صبرك (1/250)
على النار فتقدم إلى المصباح اوالقنديل فوضع إصبعا من اصابعه فيه حتى احترقت ثم عاد إلى صلاته فدعته نفسه أيضا وعاود المصباح فوضع إصبعه الأخرى حتى احترقت فلم تزل نفسه تدعوه وهو يعود إلى المصباح حتى احترقت أصابعه جميعا وهي تنظر فصعقت فماتت
قال ابن المرزبان أخبرني أحمد بن حرب قال حدثني عبيد الله بن محمد قال حدثني أبو عبد الله البلخي أن شابا كان في بني إسرائيل لم ير شاب قط احسن منه وكان يبيع القفاف فبينما هو ذات يوم يطوف بقفافه خرجت امرأة من دار ملك من ملوك بني إسرائيل فلما رأته رجعت مبادرة فقالت لابنة الملك يا فلانة إني رأيت شابا بالباب يبيع القفاف لم أر شابا قط أحسن منه
قالت أدخليه
فخرجت إليه فقالت يا فتى ادخل نشتر منك فدخل فاغلقت الباب دونه ثم قالت ادخل فدخل فأغلت بابا آخر دونه ثم استقبلته بنت الملك كاشفة عن وجهها ونحرها
فقال لها اشتري عافاك الله فقالت إنا لم ندعك لهذا إنما دعوناك لكذا يعني تراوده عن نفسه فقال لها اتق الله
قالت له إنك إن لم تطاوعني على ما أريد أخبرت الملك أنك إنما دخلت علي تكابرني على نفسي قال فأبى ووعظها فأبت فقال ضعوا لي وضوءا فقالت أعلى تعلل يا جارية ضعي له وضوءا فوق الجوسق فكان لا يستطيع أن يفر منه ومن الجوسق إلى الأرض أربعون ذراعا فلما صار في أعلى الجوسق قال اللهم إني دعيت إلى معصيتك فإني اختار أن أصبر نفسي فألقيها من هذا الجوسق ولا أركب المعصية ثم قال بسم الله وألقى نفسه من أعلى الجوسق فأهبط الله له ملكا فأخذ بضبعيه (1/251)
فوقع قائما على رجليه فلما صار في الأرض قال اللهم إنك إن شئت رزقتني رزقا يغنيني عن بيع هذه القفاف
قال فارسل الله إليه جرادا من ذهب فأخذ منه حتى ملأ ثوبه
فلما صار في ثوبه قال اللهم إن كان هذا رزقا رزقتنيه في الدنيا فبارك لي فيه وإن كان ينقصني مما لي عندك في الآخرة فلا حاجة لي فيه
فنودي إن هذا الذي أعطيناك جزء من خمسة وعشرين جزءا لصبرك على القائك نفسك من هذا الجوسق
فقال اللهم لا حاجة لي فيما ينقصني مما لي عندك في الآخرة
قال فرفع
قال ابن المرزبان وحدثني عبد الله بن أبي عبد الله الكوفي قال حدثني محمد ابن يحيى بن أبي حاتم قال حدثنا جعفر بن أبي جعفر الرازي عن أبي جعفر السائح عن الربيع بن صبيح عن الحسن قال كان شاب على عهد عمر بن الخطاب ملازما المسجد والعبادة فعشقته جارية فأتته في خلوة فكلمته فحدث نفسه بذلك فشهق شهقة فغشى عليه فجاء عم له فحمله إلى بيته فلما أفاق قال يا عم انطلق إلى عمر فأقرئه مني السلام وقل له ما جزاء من خاف مقام ربه فانطلق عمه فأخبر عمر فأتاه عمر وقد شهق الفتى شهقة فمات منها فوقف عليه عمر وقال لك جنتان
وقد بلغتنا هذه الحكاية على وجه آخر
فأخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال حدثنا محمد بن أحمد بن فارس قال حدثنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال حدثنا أبو بكر محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني يحيى بن أيوب أن فتى كان يعجب به عمر بن الخطاب فقال عمر إن هذا الفتى ليعجبني (1/252)
وإنه انصرف ليلة من صلاة العشاء فمثلت له امرأة بين يديه فعرضت له نفسها ففتن بها ومضت فاتبعها حتى وقف على بابها فلما وقف بالباب أبصر وجلي عنه ومثلت هذه الآية على لسانه إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون فخر مغشيا عليه فنطرت إليه المرأة فإذا هو كالميت فلم تزل هي وجارية لها تتعاونان عليه حتى ألقوه على باب داره
وكان له أب شيخ كبير يقعد لانصرافه كل ليلة فخرج فإذا هو ملقى على باب الدار لما به فاحتمله فأدخله فأفاق بعد ذلك فسأله والده ما الذي أصابك يا بني قال له يا أبت لا تسلني فلم يزل به حتى أخبره وتلا الآية فشهق شهقة خرجت نفسه فدفن
فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فقال ألا آذنتموني بموته فذهب حتى وقف على قبره فنادى يا فلان ولمن خاف مقام ربه جنتان
فأجابه الفتى من داخل القبر قد أعطانيهما ربي يا عمر
قال ابن المرزبان وحدثنا عبد الله بن محمد المروزي قال حدثنا علي بن عاصم قال أنبأنا حصين بن عبد الرحمن قال بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلاة كلها مع عمر بن الخطاب قال بلغني أن فتى من هل المدينة كان يشهد الصلاة كلها مع عمر بن الخطاب وكان يتفقده إذا غاب قال فعشقته امرأة من أهل المدينة فذكرت ذلك لبعض نسائها فقالت لها ألا أحتال لك في إدخاله عليك قالت بلى
فقعدت له في الطريق فلما مر عليها قالت له أنا امرأة كبيرة السن ولي شاة ولست أستطيع أن أحلبها فلو تنويت الثواب ودخلت محلبتها لي فدخل فلم ير شاة فقالت ادخل البيت حتى آتيك بها فدخل فإذا امرأة وراء الباب فاغلقت عليه (1/253)
الباب فلما رأى ذلك عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه فأرادته على نفسه فأبى وقال اتق الله أيتها المرأة فجعلت لا تكف عنه ولا تلتفت إلى قوله فلما أبى عليها صاحت فجاؤوا فدخلوا عليها وقالت إن هذا دخل علي يريدني على نفسي فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه وأوثقوه
فلما صلى عمر الغداة فقده فبينا هو كذلك إذ جاؤوا به في وثاق فلما رآه عمر قال اللهم لا تخلف ظني فيه
قال مالكم قالوا استغاثت امراة في الليل فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فنلناه بضرب وأوثقناه فقال له عمر اصدقني فأخبره القصة وما قالت العجوز فقال له عمر أتعرفها قال ما إن رأيتها
فأرسل عمر إلى نساء جيرانها وعجائزها فجاء بهن فعرضهن عليه فجعل لا يعرف حتى مرت به العجوز فقال هذه يا أمير المؤمنين فرفع عمر عليها الدرة وقال اصدقيني فقصت عليه كما قص الفتى فقال عمر الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف
أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو الحسن علي بن أحمد الملطي قال أنبأنا أحمد بن محمد بن يوسف قال أنبأنا أبو علي البردعي قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني عبد العزيز بن يحيى الأويسي عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ومعهم أصحاب لهم حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا فانطلق سليمان بن يسار حاجين من المدينة ومعهم أصحاب لهم حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم وبقي عطاء قائما في المنزل يصلي فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة (1/254)
فلما رآها عطاء ظن أن لها حاجة فأوجز في صلاته ثم قال ألك حاجة قالت نعم
قال اما هي قالت قم فأصب مني فإني قد ودقت ولا بعل لي فقال إليك عني لا تحرقيني ونفسك بالنار ونظر إلى امرأة جميلة فجعلت تراوده عن نفسه وتأبى إلا ما تريد فجعل عطاء يبكي ويقول ويحك إليك عني إليك عني قال واشتد بكاؤه فلما نظرت المرأة إليه وما دخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه فجعل يبكي والمرأة بين يديه تبكي
فبينا هو كذلك جاء سليمان من حاجته فما نظر إلى عطاء يبكي والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت بكى لبكائهما لا يدري ما أبكاهما وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا كلما اتاهم رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهما لا يسألهم عن امرهم حتى كثر البكاء وعلا الصوت
فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت وقام القوم فدخلوا فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة قال وكان أسن منه ثم إنها قدما مصر لبعض حاجتهم فلبثا بها ما شاء الله فبينا عطاء ذات ليلة نائما استيقظ وهو يبكي فقال سليمان ما يبكيك يا اخي قال رؤيا رأيتها الليلة قال ما هي قال لا تخبر بها أحدا ما دمت حيا
رأيت يوسف النبي عليه السلام في النوم فجئت أنظر إليه فيمن ينظر فلما رأيت حسنه بكيت فنظر إلي في الناس فقال ما يبكيك أيها الرجل قلت بأبي أنت وأمي يا نبي الله ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها وما لقيت من السجن وفرقة الشيخ يعقوب فبكيت من ذلك وجعلت أتعجب منه فقال صلى الله عليه و سلم فهلا تعجبت من صاحب المرأة البدوية بالأبواء (1/255)
فعرفت الذي اراد فبكيت واستيقظت باكيا
فقال سلميان أي أخي وما كان حال تلك المرأة قال فقص عطاء عليه القصة فما أخبر بها سليمان أحدا حتى مات عطاء فحدث بها امرأة من أهله قال وما شاع هذا الحديث بالمدينة إلا بعد موت سليمان بن يسار وقد روى لنا أن هذه القصة جرت لسليمان بن يسار لا لعطاء
فاخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثني أبو بكر العامري وسليمان بن ايوب المديني قالا حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال حدثنا مصعب بن عثمان قال كان سليمان بن يسار من احسن الناس وجها فدخلت عليه امرأة فسألته نفسه فامتنع عليها فقالت له ادن فخرج هاربا عن منزله وتكرهها فيه قال سليمان بن يسار فرأيت بعد ذلك يوسف عليه السلام فيما يرى النائم وكأني أقول له أنت يوسف قال نعم أنا يوسف الذي هممت وأنت سليمان الذي لم تهم
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا أبو يوسف الزهري قال حدثنا الزبير بن بكار قال كان عبد الرحمن بن أبي عمار من بني جشم معاوية ينزل بمكة وكان من عباد أهلها فسمى القس من عبادته فمر ذات يوم بسلامة وهي تغني فسمع غناءها فرآه مولاها فدعاه إلى أن يدخله عليها فأبى عليه فقال له فاقعد في مكان تسمع (1/256)
غناءها ولا تراها ففعل فغنت فأعجبته فقال له مولاها هل لك أن أحولها إليك فامتنع بعض الامتناع ثم أجابه إلى ذلك فنظر إليها فأعجبته فشغف بها وشغفت به وكان ظريفا فقال فيها
أم سلام لو وجدت من الوجد ... عشر الذي بكم أنا لاقي
أم سلام أنت همي وشغلي ... والعزيز المهيمن الخلاق
ام سلام ما ذكرتك إلا ... شرقت بالدموع مني المآقي
قال وعلم بذلك أهل مكة فسموها سلامة القس فقالت له يوما أنا والله أحبك فقال وأنا والله أحبك فقالت أنا والله أحب أن أضع فمي على فمك
قال وأنا والله أحب ذلك قالت فما يمنعك فوالله إن الموضع لخال فقال لها ويحك إني سمعت الله يقول الخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وأنا والله أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك في الدنيا عداوة يوم القيامة
ثم نهض وعيناه تذرفان من حبها وعاد إلى الطريقة التي كان عليها من النسك والعبادة
فكان يمر بين الأيام ببابها فيرسل بالسلام إليها فيقال له ادخل فيأبي ومما قال فيها
إن سلامة التي ... أفقدتني تجلدي
لو تراها والعود في ... حجرها حين تبتدي
للسريجي والغريض ... وللقرم معبد
خلتهم تحت عودها ... حين تدعوه باليد (1/257)
أخبرنا ابن ناصر وعبد الله بن علي قالا أنبأنا طراد قال أنبأنا أبو الحسين بن بشران قال حدثنا أبو علي بن صفوان قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا أبو يزيد النميري قال حدثني خلاد بن يزيد قال سمعت شيوخنا من أهل مكة منهم سليمان يذكرون أن القس كان من أحسنهم عبادة وأطهرهم تبتلا وأنه مر يوما بسلامة جارية كانت لرجل من قريش وهي التي اشتراها يزيد بن عبد الملك فسمع غناءها فوقف يستمع فرآه مولاها فدنا منه فقال له هل لك أن تدخل فتسمع فتأبى عليه فلم يزل به حتى تسمح وقال أقعدني في موضع لا أراها ولا تراني قال أفعل
فدخلت فغنت فأعجبته فقال مولاها هل لك أن أحولها إليك فتأبى ثم سمح فلم يزل يسمع غناءها حتى شغف بها وشغفت به وعلم ذلك أهل مكة
فقالت له يوما أنا والله أحبك
قال وأنا والله أحبك
قالت واحب أن أضع فمي على فمك
قال وأنا والله
قالت وأحب أن ألصق صدري بصدرك وبطني ببطنك
قال وأنا والله قالت فما يمنعك فوالله إن الموضع لخال قال إني سمعت الله يقول الأخلاء يؤمئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين وأنا أكره أن تكون خلة ما بيني وبينك تؤول بنا إلى عداوة يوم القيامة قالت يا هذا أتحسب أن ربي وربك لا يقبلنا إن نحن تبنا إليه قال بلى ولكن لا آمن أن أفاجأ
ثم نهض وعيناه تذرفان فلم يرجع بعد وعاد إلى ما كان فيه من النسك
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال حدثنا ابن المرزبان قال قال إسحاق بن منصور حدثني جابر بن نوح قال كنت بمدينة الرسول صلى الله عليه و سلم (1/258)
جالسا عند بعض أهل السوق فمر بي شيخ حسن الوجه حسن الثياب فقام إليه البائع فسلم عليه وقال له يا أبا محمد سل الله أن يعظم أجرك وأن يربط على قلبك بالصبر
فقال الشيخ مجيبا له
وكان يميني في الوغى ومساعدي ... فأصبحت قد خانت يميني ذراعها
وأصبحت حرانا من الثكل حائرا ... أخا كلف ضاقت علي رباعها
فقال له البائع يا أبا محمد ابشر فإن الصبر معول المؤمن وإني لأرجو ألا يحرمك الله الأجر على مصيبتك
فقلت للبائع من هذا الشيخ فقال رجل منا من الأنصار من الخزرج فقلت وما قصته قال أصيب بابنه كان به بارا قد كفاه جميع ما يعنيه وميتته أعجب ميتة فقلت وما كان سبب ميتته قال أحبته امرأة من الأنصار فأرسلت إليه تشكو إليه حبها وتسأله الزيارة وتدعوه إلى الفاحشة وكانت ذات بعل فأرسل إليها
إن الحرام سبيل لست أسلكه ... ولا أمر به ما عشت في الناس
فابغي العتاب فإني غير متبع ... ما تشتهين فكوني منه في ياس
إني سأحفظ فيكم من يصونكم ... فلا تكوني أخا جهل ووسواس فلما قرأت الكتاب كتبت إليه
دع عنك هذا الذي أصبحت تذكره ... وصر إلى حاجتي يا أيها القاسي
دع التنسك إني غير ناسكة ... وليس يدخل ما أبديت في راسي قال فأفشى ذلك إلى صديق له فقال له لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرتها رجوت أن تكف عنك فقال والله لا فعلت ولا صرت في الدنيا حديثا وللعار في الدنيا خير من النار في الآخرة وقال
العار في مدة الدنيا وقلتها ... يفنى ويبقى الذي في العار يؤذيني (1/259)
والنار لا تنقضي ما دام بي رمق ... ولست ذا ميتة منها فتفنيني
لكن ساصبر صبر الحر محتسبا ... لعل ربي من الفردوس يدنيني
قال وأمسك عنها فأرسلت إما أن تزورني وإما أن أزورك فأرسل إليها اربعي أيتها المرأة على نفسك ودعي عنك التسرع إلى هذا الأمر
فلما يئست منه ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر فجعلت لها الرغائب في تهييجه فعملت لها فيه فبينا هو ذات ليلة جالسا مع ابيه إذ خطر ذكرها بقلبه وهاج منه أمر لم يكن يعرفه واختلط
فقام من بين يدي أبيه مسرعا وصلى واستعاذ وجعل يبكي والأمر يزيد فقال له أبوه يا بني ما قصتك قال يا أبت أدركني بقيد فما أرى إلا قد غلبت على عقلي
فجعل أبوه يبكي ويقول يابني حدثني بالقصة فحدثه قصته فقام إليه فقيده وأدخله بيتا فجعل يتضرب ويخور كما يخور الثور ثم هدأ ساعة فإذا هو ميت وإذا الدم يسيل من منخريه
قال ابن المرزبان وحدثني إسحق بن محمد الكوفي قال حدثني العتبي قال علق أعرابي امرأة فطال به وبها الأمر فلما التقيا وتمكن منها وصار بين شعبتيها ذكر الدار الاخرة وجاءته العصمة فقال والله إن امرءا باع جنة عرضها السموات والأرض بفتر بين رجليك لقليل البصر بالمساحة قال ابن المرزبان وحدثني محمد بن محمد الهروي قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني الحكيم بن نصر قال حدثني محمد بن عبد الرحمن قال سمعت جعفر بن عون يقول سمعت شيخا من مزينة يحدث عن أبيه قال هويت جارية من العرب ذات جمال وكمال وأنا إذ ذاك لا أرع عن شيء أريده فمكثت حينا أرسل إليها وترسل إلي فلما تطاولت الأيام أرسلت إليها (1/260)
أنه ليس شيء أبلغ من الاجتماع فأرسلت إلي الموعد فقلت ليلة كذا في موضع كذا وكذا
فلما كانت الليلة خرجت وخرجت فالتقينا وجلست أشكو إليها فبينا نحن كذلك وقف شيخ علينا فسلم فرددت السلام فقال ما جلوسك ها هنا قلت حاجة لي فقال ومن هذه المرأة قلت بعض أهلي قال سبحان الله تخرجها في مثل هذا الوقت قلت حاجة عرضت فقال لي يا هذا إن الله تعالى قال في محكم كتابه العزيز أم حسب الذين اجترحوا السيئات وتلا الآية فإياك يا هذا أن تكون للسيئات مجترحا فإن الله مسائل كل نفس عما عملت فإياك لا يفضحك عند السؤال إذ لا عذر لك ثم قال قوما بارك الله فيكما
فقمنا وما أقدر أن أخطو من الحياء منه وشدة هيبته فلما توليت قال انظر ما أوصيتك به فإنه معك وهو يراك حيث كنت
ثم مضى فسمعته يقول اللهم أعصمهما حتى لا يعصياك وكأنما فرغ من قلبي ما كنت أجد فأتيت وعزمت على هجرها فأتاني رسولها بالسلام فقلت له لا تعد إلي بعد اليوم
فلما بلغها الرسول ذلك كتبت إلى هذا الشعر
إني توهمت امرا لا أحققه ... وربما كان بعض الظن تغريرا
فإن يكن ما ظننت اليوم يا سكنى ... حقا فقد طال تعذيبي وتفكيري
فلما قرأته كتبت إليها
يا من توهم أني مثل ما عهدت ... لا تكذبي لست عند الظن والأمل
إني اخاف عقاب الله يلحقني ... وأن يقربني حتفي من الأجل (1/261)
فكذبي الظن فينا واسلكي سبلا ... نقفك بعد الهوى منا على العمل
أخبرنا عبد الوهاب وابن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال حدثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني محمد بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن الحسين بإسناد لم يحفظه عبد الله أن فتى كان له جمال وهيئة كان يكثر الإجتياز بباب امرأة من بنات عمه فنظر إليها فعلقها فخطبها من أبيها فرغب بها عنه واتصل ذلك بها فأرسلت إلى الفتى قد بلغني ما كان منك وقد أحببتك لحبك إياي فإن كنت تحب أن أصير إليك فعلت وإن أردت سهلت لك الإذن حتى تصل إلي
قال كلا لا أريد إني أخاف أن يوقعني حبك في نار لا تطفأ وعذاب لا ينقطع
فلم بلغتها رسالته قالت ألا أراك راهبا وأنا لا أعلم والله ما أحد اولى بهذا من أحد وإن الخلق في الوعد والوعيد لمشتركون
ثم تعبدت ولبست مدرعة من شعر فعظم ذلك على أبيها وكبر في نفس أهلها ولم تزل على هذه الطريقة من العبادة حتى ماتت فكان الفتى يغشى قبرها في كل جمعة فيدعو ويستغفر لها
قال فرأيتها ليلة في المنام فقلت فلانة قالت نعم
نعم المحبة يا سؤلي محبتكم ... حب يجر إلى خير وإحسان
فقلت لها يا حبيبتي إلى ما صرت فقالت
إلى نعيم وملك لا نفاد له ... في جنة الخلد خلد ليس بالفاني فقلت لها أيتها الحبيبة أتذكريني هناك فقالت والله إني لأتمناك على مولاي ومولاك فأعني بصالح من عملك فلعل الله أن يجمعنا في داره دار المقام (1/262)
ثم ثنت وجهها لتنصرف
فقلت لها يا حبيبتي متى أراك قالت قريبا إن شاء الله
فعاش الفتى أياما قليلة ثم مات فدفن إلى جانبها
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا أبو بكر الخرائطي قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال عن ابن أبي كامل عن إسحاق ابن إبراهيم عن رجاء بن عمرو النخعي قال كان بالكوفة فتى جميل الوجه شديد التعبد والاجتهاد وكان أحد الزهاد فنزل في جوار قوم من النخع فنظر إلى جارية منهن جميلة فهويها وهام بها عقله ونزل بها مثل الذي نزل به
فأرسل يخطبها من ابيها فأخبره أبوها أنها مسماة لابن عم لها فلما اشتد عليهما ما يقاسيان من ألم الهوى أرسلت إليه الجارية قد بلغني شدة محبتك لي وقد اشتد بلائي بك فإن شئت زرتك وإن شئت سهلت لك أن تأتيني
فقال للرسول ولا واحدة من هاتين الخلتين إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم أخاف نارا لا يخبو سعيرها ولا يخمد لهبها فلما انصرف الرسول إليها فأبلغها ما قال قالت وأراه مع هذا زاهدا يخاف الله والله ما أحد أحق بهذا من احد وإن العباد فيه لمشتركون
ثم انخلعت من الدنيا وألقت علائقها خلف ظهرها ولبست المسوح وجعلت تعبد وهي مع ذلك تذوب وتنحل حبا للفتى وأسفا عليه حتى ماتت شوقا إليه فدفنت فكان الفتى يأتي قبرها ويبكي عندها ويدعو لها فغلبته عينه ذات يوم على قبرها فرآها في منامه وكأنها في احسن منظرها فقال كيف أنت وما لقيت بعدي فقالت
نعم المحبة يا سؤلي محبتكم ... حب يقود إلى خير وإحسان (1/263)
فقال على ذلك إلى ما صرت فقالت
إلى نعيم وعيش لا زوال له ... في جنة الخلد ملك ليس بالفاني
فقال لها اذكريني هناك فإني لست أنساك فقالت ولا أنا والله أنساك ولقد سألت قربك مولاي ومولاك فأعني على ذلك بالاجتهاد ثم ولت مدبرة فقال لها متى أراك قالت ستأتينا عن قريب فترانا فلم يعش الفتى بعد الرؤيا إلا سبع ليال
اخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال أنبأنا علي بن أبي صادق الحيري قال حدثنا أبو عبد الله بن باكويه الشيرازي قال سمعت الحسين بن أحمد الفارسي يقول سمعت الدقي يقول سمعت أبا الكريز معمرا يقول سمعت أبا زرعة الخيني يقول مكرت بي امرأة فقالت يا ابا زرعة ألا ترغب في عيادة مبتلي تتفط برؤيته فقلت بلى فقالت أدخل إلى الدار فلما دخلت الدار أغلقت الباب ولم أر أحدا فعرفت قصدها فقلت اللهم سودها فاسودت فحارت وفتحت الباب فخرجت وقلت اللهم ردها إلى حالتها فردها إلى ما كانت
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا محمد بن علي بن الفاتح قال أنبأنا محمد بن عبد الله الدقاق قال أنبأنا الحسن بن صفوان قال حدثنا أبو بكر بن عبيد قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني عثمان بن زفر التيمي قال حدثني أبو عمر يحيى بن عامر التيمي أن رجلا من الحي خرج حاجا فإذا هو بامرأة في بعض الليل ناشرة شعرها في بعض المياه قال فأعرضت عنها فقالت هلم إلي لم تعرض عني قال قلت إني أخاف الله رب العالمين فتجلببت ثم قالت هبت مهابا إن أولى من شركك في الهيبة عن أراد أن يشركك في المعصية (1/264)
قال ثم ولت فتبعتها فدخلت بعض خيام الأعراب فلما أصبحت أتيت رجلا من القوم فوصفتها فقلت فتاة كذا وكذا من حسنها من منطقها فقال شيخ منهم ابنتي والله قلت هل أنت مزوجي قال على الأكفاء
قلت رجل من تيم الله قال كفؤ كريم فما رمت حتى تزوجتها ودخلت بها ثم قلت جهزوها إلي قدومي من الحج فلما قدمت حملتها إلى الكوفة فها هي عندي لي منها بنين وبنات
قال قلت لها ويحك ما كان تعرضك لي حينئذ قالت يا هذا لا تكذبن ليس للنساء خير من الأكفاء فلا تعجبن بامرأة تقول هويت فوالله لو عجل لها بعض السودان ما تريده من هواها لكان هو الهوى عندها دون هواها
اخبرنا يحيى بن ثابت بن بندار قال أنبأنا أبي قال أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن جعفر السلماسي قال أنبأنا أبو العباس الوليد بن بكر الأندلسي قال أنبأنا أبو الحسن علي بن احمد بن زكريا الهاشمي قال حدثنا صالح بن أحمد بن عبد الله بن مسلم العجلي قال حدثني أبي قال حدثني أبي عبد الله قال كانت امرأة جميلة بمكة وكان لها زوج فنظرت يوما إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها أترى أحدا يرى هذا الوجه لا يفتن به قال نعم قالت من قال عبيد بن عمير قالت فائذن لي فيه فلأفتننه قال قد أذنت لك قال فأتته كالمستفتية فخلا معها في ناحية من المسجد الحرام قال فأسفرت عن مثل فلقة القمر فقال لها يا أمة الله قالت إني قد فتنت بك فانظر في امري قال إني سائلك عن شيء فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك قالت لا تسألني عن شيء إلا صدقتك (1/265)
قال اخبريني لو أن ملك الموت أتاك ليقبض روحك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة قالت اللهم لا قال صدقت قال فلو أدخلت في قبرك وأجلست للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة قالت اللهم لا
قال صدقت قال فلو أن الناس اعطوا كتبهم ولا تدرين تأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة قالت اللهم لا
قال صدقت قال فلو جيء بالموازين وجيء بك لا تدرين تخفين أم تثقلين أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة قالت اللهم لا
قال صدقت
قال فلو وقفت بين يدي الله للمساءلة أكان يسرك أني قضيت لك هذه الحاجة قالت اللهم لا
قال صدقت
قال اتقي الله يا أمة الله فقد أنعم الله عليك وأحسن إليك
قال فرجعت إلى زوجها فقال ما صنعت قالت أنت بطال ونحن بطالون فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة قال فكان زوجها يقول مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي كانت في كل ليلة عروسا فصيرها راهبة (1/266)
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن احمد بن السراج قال أنبأنا أبو محمد أحمد بن علي بن الحسين بن أبي عثمان فيما أجاز لنا قال أنبأنا أبو الحسن أحمد ابن موسى القرشي قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا محمد ابن المرزبان قال حدثنا محمد بن هارون المقرىء قال حدثنا سعيد بن عبد الله بن راشد قال علقت فتاة من العرب فتى من قومها وكان الفتى عاقلا
فجعلت تكثر التردد إليه فلما طال عليها مرضت وتغيرت واحتالت في أن خلا لها وجهه فتعرضت له ببعض الأمر فصرفها ودفعها عنه فتزايد المرض حتى سقطت على الفراش فقالت له أمه إن فلانة قد مرضت ولها علينا حق قال فعوديها وقولي لها يقول لك ما خبرك فصارت إليها أمه فقالت لها ما بك قالت وجع في قؤادي هو اصل علتي قالت فإن ابني يقول لك ما علتك فتنفست الصعداء وقالت
يسائلني عن علتي وهو علتي ... عجيب من الأنباء جاء به الخبر
فانصرفت إليه أمه فأخبرته وقالت له قد كنت أحب أن تسألها المصير إلينا لنقضي حقها ونلي خدمتها قال فسليها ذلك قالت قد أردت أن أفعله ولكن أحببت أن يكون عن رأيك فمضت إليها فذكرت لها ذلك عنه فبكت وقالت
يباعدني عن قربه ولقائه ... فلما أذاب الجسم مني تعطفا
فلست بآتي موضعا فيه قاتلي ... كفى بي سقاما أن اموت كذا كفى
وترامت العلة بها وتزايد المرض حتى ماتت
أنبأنا علي بن عبيد الله قال أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة قال أنبأنا إسماعيل ابن سويد قال حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثني ابن أبي الدنيا قال حدثني محمد بن زيد العتبي قال أخبرني جدي الحسن بن زيد قال ولينا (1/267)
بديار مصر رجل فوجد على بعض عماله فحبسه وقيده فأشرفت عليه ابنة الوالي فهويته فكتبت إليه وكان قد نظر إليها
أيها الرامي بعينيه ... وفي الطرف الحتوف
إن ترد وصلا فقد ... أمكنك الظبي الألوف
فأجابها الفتى
إن تريني زاني ... العينين فالفرج عفيف
ليس إلا النظر ... الفاتر والشعر الظريف
فكتبت إليه
قد أردناك على ... عشقك إنسانا عفيفا
فتأبيت فلا زلت ... لقيديك حليفا
فأجابها
ما تأبيت لأني ... كنت للظبي عيوفا
غير أني خفت ربا ... كان بي برا لطيفا
فذاع الشعر وبلغ الخبر الوالي فدعا بن فزوجه إياها ودفعها إليه
وروي أن رجلا تزوج امرأة من غير بلده فأرسل عبده فحملها إليه فراودت العبد نفسه وطالبته بالمرأة فجاهد نفسه واستعصم بالله تعالى فجعله الله نبيا في بني إسرائيل
حدثني أبو محمد عبد الله بن علي المقرىء قال حدثني أبو سعد بن أبي عمامة أن رجلا أحب امرأة فأحبته فاجتمعا فراودته المرأة عن نفسه فقال إن أجلي ليس بيدي وأجلك ليس بيدك فربما كان الأجل قد دنا فنلقى الله عاصين
فقالت صدقت فتابا وحسنت حالتهما (1/268)
أخبرنا أحمد بن أحمد المتوكلي قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا عبد الرحمن بن محمد النيسابوري قال أنبأنا محمد بن عبد الله بن شاذان قال سمعت أبا عبد الله القرشي يقول كان لي جار شاب وكان أديبا وكان يهوى غلاما أديبا فنظر يوما إلى طاقات شعر بيض في عارضيه فوقع له شيء من الحق فهجر الغلام وقلاه فلما نظر الغلام إلى هجره كتب إليه
ما لي جفيت وكنت لا أجفى ... ودلائل الهجران لا تخفى
وأراك تشربني وتمزجني ... ولقد عهدتك شاربي صرفا
قال فقلب الرقعة وكتب على ظهرها
التصابي مع الشمط ... سمتني خطة شطط
لا تلمني على جفاي ... فحسبي بما فرط
أنا رهن بما جنيت ... فذرني من الغلط
قد رأينا أبا الخلائق ... في زلة هبط سياق أخبار النساء اللواتي امتنعن من عن الفاحشة مع القدرة عليها
أنبأنا أحمد بن أحمد بن المتوكلي قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي قال حدثنا محمد بن موسى الصيرفي قال حدثنا محمد بن عبد الله الأصبهاني قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا الحسن بن الصباح قال حدثنا زيد بن الحباب قال حدثنا محمد بن نشيط قال حدثنا بكر بن عبد الله المزني أن قصابا ولع بجارية لبعض جيرانه فأرسلها أهلها إلى حاجة لهم في قرية أخرى فتبعها فراودها عن نفسها فقالت لا تفعل لأنا أشد حبا لك منك لي ولكني أخاف الله
قال فأنت تخافينه وأنا لا أخافه فرجع تائبا فأصابه العطش حتى كاد ينقطع (1/269)
عنقه فإذا هو برسول لبعض أنبياء بني إسرائيل فسأله فقال مالك قال العطش قال تعال حتى ندعو حتى تظلنا سحابة حتى ندخل القرية قال مالي من عمل فأدعو
قال فأنا أدعو وأمن أنت قال فدعا الرسول وأمن هو فأظلتهما سحابة حتى انتهيا إلى القرية فأخذ القصاب إلى مكانه ومالت السحابة عليه فرجع الرسول فقال له زعمت أن ليس لك عمل وأنا الذي دعوت وأنت الذي أمنت فأظلتنا سحابة ثم تبعتك لتخبرني ما أمرك
فأخبره فقال الرسول التائب إلى الله بمكان ليس احد من الناس بمكانه
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الإبري قال أنبأنا جعفر بن أحمد القارىء قال أنبأنا أبو طاهر أحمد بن على السواق قال حدثنا ابن فارس قال حدثنا الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني أحمد بن زهير قال قال غيلان حدثنا أبو عوانة عن إسماعيل بن سالم عن أبي إدريس الأودي قال كان رجلان في بني إسرائيل عابدان وكانت جارية يقال لها سوسن عابدة وكانوا يأتون بستانا فيتقربون فيه بقربان لهم فهوى العابدان سوسن فكتم كل واحد منهما صاحبه واختبأ كل واحد منهما خلف شجرة ينظران إليها فبصر كل واحد منهما بصاحبه فقال كل واحد منهما لصاحبه ما يقيمك ها هنا فأفشى كل واحد منهما إلى صاحبه حب سوسن فأتفقا على ان يراوداها فلما جاءت لتقرب قالا لها قد عرفت طواعية بني إسرائيل لنا وإن لم تواتينا قلنا إذا أصبحنا إنا أصبنا معك رجلا وإن الرجل أفلتنا وإنا أخذناك فقالت لهما ما كنت لأطيعكما فأخذاها فأخرجاها وقالا أخذنا سوسن مع رجل وإن الرجل سبقنا وذهب
فأقاموا سوسن على المصطبة وكانوا يقيمون المذنب ثلاثة ايام فتنزل عقوبة من السماء فتأخذه
فأقاموا سوسن فلما كان اليوم الثالث جاء دانيال وهو ابن ثلاث عشرة سنة (1/270)
فوضعوا له كرسيا فجلس عليه وقال قدموها إلى فجاءا كالمستهزئين فقال لأحدهما خلف أي شجرة رأيتها فقال وراء تفاحة وقال للآخر خلف اي شجرة رأيتها فاختلفا فنزلت نار من السماء فأحرقتهما فأفلتت سوسن
قال أبو بكر وفي خبر أنها وقفت لترجم فنزل الوحي على دانيال وهو ابن سبع سنين
قال وهب ابن منبه كان في بني إسرائيل رجل من العباد شديد الاجتهاد فرأى يوما امرأة فوقعت في نفسه بأول نظرة فقام مسرعا حتى لحقها فقال رويدك يا هذه
فوقفت وعرفته فقالت ما حاجتك قال أذات زوج أنت قالت نعم فما تريد قال لو كان غير هذا كان لنا نظر في ذلك قالت وما نظرك قال عرض بقلبي من نظرك عارض قالت وما يمنعك من إنفاذه قال وتتابعيني على ذلك قالت نعم فخلت به في موضع فلما أن رأته مجدا في الذي ينال قالت رويدك يا مسكين لا تسقط جاهك عنده قال فانتبه لها وسكن عن قلبه ما كان يجد من فتنتها
فقال لا حرمك الله ثواب فعلك
ثم تنحى ناحية فقال لنفسه اختاري إما عمى العينين وإما قطع الإحليل وإما السياحة في مسالك الوحوش والسباع فاختارت السياحة قال فلبس أثواب السياحة وخرج سائحا في البراري والقفار حتى مات يبكي على تلك النظرة
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو طاهر بن السواق قال حدثنا أبو الفتح محمد بن أحمد بن فارس قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي (1/271)
قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثني عبد الله بن محمد بن عبيد قال حدثني محمد بن الحسين قال حدثني محمد بن سلام الجمحي قال سمعت خارجة بن زياد رجل من بني سليمة يذكر قال هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجت من المسجد فعرفت ذلك مني فقالت لي ذات ليلة ألك حاجة قلت نعم قالت وما هي قلت مودتك قالت دع ذلك ليوم التغابن قال فأبكتني والله فما عدت إلى ذلك
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن سالم قال أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال حدثنا يعقوب بن يوسف البتي قال حدثنا عمر بن محمد عن عبدالسلام ابن عبيد عن أعرابي قال خرجت في بعض ليالي الظلمة فإذا أنا بجارية كأنها علم فأردتها على نفسها فقالت ويلك أما لك زاجر من عقل إذا لم يكن لك ناه من دين فقلت لها إيها والله ما يرانا إلا الكواكب قالت فأين مكوكبها
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو إسحاق البرمكي قال أنبأنا أبو الحسن الزينبي قال أنبأنا ابن المرزبان قال حدثنا إسحاق بن منصور قال حدثني أبي قال حدثنا أبو العباس التيمي قال حدثني محمد بن عبد الله بن يزيد قال حدثتني أمي عن أبيها قال أحببت جارية من العرب وكانت ذات عقل وأدب فما زلت أحتال في أمرها حتى اجتمعت معها في ليلة مظلمة شديدة السواد في موضع خال فحادثتها ساعة ثم دعتني نفسي إليها فقلت يا هذه قد طال شوقي إليك قالت وأنا كذلك قلت وقد عسر اللقاء
قالت نحن كذلك قلت هذا الليل قد ذهب والصبح قد قرب (1/272)
قالت هكذا تفنى الشهوات وتنقطع اللذات قلت لها لو أدنيتني منك
قالت هيهات هيهات
إني أخاف العقوبة من الله
قلت لها فما الذي دعاك إلى الحضور معي في هذا المكان
قالت شقوتي وبلائي
قلت فمتى أراك قالت ما أراني أنساك فأما الاجتماع معك فلا أراه يكون
ثم تولت من بين يدي فاستحييت مما سمعت منها فرجعت وقد خرج من قلبي ما كنت أجد من حبها
ثم أنشأت أقول
توقت عذابا لا يطاق انتقامه ... ولم تأت ما تخشى به أن تعذبا
وقالت مقالا كدت من شدة الحيا ... أهيم على وجهي حيا وتعجبا
ألا أف للحب الذي يورث العمى ... ويورد نارا لا تمل التوثبا
فأقبل عودي فوق بدئي مفكرا ... وقد زال عن قلبي العمى فتسربا
قال فلم أر امرأة كانت أصون منها لدينها ولا أعقل
وبالإسناد قال حدثنا ابن المرزبان قال اخبرني عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسين بن عبد الرحمن قال حدثني أبو محمد الشيباني قال كان بالبصرة رجل له أكار وكانت له امرأة جميلة حسناء كثيرة اللحم فوقعت في نفسه فركب زبيديته إلى قصره وقال للأكار القط لنا من الرطب وصيره في الدواخل
ثم قال له إيت به فلانا وفلانا فذهب به فلما مضى قال لامرأته (1/273)
أغلقي باب القصر فأغلقته
ثم قال لها أغلقي كل باب ففعلت فقال لها هل بقي باب لم تغلقيه قالت نعم باب واحد لم أغلقه
قال وأي باب هو قالت الباب الذي بيننا وبين الله عز و جل
فبكا ثم قام عرقا وانصرف ولم يواقع الخطيئة
أخبرنا أحمد بن أحمد المتوكلي قال أنبأنا أبو بكر الخطيب
وأخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال حدثنا شيخ من بني عبد القيس قال سمعتهم يقولون إن رجلا أراد امرأة عن نفسها فقالت أنت قد سمعت الحديث وقرأت القرآن فأنت أعلم
فقال لها أغلقي أبواب القصر فأغلقتها فدنا منها فقالت بقي باب لم أغلقه
قال أي باب قالت الباب الذي بينك وبين الله تعالى قال فلم يعرض لها
أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الخبرية قالت أنبانا علي بن الحسن بن الفضل قال أنبانا أحمد بن محمد بن خالد قال أنبأنا ابن المغيرة الجوهري قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال أخبرنا علي بن عثام قال كان شيخ من أهل الكوفة يكنى أبا الشعثاء يمازح دنانير جارية ابن كناسة ويظهر لها أنه يعشقها فقالت فيه
لأبي الشعثاء حب دائم ... ليس فيه تهمة للمتهم
يا فؤادي فازدجر عنه ويا ... عبث الحب به فاقعد وقم
جاءني منه كلام صائد ... ورسالات المحبين الكلم
صائد تأمنه غزلانه ... مثل ما تأمن غزلان الحرم (1/274)
صل إن أحببت أن تعطى المنى ... يا أبا الشعثاء لله وصم
ثم ميعادك بعد الموت في ... جنة الخلد إن الله رحم
حيث ألقاك غلاما ناشئا ... ناعما قد كملت فيك النعم
قال الزبير لكن عاصما المبرسم وكان من ولد نافع مولى عمر بن الخطاب كان يختلف إلى جعفرة جارية الرواس ويتعشقها ويظهر لها مثل ذلك إلى أن خلت له فساومها نفسها فقالت سبحان الله يا عاصم إنما ظننت حبك حبا إلى النظر والمزاح فأما الحرام فلا سبيل إليه معاذ إلهي من ذلك
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا ابو عمر بن حيوية قال أنبأنا محمد بن خلف قال أنبأنا أبو محمد جعفر بن الفضل العسكري قال أنبأنا محبوب بن صالح عن أبيه أن رجلا من العرب رأى امراة فوقعت بقلبه فكاتم بذلك دهرا ثم إن الأمر تفاقم وتمكنت منه الصبابة واستحقه الغرام فبعث إليها يسألها نفسها ويخبرها بما هو عليه من حبها فكتبت إليه اتق الله أيها الرجل وارع على نفسك واستحي من هذه الهمة التي قد تعلقت بها فإن ذلك أولى بذوي العقول
فلما وافاه كتابها أخذته وسوسة واستولى عليه الشيطان وجعل الأمر يتزايد حتى زال عقله وكان لا يعقل إلا ما كان من حديثها أو ذكرها وكان يبكر في كل يوم فيقف على باب الدار التي تنزلها المرأة فيقول
يا دار حييت إن كانت تحيتنا ... تغني ولو كان في التسليم إشفائي
لا زلت أبكيك ما قامت بنا قدم ... وابغي الشفا بك من سقمي ومن دائي
ثم مضى شبيها بالهائم على وجهه فلم يزل على ذلك حتى مات
أخبرنا موهوب بن احمد قال أنبأنا علي بن احمد بن البسرى قال أنبأنا (1/275)
محمد بن عبد الرحمن المخلص قال أنبأنا أحمد بن نصر بن بحير قال حدثنا عبد العزيز بن أحمد بن بكار قال حدثني القاسم بن محمد بن الحارث المروزي عن أحمد بن زهير قال سمعت ابن المبارك يقول عشق هارون جارية فأرادها فذكرت أن أباه كان مسها فأشغف بها هارون حتى قال
أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضا أحسنت زيدي
قال فسأل أبا يوسف عنها فقال أو كلما قالت جارية تصدق
قال ابن المبارك ولا أدري ممن أعجب من أمير المؤمنين حيث رغب عنها أو منها حيث رغبت عن أمير المؤمنين او من أبي يوسف حيث أمر بالهجوم عليها
اخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أحمد بن علي السواق قال حدثنا محمد بن أحمد بن فارس قال حدثنا عبد الله بن إبراهيم البصري قال حدثنا محمد بن خلف قال أخبرني بعض أهل الأدب عن عثمان بن عمرو قال حدثني عبد الله بن صالح قال حدثني بلال بن مرة قال بلغني أن أعرابيا خلا بجارية من قومه فراودها عن نفسها فقالت ويحك والله إن كان ما تدعوني إليه حلا لقد كان قبيحا قال فكيف ذلك قالت والشاهد الله قال فلم يعاود
قال ابن خلف وحدثنا أبو بكر القرشي قال حدثني أحمد بن العباس النميري قال حدثني أبو عثمان التيمي قال مر رجل براهبة من أجمل النساء فافتتن بها فتلطف في الصعود إليها فأرادها على نفسها فأبت عليه وقالت لاتغتر بما ترى فليس قط شيء فأبى حتى غلبها على نفسها وكان إلى جانبها مجمرة لبان فوضعت يدها فيها حتى احترقت فقال لها بعد أن قضى حاجته (1/276)
منها ما دعاك إلى ما صنعت قالت إنك لما قهرتني على نفسي خفت أن أشركك في اللذة فأشاركك في المعصية ففعلت ذاك لذلك
فقال الرجل والله لا أعصي الله أبدا وتاب مما كان عليه وبلغنا أن بعض المتعبدات البصريات وقعت في نفس رجل مهلبي وكانت جميلة وكانت تخطب فتأبى فبلغ المهلبي أنها تريد الحج فاشترى ثلاثمائة بعير ونادى من أراد الحج فليكتر من فلان المهلبي فاكترت منه فلما كان في بعض الطريق جاءها ليلا فقال إما أن تزوجيني نفسك وإما غير ذلك فقالت ويحك اتق الله فقال ما هو إلا ما تسمعين والله ما أنا بجمال ولا خرجت في هذا إلا من أجلك
فلما خافت على نفسها قالت ويحك انظر أبقي في الرجال أحد لم ينم قال لا
قالت عد فانظر
فمضى وجاء فقال ما بقي أحد إلا وقد نام فقالت ويحك أنام رب العالمين ثم شهقت شهقة وخرت ميتة
وخر المهلبي مغشيا عليه ثم قال ويحي قتلت نفسا ولم أبلغ شهوتي فخرج هاربا
وروى الزبير بن بكار قال حدثني طارق بن عبد الواحد عن أبي عبد الرحمن المخزومي قال لقي عمر بن أبي ربيعة ليلى بنت الحارث بن عوف وهي تسير على بغلة لها صادرة عن الحج فقال قفي أنشدك بعض ما قلت فيك فقال
أجن إذا رأيت جمال سعدى ... وأبكي إن رأيت لها قرينا
ألا يا سعد إن شفاء سقمي ... نوالك إن بذلت فنولينا
فقد آن الرحيل وحان منا ... فراقك فانظري ما تأمرينا
فقالت آمرك بتقوى الله وترك ما أنت عليه (1/277)
وروى أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني أن بعض ملوك الأعاجم خرج يتصيد وانفرد عن أصحابه فمر بقرية فرأى امرأة جميلة فراودها عن نفسها فقالت إني غير طاهرة فأتطهر وآتي فدخلت بيتا لها فأخرجت منه كتابا فقالت انظر في هذا حتى آتي فنظر فيه فإذا فيه ذكر العقوبة على الزنا فلهى عن المرأة وخرج فركب فلما جاء زوجها أخبرته الخبر فكره أن يقربها مخافة أن يكون للملك فيها حاجة فاعتزلها فاستعدى عليه أهلها إلى الملك فقالوا اعز الله الملك إن لنا أرضا في يد هذا الرجل فلا هو يعمرها ولا هو يردها علينا فقد عطلها فقال له الملك ما تقول قال إني رأيت في هذه الأرض أثر الأسد وأنا أتخوف الدخول منه
ففهم الملك الأمر فقال عمر أرضك فإن الأسد لا يدخلها ونعم الأرض أرضك
كتب اسبهد ودست الديلمي الشاعر إلى امرأة في صباه
ما تقولين في فتى يهواك ... ومناه في كل وقت يراك
قد تخلى بالهم فيك وما ... يفتر منه اللسان عن ذكراك فأجابته
لست ممن يبغي الوصال حراما ... إن فعل الحرام كالإشراك
إن طلبت الحلال منا أطعناك ... وإلا فاعدل إلى الامساك
إن خير الأعمال ما كان عقباه ... نجاة من الأذى والهلاك (1/278)
الباب الثالث والثلاثون في الحث على النكاح
أخبرنا هبة الله بن محمد الشيباني قال أنبأنا الحسن بن علي التميمي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا يعلى بن عبيد
وأخبرنا عبد الأول قال أنبأنا الداودي قال أنبأنا ابن أعين قال حدثنا الفربري قال حدثنا البخاري قال حدثنا عمر بن حفص قال حدثنا أبي
وأخبرنا ابو بكر الزاغوني قال أنبأنا أبو الفتح الشاشي
وأخبرنا أبو عبد الرحمن المروزي قال أنبأنا أبو عبد الله الفراوي قالا أنبأنا عبد الغافر الفارسي قال أنبأنا ابن عمرويه قال حدثنا إبراهيم بن محمد ابن سفيان قال حدثنا مسلم بن الحجاج قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير
وأخبرنا الكروخي قال أنبأنا الأزدي والغورجي قالا أنبأنا الجراحي قال حدثنا المحبوبي قال حدثنا الترمذي قال حدثنا محمود بن عيلان قال حدثنا أبو أحمد قال حدثنا سفيان قال أنبأنا الأعمش عن عمارة بن عمير عن عبد الرحمن بن يزيد قال قال عبد الله كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم شبابا ليس لنا شيء فقال يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء (1/279)
قال الخطابي الباءة كناية عن النكاح وأصل الباءة الموضع الذي يأوي إليه الإنسان ومنه اشتق مباءة الغنم وهو المراح الذي تأوي إليه بالليل والوجاء رض الأنثيين والخصاء نزعهما
وفي الحديث دليل على جواز التعالج لقطع الباءة بالأدوية لقوله فليصم
أخبرناابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا حجاج قال حدثنا ليث قال حدثني عقيل عن ابن شهاب قال أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع سعد بن أبي وقاص قال أراد عثمان بن مظعون أن يتبتل فنهاه النبي صلى الله عليه و سلم ولو أجاز له ذلك لاختصينا
أخرجه البخاري ومسلم والذي قبله
والتبتل الانقطاع إلى العبادة عن النكاح ومنه طلقة بتلة وقيل لمريم البتول لانقطاعها عن الأزواج
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا القطيعي قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر قال دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم رجل يقال له عكاف بن بشر التميمي فقال له النبي صلى الله عليه و سلم يا عكاف هل لك من زوجة قال لا قال ولا جارية قال لا قال وأنت موسر قال وأنا موسر (1/280)
قال أنت إذن من إخوان الشياطين
لو كنت من النصارى كنت من رهبانهم إن سنتنا النكاح شراركم عزابكم وأراذل موتاكم عزابكم
أبالشياطين تمرسون ما للشياطين من سلاح ابلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجون أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا ويحك يا عكاف إنهن صواحب ايوب وداود ويوسف وكرسف فقال له بشر بن عطية ومن كرسف يا رسول الله قال رجل كان يعبد الله بساحل البحر ثلاثمائة عام يصوم النهار ويقوم الليل ثم إنه كفر بالله العظيم في سبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة الله عز و جل ثم استدركه الله تعالى ببعض ما كان فيه فتاب عليه ويحك يا عكاف تزوج وإلا فأنت من المذبذبين قال زوجني يا رسول الله قال قد زوجتك كريمة بنت كلثوم الحميري
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال أنبأنا عبد الله بن محمد المزني قال أنبأنا أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا الحسين بن الحسن الشيلماني قال حدثنا خالد بن إسماعيل المخزومي قال حدثنا عبد الله بن عمر عن صالح بن أبي صالح مولى التوأمة عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم أيما شاب تزوج في حداثة سنة عج شيطانة يا ويله عصم مني دينه
أخبرنا هبة الله بن أحمد الحريري قال أنبأنا أبو إسحق البرمكي قال أنبأنا أبو بكر بن بخيث قال حدثنا إسماعيل بن موسى قال حدثنا جبارة قال حدثنا مندل عن يحيى بن عبد الرحمن بن لبيبة عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أدرك له ولد وقد بلغ النكاح وعنده ما يزوجه فلم يزوجه فأحدث فالإثم بينهما (1/281)
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا عبد القادر بن يوسف قال أنبأنا أبو بكر الخياط قال أنبأنا أبو الفتح بن أبي الفوارس قال أنبأنا أحمد ابن جعفر الختلي قال حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال حدثنا أبو بكر المروزي قال حدثنا أبو عبد الله أحمد بن حنبل قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال المرأة شطر دين الرجل
قال المروزي وسمعت أبا عبد الله يقول ليس العزوبية من امر الإسلام في شيء النبي صلى الله عليه و سلم تزوج أربع عشرة ومات عن تسع ثم قال لو كان بشر بن الحارث قد تزوج كان قد تم أمره كله لو ترك الناس النكاح لم يغزوا ولم يحجوا ولم يكن كذا ولم يكن كذا فقد كان النبي صلى الله عليه و سلم يصبح وما عندهم شيء ويمسي وما عندهم شيء ومات عن تسع وكان يختار النكاح ويحث عليه
ونهى النبي صلى الله عليه و سلم عن التبتل فمن رغب عن فعل النبي صلى الله عليه و سلم فهو على غير الحق
ويعقوب في حزنه قد تزوج وولد له والنبي صلى الله عليه و سلم قال حبب إلى النساء قلت فإن إبراهيم بن أدهم يحكى عنه أنه قال لروعة صاحب عيال فما قدرت أن أتم الحديث حتى صاح بي وقال وقعنا في بنيات الطريق انظر عافاك الله ما كان عليه محمد وأصحابه وقال لبكاء الصبي بين يدي أبيه متسخطا يطلب منه خبزا أفضل من كذا وكذا أين يلحق المتعبد العزب
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبانا جعفر بن احمد بن السراج قال أنبأنا محمد ابن الحسين الجازري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال (1/282)
حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن الربيع الخزاز قال حدثني يونس بن بكير الشيباني قال حدثني أبو إسحاق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس وكان قد أدرك أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قال ما زلت أسمع حديث عمر بن الخطاب أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة وكان يفعل ذلك كثيرا إذ مر بامرأة من نساء العرب مغلقة عليها بابها وهي تقول
تطاول هذا الليل تسري كواكبه ... وأرقني أن لا ضجيع ألاعبه
ألاعبه طورا وطورا كأنما ... بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه
يسر به من كان يلهو بقربه ... لطيف الحشا لا تحتويه أقاربه
فوالله لولا الله لا شيء غيره ... لنفض من هذا السرير جوانبه
ولكنني أخشى رقيبا موكلا ... بأنفسنا لا يفتر الدهر كاتبه
ثم تنفست الصعداء وقالت لهان على عمر بن الخطاب وحشتي وغيبة زوجي عني
وعمر واقف يستمع قولها فقال لها يرحمك الله يرحمك الله ثم وجه إليها بكسوة ونفقة وكتب في أن يقدم عليها زوجها
فصل ويستحب لمن أراد النكاح النظر إلى المنكوحة فقد روى عن النبي
صلى الله عليه و سلم أنه قال من أراد أن يتزوج امرأة فلينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها فذلك أحرى أن يؤدم بينها (1/283)
وينبغي له أن يتخير صاحبة الدين مع الحسن فقد قال عليه الصلاة و السلام فاظفر بذات الدين تربت يداك
فأما من ابتلى بالهوى فاراد التزويج فليجتهد في نكاح المرأة التي ابتلى بها إن صح له ذلك وجاز وإلا فليختر ما يظنه مسليا له عن ذلك وهو ما يقع بقلبه عند رؤيته وعلامة ذلك أنه إذا رأى الشخص تشبث بقلبه وجمد نظره عليه فلم يكد يقلع عنه فهذه علامة المحبة
وقد أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا حمد بن أحمد قال حدثنا ابو نعيم أحمد بن عبد الله قال حدثنا سليمان بن أحمد قال حدثنا عبد الجبار بن أبي عامر السيلحيني قال حدثني أبي قال حدثنا خالد بن سلام الخثعمي قال حدثنا عطاء الخراساني قال مكتوب في التوراة كل تزويج على غير هوى حسرة وندامة إلى يوم القيامة (1/284)
الباب الرابع والثلاثون في ذم من خبب امرأة على زوجها
أخبرنا إسماعيل بن أبي صالح المؤذن قال أنبأنا عبد الله بن علي بن إسحاق الفقيه قال أنبأنا أبو حسان محمد بن أحمد المزكي قال أنبأنا محمد بن أحمد بن العطار قال أنبأنا أبو بكر محمد بن إسحاق قال حدثنا الحسن بن سليمان المصري قال حدثنا عثمان بن محمد قال حدثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال من خبب امرأة على زوجها فليس منا
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي قال حدثنا محمد بن عبد الله بن شهريار قال أنبأنا سليمان بن أحمد الطبراني قال حدثنا عبد السلام بن سهل السكري قال حدثنا محمد بن عبد الله الأزدي قال حدثنا أبو ثميلة يحيى بن واضح عن أبي ظبية الخراساني قال حدثنا أبو مجلز عن ابن عمر قال قال رسول الله من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه فليس منا
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا أبو الوليد بن ثعلبة عن عبد الله بن يزيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ليس منا من حلف بالأمانة ومن خبب على امرىء زوجته أو مملوكه فليس منا (1/285)
أخبرنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا علي بن الحسين بن أحمد العكبري قال أنبأنا الحسن بن احمد الفارسي قال أنبأنا محمد بن محرز الادمي قال حدثنا محمد بن الفضل بن سلمة قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أبو الطيب عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أفسد امرأة على زوجها فليس مني ومن أفسد عبدا على سيده فليس مني
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا أبو علي التميمي قالت أنبانا أبو بكر ابن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا أبو الجواب قال حدثنا عمار بن رزيق عن عبد الله بن عيسى عن عكرمة عن يحيى بن يعمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من خبب خادما على أهلها فليس منا ومن أفسد امرأة على زوجها فليس منا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا جعفر بن احمد بن السراج قال حدثنا القاضي أبو الحسين التوزي قال أنبأنا عمر بن شاهين قال حدثنا إسماعيل بن علي قال أنبأنا يونس قال حدثنا روح بن اسلم قال أنبأنا حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن ميسرة قال كان رجل من بني إسرائيل من عباد بني إسرائيل يعمل بالمسحاة وكانت له امرأة من أجمل نساء بني إسرائيل فبلغ جبارا من جبابرة بني إسرائيل جمالها فأرسل إليها عجوزا فقال خببيها عليه وقولي لها ترضين أن تكوني عند مثل هذا الذي يعمل بالمسحاة ولو كنت عندي لحليتك بالذهب وكسوتك بالحرير وأخدمتك الخدم يعني فقالت لها
وكانت تقرب إليه فطره وتفرش له فراشا فلم تفعل وتغيرت عليه فقال يا هنتاه ما هذا الخلق الذي لا اعرفه قالت هو ما ترى قال فطلقها فتزوجها جبار بني إسرائيل فلما دخلت عليه وأرخيت الستور عمي وعميت فأهوى بيده ليلمسها فجفت يده وأهوت بيدها (1/286)
تلمسه فجفت يدها وصما وخرسا ونزعت منهما الشهوة
فلما أصبحا رفعت الستور فإذا هم صم عمي خرس فرفع خبرهما إلى نبي بني إسرائيل فرفع خبرهما إلى الله تعالى فقال إني لست أغفر لهما أبدا ظنا أن ليس بعيني ما عملا بصاحب المسحاة
وقد رويت لنا هذه الحكاية عن سلمان الفارسي
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد بن السراج قال أنبأنا الأمير أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله قال حدثنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكري قال حدثنا ابو عبد الله بن عرفة قال حدثني محمد بن موسى الشامي قال حدثنا روح بن اسلم قال حدثنا حماد بن سلمة عن عطاء ابن السائب عن أبي البختري عن سلمان قال كان في بني إسرائيل امرأة ذات جمال وكانت عند رجل يعمل بالمسحاة وكان إذا جاء بالليل قدمت طعامه وفرشت له فراشه
فبلغ خبرها ملك ذلك العصر فبعث إليها عجوزا من بني إسرائيل فقالت لها ما تصنعين بهذا الذي يعمل بالمسحاة لو كنت عند الملك لكساك الحرير وفرشك الديباج
فلما وقع الكلام في مسامعها جاء زوجها بالليل فلم تقدم له طعامه ولم تفرش له فراشه فقال لها ما هذا الخلق يا هنتاه فقالت هو ما ترى
فقال أطلقك قالت نعم فطلقها فتزوجها ذلك الملك فلما زفت إليه نظر إليها فعمى ومد يده إليها فجفت فرفع نبي ذلك العصر خبرهما إلى الله عز و جل فأوحى لله تعالى إليه أعلمها أني غير غافر لهما أما علما أن بعيني ما عملا بصاحب المسحاة
أخبرنا المحمدان ابن ناصر وابن عبد الباقي قالا أنبأنا حمد بن أحمد قال حدثنا أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن الحافظ قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا عبد الله بن (1/287)
محمد قال حدثنا أبو زرعة قال حدثنا سعيد بن اسد قال حدثنا ضمرة عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال كان أبو مسلم الخولاني إذا انصرف من المسجد إلى منزله كبر على باب منزله فتكبر امرأته فإذا كان في صحن داره كبر فتجيبه امرأته فإذا بلغ باب بيته كبر فتجيبه امرأته فانصرف ذات ليلة فكبر عند باب داره فلم يجبه أحد فلما كان في الصحن كبر فلم يجبه أحد فلما كان في باب بيته كبر فلم يجبه أحد وكان إذا دخل بيته أخذت امرأته رداءه ونعليه ثم اتته بطعامه
قال فدخل فإذا البيت ليس فيه سراج وإذا امرأته جالسة في البيت منكسة تنكت بعود معها
فقال لها مالك فقالت أنت لك منزلة من معاوية وليس لنا خادم فلو سألته فأخدمنا وأعطاك
فقال اللهم من أفسد علي امرأتي فاعم بصره
قال وقد جاءتها امرأة قبل ذلك فقالت زوجك له منزلة من معاوية فلو قلت له يسأل معاوية يخدمه ويعطيه عشتم
قال فبينا تلك المرأة جالسة في بيتها إذ أنكرت بصرها فقالت ما لسراجكم طفئ قالوا لا فعرفت ذنبها فأقبلت إلى أبي مسلم تبكي تسأله أن يدعو الله عز و جل لها يرد عليها بصرها
قال فرحمها أبو مسلم فدعا الله عز و جل لها فرد عليها بصرها (1/288)
الباب الخامس والثلاثون في ذكر ماهية العشق وحقيقته
اختلف كلام الناس في ذلك
وأكثرهم سموه باسم سببه أو باسم ما يؤول إليه
ذكر كلام الأوائل في ذلك
قال أفلاطون العشق حركة النفس الفارغة بغير فكرة وسئل يوذجانس عن العشق فقال سوء اختيار صادف نفسا فارغة وقال أرسطاطا ليس العشق هو عمي الحس عن إدراك عيوب المحبوب وقال فيثاغورس العشق طمع يتولد في القلب ويتحرك وينمى ثم يتربى ويجتمع إليه مواد من الحرص فكلما قوى إزداد صاحبه في الاهتياج واللجاج والتمادي في الطمع والفكر في الأماني والحرص على الطلب حتى يؤديه ذلك إلى الغم المقلق
وفي هذا المعنى قال المتنبي
وما العشق إلا غرة وطماعة ... يعرض قلب نفسه فيصاب
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو القاسم الأزجي قال أنبأنا محمد بن العباس قال حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال قال سقراط الحكيم العشق جنون وهو ألوان كما أن الجنون ألوان
أنبأنا ابن خيرون قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا علي بن أيوب (1/289)
قال أنبأنا محمد بن عمران قال اخبرني المظفر بن يحيى قال قال بعض الفلاسفة لم أر حقا أشبه بباطل ولا باطلا أشبه بحق من العشق هزله جد وجده هزل وأوله لعب وآخره عطب
قال ابن عمران وأخبرني أحمد بن يحيى قال حدثنا أبو العيناء قال حدثنا ابن عائشة قال قلت لطبيب كان موصوفا بالحذق ما العشق قال شغل قلب فارغ
قلت وقد ذهب بعضهم إلى أنه مرض وسواسي شبيه بالماليخوليا
ذكر كلام الإسلاميين في ذلك
اخبرتنا شهدة بنت احمد الإبري قالت أنبأنا جعفر بن أحمد بن السراج قال أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال حدثنا أبو الفرج المعافى بن زكريا الجريري قال حدثنا محمد بن الحسن بن زياد المقرىء قال حدثنا أحمد ابن يحيى ثعلب قال حدثنا أبو العالية الشامي قال سأل أمير المؤمنين يحيى بن اكثم عن العشق ما هو فقال هو سوانح تسنح للمرء فيهتم بها قلبه وتؤثرها نفسه قال فقال له ثمامة اسكت يا يحيى إنما عليك أن تجيب في مسألة طلاق أو محرم صاد ظبيا أو قتل نملة فأما هذه فمسائلنا نحن
فقال له المأمون قل يا ثمامة ما العشق
فقال له ثمامة العشق جليس ممتع وأليف مؤنس وصاحب ملك مسالكه لطيفة ومذاهبه غامضة وأحكامه جائرة ملك الأبدان وارواحها والقلوب وخواطرها والعيون ونواظرها والعقول وآراءها وأعطى عنان طاعتها وقود تصرفها توارى عن الأبصار مدخله وعمي في القلوب مسلكه (1/290)
فقال له المأمون أحسنت والله يا ثمامة وأمر له بألف دينار
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن عبد الله المقرىء قال أنبأنا محمد بن جعفر بن هارون التميمي قال أنبأنا أبو روق الهزاني قال حدثنا الفضل بن يعقوب قال لما اجتمع ثمامة بن أشرس ويحيى بن أكثم عند المأمون قال ليحيى خبرني عن العشق ما هو قال يا أمير المؤمنين سوانح تسنح العاشق يؤثرها ويهيم بها تسمى عشقا
فقال له ثمامة يا يحيى أنت في مسائل الفقه أبصر منك بهذا ونحن بهذا أحذق منك
قال المأمون فهات ما عندك
فقال يا أمير المؤمنين إذا امتزجت جواهر النفوس بوصل المشاكلة نتجت لمح نور ساطع تستضيء به بواصر العقل ويتصور من ذلك اللمح نور خاص بالنفس متصل بجواهرها يسمى عشقا
فقال له المأمون هذا وأبيك الجواب
أنبأنا أحمد بن الحسن بن البنا قال أنبأنا القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين قال أنبأنا إسماعيل بن سويد قال حدثنا أبو علي الكوكبي قال أنبأنا أبو الفضل الأصبهاني قال أنبأنا بندار عن الأصمعي قال دخلت على هارون الرشيد فقال لي يا اصمعي إني ارقت ليلتي هذه فقلت مم أنام الله عين أمير المؤمنين
فقال فكرت في العشق مم هو فلم أقف عليه فصفه لي حتى أخاله جسما مجسما (1/291)
قال الأصمعي لا والله ما كان عندي قبل ذلك فيه شيء فأطرقت مليا ثم قلت نعم يا سيدي إذا تقادحت الأخلاق المتشاكلة وتمازجت الأرواح المتشابهة ألهبت لمح نور ساطع يستضيء به العقل وتهتز لإشراقه طباع الحياة ويتصور من ذلك النور خلق خاص بالنفس متصل بجوهريتها يسمى العشق
فقال أحسنت والله يا غلام اعطه وأعطه وأعطه
فاعطيت ثلاثين ألف درهم
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف قال حدثنا أبو حفص عمر بن احمد بن عثمان قال حدثنا جعفر الخلدي قال حدثنا أحمد بن محمد الطوسي قال حدثني علي ابن عبد الله القمي قال قال لي عبد الله بن جعفر المديني قلت لأبي زهير المديني ما العشق قال الجنون والذل وهو داء أهل الظرف
انبأنا محمد بن أبي طاهر قال أنبأنا علي بن المحسن قال أنبأنا محمد ابن العباس قال حدثنا ابن خلف قال حدثني أبو الفضل المروروذي قال وصف أعرابي الحب فقال إن لم يكن جنسا من الجنون إنه لعصارة من السحر
وروى عن الأصمعي أنه قال لقد أكثر الناس في العشق فما سمعت أوجز ولا أجمل من قول بعض نساء العرب وسئلت عن العشق فقالت ذل وجنون
قلت هذه صفة ثمرة العشق ومآله (1/292)
والتحقيق أن العشق شدة ميل النفس إلى صورة تلائم طبعها فإذا قوى فكرها فيها تصورت حصولها وتمنت ذلك فيتجدد من شدة الفكر مرض
فصل في ذكر مراتب العشق
أول ما يتجدد الاستحسان للشخص ثم يجلب إرادة القرب منه ثم المودة وهو أن يود أن لو ملكه ثم يقوى الود فيصير محبة ثم يصير خلة ثم يصير هوى فيهوي بصاحبه في محاب المحبوب من غير تمالك ثم يصير عشقا ثم يصير تتيما والتتيم حالة يصير بها المعشوق مالكا للعاشق لا يوجد في قلبه سواه ومنه تيم الله
ثم يزيد التتيم فيصير ولها والوله الخروج عن حد الترتيب والتعطل عن احوال التمييز
وقال بعض العلماء أول مراتب العشق الميل إلى المحبوب ثم يستحكم الهوى فيصير مودة ثم تزيد بالمؤانسة وتدرس بالجفاء والأذى ثم الخلة ثم الصبابة وهي رقة الشوق يولدها الألفة ويبعثها الإشفاق ويهيجها الذكر ثم يصير عشقا وهو أعلى ضرب
فمبتدؤه يصفي الفهم ويهذب العقل كما قال ذو الرياستين لأصحابه اعشقوا ولا تعشقوا حراما فإن عشق الحلال يطلق اللسان العيي ويرفع التبلد ويسخي كف البخيل ويبعث على النظافة ويدعو إلى الذكاء
فإذا زاد مرض الجسد فإذا زاد جرح القلب وأزال الرأي واستهلك العقل ثم يترقى فيصير ولها ويسمى ذو الوله مدلها ومستهاما ومستهترا وحيران ثم (1/293)
بعده التتيم فيدعى متيما والتتيم نهاية الهوى وآخر العشق
ومن التتيم يكون الداء الدوي والجنون الشاغل
وقال بعض الحكماء أول الحب العلاقة وهو شيء يحدثه النظر أو السمع فيخطر بالبال ويعرض للفكر ويرتاح له القلب ثم ينمي بالطبع واللجاج وإدمان الذكر ثم يقوى فيصير حبا ثم يصير هوى ثم خلة ثم عشقا ثم ولها فيسمى صاحبه مدلها ومستهاما ومستهترا وهائما وحيران ثم يصير تتيما وهو أرفع منازل الحب لأن التتيم التعبد والوجد ألم الحب والهيمان الذهاب في طلب غرض لا غاية له والكلف والشغف اللهج بطلب الغرض
قال الفراء اللوعة حرقة القلب من الحب
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام العلاقة الحب الملازم للقلب والجوى الهوى الباطن واللوعة حرقة الهوى واللاعج الهوى المحرق والشغف ان يبلغ الحب شغاف القلب وهو جلد دونه والتتيم أن يستعبده الهوى ومنه تيم الله ورجل متيم والتبل ان يسقمه الهوى يقال رجل متبول والتدلية ذهاب العقل من الهوى يقال مدله والهيوم ان يذهب على وجهه والشغف إحراق الحب القلب مع لذة يجدها وهو شبيه باللوعة
وقال أبو بكر بن الأنباري ويقال استهتر الرجل بكذا إذا ذهب عقله فيه وانصرفت همته إليه
وقال أبو عبد الله بن عرفة الإرادة قبل المحبة ثم المحبة ثم الهوى ثم العشق ثم التتيم وأنشد لنفسه
يا لقوم كم يعذل المشتاق ... والمعنى إلى الهوى ينساق
رحمتي رأفة وحبي عشق ... واشتياقي صبابة لا تطاق (1/294)
قال ابن دريد الصبابة رقة الهوى واشتقاق الحب من أحب البعير إذا برك من الإعياء
فصل واعلم أن المحبة جنس والعشق نوع فإن الرجل يحب أباه وابنه
ولا يبعثه ذلك على تلف نفسه بخلاف العاشق
وقد نقل ان بعض العشاق نظر إلى جارية كان يهواها فارتعدت فرائصه وغشي عليه فقيل لبعض الحكماء ما الذي أصابه فقال نظر إلى من يحبه فانفرج قلبه فتحرك الجسم لانفراج القلب
فقيل له نحن نحب أهالينا ولا يصيبنا ذلك فقال تلك محبة العقل وهذه محبة الروح
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا أبو القاسم التنوخي وأبو محمد الجوهري كلاهما عن أبي عبد الله المرزباني قال أخبرني الصوفي قال حدثنا محمد بن يزيد المبرد قال سمعت الجاحظ يقول كل عشق يسمى حبا وليس كل حب يسمى عشقا لأن العشق اسم لما فضل عن المحبة كما أن السرف اسم لما جاوز الجود والبخل اسم لما نقص عن الاقتصاد والجبن اسم لما فضل عن شدة الاحتراس والهوج اسم لما فضل عن الشجاعة (1/295)
الباب السادس والثلاثون في ذكر سبب الحب والعشق
ذكر حكماء الأوائل أن النفوس ثلاث نفس ناطقة ومحبتها منصرفة إلى المعارف واكتساب الفضائل
ونفس حيوانية عصبية فمحبتها منصرفة نحو القهر والغلبة والرياسة
ونفس شهوانية فمحبتها منصرفة إلى المآكل والمشارب والمناكح
ونحن الآن مبتدئون لنشرح عشق هذه النفس الشهوانية فنقول سبب العشق مصادفة النفس ما يلائم طبعها فتستحسنه وتميل إليه وأكثر أسباب المصادفة النظر ولا يكون ذلك باللمح بل بالتثبت في النظر ومعاودته فإذا غاب المحبوب عن العين طلبته النفس ورامت القرب منه ثم تمنت الاستمتاع به فيصير فكرها فيه وتصويرها إياه في الغيبة حاضرا وشغلها كله به فيتجدد من ذلك أمراض لانصراف الفكر إلى ذلك المعنى وكلما قويت الشهوة البدنية قوى الفكر في ذلك
فصل ومن اسباب العشق سماع الغزل والغناء فإن ذلك يصور في النفوس
نقوش صور فتتخمر خميرة صورة موصوفة ثم يصادف النظر مستحسنا فتتعلق النفس بما كانت تطلبه حالة الوصف (1/296)
فصل وقد ذكر بعض الحكماء أنه لا يقع العشق إلا لمجانس وأنه يضعف
ويقوى على قدر التشاكل واستدل بقول النبي صلى الله عليه و سلم الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف
قال وقد كانت الأرواح موجودة قبل الأجسام فمال الجنس إلى الجنس فلما افترقت في الأجساد بقي في كل نفس حب ما كان مقاربا لها فإذا شاهدت النفس من نفس نوع موافقة مالت إليها ظانة أنها هي التي كانت قرينتها فإن كان التشاكل في المعاني كانت صداقة ومودة وإن كان في معنى يتعلق بالصورة كان عشقا وإنما يوجد الملل والإعراض في بعض الناس لأن التجربة أبانت ارتفاع المجانسة والمناسبة وأنشدوا في ذلك
وقائل كيف تهاجرتما ... فقلت قولا فيه إنصاف
لم يك من شكلي ففارقته ... والناس أشكال والاف
أخبرنا إبراهيم بن دينار قال أنبأنا محمد بن سعيد بن نبهان قال أنبأنا الحسن بن الحسين النعالي قال حدثنا أحمد بن نصر الذارع قال حدثنا خلف بن الوليد قال حدثنا سهل بن عمرو الفقيمي قال قيل لبعض الحكماء أي الحب أغلب قال حب متشاكلين
وقد روى أبو القاسم سعد بن علي الجرجاني قال حدثنا أبو عبد الله الحسين ابن أحمد بن سليمان الأنصاري قال حدثنا أبو علي هارون بن عبد العزيز الكاتب قال حدثنا أحمد بن محمد الغنوي قال خرجت إلى الكوفة فجاءني ظرفاؤها فقالوا ها هنا فتيان تحابا وقد اعتل أحدهما فنريد أن نعوده (1/297)
فقلت خذوني تعودوا العليل وأعود الصحيح فمضينا فوجدنا فتى ملقى على سرير وفتى منكبا عليه يذب عليه وينظر في وجهه فلما رآنا فرج لنا عن صاحبه فجلس أصحابي حوله وجلست بإزاء الصحيح فكان العليل إذا قال أوه من فخذي قال الصحيح أوه من فخذي وإذا قال أوه من يدي قال الصحيح أوه من يدي إلى أن قالوا قد قضى رحمه الله فشد أصحابي لحى العليل وشددت لحى الصحيح فما برحنا حتى دفناهما رحمهما الله
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا يحيى بن عبد الوهاب بن مندة قال أنبأنا أبو طاهر محمد بن أحمد الكاتب قال أنبأنا أبو محمد بن حيان قال حدثني عبد الله بن أبي بكر عن سويد بن نصر قال اشتري ابن المبارك جارية فأحبها فحج فكتب إليها
هبت الريح من الشرق ... فجائتني بريحك فتنشقت نسيم ... العيش من طيب نفوحك
فتوهمتك حتى ... خلتني بين كشوحك
كيف أنساك وروحي ... صنعت من جنس روحك
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا ابن حيوية قال حدثنا ابن خلف قال أخبرني علي بن صالح ابن نصر عن أبيه قال سئل ذو الرياستين عن المودة فقال إذا تقاربت جواهر النفوس بوصل المشاكلة ثقبت لمحة نور ساطع في عالم الروح فبثته في أقطارها تستضيء به نواظر العقل وتهتز لإشراقه طبائع الحياة فيتصور من ذلك خلق خاص بالنفس يتصل بجورها يسمى الود قال ابن خلف وقال علي بن عبيدة المودة تعاطف القلوب وائتلاف الأرواح (1/298)
وحنين النفوس إلى مباثة الأسرار والإسترواح بالمستكنات في الغرائز واستيحاش الأشخاص لتباين اللقاء وظهور السرور بكثرة التزاور وعلى حسب مشاكله الجوهر يكون الاتفاق في الخصال
فصل وقد ادعو ميل الجنس إلى الجنس فيما لا يعقل فاخبرنا الشريف
أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا جعفر بن احمد بن السراج قال أنبأنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال أنبأنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال أخبرني محمد بن أحمد الحكيمي قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن زهير بن حرب قال سمعت أبا مسلمة المنقري يقول كان عندنا بالبصرة نخلة وذكر من حسنها وطيب رطبها قال ففسدت حتى شيصت قال فدعا صاحبها شيخا قديما يعرف النخل فنظر إليها وإلى ما حولها من النخل فقال هذه عاشقة لهذا الفحل الذي بالقرب منها فلقحت منه فعادت إلى أحسن ما كانت
فصل فإن قيل إذا كان سبب العشق نوع موافقة بين الشخصين في الطباع
فكيف يحب أحدهما صاحبه والآخر لا يحبه
فالجواب أنه يتفق في طبع المعشوق ما يوافق طبع العاشق ولا يتفق في طبع العاشق ما يلائم طبع المعشوق (1/299)
وإذا كان سبب العشق اتفاقا في الطباع بطل قول من قال إن العشق لا يكون إلا للأشياء المستحسنة وإنما يكون العشق لنوع مناسبة وملاءمة ثم قد يكون الشيء حسنا عند شخص غير حسن عند آخر أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن ابن علي قال أنبأنا ابن حيوية قال أنبأنا ابن المرزبان إذنا وحدثنا عنه محمد بن حريث قال أخبرني أبو عبد الله التميمي قال أخبرني علي بن الحسن القرشي عن رجل من أهل المدينة كان أديبا ظريفا طلابة للأدب والملح قال كنت يوما في مجلس رجل من قريش بالمدينة ومعنا قينة ظريفة حسنة الصورة لها حسن فائق وجمال رائق ومعنا فتى من أقبح من رأته العين وأحمقه وأغباه والقينة مقبلة عليه بحديثها وغنائها فبينا نحن كذلك إذ دخل علينا فتى أحسن الناس وجها وأسراه ثوبا وأطيبه ريحا فأقبل علي صاحب البيت فقال لي إن في أمر هذين لعجبا قلت وما ذاك قال هذه الجارية تحب هذا يعني القبيح الوجه وليس لها في قلبه محبة وهذا الحسن الوجه يحبها وليس له في قلبها محبة
فبينا نحن على شرابنا إذ سر الفتى الحسن الوجه
فتغنى بيد الذي شغف الفؤاد بكم ... فرج الذي ألقى من السقم
فاستيقني أن قد كلفت بكم ... ثم افعلي ما شئت عن علم
فاقبلت عليه فقالت قد علمنا ذلك فمه
ثم تركته وأقبلت على القبيح فلبثنا ساعة فغنى الفتى أيضا
ألا ليتني أعمى أصم تقودني ... بثينة لا يخفى على كلامها
قال فقالت اللهم اعط عبدك ما سأل فغاظتني جدا ولم اصبر فقلت (1/300)
لها يا فاجرة تختارين هذا وهو أقبح من ذنوب المصرين على هذا الذي هو أحسن من توبة التائبين
فقالت لي ليس الهوى بالاختيار ثم أنشأت تغني
ولا تلم المحب على هواه ... فكل متيم كلف عميد
يظن حبيبه حسنا جميلا ... وإن كان الحبيب من القرود
فقلت أجل إنه كما قلت وليس في هذا حيلة وذكرت قول عمر بن أبي ربيعة
فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين ما تود وقول آخر
ألم تر أن الحب يستعبد الفتى ... ويدعوه في بعض الأمور إلى الكفر
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا عبد المبارك بن عبد الجبار وعبد القادر بن محمد بن يوسف قالا أنبأنا الجوهري قال أنبأنا ابن حيوية قال أنبأنا محمد بن خلف ابن المرزبان قال أخبرنا أحمد بن بسام قال اخبرني بعض أهل الأدب قال كان إسماعيل بن جامع قد تزوج بالحجاز جارية سوداء مولاة لقوم يقال لها مريم فلما صار من الرشيد بالموضع الذي صار به اشتاق إلى السوداء فقال يذكرها ويذكر الموضع الذي كان يألفها فيه ويجتمعان فيه
هل ليلتي يقفا الحصحاص عائدة ... في قبة ذات أشراج وأزرار
تسمو مجامرها بالمندلي كما ... تسموا بحنانة أفواج إعصار
المسك يبدو إلينا من غلائلها ... والعنبر الورد يذكيه على النار
ومريم بين اثواب منعمة ... طورا وطورا تغنيني بأوتار (1/301)
فقال له الرشيد وقد سمع بشعره ويلك من مريمك هذه التي قد وصفتها صفة حور العين قال زوجتي فوصفها كلاما أضعاف ما وصفها شعرا فأرسل الرشيد إلى الحجاز حتى حملت فإذا هي سوداء طمطمانية ذات مشافر فقال له ويلك هذه مريم التي ملأت الدنيا بذكرها عليك وعليها لعنة الله فقال يا سيدي إن عمر بن أبي ربيعة يقول
فتضاحكن وقد قلن لها ... حسن في كل عين ما تود
أخبرتنا شهدة بنت احمد قالت أخبرنا أبو محمد بن السراج قال أخبرنا الحسن بن محمد الخلال قال أنشدنا يحيى بن علي بن يحيى المعمري قال أنشدنا جعفر بن محمد الصوفي قال أنشدني بعض إخواني لأبي بكر محمد بن داود الفقيه
حملت جبال الحب فيك وإنني ... لأعجز عن حمل القميص وأضعف
وما الحب من حسن ولا من سماحة ... ولكنه شيء به النفس تكلف
فصل وقد يتعرض الإنسان بأسباب العشق فيعشق فإنه قد يرى الشخص فلا
توجب رؤيته محبته فيديم النظر والمخالطة فيقع فيما لم يكن في حسابه كما قال الشاعر
تولع بالعشق حتى عشق ... فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة ... فلما تمكن منها غرق
وفي الناس من توجب له الرؤية نوع محبة فيعرض عن المحبوب فيزول ذلك فإن داوم النظر نمت كالجنة إذا زرعت فإنها إن أهملت يبست وإن سقيت نمت
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال (1/302)
أخبرني علي بن أيوب القمي قال أنبأنا محمد بن عمران المرزباني قال أخبرنا محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن موسى قال أخبرني أبو عبد الله محمد بن علي الهاشمي عن أبي شعيب أحمد بن يزيد قال قلت لأبي العتاهية حدثني بقصتك مع عتبة فقال لي أحدثك
إنا قدمنا من الكوفة ثلاثة فتيان شبانا أدباء وليس لنا ببغداد من نقصده فنزلنا غرفة بالقرب من الجسر فكنا نبكر فنجلس في المسجد الذي بباب الجسر في كل غداة فمرت بنا يوما امرأة راكبة معها خدم سودان فقلنا من هذه قالوا خالصة فقال أحدنا قد عشقت خالصة وعمل فيها شعرا فأعناه عليه
ثم لم يلبث أن مرت بنا أخرى راكبة معها خدم بيضان فقلنا من هذه قالوا عتبة فقلت قد عشقت عتبة فلم يزل كذلك في كل يوم إلى أن التأمت لنا أشعار كثيرة
فرفع صاحبي شعره إلى خالصة ورفعت أنا شعري إلى عتبة
فلم نزل كذلك وألححنا إلحاحا شديدا فمرة تقبل أشعارنا ومرة تطرد إلى أن جدوا في طردنا
فجلست عتبة يوما في أصحاب الجوهر ومضيت فلبست ثياب راهب ودفعت ثيابي إلى إنسان كان معي وسألت عن رجل كبير من اهل السوق فدللت على شيخ فجئت إليه فقلت إنى قد رغبت فى الإسلام على يدى هذه المرأة فقام معى وجمع جماعة من أهل السوق وجاءها فقال إن الله قد ساق إليك خيرا هذا الراهب قد رغب في الإسلام على يديك
فقالت هاتوه فدنوت منها فقلت اشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وقطعت الزنار ودنوت فقبلت يدها فلما فعلت ذلك رفعت البرنس (1/303)
فعرفتني فقالت نحوه لعنه الله فقالوا لا تلعنيه فقد اسلم فقالت إنما فعلت ذلك لقذره
فعرضوا على كسوة فقلت ليس بي حاجة إلى هذه وإنما أردت أن أشرف بولائها والحمد لله الذي من علي بحضوركم
فجعلوا يعلمونني الحمد وصليت معهم العصر وأنا في ذلك بين يديها أنظر إليها لا تقدر لي على حيلة
فلما انصرفت لقيت خالصة فشكت إليها فقالت ليس يخلو هذان من أن يكونا عاشقين أو مستأكلين
فصح عزمهما على امتحاننا بمال على أن ندع التعرض لهما فإن قبلنا المال فنحن مستأكلان وإن لم نقبله فنحن عاشقان فلما كان الغد مرت خالصة فعرض لها صاحبي فقال الخدم أتبعنا فاتبعهم ثم لم نلبث أن مرت عتبة فقال لي الخدم اتبعنا فاتبعتهم فمضت بي إلى منزل خليط لها بزاز فلما جلست دعت بي فقالت لي يا هذا إنك شاب وأرى بك أدبا وأنا حرمة خليفة وقد تأبيتك فإن أنت كففت وإلا أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين ثم لم آمن عليك
قلت فافعلي بأبي أنت وأمي وإنك إن سفكت دمي أرحتيني فأسألك بالله إلا فعلت ذلك إذا لم يكن لي فيك نصيب فأما الحبس والحياة ولا أراك فأنت في حرج من ذلك
فقالت لا تفعل يا هذا وأبق على نفسك وخذ هذه الخمسمائة دينار واخرج عن هذا البلد فلما سمعت ذكر المال وليت هاربا فقالت ردوه فلم تزل ترادني فقلت جعلت فداك ما أصنع بعرض من الدنيا وأنا لا أراك وإنك لتبطئين يوما واحدا عن الركوب فتضيق بي الأرض بما رحبت
وهي تأبى إلا ذكر المال حتى جعلت لي ألف دينار فأبيت وجاذبتها مجاذبة شديدة وقلت لو أعطيتيني جميع ما يحويه الخليفة ما كانت لي فيه حاجة وأنا لا أراك بعد أن أجد السبيل إلى رؤيتك (1/304)
وخرجت فجئت الغرفة التي كنا ننزلها وإذا صاحبي مورم الأذنين وقد امتحن بمثل محنتي فلما مد يده إلى المال صفعوه وحلفت خالصة لئن رأته بعد ذلك لتودعنه الحبس فاستشارني في المقام فقلت أخرج وإياك أن تقدر عليك ثم التقتا فأخبرت كل واحدة صاحبتها الخبر وأحمدتني عتبة وصح عندها أني محب محق فلما كان بعد أيام دعتني فقالت بحياتي عليك إن كنت تعزها إلا أخذت ما يعطيك الخادم فأصلحت به من شأنك فقد غمني سوء حالك فامتنعت فقالت ليس هذا مما تظن ولكن لا أحب أن أراك في هذا الزي فقلت لو أمكنني أن تريني في زي المهدي لفعلت ذلك فأقسمت علي فأخذت الصرة فإذا فيها ثلاثمائة دينار فاكتسيت كسوة حسنة واشتريت حمارا
فصل ويتأكد العشق بإدمان النظر وكثرة اللقاء وطول الحديث فإن انضم
إلى ذلك معانقة أو تقبيل فقد تم استحكامه وقد ذكر حكماء الأوائل أنه إذا وقعت القبل بين المتحابين ووصلت بلة من ريق كل واحد منهما إلى معدة الآخر اختلط ذلك بجميع البدن ووصل إلى جرم الكبد
وهكذا إذا تنفس كل واحد منهما في وجه صاحبه فإنه يخرج مع ذلك النفس شيء من نسيم كل واحد منهما فيختلط بأجزاء الهواء فإذا استنشقا من ذلك الهواء دخل في الخياشيم ووصل بعضه إلى الدماغ فسرى فهي كسريان النور في جرم البللور ووصل بعضه إلى جرم الرئة ثم إلى القلب فيدب في العروق الضوارب في جميع البدن فينعقد من بدن هذا ما تحلل من بدن هذا فيصيرمزاجا به يتولد العشق وينمى (1/305)
الباب السابع والثلاثون في ذكر ذم العشق
اختلف الناس في العشق هل هو ممدوح أو مذموم
فقال قوم هو ممدوح لأنه لا يكون إلا من لطافة الطبع ولا يقع عند جامد الطبع حبيسه ومن لم يجد منه شيئا فذلك من غلظ طبعه
فهو يجلو العقول ويصفي الأذهان ما لم يفرط
فإذا أفرط عاد سما قاتلا
وقال آخرون بل هو مذموم لأنه يستأمر العاشق ويجعله في مقام المستعبد
قلت وفصل الحكم في هذا الفصل أن نقول اما المحبة والود والميل إلى الأشياء المستحسنة والملائمة فلا يذم ولا يعدم ذلك إلا الحبيس من الأشخاص
فأما العشق الذي يزيد على حد الميل والمحبة فيملك العقل ويصرف صاحبه على غير مقتضى الحكمة فذلك مذموم ويتحاشى من مثله الحكماء
وأما القسم الأول فقد وقع فيه خلق كثير من الأكابر ولم يكن عيبا في حقهم
اخبرنا محمد بن أبي القاسم قال انبأنا حمد بن أحمد قال أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا أبو احمد الغطريفي قال حدثنا أبو الفضل محمد بن الفضل قال حدثني محمد بن سعيد القزاز قال حدثنا أبو أمية قال حدثنا إبراهيم بن محمد الهذلي عن هشيم عن مجالد عن الشعبي أنه كان يقول
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فأنت وعير بالفلاة سواء
وقد روى أبو عبد الله المرزباني أن أبا نوفل سئل هل يسلم أحد من الشعق (1/306)
فقال نعم الجلف الجافي الذي ليس فيه فضل ولا عنده فهم وأما من في طبعه أدنى ظرف أو معه دماثة أهل الحجاز ورقة أهل العراق فهيهات
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا القاضي أبو القاسم علي بن الحسن التنوخي قال حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الرحمن ابن أحمد المازني قال حدثنا الحسن بن القاسم بن جعفر الكوكبي قال حدثنا عيسى ابن محمد أبو ناظرة السدوسي قال حدثني قبيصة بن محمد المهلبي قال أخبرني اليمان بن عمرو مولى ذي الرياستين قال كان ذو الرياستين يبعثني ويبعث أحداثا من أحداث أهله إلى شيخ بخراسان له أدب وحسن معرفة بالأمور ويقول لنا تعلموا منه الحكمة فإنه حكيم
فكنا ناتيه فإذا انصرفنا من عنده سألنا ذو الرياستين واعترض ما حفظناه فيخبرونه
فقصدنا ذات يوم إلى الشيخ فقال أنتم أدباء وقد سمعتم ولكم جدات ونعم فهل فيكم عاشق فقلنا لا
فقال اعشقوا فإن العشق يطلق اللسان العي ويفتح حيلة البليد والمختل ويبعث على التنظيف وتحسين اللباس وتطييب المطعم ويدعو إلى الحركة والذكاء وتشرف الهمة وإياكم والحرام
فانصرفنا من عنده إلى ذي الرياستين فسألنا عما أخذنا في يومنا ذلك فهبناه أن نخبره فعزم علينا فقلنا إنه أمرنا بكذا وكذا قال صدق والله تعلمون من أين أخذ هذا قلنا لا قال ذو الرياستين إن بهرام جور كان له ابن وكان قد رشحه للأمر من بعده فنشأ الفتى ناقص الهمة ساقط المروءة خامل النفس سيء الأدب فغمه ذلك ووكل به المؤدبين والحكماء ومن يلازمه ويعلمه وكان يسألهم عنه فيحكون له ما يغمه من سوء فهمه وقلة أدبه إلى أن سأل بعض مؤدبيه يوما فقال له المؤدب قد كنا نخاف (1/307)
سوء أدبه فحدث ما جرنا إلى اليأس من إفلاحه
قال وما ذاك الذي حدث قال رأى ابنة فلان المرزبان فعشقها حتى غلبت عليه فهو لا يهدى إلا بها ولا يتشاغل إلا بذكرهاز فقال بهرام الآن رجوت فلاحه ثم دعا بأبي الجارية فقال له إني مسر إليك سرا فلا يعدونك فضمن له ستره فاعلمه أن ابنه قد علق ابنته وأنه يريد أن ينكحها إياه وأمره أن يأمرها بإطماعه في نفسها ومراسلته من غير أن يراها وتقع عينه عليها فإذا استحكم طمعه فيها تجنت عليه وهجرته فإن استعتبها أعلمته أنها لا تصلح إلا لملك ومن همته همة ملك وأنه يمنعها من مواصلته أنه لا يصلح للملك ثم ليعلمه خبرها وخبره ولا يطلعها على ما أسر إليه
فقبل أبوها ذلك منه
ثم قال للمؤدب الموكل به خوفه وشجعه على مراسلة المرأة ففعل ذلك وفعلت المرأة ما أمرها به أبوها فلما انتهت إلى التجني عليه وعلم الفتى السبب الذي كرهته له أخذ في الأدب وطلب الحكمة والعلم والفروسية والرماية وضرب الصوالجة حتى مهر في ذلك ثم رفع إلى أبيه أنه محتاج من الدواب والآلات والمطاعم والملابس والندماء إلى فوق ما تقدم له فسر بذلك الملك وأمر له به ثم دعا مؤدبه فقال إن الموضع الذي وضع به ابني نفسه من حب هذه المرأة لا يزرى به فتقدم إليه أن يرفع إلى أمرها ويسألني أن أزوجه إياها
ففعل
فرفع الفتى ذلك إلى أبيه فدعا بأبيها فزوجها إياه وأمر له بتعجيلها إليه وقال له إذا اجتمعت وهي فلا تحدث شيئا حتى أصير إليك فلما اجتمعا صار إليه فقال يا بني لا يضعن عندك منها مراسلتها إياك وليست في حبالك فإني أنا أمرتها بذلك وهي أعظم الناس منه عليك بما دعتك إليه من طلب (1/308)
الحكمة والتخلق بأخلاق الملوك حتى بلغت الحد الذي تصلح معه للملك من بعدي فزدها من التشريف والإكرام بقدر ما تستحق منك
ففعل الفتى ذلك وعاش مسرورا بالجارية وعاش أبوه مسرورا به وأحسن ثواب أبيها ورفع مرتبته وشرفه بصيانته سره وطاعته وأحسن جائزة المؤدب بامتثاله أمره وعقد لابنه على الملك بعده قال اليمان مولى ذي الرياستين ثم قال لنا ذو الرياستين سلوا الشيخ الآن لم حملكم على العشق فسألناه فحدثنا بحديث بهرام جور وابنه
فصل وأما القسم الثاني من العشق فمذموم لا شك فيه وبيان ذمه أن
الشيء إنما يعرف ممدوحا أو مذموما بتأمل ذاته وفوائده وعواقبه وذات العشق لهج بصورة وهذا ليس فيه فضيلة فيمدح ولا فائدة في العشق للنفس الناطقة وإنما هو أثر غلبة النفس الشهوانية لأنها لما قويت أحبت ما يليق بها ألا ترى أن الصبيان يحبون التماثيل واللعب أكثر من محبتهم للناس لضعف نفوسهم وكونها مماثلة للصور لخلوها عن رياضة فإذا ارتاضت نفوسهم ارتفعت هممهم إلى ما هو أعلى وهو حب الصور الناطقة فإذا ارتاضت نفوسهم بالعلوم والمعارف ارتفعت عن حب الذوات ذوات اللحم والدم إلى ما هو أشرف منها
وأتم أحوال النف الشهوانية وجودها مع شهواتها من غير منغص وأتم أحوال النفس الحيوانية وجود غرضها من القهر والرياسة وأتم احوال النفس الناطقة وجودها مدركة لحقائق الأشياء بالعلم والمعرفة (1/309)
وهذه النفس لا يستأسرها الهوى فإن أمالها طبعها أقامها فكرها وانتاشها من يده عقلها وفهمها لأنها تتفكر فيما قد نابها فتتلمح منتهاه وترى غايته وليس من شأنها الوقوف لأنها في السير أبدا تترقى من علم إلى علم والعاشق واقف مع صورة جامدة عن التحرك والعارف بالله سبحانه في السير لا يفتر ولا ينكر أن يقوى طبعه عليه في حال وتميل به المحبة للصور أحيانا غير أنه لا يصير أسيرا إنما يميل يسيرا
قال بعض الحكماء ليس العشق من أدواء الحصفاء إنما هو من أمراض الخلعاء الذين جعلوا دأبهم ولهجهم متابعة النفس وإرخاء عنان الشهوة وإمراج النظر في مستحسنات الصور فهنالك تتقيد النفس ببعض الصور فتأنس ثم تألف ثم تتوق ثم تلمح فيقال عشق وليس هذا من صفات الحكماء لأن الحكيم من استطال رأيه على هواه وتسلطت حكمته على شهوته فرعونات طبعه مقيدة أبدا كصبي بين يدي معلمه أو عبد بمرأى سيده وما كان الشعق قط إلا لارعن بطال وقل أن يكون لمشغول بصناعة أو تجارة فكيف لمشغول بالعلوم والحكم فإنها تصرفه ذلك ولهذا لاتكاد تجده في الحكماء
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا أبو عمر بن حيوية قال حدثنا محمد بن المرزبان قال حدثني هارون بن محمد قال أخبرني أبو عبد الله القرشي قال حدثني الحكم قال قيل لرجل من بني عامر هل تعرفون فيكم المجنون الذي قتله الحب فقال إنما يموت من الحب هذه اليمانية الضعاف القلوب
قال ابن عقيل العشق مرض يعتري النفوس العاطلة والقلوب الفارغة والمتلمحة للصور لدواع من النفس ويساعدها إدمان المخالطة فتتأكد الألفة (1/310)
ويتمكن الأنس فيصير بالإدمان شغفا وما عشق قط إلا فارغ فهو من علل البطالين وامراض الفارغين من النظر في دلائل العبر وطلب الحقائق المستدل بها على عظم الخالق ولهذا قل ما تراه إلا في الرعن البطرى وأرباب الخلاعة النوكى وما عشق حكيم قط لأن قلوب الحكماء أشد تمنعا عن أن تقفها صورة من صور الكون مع شدة تطلبها فهي ابدا تلحظ وتخطف ولا تقف وقل أن يحصل عشق من لمحة وقل أن يضيف حكيم إلى لمحة نظرة فإنه مار في طلب المعاني ومن كان طالبا لمعرفة الله لاتقفه صورة عن الطلب لأنها تحجبه عن المصور وحوشيت قلوب الحكماء الطالبين فضلا عن الواصلين العارفين من أن تحبسهم الصور أو تفتنهم الأشكال عن الترقي في معارج مقاصدهم أو تحطهم عن مراكزهم إلى محل الأثقال الراسية بل هم أبدا في الترقي هاتكون للحجب والأستار بقوة النظر
فصل وقد بان بما ذكرنا أن مراد النفس الشهوانية اللذة فلنقدح في
اللذات مطلقا بما يبين به عيب العشق ثم نخصه بما يليق به فنقول اعلم أن اللذة الحسنة ليست شيئا مطلوبا في ذاتها إنما هي دفع حادث مؤذ ليعود الإنسان إلى حالته قبل ذلك الحادث ومثال هذا كرجل خرج من مكان ظليل فسار في الشمس فمسه الحر ثم عاد إلى الظل فإنه يلتذ بذلك المكان إلى أن يعود إلى حالته الأولى ثم يفقد الالتذاذ ويكون اشتداد اللذة على قدر اشتداد بلوغ أذى الحر إليه وقد يتصور صاحب اللذة أنها حصلت من غير أذى سابق وليس كذلك إذ لا يمكن أن تقع لذة حسنة إلا بمقدار التأذي بالخروج (1/311)
عن الطبيعة كما أنه بمقدار أذى الجوع والعطش يكون الالتذاذ بالطعام والشراب فإذا عاد الجائع والعطشان إلى حالته الأولى كان إكراهه على تناولهما أبلغ شيء في أذاه وأرباب الطلب للملذوذ لا يرون إلا صورة بلوغ الغرض وهم عمون بحجاب الهوى الذي قدمنا ذمه عن فهم ما قلنا غافلون عما تنطوي عليه اللذة من المخاطرة بالنفوس وإنكسار الجاه وحصول الإثم وغير ذلك فلو قد كشف فجر التيقظ سجاف ليل الهوى فرأوا بأعين البصائر ما يحتوي عليه الهوى من الآفات لهان عليهم غرضهم
قال سقراط اللذة مشناق من عسل وقال غيره اللذة مشوبة بالقبح فتفكروا في إنقطاع اللذة وبقاء ذكر القبح وقال آخر عار الفضيحةكدر لذتها
فصل وإذا ثبت عيب اللذات عند العقول النيرة بما أشرنا إليه فهذا
العيب لازم في باب العشق بل هو به أجدر فإن إعمال البصر في تكرار النظر حقن في نفس العاشق طلب الالتذاذ فكلما نال لذة بنظرة دفع بعض الأذى الذي جلبه لنفسه إلا أنه يجتلب بتلك النظرة من الشر أضعاف ما دفع من جهة أن تكرار النظر يقوي القلق إلى الحبيب ولا شفاء لذلك إلا أن ينتهي إلى غايته المطلوب من المتعة الدائمة التي تمتد إلى بداية الملل وبعض ذلك قد يوجب خزي الدنيا والاخرة (1/312)
فصل واعلم أن العشاق قد جاوزوا حد البهائم في عدم ملكة النفس في
الانقياد إلى الشهوات لأنهم لم يرضوا أن يصيبوا شهوة الوطء وهي أقبح الشهوات عند النفس الناطقة من أي موضع كان حتى أرادوها من شخص بعينه فضموا شهوة إلى شهوة وذلوا للهوى ذلا على ذل والبهيمة إنما تقصد دفع الأذى عنها فحسب وهؤلاء استخدموا عقولهم في تدبير نيل شهواتهم
فصل فقد بان لك بما ذكرنا عيب اللذات وعيب العشق من حهة مشابهته
للذات وبينا أنه يزيد عيبه على عيب اللذات مطلقا ونزيد ذلك شرحا ها هنا فنقول العشق بين الضرر في الدين والدنيا
أما في الدين فإن العشق أولا يشغل القلب عن الفكر فيما خلق له من معرفة الإله والخوف منه والقرب إليه ثم بقدر ما ينال من موافقة غرضه المحرم يكون خسران آخرته وتعرضه لعقوبة خالقه فكلما قرب من هواه بعد من مولاه ولا يكاد العشق يقع في الحلال المقدور عليه فإن وقع فيا سرعان زواله قال الحكماء كل مملوك مملول وقال الشاعر
وزادني شغفا بالحب أن منعت ... وحب شيء إلى الإنسان ما منعا
فإذا كان المعشوق لا يباح اشتد القلق والطلب له فإن نيل منه غرض (1/313)
فالعذاب الشديد في مقابلته على أن بلوغ الغرض يزيده ألما فتربي مرارة الفراق على لذة الوصال كما قال قائلهم
كل شيء ربحته في التلاقي ... والتداني خسرته في الفراق وإن منعه خوف الله تعالى عن نيل غرض فالامتناع عذاب شديد فهو معذب في كل حال
فصل وأما ضرر العشق في الدنيا فإنه يورث الهم الدائم والفكر اللازم
والوسواس والأرق وقلة المطعم وكثرة السهر ثم يتسلط على الجوارح فتنشأ الصفرة في البدن والرعدة في الأطراف واللجلجة في اللسان والنحول في الجسد فالرأي عاطل والقلب غائب عن تدبير مصلحته والدموع هواطل والحسرات تتابع والزفرت تتوالى والأنفاس لا تمتد والأحشاء تضطرم فإذا غشى على القلب إغشاء تاما أخرجت إلى الجنون وما أقربه حينئذ من التلف هذا وكم يجني من جناية على العرض ووهن الجاه بين الخلق وربما أوقع في عقوبات البدن وإقامة الحد وقد أنشدوا
وما عاقل في الناس يحمد أمره ... ويذكر إلا وهو في الحب أحمق
وما من فتى ذاق بؤس معيشة ... من الناس إلا ذاقها حين يعشق
قال جالينوس العشق من فعل النفس وهي كامنة في الدماغ والقلب والكبد وفي الدماغ ثلاثة مساكن مسكن للتخيل وهو في مقدم الرأس ومسكن للفكر وهو في وسطه ومسكن للذكر وهو في مؤخره ولا يسمى عاشقا إلا من إذا فارق معشوقة لم يخل من تخيله فيمتنع عن الطعام والشراب عن باشتغال الكبد ومن النوم باشتغال الدماغ بالتخيل والفكر والذكر فتكون جميع مساكن النفس قد اشتغلت به (1/314)
فصل ولقد وصف الحكماء قبح ما فيه العشاق فأبلغوا وكانت تأتي على
عقلاء العشاق أحيانا إفاقة فيصفون قبح ما هم فيه
اخبرنا إبراهيم بن دينار قال أنبأنا ابن نبهان قال أنبأنا ابن دوما قال أنبأنا أحمد نصر الذارع قال حدثنا صدقة بن موسى قال حدثنا الجاحظ قال ذكر لي عن بعض حكماء الهند أنه قال إذا ظهر العشق عندنا في رجل أو أمرأة غدونا على أهله بالتعزية قال الجاحظ وبلغني أن عاشقا مات بالهند عشقا فبعث ملك الهند إلى المعشوق يقتله به
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا أبو الفضل الربعي قال قال رجل من الهند إذا ظهر العشق عندنا في أحد غدونا عليه بالتعزية
قال الربعي وسمعت أعرابية تقول مسكين العاشق كل شيء عدوه هبوب الرياح يقلقه ولمعان البرق يؤرقه ورسوم الديار تحرقه والعذل يؤلمه والتذكر يسقمه والبعد ينحله والقرب يهيجه والليل يضاعف بلاه والرقاد يهرب منه ولقد تداويت بالقرب والبعد فلم ينجح فيه دواء ولا عزى فيه عزاء ولقد أحسن الذي يقول
وقد زعموا أن المحب إذا دنا ... يمل وأن النأي يشفي من الوجد
بكل تداوينا فلم يشف ما بنا ... على ان قرب الدار خير من البعد
قال محمد بن جعفر وأنشدني المارستاني (1/315)
إذا قربت دار كلفت وإن نأت ... أسفت فلا بالقرب أسلو ولا البعد
وإن وعدت زاد الهوى لانتظارها ... وإن بخلت بالوعد مت على الوعد
ففي كل حب لا محالة فرحة ... وحبك ما فيه سوى محكم الجهد
أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الخبرية قالت أنبأنا علي بن الحسن بن الفضل قال أنبأنا أحمد بن محمد الكاتب قال حدثنا ابن المغيرة الجوهري قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني موهوب بن رشيد قال وقفت امرأة من بني عقيل على أخت لها فقالت لها يا فلانة كيف أصبحت من حب فلان قالت قلقل والله حبه الساكن وسكن المتحرك ثم أنشدتها
ولو أن ما بالحصى فلق الحصى ... وبالريح لم يسمع لهن هبوب
ولو أنني استغفر الله كلما ... ذكرتك لم تكتب علي ذنوب
فقالت لا جرم والله لا أقف حتى أسأله كيف أصبح من حبك فجاءته فسألته فقال إنما الهوى هوان وإنما خولف باسمه وإنما يعرف ما أقول من كان مثلي أبكته المعارف والطلول
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أبو عمر بن حيوية عن ابن المرزبان قال حدثني أبو بكرالعامري وأبو محمد البلخي قالا أنبأنا أبو عبد الله القرشي قال حدثنا مسلم بن عبد الله بن جندب الهذلي قال خرجت أنا وزبان السواق إلى العقيق فلقينا نسوة نازلات من العقيق ذوات جمال وفيهن جارية حسناء العينين فأنشد زبان قول أبي
ألا يا عباد الله هذا أخوكم ... قتيلا فهل فيكم له اليوم ثائر
خذوا بدمي إن مت كل خريدة ... مريضة جفن العين والطرف ساحر (1/316)
قال فأقبل علي واشار إليها فقال يابن الكرام دم أبيك والله في اثوابها فلا تطلب أثرا بعد عين
قال فأقبلت علي امرأة معها جميلة أجمل من تيك فقالت أنت ابن جندب قلت نعم فقالت إن أسيرنا لا يفك وقتيلنا لا يدى فاحتسب أباك واغتنم نفسك ومضين
فصل فيه أشعار قيلت في ذم العشق
أخبرنا إبراهيم بن دينار قال أنبأنا ابن نبهان قال أنبأنا ابن دوما قال أنبأنا أحمد بن نصر الذارع قال أنبأنا صدقة بن موسى قال حدثنا الأصمعي قال سئل أعرابي عن الحب فقال وما الحب وما عسى أن يكون هل هو إلا سحر أو جنون ثم أنشأ يقول
هل الحب إلا زفرة بعد زفرة ... وحر على الأحشاء ليس له برد
وفيض دموع من جفوني كلما ... بدا علم من ارضكم لم يكن يبدو
قال الأصمعي وقلت لأعرابي ما الحب فقال
الحب مشغلة عن كل صالحة ... وسكرة الحب تنفي سكرة الوسن
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال حدثنا محمد بن جعفر قال أنشدني الصيدلاني
قالت جننت على رأسي فقلت لها ... العشق أعظم مما بالمجانين
العشق ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين (1/317)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال حدثنا علي بن أيوب القمي قال حدثنا محمد بن عمران بن موسى قال وجدت بخط أبي عبد الله اليزيدي عن عمه أبي أبي جعفر أحمد بن محمد لأبيه محمد بن أحمد اليزيدي
كيف يطيق الناس وصف الهوى ... وهو جليل ما له قدر
بل كيف يصفو لحليف الهوى ... عيش وفيه البين والهجر وله أيضا والهوى أمر عجيب شأنه ... تارة يأس وأحيانا رجا
ليس ممن مات منه عجب ... إنما يعجب ممن قد نجا
أخبرنا المحمدان ابن عبد الملك وابن أبي منصور قالا أنبأنا الحسن بن أحمد بن خيرون قال أنشدنا أبو عمر بن الفلوة
صبت على كبدي من حبها حرقا ... لو أن أبردها بالماء ما شربا
لو كنت أملك قلبي أو يطاوعني ... لصنته وكفاني أن يقال صبا
وقال محمد بن عبد الله بن مناذر
من فتى اصبح في الحب ... م سقاه الحب سما
كلما أخفى جوى الحب ... م عليه الدمع نما
ساهر لا يطعم النوم ... إذا الليل ادلهما
كلما راقب نجما ... فهوى راقب نجما
أنتم همي فإن لم ... تصلوني مت غما
يا ثقاتي خطم الحب ... م لكم أنفى وزما
يا أخي دائي جوى الحب ... م وداء الناس جما
لا تلم مفتضحا في الحب ... إن الحب أعمى
ولمحمد بن أبي أمية (1/318)
فوالله ما أدري أمن لوعة الهوى ... صبرت على التقصير أم ليس لي قلب
أقبح أمرا والفؤاد يحبه أجن فؤادي في الهوى بل هو الحب وله
حياض الحب مترعة منايا ... مطوقة بلذات النعيم
قرين الحب يأنس بالهموم ... ويكثر فكرة القلب السليم
وأعظم ما يكون به أغتباطا ... على خطر ومطلع عظيم وقال البحتري
قال بطلا وأمال الرأي من ... لم يقل إن المنايا في الحدق إن تكن محتسبا من قد ثوى ... بحمام فاحتسب من قد عشق وقال ابو تمام
أما الهوى فهو العذاب فإن جرت ... فيه النوى فأليم كل أليم ولابن أبي حصينة
والعشق يجتذب النفوس إلى الردى ... بالطبع واحسدي لمن لم يعشق
طرق الخيال فهاج لي بطروقه ... ولها فليت خيالها لم يطرق ولابن الرومي
قبح الهوى ملك السماء فلم يزل ... دينا يدين قويه لضعيفه
ولحى الصبا بعد المشيب فإنه ... شأو يريك الحر خلف وصيفه وله
الحب داء عياء لا دواء له ... تضل فيه الأطباء النحارير
قد كنت احسب أن العاشقين غلوا ... في وصفه فإذا بالقوم تقصير
ولصالح بن عبد القدوس (1/319)
عاص الهوى إن الهوى مركب ... يصعب بعد اللين منه الذليل
إن يجلب اليوم الهوى لذة ... ففي غد منه البكا والعويل ولابن المعتز
لقد كنت دهرا عسوفا جليدا ... على ما ينوب قويا جليدا
فصيرني الحب لا أستطيع ... أقيل بكفي من الأرض عودا وله
أيها الركب بلغوها سلامي ... واتقوا لحظ طرفها السحارا
إن مس الهوى خفي كداء ... العر يعدي فيفسد الأبرارا وله
والحب سلطان له عبيد ... مجان لم يشروا بأثمان وله
كم قد رأينا قاهرا سلطانه ... لبس الهوى فأذله سلطانه وله
وكأن الهوى امرؤ علوى ... ظن اني وليت قتل الحسين
وكأني لديه نجل زياد ... فهو يختار أوجع القتلين وله
أيا قلب ذق خالفتني وعصيتا ... نهيتك عما ضرني فأبيتا
عصيت مقالي في التسرع في الهوى ... وخالفتني فيه فكيف رأيتا
أخبرتنا شهدة بن أحمد قالت أنبأنا ابو محمد بن السراج قال أنبأنا علي بن (1/320)
المحسن التنوخي قال أنبأنا أبو عمر بن حيوية قال أنبأنا محمد بن خلف قال حدثني أبو علي الحسن بن صالح قال قال مساور الوراق قلت لمجنون كان عندنا وكان شاعرا يقال إن عقله ذهب لفقد إبنه عم كانت له أجز هذا البيت
وما الحب إلا شعلة قدحت بها ... عيون المها باللحظ بين الجوانح فقال على المكان
ونار الهوى تخفى وفي القلب فعلها ... كفعل الذي جاءت به كف قادح
وقال أبو عبد الله بن الحجاج
ويحك يا قلب ما أغفلك ... تعشق من يعشق أن يقتلك
وأنت يا طرفي أوقعتني ... ويحك يا طرف ما لي ولك
قد كان من حق بكاي على ... من يبتلى بالحب أن يشغلك
حتى توصلت لقلبي فلا ... كنت ولا كان الذي أرسلك وله
يا سائلي عن دمي لا تطلبوا أحدا ... بعدي به فدمي المسفوك في عنقي
إني حملت على نفسي لشقوتها ... مثل الجبال من البلوى فلم تطق وله
قل لقلبي لم تشكو ... لا شفى الله غليلك أنت يا مسكين ... خلطت وأكثرت فضولك
يوم صيرت إلى بدر ... الدجى عني رسولك
طالبا هيهات يا قلبي ... مالا يستوي لك (1/321)
ولأبي الفرج الوأواء
سبل الهوى وعر ... حلو الهوى مر
برد الهوى حر ... يوم الهوى دهر
سر الهوى جهر ...
ولأبي محمد علي بن حسان
لولاك ما نزل القتير براسي ... واصارني حرضا لدي جلاسي
أمسي واصبح خاضعا متذللا ... من بعد طول تأنف وشماس
لولا قضاء الله وهو اصارني ... لك صاحبا ما كنت من أحلاسي
ولو انجلت عن ناظري غيابة ... تغشى رأيتك مثل كل الناس
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنشدت لأبي الحسن علي بن عبد الرحمن الصقلي ابتداء قصيدة له وقد لقيته بإسكندرية
هذي الخدود وهذه الحدق ... فليدن من بفؤاده يثق
لو أنهم عشقوا لما عذلوا ... لكنهم عذلوا وما شقوا
عنفوا علي بلومهم سفها ... لو جرعوا كأس الهوى رفقوا
ليس الفؤاد معي فأعلم ما ... قد نال منه الشوق والقلق
ما الحب إلا مسلك خطر ... عسر النجاة وموطن قلق
ولأبي بكر هبة الله بن الحسن العلاف
أقول وقد جد الغرام بمهجتي ... وفاضت جفوني بعد أدمعها دما
إذا شئت أن تلقى من الناس ميتا ... على صورة الأحياء فالق متيما
وقال عبد المحسن بن غالب الصوري
أطلعني الحب على غيبه ... فصرت أدري اليوم ما في غد
والله ما عورضت في مهجتي ... إلا لأن أرفع عنها يدي (1/322)
وقال أيضا
وكان ابتداء الذي بي مجونا ... فلما تمكن أمسى جنونا
وكنت أظن الهوى هينا ... فلاقيت منه عذابا مهينا
وقال أيضا
ردوا علينا ما أخذتم لنا ... وعاودونا فيه إن عدنا ما زالت الأسرار مكتومة ... ماسمع الناس ولا قلنا
أيسر ما في أمرنا أننا ... لما حفظنا عهدكم ضعنا وله
كأس الهوى والخمر واحدة ... كل مسلطة على العقل وله
وللحب غايات وأسهلها الردى ... وقد صار عندي عندما نالني سهلا
وقال أبو منصور بن الفضل
فما في الهوى مرعى يطيب لذائق ... ولا مورد عذب يلذ به حاسي
سؤال مغان ربعها أخرس الصدى ... وشكوى إلى من قلبه لين قاسي وله
كلف تجلدت الذي أستطيعه ... هل في إلا قدرة الإنسان
ولئن فررت من الهوى بحشاشتي ... فالحب شر متالف الحيوان وله
نود النحور ونهوى الثغور ... ونعلم أنا نحب المتونا وله
النجاء النجاء من ارض نجد ... قبل أن يعلق الفؤاد بوجد (1/323)
كم خلى غدا إليه وأمسى ... وهو يهذي بعلوة وبهند
ولأبي بكر محمد بن عمر العنبري
يا صاح إني مذ عرفت الهوى ... غرقت في بحر بلا ساحل
عيني لحيني نظرت نظرة ... رحت لها في شغل شاغل
علقته في البيت من فارس ... لكنه في السحر من بابل
يظلمني والعدل من شأنه ... ما أوجع الظلم من العادل
وقال شيخنا أبو عبد الله البارع
يا قلب صبرا لنبل غنج ... من مقلة الشادن المليحة
هذا الذي كنت في مساء ... أنهاك عنه وفي صبيحه
حتى إذا ما وقعت فيه ... وصرت في حالة قبيحه
جئت من الحب مستغيثا ... تسألني سلوة مريحه
كطالب الرشد عند أعمى ... وقابس النار في البطيحه
سوف أنادي عليك حتى ... تصير بين الملا فضيحه
هذا جزا من نصحت جهدي ... له فلم يقبل النصحيه وله أيضا
أبت نار قلبك إلا استعارا ... وماء شؤونك إلا انهمارا
وكنت صبورا قبيل الفراق ... فهلا أطقت عليه اصطبارا
أهاب بقلبك داعي النوى ... غداة الوداع ألا لا فرارا
فأزمع إذا أزمعوا نية ... فراق حشاك وساروا فسارا
فلست تراك ضني بعدها ... عيون العوائد حتى تمارى كأن لم يطف بسواك الهوى ... ولا احتل غير سويداك دارا (1/324)
وقد مات قيس به هائما ... فما أدركت عامر منه ثارا
وأودى بعروة من قبله ... فلم تغز عذرة عنه انتصارا
ومات بدائهما توبة ... أحبو كراما وماتوا حرارا
وأنت على إثرهم سالك ... سبيلهم فالفرار الفرارا
وكنت وليلى رضيعي هوى ... وجاري صفا ما تذم الجوارا
فأصبح قد جد حبل الوصال ... وجد الفراق فشطت مزارا
وقد خلفتني أرعى النجوم ... اين بدا ذا وذا أين غارا وقال آخر
أيها النائمون حولي هنيا ... هكذا كنت حيث كنت خليا
من رآني فلا يديمن لحظا ... وليكن من جليسه سامريا
وقال آخر
من سره أن يرى المنايا ... بعينه منظرا صراحا
فليحس كأسا من التجني ... وليعشق الأوجه الملاحا
يا أعينا أرسلت مراضا ... فاختلست أعينا صحاحا وقال آخر
من كان لم يذق الهوى فليأتني ... أخبره من طب به ذواق
الحب أوله يلذ مذاقه ... فإذا خبرت خبرت شر مذاق وقال آخر
ما أقتل الحب والإنسان يجهله ... وكل مالم يذقه فهو مجهول
راح الرماة إلى بعض المها فإذا ... بعض الرماة ببعض الصيد مقتول (1/325)
الباب الثامن والثلاثون في ذكر ثواب من عشق وعف وكتم
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر بن سهل قال حدثنا يعقوب بن عيسى من ولد عبد الرحمن بن عوف عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عشق فعف فمات فهو شهيد
أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا الحسن بن الحسين النعالي قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن نصر الذارع قال حدثنا أحمد بن محمود الأنباري قال حدثنا سويد بن سعيد الحدثاني قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق فمات فهو شهيد
أخبرنا إبراهيم بن دينار قال أنبأنا أبو علي محمد بن سعيد بن نبهان قال أنبأنا الحسن بن الحسين بن دوما قال أنبأنا احمد بن نصر الذارع قال حدثنا صدقة بن موسى وأحمد بن محمود الأنباري والقاسم بن أحمد قالوا (1/326)
حدثنا سويد بن سعيد الحدثاني قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق وكتم وعف فمات فهو شهيد
قال الذارع قال لنا عمر بن زكريا المؤدب معنى وكتم كتم من يحبه أنه يحبه
وبالإسناد قال حدثنا الذراع قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا زكريا بن يحيى الكوفي قال حدثنا محمد بن حريث عن مطر عن أبيه عن أبي سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال من عشق فعف فمات دخل الجنة
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي قال أنبأنا محمد ابن طلحة النعالي قال حدثنا أحمد بن محمد الصرصري قال حدثنا إبراهيم ابن جعفر الفقيه عن سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم قال من عشق وكتم وعف ثم مات مات شهيدا
أخبرنا عبد الرحمن قال أنبأنا أحمد بن علي قال حدثنا المؤمل بن أحمد الصفار قال حدثنا ابو حفص عمر بن إبراهيم الكتاني قال حدثنا أبو القاسم ابن بكير التميمي قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا سويد ابن سعيد عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق فعف وكتم ثم مات فهو شهيد
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد السراج قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال حدثنا علي بن أيوب القمى قال حدثنا (1/327)
محمد بن عمران قال حدثني محمد بن أحمد بن مخزوم قال حدثني الحسن ابن علي الأشناني وأحمد بن محمد بن مسروق قالا حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق فظفر فعف فمات مات شهيدا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الشيرازي قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأنا عبد الله بن علي الطوسي قال حدثنا محمد ابن الحسين الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول حدثني بعض رفقائي عن أبي بكر بن داود الأصبهاني عن أبيه عن سويد بن سعيد عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق فعف وكتم ثم مات فهو شهيد
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال حدثنا علي بن أيوب القمي قال حدثنا محمد بن عمران قال حدثني محمد بن أحمد بن مخزوم قال حدثني الحسن بن علي الأشناني وأحمد بن محمد بن مسروق قالا حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق فظفر فعف فمات مات شهيدا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا ابو بكر أحمد بن علي الشيرازي قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال أنبأنا عبد الله بن علي الطوسي قال حدثنا محمد بن أحمد بن الحسين الرازي قال سمعت يوسف بن الحسين يقول حدثني بعض رفقائي عن أبي بكر بن داود الأصبهاني عن أبيه عن سويد بن سعيد (1/328)
عن علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق فعف وكتم فهو شهيد
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا إبراهيم ابن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي إجازة قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثنا أبو بكر الأزرق قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر عن أبي يحيى القتات عن مجاهد عن ابن عباس قال من عشق فكتمه وعف فمات فهو شهيد
قال ابن المرزبان حدثني أبو بكر الأزرق هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم فعاتبته على ذلك فأسقط ذكر النبي صلى الله عليه و سلم فعاتبته على ذلك وكان يسأل بعد ذلك عن الحديث فلا يرفعه
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني الأزهري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا قطنة بن المفضل ابن إبراهيم الأنصاري قال حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من عشق فعف ثم مات مات شهيدا
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا صاعد بن سيار قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن سهل الغورجي قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ إجازة قال حدثني أبو علي بن أبي بكر قال حدثنا محمد بن الحسين البخاري قال حدثنا أبو عبد الله العمري قال سمعت الجاحظ يقول سئل شريك بن عبد الله عن العشاق فقال أشدهم حبا أعظمهم أجرا (1/329)
الباب التاسع والثلاثون في ذكر الآفات التي تجري على العاشق من المرض
والضنى والجنون وغير ذلك
اخبرنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة قال أنبأنا أبو طاهر المخلص قال أنبأنا أحمد بن سليمان بن داود قال أنبأنا الزبير ابن بكار قال حدثني عمي مصعب بن عبد الله قال بعثت قريش عمارة بن الوليد مع عمرو بن العاص إلى النجاشي يكلمانه فيمن قدم عليه من المهاجرين
فراسل عمارة بن الوليد جارية لعمرو بن العاص كانت معه حتى صغت إليه فاطلع على ذلك عمرو بن العاص فقال
تعلم عمار ان من شر شيمة ... لمثلك أن يدعى ابن عم له ابنما
ائن كنت ذا بردين أحوى مرجلا ... فلست براء لابن عمك محرما
إذا المرء لم يترك طعاما يحبه ... ولم ينه قلبا غاويا حيث يمما
قضى وطرا منه وغادر سبة ... إذا ذكرت أمثالها تملا الفما
وقد كان عمارة أخبر عمرا أن زوجة الملك النجاشي علقته فأدخلته فلما يئس عمرو بن العاص من أمر المهاجرين عند النجاشي بخل بعمارة عنده وأخبره خبره وخبر زوجته فقال النجاشي ائتني بعلامة استدل بها على ما قلت فعاد عمارة فأخبر عمرا بأمره وأمر زوجة النجاشي فقال له عمرو لا أقبل هذا منك إلا أن لا ترضى منها إلا بأن تعطيك من دهن الملك الذي لا يدهن به غيره فكلمها عمارة في الدهن فقالت أخاف من الملك فأبي أن يرضي عنها حتى تعطيه من ذلك الدهن فاعطته منه فاعطاه عمرا فجاء به إلى الملك النجاشي (1/330)
فنفخ سحرا في إحليله فذهب مع الوحش فيما تقول قريش فلم يزل مستوحشا يرد ماء في جزيرة بأرض الحبش حتى خرج إليه عبد الله بن أبي ربيعة في جماعة من أصحابه فرصده على الماء فأخذه فجعل يصيح به يا بحير أرسلني فإني أموت إن أمسكتني فأمسكه فمات في يده
أخبرنا إبراهيم بن دينار الفقيه قال أنبأنا محمد بن سعيد بن نبهان قال أنبأنا الحسن بن الحسين بن دوما قال أنبأنا أحمد بن نصر الذارع قال حدثني محمد بن عبد الله الكاتب قال أنبأنا عبد العزيز بن محمد الفارسي قال حدثني أبي قال كان لكسرى حاجب عشق جارية فعاتبته يوما فلم يدر ما يجيبها وأرتج عليه فذهب ليتكلم فلجلج
قال فما زال بعد ذلك أخرس يكلم فلا يتكلم فجمع له كسرى الأطباء ليعالجوه فلم يكن فيه حيلة وتوفي على ذلك
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيوية قال أخبرنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن محمد بن منصور بن سيار قال حدثنا نوح بن يزيد المعلم قال حدثنا إبراهيم بن سعد قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني محمد بن جعفر بن الزبير قال سمعت رجلا من بني عذرة عند عروة بن الزبير يحدثه فقال عروة يا هذا بحق أقول لكم إنكم أرق الناس قلوبا
فقال نعم والله لقد تركت بالحي ثلاثين شابا قد خامرهم السل ما بهم إلا داء الحب
وبالإسناد حدثنا ابن المرزبان قال حدثني أحمد بن زهير قال حدثني على (1/331)
ابن صالح عن ابن داب قال مر عمرو بن مناة الخزاعي بليلى الخزاعية وهي تحت أراكة ومعها نسوة من قومها وكان عمرو معروفا بحسن الحديث ورقة الشعر فقال له النسوة هل فحدثنا فجلس يحدثهن فرأى ليلى بنت عيينة فعلقها وتزايد الأمر به فهام حتى كان لا ينام إلا حيث يرى بيوت أهلها وإلا لم ينم وأخذته الوسوسة وفقد عقله وكان لا يهدى إلا بذكرها وقال فيها أشعارا كثيرة
فمن قوله فيها
توسد أحجارا ودقعاء بائتا ... مبيت عسيف الحي غير المكرم
أرى بيت ليلى حين أغلق بابه ... ألذ وأشهى من مهاد مقدم
وبالإسناد حدثنا ابن المرزبان قال حدثني محمد بن الفضل عن أحمد بن محمد الأزدي عن عبد الله بن همام قال خرجت أريد بعض الحوائج فإذا أنا بابن أبي مالك وهو قاعد في الصحراء بين الحيرة والكوفة فقلت ما تصنع ههنا فقال اصنع ما كان صاحبنا يصنع فقلت ومن صاحبكم قال مجنون بني عامر صاحب ليلى
قال وإلى جانبه حجر فتناوله وعدا خلفي فتجاوزني الحجر وعدت فقعدت بعيدا منه
قال فقال لي والله ما أحسن ولا أجمل حيث يقول
علقتك إذ عيني عليها غشاوة ... فلما انجلت قطعت نفسي ألومها
ما له لم يقل كما قلت
رماني الهوى منه بأعظم شجوة ... وعسكر حولي الهجر دون حبيبي
فصبرا لعل الدهر يجمع بيننا ... بإلف حبيب أو بموت رقيب (1/332)
قال ثم قال ألا تقول ما هو أحسن من هذا لا إله إلا الله الواحد الأحد خلق فقدر وحكم فعدل
وبه حدثنا ابن المرزبان قال حدثني العباس بن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري قال حدثني أبي قال سمعت عبد الله بن إدريس يقول رأيت ابن أبي مالك جالسا في موضع قد كان فيه رماد ودمعه قطعة جص يخطط بها ويستبين بياض الجص في سواد الرماد قال فقلت له يا ابن أبي مالك ما تصنع قال ماكان صاحبنا يصنع يعني مجنون بني عامر قال فقلت وما كان يصنع قال سمعته يقول
عشية ما لي حيلة غير أنني ... بلقط الحصا والخط في الدار مولع
أخط وأمحو فيه ما قد خططته ... بدمعي والغربان في الدار وقع
قلت ما سمعته قال فتضاحك ثم قال أما سمعت الله عز و جل يقول ألم تر إلى ربك كيف مد الظل
افسمعته أو رأيته يا ابن إدريس هذا كلام العرب
وبالإسناد حدثنا ابن المرزبان قال حدثني محمد بن الفضل قال حدثني بعض أهل الأدب عن محمد بن أبي نصر الأزدي قال رأيت بالبصرة مجنونا قاعدا على ظهر الطريق بالمربد وكلما مر به ركب قال
ألا أيها الركب اليمانون عرجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
لنسألكم هل سال نعمان بعدنا ... فحب إلينا بطن نعمان واديا
قال فسألت عنه فقيل هذا رجل من البصرة كانت له ابنة عم وكان يحبها فتزوجها رجل من أهل الطائف فنقلها فاستوله عليه وبه حدثنا ابن المرزبان قال حدثني أحمد بن معاذ بن يزيد الكتاني قال حدثني محمد بن زياد الأعرابي قال رأيت بالبادية أعرابيا في عنقه تمائم وهو عريان (1/333)
وعلى سوأته خرقة وفي رجله حبل وخلفه عجوز تمسكه بطرف الحبل وإذا هو يعض ذراعيه فقلت للعجوز من هذا فقالت ابن ابنتي فقلت لها ما حاله أبه مس من الجن قالت لا والله لكنه نشأ وابنة عم له في مكان واحد فعلقها وعلقته فحبسها أهلها عنه ومنعوها منه فزال عقله وصار إلى ما ترى فقلت لها ما اسمه فقالت عكرمة فقلت أيا عكرمة ما أصابك فقال
أصابني داء قيس ... وعروة وجميل
فالجسم مني نحيل ... وفي الفؤاد غليل قال فتركته ومضيت
وبالإسناد حدثنا ابن المرزبان قال حدثني عبد الرحمن بن عبد الله السرخسي قال حدثني عباس بن عبيدة قال كان بالمدينة جاريةظريفة حاذقة بالغناء فهويت فتى من قريش فكانت لا تفارقه ولا يفارقها فملها الفتى وتزايدت هي في محبته وأسفت وغارت وولهت وجعل مولاها لا يعبأ بذلك ولا يرق لشكواها فتفاقم الأمر بها حتى هامت على وجهها ومزقت ثيابها وضربت من لقيها فلما رأى مولاها ذلك عالجها فلم ينجح فيها العلاج وكانت تدور بالليل في السكك بعد الطوف فلقيها مولاها ذات يوم في الطريق ومعه أصحاب له فجعلت تبكي وتقول
الحب أول ما يكون لجاجة ... تأتي به وتسوقه الأقدار
حتى إذا اقتحم الفتى لجج الهوى ... جاءت أمور لا تطاق كبار
قال فما بقي أ حد إلا رحمها
فقال لها مولاها يا فلانة امضي معنا إلى البيت فأبت وقالت شغل الحلي أهله أن يعارا (1/334)
قال وذكر بعض من رآها ليلة وقد لقيتها مجنونة أخرى فقالت لها يا فلانة كيف أنت فقالت كما لا أحب فكيف أنت من ولهك وحبك فقالت على ما لم يزل يتزايد على مر الأيام
قالت لها فغني بصوت من أصواتك فإني قريبة الشبه بك فأخذت قصبة توقع بها وغنت
يا من شكا ألما للحب شبهه ... بالنار في القلب من حزن وتذكار
إني لأعظم ما بي أن أشبهه ... شيئا يقاس إلى مثل ومقدار
لو أن قلبي في نار لأحرقها ... لأن أحزانه أذكى من النار قال ثم مضت
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن عن أبيه قال أخبرني أبو الفرج الأصبهاني قال حدثني حبيب بن نصر المهلبي قال حدثنا عبد الله ابن أبي سعد قال حدثني عبد الله بن نصر المروزي قال حدثني محمد بن عبد الله الطلحي قال حدثني سليمان بن يحيى بن معاذ قال قدم على نيسابور إبراهيم بن سيابة الشاعر البصري فأنزلته علي فجاء ليلة من الليالي وهو مكروب وقد هاج فجعل يصيح بي يا أبا يوسف
فخشيت أن يكون قد غشيته بلية فقلت له ما تشاء فقال
أعياني الشادن الربيب ... فقلت بماذا فقال
قد كنت أشكو فلا يجيب ...
فقلت داؤه ودواؤه فقال (1/335)
من أين أبغي شفاء دائي ... وإنما دائي الطبيب
فقلت إذن يفرج الله عز و جل فقال
يا رب فرج إذن وعجل ... فإنك السامع المجيب ثم انصرف
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا ابن السراج قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال حدثنا ابن حيوية قال حدثنا أبو بكر بن المرزبان إذنا قال حدثنا عبد الله بن عمر قال حدثني علي ابن محمد بن سليمان النوفلي قال ذكر أبو المختار عن محمد بن قيس العبدي قال إني لبمزدلفة بين النائم واليقظان إذ سمعت بكاء حرقا ونفسا عاليا فاتبعت الصوت فإذا بجارية كأنها الشمس حسنا ومعها عجوز فلططت بالأرض ألاحظها وأمتع عيني بحسنها فسمعتها
تقول دعوتك يا مولاي سرا وجهرة ... دعاء ضعيف القلب عن محمل الحب
بليت بقاسي القلب لا يعرف الهوى ... وأقتل خلق الله للهائم الصب
فإن كنت لم تقض المودة بيننا ... فلا يخل من حب له أبدا قلبي
رضيت بهذا ما حييت فإن أمت ... فحسبي ثوابا في المعاد به حسبي قال وجعلت تردد هذه الأبيات وتبكي فقمت إليها وقلت بنفسي أنت مع هذا الوجه وهذا الجمال يمتنع عليك من تريدين قالت نعم والله والله يفعل هذا تصبرا وفي قلبه أكثر مما في قلبي
قلت فإلى كم البكاء قالت أبدا أو يصير الدمع دما وتتلف نفسي غما (1/336)
قلت إن هذه آخر ليلة من ليالي الحج فلو سألت الله عز و جل التوبة مما أنت فيه رجوت أن يذهب حبه من قلبك
قالت يا هذا عليك بنفسك في طلب رغبتك فإني قد قدمت رغبتي إلى من لا يجهل بغيتي وحولت وجهها عني وأقبلت على بكائها وشعرها ولم يكن بها قولي ووعظي
أنبأنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرنا عبدالصمد بن محمد بن مكرم قال أنبأنا إسماعيل بن سعيد بن سويد قال حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا محمد بن موسى المارستاني قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني احمد بن معذل قال كان سوار بن عبد الله القاضي قد خامر قلبه شيء من الوجد فقال
سلبت عظامي لحمها فتركتها ... عواري في أجلادها تتكسر
وأخليت منها مخها فكأنها ... قوارير في أجوافها الريح تصفر
خذي بيدي ثم ارفعي الثوب فانظري ... بلى جسدي لكنني اتستر
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أخبرنا الجوهري قال أنبأنا ابن حيوية قال حدثنا أبو بكر بن المرزبان إذنا قال حدثني عبد الرحمن بن بشير قال حدثني محمد بن الحسن قال حدثتني أم إبراهيم بن جميل قالت حدثني عبيد الله الشروي قهرمان سليمان بن أبي جعفر قال دخل هارون الرشيد علي سليمان بن أبي جعفر وكان عليلا فرأى عنده جارية له تسمى ضعيفة في غاية الحسن والجمال والشكل فوقعت في قلبه فقال هارون لسليمان هبها لي فقال هي لك يا أمير المؤمنين فلما أخذها مرض سليمان من شدة حبه لها فقال سليمان (1/337)
أشكو إلى ذي العرش ما ... لاقيت من أمر الخليفة
يسع البرية عدله ... ويريد ظلمي في ضعيفه
علق الفؤاد بحبها كالحبر يعلق بالصحيفه قال فبلغ ذلك هارون الرشيد فردها عليه
أخبرتنا شهدة قالت أخبرنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو طاهر محمد بن العلاف قال أنبأنا ابن شاهين قال أنبأنا جعفر بن محمد قال حدثنا احمد ابن محمد بن مسروق قال حدثنا علي القمي قال حدثني أبو المصعب المديني قال دخلت على الربيع بن عبيد وكان قد تيم عقله فسمعته وهو يخاطب نفسه ويقول
الحب لو قطعني ... ما قلت للحب ظلم
قد كنت خلوا زمنا ... فاليوم يبدو ما كتم
قال قلت يرحمك الله
فقال من أنت قلت أنا أخوك أبو المصعب
قال عشية تجيء وأخرى تذهب وأنا أتوقع الموت ما بين ذلك قلت الله بينك وبين من ظلمك
قال مه والله ما أحب ان يناله مكروه
ثم تنفس حتى رحمته وذهب عقله فقمت عنه
أنبأنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن احمد قالا أنبأنا الجوهري قال حدثنا ابن حيوية قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني محمد بن عبد الرحمن القرشي قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا ابن عبيد قال حدثنا أبو مخنف عن هشام بن عروة قال أذن معاوية بن أبي سفيان للناس يوما فكان فيمن دخل عليه فتى من بني عذرة فلما أخذ الناس مجالسهم قام الفتى العذرى بين السماطين ثم أنشأ يقول
معاوى ياذا الفضل والحلم والعقل ... وذا البر والاحسان والجود والبذل (1/338)
أتيتك لما ضاق في الأرض مسلكي ... وانكرت مما قد أصيب به عقلي ففرج كلاك الله عني فإنني ... لقيت الذي لم يلقه احد قبلي
وخذ لي هداك الله حقي من الذي ... رماني بسهم كان أهونه قتلي
وكنت أرجي عدله إن أتيته ... فأكثر تردادي مع الحبس والكبل
فطلقتها من جهد ما قد أصابني ... فهذا أمير المؤمنين من العدل
فقال معاوية أدن بارك الله عليك ما خطبك فقال أطال الله بقاء أمير المؤمنين إنني رجل من بني عذرة تزوجت ابنة عم لي وكانت لي صرمة من إبل وشويهات فأنفقت ذلك عليها فلما أصابتني نائبة الزمان وحادثات الدهر رغب عني ابوها وكانت جارية فيها الحياء والكرم فكرهت مخالفة أبيها فأتيت عاملك ابن أم الحكم فذكرت ذلك له وبلغه جمالها فأعطى أباها عشرة آلاف درهم وتزوجها فأخذني وحبسني وضيق علي فلم أصابني مس الحديد وألم العذاب طلقتها وقد أتيتك يا أمير المؤمنين وأنت غياث المحروب وسند المسلوب فهل من فرج ثم بكا وقال في بكائه
في القلب مني نار ... والنار فيها شرار
والجسم مني نحيل ... واللون فيه إصفرار
والعين تبكي بشجو ... فدمعها مدرار والحب داء عسير ... فيه الطبيب يحار
حملت منه عظيما ... فما عليه اصطبار
فليس ليلى بليل ... ولا نهاري نهار (1/339)
فرق له معاوية وكتب إلى ابن أم الحكم كتابا غليظا وكتب في آخره
ركبت أمرا عظيما لست أعرفه ... استغفر الله من جور امرىء زان
قد كنت تشبه صوفيا له كتب ... من الفرائض أو آيات فرقان
حتى أتاني الفتى العذرى منتحبا ... يشكو إلي بحق غير بهتان
أعطى إلاله عهودا لا أخيس بها ... أو لا فبرئت من دين وإيمان
إن أنت راجعتني فيما كتبت به ... لأجعلنك لحما بين عقبان
طلق سعاد وفارقها بمجتمع ... أشهد على ذاك نصرا وابن طبيان
فما سمعت كما بلغت من عجب ... ولا فعالك حقا فعل إنسان فلما ورد كتاب معاوية على ابن أم الحكم تنفس الصعداء وقال وددت أن امير المؤمنين خلى بيني وبينها سنة ثم عرضني على السيف
وجعل يؤامر نفسه على طلاقها فلما أزعجه الوفد طلقها ثم قال يا سعاد أخرجي
فخرجت شكلة غنجة ذات هيئة وجمال فلما رآها الوفد قال ما تصلح هذه إلا لأمير المؤمنين لا لأعرابي
وكتب جواب كتابه
لا تحنثن أمير المؤمنين فقد ... أوفى بعهدك في رفق وإحسان
وما ركبت حراما حين أعجبني ... فكيف سميت باسم الخائن الزاني
وسوف تأتيك شمس لا خفاء بها ... أبهى البرية من إنس ومن جان
حوراء يقصر عنها الوصف إن وصفت ... أقول ذلك في سر وإعلان (1/340)
فلما ورد على معاوية الكتاب قال إن كانت أعطيت حسن النغمة مع هذه الصفة فهي أكمل البرية فاستنطقها فإذا هي أحسن الناس كلاما وأكملهم شكلا ودلا فقال يا أعرابي هل لك من سلو عنها بأفضل الرغبة قال نعم إذا فرقت بين رأسي وجسدي ثم أنشا الأعرابي يقول
لا تجعلني والأمثال تضرب بي ... كالمستغيث من الرمضاء بالنار
اردد سعاد على حيران مكتئب ... يمسي ويصبح في هم وتذكار
قد شفه قلق ما مثله قلق ... وأسعر القلب منه أي إسعار
والله والله لا أنسى محبتها ... حتى أغيب في رمس وأحجار
كيف السلو وقد هام الفؤاد بها ... وأصبح القلب عنها غير صبار
قال فغضب معاوية غضبا شديدا ثم قال لها اختاري إن شئت أنا وإن شئت ابن أم الحكم وإن شئت الأعرابي فأنشات سعاد تقول
هذا وإن أصبح في أطمار ... وكان في نقص من اليسار
اكثر عندي من أبي وجاري ... وصاحب الدرهم والدينار
أخشى إذا غدرت حر النار ...
فقال معاوية خذها لا بارك الله لك فيها
فأنشا الأعرابي يقول
خلوا عن الطريق للأعرابي ... ألم ترقوا ويحكم لما بي
قال فضحك معاوية وأمر له بعشرة آلاف درهم وناقة ووطاء وأمر بها فأدخلت في بعض قصوره حتى انقضت عدتها من ابن أم الحكم ثم أمر بدفعها إلى الأعرابي
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني (1/341)
الأزهري قال حدثنا محمد بن الحسن بن المأمون قال حدثنا أبو بكر الهاشمي قال حدثنا محمد بن أحمد المقدمي قال حدثنا أبو محمد التميمي قال حدثنا محمد ابن عبد الرحمن مولى الأنصار قال حدثنا الأصمعي قال قال لي الرشيد أحب أن أسمع حديثا أتفرج به فحدثني بشيء
فقلت يا أمير المؤمنين صاحب لنا في بدو بني فلان كنت أغشاه وأتحدث إليه وقد أتت عليه ستة وتسعون سنة أصح الناس ذهنا وأجودهم أكلا وأقواهم بدنا فغبرت عنه زمانا ثم قصدته فوجدته ناحل البدن كاسف البال متغير الحال فقلت ما شأنك أصابتك مصيبة قال لا
قلت أفمرض عراك قال لا
قلت فما سبب هذا الذي أراه بك
قال قصدت بعض القرابة في حي بني فلان فألفيت عندهم جارية قد لاثت رأسها وعليها قميص وقناع مصبوغان وفي عنقها طبل توقع عليه وتنشد
محاسنها سهام للمنايا ... مريشة بأنواع الخطوب
برى ريب المنون لهن سهما ... يصيب بنصله مهج القلوب فأجبتها
قفى شفتي في موضع الطبل ترتقي ... كما قد أبحت الطبل في جيدك الحسن
هبيني عودا أجوفا تحت شنة ... تمتع فيما بين نحرك والذقن
فلما سمعت الشعر مني نزعت الطبل فرمت به في وجهي وبادرت إلى الخباء فدخلت
فلم أزل واقفا إلى أن حميت الشمس على مفرق رأسي لا تخرج إلي ولا ترجع إل جوابا فقلت أنا والله معها كما قال الشاعر
فوالله يا سلمى لطال إقامتي ... على غير شيء يا سليمى أراقبه (1/342)
ثم انصرفت سخين العين قرح القلب فهذا الذي ترى من التغير من عشقي لها
فضحك الرشيد حتى استلقى فقال ويحك يا عبد الملك ابن ست وتسعين سنة يعشق قلت وقد كان ذلك يا أمير المؤمنين
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أبو عمر بن حيوية قال أنبأنا محمد بن خلف قال أخبرني أبو العباس المروزي قال أخبرني بعض أهل الأدب أنه كان للمتوكل جارية يقال لها محبوبة وكانت من الأدب والإحسان في الغناء على غاية ما يكون مثلها وكان المتوكل يجد بها وجدا شديدا وكانت له على مثل ذلك فلما كان من أمر المتوكل ما كان تفرقت الجواري إلى القواد فصارت محبوبة إلى وصيف فكان لباسها البياض الخشن وكانت تذكره فتشهق وتنتحب
قال فجلس وصيف يوما للشرب وجلس الجواري اللاتي كن للمتوكل في الحلي والحلل وجاءت محبوبة في معجر أبيض فجلست فما هو إلا أن دار النبيذ بين الندماء فأقبل وصيف على من حضره من جواري المتوكل وكان عنده منهن جماعة فقال غنين فما بقيت منهن واحدة إلا غنت وطربت وضحكت وشربت إلى أن أومأ وصيف إلى محبوبة بالغناء فقالت إن رأى الأمير أن يعفيني فأبى وقال لها الجواري لو كان في الحزن فرج لحزنا معك وجيء بعود فوضع في حجرها فسوته وأنشأت تقول
أي عيش يطيب لي ... لا أرى فيه جعفرا
ملك قد رأته ... عيني جريحا معفرا (1/343)
كل من كان هائما ... وسقيما فقد برا غير محبوبة التي ... لو ترى الموت يشترى
لاتشرته بما ... حوته جميعا لتقبرا
إن موت الكئيب ... أطيب من أن يعمرا
فاشتد ذلك على وصيف فأمر بإخراجها فصارت إلى قبيحة فلما كان بعد هنيهة سأل عنها وصيف فقيل له صارت إلى قبيحة فبعث إليها فقالت تمسحت ومضت فوالله ما أدري إلام صارت
أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن قال أنبأنا محمد بن العباس قال حدثنا محمد بن خلف قال ترى العاشق إذا رأى من يحبه أو سمع بذكره كيف يهرب دمه ويستحيل لونه ويخفق فؤاده وتأخذه الرعدة وربما امتنع من الكلام ولم يطق رد الجواب
وقد قال بعض الشعراء
علامة من كان الهوى في فؤاده ... إذا ما رأى الأحباب أن يتحيرا
ويصفر لون الوجه بعد إحمراره ... وإن حر كوه للكلام تثورا
أنبأنا عبد الوهاب الأنماطي قال أنبأنا محمد بن أبي نصر الحميدي قال أخبرني صاحب لي بالمغرب قال أخبرني سليمان بن محمد المقرىء الصقلي قال كان بسوسة إفريقية رجل أديب شاعر وكان يهوى غلاما جميلا منغلمانها وكان كلفا به وكان الغلام يعرض عنه ويتجنى عليه (1/344)
فبينما هو ذات ليلة منفردا يشرب وحده على ما أخبر عن نفسه وقد أخذ النبيذ منه إذ خطر بباله أن يأخذ قبس نار ويحرق داره عليه لتجنيه عليه فقام من حينه ونهض بقبس نار فجعله عند باب الغلام فاشتعل نارا واتفق أن رآه بعض الجيران فبادروا النار بالإطفاء فلما أصبحوا نهضوا إلى القاضي فأعلموه وشكوا منه فأرسل إليه القاضي وقال له لأي شيء أحرقت باب هذا فأنشأ يقول
لما تمادى على بعادي ... واضرم النار في فؤادي
ولم اجد من هواه بدا ... ولا معينا على السهاد
حملت نفسي على وقوفي ... ببابه حملة الجواد
فطاف من بعض نار قلبي ... أقل في الوصف من زنادي
فأحرق الباب دون علمي ... ولم يكن ذاك من مرادي قال فاستظرفه القاضي وتحمل عنه ما أفسد وخلى سبيله أو كما قال
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن قال أنشدنا على ابن محمد قال أنشدنا أبو بكر الصنوبري لنفسه
أخذوا للسير أهبته ... وأخذنا أهبة الكمد
زعموا أن الفراق غدا ... وفراق الروح بعد غد
حدث الأصمعي قال رأيت امرأة في الطواف وهي تقول اللهم مالك يوم القضا وخالق الأرض والسما (1/345)
ارحم اهل الهوى فإنك قريب ممن دعا ثم أنشأت تقول
يا رب إنك ذومن ومغفرة ... ثبت بعافية منك المحبينا
فقلت يا هذه أترفثين وأنت في الطواف فقالت إليك عني لا رهقك الحب
فقلت لها وما الحب فقالت جل أن يخفي ودق أن يرى له كمون ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى
قال فتبعتها حتى عرفت منزلها فلما كان من الغد جاء مطر شديد فمررت ببابها وهي قاعدة مع أتراب لها وهي تقول لهن قد أضر بنا المطر ولولا ذلك لخرجنا إلى الطواف وأنشأت تقول
قالوا أضر بنا السحاب وقطره ... لما رأوه لعبرتي يحكى لا تعجبوا مما ترون فإنما ... هذي السماء لرحمتي تبكي
وبلغنا عن بعض من تبع الحاج أنه قال كنت في الطواف وقد مضى أكثر الليل وإذا أنا بامرأة كأنها شمس على قضيب غرس في كثيب وهي تقول
رأيت الهوى حلوا إذا اجتمع الوصل ... ومرا على الهجران لا بل هو القتل
ومن لم يذق للهجر طعما فإنه ... إذا ذاق طعم الوصل لم يدر ما الوصل
وقد ذقت طعميه على القرب والنوى ... فأبعده قتل وأقربه خبل
ثم التفتت فرأتني فقالت يا هذا ظن خيرا فإن من ضعفت قوته عن حمل شيء ألقاه طلبا للراحة وفرارا من ثقل المحبة وقد نطقت بما علمه الله وأحصاه الملكان فإن يعف عن أهل السرائر أكن فيهم وإن يعاقبوا فياخيبة المذنبين ثم بكت فما رأيت درا قطع سلكه فانتثر بأحسن من تناثر دموعها
فاعتزلت خوفا أن يصبوا قلبي إليها (1/346)
وحدث الأصمعي قال رئي أبو السائب المخزومي متعلقا بأستار الكعبة وهو يقول اللهم ارحم العاشقين فقيل يا أبا السائب في مثل هذا المقام تقول هذا المقال قال إليك عني فوالله إن الدعاء لهم أفضل من حجة بعمرة ثم أنشأ يقول
يا هجر كف عن الهوى ودع الهوى ... للعاشقين يطيب يا هجر
ماذا تريد من الذين جفونهم ... قرحى وحشو قلوبهم جمر
والحزن حشو صدورهم ووجوهم ... مما تجن صدورهم صفر
وسوابق العبرات فوق نحورهم ... درر تلوح كأنها القطر
صرعى على جسر الهوى لشقائهم ... بنفوسهم يتلاعب الدهر حكى لي بعض الناس أن امرأة نزلت معهم في سفينة فوصلت إلى بعض الأماكن فقالت رقوني
فقالوا ليس هذا بموضع صعود فقالت لا بد فصعدت قال وسرنا فلما عدنا وجدناها قد ولدت وماتت هناك
وهذه امرأة قد هربت من بلدها لعار ارتكبته فآثرت الموت على العار فانظر ما يصنع الهوى بأربابه
أخبرتنا شهدة بنت أحمد بن الفرج قالت أخبرنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبدالعزيز بن الحسن بن إسماعيل الضراب قال حدثنا أبي قال حدثنا أحمد بن مروان قال حدثنا عبد الله بن سلمم بن قتيبة قال قرأت في سير العجم أن أردشير لما استوثق له أمره وأقر له بالطاعة ملوك الطوائف حاصر ملك السريانية وكان متحصنا في مدينة يقال لها الحضر فحاصره فلم يقدر على فتحها حتى رقت بنت الملك يوما على الحصن فرأت أردشير فهويته فنزلت فأخذت بنشابة فكتبت عليها إن أنت شرطت لي أن تتزوجني دللتك على موضع تفتح به المدينة بأيسر الحيلة وأخف المؤنة
ثم رمت بالنشابة نحو أردشير (1/347)
فقرأه وأخذ نشابة فكتب عليها لك الوفاء بما سألتيني
ثم ألقاهاإليها فدلته على الموضع فأرسل إليها فافتتحها
فدخل وأهل المدينة غارون لا يشعرون فقتل الملك وأكثر القتل فيها وتزوجها
فبينما هي ذات ليلة على فراشه أنكرت مكانها حتى سهرت أكثر ليلتها فقال لها مالك قالت أنكرت فراشي فنظروا تحت الفراش فإذا تحته طاقة آس قد أثرت في جلدها فتعجب من رقة بشرتها فقال لها ما كان أبوك يغذوك قالت كان أكثر غذائي عنده الشهد والمخ والزبد فقال لها ما احد بالغ منك في الحباء مبلغ أبيك وإن كان جزاؤه عندك على جهد إحسانه مع لطف قرابته وعظم حقه إساءتك إليه ما أنا بآمن مثل ذلك منك
ثم أمر بأن تعقد قرونها بذنب فرس شديد الجري جموح ثم يجرى ففعل ذلك بها حتى تساقطت عضوا عضوا
أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال حدثني القاضي أبو القاسم عبد الله بن الحسين الرحبي قال حدثنا علي بن أحمد بن محمد الجرمي قال حدثنا الحسين بن علي بن أحمد المهلبي قال أخبرنا أبو العباس ابن عطاء قال كان يحضر حلقتي شاب حسن الوجه يخبأ يده قال فوقع لي أن الرجل قد قطعت يده على حال من الأحوال قال فجاءني يوم جمعة وقد جاءت السماء بالبركات ولم يجئني في ذلك اليوم أحد قال فطالبتني نفسي بمخاطبته ودافعتها مرارا كثيرة إلى أن غلب علي كلامه فكلمته فقلت يا فتى مالي أرى يدك تخبؤها ثم لا تخرجها (1/348)
فإن كان بها علة دعونا الله تعالى لك بالعافية
فاخرجها فرأيت فيها شبيها بالشلل
فقلت يا فتى ما اصاب يدك قال حديثي طويل قلت ما سألتك إلا وأنا أحب أن أسمعه
فقال لي أنا فلان بن فلان خلف لي أبي ثلاثين ألف دينار فقدمت بها فعلقت نفسي بجارية في القيان فأنفقت عليها جملة ثم أشاروا علي بشرائها فاشتريتها بستة آلاف دينار فلما حصلت عندي وملكتها قالت لم اشتريتني وما في الأرض ابغض إلي منك وإني لأرى نظري إليك عقوبة فاسترد مالك فلا متعة لك بي مع بغضي لك
قال فبذلت لها كل ما يبذله الناس فما ازدادت إلا غلوا فهممت بردها فقالت لي داية لي دعها تموت ولا تموت أنت قالت فاعتزلت في بيت ولم تأكل ولم تشرب إلا تبكي وتضرع حتىضعف الصوت وأحسسنا منها بالموت
وما مضى يوم إلا وأنا أمضي إليها وابذل لها الرغائب وما ينفع ذلك ولا تزداد إلا بغضا
فلما كان اليوم الرابع أقبلت عليها وسألتها عما تشتهيه فاشتهت حريرة فحلفت لا يعملها أحد سواي فأوقدت النار ونصبت القد ر وبقيت أمرس ما جعل فيها والنار تعمل وقد أقبلت على تشكو ما مر بها من الآلام في هذه الأيام فأقبلت دايتي فقالت يا سيدي ارفع يديك فرفعتها وقد انسمطت على ما تراها
قال ابو العباس فصعقت صعقة وقلت بآبائي هذا في هوى مخلوق أقبل عليك فنالك هذا كله
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا عبد العزيز بن (1/349)
علي الأزجي قال أنبأنا أبو الحسن بن جهضم قال حدثنا علي بن محمد الزيات قال حدثني أبو محمد الحسن بن محمد الجروي قال حدثني سمنون قال كان في جيراني رجل له جارية وكان شديد الميل إليها فاعتلت الجارية علة شديدة فجلس يصلح لها حساء فبينا هو يحرك القدر إذ قالت الجارية أوه فسقط ما كان في يده وجعل يحرك القدر بيده حتى سقط لحم أصابعه وهو لا يشعر فنظرت إليه الجارية فقالت إيش هذا فقال هذا موضع قولك أوه
أخبرتنا شهدة قالت أخبرنا جعفر بن احمد قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو بكر محمد بن بكر البسطامي قال حدثنا ابن دريد قال حدثنا أحمد بن عيسى العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم بن علي قال كان لعمرو بن دويرة أخ قد كلف بابنة عم له كلفا شديدا وكان أبوها يأباه فحمل الحب عليه أن تسور الجدار وحصل معها فأحس به أبوها فقبض عليه وأتى به خالد بن عبد الله القسري وادعى عليه السرق وأتى بجماعة يشهدون أنهم وجدوه في منزله ليلا وقد دخل دخول السراق فسأل خالد الفتى فاعترف انه دخل ليسرق وما سرق شيئا ليدفع بذلك الفضيحة عن ابنة عمه
فأراد خالد أن يقطعه فرفع عمرو أخوه إلى خالد رقعة فيها
أخالد قد والله أوطئت عشوة ... وما العاشق المظلوم فينا بسارق
أقر بما لم يأته المرء إنه ... رأى القطع خيرا من فضيحة عاشق (1/350)
ولولا الذي قد خفت من قطع كفه ... لألفيت في أمر لهم غير ناطق
إذا مدت الغايات في السبق للعلا ... فأنت ابن عبد الله أول سابق
فأرسل خالد مولى له يسأله عن الخبر ويتجسس عن جلية الأمر فأتاه بتصحيح ما قال عمرو في شعره فأحضر الجارية وزوجه وساق خالد المهر عنه من ماله
أنبانا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة قال أنبأنا أبو طاهر المخلص قال أنبأنا أحمد بن سلميان بن داود الطوسي قال أنبأنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن حسن عن إبراهيم بن محمد الزهري عن أبيه قال كانت زينب بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بارعة الجمال وكانت تدعى الموصولة وكانت عند أبان بن مروان بن الحكم فلما توفي أبان بن مروان دخل عليها عبد الملك فرآها فأخذت بنفسه فكتب إلى أخيها المغيرة بن عبد الرحمن يأمره بالشخوص إليه فشخص إليه فنزل علي يحيى بن الحكم فقال يحيى إن امير المؤمنين إنما بعث إليك لتزوجه أختك زينب فهل لك في شيء أدعوك إليه قال هلم فاعرض قال أعطيك لنفسك أربعين ألف دينار ولها علي رضاها وتزوجنيها فقال له المغيرة ما بعد هذا شيء فزوجه إياها فلما بلغ عبد الملك بن مروان ذلك أسف عليها فاصطفى كل شيء ليحيى بن الحكم فقال يحيى بن الحكم كعكتين وزينب يريد أن يجتزىء بكعكتين إذا كانت عنده زينب (1/351)
أخبرنا أبو بكر بن حبيب الصوفي قال حدثنا أبو سعد بن أبي صادق الحيرى قال حدثنا ابن باكويه الشيرازي قال حدثنا أحمد الطبري الزاهد قال حدثني جعفر بن القاسم الخواص قال سمعت ابن ملكي يقول كنت في البادية فدخلت بعض الأحياء أطلب شيئا آكل فرأيت فتى على باب الحي مسجى فقلت له ما علتك فقال سل تلك القائمة قلت وأي شيء تكون منك قال هي ابنة عمي قلت فهي لك وبين يديك فما هذا النحول فقال لي أما علمت أن من لا حظ له في الوصال علم أن الفراق يفنى ومن لا حظ له في الفراق علم أن الوصال يبقى
أخبرتنا شهدة بن بنت أحمد قالت انبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا أبو عمر بن حيوية قال حدثنا محمد بن خلف قال أخبرني أبو عبد الله أحمد بن عبد الرحمن عن العباس بن علي قال حدثني بعض أهل المدينة قال دعاني فتى من أهل المدينة إلى جارية تغني فلما دخلنا عليها إذا أحسن الناس وجها وإذا بها انخراط وجه وسهو وسكوت فجعلنا نبسطها بالمزاح والكلام ويمنعها من ذلك ما تكاتم فقلت في نفسي والله إن بها لهياما وطائفا من الحب فأقبلت عليها فقلت بالله لتصدقيني بالذي بك فقالت برح الذكر ودوام الفكر وحلول النهار والتشوق إلى من سار وأخذت العود فغنت
سيوردني التذكار خوض المهالك ... ولست لتذكار الحبيب بتارك أبى الله إلا أن أموت صبابة ... ولست لما يقضي الإله بمالك (1/352)
كأن بقلبي حين شطت به النوى ... وخلفني فردا صدور النيازك
تقطعت الأخبار بيني وبينه ... لبعد النوى وانسد سبل المسالك
قال فوالله لقد خفت أن أسلب عقلي لما غنت
فقلت جعلني الله فداك وهذا الذي صيرك إلى ما أرى يستحق هذا منك فوالله إن الناس لكثير فلو تسليت بغيره فلعل ما بك أن يسكن أو يخف فقد قال الأول
صبرت على اللذات حتى تولت ... وألزمت نفسي صبرها فاستمرت
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت
فأقبلت علي وقالت قد والله رمت ذلك فكنت كما قال قيس بن الملوح
ولما أبى إلا جماحا فؤاده ... ولم يسل عن ليلى بمال ولا أهل
تسلي بأخرى غيرها فإذا التي ... تسلى بها تغري بليلى ولا تسلي قال فأسكتني والله تواتر حججها عن محاورتها وما رأيت كمنطقها ولا كشكلها وأدبها
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال حدثنا أبو القاسم الأزهري قال حدثنا عثمان بن عمرو المقرىء قال حدثنا جعفر بن محمد الخواص قال حدثني أحمد بن محمد الطوسي قال حدثني محمد بن علي الربيعي قال سمعت صالح بن سليمان العبدي يقول كان محمد بن عبد الملك الزيات بتعشق جارية من جواري القيان فبيعت من رجل من أهل خراسان فأخرجها فذهل عقل محمد بن عبد الملك حتى خشي عليه ثم أنشأ يقول (1/353)
يا طول ساعات ليل العاشق الدنف ... وطول رعيته للنجم في السدف
ماذا تواري ثيابي من أخى حرق ... كأنما الجسم منه دقة الألف
ما قال يا أسفا يعقوب من كمد ... إلا لطول الذي لاقى من الأسف
من سره أن يرى ميت الهوى دنفا ... فليستدل على الزيات وليقف
وبلغنا عن مصعب بن الزبير أنه لما خرج من الكوفة فصار على عشرة أميال كتب إلى سكينة بنت الحسين زوجته
وكان عزيزا أن أبيت وبيننا ... حجاب فقد أصبحت مني على عشر
وأبكاهما للعين والله فاعلمي ... إذا ازددت مثليها صرت على شهر
وأبكى لقلبي منهما اليوم أنني ... أخاف بأن لا نلتقي آخر الدهر (1/354)
الباب الأربعون في ذكر الحيل والمخاطرات بالنفوس وإلقائها في الهلاك لأجل
المحبوب
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك عبد الجبار قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال حدثنا علي بن الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا أبو العباس الكريمي قال أنبأنا السليمي عن محمد بن نافع مولاهم عن أبي ريحانة أحمد حجاب عبد الملك بن مروان قال كان عبد الملك يجلس في كل أسبوع يومين جلوسا عاما فبينا هو جالس في مستشرف له وقد أدخلت عليه القصص إذ وقعت في يده قصة غير مترجمة فيها إن رأى أمير المؤمنين أن يأمر جاريته فلانة أن تغني ثلاثة أصوات ثم ينفذ في ما شاء من حكمه فعل
فاستشاط من ذلك غضبا وقال يا رباح علي بصاحب هذه القصة فخرج الناس جميعا فأدخل عليه غلام كما عذر كأهيأ الفتيان وأحسنهم فقال له عبد الملك يا غلام أهذه قصتك قال نعم يا أمير المؤمنين قال وما الذي غرك مني والله لأمثلن بك ولأردعن بك نظراءك من أهل الجسارة
علي بالجارية فجيء بجارية كأنها فلقة قمر وبيدها عود فطرح لها كرسي وجلست فقال عبد الملك مرها يا غلام فقال لها غنيني يا جارية بشعر قيس بن ذريح
لقد كنت حسب النفس لو دام ودنا ... ولكنما الدنيا متاع غرور
وكنا جميعا قبل أن يظهر الهوى ... بأنعم حالي غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة بظهور (1/355)
قال فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تخريقا ثم قال له عبد الملك مرها تغنيك الصوت الثاني فقال غنيني بشعر جميل
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بوادي القرى إني إذن لسعيد
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب قالت ثابت ويزيد
وإن قلت ردي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبها فيما يبيد يبيد
يموت الهوى مني إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود
فغنته الجارية فسقط الغلام مغشيا عليه ساعة ثم أفاق فقال له عبد الملك مرها فلتغنك الصوت الثالث فقال يا جارية غنيني بشعر قيس بن الملوح المجنون
وفي الجيرة الغادين من بطن وجرة ... غزال غضيض المقلتين ربيب
فلا تحسبي أن الغريب الذي نأى ... ولك من تنئين عنه غريب
فغنته الجارية فطرح الغلام نفسه من المستشرف فلم يصل إلى الأرض حتى تقطع فقال عبد الملك ويحه لقد عجل على نفسه ولقد كان تقديري فيه غير الذي فعل وأمر فأخرجت الجارية عن قصره ثم سأل عن الغلام فقالوا غريب لا يعرف إلا أنه منذ ثلاث ينادي في الأسواق ويده على رأسه
غدا يكثر الواشون منا ومنكم ... وتزداد داري عن دياركم بعدا
قلت وقد روى لنا أن مثل هذا جرى في مجلس سليمان بن عبد الملك فبلغنا عن الجاحظ أنه قال قعد سليمان بن عبد الملك يوما للمظالم وعرضت عليه القصص فمرت به قصة فيها إن رأى أمير المؤمنين أن يخرج إلى فلانة يعني إحدى جواريه تغني ثلاثة أصوات فعل
فاغتاظ سليمان وأمر أن يخرج إليه فيأتيه برأسه ثم أتبع الرسول برسول آخر (1/356)
فأمر أن يدخل الرجل إليه فأدخل فلما مثل بين يديه قال له ما الذي حملك على ما صنعت قال الثقة بحلمك والاتكال على عفوك
فأمره بالقعود حتى إذا لم يبق من بني أمية أحد أمر فأخرجت إليه الجارية ومعها عود ثم قال له اختر فقال تغني بقول قيس بن الملوح
تعلق روحي روحها قبل خلقنا ... ومن بعد ما كنا فطاما وفي المهد
فعاش كما عشنا فأصبح ناميا ... وليس وإن متنا بمنتقض العهد
ولكنه باق على كل حالة ... وزائرنا في ظلمة القبر واللحد
يكاد فضيض الماء يخدش جلدها ... إذا اغتسلت بالماء من رقة الجلد
وإني لمشتاق إلى ريح جيبها ... كما اشتاق إدريس إلى جنة الخلد
فغنت ثم قال تأمر لي برطل فشربه ثم قال تغني بقول جميل
علقت الهوى منها وليدا فلم يزل ... إلى اليوم ينمى حبها ويزيد
وأفنيت عمري بانتظار نوالها ... ونلت بذاك الدهر وهو جديد
فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبها فيما يبيد يبيد
إذا قلت ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب قالت ثابت ويزيد
وإني قلت ردي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت ذاك منك بعيد
فغنت فقال له سلميان قل ما تريد قال تأمر لي برطل فشربه ثم قال تغني بقول قيس بن ذريح
لقد كنت حسب النفس لو دام ودنا ... ولكنما الدنيا متاع غرور
وكنا جميعا قبل أن يعلم الهوى ... بأحسن حالي غبطة وسرور
فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة بظهور (1/357)
فغنت فقال سليمان قل ما تشاء قال تأمر لي برطل فما استتمه حتى وثب فصعد إلى أعلا قبة ثم زج نفسه على دماغه فقال سليمان إنا لله وإنا إليه راجعون
أتراه توهم الجاهل أني أخرج إليه جاريتي وأردها إلى ملكي يا غلام خذ بيدها فانطلق بها إلى أهله إن كان له أهل وإلا فبيعوها وتصدقوا بثمنها عنه
فلما انطلقوا بها نظرت إلى حفيرة في دار سليمان قد أعدت للمطر فجذبت يديها من أيديهم وجعلت تقول
من مات عشقا فليمت هكذا ... لا خير في عشق بلا موت
فزجت نفسها في الحفيرة على دماغها فماتت
قلت وبلغنا أن مثل هذا جرى في ملجس الرشيد فأخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثني أبو بكر محمد بن علي المخرمي قال اشتريت لهارون الرشيد جارية مدنية فأعجب بها وأمر الفضل بن الربيع أن يبعث في حمل أهلها ومواليها لينصرفوا بجوائزها وأراد بذلك تشريفها فوفد إلى مدينة السلام ثمانون رجلا ووفد معهم رجل من أهل العراق استوطن المدينة كان يهوى الجارية فلما بلغ الرشيد خبرهم أمر الفضل أن يخرج إليهم فيكتب اسم كل واحد منهم وحاجته ففعل ذلك فلما بلغ إلى العراقي قال له ما حاجتك فقال له إن أنت كتبتها وضمنت لي عرضها مع ما تعرض أنبأتك بها فقال أفعل ذلك فقال حاجتي أن أجلس مع فلانة حتى تغنيني بثلاثة أصوات وأشرب ثلاثة أرطال وأخبرها بما تجن ضلوعي من حبها (1/358)
فقال الفضل أنت موسوس مدخول عليك في عقلك فقال يا هذا قد أمرت أن تكتب ما يقول كل واحد منا فاكتب ما أقول واعرضه فإن أجبت إليه وإلا فأنت في أوسع العذر
فدخل الفضل مغضبا فوقف بين يدي الرشيد فقرأ عليه ما كتب فلما فرغ قال يا أمير المؤمنين فيهم واحد مجنون سأل ما أجل مجلس أمير المؤمنين عن التفوه به فقال قل ولا تجزعن فقال قال كذا وكذا فقال اخرج إليه وقل له إذا كان بعد ثلاث فاحضر لننجز لك ما سألت وكن أنت تتولى الاستئذان له ودعا بخادم فقال امض إلى فلانة فقل لها قد حضر رجل سأل كذا وكذا وقد أجبناه إلى ما سأل فكوني على أهبة
ثم خرج الفضل إلى الفتى فأدى إليه ما قال الرشيد فانصرف فلما كان في اليوم الثالث حضر وعرف الرشيد خبره فقال يلقي له بحيث أرى كرسي من فضة وللجارية كرسي من ذهب وليخرج إليه ثلاثة أرطال فجلس الفتى على الكرسي والجارية بإزائه يحدثها والرشيد يراهما فقال الخادم لم تدخل لتشتوي وتصيف فأخذ رطلا وخر ساجدا وقال إذا شئت أن تغني فغني
خليلي عوجا بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند بأرضكما قصدا
وقولا لها ليس الضلال أجازنا ... ولكنما جزنا لنلقاكم عمدا
غدا يكثر الباكون منا ومنكم ... وتزداد داري من دياركم بعدا
فغنت ثم شرب الرطل وحادثها ساعة فاستحثه الخادم فأخذ الرطل بيده وقال غني جعلني الله فدك
تكلم منا في الوجوه عيوننا ... فنحن سكوت والهوى يتكلم
ونغضب أحيانا ونرضى بطرفنا ... وذلك فيما بيننا ليس يعلم (1/359)
فغنته فشرب الرطل الثاني وحادثها ساعة فاستعجله الخادم فخر ساجدا يبكي وأخذ الرطل بيده واستودعها الله وقام على رجليه ودموعه تستبق استباق المطر وقال إذا شئت أن تغني فغنى
أحسن ما كنا تفرقنا ... وخاننا الدهر وما خنا
فليت ذا الدهر لنا مرة ... عاد لنا يوما كما كنا
فغنته الصوت فقلت الفتى طرفه فبصر بدرجة فأمها فاتبعه الخدم ليهدوه الطريق ففاتهم وصعد الدرجة فألقى نفسه إلى الأرض على رأسه فخر ميتا فقال الرشيد عجل الفتى ولو لم يعجل وهبناها له
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الحافظ قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي قال حدثني أبو محمد علي بن أبي عمر اليزيدي قال حدثنا أبو البركات محمد بن عبد الواحد الزبيري قال حدثني أبو علي حسن بن الأشكري المصري قال كنت من جلاس الأمير تميم بن المعز وممن غلب عليه جدا قال فبعث إلى بغداد فاشتريت له جارية رائعة من أفضل ما وجد في الحسن والغناء فلما وصلت إليه أقام دعوة لجلسائه قال وأنا فيهم ثم وضعت الستارة فأمرها بالغناء فغنت
وبدا له من بعد ما اندمل الهوى ... برق تألق موهنا لمعانه
يبدو كحاشية الرداء ودونه ... صعب الذرى متمنع أركانه
في غير هذه الرواية هذان البيتان
فبدا لينظر كيف لاح فلم يطق ... نظرا إليه وصده سحانه (1/360)
فالنار ما اشتملت عليه ضلوعه ... والماء ما سمحت به أجفانه
قال فأحسنت ما شاءت وطرب تميم وكل من حضر ثم غنت
سيسليك عما فات دولة مفضل ... أوائله محمودة وأواخره
ثنى الله غطفيه وألف شخصه ... على البر مذ شدت عليه مآزره
فطرب الأمير تميم وكل من حضر طربا شديدا ثم غنت
أستودع الله في بغداد لي قمرا ... بالكرخ من فلك الأزرار مطلعه
فاشتد طرب الأمير تميم وأفرط جدا ثم قال لها تمنى ما شئت فلك مناك فقالت أتمنى عافية الأمير وبقاءه فقال والله لا بد لك أن تتمني فقالت على الوفاء أيها الأمير بما أتمنى فقال نعم فقالت له أن أغني هذه النوبة ببغداد قال فاستنقع لون تميم وتغير وجهه وتكدر المجلس وقام وقمنا كلنا قال
ابن الأشكري فلحقني بعض خدمه وقال لي ارجع فالأمير يدعوك فرجعت فوجدته جالسا ينتظرني فسلمت وجلست بين يديه فقال ويحك أرأيت ما امتحنا به قلت نعم أيها الأمير فقال لا بد من الوفاء لها وما أثق في هذا بغيرك فتأهب لتحملها إلى بغداد فإذا غنت هناك فاصرفها فقلت سمعا وطاعة (1/361)
قال ثم قمت وتأهبت وأمر لها بالتأهب وأصحبها جارية سوداء تعادلها وتخدمها وأمر بناقة ومحمل فأدخلت فيه وجعلها معي ثم سرت إلى مكة مع القافلة فقضينا حجنا ثم دخلنا في قافلة العراق وسرنا
قال فلما وردنا القادسية أتتني السوداء عنها فقالت تقول لك سيدتي أين نحن فقلت لها نحن نزول بالقادسية فانصرفت إليها وأخبرتها فلم ألبث أن سمعت صوتا قد ارتفع بالغناء
لما وردنا القادسية ... حيث مجتمع الرفاق
وشممت من أرض العراق ... نسيم أنفاس العراق
أيقنت لي ولمن أحب م ... بجمع شمل واتفاق
وضحكت من فرح اللقاء ... كما بكيت من الفراق
فتصايح الناس من أقطار القافلة أعيدي بالله أعيدي بالله
قال فما سمع لها كلمة
قال ثم نزلنا بالياسرية وبينها وبين بغداد قريب في بساتين متصلة ينزل الناس بها فيبيتون ليلتهم ثم يبكرون لدخول بغداد
فلما كان قرب الصباح إذا أنا بالسوداء قد أتتني مذعورة
فقلت مالك قالت إن سيدتي ليست حاضرة
فقلت وأين هي
قالت والله ما أدري
قال فلم أحس لها أثرا بعد ودخلت بغداد وقضيت حوائجي بها وانصرفت إليه فأخبرته الخبر فعظم ذلك عليه واغتم له ثم ما زال ذاكرا لها واجما عليها (1/362)
أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني أبو الفرج أحمد بن عثمان بن إبراهيم الفقيه المعروف بابن النرسي قال كنت جالسا بحضرة أبي وأنا حدث وعنده جماعة فحدثني حديث وصول النعم إلى الناس بالألوان الظريفة
وكان ممن حضر صديق لأبي فسمعته يحدث أبي قال حضرت عند صديق لي من التجار كان يحزر بمائة ألف دينار في دعوة وكان حسن المروءة فقدم مائدته وقدم عليها دنكيريكة فلم يأكل منها فامتنعنا فقال كلوا فإني أتأذى بأكل هذا اللون فقلنا فنساعدك على تركه فقال بل أساعدكم على الأكل واحتمل الأذى فأكل فلما أراد غسل يده أطال فعددت عليه أنه قد غسلها أربعين مرة فقلت يا هذا أوسوست فقال هذه الأذية التي فرقت منها قلت وما سببها فامتنع من ذكرها فألححت عليه فقال مات أبي وسني عشرون سنة وخلف لي نعمة صغيرة ورأس مال ومتاعا في دكانه وكان دكاننا في الكرخ فقال لي لما حضرته الوفاة يابني إنه لا وارث لي غيرك ولا دين علي ولا مظلمة فإذا أنا مت فأحسن جهازي وتصدق علي بكذا وكذا وأخرج عني حجة بكذا وبارك الله لك في الباقي ولكن احفظ وصيتي فقلت قل
قال لا تسرف في مالك فتحتاج إلى ما في أيدي الناس ولا تجده واعلم (1/363)
أن القليل مع الإصلاح كثير والكثير مع الفساد قليل فالزم السوق وكن أول من يدخلها وآخر من يخرج منها وإن استطعت أن تدخلها سحرا بليل فافعل فإنك تستفيد بذلك فوائد تكشفها لك الأيام
ومات فأنفذت وصيته وعملت بما أشار به وكنت أدخل السوق سحرا وأخرج منه عشيا فلا أعدم من يجيئني يطلب كفنا فلا يجد من فتح غيري فأحكم عليه ومن يبيع شيئا والسوق لم يقم فأبيعه له وأشياء من صنف هذه الفوائد
ومضى على لزومي السوق سنة وكسر فصار لي بذلك جاه عند أهلها وعرفوا استقامتي فأكرموني فبينا أنا جالس يوما ولم يتكامل السوق إذا بامرأة راكبة حمارا مصريا وعلى كفله منديل دبيقي وخادم وهي بزي القهرمانة فبلغت آخر السوق ثم رجعت فنزلت عندي فقمت إليها وأكرمتها وقلت لها ما تأمرين وتأملتها فإذا بامرأة لم أر قبلها ولا بعدها إلى الآن أحسن منها في كل شيء فتكلمت وقالت أريد كذا وأريد كذا ثيابا طلبتها فسمعت نغمة ورأيت شكلا قتلني وعشقتها في الحال أشد العشق وقلت اصبري حتى يخرج الناس فآخذ لك ذلك فليس عندي إلا القليل مما يصلح لك وأخرجت الذي كان عندي
فجلست تحادثني والسكاكين في فؤادي من عشقها وكشفت عن أنامل رأيها كالطلع ووجه كدارة القمر فقمت لئلا يزيد علي الأمر وأخذت (1/364)
لها من السوق ما أرادت وكان ثمنه مع ما هو لي نحو خمسمائة دينار فأخذته وركبت ولم تعطني شيئا وذهب عني لما تداخلني من شهوتها أن أمنعها من المتاع إلا بالمال أو أستدل منزلها ومن دار من هي
فحين غابت عني وقع لي أنها محتالة وأن ذلك سبب فقري فتحيرت في أمري وقامت قيامتي وكتمت خبري لئلا أفتضح بما للناس علي وعملت على بيع ما في يدي من المتاع وإضافته إلى ما عندي من الدراهم ودفع أموال الناس إليهم ولزوم البيت والاقتصار على غلة العقار الذي ورثته ووطنت نفسي على المحنة وأخذت أشرع في ذلك مدة أسبوع فإذا بها قد نزلت عندي
فحين رأيتها أنسيت جميع ما جرى علي وقمت إليها فقالت يا فتى تأخرنا عنك لشغل عرض لنا وما شككنا في أنك لم تشك أنا احتلنا عليك فقلت قد رفع الله قدرك عن هذا فقالت هات التخت والطيار فأحضرته فأخرجت دنانير عتقا فوفتني المال بأسره وأخرجت تذكرة بأشياء أخر فأنفذت إلى التجار أموالهم وطلبت منهم ما أرادت وحصلت أنا في الوسط ربحا جيدا وأحضر التجار الثياب فقمت وثمنتها معهم لنفسي ثم بعتها عليها بربح عظيم وأنا في خلال ذلك أنظر إليها نظر تالف من حبها وهي تنظر إلي نظر من قد فطنت بذلك ولم تنكره فهممت بخطابها ولم أقدر أقدم فاجتمع المتاع وكان ثمنه ألف دينار فأخذته وركبت ولم أسألها عن موضعها فلما غابت عني قلت هذا الآن هو الحيلة المحكمة أعطتني خمسمائة دينار وأخذت ألف دينار وليس إلا بيع عقاري الآن والحصول على الفقر المدقع
ثم سمحت نفسي برؤيتها مع الفقر وتطاولت غيبتها نحو شهر وألح التجار (1/365)
علي بالمطالبة فعرضت عقاري للبيع ولازمني بعض التجار فوزنت جميع ما كنت أملكه ورقا وعينا فأنا كذلك إذ نزلت عندي فزال عني جميع ما كنت فيه برؤيتها
فاستدعت الطيار والتخت فوزنت المال وقدمت لي تذكرة يزيد ما فيها علي ألفي دينار بكثير فتشاغلت بإحضار التجار ودفع أموالهم إليهم وأخذ المتاع منهم فطال الحديث بيننا فقالت يا فتى لك زوجة فقلت لا والله ما عرفت امرأة قط وأطمعني ذلك فيها وقلت هذا وقت خطابها والإمساك عنها عجز ولعلها تعود أو لا تعود
وأردت كلامها فهبتها وقمت كأنني أحث التجار على جمع المتاع وأخذت يد الخادم وأخرجت إليه دنانير وسألته أن يأخذها ويقضي لي حاجة فقال أفعل وأبلغ لك محبتك وقصصت عليه قصتي وسألته توسط الأمر بيني وبينها فضحك وقال إنها لك أعشق منك لها والله ما بها حاجة إلى أكثر هذا الذي تشتريه وإنما تجيئك محبة لك وطريقا إلى مطاولتك فخاطبها بظرف ودعني فإني أفرغ لك من الأمر
فجسرني بذلك عليها فخاطبتها وكشفت لها عشقي ومحبتي وبكيت فضحكت وتقبلت ذلك أحسن تقبل وقالت الخادم يجيئك برسالتي ونهضت ولم تأخذ شيئا من المتاع فرددته على الناس وقد حصل لي مما اشتريته أولا وثانيا ألوف دراهم ربحا ولم يحملني النوم تلك الليلة شوقا إليها وخوفا من انقطاع السبب بيننا (1/366)
فلما كان بعد أيام جاءني الخادم فأكرمته وسألته عن خبرها فقال هي والله عليلة من شوقها إليك فقلت اشرح لي أمرها فقال هذه مملوكة السيدة أم المقتدر وهي من أخص جواريها بها واشتهت رؤية الناس والدخول والخروج فتوصلت حتى جعلتها قهرمانة وقد والله حدثت السيدة بحديثك وبكت بين يديها وسألتها أن تزوجها منك فقالت السيدة لا أفعل أو أرى هذا الرجل فإن كان يستأهلك وإلا لم أدعك ورأيك وتحتاج أن تحتال في إدخالك الدار بحيلة فإن تمت وصلت بها إلى تزويجها وإن انكشفت ضربت عنقك في هذا وقد أنفدتني إليك بهذه الرسالة وقالت لك إن صبرت على هذا وإلا فلا طريق لك والله إلي ولا لي إليك بعدها
فحملني ما في نفسي على أن قلت أصبر
فقال إذا كان الليلة فاعبر إلى المخرم فادخل إلى المسجد وبت فيه ففعلت فلما كان السحر إذا بطيار قد قدم وخدم قد رقوا صناديق فرغا فجعلوها في المسجد وانصرفوا فخرجت الجارية فصعدت إلى المسجد ومعها الخادم الذي أعرفه فجلست وفرقت باقي الخدم في حوائج واستدعتني فقبلتني وعانقتني طويلا ولم أكن قد نلت قبل ذلك منها قبلة ثم أجلستني في بعض الصناديق وقفلته
وطلعت الشمس وجاء الخدم بثياب وحوائج من المواضع التي كانت أنفذتهم إليها فجعلت ذلك بحضرتهم في باقي الصناديق وقفلتها وحملتها إلى الطيار وانحدر
فلما حصلت فيه ندمت وقلت قتلت نفسي لشهوة وأقبلت ألومها تارة (1/367)
وأشجعها أخرى وأنذر النذور على خلاصي وأوطن مرة نفسي على القتل إلى أن بلغنا الدار وحمل الخدم الصناديق وحمل صندوقي الخادم الذي يعرف الحديث وبادرت بصندوقي أمام الصناديق وهي معي والخدم يحملون الباقي ويلحقونها فكلما جازت بطبقة من الخدم والبوابين قالوا نريد تفتيش الصندوق فتصيح عليهم وتقول متى جرى الرسم معي بهذا فيمسكون وروحي في السياق إلى أن انتهينا إلى خادم خاطبته هي بالأستاذ فعلمت أنه أجل الخدم فقال لا بد من تفتيش الصندوق الذي معك فخاطبته بلين وذل فلم يجبها وعلمت أنها ما ذلت له ولها حيلة فأغمى علي وأنزل الصندوق ليفتح فذهب علي أمري وبلت فزعا فجرى البول من خلل الصندوق فقالت يا أستاذ أهلكت علينا متاعا بخمسة آلاف دينار في الصندوق وثياب مصبغات وماء ورد قد انقلب على الثياب والساعة تختلط ألوانها وهي هلاكي مع السيدة
فقال لها خذي صندوقك إلى لعنة الله أنت وهو ومري فصاحت بالخدم احملوه وأدخلت الدار ورجعت إلى روحي فبينا نحن نمشي إذ قالت واويلاه الخليفة والله فجاءني أعظم من الأول وسمعت كلام خدم وجوار وهو يقول من بينهم ويلك يا فلانة إيش في صندوقك أريني هو فقالت ثياب لستي يا مولاي والساعة أفتحه بين يديها وتراه وقالت للخدم أسرعوا ويلكم فأسرعوا وأدخلتني إلى حجرة وفتحت عيني وقالت اصعد هذه الدرجة إلى الغرفة واجلس فيها وفتحت بالعجلة صندوقا آخر فنقلت بعض ما كان فيه إلى الصندوق الذي كنت فيه وقفلت الجميع وجاء المقتدر وقال افتحي ففتحته فلم يرض منه شيئا وخرج فصعدت إلي وجعلت ترشفني وتقبلني فعشت ونسيت ما جرى وتركتني وقفلت باب الحجرة يومها ثم جاءتني ليلا فاطعمتني وسقتني وانصرفت فلما كان من الغد جاءتني (1/368)
فقالت السيدة الساعة تجيء فانظر كيف تخاطبها ثم عادت بعد ساعة مع السيدة وقالت انزل فنزلت فإذا بالسيدة جالسة على كرسي وليس معها إلا وصيفتان وصاحبتي فقبلت الأرض وقمت بين يديها فقالت اجلس فقلت انا عبد السيدة وخادمها وليس من محلى أن أجلس بحضرتها فتأملتني وقالت ما اخترت يا فلانة إلا حسن الوجه والأدب ونهضت فجاءتني صاحبتي بعد ساعة فقالت أبشر فقد أذنت لي والله في تزويجك وما بقي الآن عقبة إلا الخروج فقلت يسلم الله فلما كان من الغد حملتني في الصندوق فأخرجت كما أدخلت بعد مخاطرة أخرى وفزع ثان ونزلت في المسجد ورجعت إلى منزلي فتصدقت وحمدت الله تعالى على السلامة فلما كان بعد أيام جاءني الخادم ومعه كيس فيه ثلاثة آلاف دينار عينا فقال أمرتني ستي بإنفاذ هذا إليك من مالها وقالت تشتري بها ثيابا ومركوبا وخدما وتصلح به ظاهرك وتعال يوم الموكب إلى باب العامة وقف حتى تطلب فقد وافق الخليفة أن يزوجك بحضرته
فأجبت عن رقعة كانت معه وأخذت المال فاشتريت ما قالوه بشيء يسير منه وبقي الأكثر عندي وركبت إلى باب العامة في يوم الموكب بزي حسن وجاء الناس فدخلوا إلى الخليفة ووقفت إلى أن استدعيت فدخلت فإذا أنا بالمقتدر جالس والقضاة والقواد والهاشميين فهبت المجلس وعلمت كيف أسلم ففعلت وتقدم المقتدر إلى بعض القضاة الحاضرين فخطب لي وزوجني وخرجت من حضرته فلما صرت في بعض الدهاليز قريبا من الباب عدل بي إلى دار عظيمة مفروشة بأنواع الفرش الفاخر وفيها من الآلات والخدم والقماش كل شيء لم أر مثله قط (1/369)
فأجلست فيها وتركت وحدي وانصرف من أدخلني فجلست يومي لا أرى من أعرف ولا أبرح موضعي إلا إلى الصلاة وخدم يدخلون ويخرجون وطعام عظيم ينقل وهم يقولون الليلة تزف فلانة باسم صاحبتي إلى زوجها البزاز فلا أصدق فرحا
فلما جاء الليل أثر في الجوع وقفلت الأبواب ويئست من الجارية فقمت أطوف الدار فوقعت على المطبخ ووجدت الطباخين جلوسا فاستطعمتهم فلم يعرفوني وقدروني بعض الوكلاء فقدموا إلي هذا اللون من الطعام مع رغيفين فأكلتهما وغسلت يدي بأشنان كان في المطبخ وقدرت أنها قد نقيت وعدت إلى مكاني
فلما جنني الليل إذا بطبول وزمور وأصوات عظيمة وإذا بالأبواب قد فتحت وصاحبتي قد أهديت إلي وجاءوا بها فجلوها علي وأنا أقدر أن ذلك في النوم فرحا وتركت معي في المجلس وتفرق الناس
فلما خلونا تقدمت إليها فقبلتها وقبلتني وشمت لحيتي فرفستني ورمت بي عن المنصة وقالت أنكرت أن تفلح يا عامي يا سفلة وقامت لتخرج فقمت وتعلقت بها وقبلت الأرض ورجليها وقلت عرفيني ذنبي واعملي بعده ما شئت
فقالت ويحك أكلت ولم تغسل يدك فقصصت عليها قصتي فلما بلغت إلى آخرها قلت علي وعلي فحلفت بطلاقها وطلاق كل امرأة أتزوجها وصدقة مالي وجميع ما أملكه والحج ماشيا على قدمي والكفر بالله وكل ما يحلف المسلمون به لا أكلت بعدها ديكيريكة إلا غسلت يدي أربعين مرة فاستحيت وتبسمت وصاحت يا جواري فجاء مقدار عشر جوار ووصائف فقالت (1/370)
هاتوا شيئا نأكل فقدمت إلي ألوان ظريفة وطعام من أطعمة الخلفاء فأكلنا وغسلنا أيدينا واستدعت شرابا فشربنا وغنى أولئك الوصائف أطيب غناء وأحسنه ثم قمنا إلى الفراشفدخلت بها وبت بليلة من ليالي الخلفاء ولم نفترق أسبوعا وكان يوم الأسبوع وليمة هائلة اجتمع فيها الجواري فلما كان من غد قالت إن دار الخلافة لا يحتمل أن يكون المقام فيها أكثر من هذا ولولا أنه استؤذن فأذن بعد جهد لما تم لنا هذا إلا أنه شيء لم يفعل قط مع جارية غيري لمحبة السيدة لي وجميع ما تراه فهو هبة لي من السيدة وقد أعطتني خمسين ألف دينار من عين وورق وجوهر ودنانير وذخائر لي خارج القصر أشياء كثيرة من كل لون وجميعها لك فاخرج إلى منزلك وخذ معك مالا فاشتر دارا سوية واسعة الصحن فيها بستان كبير كثيرة الحجر فاخرة الموقع وتحول إليها وعرفني لأنقل هذا كله إليك فإذا حصل عندك جئتك وسلمت إلي عشرة آلاف دينار عينا فحملها الخادم معي فابتعت الدار وكتبت إليها بالخبر فحملت لي تلك النعمة بأسرها فجميع ما أنا فيه منها فأقامت عندي كذا وكذا سنة أعيش معها عيش الخلفاء ولم أدع مع ذلك التجارة فزاد مالي وعظمت منزلتي وأثرت حالي وولدت لي هؤلاء الفتيان وأومأ إلى أولاده ثم ماتت رحمها الله وبقي علي من مضرة الديكيريكة ما شاهدته
وممن نال نعمة عظيمة بسبب أنه عشق محمد بن جعفر المعروف بزوج الحرة
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال حدثنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا علي بن المحسن القاضي قال حدثني أبي قال حدثني الأمير أبو الفضل جعفر بن المكتفي بالله قال كانت بنت بدر مولى المعتضد بالله زوجة أمير المؤمنين (1/371)
المقتدر بالله فأقامت عنده سنين وكان لها مكرما وعليها مفضلا الإفضال العظيم فتأثلت حالها وانضاف ذلك إلى عظيم نعمتها الموروثة وقتل المقتدر فأفلتت من النكبة وسلم لها جميع أموالها وذخائرها حتى لم يذهب لها شيء وخرجت عن الدار فكان يدخل إلى مطبخها حدث يحمل فيه على رأسه يعرف بمحمد بن جعفر وكان حركا فنفق على القهرمانة بخدمته فنقلوه إلى أن صار وكيل المطبخ وترقى أمره حتى صار ينظر في ضياعها وعقارها وغلب عليها فصارت تكلمه من وراء ستر وخلف باب أو ستارة وزاد اختصاصه بها حتى علق بقلبها فاستدعته إلى تزويجها فلم يجسر على ذلك فجسرته وبذلت مالا حتى تم له ذلك
وقد كانت حاله تأثلت بها وأعطته لما أرادت ذلك منه أموالا جعلها لنفسه نعمة ظاهرة لئلا يمنعها أولياؤها منه بالفقر وأنه ليس بكفء ثم هادت القضاة بهدايا جليلة حتى زوجوها منه واعترض الأولياء فغالبتهم بالحكم والدراهم فتم له ذلك ولها فأقام معها سنين ثم ماتت فحصل له من مالها نحو ثلاثمائة ألف دينار ظاهرة وباطنة فهو يتقلب إلى الآن فيها
قال أبي وقد رأيت أنا هذا الرجل وهو شيخ عاقل شاهد مقبول توصل بالمال إلى أن قبله أبو السائب القاضي حتى أقر في يده وقوف الحرة ووصيتها لأنها وصت إليه في أموالها وأوقافها وهو إلى الآن لا يعرف إلا بزوج الحرة وإنما سميت الحرة لأجل تزويج المقتدر بها وهكذا عادة الخلفاء لغلبة المماليك عليهم إذا كانت لهم زوجة قيل الحرة
قال الخطيب قال لنا أبو علي بن شاذان كان محمد بن جعفر زوج الحرة جارنا وسمعت منه مجالس من أماليه وكان يحضره في مجلس الحديث القاضي (1/372)
الجراحي وأبو الحسن بن المظفر وأبو عمر بن حيويه وأبو الحسن الدراقطني وغيرهم من الشيوخ
توفي في صفر سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة ودفن بالقرب من قبر معروف الكرخي
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أخبرنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا محمد بن أحمد قال حدثنا إسحاق بن الصيف عن أبي مسهر قال كان وضاح اليمن نشأ هو وأم البنين صغيرين فأحبها وأحبته وكان لا يصبر عنها حتى إذا بلغت حجبت عنه فطال بهما البلاء فحج الوليد بن عبد الملك فبلغه جمال أم البنين وأدبها فتزوجها ونقلها إلى الشام
قال فذهب عقل وضاح عليها وجعل يذوب وينحل فلما طال عليه البلاء خرج إلى الشام فجعل يطوف بقصر الوليد بن عبد الملك كل يوم لا يجد حيلة حتى رأى يوما جارية صفراء فلم يزل حتى أنس بها فقال لها هل تعرفين أم البنين فقالت إنك تسأل عن مولاتي فقال إنها لابنة عمي وإنها لتسر بمكاني وبموضعي فلو أخبرتها قالت إني أخبرها
فمضت الجارية فأخبرت أم البنين فقالت ويلك أوحي هو قالت نعم قالت قولي له كن مكانك حتى يأتيك رسولي فلن أدع الاحتيال لك فاحتالت إلى أن أدخلته إليها في صندوق فمكث عندها حينا فإذا أمنت أخرجته فقعد معها وإذا خافت عين الرقيب أدخلته الصندوق فأهدى للوليد بن عبد الملك يوما جوهر فقال لبعض خدمه خذ هذا الجوهر فامض به إلى أم المؤمنين وقل لها أهدى هذا إلى أمير المؤمنين فوجه به إليك فدخل الخادم من غير استئذان ووضاح معها فلمحه ولم تشعر أم البنين فبادر إلى الصندوق فدخله فأدى الخادم الرسالة (1/373)
إليها وقال لها هبي لي من هذا الجوهر حجرا فقالت لا أم لك وما تصنع أنت بهذا
فخرج وهو عليها حنق فجاء الوليد فخبره الخبر ووصف له الصندوق الذي رآه دخله فقال له كذبت لا أم لك ثم نهض الوليد مسرعا فدخل إليها وهي في ذلك البيت وفيه صناديق عداد فجاء حتى جلس على ذلك الصندوق الذي وصف له الخادم فقال لها يا أم البنين هبي لي صندوقا من صناديقك هذه فقالت يا أمير المؤمنين هي وأنا لك فقال لا أريد غير هذا الذي تحتي قالت يا أمير المؤمنين إن فيه شيئا من أمور النساء قال ما أريد غيره قالت هو لك فأمر به فحمل ودعا بغلامين فأمرهما بحفر بئر فحفر حتى إذا بلغا الماء وضع فمه على الصندوق وقال أيها الصندوق إنه قد بلغنا عنك شيء فإن كان حقا فقد دفنا خبرك ودرسنا أثرك وإن كان كذبا فما علينا في دفن صندوق من خشب حرج
ثم أمر به فألقى في الحفرة وأمر بالخادم فقذف في ذلك المكان فوقه وطم عليهما جميعا التراب
قال فكانت أم البنين توجد في ذلك المكان تبكي إلى أن وجدت يوما مكبوبة على وجهها ميتة
قلت وقد روى المعافى بن زكريا هذه الحكاية فذكر أن الخليفة كان يزيد ابن عبد الملك
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت انبأنا جعفر بن أحمد بن السراج قال أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثني أبي قال حدثنا أبو أحمد الختلي قال حدثنا أبو حفص النسائي قال حدثني محمد ابن حيان ابن صدقة عن محمد بن أبي السرى عن هشام بن محمد بن السائب قال (1/374)
كانت عند يزيد بن عبد الملك بن مروان أم البنين وكان لها من قلبه موضع قال فقدم عليه من ناحية مصر بجوهر له قدر وقيمة
قال فدعا خصيا له فقال اذهب بهذا إلى أم البنين وقل لها أتيت به الساعة فبعثت به إليك قال فأتاها الخادم فوجد عندها وضاح اليمن وكان من أجمل العرب وأحسنهم وجها فعشقته أم البنين فأدخلته عليها فكان يكون عندهما فإذا أحست بدخول يزيد بن عبد الملك عليها أدخلته في صندوق من صناديقها فرآه الغلام ورأى الصندوق الذي دخل فيه فوضع الجوهر بين يديها وأبلغها رسالة يزيد ثم قال يا سيدتي هبي لي منه لؤلؤة قالت لا ولا كرامة
فغضب وجاء إلى مولاه فقال يا أمير المؤمنين إني دخلت عليها وعندها رجل فلما رأتني أدخلته صندوقا وهو في الصندوق الذي من صفته كذا وكذا وهو الثالث أو الرابع فقال له يزيد كذبت يا عدو الله جأوا عنقه فوجأوا عنقه ونحوه عنه
قال فأمهل قليلا ثم قام فلبس نعله ودخل على أم البنين وهي تمتشط في خزانتها فجاء حتى جلس على الصندوق الذي وصف له الخادم فقال يا أم البنين ما أحب إليك هذا البيت قالت يا أمير المؤمنين أدخله لحاجتي وفيه خزانتي فما أردت من شيء أخذته من قرب قال فما في هذه الصناديق التي أراها قالت حليتي وأثاثي قال فهبي لي منها صندوقا فقالت كلها يا أمير المؤمنين لك قال لا أريد إلا واحد ولك على أن أعطيك زنته وزنه ما فيه ذهبا قالت فخذ ما شئت قال هذا الذي تحتي قالت يا أمير المؤمنين عد عن هذا وخذ غيره فإن لي فيه شيئا يقع بمحبتي قال ما أريد غيره فقالت هو لك
قال فأخذه ودعا الفراشين فحملوا الصندوق فمضى به إلى مجلسه فجلس ولم يفتحه (1/375)
ولم ينظر ما فيه فلما جنه الليل دعا غلاما له أعجميا فقال له استأجر أجراء غرباء ليسوا من أهل المصر قال فجاءه بهم وأمرهم فحفروا له حفيرة في مجلسه حتى بلغوا الماء ثم قال قدموا إلي الصندوق فألقاه في الحفيرة ثم وضع فمه على شفيرة فقال يا هذا قد بلغنا عنك خبر فإن يك حقا فقد قطعنا أثره وإن يكن باطلا فإنما دفنا خشبا ثم أهالوا عليه التراب حتى استوى
قال فلم ير وضاح اليمن حتى الساعة
قال فلا والله ما بان لها في وجهه ولا في خلائقه ولا في شيء حتى فرق الموت بينهما
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا ابن خلف قال أخبرني أبو بكر النسائي قال أخبرني علي بن محمد بن سليمان الموصلي قال أخبرني رجل سماه أحسبه ذكر محمد بن إسحاق قال
كان لقمان بن عاد من أشد قومه وأجلدهم فقالوا له لو تزوجت فبقي من نسلك في عاد فقال إني أكره النساء فلم يزالوا به حتى تزوج امرأة من منى ثم بنى بيتا طويلا وجعل له بابا من أسفله وسكن في أعلاه مع امرأته وجعل خيطا في جلجل فإذا جاء من يريده حرك الجلجل لئلا تسمع امرأته كلام رجل فولدت له ابنة
وإن فتى من عاد قال لقومه أريد أن أرى امرأة لقمان بن عاد فمنعوه من ذلك فقال والله لئن لم أرها لأجرن على عاد جريرة يكون فيها استئصال عاد (1/376)
قال فجمعوا سيوفا وسلاحا وأدخلوه في جوف حزمة منها ثم أتوا لقمان فقالوا إنا نريد نجعة لنا ونريد أن نضع سلاحنا عندك فأتوه به وصعد به فوضعه عنده وعاد القوم وأخذوا سيوفهم بعد أيام
فبينا لقمان مع امرأته إذ نظر إلى نخامة في سقف بيته فقال من تنخم هذه قالت أنا قال أقائمة أم نائمة قالت قائمة قال فتنخمي فتنخمت فلم تبلغ فقال السيوف دهتني فذهبت مثلا قال فقتلها ونزل فلقى ابنته فقتلها فأتى قومه فقال والله لتصدقني فصدقوه فقال ائتوني بهذا الفتى فخاف الفتى فلحق بالوحوش فكان يأوي معها فكف لقمان عن قومه حين بلغه أمر الفتى
فقيل له في قتل الصبية ما كان ذنبها ولم قتلتها قال إنها من النساء وقد رويت لنا هذه الحكاية أتم من هذا
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أخبرنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي ولقيته بمدينة الرسول صلى الله عليه و سلم قال أخبرنا أبو مسلم الكاتب قال أخبرنا ابن دريد قال حدثنا العكلي عن ابن أبي خالد عن الهيثم عن مجالد عن الشعبي قال كان لقمان بن عاد بن عاديا الذي عمر سبعة أنسر مبتلى بالنساء وكان يتزوج المرأة فتخونه حتى تزوج جارية صغيرة لم تعرف الرجال ثم نقر لها بيتا في سفح جبل وجعل له درجة بسلاسل ينزل بها ويصعد فإذا خرج رفعت السلاسل (1/377)
حتى عرض لها فتى من العماليق فوقعت في نفسه فأتى بني أبيه فقال والله لأجنين عليكم حربا لا تقومون بها قالوا وما ذاك قال امرأة لقمان بن عاد هي أحب الناس إلي
قالوا فكيف نحتال لها قال أجمعوا سيوفكم ثم اجعلوني بينها وشدوها حزمة عظيمة ثم ائتوا لقمان فقولوا له إنا أردنا أن نسافر ونحن نستودعك سيوفنا حتى نرجع وسموا له يوما
ففعلوا وأقبلوا بالسيوف فدفعوها إلى لقمان فوضعها في ناحية بيته وخرج لقمان وتحرك الرجل فحلت الجارية عنه فكان يأتيها فإذا أحست بلقمان جعلته بين السيوف حتى انقضت الأيام
ثم جاءوا إلى لقمان فاسترجعوا سيوفهم فرفع لقمان رأسه بعد ذلك فإذا نخامة تنوس في السقف فقال لامرأته من نخم هذه قالت أنا قال فتنخمي ففعلت فلم تصنع شيئا فقال يا ويلتاه السيوف دهتني ثم رمى بها من ذروة الجبل فتقطعت قطعا فانحدر مغضبا فإذا ابنة له يقال لها صحر فقالت له يا أبتاه ما شأنك قال وأنت أيضا من النساء فضرب رأسها بصخرة فقتلها فقالت العرب ما أذنبت إلا ذنب صحر فصارت مثلا
أنبأنا محمد بن أبي منصور قال حدثنا عبد المحسن بن محمد قال حدثني أبو منصور محمد بن علي الواسطي قال حدثني الأمير منتخب الملك قال كان ابن المغربي مختفيا بالقاهرة والسلطان يطلب دمه وكان بمصر صبي أمرد ممن انتهى الحسن إليه في زمانه وكان يشتهي يراه فخبر أنه يسبح في الخليج فخرج وغرر بنفسه فنظر إليه فقال (1/378)
علمت منطق حاجبيه ... والبين ينشر رايتيه
وعرفت آثار النعيم بقبلة في عارضيه
ها قد رضيت من الحياة ... بأسرها نظري إليه
ولقد أراه في الخليج يشقه من جانبيه
والموج مثل السيف وهو فرنده في صفحتيه
لا تشربوا من مائه ... أبدا ولا تردوا عليه
قد ذاب منه السحر في ... حركاته من وجنتيه
فكأنه في الموج قلبي بين أشواقي إليه (1/379)
الباب الواحد والأربعون في ذكر من ضربت به الأمثال في العشق
أشهر المشهورين بذلك مجنون ليلى
وله أخبار كثيرة وأشعار كثيرة وإنما أنتقى محاسنها
اختلف العلماء بالأنساب في اسمه ونسبه
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري قال أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا أبو عمر بن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال قال ابن داب عن رباح بن حبيب العامري قال هو قيس بن الملوح بن مزاحم
وقال أبو عبيدة هو البختري بن الجعدي
وقال أبو عمرو الشيباني أخبرني أبو بكر الوالبي عن بعض ولد علي بن أبي طالب قال هو قيس بن معاذ العقيلي
وقال أبو العالية هو الأقرع بن معاذ
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن قال أنبأنا ابن حيويه قال أخبرنا محمد بن خلف قال أخبرني أحمد بن حرب قال أخبرني ابن أبي كريم قال أخبرنا أبو قلابة العامري عن القاسم بن سويد الحرمي قال كان في بني عامر ثلاثة مجانين معاذ ليلى وهو معاذ (1/380)
ابن كليب أحد بني عامر بن عبيد وقيس بن معاذ ومهدي بن الملوح الجعدي
فأما ليلى فاختلفوا في نسبها فقال بعضهم ليلى بنت مهدي
وقال بعضهم ليلى بنت ورد من بني ربيعة
وفي كنيتها قولان أحدهما أم مالك وكذلك كناها المجنون في شعره والثاني أم الخليل
سباق بداية معرفة المجنون بليلى
اختلفوا في ذلك
فأخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار
وأخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قالا أنبأنا علي بن المحسن التنوخي
وأخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قالا أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال أخبرني أبو محمد بن البلخي قال أخبرني عبد العزيز بن صالح عن أبيه عن ابن داب قال حدثني رجل من بني عامر يقال له رباح بن حبيب قال كان في بني عامر جارية من أجمل النساء لها عقل وأدب يقال لها ليلى بنت مهدي فبلغ المجنون خبرها وما هي عليه من الجمال والعقل وكان صبا بمحادثة النساء فعمد إلى أحسن ثيابه فلبسها وتهيأ فلما جلس إليها وتحدث بين يديها أعجبته ووقعت بقلبه
فظل يومه ذلك يحدثها وتحدثه حتى أمسى فانصرف إلى أهله فبات بأطول (1/381)
ليلة حتى إذا أصبح مضى إليها فلم يزل عندها حتى أمسى ثم انصرف فبات بأطول من ليلته الأولى وجهد أن يغمض فلم يقدر على ذلك فأنشأ يقول
نهاري نهار الناس حتى إذا بدا ... لي الليل هزتني إليك المضاجع
أقضى نهاري بالحديث وبالمنى ... ويجمعني والهم بالليل جامع
وأدام زيارتها وترك إتيان كل من كان يأتيه
فوقع في قلبها مثل الذي وقع في قلبه فجاء يوما يحدثها فجعلت تعرض عنه وتقبل على غيره تريد تمتحنه وتعلم ما في قلبه فلما رأى ذلك منها اشتد عليه وخرج فلما خافت عليه أقبلت عليه فقالت
كلانا مظهر للناس بغضا ... وكل عند صاحبه مكين
فسرى عنه عند ذلك فقالت إنما أردت امتحانك والذي لك عندي أكثر من الذي لي عندك وأنا معطية الله عهدا إن أنا جالست بعد يومي هذا رجلا سواك حتى أذوق الموت إلا أن اكره على ذلك
فانصرف وهو أسر الناس فأنشأ يقول
أظن هواها تاركي بمضلة ... من الأرض لا مال لدى ولا أهل
ولا أحد أفضي إليه وصيتي ... ولا وارث إلا المطية والرحل
محا حبها حب الألي كن قبلها وحلت مكانا لم يكن حل من قبل (1/382)
قلت قد ذكرنا في هذه الحكاية قوله هزتني إليك المضاجع وما روى لنا إلا بالزاي ولا سمعنا أحد يذكره إلا كذلك
ثم رأينا الفتح بن جني يذكره بالراء فقال هرتني إليك المضاجع قال والزاي تصحيف عندهم قال ويقال هر الشيء يهر ويهره إذا كرهه فمعنى هرتني كرهتني فنبت بي
قلت وفي بداية معرفتها قول آخر
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري قال أنبأنا أبو محمد الجوهري وأخبرنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن قالا أنبأنا أبو عمر بن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال قال العمري عن لقيط ابن بكير المحاربي أن المجنون علق بليلى علاقة الصبا وذلك أنهما كانا صغيرين يرعيان أغناما لقومهما فعلق كل واحد منهما صاحبه إلا أن المجنون كان أكثر منها
فلم يزالا على ذلك حتى كبرا فلما علم بأمرهما حجبت ليلى عنه فزال عقله وفي ذلك يقول
تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة ... ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو بكر الأردستاني قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال حدثنا أحمد بن سعيد (1/383)
قال حدثنا محمد بن سعيد قال حدثنا عباس الترقفي قال حدثنا عبد الله ابن عمرو قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا أبو غياث البصري عن إبراهيم بن محمد الشافعي قال بينا ابن أبي مليكة يؤذن إذ سمع الأخضر الجدي يتغنى في دار العاص بن وائل ويقول
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ... إلى الآن لم نكبر ولم تكبر البهم
قال فأسرع في الأذان فأرد أن يقول حي على الصلاة فقال حي علي البهم حتى سمعه أهل مكة فجاء يعتذر إليهم
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو القاسم التنوخي قال حدثنا ابن حيويه قال أنبأنا محمد بن خلف قال حدثنا عبد الله بن عمرو قال حدثني يحيى بن أبي جابر قال حدثني ربيعة بن عبد الحميد قال كان المجنون من ولد أبي بكر بن كلاب فأتى عليه عصر من الدهر لا يعرف ليلى ثم عشقها فخطبها فلم يزوجوه فاشتدت حالته وزاد ما كان يجده وفشا أمره في الناس فلقيه ابن عم له فقال يا أخي اتق الله في نفسك فإن هذا الذي أنت فيه من عمل الشيطان فأزجره عنك فأنشأ يقول
يا حبذا عمل الشيطان من عمل ... إن كان من عمل الشيطان حبيها
منيتها النفس حتى قد أضر بها ... وأحدثت خلقا مما أمنيها
قال ابن خلف وقال أبو عبيدة كان المجنون يجلس في نادي قومه وهم يتحدثون فيقبل عليه بعض القوم فيحدثه وهو باهت ينظر إليه ولا يفهم ما يحدثه به ثم يثوب إليه عقله فيسأل عن الحديث فلا يعرفه (1/384)
فحدثه مرة بعض أهله بحديث ثم سأله عنه في غد فلم يعرفه فقال إنك لمجنون فقال
إني لأجلس في النادي أحدثهم ... فأستفيق وقد غالتني الغول
يهوى بقلبي حديث النفس دونكم ... حتى يقول خليلي أنت مخبول
قال أبو عبيدة فتزايد الأمر به حتى فقد عقله فكان لا يقر في موضع ولا يؤويه رحل ولا يعلوه ثوب إلا مزقه وصار لا يفهم شيئا مما يكلم به إلا أن تذكر له ليلى فإذا ذكرت أجاب النداء به ورجع عقله
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن قال أنبأنا ابن حيوية قال حدثنا محمد بن خلف قال روى رباح بن حبيب عن رجل من بني عامر قال لما كثر ذكر المجنون لليلى واشتهر أمره اجتمع إلى أبيه أهله وكان سيدا فقالوا له زوج قيسا فإنه سيكف عن ذكر ليلى وينساها فعرض عليه أبوه التزويج فأبى وقال لا حاجة لي إلى ذلك فأتى ليلى بعض فتيان القوم ممن كان يحسد قيسا ويعاديه فأخبرها أنه على أن يتزوج
وجاء المجنون كما كان يجيء فحجبته ولم تظهر له فرجع وهو يقول
فوالله ما أدري علام هجرتني ... وأي أموري فيك يا ليل أركب
أأقطع حبل الوصل فالموت دونه ... أم أشرب رنقا منكم ليس يشرب
أم أهرب حتى لايرى لي مجاور ... أم أفعل ماذا أم أبوح فأغلب (1/385)
فوالله ما أدري وإني لدائب ... أفكر ما جرمي إليها فأعجب
قال فبلغها قوله فأنشأت تقول صدق والله قيس حيث يقول
ومن يطع الواشين لا يتركوا له ... صديقا وإن كان الحبيب المقربا
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري وأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قالا أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا ابن حيوية قال حدثنا محمد بن خلف قال قال أبو عمرو الشيباني لما ظهر من المجنون ما ظهر ورأى قومه ما ابتلى به اجتمع قومه إلى أبيه وقالوا يا هذا قد ترى ما ابتلى به ابنك فلو خرجت به إلى مكة فعاد ببيت الله وزار قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ودعا الله عز و جل رجونا أن يرجع عقله ويعافيه الله تعالى فخرج أبوه حتى أتى مكة فجعل يطوف به ويدعو الله له بالعافية وهو يقول
دعا المحرمون الله يستغفرونه ... بمكة وهنا أن ستمحي ذنوبها
وناديت أن يا رب أول سؤلتي ... لنفسي ليلى ثم أنت حسيبها
فإن أعط ليلى في حياتي لا يتب ... إلى الله خلق توبة لا أتوبها
حتى إذا كان بمنى نادى مناد من تلك الخيام يا ليلى فخر قيس مغشيا عليه واجتمع الناس حوله ونضحوا على وجهه الماء وأبوه يبكي عند رأسه ثم أفاق وهو يقول
وداع دعا إذ نحن بالخيف من منى ... فهيج أطراف الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري (1/386)
أخبرتنا شهدة قالت أخبرنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا محمد بن خلف قال ذكر محمد بن حبيب عن هشام بن محمد الكلبي وغيث الباهلي وأبي عمرو الشيباني عن ابن دأب عن رباح قال حدثني بعض المشايخ قال خرجت حاجا حتى إذا كنت بمنى إذا بجماعة على جبل من تلك الجبال فصعدت إليهم فإذا فيهم فتى أبيض حسن الوجه وقد علاه الصفار وبدنه ناحل وهم يمسكونه
فسألتهم عنه فقالوا هذا قيس الذي يقال له المجنون خرج به أبوه لما بلى به يستجير له ببيت الله الحرام وقبر محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فلعل الله أن يعافيه
قلت لهم فما لكم تمسكونه قالوا نخاف أن يجني على نفسه جناية تتلفه قال وهو يقول لهم دعوني أتنسم صبا نجد فقال لي بعضهم ليس يعرفك فلو شئت دنوت منه فأخبرته أنك قد قدمت من نجد وأخبرته عنها قلت نعم أفعل فدنوت منه فقالوا يا قيس هذا رجل قدم من نجد قال فتنفس حتى ظننت أن كبده قد تصدعت ثم جعل يسائلني عن موضع موضع وواد واد فأنا أخبره وهو يبكي ثم أنشأ يقول
ألا حبذا نجد وطيب ترابه ... وأرواحه إن كان نجد على العهد
ألا ليت شعري عن عوارضتي قنا ... بطول الليالي هل تغيرتا بعدي وعن جارتينا بالبتيل إلى الحمى ... على عهدنا أم لم يدوما على العهد وعن علويات الرياح إذا جرت ... بريح الخزامى هل تهب على نجد
وعن أقحوان الرمل ما هو صانع ... إذا هو أثرى ليلة بثرى جعد (1/387)
أخبرنا ابن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا علي بن المحسن قال أنبأنا أبو عمر بن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال قال محمد بن زياد بن الأعرابي لما شبب المجنون بليلى وشهر بحبها اجتمع إليه أهلها فمنعوه من محادثتها وزيارتها وتهددوه وأوعدوه بالقتل فكان يأتي امرأة فتعرف له خبرها فنهوا تلك المرأة عن ذلك فكان يأتي غفلات الحي في الليل
فلما كثر ذلك خرج أبو ليلى ومعه نفر من قومه إلى مروان بن الحكم فشكوا إليه ما ينالهم من قيس بن الملوح وسألوه الكتاب إلى عامله عليهم يمنعه من كلام ليلى
فكتب لهم مروان كتابا إلى عامله يأمره أن يحضر قيسا ويتقدم إليه في ترك زيارة ليلى فإن أصابه أهلها عندهم فقد أهدروا دمه
فلما ورد الكتاب على عامله بعث إلى قيس وأبيه وأهل بيته فجمعهم وقرأ عليهم كتاب مروان وقال لقيس اتق الله في نفسك لا يذهب دمك هدرا فانصرف قيس وهو يقول
ألا حجبت ليلى وآلى أميرها ... علي يمينا جاهدا لا أزورها
وأوعدني فيها رجال أبوهم ... أبى وأبوها خشنت لي صدورها
على غير شيء غير أني أحبها ... وأن فؤادي عند ليلى أسيرها
فلما أيس منها وعلم أن لا سبيل إليها صار شبيها بالتائه العقل وأحب الخلوة وحديث النفس وتزايد الأمر به حتى ذهب عقله ولعب بالحصا والتراب ولم يكن (1/388)
يعرف شيئا إلا ذكرها وقول الشعر فيها وبلغها ما صار إليه قيس فجزعت أيضا لفراقه وضنيت ضنى شديدا
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن قال أخبرنا ابن حيوية قال أنبأنا محمد بن خلف قال حدثني إسحاق بن محمد قال حدثني أبو معاذ النميري أن مروان بن الحكم استعمل رجلا من قيس على صدقات كعب ابن ربيعة بن عامر وهم قيس والحريش وجعدة فسمع بخبر قيس بن معاذ وهو مجنون بني عامر فأمر أن يؤتى به فأتى به فساءله عن حاله واستنشده فأنشده فأعجب به وقال له الزمني فلك أن أحتال لك في أمر ليلى حتى أجمع بينك وبينها فلازمه وكان يأتيه فيتحدث إليه
وكان لبني عامر مجتمع يجتمعون فيه في كل سنة وكان الوالي يخرج معهم إلى ذلك المجتمع لئلا يكون بينهم اختلاف فحضر الوقت فقال قيس للوالي أتأذن لي في الخروج معك إلى هذا المجتمع فأذن له
فلما عزم على الخروج جاءه قوم من رهط قيس فقالوا له إنما سألك الخروج معك ليرى ليلى ويكلمها وقد استعدى عليه بعض أهلها وأهدر لهم السلطان دمه إن أتاهم فلما قالوا له ذلك منعه من الخروج معه وأمر له بقلائص من إبل الصدقة فردها وأبى أن يقبلها وأنشأ يقول
رددت قلائص القرشي لما ... بدا لي النقض منه للعهود
سعوا للجمع ذاك وخلفوني ... إلى حزن أعالجه شديد
فلما علم قيس بن معاذ أنه قد منع وأن لا سبيل إليها ذهب عقله وصار لا يلبس ثوبا إلا خرقه وهام على وجهه عريانا لا يعقل شيئا مما يكلم به ولا يصلي فلما رأى أبوه ما صنع بنفسه خاف عليه التلف فحبسه وقيده فجعل يأكل لحمه ويضرب بنفسه الأرض (1/389)
فلما رأى أبوه ذلك حل قيده وخلاه فكان يدور في فيافيهم عريانا ويلعب بالتراب وكانت له داية لم يكن يأنس بأحد غيرها وكانت تأتيه في كل يوم برغيف وماء فتضعه بين يديه فربما أكله وربما تركه ولم يأكله
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قال أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا محمد بن العباس بن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا زكريا بن موسى قال حدثني شعيب بن السكن عن يونس النحوي قال لما اختلط قيس بن الملوح وزال عقله وامتنع من الأكل والشرب صارت أمه إلى ليلى فقالت لها إن ابني جن من أجلك وذهب حبك بعقله وقد امتنع من الطعام والشراب فإن رأيت أن تصيري معي إليه فلعله إذا رآك أن يسكن بعض ما يجد فقالت لها أما نهارا فلا يمكنني ذلك فإن علم أهل الماء ذلك لم آمنهم على نفسي ولكني سأصير إليه في الليل
فلما كان الليل صارت إليه وهو مطرق يهذي فقالت له يا قيس إن أمك تزعم أنك جننت على رأسي وأصابك ما أصابك قال فرفع رأسه ونظر إليها وتنفس الصعداء وأنشأ يقول
قالت جننت على رأسي فقلت لها ... الحب أعظم مما بالمجانين
الحب ليس يفيق الدهر صاحبه ... وإنما يصرع المجنون في الحين
وفي رواية أخرى زيادة
لو تعلمين إذا ما غبت ما سقمي ... وكيف تسهر عيني لم يلوموني
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا ابن السراج قالا أنبأنا علي بن المحسن قال أنبأنا ابن حيوية قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني ابن عائشة عن (1/390)
أبيه قال ولي نوفل بن مساحق صدقات كعب بن ربيعة فنزل بمجمع من تلك المجامع فرأى قيس بن معاذ المجنون وهو يلعب بالتراب فدنا منه فكلمه فجعل يجيبه بخلاف ما يسأل عنه فقال له رجل من أهله إن أردت أن يكلمك كلاما صحيحا فاذكر له ليلى فقال له نوفل أتحب ليلى قال نعم قال فحدثني حديثك معها قال فجعل ينشده شعره فيها فأنشأ يقول
وشغلت عن فهم الحديث سوى ... ما كان فيك فأنتم شغلي
وأديم نحو محدثي ليرى ... أن قد فهمت وعندكم عقلي
وأنشد
سرت في سواد القلب حتى إذا انتهى ... بها السير وارتادت حمى القلب حلت
فللعين تسكاب إذا القلب ملها ... وللقلب وسواس إذا العين ملت
ووالله ما في القلب شيء من الهوى ... لأخرى سواها أكثرت أم أقلت
وأنشد
ذكرت عشية الصدفين ليلى ... وكل الدهر ذكراها جديد
على ألية إن كنت أدري ... أينقص حب ليلى أم يزيد
فلما رأى نوفل ذلك منه أدخله بيتا وقيده وقال أعالجه فأكل لحم ذراعيه وكفيه فحله وأخرجه
فكان يأوي مع الوحوش وكان له داية ربته صغيرا وكان لا يألف غيرها ولا يقرب منه أحد سواها فكانت تخرج في طلبه في البادية وتحمل له الخبز والماء فربما أكل بعضه وربما لم يأكل (1/391)
فلم يزل على ذلك حتى مات
أخبرتنا شهدة قالت أخبرنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا أبو عمر بن حيويه قال حدثنا ابن خلف قال أخبرني إسحاق ابن محمد قال حدثني أبو معاذ النميري قال لقي مجنون بني عامر الأحوص ابن محمد الأنصاري فقال له حدثني حديث عروة بن حزام قال فجعل الأحوص يحدثه وهو يسمع حتى فرغ من حديثه ثم أنشأ يقول
عجبت لعروة العذرى أمسى ... أحاديثا لقوم بعد قوم
وعروة مات يوما مستريحا ... وهأنذا أموت بكل يوم
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري وأخبرتنا شهدة قالت أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قالا أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا ابن خلف قال أخبرني عبد الله بن محمد الطالقاني قال أخبرني السري بن يحيى الأزدي عن أبيه عن الفضل بن الحسن المخزومي قال دخل كثير عزة على عبد الملك بن مروان فجعل ينشده شعرا في عزة وعيناه تذرفان فقال له عبد الملك قاتلك الله يا كثير هل رأيت أحدا أعشق منك قال نعم يا أمير المؤمنين خرجت مرة أسير في البادية على بعير لي يوضع فبينا أنا أسير إذ رفع لي شخص فأممته فإذا رجل قد نصب شركا للطباء وقعد بعيدا منه فسلمت عليه فرد السلام فقلت له ما أجلسك ها هنا فقال نصبت شركا للظباء فأنا أرصده فقلت إن أقمت لديك فصدت أطعمتني فقال إيها والله (1/392)
قال فنزلت وعقلت ناقتي وجلست أحدثه فإذا هو أحسن خلق الله حديثا وأرقه وأجزله
قال فما لبثنا أن وقعت ظبية في الشرك فوثب ووثبت معه فخلصها من الحبائل ثم نظر في وجهها مليا ثم أطلقها وأنشأ يقول
أيا شبه ليلى لن تراعي فإنني ... لك اليوم من بين الوحوش صديق
ويا شبه ليلى لن تزالي بروضة ... عليك سحاب دائم وبروق
فما أنا إذ أشبهتها ثم لم تؤب ... سليما عليها في الحياة شفيق
ففر فقد أطلقت عنك لحبها ... فأنت لليلى ما حييت طليق
ثم أصلح شركه وعدنا إلى موضعنا
فقلت والله لا أبرح حتى أعرف أمر هذا الرجل فأقمنا باقي يومنا فلم يقع لنا شيء فلما أمسينا قام إلى غار قريب من الموضع الذي كنا فيه وقمت معه فبتنا به فلما أصبح غدا فنصب شركه فلم يلبث أن وقعت ظبية شبيهة بأختها بالأمس فوثب إليها ووثبت معه فاستخرجها من الشرك ونظر في وجهها مليا ثم أطلقها فمرت فأنشأ يقول
اذهبي في كلاءة الرحمن ... أنت مني في ذمة وأمان
ترهبيني والجيد منك لليلى ... والحشا والبغام والعينان
لا تخافي بأن تهاجي بسوء ... ما تغنى الحمام في الأغصان (1/393)
ثم عدنا إلى موضعنا فلم يقع يومنا ذلك شيء فلما أمسينا صرنا إلى الغار فبتنا فيه فلما أصبحنا غدا إلى شركه وغدوت معه فنصبه وقعدنا نتحدث وقد شغلني يا أمير المؤمنين بحسن حديثه عن الجوع فبينا نحن نتحدث إذ وقعت في الشرك ظبية فوثب إليها ووثبت معه فاستخرجها من الشرك ثم نظر في وجهها وأراد أن يطلقها فقبضت على يده وقلت ماذا تريد أن تعمل أقمت لديك ثلاثا كلما صدت شيئا أطلقته قال فنظر في وجهي وعيناه تذرفان وأنشأ يقول
أتلحى محبا هائم القلب أن رأى ... شبيها لمن يهواه في الحبل موثقا
فلما دنا منه تذكر شجوه ... وذكره من قد نأى فتشوقا
فرحمته والله يا أمير المؤمنين وبكيت لبكائه ونسبته فإذا هو قيس ابن معاذ المجنون
فذاك والله أعشق مني يا أمير المؤمنين
أخبرنا ابن ناصر قال أنبانا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة بنت أحمد قال أخبرنا جعفر بن أحمد السراج قالا أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا ابن حيوية قال أنبأنا ابن خلف قال حدثني قاسم بن الحسن عن العمري قال أنبأنا الهيثم بن عدي قال أنبأنا عثمان ابن عمارة عن أشياخهم من بني مرة قال رحل رجل منا إلى ناحية الشام مما يلي تيماء والشراة في طلب بغية له فإذا هو بخيمة قد رفعت له وقد أصابه مطر فعدل إليها فتنحنح فإذا امرأة قد كلمته فقالت له انزل فنزل وراحت إبلهم وغنمهم فإذا أمر عظيم وإذا رعاء كثير فقالت لبعض العبيد سلوا هذا الرجل من أين أقبل فقلت من ناحية اليمامة ونجد فقالت أي بلاد نجد وطئت فقلت كلها فقالت عند من نزلت هناك قلت ببني عامر فتنتفست الصعداء وقالت بأي بني عامر فقلت ببني الحريش فاستعبرت ثم (1/394)
قالت هل سمعت بذكر فتى يقال له قيس ويلقب بالمجنون فقلت إي والله ونزلت بأبيه وأتيته حتى نظرت إليه يهيم في تلك الفيافي ويكون مع الوحوش لا يعقل ولا يفهم إلا أن تذكر له ليلى فيبكي وينشد أشعارا يقولها فيها قال فرفعت الستر بيني وبينها فإذا شقة قمر لم تر عيني مثلها فبكت وانتحبت حتى ظننت والله
أن قلبها قد انصدع
فقلت لها أيتها المرأة اتقي الله فوالله ما قلت بأسا فمكثت طويلا على تلك الحال من البكاء والنحيب ثم قالت
ألا ليت شعري والخطوب كثيرة ... متى رحل قيس مستقل فراجع
بنفسي من لا يستقل برحله ... ومن هو إن لم يحفظ الله ضائع
ثم بكت حتى غشى عليها فلما أفاقت قلت من أنت يا أمة الله قالت أنا ليلى المشئومة عليه غير المساعدة له
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا الجوهري قال أنبأنا أبو عمر الخزاز قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا العمري عن عطاء بن مصعب قال خرج المجنون مع قوم في سفر فبيناهم يسيرون إذ تشعبت لهم طريق إلى الماء الذي كانت عليه ليلى فقال المجنون لأصحابه إن رأيتم أن تحطوا وترعوا وتنتظروني حتى آتى الماء فأبوا عليه وعذلوه فقال لهم أنشدكم الله لو أن رجلا صحبكم وتحرم بكم فأضل بعيره أكنتم مقميين عليه يوما حتى يطلب بعيره قالوا نعم فقال فوالله لليلى أعظم حرمة من البعير ثم أنشأ يقول
أأترك ليلى ليس بيني وبينها ... سوى ليلة إني إذن لصبور
هبوني امرأ منكم أضل بعيره ... له ذمة إن الذمام كبير (1/395)
وللصاحب لامتروك أعظم حرمة ... على صاحب من أن يضل بعير
عفا الله عن ليلى الغداة فإنها ... إذا وليت حكما علي تجور
قال فأقاموا عليه حتى مضى ورجع
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا الحميدي قال أنبأنا أبو غالب بن بشران قال أنبأنا أبو الحسين بن دينار قال أنبأنا علي بن الحسين الكاتب قال أخبرني الحسن بن علي قال حدثني عبد الله بن عمرو بن أبي سعد قال حدثنا علي بن الصباح عن ابن الكلبي قال خرج المجنون في عدة من قومه يريدون سفرا لهم فمروا في طريق يتشعب وجهين أحدهما ينزله رهط ليلى وفيه زيادة مرحلة فسألهم أن يعدلوا معه إلى تلك الجهة فأبوا فمضى وحده وقال أأترك ليلى فذكر الأبيات
وقد روى العتبي قال مر المجنون يوما بزوج ليلى وهو جالس يصطلي في يوم شات فوقف عليه ثم قال
بربك هل ضممت إليك ليلى ... قبيل الصبح أو قبلت فاها
وهل رفت عليك قرون ليلى ... رفيف الأقحوانة في نداها
فقال اللهم إذ حلفتني فنعم فقبض المجنون بكلتي يديه قبضة من الجمر فما فارقها حتى خر مغشيا عليه فسقط الجمر مع لحم راحتيه (1/396)
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال حدثنا أبو عمر بن حيويه قال أنبأنا محمد بن خلف قال حدثني عبد الله بن عمرو قال حدثنا علي بن الحسن قال حدثنا داود بن محمد عن عمرو بن رزام قال وفد فتى من نهد يقال له صباح بن عامر على الملوح أبي قيس المجنون فسلم عليه وخبره بنسبه وقال له إني قد وفدت من بلدي لأنظر إلى قيس وأسمع من شعره فما فعل
فبكى الشيخ حتى غشي عليه ثم سكن وقال أنى لك بقيس إن قيسا عشق ابنة عم له وإنه جن على رأسها فهو لا يأنس بأحد يرد مع الوحوش يوم ورودها ويصدر معها إذا صدرت ولكن ها هنا شاب يذهب إليه في كل وقت وهو يأنس به ويأخذ منه ما يقول وقد حفظ له قصيدة يقال لها المؤنسة فإذا أنشده إياها أنس به وحدثه فإن شئت فصر إليه
قال صباح فصرت إلى الفتى فرحب بي وسألني عن حالي فأخبرته فقال لي أتروى لقيس بن ذريح شيئا فإن المجنون مستهتر بشعره قلت أنا أحفظ الناس لشعر قيس قال فصر إلى موضع كذا وكذا فاطلبه في تلك الفيافي فإنك تجده واعلم أنه إذا رآك سوف ينفر منك ويهوي إليك بحجر فلا يهولنك واقعد كأنك لا تريده فإذا رأيته قد سكن فاذكر له ليلى فإنه سيرجع إلى عقله ويراجع صحته ويحدثك عن حاله ثم أنشده من شعر قيس شيئا فإنه مشغوف به (1/397)
قال صباح ففعلت الذي أوصاني به الفتى ولم أزل أطلبه حتى انتصف النهار فإذا أنا برجل عريان قد سقط شعر رأسه على حاجبيه وإذا هو قد حظر حظيرة من تراب وهو قاعد في وسطها وإلى جانبه أحجار وهو يخطط بإصبعه في الأرض فلما رآني أهوى إلى حجر ووثب ليقوم فقعدت ناحية أرمي ببصرى إلى غيره ولا أحفل به ثم إنه رجع إلى عبثه وتخطيطه فقلت له أتعرف ليلى قال بأبي والله هي فكيف لا أعرفها
قلت لله قيس بن ذريح حيث يقول
وإني لمفن دمع عيني بالبكا ... حذارا لما قد كان أو هو كائن
وقالوا غدا أو بعد ذاك بليلة ... فراق حبيب لم يبن وهو بائن
وما كنت أخشى أن تكون منيتي ... بكفيك إلا أن ما حم حائن
فقال أنا والله أشعر منه حيث أقول
نعب الغراب ببين ليلى إنه ... كان الكتاب ببينهم مخطوطا
أصبحت من أهلي الذين أحبهم ... كالسهم أصبح ريشه ممروطا
ثم وثب مسرعا إلى ظباء سنحت له فغاب عني فتبعته فجعلت أقفو أثره إلى آخر النهار فما وقعت عيني عليه ثم غدوت في اليوم الثاني فجعلت أطوف عليه في تلك الفيافي حتى إذا جنني الليل انصرفت فلما كان في اليوم الثالث طلبته فإذا أنا به عريان بين أحجار ميت
أخبرنا ابن أبي منصور قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري وأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قالا أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا أحمد بن الهيثم القرشي قال حدثني العباس بن هشام عن أبيه هشام بن محمد بن السائب أن رجلا من (1/398)
أهل الشام كان له أدب وإنه ذكر له المجنون فأخبر بخبره فأحب أن يراه وأن يسمع من شعره فخرج يريده حتى إذا صار إلى حيه سأل عنه فأخبر أنه لا يؤويه مكان وأنه يكون مع الوحش قال فكيف لي بالنظر إليه قيل إنه لا يقف لأحد حتى يكلمه إلا لداية له هي التي كانت ربته فكلم دايته وراسلها فخرجت معه تطلبه في مظانه التي كان يكون فيها في البرية فطلبوه يومهم ذلك فلم يقدروا عليه ثم غدوا في اليوم الثاني يطلبونه فبينما هم كذلك إذ أشرفوا على واد كثير الحجارة وإذا به في ذلك الوادي بين الحجارة ميتا فاحتمله الرجل ودايته حتى أتيا به الحي فغسلوه وكفنوه ودفنوه
وقد حكى في موت مجنون بني عامر غير ما تقدم
فذكر أن كثيرا قال بينا أنا عند مجنون بني عامر جاء إليه رجل فقال تعز يا قيس قال عمن قال عن ليلى فقام إلى بعيره وقمت إلى بعيري ثم أتينا الحي فأرشدنا إلى قبرها فأقبل يقبله ويلتزمه ويشم ترابه وينشد الشعر ثم شهق فمات فدفنته سياق أبيات من مستحسن شعره
أخبرنا ابن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا علي بن المحسن قال أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني سليمان بن أيوب المديني قال سمعت مصعبا الزبيري يقول كان مجنون بني عامر يسيح مع الوحش وينثر الشعر نثرا وكان الركبان يتلقون منه الشعر فيروونه (1/399)
قال ابن خلف قال القحذمي لما قال المجنون
قضاها لغير وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا سلب عقله
قال ابن خلف وأنشد مصعب بن الزبير للمجنون
ألا أيها القلب الذي لج هائما ... وليدا بليلى لم تقطع تمائمه
أفق قد أفاق الواجدون وقد ال ... لدائك أن يلقى طبيبا يلائمه
ومالك مسلوب العزاء كأنما ... ترى نأي ليلى مغرما أنت غارمه
أجدك لا ينسيك ليلى ملمة ... تلم ولا ينسيك عهدا تقادمه
قال ابن خلف وأنشد أبو عمرو الشيباني للمجنون
دعاك الهوى والشوق حتى ترنمت ... هتوف الضحى بين الغصون طروب
تجاوب ورقا قد أرعن لصوتها ... فكل لكل مسعد ومجيب
ألا يا حمام الأيك مالك باكيا ... أفارقت إلفا أم جفاك حبيب
أخبرتنا شهدة قالت أخبرنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال حدثنا أبو عمر بن حيوية قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا عبد الملك بن محمد الرقاشي قال حدثنا عبد الله بن المعدل قال سمعت الأصمعي يقول وذكر مجنون بني عامر فقال هو قيس بن معاذ ثم قال لم يكن مجنونا وإنما كانت به لوثة وهو القائل (1/400)
ولم أر ليلى بعد موقفنا الذي ... بخيف منى ترمي جمار المحصب
ويبدي الحصا منها إذا قذفت به ... من البرد أطراف البنان المخضب
أخبرنا عبد الوهاب ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا يحيى بن الحسن القاضي قال أنبأنا ابن سويد قال أنبأنا أبو بكر ابن الأنباري قال أنشدنا أحمد بن يحيى لقيس بن معاذ
إذا قربت دار كلفت وإن نأت ... أسفت فلا بالقرب أسلو ولا البعد
وإن وعدت زاد الهوى لانتظارها ... وإن بخلت بالوعد مت على الوعد ففي كل حب لا محالة فرحة ... وحبك ما فيه سوى محكم الجهد
وفي رواية أخرى أنه اجتمع بليلى يوما فلما حان فراقها أنشد هذه الأبيات
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني قال أنبأنا الحسن بن محمد بن حبيب قال سمعت أبا علي الحسين بن أحمد البيهقي قال سمعت أبا بكر بن الأنباري يقول سمعت العباس ابن سالم الشيباني يقول سمعت ابن الأعرابي قال ومن جيد شعره يعني مجنون بني عامر
وجاءوا إليه بالتعاويذ والرقي ... وصبوا عليه الماء من ألم النكس قالوا به من أعين الجن نظرة ... ولو عقلوا قالوا به أعين الإنس
وحكى أن قوما قالوا لأبيه اطلب له طبيبا فأتاه بطبيب فأنشأ قيس يقول
ألا يا طبيب النفس أنت طبيبها ... فرفقا بنفس قد جفاها حبيبها
دعتني دواعي حب ليلى ودونها ... ذرى فقد جسم الحزن منها قلوبها (1/401)
فلبيك من داع دعا ولو أنني ... صدى بين أحجار لظل يجيبها
وما هجرتك النفس من أجل أنها ... قلتك ولكن قل منك نصيبها
وله في قصيدة
سقى الله جارات لليلى تباعدت ... بهن النوى حيث احتللن المطاليا
بثمدين لاحت نار ليلى وصحبتي ... بقرع الغضا تزج المطي الخوافيا
فقال بصير القوم لمحة كوكب ... بدا في سواد الليل فردا يمانيا
فقلت لهم بل نار ليلاي أوقدت ... بعليا تسامى ضوءها فبدا ليا
بلى نار ليلى يا خليلي أريتما القلاص فلا تأووا لهن ولا ليا
أشوقا ولما يمض لي غير ليلة ... رويد الهوى حتى تغب لياليا
خليلي لا والله ما أملك البكا ... إذا علم من أرض ليلى بدا ليا
خليلي لا والله لا أملك الذي ... قضى الله في ليلى ولا ما قضى ليا
قضاها لغيري وابتلاني بحبها ... فهلا بشيء غير ليلى ابتلانيا
وخبرتماني أن تيماء منزل ... لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسيا فهذي شهور الصيف أمست قد انقضت ... فما للنوى ترمي بليلى المراميا فلو كان واش باليمامة داره ... ودار بأعلا حضرموت اهتدى ليا وماذا لهم لا أحسن الله حفظهم ... من الحظ في تصريم ليلى حباليا
وقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل ... بي النقض والإبرام حتى علانيا
فيا رب سو الحب بيني وبينها ... يكون كفافا لا على ولا ليا
فما طلع النجم الذي يهتدى به ... ولا الصبح إلا هيجا ذكرها ليا (1/402)
ولا سرت ميلا من دمشق ولا بدا ... سهيل لأهل الشام إلا بدا ليا
ولا سميت عندي لها من سمية ... من الناس إلا بل دمعي ردائيا
ولا هبت الريح الجنوب من أرضها ... من الليل إلا بت للريح حانيا
ويوم كظل الرمح قصرت طوله ... بليلى فألهتني وما كنت لاهيا
فيا ليل كم من حاجة لي مهمة ... إذا جئتكم بالليل لم أدر ماهيا
خليلي إلا تبكيا لي ألتمس ... خليلا إذا أنزفت دمعي بكى ليا
فقد يجمع الله الشتيتين بعدما ... يظنان جهد الظن ألا تلاقيا
فإن تمنعوا ليلى وتحموا بلادها ... على فلن تحموا علي القوافيا
فأشهد عند الله أني أحبها ... فهذا لها عندي فما عندها ليا
قضى الله بالمعروف منها لغيرنا ... وبالشوق منا والعناء قضى ليا
وإن الذي أملت من أم مالك ... أشاب قذالى واستهام فؤاديا
أعد الليالي ليلة بعد ليلة ... وقد عشت دهرا لا أعد اللياليا
وأخرج من بين البيوت لعلني ... أحدث عنك النفس يا ليل خاليا
إذا سرت أرضا بالفضاء رأيتني ... أصانع رحلي أن تميل حياليا
يمينا إذا كانت يمينا وإن تكن ... شمالا ينازعني الهوى من شماليا
أراني إذا صليت يممت نحوها ... بوجهي وإن كان المصلى ورائيا (1/403)
وما بي إشراك ولكن حبها ... كعظم الشجا أعيى الطبيب المداويا
أحب من السماء ما وافق اسمها ... وأشبهه أو كان منه مدانيا
خليلي ليلى أكبر الحاج والمنى ... فمن لي بليلى أو فمن ذا بها ليا
فقد طال ما ألبثتني عن صحابتي ... وعن حوج قضاؤها من شفائيا
لعمري لقد أبكيتني يا حمامة ال ... عقيق وأبكيت العيون البواكيا
وكنت ربيط الجأش ما تستفزني ... رياح الصبا لو نحت نوحا مدانيا
فأصبحت بعد الإنس صاحب جنة ... تجاوزن بي عرض النعاف الفيافيا
خليلي ما أرجو من العيش بعدما ... أرى حاجتي تشرى ولا تشترى ليا وتجرم ليلى ثم تزعم أنني ... سلوت ولا يخفى على الناس ما بيا
فلم أر مثلينا خليلي جناية ... أشد علي رغم العدو تصافيا
خليلان لا نرجو لقاء ولا ترى ... خليلين إلا يرجوان تلاقيا
وإني لأستحييك أن أعرض المنى ... بوصلك أو أن تعرضي في المنى ليا
يقول أناس عل مجنون عامر ... يروم سلوا قلت إني لما بيا
بي اليأس أو داء الهيام أصابني ... فإياك عني لا يكن بك ما بيا
إذا ما طواك الدهر يا أم مالك ... فشأن المنايا القاضيات وشأنيا إذا اكتحلت عيني بعينك لم تزل ... بخير وجلت غمرة عن فؤاديا
وأنت الذي إن شئت أشقيت عيشتي ... وإن شئت بعد الله أنعمت باليا (1/404)
وأنت التي ما من صديق ولا أخ ... يرى نضو ما أبقيت إلا أوى ليا
وإني لأستغشي وما بي نعسة لعل خيالا منك يلقى خياليا
هي السحر إلا أن للسحر رقية ... وإني لا ألقى لسحري راقيا إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا ... كفى لمطايانا بذكراك هاديا
ذكت نار شوق في فؤادي فأصبحت ... لها وهج مستضرم في فؤاديا
ألا أيها الركب اليمانون عرجوا ... علينا فقد أمسى هوانا يمانيا
نسأئلكم هل سأل نعمان بعدنا ... وحب إلينا بطن نعمان واديا
ألا يا حمامي بطن نعمان هجتما ... علي الهوى لما تغنيتما ليا
ألا أيها القمريتان تجاوبا ... بلحنيكما ثم اسجعا عللانيا
فإن أنتما استطربتما وأردتما ... لحاقا بأطلال الغضا فاتبعانيا
ألا ليت شعري ما لليلى وما لنا ... وما للصبا من بعد شيب علانيا
ألا أيها الواشي بليلي ألا ترى ... إلى من تشيها أو بمن جئت واشيا
إذا نحن رمنا هجرها ضم حبها ... ضميم الحشا ضم الجناح الخوافيا
لئن ظعن الأحباب يا أم مالك ... لما ظعن الحب الذي في فؤاديا
فيارب إذ صيرت ليلى هي المنى ... فزني بعينيها كما زنتها ليا
وإلا فبغضها إلي وأهلها ... فإني بليلى قد لقيت الدواهيا
ألا لا أحب السير إلا مصاعدا ... ولا البرق إلا أن يكون يمانيا
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ... وإن كنت من ليلى على اليأس طاويا
خليلي إن ضنوا بليلى فقربا ... لي النعش والأكفان واستغفرا ليا (1/405)
ألا يا حمام الطلح إن كنت باكيا ... فملآن فاهتج إنني قد أنى ليا
فيا أخوي حزم ألما هديتما ... على حاضري الريان ثم اذكرانيا
وله
وإني لمجنون بليلى موكل ... ولست عزوفا عن هواها ولا جلدا
إذا ذكرت ليلى بكيت صبابة ... لتذكارها حتى يبل البكا الخدا
ويروى له في اخرى
أيا حرجات الحي يوم تحملوا ... بذي سلم لا جادكن ربيع
إلى الله أشكو أنه شقت العصا ... هي اليوم شتى وهي أمس جمع
فإن انهمال العين يا ليل كلما ... ذكرتك وحدي خاليا لسريع
فلو لم يهجني الظاعنون لهاجني ... حمائم ورق في الديار وقوع
تجاوبن فاستبكين من كان ذا ... هوى نوائح ما تجري لهن دموع
لعمرك إني يوم جرعاء مالك ... لعاص لأمر الراشدين مضيع
مضى زمن والناس يستشفعون بي ... فهل لي إلى ليلى الغداة شفيع
ندمت على ما كان مني فقدتني ... كما يندم المغبون حين يبيع
فقدتك من نفس شعاع فإنما ... نهيتك عن هذا وأنت جميع
فقربت لي غير القريب وأشرفت ... مناك ثنايا ما لهن طلوع
وله
يقر بعيني قربها ويزيدني ... بها عجبا من كان عندي يعيبها
فكم قائل فيكم قريب عصيته ... وتلك لعمري توبة لا أتوبها
فيا نفس صبرا لست والله فاعلميه ... بأول نفس غاب عنها حبيبها (1/406)
وله
تجنبت ليلى أن يلج بك الهوى ... وهيهات كان الحب قبل التجنب
ولم أر ليلى قبل موقف ساعة ... ببطن منى ترمي جمار المحصب
وله في أخرى
وألقى من الحب المبرح سورة ... لها بين جلدي والعظام دبيب
لقد شف هذي النفس أن ليس بارحا لها شجن ما يستطاع قريب
فلا تتركي نفسي شعاعا فإنها ... من الوجد قد كادت عليك تذوب
فصل ومن المشتهرين بالعشق عروة بن حزام أخبرتنا شهدة بنت أحمد
قالت أخبرنا جعفر بن احمد السراج قال نقلت من خط أبي عمر بن حيويه قال حدثنا ابو بكر بن المرزبان قال حدثني أبو العباس فضل بن محمد اليزيدي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال أخبرني لقيط بن بكير المحاربي أن عروة بن حزام وعفراء ابنة مالك العذريين وهما بطن من عذرة يقال لهم بنو هند بن حزام بن ضنة بن عبد بكير ابن عذرة ويقال إنهما نشآ جميعا فعلقها علاقة الصبا وكان عروة يتيما في حجر عمه حتى بلغ فكان يسأل عمه أن يزوجه عفراء فيسوفه إلى أن خرجت عير لأهله إلى الشام وخرج عروة إليها
ووفد على عمه ابن عم له من البلقاء يريد الحج فخطبها فزوجها إياه فحملها (1/407)
وأقبل عروة في عيره تلك حتى إذا كان بتبوك نظر إلى رفقة مقبلة من نحو المدينة فيها امراة على جمل أحمر فقال لأصحابه والله لكأنها شمائل عفراء فقالوا ويحك ما تترك ذكر عفراء لشيء
قال وجاء القوم فلما دنوا منه وتبين الأمر يبس قائما لا يتحرك ولا يحير كلاما ولا يرجع جوابا حتى بعد القوم فذلك حيث يقول
وإني لتعروني لذكراك رعدة ... لها بين جلدي والعظام دبيب
فما هو إلا أن أراها فجاءة ... فأبهت حتى ما أكاد أجيب
وقلت لعراف اليمامة داوني ... فإنك إن أبرأتني لطبيب
فما بي من حمى لا مس جنة ... ولكن عمي الحميري كذوب
قال أبو بكر وعراف اليمامة هذا الذي ذكره عروة وغيره من الشعراء هو رياح بن راشد ويكنى أبا كحيلة عبد لبنى يشكر تزوج مولاه إمراة من بني الأعرج فساقه في مهرها ثم ادعى نسبا في بني الأعرج
ثم إن عروة انصرف إلى أهله وأخذه البكاء والهلاس حتىنحل جسمه فلم يبق منه شيء فقال بعض الناس هو مسحور وقال قوم به جنة وقال آخرون بل هو موسوس وإن بالحاضر من اليمامة لطبيبا له تابع من الجن وهو أطب الناس فلو أتيتموه فلعل الله يعافيه
فساروا إليه من أرض عذرة حى داواه فجعل يسقيه وينشر عنه وهو يزداد (1/408)
سقما فقال له عروة يا هناه هل عندك للحب دواء أو رقية فقال لا والله فانصرفوا حتى مروا بطبيب بحجر فعالجه وصنع به مثل ذلك فقال له عروة ما دائي ودوائي إلا شخص بالبلقاء مقيم فهو دائي وعنده دوائي
فانصرفوا به فأنشأ يقول عند انصرافهم به
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف حجر إن هما شفياني
فقالا نعم نشفى من الداء كله ... وقاما مع العواد يبتدران
فما تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا وقد سقياني
فقالا شفاك الله والله مالنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان
قال فلما قدم على أهله وكان له أخوات أربع ووالدة وخالة فمرضنه دهرا فقال لهن يوما اعلمن أني لو نظرت إلى عفراء نظرة واحدة ذهب وجعي
فذهبوا به حتى نزلوا البلقاء مستخفين فكان لا يزال يلم بعفراء وينظر إليها وكانت عند رجل كريم سيد كثير المال والغاشية فبينما عروة يوما بسوق البلقاء إذ لقيه رجل من بني عذرة فسأله عن حاله ومقدمه
فأخبره قال والله لقد سمعت أنك مريض وأراك قد صححت فلما أمسى الرجل دخل على زوج عفراء فقال متى قدم هذا الكلب عليكم الذي قد فضحكم (1/409)
قال زوج عفراء أي كلب هو قال عروة قال وقد قدم قال نعم قال أنت والله أولى بها منه أن تكون كلبا ما علمت بقدومه ولو علمت لضممته إلي
فلما أصبح غدا يسأل عنه حتى جاءه فقال قدمت هذه البلد فلم تنزل بنا ولم تر أن تعلمنا بمكانك فيكون منزلك عندنا علي وعلي إن كان لكم منزل إلا عندي
قال نعم نتحول إليك الليلة أو في غد
فلما ولى قال عروة لأهله قد كان ما ترون وإن أنتم لم تخرجوا معي لأركبن برأسي ولألحقن بقومكم فليس علي بأس
فارتحلوا وركبوا طريقهم ونكس عروة ولم يزل مدنفا حتى نزلوا وادي القرى
وفي رواية أخرى أن حزاما هلك وترك ابنه عروة في حجر عمه عقال بن مهاصر وكانت عفراء تربا لعروة يلعبان جميعا حتى ألف كل واحد منهما صاحبه فكان عقال يقول لعروة أبشر فإن عفراء امرأتك إن شاء الله تعالى
فلما بلغا أتى عروة عمه له يقال لها هند بنت مهاصر فشكا إليها حب عفراء وقال يا عمة إني أكلمك وإني أستحيي منك ولكن ما أفعل هذا حتى ضقت ذرعا بما أنا فيه فذهبت إلى أخيها فقالت يا أخي قد أتيتك في حاجة يأجرك الله عليها تزوج عروة عفراء فقال ما عنه مذهب ولكنه ليس بذي مال وليست عليه عجلة (1/410)
وكانت أم عفراء لا تريد لها إلإ من له مال فخطب رجل له مال عفراء فأتى عروة عمه فقال قد عرفت قرابتي وقد بلغني أن رجلا يخطب عفراء فإن تجبه قتلتني فقال ليس أخرجها إلى غيرك ولكن أمها تريد مهرا غاليا فاسترزق الله واضطرب
فخرج إلى ابن عم له موسر باليمن واشترط على أبوي عفراء أن لا يحدثا فيها حدثا فضمنا له ذلك وذهب إلى ابن عمه فوصله وأعطاه مائة من الإبل
واتفق أن رجلا خطب عفراء وكان ذا مال فاعتذر أبوها إليه وأجابته أمها وصرفت أباها عن رأيه وقالت قد جاء الغني إلى بابنا ولا ندري أعروة حي أم ميت وهل يأتي بشيء أم لا
فزوجه وارتحل بها إلى الشام وعمد أبوها إلى قبر عتيق فجدده وسواه وقال الحق كتمان الحال
فقدم عروة فنعاها أبوها إليه فجعل يختلف إلى القبر أياما ثم أخبر بالحال فرحل إلى الشام فنزل بالرجل وهو لا يعرفه فأحسن ضيافته ثم علمت به عفراء
وجاء رجل فقال تركتم هذا في داركم يفضحكم فأنكر الزوج على هذا القائل واستحضر عروة وقال لا تبرح من عندي ثم خرج وتركها عند عروة وأوصى خادم الباب بحفظ ما يقولان فقال قد أجمل هذا الرجل وما أقيم بعد علمه وإنما أرحل إلى منيتي ثم رحل فتناولته الأسقام (1/411)
أخبرنا المبارك بن علي قال أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الخبرية قالت أخبرنا علي بن الحسن بن الفضل قال أنبأنا أحمد بن محمد بن خالد الكاتب قال أخبرنا علي بن عبد الله بن المغيرة قال حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي قال حدثني الزبير بن بكار قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز عن ابي السائب المخزومي قال أخبرني ابن أبي عتيق قال إني لأسير في ارض عذرة فإذا بامرأة تحمل غلاما خدلا ليس مثله يتورك فعجبت لذلك فإذا برجل له لحية قال فقالت لي سمعت بعروة بن حزام قال قلت نعم قالت هذا والله عروة بن حزام فقلت أنت عروة فكلمني وعيناه تدوران في رأسه فقال نعم أنا والله الذي أقول
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إن هما شفيافي
فقالا نعم نشفى من الداء كله ... وراحا مع العواد يبتدران
فما تركا من سلوة يعلمانها ... ولا شربة إلا وقد سقياني
فقالا شفاك الله والله ما لنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان
فعفراء أحظى الناس عندي مودة ... وعفراء عني المعرض المتواني
قال ثم ذهبت فما رحت من الماء حتى سمعت الصيحة فقلت ما هذا فقيل مات عروة
قال عبد الملك فقلت يا أبا السائب والله ما أراه إلا شرق قال فمم شرق قلت شرق بريقه ترى إنسانا يموت من الحب
فقال سخنت عيناك (1/412)
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد السراج قال أنبأنا أحمد بن ثابت قال أنبأنا ابو الحسين بن روح قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا علي بن سلمان الأخفش قال أنبأنا محمد بن يزيد قال حدثني مسعود بن بشر المازني قال حدثني العتبي عن أبيه عن رجل عن هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير الأنصاري قال وليت صدقات بني عذرة قال فدفعت إلى فتى تحت ثوب فكشفت عنه فإذا رجل لم يبق إلا رأسه فقلت ما بك فقال
كأن قطاة علقت بجناحها ... على كبدي من شدة الخفقان
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إن هما شفياني
ثم تنفس حتى ملأ الثوب الذي كان فيه ثم جمد فإذا هو قد مات فأصلح من شأنه وصليت عليه فقيل أتدري من هذا هذا عروة بن حزام
حدثنا المبارك بن علي قال أنبأنا أحمد بن عبد الجبار وأنبأنا محمد بن أبي طاهر كلاهما عن إبراهيم بن عمر البرمكي عن أحمد بن جعفر بن سلم قال حدثني أبو دلف هاشم بن محمد قال حدثنا العباس بن الفرج الرياشي قال حدثنا عمر بن بكير قال حدثنا الهيثم بن عدي عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني النعمان بن بشير قال استعملني عمر بن الخطاب او قال عثمان شك الراوي على صدقات سعد هذيم فلما قبضت الصدقة وقسمتها بين أهلها أقبلت فلما كنت ببلاد عذرة في حي منهم يقال له بنو هند إذا أنا ببيت حريد مفرد عن الحي فملت إليه فإذا عجوز جالسة عند كسر البيت وإذا شاب نائم في ظل البيت فلما دنوت منه وسلمت ترنم بصوت له ضعيف
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إن هما شفياني (1/413)
فقالا نعم نشفى من الداء كله ... وقاما مع العواد يبتدران
نعم وبلى قالا متى كنت هكذا ... ليستخبراني قلت منذ زمان
فما تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا بها سقياني
فقالا شفاك الله والله ما لنا ... بما حملت منك الضلوع يدان
ثم شهق شهقة خفيفة فنظرت فإذا هو قد مات فقلت أيها العجوز ما أظن هذا النائم بفناء بيتك إلا مات فقالت نفسه والله نفسه ثلاث مرات
فدخلني من ذلك مالا يعلمه إلا الله تعالى فاغتممت وخفت أن يكون موته لكلامي فلما رأت العجوز جزعي قالت هون عليك فإنه قد مات بأجله واستراح مما كان فيه وقدم على رب غفور فهل لك في استكمال الأجر هذه الأبيات منك قريب تأتيهم فتنعاه إليهم وتسألهم حضوره
فركبت فأتيت أبياتا منهم على قدر ميل فنعيته إليهم وقد حفظت الشعر فجعل الرجل بعد الرجل منهم يسترجع
فبينا أنا أدور إذا انا بامرأة قد خرجت من خبائها تجر خمارها ناشرة كأنها الشمس طالعة فقالت أيها الناعي بفيك الكثكث بفيك الحجر من تنعى قلت عروة بن حزام قالت بالذي أرسل محمدا بالحق واصطفاه بالنبوة هل مات قلت نعم قالت ماذا فعل قبل موته فأنشدتها الشعر فوالله ما نهنهت أن قالت
عداني أن أزورك يا خليلي ... معاشر كلهم واش حسود
أشاعوا ما سمعت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد (1/414)
فأما إذ ثويت اليوم لحدا ... ودور الناس كلهم لحود
فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثري عديد
ثم مضت معي ومع القوم تصيح وتولول حتى انتهينا إليه فغسلناه وكفناه وصلينا عليه وقبرناه فجاءت فأكبت على القبر
وحركت مطيتي ودخلت الشام فدخلت على يزيد فدفعت إليه الكتاب وأخبرته بالأمر الذي قدمت له فقال لي هل رأيت في طريقك شيئا فحدثته وذكر الحديث إلى أن قال فأكبت تلك المرأة على القبر ثلاثة أيام لم تأكل ولم تشرب فما رفعت إلا ميتة
قلت هذه الحكاية لا أحسب الراوي عن الهيثم حفظها وقد رويت لنا من غير هذه الطريق أصح
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا أبو الحسن أحمد بن عبد الله الأنماطي قال أنبأنا أبو حامد أحمد بن الحسين المروزي قال أنبأنا أبو العباس أحمد بن الحارث بن محمد بن عبد الكريم المروزي قال حدثني جدي محمد بن عبد الكريم قال حدثنا الهيثم بن عدي قال أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير قال استعملني عمر بن الخطاب أو عثمان ابن عفان شك الراوي على صدقات سعد هذيم وهم عذرة وسلامان والحارث وهم من قضاعة فلما قبضت الصدقة وقسمتها بين اهلها وأقبلت بالسهمين الباقيين إلى عمر أو عمثان فلما كنت ببلاد عذرة في حي يقال لهم بنو هند إذا أنا ببيت حريد منتزح عن الحي فملت إليه فإذا عجوز جالسة (1/415)
عند كسر البيت وإذا شاب نائم في ظل البيت فملا دنوت سلمت فترنم بصوت له ضعيف فقال
جعلت لعراف اليمامة حكمه ... وعراف نجد إن هما شفياني
فقالا نعم نشفى من الداء كله ... وقاما مع العواد يبتدران
نعم وبلى قالا متى أنت هكذا ... ليستخبراني قلت منذ زمان
فما تركا من رقية يعلمانها ... ولا سلوة إلا بها سقياني
فقالا شفاك الله والله ما لنا ... بما ضمنت منك الضلوع يدان
ثم شهق شهقة خفيفة فنظرت فإذا هو قد مات فقلت أيتها العجوز ما أظن هذا النائم بفناء بيتك إلا قد مات
قالت والله أظن ذلك فقامت فنظرت إليه فقالت قاض ورب محمد فقلت يا أمة الله من هذا قالت عروة بن حزام العذري وأنا أمه قلت وما صيره إلى هذا قالت العشق لا والله ما سمعت كلامه منذ سنة إلا في صدر يومنا هذا فإني سمعته يقول
من كان من أمهاتي باكيا أبدا ... فاليوم إني أراني اليوم مقبوضا
تسمعننيه فإني غير سامعه ... إذا علوت رقاب القوم معروضا
قال النعمان فأقمت والله عليه حتى غسل وكفن وحنط وصلى عليه ودفن قال قلت للنعمان فما دعاك إلى ذلك قال احتساب الأجر والله فيه
وقد روى هشام بن محمد السائب عن أبي مسكين أن عفراء لما بلغها وفاة عروة قالت لزوجها ياهناه قد كان من أمر هذا الرجل ما بلغك والله ما كان ذلك إلا على الحسن الجميل وإنه قد بلغني أنه قد مات قبل أن يصير إلى أرضه (1/416)
في أرض غربة فإن رأيت أن تأذن لي فأخرج في نسوة من قومي فيندبنه ويبكين عليه فقال إذا شئت فأذن لها فخرجت وقالت ترثيه
ألا أيها الركب المخبون ويحكم ... بحق نعيتم عروة بن حزام
فلا هنىء الفتيان بعدك غارة ... ولا رجعوا من غيبة بسلام
فقل للحبالى لا ترجين غائبا ... ولا فرحات بعده بغلام
قال ولم تزل تردد هذه الأبيات وتبكي حتى ماتت فدفنت إلى جانبه
فبلغ الخبر معاوية فقال لو علمت بهذين الشريفين لجمعت بينهما
قلت وقد روى عن عمر بن الخطاب أيضا أنه قال لو علمت بهما جمعت بينهما
أخبرتنا شهدة بنت أحمد بن الفرج قالت أخبرنا جعفر بن احمد قال ذكر محمد بن العباس بن حيويه قال حدثني ابو بكر محمد بن خلف قال حدثني أبو محمد البلخي قال حدثني أحمد بن سراقة قال حدثني العباس بن الفرج قال سمعت الأصمعي يقول عن ابن أبي الزناد قال قال عمر بن الخطاب لو أدركت عفراء وعروة لجمعت بينهما
وقد ذكر أبو بكر بن داود في كتاب الزهرة حكاية موت عفراء مبسوطة قال لما انصرف عروة بن حزام من عند عفراء بنت عقال فتوفي وحيدا مر به ركب فعرفوه فلما انتهوا إلى منزلها صاح بعضهم
ألا أيها القصر المغفل أهله ... بحق نعينا عروة بن حزام فأجابته فقالت (1/417)
ألا أيها الركب المخبون ويحكم ... بحق نعيتم عروة بن حزام
فأجابوها
نعم قد تركناه بأرض بعيدة ... مقيما بها في دكدك وأكام
فقالت لهم
فإن كان حقا ما تقولون فاعلموا ... بأن قد نعيتم نور كل ظلام
فلا لقي الفتيان بعدك لذة ... ولا رجعوا من غيبة بسلام
ولا وضعت أنثى تماما بمثله ... ولا فرحت من بعده بغلام
ولا لا بلغتم حيث وجهتم له ... وبغضتم لذات كل طعام
ثم سألتهم أين دفنوه فأخبروها فسارت إلى قبره فلما قربوا من موضع قبره قالت إني أريد قضاء حاجة فأنزلوها فانسلت إلى قبره فأكبت عليه فما راعهم إلا صوتها فلما سمعوها بادروا إليها فإذا هي ممدودة على القبر قد خرجت نفسها فدفنوها إلى جانبه
أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال حدثنا علي ابن أيوب القمي قال حدثنا محمد بن عمران قال حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سعيد قال حدثني إسحاق بن محمد النخعي قال حدثني معاذ بن يحيى الصنعاني قال خرجت من مكة إلى صنعاء فلما كان بيننا وبين صنعاء خمس رأيت الناس ينزلون عن محاملهم ويركبون دوابهم فقلت أين تريدون قالوا نريد ننظر إلى قبر عفراء وعروة فنزلت عن محملي وركبت حماري واتصلت بهم فانتهيت إلى قبرين متلاصقين قد خرج من هذا القبر ساق شجرة ومن هذا ساق شجرة حتى إذا صارا على قامة التقيا فكان الناس يقولون تآلفا في الحياة وفي الموت (1/418)
وفي رواية أخرى قال إسحاق قلت لمعاذ أي ضرب هو من الشجر فقال لا أدري
وقد سألت أهل القرية عنه فقالوا لا يعرف هذا الشجر ببلادنا ومن أشعار عروة المستحسنة
لو أن أشد الناس وجدا ومثله ... من الجن بعد الإنس يلتقيان
فيشتكيان الوجد ثمت أشتكي ... لأضعف وجدي فوق ما يجدان
فقد تركتني لا أعي لمحدث ... حديثا وإن ناجيته ونجاني
وقد تركت عفراء قلبي كأنه ... جناح عقاب دائم الخفقان
فصل ومن المشهورين بالعشق العباس بن الأحنف بن الأسود أصله من
خراسان ونشأ ببغداد
أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني علي بن أيوب قال حدثنا محمد بن عمران قال أخبرني محمد بن يحيى قال قال العباس بن الأحنف
ويح المحبين ما أشقى جدودهم ... إن كان مثل الذي بي بالمحبينا
يشقون في هذه الدنيا بعشقهم ... لا يدركون به دنيا ولا دينا
يرق قلبي لأهل العشق إنهم ... إذا رأوني وما ألقى يرقونا
قال وله أيضا
أيها النادب قوما هلكوا ... صارت الأرض عليهم طبقا
أندب العشاق لا غيرهم ... إنما الهالك من قد عشقا (1/419)
أنبأنا محمد بن عبد الملك قال أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون قال حدثنا محمد بن أبي أيوب قال اجتمع أبو نواس والعباس بن الأحنف
فاستنشد أبو نواس العباس فأنشده
حب الحجازية أبلى العظام ... فلما انتهى إلى قوله
سيدتي سيدتي إنه ... ليس لما بالعاشقين اكتتام
سيدتي سيدتي إنني ... أعجز عن حمل البلايا العظام
سيدتي سيدتي فاسمعي ... دعوة ميت عاشق مستهام
ومر في أبيات كثيرة أول كل بيت سيدتي سيدتي فقال له أبو نواس لقد خضعت لهذه المرأة خضوعا ظننت معه أنك تموت قبل تمام هذه القصيدة
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبانا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا محمد بن الحسن الأهوازي قال أنبأنا الحسن بن عبد الله اللغوي عن محمد بن يحيى قال سمعت عبد الله بن المعتز يقول لو قيل لي ما أحسن شعر تعرفه لقلت شعر العباس بن الأحنف
قد سحب الناس أذيال الظنون بنا ... وفرق الناس فينا قولهم فرقا
فكاذب قد رمى بالظن غيركم ... وصادق ليس يدري أنه صدقا
أخبرنا أبو منصور قال أنبأنا أحمد بن علي قال أنبأنا الجوهري قال حدثنا محمد بن العباس قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال حدثنا محمد بن المرزبان قال حدثنا أحمد بن أبي طاهر قال قال لي بعض (1/420)
أصحابنا قال بشار ما كنا نعد هذا الغلام من الشعراء يعني العباس بن الأحنف حتى قال هذين البيتين
نزف البكاء دموع عينك فالتمس ... عينا لغيرك دمعها مدرار
من ذا يعيرك عينه تبكي بها ... يا من لعين للبكاء تعار
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي قال حدثنا علي بن أيوب قال أنشدنا أبو عبد الله المرزباني عن محمد بن يحيى الصولي للعباس بن الأحنف
برغمي أطيل الصد عنك وأبتلي ... بهجرك قلبا لم يزل منك متعبا
وما أنا في صدي بأول ذي هوى ... رأى بعض مالا يشتهي فتجنبا
تجنب يرتاد السلو فلم يجد ... له عنك في الأرض البعيدة مذهبا
قال ابن المرزبان وحدثنا علي بن هارون قال أنبأنا ابي قال من بارع شعر العباس بن الأحنف قوله
قد رق أعدائي لما حل بي ... فليت أحبابي كأعدائي
أملت بالهجران لي راحة ... من جمرات بين أحشائي
فازداد جهدي وبلائي بها ... أنا الذي استشفيت بالداء
قال وقوله
يا ذا الذي أنكرني طرفه ... أن ذاب جسمي وعلاني شحوب
ما مسني ضر ولكنني ... جفوت نفسي إذ جفاني الحبيب (1/421)
أخبرني أبو منصور قال أنبأنا أحمد بن علي قال أنبأنا علي بن أيوب قال أنبأنا المرزباني قال أنبأنا الصولي قال روى عن الزبير بن بكار أن بشارا انشد قول العباس بن الأحنف أول ما قال الشعر
لما رأيت الليل سد طريقه ... عني وعذبني الظلام الراكد
والنجم في كبد السماء كأنه ... أعمى تحير ما لديه قائد ناديت من طرد الرقاد بنومه ... عما ألاقي وهو خلو هاجد
فقال قاتل الله هذا الغلام ما رضى أن يجعله أعمى حتى جعله بلا قائد قلت وقد سقط من هذه القصيدة بيت آخر
ناديت من منع الرقاد بصده ... حتى متى أنا ساهر يا راقد
وللعباس بن الأحنف
تجنبتهم والقلب صاب إليهم ... بنفسي ذاك المنزل المتجنب
إذا ذكروا أعرضت لا عن ملالة ... وذكرهم شيىء إلي محبب
على أنهم أحلى من العيش عندنا ... وأعذب من صفو الحياة وأطيب
وله
إذا أردت سلوا كان ناصركم ... قلبي فهل أنا من قلبي بمنتصر
فأكثروا أو أقلوا من إساءتكم ... فكل ذلك محمول على القدر
وضعت خدي لأدنى من يطيف بكم ... حتى احتقرت وما مثلي بمحتقر
وله
قلبي يقول لعيني كلما نظرت ... كم تنظرين رماك الله بالعور
يا من يسائل عن فوز وصورتها ... إن كنت لم ترها فانظر إلى القمر
ما زلت أحسب أن الشمس واحدة ... حتى رأيت لها أختا من البشر (1/422)
أخبرنا عبد الوهاب وابن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا يحيى بن الحسن بن المنذر قال أنبأنا إسماعيل بن سويد قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال أنشدني أبي للعباس بن الأحنف قال وتروى لغيره
جرى السيل فاستبكاني السيل إذ جرى ... وهاجت له من مقلتي غروب
وما ذاك إلا حين أخبرت أنه ... يمر بواد أنت منه قريب
يكون أجاجا دونكم فإذا انتهى ... إليكم تلقى طيبكم فيطيب
فيا ساكني شرقي دجلة كلكم ... إلى القلب من حب الحبيب حبيب
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا صاعد بن سيار قال أنبأنا أحمد ابن أبي سهل الغورجي قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ إجازة قال سمعت الحسن بن علي السجستاني يقول سمعت أبا القاسم النميري يقول سمعت أبي يقول سمعت أحمد بن عمر الزنبقي يقول قال العباس بن الأحنف
ليس أمر الهوى يدبر بالرأي ... ولا بالقياس والتفكير
إنما الأمر في الهوى خطرات ... محدثات الأمور بعد الأمور
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي الحافظ قال أخبرني أبو القاسم الأزهري قال حدثني محمد بن جعفر الأديب قال حدثنا أبو القاسم السكوني قال حدثنا الحسين بن مكرم قال حدثنا يزيد الثمالي قال مات أبو العتاهية والعباس بن الأحنف وإبراهيم الموصلي في يوم واحد فرفع خبرهم إلى الرشيد فأمر المأمون بالصلاة عليهم فوافى المأمون وقد صفوا له في موضع الجنائز فقال من قدمتم قالوا إبراهيم قال أخروه وقدموا عباسا فلما فرغ من الصلاة اعترضه من قال له لم قدمت عباسا قال بقوله
سماك لي قوم وقالوا إنها ... لهي التي تشقى بها وتكابد (1/423)
فجحدتهم ليكون غيرك ظنهم ... إني ليعجبني المحب الجاحد
قال الخطيب في هذا نظر لأن وفاة العباس كانت بالبصرة
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت
وأنبأنا محمد ابن ناصر قال أنبأنا أبو طاهر بن سوار قالا أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري قال حدثنا محمد بن القاسم الشطوي قال حدثنا أحمد بن عبيد قال سمعت الأصمعي يقول بينا أنا ذات يوم قاعد في مجلس بالبصرة إذا بغلام أحسن الناس وجها وثوبا واقف على رأسي فقال إن مولاي يريد أن يوصي إليك فقمت معه فأخذ بيدي حتى أخرجني إلى الصحراء فإذا أنا بالعباس بن الأحنف ملقى على فراشه يجود بنفسه وهو يقول
يا بعيد الدار عن وطنه ... مفردا يبكي على شجنه
كلما جد النحيب به ... زادت الأسقام في بدنه
ثم أغمى عليه ساعة فانتبه بصوت طائر على شجرة وهو يقول
ولقد زاد الفؤاد شجى ... هاتف يبكي على فننه
شاقه ما شاقني فبكى ... كلنا يبكي على سكنه
ثم أغمى عليه فظننته مثل الأولى فحركته فإذا هو قد مات
فصل ومن المشهورين بالعشق ذو الرمة أنبأنا علي بن عبيد الله قال
أنبأنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن المسلمة قال أنبأنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة عن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثني ابو صالح الفزاري قال ذكر ذو الرمة في مجلس فيه عدة من الأعراب فقال عصمة (1/424)
ابن مالك الفزاري شيخ منهم بلغ مائة وعشرين سنة إياي فسلوا عنه كان حلو العينين حسن المضحك براق الثنايا خفيف العارضين إذا نازعك الكلام لا تسأم حديثه وإذا أنشد بربر وجش صوته جمعني وإياه مربع مرة فأتاني فقال هيا عصمة إن ميا منقرية ومنقر أخبث حي أقوفه لأثر وأثبته في نظر وأعلمه ببصر وقد عرفوا آثار إبلي فهل من ناقة نزدار عليها ميا
قلت إي والله الجؤذر قال فعلينا بها فجئت بها فركب وردفته ثم انطلقنا حتى نهبط حي مي وإذا الحي خلوف فلما رآنا النسوة عرفن ذا الرمة فتقوضن من بيوتهن حتى اجتمعن إلى مي وأنخنا قريبا وحييناهن فقالت ظريفة منهن أنشدنا ذا الرمة فقال لي أنشدهن فأنشدتهن قوله
وقفت على ربع لمية ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
فلما انتهيت إلى قوله
نظرت إلى أظعان مي كأنها ... ذرى النخل أوأثل تميل ذوائبه
فأسبلت العينان والقلب كاتم ... بمغرورق نمت علي سواكبه
بكى وامق جاء الفراق ولم تجل ... جوائلها أسراره ومعاتبه (1/425)
قالت الظريفة لكن اليوم فلتجل
ثم مضيت فلما انتهيت إلى قوله
وقد حلفت بالله مية ما الذي ... أحادثها إلا الذي أنا كاذبه
إذن فرماني الله من حيث لا أرى ... ولا زال في أرضي عدو أحاربه
قالت مي ويحك يا ذا الرمة خف عواقب الله عز و جل
ثم مضيت إلى أن انتهيت إلى قوله
إذا سرحت من حب مي سوارح ... على القلب آبته جميعا عوازبه
فقالت الظريفة قتلته قتلك الله
فقالت مية ما أصحه وهنيئا له
قال فتنفس ذو الرمة تنفسة كاد حرها يطير بلحيته ثم مضيت حتى انتهيت إلى قوله
إذا نازعتك القول مية أو بدا ... لك الوجه منها أونضا الدرع سالبه
فيالك من خد أسيل ومنطق ... رخيم ومن خلق تعلل جادبه
فقالت الظريفة هذا الوجه قد بدا وهذا القول قد تنوزع فمن لنا بأن ينضو الدرع سالبه
فالتفتت إليها مي فقالت مالك قاتلك الله ماذا تجيبين به
فتضاحك النسوة فقالت الظريفة إن لهذين لشأنا فقوموا بنا عنهما
فقمن وقمت فصرت إلى بيت قريب منهما أراهما ولا أسمع كلامهما إلا (1/426)
الحرف بعد الحرف فوالله ما رأيته برح مكانه ولا تحرك وسمعتها تقول كذبت والله
فوالله ما أدري ما الذي كذبته فيه
فتحدثا ساعة ثم جاءني ومعه قويريرة فيها دهن طيب فقال هذه دهنة أتحفتنا بها مي فشأنك بها وهذه قلائد زودتناها للجؤذر فلا والله لا قلدتهن بعيرا أبدا ثم عقدهن في ذؤابة سيفه
قال وانصرفنا فلم نزل تختلف إليها مربعنا حتى انقضى
ثم جاءني يوما فقال يا عصمة قد ظعنت مي فلم يبق إلا الديار والنظر في الآثار فامض بنا ننظر إلى آثارها
فخرجنا حتى وقفنا على ديارها فجعل ينظر ثم قال
ألا فاسلمي يا دار مي على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر
وإن لم تكوني غير شام بقفرة ... تجر بها الأذيال صيفية كدر ثم انتضحت عيناه بعبرة فقلت مه فقال إني لجلد وإن كان مني ما ترى
فما رأيت صبابة قط ولا تجلدا أحسن من صبابته وتجلده يومئذ
ثم انصرفنا فكان آخر العهد به
فصل ومنهم توبة مع ليلى الأخيلية أخبرنا عبد الوهاب وابن ناصر
قالا أنبأنا أبو الحسن بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسين بن محمد النصيبي قال أنبأنا إسماعيل بن سويد قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن عبيد عن أبي الحسن المدائني عمن حدثه عن مولى لعنبسة بن سعيد بن العاص قال (1/427)
كنت أدخل مع عنبسة بن سعيد إذا دخل على الحجاج فدخل يوما فدخلت إليهما وليس عند الحجاج غير عنبسة فقعدت فجاء الحاجب فقال امرأة بالباب فقال الحجاج أدخلها فدخلت فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه
فجاءت حتى قعدت بين يديه فنظر إليها فإذا هي امرأة قد أسنت حسنة الخلق ومعها جاريتان لها وإذا هي ليلى الأخيلية
فسألها الحجاج عن نسبها فانتسبت له فقال يا ليلى ما أتاني بك
قالت إخلاف النجوم وقلة الغيوم وكلب البرد وشدة الجهد وكنت بعد الله الرفد
فقال لها صفي الفجاج
فقالت الفجاج مغبرة والأرض مقشعرة والمبرك معتل وذو العيال مختل والهالك المقل والناس مسنتون رحمة الله يرجون وأصابتنا سنون مجحفة مبلطة لم تدع لنا هبعا ولا ربعا ولا عافطة ولا نافطة أذهبت الأموال وفرقت الرجال وأهلكت العيال
ثم قالت إني قد قلت في الأمير قولا قال هات فأنشأت تقول
أحجاج لا يفلل سلاحك إنما المنايا بكف الله حيث يراها (1/428)
أحجاج لا تعطي العصاة مناهم ... ولا الله يعطي للعصاة مناها
إذا هبط الحجاج أرضا مريضة ... تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها ... غلام إذا هز القناة سقاها
سقاها فرواها بشرب سجاله ... دماء رجال حيث قال حماها
إذا سمع الحجاج رز كتيبة ... أعد لها قبل النزول قراها
أعد لها مسمومة فارسية ... بأيدي رجال يحلبون صراها
فما ولد الأبكار والعون مثله ... بنجد ولا أرض يخف ثراها
قال فلما قالت هذا قال الحجاج قاتلها الله ما أصاب صفتي شاعر منذ دخلت العراق غيرها ثم التفت إلى عنبسة بن سعيد فقال والله إني لأعد للأمر عسى أن لا يكون أبدا ثم التفت إلهيا فقال حسبك ويحك حسبك ثم قال يا غلام اذهب إلى فلان فقل له اقطع لسانها
قال فأمر بإحضار الحجام فالتفتت إليه فقالت ثكلتك أمك أما سمعت ما قال إنما أمرك أن تقطع لساني بالصلة فبعث إليه يستبينه فاستشاط الحجاج غضبا وهم بقطع لسانه وقال ارددها فلما دخلت عليه قالت كاد وأمانة والله يقطع مقولي ثم أنشأت تقول (1/429)
حجاج أنت الذي ما فوقه أحد ... إلا الخليفة والمستغفر الصمد
حجاج أنت شهاب الحرب إذ لفحت ... وأنت للناس نجم في الدجا يقد ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال أتدرون من هذه قالوا لاوالله يا أمير المؤمنين إلا أنا لم نر امرأة قط أفصح لسانا ولا أحسن محاورة ولا أملح وجها ولا أرصن شعرا منها فقال هذه ليلى الأخيلية التي مات توبة الخفاجي من حبها
ثم التفت إليها فقال أنشدينا يا ليلى بعض ما قال فيك توبة
فقالت نعم أيها الأمير هو الذي يقول
وهل تبكين ليلى إذا مت قبلها ... وقام على قبري النساء النوائح
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دمع من العين سافح
وأغبط من ليلى بما لا أناله ... بلى كل ما قرت به العين صالح
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أو زقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
فقال لها زيدينا من شعره فقالت وهو الذي يقول
حمامة بطن الواديين ترنمي ... سقاك من الغر الغوادي مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعما ... ولا زلت في خضراء غض نضيرها
وأشرف بالقور اليفاع لعلني ... أرى نار ليلى أو يراني بصيرها (1/430)
وقد رابني منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتي وبسورها
وكنت إذا ما جئت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
يقول رجال لا يضرك نأيها ... بلى كل ما شف النفوس يضيرها
بلى قد يضر العين أن تكثر البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
فقال لها الحجاج يا ليلى ما الذي رابه من سفورك
قالت أيها الأمير كان يلم بي كثيرا فأرسل يوما إلي إني آتيك وفطن الحي فأرصدوا له فلما أتاني سفرت فعلم أن ذلك لشر فلم يزد على التسليم والرجوع
فقال لله درك فهل رأيت منه شيئا تكرهينه
قالت لا والله الذي أسأله أن يصلحك غير أنه قال لي مرة قولا ظننت أنه قد خضع لبعض الأمر فأنشأت أقول
وذي حاجة قلنا له لا تبح بها ... فليس إليها ما حييت سبيل
لنا صاحب لا ينبغي أن نخونه ... وأنت لأخرى فارغ وخليل
فلا والذي أسأله أن يصلحك ما رأيت منه شيئا حتى فرق الموت بيني وبينه ... قال ثم مه قالت ثم يلبث أن خرج في غزاة له فأوصى ابن عمه إذا أتيت الحاضر من بني عبادة فناد بأعلى صوتك (1/431)
عفا الله عنها هل أبيتن ليلة ... من الدهر لا يسري إلي خيالها
فخرجت وأنا أقول
وعنه عفا وربي وأحسن حاله ... فعزت علينا حاجة لا ينالها
قال ثم مه قالت ثم لم يلبث أن مات فأتانا نعيه
قال فأنشدينا بعض مراثيك فيه فأنشدت
لتبك العذارى من خفاجة نسوة ... بماء شئون العبرة المتحدر
كأن فتى الفتيان توبة لم ينخ ... قلائص يفحصن الحصا بالكراكر
قال فأنشدينا فأنشدته فلما فرغت من القصيدة قال محصن الفقعسي وكان من جلساء الحجاج من هذا الذي تقول هذه هذا فيه فوالله إني لأظنها كاذبة
فنظرت إليه ثم قالت أيها الأمير إن هذا القائل لو رأى توبة لسره أن لا يكون في داره عذراء إلا وهي حامل منه فقال الحجاج هذا وأبيك الجواب وقد كنت عنه غنيا
ثم قال لها سلي يا ليلى تعطي قالت أعط فمثلك أعطى فأحسن قال لك عشرون قالت زد فمثلك زاد فأجمل قال لك أربعون قالت زد فمثلك زاد فأفضل قال لك ستون قالت زد فمثلك زاد فأكمل قال لك ثمانون قالت زد فمثلك زاد فأتم قال لك مائة واعلمي يا ليلى أنها غنم
قالت معاذ الله أيها الأمير أنت أجود جودا وأمجد مجدا وأورى زندا من أن نجعلها غنما قال فما هي ويحك يا ليلى قالت مائة ناقة برعائها (1/432)
فأمر لها بها ثم قال ألك حاجة بعدها قالت تدفع إلي النابغة الجعدي في قرن قال قد فعلت وقد كانت تهجوه ويهجوها
فأبلغ النابغة ذلك ففر هاربا عائذا بعبد الملك فاتبعته إلى الشام فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان فاتبعته على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة فماتت بقومس ويقال بحلوان
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال حدثنا أبو الطيب طهر بن عبد الله الطبري قال حدثنا القاضي أبو الفرج بن طراد قال حدثنا أبي قال حدثنا أبو أحمد الختلي قال أنبأنا عمر بن محمد بن الحكم النسائي قال حدثني إبراهيم بن زيد النيسابوري أن ليلى الأخيلية بعد موت توبة تزوجت ثم إن زوجها بعد ذلك مر بقبر توبة وليلى معه فقال لها يا ليلى هل تعرفين هذا القبر فقالت لا قال هذا قبر توبة فسلمي عليه قالت امض لشأنك فما تريد من توبة وقد بليت عظامه
قال أريد تكذيبه أليس هو الذي يقول
ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني تربة وصفائح
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
فوالله لا برحت أو تسلمي عليه
فقالت السلام عليك يا توبة ورحمة الله وبارك لك فيما صرت إليه
فإذا طائر قد خرج من القبر حتى ضرب صدرها فشهقت شهقة فماتت فدفنت إلى جانب قبره فنبتت على قبره شجرة وعلى قبرها شجرة فطالتا فالتقيا
ومن محاسن أشعار توبة (1/433)
يقول رجال لا يضيرك نأيها ... ألا كل ما شف النفوس يضيرها
أليس يضر العين أن تدمن البكا ... ويمنع منها نومها وسرورها
أرى اليوم يأتي دون ليلى كأنما ... أتت دون ليلى حجة وشهورها
خليلي ما من ساعة تقفا بها ... من الليل إلا مثل أخرى نسيرها
حمامة بطن الواديين ألا اسلمي ... سقاك الغر الغوادي مطيرها
أبيني لنا لا زال ريشك ناعما ... وبيضك في خضراء غض نضيرها
وكنت إذا زرت ليلى تبرقعت ... فقد رابني منها الغداة سفورها
ألا يا صفي النفس كيف تقولها ... لو أن طريدا خائفا يستجيرها
على دماء البدن إن كان زوجها ... يرى لي ذنبا غير أني أزورها
وإني إذا ما زرتها قلت يا اسلمى وما كان في قلبي لها ما يضيرها
وقد زعمت ليلى بأني فاجر ... لنفسي تقاها أو عليها فجورها
وله ولو أن ليلى الأخيلية سلمت ... علي ودوني تربة وصفائح (1/434)
لسلمت تسليم البشاشة أوزقا ... إليها صدى من جانب القبر صائح
إذا الناس قالوا كيف أنت وقد بدا ... ضمير الذي بي قلت للناس صالح
فهل تبكني ليلى إذا مت قبلها ... وقام على قبري النساء النوائح
كما لو أصاب الموت ليلى بكيتها ... وجاد لها دار من الدمع سافح
وله في أخرى
فإن تمنعوا ليلى وحسن حديثها ... فهل تمنعوا مني البكا والقوافيا
فهلا منعتم إذ منعتم كلامها ... خيالا يمسينا على النأي هاديا
يلومك فيها اللائمون فصاحة ... فليت الهوى باللائمين مكانيا
لعمري لقد أسهدتني حمامة العقيق ... وقد أبكيت من كان باكيا
ولو أن ليلى في بلاد بعيدة ... بأقصى بلاد الله فالحر واديا
لكانت حديث النفس لا يلحني بها ... إذا علق الركب الحديث فؤاديا
ذكرتك بالقور التهامى فأصدعت ... شجون الهوى حتى بلغن التراقيا
بثمدين لاحت نار ليلى وصحبتي ... بقرع الغضا تزجي القلاص الخوافيا
فصل ومنهم جميل وبثينة أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أخبرنا جعفر
بن أحمد قال كنت مارا بين تيماء ووادي القرى صادرا من مكة فرأيت صخرة عظيمة ملساء فيها تربيع بقدر (1/435)
ما يجلس عليها النفر كالدكة فقال بعض من كان معنا من العرب وأظنه جهنيا هذا مجلس جميل وبثينة فاعرفه
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي قال أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال أخبرني أبو بكر قال أخبرنا المدائني قال قال هشام بن محمد قال سمعت رجلا من بني عذرة يحدث قال لما علق جميل بثينة وجعل يشبب بها استعدى عليه أهلها ربعي بن دجاجة وهو يؤمئذ أمير تيماء
فخرج جميل هاربا حتى انتهى إلى رجل من عذرة بأقصى بلادهم وكان سيدا فاستجار به
وكان للرجل سبع بنات فلما رأى جميلا رغب فيه فأراد أن يزوجه ليسلو عن بثينة فقال لبناته البسن أحسن ثيابكن وتحلين بأحسن حليكن وتعرضن له فلعل عينه أن تقع على إحداكن فأزوجه إياها
قال وكان جميل إذا أراد الحاجة أبعد في المذهب فإذا أقبل رفعن جانب الخباء فإذا رآهن صرف وجهه
قال ففعلن ذلك مرارا فعرف جميل ما أراد به الشيخ فقال
حلفت لكيما تعلميني صادقا ... وللصدق خير في الأمور وأنجح
لتكليم يوم واحد من بثينة ... ورؤيتها عندي ألذ وأملح
من الدهر لو أخلو بكن وإنما ... أعالج قلبا طامحا حين يطمح (1/436)
فقال الشيخ أرخين عليكن الخباء فوالله لا يفلح هذا أبدا
أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال أنبأنا أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر قال حدثنا أحمد بن منصور قال أنبأنا الصولي قال حدثنا محمد بن زكريا الغلابي عن أبيه قال لما حضرت الوفاة جميلا بمصر قال من يعلم لي بثينة فقال رجل أنا فلما مات صار إلى حي بثينة فقال
بكر النعي وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
بكر النعي بفارس ذي همة ... بطل إذا حمل اللواء مديل
فسمعت بثينة فخرجت مكشوفة الرأس تقول
وإن سلوى عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها
وبلغنا من طرق أخرى عن جميل أنه لما حضرته الوفاة قال
من يأخذ ناقتي وما عليها ويأتي ماء بني فلان وينشد هذين البيتين
بكر النعي وما كنى بجميل ... وثوى بمصر ثواء غير قفول
غدر الزمان بفارس ذي همة ... ثبت إذا حمل اللواء نزول
فلما قضى حياته أتى الرجل الماء فأنشد البيتين فخرجت بثينة ناشرة شعرها شاقة جيبها لاطمة خدها وهي تقول يا أيها الناعي بفيك الحجر (1/437)
أما والله لئن كنت كذبتني لقد فضحتني وإن كنت صدقتني لقد قتلتني ثم أنشأت تقول
وإن سلوي عن جميل لساعة ... من الدهر ما جاءت ولا جاء حينها
سواء علينا يا جميل بن معمر ... إذا مت بأساء الحياة ولينها
ويقال إنها لم تقل شعرا غيره ومن مستحسن أشعار جميل
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو الحسين التوزي قال أنبأنا محمد بن الحسن بن المأمون قال حدثنا أبو بكر الأنباري قال قال جميل بن معمر
خليلي عوجا اليوم حتى تسلما ... على عذبة الأنياب طيبة النشر
فإنكما إن عجتما لي ساعة ... شكرتكما حتى أغيب في قبري
وإنكما إن لم تعوجا فإنني ... سأصرف وجدي فائذنا اليوم بالهجر
ومالي لا أبكي وفي الأيك نائح ... وقد فارقتني شختة الكشح والخصر
أيبكي حمام الأيك من فقد إلفه ... وأصبر ما بي عن بثينة من صبر
يقولون مسحور يجن بذكرها ... وأقسم ما بي من جنون ولا سحر
وأقسم لا أنساك ما ذر شارق ... وما خب آل في ملمعة قفر
وما لاح نجم في السماء معلق ... وما أورق الأغصان من ورق السدر
لقد شغفت نفسي بثين بذكركم ... كما يشغف المخمور يا بثن بالخمر
ذكرت مقامي ليلة البان قابضا ... على كف حوراء المدامع كالبدر (1/438)
وكدت ولم أملك إليها صبابة ... أهيم وفاض الدمع مني على النحر
فيا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... كليلتنا حتى نرى ساطع الفجر
تجود علينا بالحديث وتارة ... تجود علينا بالرضاب من الثغر
فليت إلهي قد قضى ذاك مرة ... فيعلم ربي حين ذلك ما شكري
ولو سألت مني حياتي بذلتها ... وجدت بها إن كان ذلك عن أمري
ومن أشعاره
رأيتك تأتي البيت تبغض أهله ... وقلبك في البيت الذي أنت هاجره
أجدك لا ينسيك جملا وذكرها ... تطاول هذا الليل ثم تقاصره
وله في أخرى
طربت وهاج الشوق منى وربما ... طربت وأبكاني الحمام الهواتف
وأصبحت قد ضمنت صدري حرارة ... وفي الصدر بلبال تليد وطارف
إذا ذكرتك النفس ظلت كأنني ... يقرف قرحا في فؤادي قارف
وقلت لقلب قد تمادى به الهوى ... وأبلاه حب من بثينة رادف
لعمرك لولا الذكر لانقطع الهوى ... ولولا الهوى ما جن للبين آلف
وصاح بشعب الدار منا ومنهم ... غداة ارتحلنا للتفرق هاتف
وله في أخرى
ألا لا أبالي جفوة الناس بعدما ... بدا منك رأي يا بثين جميل
وما لم تطيعي كاشحا وتبدلي ... بنا بدلا أو بان منك ذهول
وإن صباباتي إليك كثيرة ... بثين ونسيانيكم لقليل
وله في أخرى
رسم دار وقفت في طلله ... كدت أقضي الحياة من جلله (1/439)
موحشا ما ترى به أحدا ... تنسج الريح ثوب معتدله
قد أصون الحديث دون خليل ... لا أخاف الأذاة من قبله
غير ما بغضة ولا لاجتناب ... غير أن المحب من وجله
وله
أصبحت ودعت الصبابة والجهلا ... وقال لك الشيب الذي قد علا مهلا
وقال الألى كانوا لداتك هل ترى ... إلى الشيب فاجدد جدنا ودع الهزلا
فكيف وقد لجت من العين نظرة ... لبثنة تأبى أن تبت لها حبلا
وترجع عيني بالرضا من لقائها ... ولم تك ترضى البخل ما أعيب البخلا
ترى العين منها ما لو أنك قادر ... عليه إذن لم تبغ مالا ولا أهلا
بثينة من صنف يقلبن أيدي الرماة ... وما يحملن قوسا ولا نبلا
ولو كن يصطدن القلوب بشكة ... لم أعجب ولكن كيف يصطدنها غزلا
وله في أخرى
فكم قد رأينا ساعيا بنميمة ... لآخر لم يعمل بكف ولا رجل
إذا ما تذاكرنا الذي كان بيننا ... جرى الدمع من عيني بثينة بالكحل
كلانا بكى أو كاد يبكي صبابة ... إلى إلفه واستعجلت عبرة قبلي
فياويح نفسي حسب نفسي الذي بها ... ويا ويح أهلي ما أصيب به أهلي
ولو تركت عقلي معي ما طلبتها ... ولكن طلابيها لما فات من عقلي
خليلي فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حب قاتله قبلي
فإن قربت لم ينفع القرب عندها ... وإن بعدت زادتك خبلا على خبل
أولئك إن يمنعن فالمنع شيمة ... لهن وإن يعطين يعطين عن بخل (1/440)
وله في أخرى
أراعك بالبين الخليط المزايل ... ومن وده في أسود القلب داخل
فقد جعل الليل القصير لنا بها ... على بروعات الهوى يتطاول
إذا ما اعترتني لوعة فادكرتها ... تجدد وجدي واعترتني البلابل
فبت نجيا للهموم مسهدا ... ونامت فلم يأرق لذاك العواذل
ألا رب لاح لو بلا الحب لم يلم ... ولكنه من سورة الحب جاهل
وله في أخرى
ولرب عارضة علينا وصلها ... بالجد تخلطه بقول الهازل
فأجبتها بالقول بعد تستر ... حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... فضل وصلتك أو أتتك رسائلي
وله في أخرى
ولما عصيت الناصحين ولم أطع ... مقالتهم ألقوا على غاربي حبلي
بثينة إني قد عصيت عواذلي ... وإنك لا تعصين من لام من أجلي
تريدين قتلي لا تريدين غيره ... وماذا الذي يرضيك يا بثن من قتلي
وله في أخرى
أهاجتك المعارف والطلول ... عفون وخف منهن الحلول
نعم فذكرت دنيا قد تقضت ... وأي نعيم دنيا لا يزول
برابية تجن الريح فيها ... كما جنت مولهة عجول
أماثل دار بثنة أين حلت ... كأن الدار تفقه ما أقول
فهم صحابتي أن يعذلوني ... فقلت لهم أليس لكم عقول (1/441)
ملامكم على أذى وضر ... وموقف ساعة منكم قليل
وله في أخرى
ألا أيها القلب اللجوج ألا تسلو ... ألست بذي عقل فينفعك العقل
فتترك هذا الجهل يوما لغيره ... إذا أنت لم يعرف لأمثالك الجهل
أظن هواها تاركي بمضلة من الأرض لا مال لدي ولا أهل
ولا أحدا أقضي إليه وصيتي ... ولا وارث إلا المطية والرحل
محا حبها حب الألى كن قبلها ... وحلت مكانا لم يكن حل من قبل
وله في أخرى
لحى الله من لا ينفع الود عنده ... ومن حبله إن مد غير متين
ومن هو إن تحدث له العين نظرة ... يقطع لها أسباب كل قرين
ومن هو ذو لونين ليس بدائم ... على خلق خوان كل أمين
فليت رجالا فيك قد نذروا دمي ... وهموا بقتلي يا بثين لقوني
إذا ما رأوني طالعا من ثنية ... يقولون من هذا وقد عرفوني
يقولون لي أهلا وسهلا ومرحبا ... ولو ظفروا بي ساعة قتلوني
أرادوا لكيما يقتلوني ولا يدوا ... دمي غير أن الواقيات تقيني
وكيف ولا توفي دماؤهم دمي ... ولا مالهم ذو ندهة فيدوني
وله في أخرى
حلت بثينة من قلبي بمنزلة ... بين الجوانج لم ينزل بها أحد
صادت فؤادي بعينها ومبتسم ... كأنه حين أبدته لنا رد (1/442)
وعاذلين لحوني في مودتها ... يا ليتهم وجدوا مثل الذي أجد
لما أطالوا عتابي فيك قلت لهم ... لا تفرطوا بعض هذا اللوم واقتصدوا
قد مات قبلي أخو نهد وصاحبه ... مرقش واشتفى من عروة الكمد
وكلهم كان في عشق منيته ... وقد وجدت بها فوق الذي وجدوا
إني لأحسبني أو كدت أعلمه ... أن سوف يوردني الحوض الذي وردوا
إن لم تنلني بمعروف تجود به ... أو يدفع الله عني الواحد الصمد
وله في أخرى
أعاذلتي أكثرت جهلا من الجهل ... على غير شيء من ملام ومن عذل
أعاذل في حبي بثينة ضلة ... وقد سار حبي في عظامي وفي عقلي
كأنك لا تدرين ما وجد ذي الهوى ... ولم تعلمي في الناس ذا صبوة قبلي
يقلن التمس بالنأي للحب سلوة ... ولم يلف طول النأي عن حبها يسلى
وأنت حديث النفس إن كنت خاليا ... وجد حديثي إن جددت وفي الهزل
وما وجد النهدي من داخل الهوى ... كوجدي ولا من كان ذا جدة قبلي
وله في أخرى
تذكرت ذات الخال من فرط حبها ... ضحى والعتاق اليعملات بنا تخدي
فما ملكت عيناي حين ذكرتها ... دموعهما كالنظم تجري على خدي
فعنفني صحبي وقالوا من الهوى ... بكيت ولو كانوا بها وجدوا وجدي
لما عنفوني في البكاء من أجلها ... ورب منى لكن شغفت بها وحدي
وقالوا لقد كنا عهدناك مرة ... جليدا فما هذا بفعل الفتى الجلد
ألا ترعوي من أن يشوقك ذكرها ... وأنت على هول تسير مع الوفد
فقلت ذروا لومي فلست وإن نأت ... بمنصرف عنها هواي ولا ودي (1/443)
ولست وإن شطت بها غربة النوى ... بناس هواها أو أغيب في لحدي
وما كنت لي إلا خيالا وفتنة ... فياليت أني مت إذ كنت في المهد
ولم أك في الدنيا علقت علاقة ... وما كان عرفانيك إلا شقا جدي
فصل وقد ذكر في المشتهرين بالعشق كثير عزة وليس بذاك فإن عزة
تنكرت له فلم يعرفها فمال إليها فقالت فأين قولك في عزة فقال لو كانت عزة لي لجعلتها مملوكة لك
وسنذكر قصته هذه في باب أدوية العشق عند ذكر التسلي
ومن يكون على مثل هذه الحال فليس بصادق في المحبة
على أن قوما قد فضلو كثيرا على جميل في المحبة بقوله
فأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا القاضي أبو الطيب الطبري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا محمد بن يزيد قال حدثنا ابن عائشة قال حدثني أبي قال حدثني رجل من بني عامر بن لؤي ما رأيت بالحجاز أعلم منه قال حدثني كثير أنه وقف على جماعة يفيضون فيه وفي جميل أيهما أصدق عشقا ولم يكونوا يعرفونه بوجهه ففضلوا جميلا في عشقه فقلت لهم ظلمتم كثيرا كيف يكون جميل أصدق عشقا من كثير وإنما أتاه عن بثينة بعض ما يكره فقال
رمى الله في عيني بثينة بالقذى ... وفي الغر من أنيابها بالقوادح (1/444)
والقوادح ما ينقبها ويعيبها وكثير أتاه عن عزة ما يكره فقال
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزة من أعراضنا ما استحلت
قال فما انصرفوا إلا على تفضيلي
قلت لعمري إن قول كثير يدل على شدة محبته غير أن فعله على ما سنذكره من اختياره غيرها مقدم على قوله المحتمل للصدق والكذب والذي يصدر لا عن إرادة
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا أبو الحسن بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أحمد بن يحيى عن الزبير بن بكار قال كتب إلي إسحاق بن إبراهيم الموصلي يقول حدثني أبو المشيع قال خرج كثير يلتمس عزة ومعه شنينة فيها ماء فأخذه العطش فتناول الشنينة فإذا هي عظم ما فيها شيء من الماء ورفعت له نار فأمها فإذا بقربها مظلة بفنائها عجوز فقالت له من أنت قال أنا كثير قالت قد كنت أتمنى ملاقاتك فالحمد لله الذي أرانيك قال وما الذي تلتمسينه عندي قالت ألست القائل
إذا ما أتتنا خلة كي نزيلها ... أبينا وقلنا الحاجبية أول
قال بلى قالت أفلا قلت كما قال سيدك جميل
يا رب عارضة علينا وصلها ... بالجد تخلطه بقول الهازل (1/445)
فأجبتها في القول بعد تأمل ... حبي بثينة عن وصالك شاغلي
لو كان في قلبي كقدر قلامة ... فضل لغيرك ما أتتك رسائلي
قال دعي هذا واسقيني ماء قالت والله لا سقيتك شيئا قال ويحك إن العطش قد أضر بي قالت ثكلت بثينة إن طعمت عندي قطرة فكان جهده أن ركض راحلته ومضى يطلب الماء فما بلغه حتى ضحى النهار وقد كرب أن يقتله العطش
أخبرنا محمد بن أبي منصور وشهدة بنت أحمد قالا أنبأنا جعفر بن أحمد السراج وأنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قالا أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا علي بن عيسى الرماني قال أنبأنا أبو بكر بن دريد قال أنبأنا عبد الأول بن مريد قال أخبرني حماد بن إسحاق عن أبيه قال خرج كثير يريد عبد العزيز بن مروان فأكرمه ورفع منزلته وأحسن جائزته وقال سلني ما شئت من الحوائج قال نعم أحب أن تنظر لي من يعرف قبر عزة فيقفني عليه فقال رجل من القوم إني لعارف به فانطلق به الرجل حتى انتهى به إلى موضع قبرها فوضع يده عليه وعيناه تجريان وهو يقول
وقفت على ربع لعزة ناقتي ... وفي البرد رشاش من الدمع يسفح
فيا عز أنت البدر قد حال دونه ... رجيع التراب والصفيح المضرح
وقد كنت أبكي من فراقك حقبة ... فهذا لعمري اليوم أنأى وأنزح
فهلا فداك الموت من أنت زينه ... ومن هو أسوا منك حالا وأقبح
ألا لا أرى بعد ابنة النضر لذة ... لشيء ولا ملحا لمن يتملح
فلا زال وادي رمس عزة سائلا ... به نعمة من رحمه الله تسفح (1/446)
فإن التي أحببت قد حال دونها ... طوال الليالي والضريح الموجح
أرب بعيني البكا كل ليلة ... فقد كاد مجرى دمع عيني يقرح
إذا لم يكن ماء تحلبتا دما ... وشر البكاء المستعار الممتح
فصل وقد اشتهر بالعشق جماعة يطول ذكرهم وجمهورهم مذكور في غضون
كتابنا وإنما ذكرنا الذين اشتدت شهرتهم فلنقتصر على ذلك (1/447)
الباب الثاني والأربعون في ذكر من حمله العشق على أن زنا بمحارمه
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن سعيد النصيبي قال حدثني أبو الحسن بن نجيح قال حدثني رجل مستور كان لي صديقا وكان ينزل بقرب مقابر الخيزران ببغداد قال رأيت ليلة في منامي كأني قد اطلعت من داري إلى المقبرة على رسمي في ذلك في اليقظة فإذا أنا بالقبور مفتحة وأهلها يخرجون منها شعثا غيرا حفاة عراة فيجتمعون في موضع منها حتى لم يبق قبر إلا خرج من كان فيه ثم ضجوا بالبكاء والدعاء والابتهال إلى الله تعالى في أن يصرف عنهم دفن المرأة التي تدفن عندهم في غد فكأني قد سألت بعضهم فقال هذه امرأة من أهل النار وإن دفنت عندنا تأذينا بسماع عذابها وما يجري عليها فنحن نسأل الله صرف دفنها عنا
قال فانتبهت فعجبت من هذا عجبا شديدا وطال الليل بي فلما أصبحت سألت الحفارين هل حفروا قبرا لامرأة فدلني بعضهم على قبة عظيمة لقوم من التجار مياسير قد ماتت زوجة أحدهم ويريد دفنها في القبر وقد حفر لها
قال فقصصت الرؤيا على الحفارين فطموا القبر في الحال وراعيت أمر المرأة فجاء رسل القوم يسألون عن القبر فقال الحفارون إن الموضع ليس يتأتى فيه قبر لأنا قد وقعنا على حمأة تحت الأرض لايثبت فيها ميت فسألوا جماعة من أصحاب القباب أن يحفروا عندهم فأبوا عليهم وكان الخبر قد اشتهر بين الحفارين وانتشر فمضوا إلى مقبرة أخرى فحفروا للمرأة فاستدللت على الموضع الذي تخرج منه الجنازة فدللت فحضرت وشيعت الجنازة وكان الجمع عظيما هائلا (1/448)
والرجل جليلا ورأيت خلف الجنازة فتى ملتحيا حسن الوجه ذكر أنه ابن المرأة وهو يعزى وأبوه وهما وقيذان بالمصيبة فلما دفنت المرأة تقدمت إليهما فقلت إني رأيت في منامي في أمر هذه المتوفاة فإن أحببتما قصصتها عليكما فقال الشيخ الذي هو زوج المتوفاة أما أنا فما أحب ذلك فأقبل الفتى فقال إن رأيت أن تفعل فقلت تخلوا معي فقام فقلت إن الرؤيا عظيمة فاحتملني قال قل
فقصصت عليه الرؤيا وقلت يجب لك أن تنظر في هذا الأمر الذي أوجب من الله لهذه المرأة ما ذكرته لك فتجتنب مثله وإن جاز أن تعرفنيه لأجتنب مثله فافعل فقال والله يا أخي ما أعرف من حال أمي ما يوجب هذ أكثر من أن أمي كانت تشرب النبيذ وتسمع الغناء وترمى بالنساء وما يوجب هذا هذا الأمر العظيم ولكن في دارنا عجوز لها نحو تسعين سنة هي دايتها وماشطتها فإن نشطت صرت معي فسألناها فلعلها تخبرنا بما يوجب هذا فنجتنبه
فقمت معه فقصدنا الدار التي كانت للمتوفاة فأدخلني إلى غرفة فيها وإذا بعجوز فانية فخاطبها بما جرى وقصصت أنا عليها الرؤيا فقالت أسأل الله أن يغفر لها كانت مسرفة على نفسها جدا فقال لها الفتى يا أمي بأكثر من الشراب والسماع والنساء فقالت نعم يا بني ولولا أن أسوءك لأخبرتك بما أعلم
إن هذا الذي رآه هذا الرجل قليل من كثير ما أخاف عليها من العذاب فقال الفتى أحب أن تخبريني ورفقت أنا بالعجوز فقلت أخبرينا لنجتنبه ونتعظ به (1/449)
فقالت إن أخبرتكم بجميع ما أعرفه منها ومن نفسي معها طال وبكت وقالت أما أنا فقد علم الله أني تائبة منذ سنين وقد كنت أرجو لها التوبة فما فعلت ولكن أخبركم بثلاثة أحوال من أفعالها وهي عندي أعظم ذنوبها فقلنا قولي
فقالت للفتى كانت من أشد الناس زنا وما كان يمضي يوم إلا تدخل إلى دار أبيك بغير علمه الرجل والرجلين فيطأونها ويخرجون ويكون دخولهم بألوان كثيرة من الحيل وأبوك في سوقه فلما نشأت أنت وبلغت مبلغ الرجال خرجت في نهاية الملاحة فكنت أراها تنظر إليك نظر شهوة فأعجب من ذلك إلى أن قالت لي يوما يا أمي قد غلب على قلبي عشق ابني هذا ولا بد لي أن يطأني فقلت لها يا بنتي اتق الله ولك في الرجال غيره متسع فقالت لا بد من ذلك فقلت كيف يكون هذا أو كيف يجيئك وهو صبي وتفتضحين ولا تصلين إلى بغيتك فدعي هذا لله عز و جل فقالت لا بد أن تساعديني فقلت أعمل ماذا فقالت تمضين إلى فلان المعلم وكان معلما في جوارنا أديبا ورسمه أن يكتب لها رقاعا إلى عشاقها ويجيب عنها فتبره وتعطيه في كل وقت فقالت قولي له يكتب إليه رقعه يذكر فيها عشقا وشغفا ووجدا ويسأله الاجتماع وأوصلي الرقعة كأنها من فلانة وذكرت صبية من الجيران مليحة قالت العجوز ففعلت ذلك وأخذت الرقعة وجئتك بها فلما سمعت ذكر الصبية التهب قلبك نارا وأجبت عن الرقعة تسألها الاجتماع عندها وتذكر أنه لا موضع لك فسلمت الجواب إلى والدتك فقالت اكتبي إليه عن الصبية أن لا موضع لها وأن سبيل هذا أن يكون عنده فإذا قال لك ليس لي موضع فأعدي له الغرفة الفلانية وافرشيها واجعلي فيها (1/450)
الطيب والفاكهة وقولي له إنها صبية وهو ذا نستحي ولكن عشقك قد غلب وهي تجيئك إلى ها هنا ليلا ولا يكون بين أيديكما ضوء حتى لاتستحي هي ولا تفطن والدتك بالحديث ولا أبوك إذا رأوا في الغرفة ضوء سراج فإذا أجابك إلى هذا فأعلميني
قالت ففعلت ذلك وأجبت أنت إلى هذا وتقرر الوعد ليلة بعينها وأعلمتها فلبست ثيابا وتبخرت وتطيبت وتعطرت وصعدت إلى الغرفة وجئت أنت وعندك أن الصبية هناك فوقعت عليها وجامعتها إلى الغداة فلما كان في وقت السحر جئت أنا وأيقظتك وأنزلتك وأنت نائم وكان صعودها إليك بعد أن نام أبوك فلما كان بعد أيام قالت لي يا أمي قد والله حبلت من ابني فكيف الحيلة فقلت لا أدري فقالت أنا أدري ثم كانت تجتمع معك على سبيل الحيلة التي عرفتك إلى أن قاربت الولادة فقالت لأبيك إنها عليلة وقد خافت على نفسها التلف وإنها تريد أن تمضي إلى بيت أمها فتتعلل هناك فأذن لها ومضت وقالت لأمها إنها عليلة فأدخلت وأنا معها في حجرة من دارها وجئنا بقابلة فلما ولدت قتلت ولدها وأخرجته فدفنته على حيلة وستر وأقامت أياما وعادت إلى منزلها فقالت لي بعد أيام أريد ابني فقلت ويحك ما كفاك ما مضى فقالت لا بد فجئتك على تلك الحيلة بعينها فقالت لي من غد قد والله حبلت وهذا والله سبب موتي وفضيحتي وأقامت تجتمع معك على سبيل الحيلة إلى أن قاربت الولادة فمضت إلى أمها وعملت كما عملت فولدت بنتا مليحة فلم تطب نفسها بقتلها وأخذتها أنا منها ليلا فأخرجتها إلى قوم ضعفاء لهم مولود فسلمتها إليهم وأعطيتهم من مال أبيك دراهم كثيرة ووافقتهم (1/451)
على إرضاعها والقيام بها وأن أعطيهم في كل شهر شيئا بعينه وكانت تنفذه إليهم في كل شهر وتعطيهم ضعفه حتى تدلل الصبية وتوفد إليها الثياب الناعمة فنشأت في دلال ونعمة وهي تراها في كل أيام إذا اشتاقتها وخطب أبوك عليك من النساء فتزوجت بزوجتك الفلانية فانقطع ما بينك وبينها وهي من أشد الناس عشقا لك وغيرة عليك من امرأتك ولا حيلة لها فيك حتى بلغت الصبية تسع سنين فأظهرت أنها مملوكة قد اشترتها ونقلتها إلى دارها لتراها كل وقت لشدة محبتها لها والصبية لا تعلم أنها ابنتها وسمتها باسم المماليك ونشأت الصبية من أحسن الناس وجها فعلمتها الغناء بالعود فبرعت فيه وبلغت مبلغ النساء فقالت لي يوما يا أمي هو ذا ترين شغفي بابنتي هذه وإنه لا يعلم أنها ابنتي غيرك ولا أقدر على إظهار أمرها وقد بلغت حدا إن لم أعلقها برجل خفت أن تخرج عن يدي وتلتمس الرجال وتلتمس البيع وتظن أنها مملوكة وأن منعتها تنغص عيشها وعيشي وإن بعتها وفارقتها تلفت نفسي عليها وقد فكرت في أن أصلها بابني فقلت يا هذه اتقي الله يكفيك ما مضى فقالت لا بد من ذلك فقلت وكيف يتم هذا الأمر قالت امضي واكتبي رقعة تذكرين فيها عشقا وغراما وامضي بها إلى زوجة ابني وقولي لها إنها من فلان الجندي جارنا وذكرت لها غلاما حين بقل عذاره في نهاية الحسن قد كانت تعشقه ويعشقها وارفقي بها واحتالي حتى تأخذي جوابها إليه ففعلت فلحقني من زوجتك امتهان وطرد واستخفاف فترددت إليها وما زلت بها حتى در متنها فقرأت الرقعة وأجابت عنها بخطها وجئت بالجواب إلى أمك فأخذته ومضت به إلى أبيك فشنعت عليها وألقت بينها وبين أبيها وأبيك وبين أمها شرا كنا فيه شهورا إلى أن انتهى الأمر إلى أن طالبك أبوك بتطليق زوجتك أو الانتقال عنه وأن يهجرك طول عمره وبذل لك وزن الصداق من ماله فأطعت أبويك وطلقت المرأة ووزن أبوك الصداق ولحقك غم شديد وبكاء وامتناع (1/452)
عن الطعام فجاءتك أمك وقالت لك لم تغتم على هذه القحبة أنا أهب لك جاريتي المغنية وهي أحسن منها وهي بكر وصالحة وتلك ثيب فاجرة وأجلوها عليك كما يفعل بالحرائر وأجهزها من مالي ومال أبيك بأحسن من الجهاز الذي نقل إليك فلما سمعت ذلك زال غمك وأجبتها فوافقت على ذلك وأصلحت الجهاز وصاغت الحلى عليك وأولدتها أولادك هؤلاء وهي الآن قعيدة بيتك
فهذا باب واحد مما أعرفه من أمك وباب آخر وبدأت تحدث فقال حسبي حسبي اقطعي لا تقولي شيئا لعن الله تلك المرأة ولا رحمها ولعنك معها وقام يستغفر الله ويبكي ويقول خرب والله بيتي واحتجت إلى مفارقة أم أولادي
وأخذ بيدي وقمت وفي قلبي حسرة كيف لم أسمع باقي ما أرادت العجوز أن تحدثنا به
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني إبراهيم بن علي النصيبي قال حدثني أبو بكر النحوي قال حدثني أبو علي بن فتح قال حدثني أبي قال كنت سنة من السنين جالسا في دربي إذ دخل رجل شاب حسن الوجه والهيئة وعليه أثر نعمة فسأل عن دار فارغة في الدرب يكتريها وكان أكثر الدرب لي فقمت معه إلى دار فيه كبيرة حسنة فارغة فأريته إياها فاستحسنها ووزن لي أجرتها لشهر وأخذ المفتاح فلما كان من غد جاء وجاء معه غلام ففتحا الباب (1/453)
وكنس الغلام الدار ورش وجلس هو ومضى الغلام وعاد بعد العصر ومعه عدة حمالين وامرأة فدخلوا الدار وأغلق الباب فما سمعنا لهم حركة وخرج الغلام قبل العشاء وبقي الرجل والمرأة في الدار فما فتحا الباب أياما ثم خرج إلي في اليوم الرابع فقلت ويحك مالك فأوما إلى أنه مستتر من دين عليه وسألني أن أندب له رجل يبتاع له كل يوم ما يريده دفعة واحدة ففعلت فكان يخرج في كل أسبوع فيزن دراهم كثيرة فيعطيها للغلام الذي نصبته له ليشتري له بها ما يكفيه لطول تلك الأيام من الخبز واللحم والفاكهة والنبيذ والأبقال ويصب الماء في الحباب الكثيرة التي قد أعدها لتلك الأيام ولا يفتح الباب أو ينقضي ذلك الزاد فكان على هذا سنة ولا يجيء إليه أحد ولا يخرج من عنده أحد ولا أراه أنا ولا غيري إلى أن جاء في ليلة وقت المغرب فدق بابي فخرجت فقلت مالك فقال اعلم أن زوجتي قد ضربها الطلق فأغثني بقابلة وكان في داري قابلة لأم أولادي فحملتها إليه فأقامت عنده ليلتها فلما كان من الغد جاءتني فذكرت أن امرأته ولدت في الليل بنتا وأنها أصلحت أمورها وأن النفساء في حالة التلف وعادت إليها فلما كان في وقت الظهيرة ماتت الجارية فجاءت القابلة فأخبرتنا فقال الله الله أن تجيئني امرأة أو يلطم أحد أو يجيء أحد من الجيران فيعزيني أو يصير لي جمع ففعلت ذلك ووجدته من البكاء والشهيق على أمر عظيم فأحضرت له الجنازة بين العشاءين وقد كنت أنفذت من حفر قبرا في مقبرة قريبا منا فانصرف الحفارون لما أمسوا وقد كان وافقني على صرفهم وقال لا أريد أن يراني أحد وأنا وأنت نحمل الجنازة إن تفضلت بذاك ورغبت في الثواب ونلي دفنها فاستحييت وقلت له أفعل
فلما قربت العتمة خرجت إليه فقلت له تخرج الجنازة فقال تتفضل أولا تنقل هذه الصبية إلى دارك على شرط قلت وما هو قال إن نفسي لا تطيق (1/454)
الجلوس في هذه الدار بعد صاحبتي ولا المقام في البلد ومعي مال عظيم وقماش فتفضل بأخذه وتأخذ الصبية وتنفق عليها من ذلك من أثمان الأمتعة إلى أن تكبر الصبية فإن ماتت وقد بقي منه شيء فهو لك بارك الله لك وإن عاشت فهو يكفيها إلى أن تبلغ مبلغ النساء فحينئذ تدبر أمرها بما ترى وأنا أمضي بعد الدفن فأخرج عن البلدة
فوعظته وثبته فلم يكن إلى ذلك سبيل فنقلت الصبية إلى بيتي وحمل الجنازة وأنا معه أساعده فلما صرنا على شفير القبر قال لي تتفضل وتبتعد فإني أريد أن أودعها فأكشف وجهها فأراه ثم أدفنها
ففعلت فحل وجهها وأكب عليها يقبلها ثم شد كفنها وأنزلها القبر ثم سمعت صيحة من القبر ففزعت فجئت فاطلعت فإذا هو قد أخرج سيفا كان معلقا تحت ثيابه مجردا وأنا لا أعلم فاتكأ عليه فدخل في فؤاده وخرج من ظهره وصاح تلك الصيحة ومات كأنه ميت من ألف سنة فعجبت من ذلك عجبا شديدا وخفت أن يدرك فيصير قصة فأضجعته فوقها في اللحد وغيبت عليهما اللبن وهلت التراب وأحكمت أمر القبر وصببت عليه جرار ماء كانت لنا في المكان وعدت فنقلت كل ما كان في الدار إلى داري وعزلته في بيت وختمته وقلت هذا أمر لا بد أن يظهر له عاقبة وما كان ينبغي أن أمس من هذا المال والمتاع شيئا وكان جليلا يساوي ألوف دنانير وأحتسب النفقة على هذه الطفلة وأعدها ملقوطة من الطريق ربيتها للثواب ففعلت ذلك فمضى على موت الغلام والجارية نحو سنة فإني لجالس على بابي يوما إذ اجتاز شيخ عليه أثر النبل واليسار وتحته بغلة فارهة وبين يديه غلام أسود فسلم ووقف وقال ما اسم هذا الدرب فقلت درب فتح فقال أنت (1/455)
من أهل الدرب قلت نعم قال منذ كم سكنته قلت منذ نشأت وإلي ينسب وأكثره لي فثنى رجله ونزل فقمت إليه وأكرمته فجلس تجاهي يحادثني وقال لي حاجة فقلت قل فقال أتعرف في هذه الناحية إنسانا وافى منذ سنتين شاب من حاله وصفته فوصف الغلام واكترى ها هنا دارا فقلت نعم قال وما كانت قصته وإلى أي شيء انتهى أمره فقلت ومن أنت منه حتى أخبرك قال تخبرني فقلت لا أفعل أو تصدقني فقال أنا أبوه فقصصت عليه القصة على أتم شرح فأجهش بالبكاء وقال مصيبتي أني لا أقدر أن أترحم عليه
فقدرته يومئ إلى قتل نفسه فقلت لعله ذهب عقله فقتل نفسه فبكى وقال ليس هذا أردت فأين الطفلة فقلت عندي والمتاع فقال تعطيني الطفلة فقلت لا أفعل أو تصدقني فقال تعفيني فقلت أقسم عليك بالله إلا فعلت
فقال يا أخي مصائب الدنيا كثيرة ومنها أن ابني هذا نشأ فأدبته وعلمته ونشأت له أخت لم يكن ببغداد أحسن منها وكانت أصغر سنا منه فعشقها وعشقته ونحن لا نعلم ثم ظهر أمرهما فزجرتهما وأنكرت عليها وانتهى الأمر إلى أن افترعها فبلغني ذلك فضربته بالمقارع وإياها وكتمت خبرهما لئلا أفضتح ففرقت بينهما وحجرت عليهما وشددت عليهما أمهما مثل تشديدي فكانا يجتمعان على حيلة كالغريبان فبلغنا ذلك فأخرجت الغلام من الدار وقيدت الجارية فكانا على ذلك شهورا كثيرة وكان يخدمني غلام لي كالولد فتمت لولدي علي حيلة به يترسل بينهما حتى أخذوا مني مالا جليلا وقماشا كثيرا وهربوا منذ سنين وعملوا على أخذ ذلك والهرب حيلة طويلة الشرح فلم أقف لهم على خبر وهان على فقد المال لبعدهما فاسترحت منهما إلا أن نفسي كانت تحف إليهما فبلغني أن الغلام في بعض السكك منذ أيام فكبست عليه الدار فصعد إلى السطح فقلت له بالله عليك يا فلان ما فعل ولداي فقد قتلني الشوق إليهما (1/456)
وانت آمن فقال لي عليك بدرب فتح في الجانب الغربي فسل عنهما هناك ورمى نفسه إلى سطح آخر وهرب وأنا أعرف بفلان من مياسير التجار بالجانب الشرقي وأخذ يبكي وقال تقفني على القبر فجئت به حتى وقفته على القبر ثم جاء فأدخلته داري فأريته الصبية فجعل يترشفها ويبكي وأخذها ونهض فقلت مكانك انقل متاعك قال أنت في حل منه وسعة فما زلت أ داريه إلى أن علقت به وقلت خذ المال وأرحني من تبعته فقال على شرط نقسمه بيني وبينك فقلت والله لا تلبست منه بحبة قال فاطلب حمالين فجئت بهم فحمل تلك التركة والصبية وانصرف (1/457)
الباب الثالث والأربعون في ذكر من كفر بسبب العشق
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبد الرزاق قال أنبأنا محمد بن راشد عن مكحول عن رجل عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال كان رجل يعبد الله بساحل البحر ثلثمائة عام يصوم النهار ويقوم الليل ثم إنه كفر بالله العظيم في سبب امرأة عشقها وترك ما كان عليه من عبادة الله عز و جل ثم استدركه الله ببعض ما كان منه فتاب عليه
حدثنا المبارك بن علي الصيرفي قال أنبأنا عبد الوهاب بن أحمد المستعمل قال حدثنا الحسن بن أحمد الخلال قال حدثنا عمر بن أحمد الواعظ قال حدثنا أحمد بن محمد بن شيبة قال حدثنا محمد بن بكر القصير قال حدثنا عبيد الله بن العباس بن الربيع الحارثي عن محمد بن عبد الرحمن السلماني عن أبيه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم هن صواحبات داود وسليمان وكرسف يعني النساء قيل وما كرسف قال رجل ممن كان قبلكم عبد الله عز و جل على ساحل البحر ثلثمائة سنة فمرت به امرأة أعجمية فكفر بالله عز و جل فتداركه الله عز و جل بما شاء من عبادته فتاب عليه
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أبو القاسم بن البسرى عن أبي عبد الله ابن بطة قال حدثني أبو صالح قال حدثني الحسين بن عبد العزيز قال (1/458)
حدثنا سعدان بن يزيد قال قال لي سنيد سمعت حجاجا يقول رأيت رجلا عشق فتنصر
سمعت شيخنا أبا الحسن علي بن عبيد الله الزاغوي يحكى أن رجلا اجتاز بباب إمرأة نصرانية فرآها فهويها من وقته وزاد الأمر به حتى غلب على عقله فحمل إلى المارستان وكان له صديق يتردد إليه ويترسل بينه وبينها ثم زاد الأمر به فقالت أمه لصديقة إني أجيء إليه ولا يكلمني فقال تعالي معي فأتت معه فقال له إن صاحبتك قد بعثت إليك برسالة فقال كيف فقال هذه أمك تؤدي رسالتها فجعلت أمه تحدثه عنها بشيء من الكذب ثم إنه زاد الأمر عليه ونزل به الموت فقال لصيدقه قد جاء الأجل وحان الوقت وما لقيت صاحبتي في الدنيا وأنا أريد أن القاها في الآخرة فقال له كيف تصنع قال أرجع عن دين محمد وأقول عيسى ومريم والصليب الأعظم فقال ذلك ومات فمضى صديقه إلى تلك المرأة فوجدها مريضة فدخل عليها وجعل يحدثها فقالت أنا ما لقيت صاحبي في الدنيا وأريد أن ألقاه في الآخرة وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وأنا بريئة من دين النصرانية
فقام أبوها فقال للرجل خذوها الآن فإنها منكم فقام الرجل ليخرج فقالت له قف ساعة فوقف فماتت
وبلغني عن رجل كان ببغداد يقال له صالح المؤذن أذن أربعين سنة وكان يعرف بالصلاح أنه صعد يوما إلى المنارة ليؤذن فرأى بنت رجل نصراني كان بيته إلى جانب المسجد فافتتن بها فجاء فطرق الباب فقالت من فقال أنا صالح المؤذن ففتحت له فلما دخل ضمها إليه (1/459)
فقالت أنتم أصحاب الأمانات فما هذه الخيانة فقال إن وافقتني على ما أريد وإلا قتلتك فقالت لا إلا أن تترك دينك فقال أنا بريء من الإسلام ومما جاء به محمد ثم دنا إليها فقالت إنما قلت هذه لتقضي غرضك ثم تعود إلى دينك فكل من لحم الخنزير فأكل قالت فاشرب الخمر فشرب فلما دب الشراب فيه دنا إليها فدخلت بيتا وأغلقت الباب وقالت اصعد إلى السطح حتى إذا جاء أبي زوجني منك فصعد فسقط فمات فخرجت فلفته في مسح فجاء أبوها فقصت عليه القصة فأخرجه في الليل فرماه في السكة فظهر حديثه فرمى في مزبلة (1/460)
الباب الرابع والأربعون في ذكر من حمله العشق على قتل الناس
أخبرنا عبد الوهاب ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو الحسين بن محمد النصيبي قال أنبأنا إسماعيل بن سويد قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن عبيد عن الهيثم قال حدثني رجل من بجيلة عن مشيخة قومه أن عبد الرحمن بن ملجم لعنه الله رأى امرأة من تيم الرباب يقال لها قطام وكانت من أجمل النساء ترى رأى الخوارج قد قتل قومها على هذا الرأي يوم النهروان فلما أبصرها عشقها فخطبها فقالت لا أتزوجك إلا على ثلاثة آلاف وقتل علي بن أبي طالب فتزوجها على ذلك فلما بنى بها قالت له يا هذا قد فرغت فافرغ فخرج متلبسا سلاحه وخرجت قطام فضربت له قبة في المسجد وخرج علي يقول الصلاة الصلاة فأتبعه عبد الرحمن فضربه بالسيف على قرن رأسه فقال الشاعر
لم أر مهرا ساقه ذو سماحة ... كمهر قطام بيننا غير معجم
ثلاثة آلاف وعبد وقينة ... وقتل علي بالحسام المصمم
فلا مهر أغلى من علي وإن غلا ... ولافتك إلا دون فتك ابن ملجم
أخبرنا عبد الأول بن عيسى قال أنبأنا محمد بن عبد العزيز الفارسي قال أنبأنا عبد الرحمن بن أبي شريح قال أنبأنا عبد الله بن محمد البغوي قال حدثنا أبو الجهم العلاء بن موسى قال حدثنا الليث بن سعد عن نافع أن وليدة كانت بالمدينة في خلافة معاوية كان لها هوى فقالت لا أرضى حتى تقتل (1/461)
فلانا لسيدها فقتله وأعانته على ذلك فأخذ الرجل وأخذت معه فتحابلت فتركوها قريبا من ثلاثة أشهر فلما تبين لهم أنه لا حمل بها قتلوها
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا أبو القاسم هبة الله بن عبد الله الواسطي قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي قال أخبرني أبو عبد الله محمد ابن إدريس أن أبا عبد الملك بن مروان بن عبد الرحمن بن مروان بن عبد الرحمن الناصر المعروف بالطليق من بني أمية كان يتعشق جارية كان أبوه قد رباها معه وذكرها له ثم إنه استأثرها وخلا معها فيقال إنه اشتدت غيرته لذلك وانتضى سيفا وتغفل أباه في بعض خلواته فقتله فسجنه المنصور محمد بن أبي عامر سنين وقال في السجن أشعارا رائعة اشتهر بها ثم أطلق فلقب الطليق
ويقال إنه اعتراه من ذلك شبيه الجنون وكان يصرع في الأوقات فأخبرني أبو الحسن نافع بن رياض الشاعر أنه دخل عليه أعقاب ذلك فوجده قاعدا على ماء فأنشده فأمر له بصلة وعلى رأسه خادم صقلبي يستحثه ويستعجله الخروج فلما خرج أخبره ذلك الخادم أنه يصرع وأنه إذا احسن بالصرع رمى نفسه في الماء وهذه عادته ويزعم أنه يجد لذلك خفة وأن استعجاله إياه كان من أجل ذلك خوف فجاءته
قال لي أبو عبد الله بن إدريس ومن أشعاره في السجن
الموت أحسن أحوالا من أحوالي ... أقلهن فراق الأهل والمال
لا أشتكي الله بل أشكو إليه فكم ... أبكى وحزني جديد ليس بالبالي
أضحى لساني وكفي صاحبي قدمي ... قد قيدا دون أقوال وأفعال (1/462)
بملحد بين موتي ميتتين به ... موت الجهالة في موت من الحال
فما يشكى هزبر ضيق خلخال ... قبلي ولا دفنوه بين أوعال
يمر بي كل يوم من مصائبه ... ما لا يمر على وهم ولا بال
وكل حال من الأحوال حائلة ... وما يحول من الأحوال أحوالي
وما حييت لأن العيش أحمد لي ... لكن حييت لأن الموت أحيى لي
وكيف جاز لدهري أن يرى عطلا ... حالي به وهو من مجدي به حالي
فما أعر زماني إذ ذللت به ... وما أذل المعالي يوم إذلالي
فليت شعري هل يبدو لنا زمن ... يبدو بأيامه فضل لمفضال
قال ومما يستحسن له في وصف الكأس
أصبحت شمسا وفوه مغربا ... ويد الساقي المحيي مشرقا
فإذا ما غربت في فمه ... تركت في الخد منه شفقا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال حدثنا الحسن ابن علي الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثني أبو محمد بن القاسم بن الحسن قال حدثنا أبو عمر الباهلي قال حدثنا محمد بن حرب قال كانت رقاش امرأة من إياد بن نزار وكان أبوها يحبها حبا شديدا
فخطبها رجل من قومها فأعجبت به ووقع من قلبها فامتنع أبوها من تزويجه فسقت أباها شربة فلما وجد حس الموت قال يا رقاش قتلتني لمن هو أبعد مني وسوف ينالك وبال النقمة (1/463)
قال فلما هلك أبوها تزوجت ذلك الرجل فلم ينشب أن ضربها فقيل لها يا رقاش ضربك زوجك فقالت من قل ناصره اعترف بالذل ثم لم ينشب أن تزوج عليها فقيل يا رقاش تزوج عليك زوجك فلو سألتيه الطلاق قالت لا أبغى الشر بالشر وحسبك بالطلاق عيبا بالحرة
أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى العلوي النقيب قال حدثني شيخ كان يخدمني أنه حلف بالطلاق أن لا يحضر أبدا دعوة فسألته عن سبب ذلك فقال كنت قد انحدرت إلى البصرة من بغداد فصعدت إلى بعض مشارع البصرة فاستقبلني رجل فكناني بغير كنيتي وبش بي وأحتفى وجعل يسائلني عن قوم لا أعرفهم وكنت غريبا لا أعرف مكانا فقلت أبيت عنده الليلة إلى غد فأطلب مكانا فوهمت عليه في القول فجذبني إلى منزله ومعي رجل صالح وفي كمي دراهم كثيرة فدخلت إليه فرأيت دارا حسنة وحالا متوسطا وإذا عنده دعوة وهم على نبيذ وقد خرج لحاجة فشبهني بصديق كان له وكان فيمن كان عنده غلام أمرد فلما أخذنا مضجعنا للنوم ندمت على فعلي ونامت الجماعة فلما كان بعد ساعة طويلة رأيت احمد الجماعة قد قام إلى الغلام الأمرد ففسق به ورجع إلى موضعه وكان قريبا من صاحب الغلام فاستيقظ صاحب الغلام وحركه فقال له الغلام ما تريد ألم تكن الساعة عندي وفعلت بي كذا وكذا فقال له لا فقال قد جاءني الساعة من فعل بي كذا وظننت أنك هو أنت فلم أتحرك ولم أظن أن أحدا يجسر عليك فنخر الرجل وجرد سكينا في وسطه واتفق أنه بدأ بصاحب الخيانة (1/464)
وأنا أرعد فزعا ولو كان بدأ بي فوجدني أرعد لقتلني وكان يظن أنني صاحب القصة فلما أراده الله من حياتي بدأ بصاحب القصة فوضع يده على قلبه فوجده يخفق وقد تناوم عليه الرجل يرجو بذلك السلامة فوضع السكين في فؤاده وأمسك فاه فاضطرب الرجل وتلف وأخذ بيد غلامه وانصرف
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا علي بن المحسن عن أبيه قال حدثني أبو القاسم بهلول بن أبي طالب القاضي صاحب الربع بباب الشام قال كنت أعمل مع صاحب الشرطة ببغداد فاخرج لصوصا من الحبس واستأذن معز الدولة في قتلهم وصلبهم عند الجسر فأذن له فصلبهم عشاء وكانوا عشرين رجلا ووكل بهم جماعة فكنت فيهم والرئيس علينا فلان وقالوا كونوا عند خشبهم بقية يومكم وليلتكم حتى إذا كانوا من غد ضربت أعناقهم
فبتنا ونمنا فاحتال بعض اللصوص في أن قطع الحبل ونزل من الخشبة فما انتبهنا إلا بصوت وقوعه وعدوه فعدا رئيسنا وأنأ خلفه فما لحقناه وخفنا أن يتشوش الرجالة الباقون فيفلت إنسان آخر فرجعنا مسرعين وجلسنا مغمومين نفكر ماذا نعمل
فقال رئيسنا إن صاحب الشرطة لا يقيل عثرة ولا يقبل عذرا ويقع له أنني قد أخذت من اللص مالا وأطلقته فيضربني للتقرير فلا أقر فيقع له أني أتجلد فيمد الضرب علي إلى أن أتلف فما الرأي
فقلت له نهرب قال فمن أين نعيش فقلت هذا نصف الليل ولم يعلم بما جرى أحد فقم فلن يخلو أن يقع بأيدينا مشئوم قد جاءت منيته فنوثقه ونصلبه ونقول سلمت إلينا عشرين رجلا وهؤلاء عشرون فإنه ما اثبت حلاهم
فقال هذا صواب فقمنا نطوف وسلكنا طريق الجسر لنعبر إلى الجانب الغربي (1/465)
فرأينا في أسفل كرسي الجسر رجلا يبول فعدلنا إليه فقبضنا عليه فصاح يا قوم ما لكم أنا ملاح صعدت من سميريتي أبول وهذه سميريتي وأومأ إليها أي شيء بيني وبينكم فضربناه وقلنا أنت اللص الذي هرب من الخشبة وجئنا به ورقيناه إلى الخشبة وصلبناه مكان الهارب وهو يصيح طول الليل ويبكي فتقطعت قلوبنا رحمة له وقلنا مظلوم ولكن ما الحيلة
فلما كان من الغد ركب صاحب الشرطة واجتمع الناس وجاء ليضرب أعناق القوم فصاح به الملاح بوقوفك بين يدي الله ادع بي واسمع كلامي فلست من اللصوص الذين أخرجتهم وأمرت بصلبهم وأنا مظلوم وقد وقعت بي حيلة فأنزله وقال ما قصتك فشرح له حديثه على حقيقته فدعا بنا وقال ما هذا الرجل فقلنا ما نعرف ما يقول سلمت إلينا عشرين رجلا وهؤلاء عشرون فقال قد أخذتم من اللص دراهم وأطلقتموه واعترضتم من الطريق رجلا غريبا فاخذتموه فقلنا ما فعلنا هذا واللص الذي سلمت إلينا هو هذا فضرب أعناق الجماعة وترك الملاح وقال هاتوا السجانين والبوابين فجاءوا فقال هذا من جملة العشرين الذين أخرجناهم فتأملوه باجمعهم فقالوا لا
ففكر ثم أمر بإطلاقه ثم قال هاتوه إلي فرددناه فقال اشرح لي قصتك فأعاد عليه الحديث فقال له في نصف الليل ايش كنت تعمل في ذلك الموضع فقال كنت قد بت في سميريتي فأخذتني بولة فصعدت أبول قال ففكر ساعة ثم قال له أدصقني امرك على الحقيقة حتى أطلقك وأي شيء كنت تعمل هناك حتى أطلقك فلم يخبره بغير ذلك
قال وكان من رسمه أنه إذا أراد أن يقرر إنسانا قرره وهو قائم بين يديه (1/466)
ووراءه جماعة بمقارع فإذا حك راسه ضرب المقرر واحدة عظيمة فيقول هو للذي ضربه قطع الله يديك ورجليك يا فاعل يا صانع من أمرك بضربه ولم ضربته تقدم يا هذا لا بأس عليك أصدق وقد نجوت فإن أقر وإلا حك رأسه ثانية وثالثة أبدا عل هذا وكذا كانت عادته في جميع الجناة
فلما أطال عليه الملاح حك رأسه فضرب قفاه بعض القائمين بمقرعة عظيمة فصاح صياحا شديدا فقال هو من أمرك بهذا يا فاعل يا صانع قطع الله يديك ثم قال للملاح اصدق وانج بنفسك فقال له لاملاح الله شاهد عليك أني آمن على نفسي وأعضائي حتى أصدق قال له نعم
فقال أنا رجل ملاح اعمل في المشرعة الفلانية يعرفني جيراني بالستر كنت قد سرحت سميريتي البارحة بعد العتمة أتفرج في القمر فنزل خادم من دار لا أعرفها فصاح يا ملاح فتقدمت فسلم إلي امرأة حسنة ومعها صبيتان وأعطاني درهما صحيحا وقال احمل هؤلاء إلى باب الشماسية فصاعدت بهم قطعة من الطريق فكشفت المراة وجهها فإذا هي من أحسن الناس وجها كالقمر فاشتهيتها فعلقت مجاديفي في الدرنوك وأخرجت السفينة إلى وسط دجلة وتقدمت إلى المرأة فراودتها عن نفسها فأخذت تصيح فقلت والله لئن صحت لأغرقنك الساعة فسكتت وأخذت تمانعني عن نفسها فاجتهدت بأن أقدر عليها فما قدرت فقلت لها من هاتان الصبيتان منك فقالت بناتي فقلت لها أيما أحب إليك تمكنيني من نفسك أو أغرق هذه وقبضت على واحدة منهما فقالت أما أنا فلا أطيعك فاعمل ما شئت فرميت إحدى الصبيتين في الماء فصاحت فضربت فاها وصحت معها والله لا طلقتك (1/467)
ولو قتلتيني ليشتبه ذلك على من عساه يسمع الصياح في الليل فسكتت وأقبلت تبكي فتركتها ساعة ثم قلت لها دعيني وإلا أغرقت الأخرى فقالت والله لا فعلت فأخذت الصبية الأخرى فرميت بها إى الماء فصاحب وصحت معها ثم قلت لها ما بقي إلا أن أقتلك أنت فدعيني وإلا قتلتك وأخذتها ورفعت يديها لأرمي بها إلى الماء فقالت أدعك فرددتها إلى السميرية فمكنتني من نفسها فوطئتها وسرت لأمضي بها إلى المشرعة فقلت هذه الساعة تصعد إلى دارها وإلى الموضع الذي تأوي إليه فتنذر بي فأوخذ وأقتل وليس الوجه إلا تغريقها فجمعت يديها ورجليها ورميت بها في الماء فغرقت ففكرت فيما أرتكبته وما جنيته فندمت وكنت كرجل كان سكرانا فأفاق فقلت أي شيء أعمل ليس إلا أن أنحدر في سميريتي هذه إلى البصرة وأغوص في أنهارها فلا أعرف فانحدرت فلما صرت حذاء الجس أخذتني بطني فصعدت لأتمسح وأعود إلى سميريتي فقبض علي هؤلاء فقال له صاحب الشرطة متطايبا فأي معاملة بين مثلك وبيني انصرف بسلام فظن بجهالته أن ذلك حقيقة فولى يمشي لينصرف فصاح به يا فتى هو ذا تنصرف وتدعنا من حقنا فلا أقل من أن ترجع لنحلفك أن لا تعود إلى مثل هذا فرجع فقال خذوه فأخذوه فقال اقطعوا يده فقال يا سيدي تقطع يدي اليس قد أمنتني فقال يا كلب أمان لمثلك قد قتلت ثلاثة أنفس وزنيت وأخفت السبيل قال فقطعت يداه ورجلاه ثم ضربت عنقه وأحرق جسده في مكانه (1/468)
الباب الخامس والاربعون في ذكر أخبار من قتل معشوقه
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قالا أنبأنا أبو محمد الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا ابن خلف قال حدثني أبو عبد الله اليمامي عن العتبى عن أبيه قال كان رجل من العرب تحته ابنة عم له وكان لها عاشقا وكانت امرأة جميلة وكان من عشقه لها أنه كان يقعد في دهليزه مع ندمائه ثم يدخل ساعة بعد ساعة ينظر إليها ثم يرجع إلى أصحابه عشقا لها فطبن لها ابن عم لها فاكترى دارا إلى جنبه ثم لم يزل يراسلها حتى أجابته إلى ما أراد فاحتالت وتدلت إليه ودخل الزوج كعادته لينظر إليها فلم يرها فقال لأمها أين فلانة فقالت تقضي حاجة فطلبها في الموضع فلم يجدها فإذا هي قد تدلت وهو ينظر إليها فقال لها ما وراءك والله لتصدقني قالت والله لأصدقنك من الأمر كيت وكيت فأقرت له فسل السيف فضرب عنقها ثم قتل أمها وهرب وأنشأ يقول
يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنت لها ثمر الردى بيديها
وقال ابن السراج فجنى لها
رويت من دمها الثرى ولربما ... روى الهوى شفتي من شفتيها
وقال ابن السراج الحسام (1/469)
حكمت سيفي في مجال خناقها ... ومدامعي تجري على خديها
ما كان قتليها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن بخلت على العيون بحسنها ... وشفقت من نظر الغلام إليها
وقال ابن السراج وأنفت من نظر العيون إليها
زاد ابن السراج في روايته عن خلف قال وزادني غير ابي عبد الله وكان لها أخت شاعرة فقالت تجيبه
لو كنت تشفق أو ترق عليها ... لرفعت حد السيف عن ودجيها
ورحمت عبرتها وطول حنينها ... وجزعت من سوء يصير إليها
من كان يفعل ما فعلت بمثلها ... إذ طاوعتك وخالفت أبويها
فتركتها في خدرها مقتولة ... ظلما وتبكي يا شقي عليها
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا صاعد بن سيار قال أنبأنا أحمد بن سهل الغورجي قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ إجازة قال سمعت الخليل ابن أحمد القاضي يقول نظر ديك الجن وكان أحد الشعراء إلى غلام له يتأمل جارية له والجارية تنظر إليه فقتلهما جميعا ثم أظهر الندم وأنشأ يقول
يا مهجة برك الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها
ما كان قتليها بأني لم أكن ... أبكي إذا وقع الذباب عليها
لكن نفست عن العيون بنظرة ... وأنفت من نظر الغلام إليها
اسم ديك الجن عبد السلام بن رغبان وإنما لقب بديك الجن وقد روى علي ابن الحسين الأصبهاني أن ديك الجن هوى نصرانية فدعاها إلى الاسلام فأسلمت وكان اسمها وردا فتزوجها وكان له ابن عم يبغضه فأشاع أنها تهوى (1/470)
غلاما لديك الجن فضربها بالسيف فقتلها فطلبه السلطان فهرب ثم علم كيف جرى الأمر فاقام على البعاد وقال
يا طلعة طلع الحمام عليها ... وجنى لها ثمر الردى بيديها
رويت من دمها الثراء وطالما ... روى الهوى شفتي من شفتيها
قد بات سيفي في مجال وشاحها ... ومدامعي تجري على خديها
فوحق نعليها فما وطىء الثرى ... شيء اعز علي من نعليها
ما كان قتليها لأني لم أكن ... أبكي إذا سقط الذباب عليها
لكن ضننت على العيون بحبها ... وأنفت من نظر الحسود إليها
وقد روى الأصبهاني أن السليك بن مجمع كان من الفرسان وكان مطلوبا في سائر القبائل بدماء قوم قتلهم وكان يهوى ابنة عم له وكان يخطبها قد منعه أبوها ثم زوجها له خوفا منه فدخل بها في دار أبيها ثم نقلها بعد أسبوع إلى عشيرته فلقيه من فزارة ثلاثون فاررسا كلهم يطلبه بدم فقالتهم وقاتلوه حتى إذا اثخن بالجراح وأيقن بالموت صار إليها فقال ما أسمح بك لهؤلاء وأحب أن أقدمك قبلي قالت افعل ولو لم تفعل فعلته أنا فضربها بسيفه فقتلها وأنشأ يقول
يا طلعة طلع الحمام إليها ... فذكر الأبيات المتقدمة ثم نزل إليها فتمرغ في دمها وتخضب به ثم تقدم فقاتل حتى قتل
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا ابن حيوية قال أنبأنا محمد بن أبي خلف إذنا قال أخبرني أبو بكر العامري عن أحمد بن هشام قال أخبرني أشياخ من بني سعد ومالك ابني زيد بن مناة عن أشياخ من قومهم أدركوا ذلك الدهر (1/471)
أن أبا البلاد وهو بشر بن علاء أخو بني طهية ثم أحد بني سود كان في الشرف من قومه وكان يتيما في حجر عمه وكان لعمه أبنة يقال لها سلمى وكانت أجمل فتاة بنجد مشهودة بذلك فعلقها أبو البلاد وعمه لا يشعر بذلك وكان يهاب عمه أن يخطبها إليه فغاب أبو البلاد غيبة فزوجها أبوها أحد بني عمها وبلغ ذلك أبا البلاد فذهل عقله فأتى الخباء الذي تكون به سلمى كما كان يأتي فرأت سلمى في وجهه صفرة ورأت به زمعا فحسبت أنه جائع فدفعت إليه من وراء الستر جفنة فيها طبيخ من لحم طير قد راح به رعاؤهم فطفق يأكل أكل مسلوس فظنت الفتاة أنه عرض له عارض من الجن فخرجت من كسر البيت تريد أختها ليلى وسمع حفيف ثوبها فخرج معارضا لها بالسيف فضربها على حبل عاتقها فقتلها
وقد نقلت إلينا هذه الحكاية أبسط من هذا
أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا محمد بن العباس قال أنبأنا محمد بن خلف قال أخبرني ابو بكر العامري عن أحمد بن هشام قال أخبرني أشياخ من بني سعد ومالك ابنا زيد مناة عن أشياخ من قومهم أدركوا ذلك الدهر أن أبا البلاد وهو بشر بن العلاء أحد بني طهية ثم أحد بني سود كان في شرف من قومه وكان يتيما من أمه وكنفه عمه وكان اسم عمه حنيف بن عرو وكان عنده أثر من والده وكانت لعمه ابنة يقال لها سلمى وكانت أحسن فتاة بنجد مشهورة بذلك وكان يهاب عمه أن يخطبها إليه فغاب غيبة فزوجها أبوها أحد بني عمها وبلغ ذلك ابا البلاد فذهل عقله وإنه أتى الخباء الذي تكون به سلمى كما كان يأتي فرأت سلم في وجهه صفرة (1/472)
ورأت به زمعا فحسبت أنه جائع فدفعت إليه من وراء الستر جفنة فيها طبيخ من لحم طير قد راح به رعاؤهم فطفق يأكل أكل مسلوس فظنت الفتاة أنه عرض له عارض من الخافي فخرجت من كسر البيت تريد بيت أختها ليلى وسمع حفيف ثوبها فخرج معارضا لها بالسيف فضربها على حبل عاتقها وسمعت ليلى الوجبة فغدت عليه بهراوة وأدبر فابتعته الفتاة فأصابت خشاشة فتتعتع فسقط ثم انتعش فغدا هاربا وقال في ذلك
إن لليلى بين أذني وعاتقي ... كضربة سلمى يوم نعف الشقائق قال واستصرخ أبوها وعمها وإخواتها فأقبلوا ويأوى أبو البلاد في قارة حذاء أبياتهم فكان يكون فيها نهاره وينحدر بالليل فيتنور نار أهلها وهي تضرب بنفسها في ثياب لها بها علز الموت فيراها فأخبر بذلك أبوها فقال ما كنت لأقتل ولدا يولد
وقال أبو البلاد وهو يرى نار سلمى التي كانت توقد لها قبل الموت
يا موقد النار وهنا موقد النار ... بجانب الشيح من رقصات أعيار
يا موقد النار أشعلها بعرفجة ... لمن تنورها من مدلج سارى
نار تضيء سليمى وهي حاسرة ... سقيا لموقد تلك النار من نار
قال فماتتت سليمى ولم يزل بأبي البلاد بعد ذلك وسوسة وبهته حتى مات (1/473)
أنبانا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني شيخ كان يخدمني وقد تجارينا أحاديث قال بت ليلة في مكان فقتل رجل رجلا فخرجت والليل منتصف لا أدري أين أقصد وخفت العسس فرايت أتون حمام ولم يوقد بعد فقلت أختبيء فيه إلى أن يفتح الحمام فأدخله فجلست في ناحية من الأتون فما لبثت حتى سمعت وقع حافر فإذا رجل معه جارية فأدخلها إلى الأتون فذبحها وتركها ومضى فرأيت بريق خلخالين في رجلها فانتزعتهما منها وصبرت ساعة ثم خرجت وما زلت أمشي في طريق لا اعرفه متحيرا إلى أن اجتزت بحمام قد فتح فدخلته وخبأت ما معي في ثيابي وخرجت فعرفت الطريق وعلمت أني بالقرب من دار صديق لي فطلبتها ودققت بابه ففتح لي وسر بقدومي وأدخلني فدفعت إليه دراهمي ليخبأها والخلخالين فلما نظر إليهما تغير وجهه فقلت مالك فقال من أين لك هذان الخلخالان فأخبرته بخبري كله في ليلتي تلك فقال لي تعرف الرجل الذي قتل الجارية فقلت اما بوجهه فلا لن الظلمة كانت حائلة بيننا ولكن إن سمعت كلامه عرفته فأعد طعاما ونظر في أمره ثم خرج وعاد بعد ساعة ومعه رجل من الجند فكلمه وغمزني عليه فقلت نعم هو الرجل ثم أكلنا وحضر الشراب فحمل عليه بالنبيذ حتى سكر ونام في موضعه فغلق باب الدرب وذبح الرجل وقال لي إن المقتولة أختي وكان هذا قد أفسدها وأنا منذ مدة أتخبر فلا أصدق إلا أني طردت أختي وأبعدتها عني فمضت إليه ولست أدري ما كان بينهما حتى قتلها وإنما عرفت الخلخالين فدخلت وسألت عن أمرهما فقالوا لي هي عند فلان فقلت قد رضيت عنها فوجهوا ردوها فمضوا يعرفون خبرها فلجلج الرجل فعلمت أنه قد قتلها كما ذكرت فقتلته فقم حتى ندفنه فخرجنا ليلا أنا والرجل حتى دفناه وعدت إلى المشرعة هاربا من البصرة حتى وصلت إلى بغداد وحلفت لا أحضر دعوة أبدا (1/474)
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال حدثني إبراهيم بن علي النصيبي قال حدثني أبو علي بن حامد بن أبي بكر بن أبي حامد قال حدثني بعض أصحاب أبي قال كان جدك أبو حامد وهو صاحب بيت المال إذ ذاك يتمشى في دار الخلافة فينصرف وقد مضى ربع الليل وثلثه فيجلس في طياره ويصعد إلى داره ونحتاج نحن أن يكون لنا سفن مشاهرة فإذا ركب طياره نزلنا نحن سفننا وكان برسمي ملاح على مرور الوقات فلما كان ليلة من الليالي خرجت مع جدك فلطبت ملاحي فلم أجده فأخذني بعض أصحاب جدك في سميريته وبكرت من الغد فلم أعرف له خبرا وتمادى ذلك سنين
فلما كان بعد سنين رأيته في الكرخ بطيلسان ونعل طاق ورداء بزي التجار المياسير فقلت فلان فحين رآني اضطرب فقلت ويحك ما قصتك قال خير فقلت وما هذا الزي قال تركت الملاحة وصرت تاجرا قلت فرأس المال من أين لك فجهد أن يفلت فقلت لا تطول علي والله لا افترقنا أو تخبرني خبرك ولم تركتني تلك الليلة ثم لم نرك إلى الآن فقال على أن تستر علي فقلت أفعل فأحلفني فحلفت
قال إنك أبطأت تلك الليلة وعرضت لي بولة فأصعدت من دار الخلافة إلى مشرعة بنهر معلى فبلت وإذا برجل قد نزل فقال احملني فقلت أنا مع راكب لا يمكنني فراقه فقال خذ مني دينارا واحملني فلما سمعت ذكر الدينار طمعت وطننته هاربا فقلت إلى أين احملك فقال إلى الدباغين فقلت لا أحملك فقال خذ دينارين فقلت هات فاعطاني دينارين فجعلتهما في كمي وكان معه غلام فقال امض وهات ما معك فمضى الغلام ولم يحتبس حتى جاء بامرأة لم أر قط أحسن وجها منها ولا ثيابا وجاء بجونة كبيرة حسنة (1/475)
وأطباق فاكهة وثلج ونبيذ وكانت ليلة مقمرة وجاء بعود فأخذته الجارية في حجرها فسهل علي لطيب الوقت أن أخل بك ثم قال للغلام أمض أنت فمضى قال ادفع فدفعت وكشفت الجارية وجهها فإذا هي أحسن من البدر بشيء كبير فلما بلغت الدباغين جرد سيفا كان معه وقال ادفع إلى مكان أقول لك وإلا ضربت عنقك فقلت ما بك إلى هذا حاجة السمع والطاعة فانحدرت فقال لها تأكلين شيئا فقالت نعم فأخرج ما كان في الجونة فإذا طعام نظيف ظريف فأكلا وألقى الجنوة إلي ثم أخذت العود وغنت أحسن غناء يكون وأطيبه فقال لي يا ملاح لولا خوفي أن تسكر لسقيتك فقلت يا أستاذ أنا أشرب عشرين رطلا نبيذا ولا أسكر فأعطاني ظرفا فيه خمسة أرطال وقال اشرب لنفسك فجعلت أشرب على الغناء واجحدف وهما يشربان إلى أن دنا منها فقبلها كثيرا واحتجت شهوته فجامعها وأنا أراه ثم عاودها دفعات وثمل فقال يا فلانة خنت عهدي وميثاقي ومكنت فلانا من نفسك حتى فعل بك كيف وكيت وفلانا وفلانا وجعل يواقفها وهي تقول لا والله لا يا سيدي ما فعلت هذا وإنما كذبوا علي عندك ليباعدوني منك قال كذبت أنا توصلت إلى أن حصلت معكم في ليلة كذا في الدار الفلانية وقد دعاك فلان وصنعتم كذا وفعلتم كذا وأنا أراكم بعيني وما بعد هذا شيء وتدرين لم جئت بك إلى هذا الموضع وعاتبتك ها هنا فقالت لا فقال لأن أودعك وأجعل هذا آخر العهد بك وأقتلك وأطرحك في الماء
قال فجزعت الجارية جزعا شديدا ثم قالت يا مولاي ويطيب قلبك قال إي والله ثم خالطها وأخرج تكتها فكتفها بها فقلت يا سيدي اتق الله مثل هذا الوجه وأنت تالف من حبة تعمل به مثل هذا فقال الساعة والله ابتدئ بك وأخذ السيف فجزعت ومسكت وتقدم إليها فذبحها وأمسكها (1/476)
حتى جرى دمها وماتت ثم أقبل ينزع حليها ويرمي به إلى صدر السميرية ثم نزع الثياب عنها وشق جوفها وجعل يقطعها قطعا ويرمي بها إلى الماء
وكنا قد قاربنا المدائن وقد مضى أكثر الليل فرأيت منظرا لم أر قط مثله ومت جزعا وقلت الساعة يقتلني لئلا أنم عليه ولم أجد حيلة فاستسلمت وطرح نفسه كالمغشي عليه وجعل يبكي ويقول شفيت نفسي وقتلت نفسي ويلطم ورمى بالعود وجميع ما كان معه من فاكهة وأكل وشراب إلى الماء فطلع الفجر وأضاء وبقي بيننا وبين المدائن نصف فرسخ فطمعت في الحيلة عليه فقلت له يا سيدي قد أصبحنا أفلا تصلي وأردت أن يصعد إلى الشط وانحدر أنا في السميرية وأدعه فقال بلى اطرحني إلى الشط فقدمن السميرية إلى الشط وطرحته فحين صعد من السميرية أذرعا يسيرة إذا سبع قد قفز عليه فتناوله فرأيته والله في فمه كالفأرة في فم التنور فلا أنسى ما ورد على قلبي من السرور بذلك
فحدرت السفينة فلما تجاوزت المدائن طرحت إلى الشط وجمعت الحلى وخبأته تحت بارية السميرية وتأملت الثياب فغسلت ما أثر الدم فيه وخبأته وانحدرت فما رد وجهي شيء إلى البصرة فنظرت فإذا معي حلى من الف دينار وثياب بعتها بجملة دنانير كثيرة فأقمت بالبصرة أتجر وخفت العود إلى بغداد لئلا يراني ذلك الغلام أو يطالبني بالرجل أو أسال عن الحديث فلما طالت المدة وانقضت السنون وقع لي أن الأمر قد نسي واشتقت إلى بغداد وكانت البضاعة قد نمت وزادت فاشتريت بجميعها تجارة إلى بغداد ودخلت وأنا فيها منذ نحو سنة حتى رأيتني اليوم
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال (1/477)
حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني الشريف أبو أحمد الحسين بن موسى العلوي النقيب قال حدثني شيخ كان يخدمني أنه حلف بالطلاق لا يشيع جنازة فسألته عن السبب فقال خرجت يوما ببغداد في نصف النهار من يوم حار لحاجة لي فاستقبلتني جنازة يحملها إثنان فقلت غريب فقير أربعها فأثاب فدخلت تحتها بدلا من أحد الحمالين فحين استقرت على كتفي افتقدت الحمال فقلت يا حمال يا حمال فقال الآخر إيش تريد إمش واسكت قد انصرف الحمال فقلت الساعة والله أرمي بها فقال الحمال والله لئن فعلت لأصيحن فاستحييت واحتملت الأذى وقلت ثواب وما زلت أسير في الشمس والرمضاء إلى الشونيزية فلما حططنا الجنازة في مسجد الجنائز هرب الحمال الآخر فقلت في نفسي ما لهؤلاء الملاعين والله لأتممن الثواب
وأخرجت من كمي دراهم وصحت يا حفار أين قبر هذه الجنازة فقال لا ادري فقلت احفر فأخذ مني درهمين وحفر قبرا فلما صوت عليه الجنازة لياخذ الميت ليدفنه وثب من اللحد ولتكمني وجعل عمامتي في رقبتي وصاح يا قوم قتيل واجتمع الناس وسألوه فقال هذا جاء برجل مقطوع الرأس لأدفنه له فحل الكفن فوجد الأمر على ما قاله الحفار فبهت وتحيرت وجرى علي من العامة من المكروه ما كادت نفسي تتلف إلى أن حملت إلى صاحب الشرطة فأخبر الخبر فجردت للسياط وأنا ساكت باهت وكان له كاتب فحين رأى حيرتي قال له أنظرني حتى أكشف أمر هذا الرجل فإني أحسبه مظلوما فخلا بي وسائلني فأخبرته خبري لم أزد فيه ولم أنقص فنحى الميت عن الجنازة وفتشها فوجد فيها كتابة أنها للمسجد الفلاني للناحية الفلانية فأخذ معه رجاله ومضى فدخل المسجد متنكرا فوجد فيه خياطا فسأله عن جنازة كأنه يريد أن يحمل عليها ميتا له فقال الخياط للمسجد جنازة إلا أنها أخذت منه الغداة لحمل ميت ولم ترد فقال من أخذها فقال أهل تلك الدار وأومأ إليها فكبسها الكاتب برجاله الشرطة فوجد فيها (1/478)
رجالا فقبض عليهم وحملهم إلى الشرطة وأخبر صاحبه الخبر فقدم القوم وقررهم فأقروا أنهم تغايروا على غلام أمرد معهم فقتلوه وحزوا رأسه ودفنوه في بئر حفروها في الدار وحملوه على تلك الصورة وأن الحمالين كانا أحد القوم فضربت أعناق القوم وخلى سبيلي
فهذا سبب توبتي أن لا أحضر جنازة
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن احمد السراج قال أنبأنا أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال حدثنا إسماعيل بن سعيد بن سويد قال حدثنا الحسين بن القاسم قال حدثنا عبيد الله بن خرداذبة قال أخبرني موسى بن المأمون قال كان فروح الزناء يعشق جارية بالمدينة يقال لها رهبة ثم اشتراها فقال
يا رهب لم يبق لي شيء أسر به ... إلا الجلوس فتسقيني وأسقيك
وتمزجين بريق منك لي قدحا ... وتشتفي بكم نفسي وأشفيك
يا رهب ما مسني شيء أغم به ... إلا تفرج عني حين آتيك
قال ثم عثر على ريبة بينها وبين جارية فقلتها أنبأنا به عاليا علي بن عبيد الله قال أنبأنا جعفر بن المسلمة قال أنبأنا إسماعيل بن سعيد فذكره وقال يقال لها وهبة فقال يا وهب بالواو
أنبأنا أبو بكر بن أبي طاهر قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال أخبرني أبو القاسم الجهني قال كان في جواري ببغداد امرأة جميلة مستورة ولها ابن عم يهواها كان قد ربى معها فعدل بها أبوها عنه إلى (1/479)
رجل غريب فزوجه بها فكان ابن العم يلزم بابها طمعا فيها وأحسن الزوج بذلك فكان يحترز فخرج يوما زوجها فأرادت المرأة أن تبترد فنزعت ثيابها واغتسلت وتركت خواتيم لها من ذهب عند ثيابها فأخذ الخواتيم عقعق كان في الدار وخرج إلى الباب فوافق خروجه ابن عمها فأخذ الخواتيم منه فلبسها وقعد على الباب ليراه زوج المرأة فيظن أنه كان عندها فيطلقها فجاء الزوج فقام إليه ابن العم مسلما وتعمد أن يريه الخواتيم في يده فرآها فعرفها فدخل فوجد امرأته تغتسل فلم يشك أنه غسل جناية وأن ابن عمها قد كان عندها فقال لجارية كانت عنده اذهبي فذهبت فأغلق الباب وذبح المرأة ولم يسألها عن شيء فجاءت الجارية فرأتها مقتولة فصاحت فحمل الرجل إلى السلطان فقتل بها وأخرج ابن العم الحديث وكان ذلك سبب توبته ولزومه العبادة إلى أن مات (1/480)
الباب السادس والأربعون في ذكر أخبار من قتل من العشاق بسبب العشق
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن ابن علي الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا أبو بكر بن خلف إذنا وحدثنا عنه محمد بن حريث قال أنبأنا قاسم بن الحسن قال أنبأنا العمري قال أنبأنا الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عياش عن مجالد عن الشعبي قال دخل عمرو بن معدي كرب يوما على عمر بن الخطاب فقال له عمر يا عمرو أخبرني عن أشجع من لقيت وأجبن من لقيت
فقال نعم يا أمير المؤمنين خرجت مرة أريد الغارة فبينا أنا أسير إذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز وإذا رجل جالس وإذا هو كأعظم ما يكون من الرجال خلقا وهو محتب بسيف فقلت له خذ حذرك فإني قاتلك فقال ومن أنت قلت أنا عمرو بن معدي كرب فشهق شهقة فمات فهذا أجبن من رأيت يا أمير المؤمنين
وخرجت يوما آخر حتى انتهيت إلى حي فإذا أنا بفرس مشدود ورمح مركوز وإذا صاحبه في وهدة يقضي حاجة فقلت له خذ حذرك فإني قاتلك قال من أنت قلت أنا عمرو بن معدي كرب قال يا ابا ثور ما أنصفتني أنت على ظهر فرسك وأنا في بئر فأعطني عهدا أنك لا تقتلني حتى أركب فرسي وآخذ حذري فأعطيته عهدا أن لا أقتله حتى يركب فرسه ويأخذ حذره فخرج من الموضع الذي كان فيه حتى احتبي بسيفه وجلس فقلت له ما هذا فقال ما أنا براكب فرسي ولا بمقاتلك فإن نكثت عهدا فأنت أعلم فتركته ومضيت فهذا يا أمير المؤمنين أحيل من رأيت (1/481)
ثم إني خرجت يوما آخر إلى موضع كنت أقطع فيه فلم أر أحدا فأجريت فرسي يمينا وشمالا فإذا أنا بفارس فلما دنا مني إذا هو غلام حين بقل وجهه من أجمل من رأيت من الفتيان وأحسنهم فإذا هو قد أقبل من نحو اليمامة فلما قرب مني سلم فرددت عليه وقلت من الفتى قال أنا الحارث بن سعد فارس الشهباء فقلت له خذ حذرك فإني قاتلك قال بل الويل لك من أنت قلت أنا عمرو بن معدي كرب قال الحقير الذليل والله ما يمنعني من قتلك إلا استصغارك
قال وتصاغرت نفسي إلي وعظم عندي ما استقبلني به فقلت له خذ حذرك فوالله ما ينصرف إلا أحدنا قال اغرب ثكلتك أمك فإني من أهل بيت ما نكلنا عن فارس قط فقلت هو الذي تسمع فاختر لنفسك فقال إما أن تطرد لي وإما أن أطرد لك فاغتنمتها منه فقلت اطرد لي فاطرد وحملت عليه حتى إذا قلت أني قد وضعت الرمح بين كتفيه إذا هو قد صار حزاما لفرسه ثم اتبعني فقرع بالقناة رأسي وقال يا عمرو خذها إليك واحدة فوالله لولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك
فتصاغرت إلى نفسي وكان الموت والله يا أمير المؤمنين احب إلي مما رأيت فقلت والله لا ينصرف إلا احدنا فقال اختر لنفسك فقلت أطرد لي فاطرد وظننت أني قد تمكنت منه وابتعته حتى إذا ظننت اني قد وضعت الرمح بين كتفيه فإذا هو قد صار لببا لفرسه ثم اتبعني فقرع رأسي بالقناة وقال يا عمرو خذها إليك اثنتين
فتصاغرت إلى نفسي فقلت والله لا ينصرف إلا أحدنا فقال اختر لنفسك فقلت اطرد لي فاطرد حتى إذا قلت وضعت الرمح بين كتفيه وثب عن فرسه (1/482)
فإذا هو على الأرض فأخطأته ومضيت فاستوى على فرسه فاتبعني فقرع بالقناة رأسي وقال يا عمرو خذها إليك ثلاثا ولولا أني أكره قتل مثلك لقتلتك فقلت له اقتلني أحب إلي مما أرى بنفسي وأن تسمع فتيان العرب بهذا فقال لي يا عمرو إنما العفو ثلاث وإني إن استمكنت منك الرابعة قتلتك وأنشأ يقول
وكدت أغلاظا من الأيمان ...
إن عدت يا عمرو إلى الطعان ...
لتوجرن لهب السنان ...
أولا فلست من بني شيبان ...
فلما قال هذا كرهت الموت وهبته هيبة شديدة وقلت له إن لي إليك حاجة قال وما هي قلت أكون لك صاحبا ورضيت بذلك يا أمير المؤمنين قال لست من أصحابي فكان ذلك أشد علي وأعظم مما صنع فلم أزل أطلب إليه حتى قال ويحك وهل تدري أين أريد قلت لا قال أريد الموت عيانا فقلت رضيت بالموت معك قال امض بنا
فسرنا جميعا يومنا حتى جننا الليل وذهب شطره قال فوردنا على حي من احياء العرب فقال يا عمرو في هذا الحي الموت ثم أومأ إلى قبة في الحي فقال وفي تلك القبة الموت الأحمر فإما أن تمسك على فرسي فآتي بحاجتي وإما أن أمسك عليك فرسك فتنزل فتأتني بحاجتي فقلت لا بل أنزل أنت فأنت أعرف بموضع حاجتك
فرمى إلي بعنان الفرس فنزل ورضيت والله يا أمير المؤمنين أن أكون له سائسا ثم مضى حتى دخل القبة فاستخرج جارية لم تر عيناي مثلها قط حسنا وجمالا فحلمها على ناقة ثم قال لي يا عمرو قلت لبيك قال إما أن تحميني وأقود أنا وإما أن أحميك وتقود أنت قلت لا بل تحميني أنت وأقود أنا
فرمى إلي بزمام الناقة ثم سرنا بين يديه وهو خلفنا حتى إذا أصبحنا (1/483)
قال لي يا عمرو قلت لبيك ما تشاء قال التفت فانظر هل ترى احدا قال فالتفت فقلت أرى جمالا فقال أغذ السير ثم قال يا عمرو قلت لبيك قال انظر فإن كان القوم قليلا فالجلد والقوة وهو الموت وإن كانوا كثيرا فليسوا بشيء قال فالتفت فقلت هم أربعة أو خمسة قال أغذ السير ففعلت وسمع وقع الخيل عن قرب فقال لي يا عمرو قلت لبيك قال كن عن يمين الطريق وقف وحول وجوه دوابنا إلى الطريق
ففعلت ووقفت عن يمين الراحلة ووقف هو عن يسارها ودنا القوم منا فإذا هم ثلاثة نفر فيهم شيخ كبير وهو أبو الجارية وأخوها غلامان شابان فسلموا فرددنا السلام ووقفوا عن يسار الطريق فقال الشيخ خل عن الجارية يا بن أخ فقال ما كنت لأخليها ولا لهذا أخذتها فقال لأصغر ابنيه اخرج إليه فخرج وهو يجر رمحه وحمل عليه الحارث وهو يقول
من دون ما ترجوه خضب الذابل ...
من فارس مستلئم مقاتل ...
ينمي إلى شيبان خير وائل ...
ما كان سيرى نحوها بباطل ...
ثم شد عليه فطعنه طعنة دق منها صلبة فسقط ميتا
فقال الشيخ لابنه الآخر اخرج إليه يا بني فلا خير في الحياة على الذل فخرج إليه وأقبل الحارث يقول
لقد رأيت كيف كانت طعنتي ...
والطعن للقرن شديدا نهمتي ...
والموت خير من فراق خلتي ...
فقتلتي اليوم ولا مذلتي ...
ثم شد عليه فطعنه طعنة سقط منها ميتا (1/484)
فقال له الشيخ خل عن الظعينة يابن أخ فإني لست كمن رأيت قال ما كنت لأخليها ولا لهذا قصدت فقال له الشيخ اختر بابن أخ فإن شئت طاردتك وإن شئت نازلتك قال فاغتنمها الفتى فنزل ونزل الشيخ وهو يقول
ما أرتجى بعد فناء عمري ...
سأجعل السنين مثل الشهر ...
شيخ يحامي دون بيض الخدر ...
إن استباح البيض قصم الظهر ...
سوف ترى كيف يكون صبري ...
فأقبل الحارث وهو يقول
بعد ارتحالي وطول سفري ...
وقد ظفرت وشفيت صدري ...
والموت خير من لباس الغدر ...
والعار أهديه لحي بكر ...
ثم دنا فقال له الشيخ يابن أخي إن شئت ضربتك وإن بقيت منك قوة ضربتني وإن شئت فاضربني فإن بقيت في قوة ضربتك فاغتنمها الفتى فقال أنا أبدأ أولا قال هات فرفع الحارث السيف فلما نظر الشيخ أنه قد أهوى به إلى رأسه ضربه ضربة قد منها معاه ووقعت ضربة الحارث في رأسه فسقطا ميتين
فأخذت يا أمير المؤمنين أربعة أفراس وأربعة أسياف ثم أقبلت إلى الناقة فعقدت أعنة الأفراس بعضها إلى بعض وجعلت أقود فقالت لي الجارية يا عمرو (1/485)
إلى أين ولست لي بصاحب ولست كمن رأيت ولو كنت لي صاحبا لسلكت سبيلهم فقلت اسكتي قالت فإن كنت صادقا فاعطني سيفا أو رمحا فإن غلبتني فأنا لك وإن غلبتك قتلتك فقلت لها ما أنا بمعطيك ذاك وقد عرفت أصلك وجرأة قومك وشجاعتهم فرمت بنفسها عن البعير ثم أقبلت إلى وهي تقول
أبعد ما شيخي وبعد إخوتي ...
أطلب عيشا بعدهم في لذتي ...
هلا تكون قبل ذاك ميتتي ...
ثم أهوت إلى الرمح وكادت تنتزعه من يدي فلما رأيت ذلك منها خفت إن هي ظفرت بي أن تقتلني فقتلتها
فهذا أشد من رأيته قط يا أمير المؤمنين
فقال عمر صدقت يا عمرو
أخبرنا سعيد بن احمد بن الحسن قال أنبأنا أبو سعد محمد بن الرستمي قال أنبأنا أبو الحسين بن بشران قال أنبأنا إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا سعدان بن نصر قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير أن رجلا أضاف ناسا من هذيل فذهبت جارية له تحتطب فأرادها رجل منهم عن نفسها فرمته بفهر فقتلته فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال ذاك قتيل الله والله لا يودي أبدا
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال حدثنا محمد بن أحمد بن فارس قال (1/486)
أنبأنا أبو الحسين عبد الله بن إبراهيم الزينبي قال حدثنا أبو بكر بن خلف قال حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني الليث قال أتى عمر بن الخطاب يوما بفتى أمرد قد وجد قتيلا على وجه الطريق فسأل عن أمره واجتهد فلم يقف له على خبر ولم يعرف له قاتل فشق ذلك على عمر وقال اللهم أظفرني بقاتله
حتى إذا كان رأس الحول أو قريبا من ذلك وجد صبي مولود ملقى بموضع القتيل فاتي به عمر فقال ظفرت بدم القتيل إن شاء الله
فدفع الصبي إلى امرأة وقال لها قومي بشأنه وخذى منا نفقته وانظري من ياخذه منك فاذا وجدت امرأه تقبله وتضمه الى صدرها فاعلميني بمكانها
فلما شب الصبي جاءت جارية فقالت للمرأة ان سيدتي بعثتني اليك لتبعثي بالصبي لتراه وترده اليك فقالت نعم اذهبي به اليها وانا معك فذهبت بالصبي والمرأة معها حتى دخلت على سيدتها فلما رأته أخذته فقبلته وضمته إلى صدرها فإذا هي بنت شيخ من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم
فأخبرت عمر خبر المرأة فاشتمل عمر على سيفه ثم أقبل إلى منزلها فوجد أباها متكئا على باب داره فقال يا أبا فلان ما فعلت ابنتك فلانة قال يا أمير المؤمنين جزاها الله خيرا هي من أعرف الناس بحق الله تعالى وحق أبيها مع حسن صلاتها وصيامها والقيام بدينها
فقال عمر قد أحببت أن أدخل إليها فأزيدها رغبة في الخير وأحثها على ذلك فقال جزاك الله خيرا يا أمير المؤمنين امكث مكانك حتى أرجع إليك
فاستأذن لعمر فلما دخل أمر عمر كل من كان عنها فخرج وبقيت هي (1/487)
وعمر في البيت وليس معهما أحد فكشف عمر عن السيف وقال لتصدقني وكان عمر لا يكذب فقالت على رسلك يا أمير المؤمنين والله لأصدقن إن عجوزا كانت تدخل علي فاتخذتها أما وكانت تقوم من امري بما تقوم به الوالدة وكنت لها بمنزلة البنت فامضت بذلك حينا ثم إنها قالت يا بنية إنه قد عرض لي سفر ولي بنت في موضع أتخوف عليها فيه أن تضيع وقد احببت أن أضمها إليك حتى أرجع من سفري فعمدت إلى ابن لها شاب أمرد فهيأته كهيئة الجارية وأتتني به لا أشك أنه جارية فكان يرى مني ما ترى الجارية من الجارية حتى اغتفلني يوما وأنا نائمة فما شعرت حتى علاني وخالطني فمددت يدي إلى شفرة كانت إلى جنبي قتلته ثم أمرت به فالقي حيث رأيت فاشتملت منه على هذه الفتى فلما وضعته ألقيته في موضع أبيه فهذا والله خبرهما على ما أعلمتك
فقال عمر صدقت بارك الله فيك ثم أوصاها ووعظها ودعا لها وقال لأبيها بارك الله لك في ابنتك فنعم الابنة ابنتك وقد فقال الشيخ وصلك الله يا أمير المؤمنين وجزاك خيرا عن رعيتك
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو علي ربيب ابي حيويه القاضي قال حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن نصر قال حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد السمرقندي قال حدثنا أحمد بن شيبان قال حدثنا مؤمل عن حماد بن سلمة وحماد بن زيد عن أيوب أن رجلا خرج غازيا فخرج رجل من جيرانه فأبصر في بيته ذات ليلة مصباحا فقام قريبا من منزله فسمع
وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام
أبيت على ترائبها ويضحي ... على جرداء لاحقة الحزام (1/488)
كأن موضع الربلات منها ... قيام ينتمين إلى قيام
قال فدخل عليه فقتله ثم رمى به فلما أصبح أخبر عمر بذلك فقام يخطب الناس فقال أنشد الله رجلا وأعزم عليه علم من علم هذا الرجل علما إلا أخبرنا به فقام الرجل فأخبره بما رأى وبما سمع فقال عمر اقتل قال فعلت يا أمير المؤمنين
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال حدثنا محمد بن احمد بن فارس قال حدثنا أبو الحسين ابن بيان الزينبي قال حدثنا أبو بكر محمد بن خلف المحولي قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا أبو المليح عن الزهري قال كان رجل يهوى أمراة فأرادها فأغلقت الباب دونه فأدخل الرجل راسه من أسكفة الباب فأخذت المرأة حجرا أو خشبة وضربت رأسه فدمغته فرفع ذلك إلى عبد الملك بن مروان فقال به لا بظبي وأهدر دمه
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا الحسين بن أيوب قال حدثنا أبو عبد الله ابن أسباط قال حدثني دعبل قال كنت بالثغر فنودي بالنفير فخرجت (1/489)
مع الناس فإذا أنا بفتى يجر رمحه بين يدي فالتفت فنظر إلي فقال أنت دعبل قلت نعم قال اسمع مني بيتين فأنشدني
أنا في أمري رشاد ... بين غزو وجهاد
بدني يغزو عدوي ... والهوى يغزو فؤادي
ثم قال كيف ترى قلت جيد قال والله ما خرجت إلا هاربا من الحب
ثم التقينا فكان أول قتيل
وقد بلغتنا هذه الحكاية عن دعبل على غير هذا الوجه أنه قال كنت مع الدمني في غزاته التي حارب فيها كلب الروم فلما وقف الجيشان برز علج من الروم فقتل سبعة من مبارزي المسلمين ثم جعل يجر رمحه ويطلب البراز فلا يبرز له أحد فلما طال ذلك علينا وخفنا الهزيمة برز غلام وضيء الوجه ظاهر الجمال له ذؤابتان من ورائه فبارز العلج فقتله ثم ابتدر إليه عشرة من علوج الروم فقتلهم ورد الروم منهزمين فقتل منهم في ذلك اليوم سبعة آلاف رجل وأقبل الناس على الغنائم فارتقى الغلام رابية ونزل عن فرسه وأخذ مقوده بيده وجعلت دموعه تنحدر على الأرض كالقطر
قال دعبل فنزلت عن فرسي فقلت يا بني قد أبلى الله تعالى على يدك هذا البلاء للإسلام وأهله ألا أراك تتعرض لشيء من الغنائم وأنت من البكاء على هذه الحالة فأعلمني قصتك فأطرق ساعة ثم انشأ يقول
أنا في أمري رشاد ... بين غزو وجهاد
بدني يغزو عدوي ... والهوى يغزو فؤادي
ثم مضى ولا أعرف اسمه ولا نسبه (1/490)
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو طاهر أحمد بن علي السواق قال أنبأنا محمد بن احمد بن فارس قال حدثنا عبد الله ابن إبراهيم الزينبي قال حدثنا محمد بن خلف قال أخبرني إسحاق بن محمد قال حدثنا محمد بن زياد الأعرابي قال نزل رجل من العرب بامرأة من باهلة وليس عندها زوجها فأكرمته وفرشته فلما لم ير عندها أحدا ولا قربها سامها نفسها فلما خشيته قالت له امكث أستصلح لك ثم راغت فأخذت مدية فأخفتها ثم أقبلت إليه فلما رآها ثار إليها فضربت بها في نحره فلما رأت الدم سقطت مغشيا عليها وسقط هو ميتا فأتاها آت من أهلها فوجدها على تلك الحال فأجلسها حتى أفاقت فقال أعشى باهلة في ذلك
لعمري لقد أخفت معاذة ضيفها ... وسوت عليه مهده ثم برت
فلما بغاها نفسها غضبت لها ... عروق نمت وسط الثرى فاستقرت
وشدت على ذي مدية الكف معصما ... وضيئا وعزت نفسها فاستمرت
فأمت بها في نحره وهو يبتغي الن ... كاح فمرت في حشاه وجرت
فثج كأن النيل في جوف صدره ... وأدركها ضعف النساء فخرت
قال ابن خلف وحدثنا أبو بكر العامري قال حدثنا عبد الله بن عمر قال حدثنا أبو عباد شيخ قديم قال أدركت الخادم الذي كان يقوم على رأس الحجاج فقلت له أخبرني بأعجب شيء رأيته من الحجاج
قال كان ابن أخيه أميرا على واسط قال وكانت بواسط امرأة يقال إنه لم يك بواسط في ذلك الوقت أجمل منها فأرسل ابن أخيه إليها يريدها على (1/491)
نفسها مع خادم له فأبت عليه وقالت إن أردتني فاخطبني إلى إخوتي قال وكان لها إخوة أربعة
فأبى وقال لا إلا كذا وعاودها فأبت عليه إلا أن يخطبها فأما حرام فلا قال وأبى هو إلا الحرام فأرسل إليها بهدية فأخذتها فعزلتها
قال وأرسل إليها عشية جمعة أني آتيك الليلة فقالت لأمها إن الأمير قد بعث إلي بكذا وكذا قال فأنكرت أمها ذلك وقالت أمها لإخوتها إن أختكم قد زعمت كذا وكذا فأنكروا ذلك وكذبوها فقالت إنه قد وعدني أن يأتيني الليلة فسترونه
قال فقعد إخوتها في بيت حيال البيت الذي هي فيه وفيه سراج وهم يرون من يدخل إليها وجويرية لها على باب الدار قاعدة حين جاء فنزل عن دابته وقال لغلامه إذا أذن المؤذن في الغلس فائتني بدابتي ودخل
فمشت الجارية بين يديه وقالت له ادخل فدخل وهي على سرير مستلقية فاستلقى إلى جانبها ثم وضع يده عليها وقال إلى كم ذا المطل فقالت له كف يدك يا فاسق قال ودخل إخوتها عليه معهم سيوف فقطعوه ثم لفوه في نطع وجاءوا به إلى سكة من سكك واسط فألقوه فيها وجاء الغلام بالدابة فجعل يدق الباب دقا رقيقا وليس يكلمه أحد فلما خشي الصبح وأن تعرف الدابة انصرف
وأصبحوا فإذا هم به فأتوا به الحجاج فاخذ أهل تلك السكة فقال أخبروني ما هذا وما قصته قالوا لا نعلم حاله غير أنا وجدناه ملقى ففطن الحجاج فقال علي بمن كان يخدمه
قال فأتى بذلك الخصي الذي كان الرسول فقالوا هذا كان صاحب سره
فقال له الحجاج اصدقني ما كان حاله وما قصته
فأبى (1/492)
فقال له إن صدقتني لم أضرب عنقك وإن لم تصدقني ضربت عنقك وفعلت بك وفعلت
قال فأخبره الأمر على جهته فأمر بالمرأة وأمها وإخوتها فجيء بهما فعزلت المرآة عنهم فساءلها فأخبرته بمثل ما أخبره به الخصى ثم عزلها وسأل الإخوة فاخبروه بمثل ذلك وقالوا نحن صنعنا به الذي ترى قال فعزلهم وأمر برقيقه ودوابه وماله للمرأة فقالت المرأة عندي هديته فقال بارك الله لك فيها وأكثر في النساء مثلك هي لك وكل ما ترك من شيء فهو لك وقال مثل هذا لا يدفن فألقوه للكلاب ودعا الخصى فقال أما أنت فقد قلت لك إني لا أضرب عنقك وأمر بضرب وسطه
حكى لي ابن رشادة الطبيب أن طبيبا نصرانيا كان بواسط وكان شابا مستحسنا تتعشقه النساء فدخل إلى امرأة بعض الأكراد ليفصدها فأخرجت ذراعها فحار لحسنه ثم جعل يلمسه لمس ملتذ به فلم يخف ذلك على المرأة
ثم قال لها اليوم لا يتهيأ الفصد فأخريه إلى غد وخرج فجاء زوجها فحدثته الحديث فخرج وبعث إلى الطبيب فأتاه فقال له تجيء معي لتنظر إلى مريض فنزلا في سميرية وأخرجه إلى البطائح ثم قطعه قطعا بالسيف (1/493)
الباب السابع والأربعون في ذكر من قتله العشق
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا أبو يوسف الزهري قال حدثنا الزبير ابن بكار قال حدثنا محمد بن عيسى بن بكار عن فليح بن إسماعيل بن جعفر عن عبد الملك بن صالح عن عمه سليمان بن علي عن عكرمة قال إنا لمع عبد الله بن عباس عشية عرفة إذ أقبل فتية يحملون فتى من بني عذرة قد بلى بدنه وكانت له حلاوة وجمال حتى وقفوه بين يديه ثم قالوا استشف لهذا يا بن عم رسول الله
فقال وما به فترنم الفتى بصوت ضعيف لا يتبين وهو يقول
بنا من جوى الأحزان والحب لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب
ولكنما أبقى حشاشة معول ... على ما به عود هناك صليب
وما عجب موت المحبين في الهوى ... ولكن بقاء العاشقين عجيب
ثم شهق شهقة فمات
قال عكرمة فما زال ابن عباس بقية يومه يتعوذ بالله من الحب
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا أبو القاسم بن البسرى عن أبي عبد الله بن بطة قال حدثنا محمد بن أبي القاسم الأنباري قال حدثنا ابو الحسن بن البراء قال حدثنا الزبير عن محمد بن عيسى عن فليح بن إسماعيل قال حدثني عبد الملك بن صالح قال حدثني عمي سليمان بن علي (1/494)
عن عكرمة قال إني لمع ابن عباس عشية عرفة إذا فتية يحملون فتى في كساء معروق الوجه ناحل البدن احلى من رأيت من الفتيان فوضعوه بين يدي ابن عباس فقالوا استشف له يابن عم رسول الله
فقال وما به فأنشأ الفتى يقول
بنا من جوى الأحزان والحب لوعة ... تكاد لها نفس الشفيق تذوب
ولكنما أبقى حشاشة معول ... على ما به عود هناك صليب
قال وأنشأ الفتى يقول
وبي لوعة لو تشتكي الصم مثلها ... لفطرت الصم الصلاب فخرت
ولو قسم الله الذي بي من الجوى ... على كل نفس حظها لألمت
ولكنما أبقى حشاشة معول ... على ما به صلب النجار فمدت
قال ثم حمل فخفت فمات في أيديهم
فقال ابن عباس هذا قتيل الحب لا عقل ولا قود
قال عكرمة فما رأينا ابن عباس سأل الله في تلك العشية حتى أمسى إلا العافية مما ابتلى به ذلك الفتى
أنبأنا أبو بكر محمد بن الحسين قال أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور قال أنبأنا أبو طاهر المخلص قال أنبأنا رضوان بن محمد قال أنبأنا أبو عمر العطاردي عن يونس عن ابن إسحاق قال حدثني يعقوب بن عتبة عن الزهري قال حدثني ابن حدرد عن أبيه قال كنت في خيل خالد بن الوليد التي أصاب بها بني جذيمة إذا فتى منهم مجموعة يده إلى عنقه (1/495)
برمة يقول نحيل
فقال لي يا فتى هل أنت آخذ بهذه الرمة فمقدمي إلى هؤلاء النسوة حتى أقضي إليهن حاجة ثم تصنعون ما بدا لكم فقلت ليسير ما سألت فأخذت برمته فقدمته إليهن فقال اسلمي حبيش على بعد العيش ثم قال
أريتك إذ طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو ألفيتكم بالخوانق
ألم يك حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا ... أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق
فإني لا سر لدى أضعته ... ولا راق عيني بعد وجهك رائق
على أن ما ناب العشيرة شاغل ... عن اللهو إلا أن يكون توامق
فقالت وأنت فحييت عشرا وسبعا وترا وثمانيا تترى
ثم قدمناه فضربنا عنقه
قال إبن إسحاقفحدثني أبو فراس عن أشياخ من قومه شهدوا مع خالد بن الوليد قالوا فلما قتل قامت إليه فما زالت ترشفه حتى ماتت عنده
وقد رويت لنا هذه الحكاية أبسط من هذا وفيها بداية هذه المحبة (1/496)
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال ذكر أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه أن أبا بكر بن المرزبان حدثهم قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن يوسف الكوفي قال حدثنا الهيثم بن عدي قال حدثني سعيد بن شيبان عن أبي مسعود الأسلمي عن أبيه قال نشأ فينا غلام يقال له عبد الله ابن علقمة وكان جميلا فهوى جارية من غير فخذه يقال لها حبيشة وكان يأتيها ويتحدث إليها فخرج ذات يوم من عندها ومعه أمه فرأى في طريقه ظبية على رابية فأنشأ يقول
يا أمتا خبريني غير كاذبة ... وما يريد مسول الخير بالكذب
حبيش أحسن أم ظبي برابية ... لا بل حبيشة من در ومن ذهب
ثم انصرف من عندها مرة أخرى فأصابته السماء فأنشأ يقول
وما أدري إذا أبصرت يوما ... أصوب القطر أحسن أم حبيش
حبيش والذي خلق الهدايا ... على أن ليس عند حبيش عيش
فلما كثر ذلك منه وشهر بها قال قومه لأمه إن هذا الغلام تيم وإن أهل هذه المرأة يرغبون بأنفسهم عنكم فانظري جارية من قومك ممن لا تمتنع عليك فزينيها واعرضيها عليه لعله يتعلقها ويسلوا تلك
ففعلت وحضر نساؤها فجعلوا يعرضون عليه نساء الحي ثم يقولون له يا عبد الله كيف ترى فيقول إنها والله حسناء جملاء
إلى أن قال قائل هي احسن أم حبيشة فقال مرعى ولا كالسعدان
فلما يئسوا أن ينصرف عنها قال بعضهم لبعض عليكم بحبيشة وطمعوا أن يأتوا الأمر من قبلها فقالوا والله لئن أتاك فلم تزري به وتتجهميه وتقولي له أنت أبغض الخلق إلي فلا تقربني لنفعلن بك ما يسوؤك (1/497)
فأتاها فلم تكلمه بشيء مما قالوا ولم تزد على أن نظرت إليه ونظرإليها ثم أرسلت عينها تبكي فانصرف عنها وهو يقول
وما كان حبي عن نوال بذلته ... وليس بمسلي التجهم والهجر
سوى أن دائي منك داء مودة ... قديما ولم يمزج كما تمزج الخمر
وما أنس مل أشياء لا أنس دمعها ... ودمعتها حتى يغيبني القبر
فبينما هما على أشد ما كانا عليه من الهوى والصبوة هجم عليهم خالد بن الوليد يوم الغميصاء فأخذ الغلام رجل من أصحاب خالد فأراد قتله
فقال له ألمم بي أهل تلك البيوت أقضي إليهن حاجة ثم أفعل ما بدا لك
قال فأقبلت به حتى انتهى إلى خيمة منها فقال اسلمي حبيش بعد انقطاع العيش
فأجابته فقالت سلمت وحياك الله عشرا وتسعا وترا وثمانية تترى فلم أر مثلك يقتل صبرا
وخرجت تشتد وعليها خمار أسود قد لاثته على رأسها وكأن وجهها القمر ليلة البدر
فقال حين نظر إليها
أريتك أن طالبتكم فوجدتكم ... ببرزة أو أدركتكم بالخوانق
أما كان حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق
فإني لا سر لدى أضعته ... ولا راق عيني بعد وجهك رائق
على أن ما ناب العشيرة شاغل ... فلا ذكر إلا أن يكون توامق
فها أنا مأسور لديك مكبل ... وما إن أراني بعده اليوم ناطق (1/498)
فأجابته
أرى لك أسبابا أظنك مخرجا ... بها النفس من جنبي والروح زاهق
فأجابها فقال
فإن يقتلوني يا حبيش فلم يدع ... هواك لهم منى سوى غلة الصدر
وأنت التي قفلت جلدي على دمي ... وعظمي وأسبلت الدموع على النحر
فأجابته فقالت
ونحن بكينا من فراقك مرة ... وأخرى وقايسنا لك العسر باليسر
فأنت فلا تبعد فنعم أخو الندى ... جميل المحيا في المروءة والبشر
قال الذي أخذه فضربته ضربة قططت منها يده وعنقه فلمارأته قد سقط قالت ائذن لي أن أجمع بعضه إلى بعض فأذنت لها فجمعته وجعلت تمسح التراب عن وجهه بخمارها وتبكي ثم شهقت شهقة خرجت معها نفسها
وقد رويت لنا هذه الحكاية وفيها ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنه حدث بحال هذا الرجل
أخبرتنا شهدة بن أحمد بن الفرج قالت أنبأنا جعفر بن أحمد بن السراج قال ذكر أبو عمر بن حيويه ونقلته من خطه أن أبا بكر محمد بن خلف حدثهم قال حدثنا أبو العباس محمد بن موسى القرشي قال حدثنا إبراهيم ابن بشار الرمادي قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم في سرية إلى بطن نخلة فإذا رجل معه ظعائن له يسوقهن أمامه فأتينا عليه فقلنا له أسلم
فقال وما الإسلام فعرضناه عليه (1/499)
فإذا هو لا يعرفه فقلنا له إنا قاتلوك
فقال هل أنتم تاركي حتى ألحق بهؤلاء الظعائن
قال قلنا نعم ونحن مدركوك لا محالة
قال فأتى هودج ظعينة منهن قد وصفها بشيء من حسن وجمال فقال
أريتك أن طالبتكم فلحقتكم ... بحلية أو أدركتكم بالخوانق
أما كان حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق
ثم قال
فلا ذنب لي قد قلت إذ أهلنا معا ... أثيبي بود قبل إحدى الصفائق
أثيبي بود قبل أن تشحط النوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق
ثم قال اسلمي حبيش قبل انقطاع العيش
فقالت له اسلم عشرا وتسعا وترا وثماني تترى
ثم أتى فمد عنقه فقال شأنكم فاصنعوا ما أنتم صانعون فقدمناه فضربنا عنقه فرأيت تلك الظعينة نزلت من هودجها فحنت عليه فلم تزل تقبله حتى ماتت
قال فحدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فرأيته قد ضحك حتى بدت نواجذه (1/500)
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي الحافظ قال حدثنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني قال حدثنا أبو عبد الرحمن النسائي قال حدثنا محمد بن علي بن حرب المروزي قال حدثنا علي بن الحسين بن وافد عن أبيه عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم بعث سرية فغنموا وفيهم رجل فقال اللهم إني لست منهم عشقت امرأة فلحقتها فدعوني أنظرإليها نظرة ثم اصنعوا ما بدا لكم
فإذا امرأة طويلة أدماء فقال اسلمي حبيش قبل نفاد العيش
أريتك لو أتبعتكم فلحقتكم ... بحلية أو أدركتكم بالخوانق
أما كان حقا أن ينول عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق
فقالت نعم فديتك
فقدموه فضربوا عنقه فجاءت المرأة فوقعت عليه فشهقت شهقة أو شهقتين ثم ماتت
فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم أخبروه الخبر فقال أما كان فيكم رجل رحيم
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا محفوظ بن أحمد قال أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني محمد بن المرزبان قال حدثنا إبراهيم بن محمد الطائفي قال حدثنا يوسف بن محمد التستري قال حدثنا محمد بن مسعدة الأخفش قال حدثنا أبو محذورة (1/501)
الوراق قال حدثنا أبو مالك الراوية قال سمعت الفرزدق يقول أبق غلامان لرجل من بني نهشل يقال له الخضر فحدثني الخضر قال خرجت أبغيهما وقصدت ناحية اليمامة على ناقة لي عبساء كوماء
قال ابن الأنباري العبساء البيضاء والكوماء العظيمة السنام
فنشأت سحابة فرعدت وأبرقت وحلت عزاليها فملت إلى بعض ديار بني حنيفة فقصدت دارا وطلبت القرى
فقيل لي ادخل فأنخت ناقتي ودخلت فجلست تحت ظلة من جريد وفي الدار جويرية سوداء فدخلت جارية كأنها سبيكة فضة وكأن عينيها كوكبان فقالت لمن هذه الناقة قالت السويداء لضيفكم هذا فسلمت علي وقالت ممن الرجل قلت من بني حنظلة قالت من أيهم قلت من بني نهشل
قالت فأنت من البيت يقول فيهم الفرزدق
إن الذي سمك السماء بنى لنا ... بيتا دعائمه أعز وأطول
بيتا بناه لنا المليك وما بنى ... ملك السماء فإنه لا ينقل
بيت زرارة محتب بفنائه ... ومجاشع وأبو الفوارس نهشل
فأعجبني ذلك من قولها
قالت إلا أن ابن الخطفي نقض عليه فقال
أخزى الذي سمك السماء مجاشعا ... وبنى بناءك بالحضيض الأسفل
بيتا يخيم قينكم بفنائه ... دنسا مقاعده خبيث المدخل
فخجلت واستحييت فقلت لها أيم أنت أم ذات بعل فقالت
إذا رقد النيام فإن عمرا ... تؤرقه الهموم إلى الصباح
تقطع قلبه الذكرى وقلبي ... فما هو بالخلي ولا بصاح (1/502)
سقى الله اليمامة دار قوم ... بها عمرو يحن إلى الرواح
فقلت لها من عمرو هذا فقالت
سألت ولو علمت كففت عنه ... ومن لك بالجواب سوى الخبير
فإن تك سائلا عنه فعمرو ... مع القمر المضيء المستنير
ثم قالت أين تؤم قلت اليمامة فتنفست الصعداء ثم قالت
تذكرني بلادا حل أهلي ... بها أهل المودة والكرامة
ألا فسقى الإله أجش صوت ... يسح بدره بلد اليمامة
وحيا بالسلام أبا نجيد ... فأهل للتحية والسلامة
ثم قالت
يخيل لي أيا كعب بن عمرو ... بأنك قد حملت على السرير
فإن تك هكذا يا عمرو ... إني مبكرة عليك إلى القبور
ثم شهقت شهقة فماتت فسألت عنها فقيل لي هي من ولد معرق بن النعمان ابن المنذر وعمرو بن كعب هوى لها باليمامة
فركبت ناقتي وسرت إلى اليمامة فسألت عن عمرو بن كعب فخبرت أنه مات في ذلك الوقت الذي قالت الجارية ما قالت
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبانا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو القاسم التنوخي قال أنبأنا علي بن عيسى بن علي النحوي قال حدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو حاتم عن الأصمعي قال حدثنا عبدالعزيز ابن أبي سلمة عن أيوب السختياني عن ابن سيرين قال قال عبد الله بن عجلان النهدي في الجاهلية
ألا إن هندا أصبحت منك محرما ... وأصبحت من أدنى حميمها حمى (1/503)
وأصبحت كالمقمور جفن سلاحه ... يقلب بالكفين قوسا واسهما
ومد بها صوته حتى مات
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا محمد ابن جعفر الخرائطي قال حدثنا أبو الفضل الربعي قال حدثنا الرياشي عن الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء قال حدثني رجل من بني تميم قال خرجت في طلب ضالة لي فبينا أنا أدور في أرض بني عذرة أنشد ضالتي إذا ببيت معتزل عن البيوت وإذا في كسر البيت فتى شاب مغمى عليه وعند رأسه عجوز لها بقية من جمال ساهية تنظر إليه
فسلمت فردت السلام فسألتها عن ضالتي فلم يك عندها منها علم فقلت أيتها العجوز من هذا الفتى قالت ابني ثم قالت هل لك في اجر لا مؤونة فيه فقلت والله إني لأحب الأجر وإن رزئت فقالت إن ابني هذا كان يهوى ابنة عم له وكان علقها وهما صغيران فلما كبرا حجبت عنه فأخذه شبيه بالجنون ثم خطبها إلى أبيها فامتنع من تزويجه وخطبها غيره فزوجها إياه فنحل جسم ولدى واصفر لونه وذهل عقله فلما كان منذ خمس زفت إلى زوجها فهو كما ترى لا يأكل ولا يشرب مغمى عليه فلو نزلت إليه فوعظته
قال فنزلت إليه فلم أ دع شيئا من الموعظة إلا وعظته حتى أنى قلت فيما قلت إنهن الغواني صاحبات يوسف الناقضات العهد وقد قال فيهن كثير عزة
هل وصل عزة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها خلف (1/504)
قال فرفع رأسه محمرة عيناه كالمغضب وهو يقول لست ككثير عزة إن كثيرا رجل مائق وأنا رجل وامق ولكني كأخي تميم حيث يقول
ألا لا يضير الحب ما كان ظاهرا ... ولكن ما اجتاف الفؤاد يضير
ألا قاتل الله الهوى كيف قادني ... كما قيد مغلول اليدين أسير
فقلت له فإنه قد جاء عن نبينا صلى الله عليه و سلم أنه قال من أصيب منكم بمصيبة فليذكر مصابه بي فأنشأ يقول
ألا ما للمليحة لم تعدني ... أبخل بالمليحة أم صدود
مرضت فعادني أهلي جميعا ... فما لك لا ترى فيمن يعود
فقدتك بينهم فبكيت شوقا ... وفقد الإلف يا أملي شديد
وما استبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من ذوي رحمي عديد
ولو كنت المريض لكنت أسعى ... إليك وما يهددني الوعيد
قال ثم شهق شهقة وخفت فمات
فبكت العجوز وقالت فاضت والله نفسه فدخلني أمر لم يدخلني مثله فلما رأت العجوز ما حل بي قالت يا فتى لا ترع ما ت والله ولدي بأجله واستراح من تباريحه وغصصه ثم قالت هل لك في استكمال الصنعة قلت قولي ما أحببت
قالت تأتي البيوت فتنعاه إليهم ليعاونوني على رمسه فإني وحيدة
قال فركبت نحو البيوت فرسي فإذا أنا بجارية أجمل ما رأيت من النساء ناشرة شعرها حديثة عهد بعرس فقالت بفيك الحجر المصلت من تنعى قلت أنعى فلانا
قالت أوقد مات قلت إي والله قد مات
قالت فهل سمعت له قولا
قلت اللهم لا إلا شعرا (1/505)
قالت وما هو قال فأنشدتها قوله
ألا ما للمليحة لم تعدني ... أبخل بالمليحة أم صدود
فاستعبرت باكية وأنشأت تقول
عداني ان أزورك يا مناي ... معاشر كلهم واش حسود
أشاعوا ما علمت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد
فلما أن ثويت اليوم لحدا ... فكل الناس دورهم لحود
فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثرى العديد
ثم شهقت شهقة خرت مغشيا عليها وخرج النساء من البيوت واضطربت ساعة وماتت
فوالله ما برحت الحي حتى دفنتهما جميعا
وقد رويت لنا هذه الحكاية من طريق آخر
فأنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن السمسار ويعرف بابن قشيش قال أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الكاتب قال حدثنا أبو بكر الأنباري قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن عبيد عن أبي عبد الله الزيادي قال قال محمد بن قيس الأبيدي وجهني عامل المدينة إلى يزيد بن عبد الملك وهو خليفة في أمر من أمور الناس وكتب معي كتابا فسرنا حتى إذا خلفنا المدينة على مسيرة ثلاثة أيام إذا أنا برجل على قارعة الطريق حديث السن واضع رأسه في حجر امراة مختمرة قد خلا من نسبها وفيها بقية من جمال والشاب يتململ ويضطرب وكلما تنحى رأسه من حجرها ردت المرأة رأسه في حجرها وأنا على بغلة فسلمت فردت المرأة (1/506)
ولم يرد الشاب فتفرست في مليا ثم قالت يا عبد الله هل لك في أجر من غير مرزأة
فقلت نعم والله إني لأحب الأجر وإن رزئت
قالت إن ابني هذا كان يهوى ابنة عم له وكان علقها وهما صغيران فلما حجبت خطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجها ونحن معاشر العرب إذا كان الرجل منا يألف المرأة في صغره لم يزوجوه مخافة أن ترمي بالعيب فيقال قد كان بينهما سوء قبل التزويج
قالت وخطب المرأة ابن عم لها آخر فزوجت منه
فهو على ما ترى منذ بلغه لا يأكل ولا يشرب ولا يصلي ولا يعقل فلو وعظته
قال فنزلت إليه فلم أدع له شيئا من الموعظة إلا وعظته وقلت له أترغب فيمن لا يرغب فيك وإن عظمت عليك المصيبة فيها فاذكر مصيبتك برسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه قال من أصيب بمصيبة فعظمت عليه فليذكر مصيبته بي فإنها أعظم المصيبات
قال فوالله ما تركت شيئا من الموعظة إلا وعظته بها وفتلت له في الذروة والغارب وما يحير كلمة ولا جوابا أكثر من أن قال
ألا ما للمليحة لم تعدني ... أبخل بالمليحة أم صدود
مرضت فعادني أهلي جميعا ... فما لك لم ترى فيمن يعود (1/507)
فقدتك بينهم فبكيت شوقا ... وفقد الإلف يا أملي شديد
وما استنبطأت غيرك فاعلميه ... وحولي من ذوي رحمي عديد
ولو كنت المريض لكنت أسعى ... إليك وما يهددني الوعيد
قال ثم شهق وخفت فمات فدخلني أمر شديد وخفت أن يكون مات من عظتي وكلامي فلما رأت المرأة ما بي قالت هون عليك عاش بأجل ومات بقدر وقدم على رب غفور واستراح مما كان فيه من البلاء فهل لك في استتمام ما صنعت
فاسترحت إلى قولها وقلت فما هو قالت هذه أبيات منا غير بعيد فتأتيهم فتنعاه إليهم وتأمره بحضوره فأقبلت أنعناه إليهم وقد حفظت الشعر فبينا أناأنعاه إليهم إذا خيمة قد رفع جانب منها فإذا امرأة قد خرجت كأنها القمر ليلة البدر ناشرة شعرها تجر خمارها وهي تقول بفيك الحجر من تنعى
قلت فلان بن فلان قالت الله لقد زارته شعوب قلت نعم
قالت فهل قال من قول قبل وفاته قلت نعم وقد حفظته
فأنشدتها الشعر فوالله ما نهنهت أن قالت
عداني أن أزورك يا حبيبي ... معاشر كلهم واش حسود
أشاعوا ما سمعت من الدواهي ... وعابونا وما فيهم رشيد
فأما إذ ثويت اليوم لحدا ... ودور الناس كلهم اللحود
فلا طابت لي الدنيا فواقا ... ولا لهم ولا أثرى عديد (1/508)
وبالإسناد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا علي بن الأعرابي قال قال الضبي عشق كامل بن الوضين امرأة عبد الله بن مسافر ابنة عمه فلم يزل به العشق حتى صار كالشن البالي فشكا أبوه إلى أبيها ما نزل بابنه فأمر فحمل إلى داره ليزوجها منه ولم يعلم كامل بن الوضين فعلم فقال وإن أسماء لتسمع كلامي قيل نعم فشهق شهقة وقضى مكانه فقيل لها مات بغصة شجنه قالت والله لأموتن بمثلها ولقد كنت على زيارته قادرة فمنعني منها قبح ذكر الريبة ومرضت فلما اشتد بها المرض قالت لأشفق نسائها عليها صوري لي مثاله فإني احب أن أزوره قبل موتي ففعلت فلما وصلت الصورة اعتنقتها وشهقت فقضت فطلب أبو الفتى إلى أبيها أن يدفنها بالقرب من قبر ابنه ففعل وكتب على قبريهما
بنفسي هما لم يمتعا بهواهما ... على الدهر حتى غيبا في المقابر
أقاما على غير التزاور برهة ... فلما أصيبا قربا بالتزاور
فيا حسن قبر زار قبرا يحبه ... ويا زورة جاءت بريب المقادر
وبالإسناد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثني أحمد بن عباس الصائغ قال حدثني أحمد بن معاوية بن بكر الباهلي قال حدثني رجل من بني عذرة قال كان فينا فتى ظريف غزل وكان كثيرا ما يتحدث إلى النساء فهوى جارية من الحي فراسلها فأظهرت له جفوة فوقع مضني مدنفا وظهر أمره وتبينت دنفه فلم يزل النساء من هله وأهلها يكلمونها فيه حتى أجابته فصارت إليه عائدة ومسلمة فلما نظر إليهم تحدرت عيناه بالدموع وأنشأ يقول
أريتك إن مرت عليك جنازتي ... يلوح بها أيد طوال وشرع
أما تتبعين النعش حتى تسلمي ... على رمس ميت في الحفيرة مودع
قال فبكت رحمة له وقالت ما ظننت أن الأمر بلغ بك هذا (1/509)
فوالله لأساعدنك ولأداومن على وصلك فهملت عيناه بالدموع وأنشأ يقول
دنت وظلال الموت بيني وبينها ... ومنت بوصل حين لا ينفع الوصل
ثم شهق شهقة خرجت نفسه فوقعت عليه تلثمه وتبكي فرفعت عنه مغشيا عليها فما مكثت بعده إلا أياما حتى ماتت
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال وجدت بخط أحمد بن محمد ابن علي الأبنوسي ونقلته من أصله قال حدثنا أبو محمد علي بن عبد الله بن المغيرة الجوهري قال حدثنا أحمد بن محمد بن أسد الأزدي قال أنبأنا الساجي عن الأصمعي قال رايت بالبادية رجلا قد عظمه وضؤل جسمه ورق جلده فتعجبت فدنوت منه أسأله عن حاله فلم يرد جوابا فسألت جماعة حوله عن حاله فقالوا اذكر له شيئا من الشعر يكلمك فقلت
سبق القضاء بأنني لك عاشق ... حتى الممات فأين منك مذاهبي فشهق شهقة ظننت أن روحه قد فارقته ثم أنشأ يقول
أخلو بذكرك لا أريد محدثا ... وكفى بذلك نعمة وسرورا
أبكي فيطربني البكاء وتارة ... يأبى فيأتي من أحب أسيرا
قال فقلت له أخبرني عنك قال إن كنت تريد علم ذلك فاحملني وألقني على باب تلك الخيمة ففعلت فأنشأ يقول بصوت ضعيف يرفعه بجهده
ألا ما للمليحة لا تعود ... أبخل بالمليحة أم صدود
فلو كنت المريضة جئت أسعى ... إليك ولم ينهنهني الوعيد
فإذا جارية مثل القمر قد خرجت فألقت نفسها عليه فاعتنقا وطال ذلك فسترتهما بثوبي خشية أن يراهما الناس فلما خفت عليهما الفضيحة فرقت بينهما (1/510)
فإذا هما ميتان فما برحت حتى صليت عليهما ودفنتهما فسألت عنهما فقيل لي عامر بن غالب وجميلة بنت أميل المزنيان فانصرفت
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ومحمد بن ناصر قالا أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني محمد بن المرزبان قال حدثنا أبو معاذ القيسي قال حدثنا أبو عبد الرحمن بن عائشة قال حدثنا أبو منيع قال حدثنا عبد لآل الحارث بن عبيد قال رأيت شيخا جالسا على هضبة يبكي فقلت له ما يبكيك قال الرحمة لجارية منا كانت تنزل في أقصى بلاد كلب فتزوجها رجل من أهل الكوفة فغلبها الشوق وأضر بها الجوى فأشرفت فوق علية وأنشأت تقول
لعمري لئن اشرفت أرفع ما أرى ... وكلفت عيني منظرا متعاديا
وقلت زيادا تؤنسين وأهله ... أم الشوق يدني منك ما ليس دانيا
وقلت لبطن الجن حين رأيته ... سقى الله أعلاك السحاب الغواديا
ثم قضت من وقتها في مكانها
بطن الجن واد
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال نقلت من خط ابن حيويه عن ابن المرزبان قال أخبرني بعض أصحاب المدائني قال أنبأنا هشام بن محمد بن السائب قال كان بالمدينة رجل من ولد عبد الرحمن بن عوف وكان شاعرا وكان عنده ابنة عم له وكان عاشقا لها مستهترا بها فضاق ضيقة شديدة وأراد المسير إلى هشام إلى الرصافة فمنعه من ذلك ما كان يجد بها وكره فراقها فقالت له يوما وقد بلغ منها الضيق يا بن عم ألا تأتي الخليفة لعل الله تعالى أن يقسم لك (1/511)
منه رزقا فيكشف به بعض ما نحن فيه فلما سمع ذلك منها نشط للخروج فتجهز ومضى حتى إذا كان من الرصافة على أميال خطر ذكرها بقلبه وتمثلت له فلبث ساعة شبيها بالمغمى عليه ثم أفاق فقال للجمال احبس فحبس إبله فأنشأ يقول
بينما نحن من بلا كث فالقاع ... سراعا والعيس تهوى هويا
خطرت خطرة على القلب من ذكراك ... وهنا فما أطقت مضيا
قلت لبيك إذ دعاني لك الشوق ... وللحاديين ردا المطيا
ثم قال للجمال ارجع بنا فقال له سبحان الله قد بلغت وهذه أبيات الرصافة فقال والله لا تخطو خطوة إلا راجعة
فرجع حتى إذا كان من المدينة على قدر ميل لقيه بعض بني عمه فأخبره أن امرأته قد توفيت فشهق شهقة وسقط عن ظهر البعير ميتا
أخبرنا عمر بن ظفر المقرىء وشهدة بنت أحمد الإبري قالا أنبأنا جعفر بن أحمد القاري قال أنبأنا عبد العزيز بن علي الأزجي قال حدثنا أبو الحسن ابن جهضم الصوفي قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن علي قال حدثنا محمد بن جعفر الكاتب عن محمد بن الحسين البرجلاني عن جعفر بن معاذ قال أخبرني أحمد بن سعيد العابد عن أبيه قال كان عندنا بالكوفة شاب يتعبد لازم للمسجد الجامع لا يكاد يخلو منه وكان حسن الوجه حسن القامة حسن السمت فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به وطال ذلك عليها فلما كان ذات يوم وقفت له على طريقه وهو يريد منزله فقالت له يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها ثم اعمل ما شئت فمضى ولم يكلمها ثم وقفت له بعد ذلك على طريقه وهو يريد منزله فقالت له يا فتى اسمع مني كلمات أكلمك بها (1/512)
فأطرق مليا وقال لها هذا موضع تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعا
فقالت له والله ما وقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك ولكن معاذ الله أن يتشرف العباد إلى مثل هذا مني والله إن الذي حملني على أن لقيتك في هذا الأمر بنفسي لمعرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير وأنتم معاشر العباد في مثال القوارير أدنى شيء يعيبه وجملة ما أكلمك به أن جوارحي كلها مشغولة بك فالله الله في أمري وأمرك
قال فمضى الشاب إلى منزله وأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي فأخذ قرطاسا وكتب كتابا ثم خرج من منزله فإذا بالمرأة واقفة في موضعها فألقى إليها الكتاب ورجع إلى منزله
وكان الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم
اعلمي أيتها المرأة أن الله تبارك وتعالى إذا عصى حلم فإذا عاود العبد المعصية ستره فإذا لبس لها ملابسها غضب الله عز و جل لنفسه غضبة تضيق منها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب فمن ذا يطيق غضبه
فإن كان ما ذكرت باطلا فإني أذكرك يوما تكون السماء كالمهل وتصير الجبال كالعهن وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف بإصلاح غيري
وإن كان ما ذكرت حقا فإني أدلك على طبيب هو أولى بالكلوم الممرضة والوجاع المرمضة ذلك الله رب العالمين فاقصديه على صدق المسألة فإني متشاغل عنك بقوله عز و جل وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فأين المهرب من هذه الآية (1/513)
ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت له على طريقه فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله لئلا يراها
فقالت يا فتى لا ترجع فلا كان الملتقى بعد هذا أبدا إلا بين يدي الله عز و جل
وبكت بكاء كثيرا ثم قالت أسأل الله عز و جل الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما قد عسر من أمرك ثم تبعته فقالت امنن علي بموعظة أحملها عنك وأوصني بوصية أعمل عليها
فقال لها الفتى أوصيك بحفظ نفسك من نفسك وأذكرك قوله عز و جل وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار
قال فأطرقت وبكت بكاء أشد من بكائها الأول ثم أفاقت ثم لزمت بيتها وأخذت في العبادة
قال فكانت إذا جهد بها الأمر تدعو بكتابه فتضعه على عينيها فيقال لها وهل يغني هذا شيئا فتقول وهل لي دواء غيره
وكان إذا جن عليها الليل قامت إلى محرابها فلم تزل على ذلك حتى ماتت كمدا
فكان الفتى يذكرها ثم يبكي عليها فيقال له مم بكاؤك وأنت أيستها فيقول إني ذبحت طمعي منها في أول مرة وجعلت قطعها ذخيرة لي عند الله عز و جل وإني لأستحي من الله عز و جل أن أسترد ذخيرة أدخرتها عنده
قال ابن السراج قال لنا أبو القاسم الأزجي ووجدت في نسخة مسموعة (1/514)
عن الزبنبي زيادة ثم إن الجارية لم تلبث أن بليت ببلية في جسمها فكان الطبيب يقطع من لحمها أرطالا وكان الطبيب قد عرف حديثها مع الفتى فكان إذا أراد أن يقطع لحمها يحدثها بحديث الفتى فما كانت تجد لقطع لحمها ألما ولا كانت تتأوه فإذا سكت تأوهت فلم تزل كذلك حتى ماتت كمدا
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال حدثنا إبراهيم بن عمر البرمكي قال أنبأنا أبو الحسين الزينبي قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثني معاذ بن عمرو الباهلي عن موسى بن داود قال حدثني زياد بن امية قال سمعت معافى الكوفي يقول كان عندنا بالكوفة فتى من آل المهلب بن أبي صفرة وكان ناسكا له ورع وكان ينزل في كندة وكان كثيرا ما يغشى مجالس الذكر فيبكي حتى يرق له أهل المسجد ويبكون لبكائه وكان حسن الوجه حسن النطق
قال فرأته امرأة ممن كان يحضر المجالس فأحبته فكانت لا تكاد تفارق المجالس التي تعلم أنه يحضرها فإذا انصرف قامت له بالطريق فإذا مر بها تنفست الصعداء ثم قالت
ألا أيها الماشي بسمت وهيئة ... ووجه جميل ما لنا فيك مطمع
أموت وأحيا عند ذكرك تارة ... ففي القلب مني حرقة ليس ترفع
أليس عجيبا عاشق يكتم الهوى ... يعلل بالآمال قلبا يقطع
بمن ليس يدري أنني في وثاقه ... بروضة أحزان بها الحزن يزرع
قال ثم تولى فكان هذا دأبها حينا والفتى في غفلة لا يعلم بشيء منه (1/515)
فلما طال عليها ذلك وخشيت أن تبدي به وقفت في بعض طرقه التي كان يمر فيها فقالت
ألا أيها الساهي وليس بذي سهو ... رويدك إني عنك لست بذي لهو
قال فوقف فقال لها ما حاجتك فقالت أتنصف من ناظرك أم تجوز عليه في حكمك إذ صير أمره إليك
فقال لها ويحك إني قد أنكرت مقالتك إنكارا شديد واستوحشت منها جوارحي وما أجد إلى الوقوف معك سبيلا أحتج به عند ربي غدا ثم ولى وتركها
فأتى منزله مغموما منا فلزم منزله فكان لا يخرج منه حذارا أن يلقاها فتكلمه
قال وكانت امرأة ذات جمال وهيبة وجعلت تطلبه وتسأل عنه من يعرفه فيخبرها أنه قد لزم بيته فلما طال ذلك عليها كتبت بهذه الأبيات
تقول التي قد شفها حب ناسك ... وأمرضها حتى تغير حالها
وصيرها مثل القضيب بروضة ... تزعزعه ضعفا هناك شمالها
وخلاه للأحزان فردا معذبا ... ومالي والأحزان مالي ومالها
أفي النسك أن لا ترحم اليوم عاشقا ... شكا حرقة في القلب من ظالم لها
قال وبعثت بها إليه وقالت للرسول أخبريه بما ترى من شدة الألم فلعل الله أن يسهل أمره ويعطف قلبه ولا تقصري في ترغيبه في وماله في ذلك من الأجر
قال فأتته المرأة فاستأذنت عليه فأذن لها فدخلت عليه فسلمت عليه وقالت أيها الرجل إني قد حملت نفسي على أمر لم يكن من شأني غير أني تحملته (1/516)
رجاء الثواب وحسن الجزاء من الله عز و جل وإني أريد أن ألقي إليك أمرا لست أحب فيه مفارقة الحق فإني رأيت كل باطل عند الحق مضمحلا وكل أمر يدعو إلى ضرر في الآخرة فاسدا
فقال قولي أيتها المراة ما بدا لك أن تقولي ودعي الإكثار فإن النهار يمضي والساعات تحصى
قال فأقرأته الشعر وأخبرته بحالها فقال أيتها المرأة إن لله محنا يمتحن بها عباده وأولياءه وأحباءه لينظر كيف طاعتهم له وكيف إيثارهم إياه عند اجتماع شهوات قلوبهم وما أظن إلا أن الله ابتلاني بما ذكرت من أمر هذه المرأة ليمتحنني ووالله مالي طاقة بمحن ربي إن لم يوفقني ويثبتني والله لمفارقة الأحبة في مرضاته أحب إلي من المقام معهم والاشتغال بما يقطعني عن خدمته والتحبب إليه فأبلغيها عني السلام وقولي لها قد سمعت دعواك وما ذكرت وإني والله ما أنا براض عن نفسي في خدمة من إليه فقرى وحاجتي فكيف إذا علقتها ببلاء لا يمكنني التخلص منه
قال فخرجت المرأة من عنده فأتتها وأخبرتها بمقالته فجعلت تبكي ثم قالت لها فكيف كان إنصاته لكلامك حين أنشدته الشعر قالت يا أختاه رأيت رجلا مزورا مستوقرا كأنه قد نصب الآخرة بين عينيه فهو ينظر إليها فأبقى على نفسك ولا تهلكيها فتندمي حين لا تغني الندامة
قال فلزمت منزلها وقالت والله لا أخرج منه إلى موضع أبدا ولأجعلنه قبري أيام حياتي
قال ثم لزمت الصلاة فكانت لا تهتدي الليل والنهار من الصلاة فكانوا يسمعونها فكانت تبكي بكاء شديدا فقيل لها في ذلك
فقالت (1/517)
إني والله قد غلب على قلبي ذكره حتى لا يفارقني وإني لأذكر ذنوبي فأبكى على تفريطي ثم أذكره فأبكي عليه فيهيج من قلبي شجو لا يشبهه شجو وإني أسال الذي حرمني قربه في الدنيا أن ينسيني ذكره وأن يجمع بيني وبينه في داره
قال ومرضت مرضا شديدا وبليت في بدنها بلاء عظيما قال فكان المعالج إذا بدأ بمعالجتها حادثها فيقول يا فلانة ما هذا الجزع الذي تجزعين فوالله ما رأيت رجلا هو أهيأ ولا أحسن هديا ولا أصبر على بلاء إذا نزل به من فتى في جيراني يقال له فلان يعني صاحبها فتسكت ثم تقول هي حدثني وهو يقطع من لحمها وكأنها لما غلب على قلبها من المحبة لذكره لا تحس بما يصنع بها فإذا كف عن ذكره توجعت وجزعت فما زالت في حالها تلك حتى ماتت
فلقد رأيته في جنازتها مغطى الرأس حتى دفنها وكنت كثيرا إذا مررت بالمقابر أراه عند قبرها
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا صاعد بن سيار قال أنبأنا أحمد ابن أبي سهل الغورجي قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ قال أنبأنا أحمد بن محمد بن العباس قال أنبأنا عبد الله بن موسى السلامي قال حدثنا محمد بن يعفور قال حدثنا العلاء بن منصور قال حدثنا الأصمعي قال بت عند بعض الأعراب في البادية وله ولد مضني على فراشه فقال لي أبوه ابني هذا قد نزل به ما ترى من الشعق فدنوت إليه فقال أنشدني شيئا فقلت لست بشاعر فقال لولا أنك ضيف لسألتك أن تحدثني ولكن من حق الضيافة أن يحدث الضيف فقلت له فما حالك فحدثني بحديث طويل ثم شهق شهقة وقال (1/518)
كأن فؤادي طائر حان ورده ... فهز جناحيه اشتياقا إلى الورد
ثم فاضت نفسه فكنت فيمن صلى عليه
أخبرنا شهدة قالت أنبأنا ابن السراج قال وجدت بخط ابن حيوية يقول حدثنا محمد بن خلف قال حدثني عبد الواحد بن محمد قال حدثني محمد بن الهيثم ابن عدي عن الهيثم قال حدثنا محمد بن مالك قال حدثني عثمان بن عمر التميمي قال هوى فتى من بني أسد فتاة من فخذه وكان أيسر منها وأغنى وكان أبوه يمنعه من أن يتزوج بها ويريد له أشرف منها وأيسر ويعرض عليه غيرها فيأبى إلا هي وكان أبوها قد حبسها عليه رجاء أن يتزوجها فلما طال على أبيها وأيس منه زوجها من غيره فلقيها الفتى يوما فقال لها
لعمري يا سعدى لطال تأيمي ... ومعصيتي شيخي فيك كليهما
وتركي ذا الحيين لم أبغ منهما ... سواك ولم يربع هواي عليهما
فقالت الجارية
حبيبي لا تعجل لتفهم حجتي ... كفاني ما بي من بلاء ومن جهد
ومن عبرات تعتريني وزفرة ... تكاد لها نفسي تسل من الوجد
غلبت على نفسي جهادا ولم أطق خلافا على أهلي بهزل ولا جد
ولن يمنعوني أن أموت برغمهم ... غدا جوف هذا الغار في جدث وحدى
فلا تنس أن تأني هناك فتلتمس ... مكاني فتسلو ما تحملت من جهد
فلما كان من غد أتاها حيث زعمت له فوجدها ميتة فأدخلها شعبا ثم التزمها فمات معها قال فالتمسا حولا فلم يقدر عليهما ولم يعلم لهما خبر فإذا هاتف يهتف على الجبل الذي هما فيه وكان الجبل يدعى أعرافا
إن الكريمين ذوي التصافي ... الذاهبين بالوفاء الصافي (1/519)
والله ما لقيت في تطوافي ... أبعد من غدر ومن إخلاف
من ميتين في ذرا أعراف ...
قال فصعد القوم الجبل فوجدوهما ميتين فواروهما
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا محمد بن خلف قال وذكر بعض الرواة عن العمري قال كان أبو عبد الله الحبشاني يعشق صفراء العلاقمية وكانت سوداء فاشتكى من حبها وضني حتى صار إلى حد الموت فقال بعض أهله لمولاها لو وجهت صفراء إلى أبي عبد الله الحبشاني فلعله يعقل إذا رآها ففعل فلما دخلت عليه صفراء قالت كيف أصبحت يا أبا عبد الله قال بخير مالم تبرحي قالت ما تشتهي قال قربك قالت فما تشتكي قال حبك قالت فتوصي بشيء قال نعم أوصي بك إن قبلوا مني فقالت إني أريد الانصراف قال فتعجلي ثواب الصلاة علي فقامت فانصرفت فلما رآها مولية تنفس الصعداء ومات من ساعته
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز عن أبي إسحاق البرمكي عن أبي بكر بن سالم قال ذكر محمد بن موسى البربري قال حدثني محمد بن أبي السرى الأزدي قال حدثنا هشام بن محمد الكلبي عن عوانة بن الحكم أن عبد الله بن جعفر وفد إلى عبد الملك بن مروان فحدثه قال اشتريت جارية مولدة بعشرة آلاف درهم فوصفت ليزيد بن معاوية فأرسل إلي إما تهديها لي وإما أن تبيعها بحكمك فأرسلت إليه لا تخرج والله عن ملكي ببيع ولا هبة أبدا
ومكثت عندي على تلك الحال لا أزداد لها إلا حبا حتى أتتني عجوز من عجائزنا فذكرت أن بعض عزاب أهل المدينة يهواها وأنه يجيء في كل يوم متنكرا فيقف بالباب حتىي يسمع غناءها فراعيت مجيئه ليلة فإذا به قد أقبل متقنع (1/520)
الرأس حتى قعد مستخفيا فدعوت قيمة الجارية فقلت انطلقي الساعة فأصلحي هذه الجارية بأحسن ما أمكن وعجلي بها إلى فلما جاءت بها نزلت قابضا على يدها وفتحت الباب ثم حركت الرجل فانتبه مذعورا فقلت لا بأس عليك خذ بيد هذه الجارية هي لك فإذا هممت ببيعها فارددها إلى فدهش الفتى ولبط به فدنوت إلى أذنه فقلت ويحك قد أظفرك الله عز و جل ببغيتك فانصرف إلى منزلك فإذا الفتى ميت كأن لم يكن فلم أر شيئا قط أعجب من ذلك وهانت الجارية في عيني وكرهت أن أوجه بها إلى يزيد فيعلم حالها أو تخبره عن نفسها فيحقد ذلك علي فمكثت مديدة ثم ماتت ولا أظنها ماتت إلا كمدا وأسفا على الفتى
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا أبو عمر محمد بن العباس بن حيويه قال أنبأنا أبو بكر محمد بن خلف بن المرزبان قال أنبأنا أحمد بن محمد بن منصور بن سيار قال أخبرني عبد الله بن نصر المروزي قال أخبرني عبد الله بن سويد عن أبيه قال سمعت علي بن عاصم يقول قال لي رجل من أهل الكوفة من بعض إخواني هل لك في عاشق تراه
فمضيت معه فرأيت فتى كأنما نزعت الروح من جسده وهو متزر بإزار مرتد بآخر وإذا هو مفكر وفي ساعده وردة فذكرنا له بيتا من الشعر فتهيج وقال
جعلت من وردتها ... تميمة في عضدي
أشمها من حبها ... إذا علاني جهدي
فمن رأى مثلي فتى ... بالحزن أضحى مرتدي
أسقمه الحب وقد ... صار قليل الأود
وصار ساه دهره ... مقارنا للكمد
ألا فمن يرحم أو ... يرق لي من كمد (1/521)
ثم أطرق فقلت ما شأنه قالوا عاشق جارية لبعض أهله فاعطى بها كل ما يملك وهو سبعمائه دينار فأبوا أن يبيعوها فنزل به ما ترى وفقد عقله
قال فخرجنا فلبثنا ما شاء الله ثم مات فحضرت جنازته فلما سوى عليه إذا بجارية تسأل عن القبر فدللتها عليه فما زالت تبكي وتأخذ التراب فتجعله في شعرها
فبينا هي كذلك إد جاء قوم يسعون فأقبلوا عليها ضربا فقالت شأنكم والله لا تنتفعون بي بعده أبدا
وقد رويت لنا هذه الحكاية أبسط من هذا
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الإبري قالت أنبأنا جعفر بن أحمد المقري قال أنبأنا محمد بن علي بن الفتح قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن عبد الله إجازة قال حدثنا جعفر الخلدي قال حدثنا ابن مسروق قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا سويد بن سعيد قال سمعت علي بن عاصم يقول قال لي رجل أهل الكوفة من بعض إخواني أريك فتى عاشقا قلت بلى والله فإني أسمع الناس ينكرون العشق وذهاب العقل فيه وإني لأحب رؤيته فعدني يوما أجيء معك فيه
قال فوعدته يوما فمضينا فأنشأ صاحبي يحدثني عن نسكه وعبادته وما كان فيه من الاجتهاد قلت وبمن هو متعلق قال بجارية لبعض أهله كان يختلف إليهم فوقعت في نفسه فسألهم أن يبيعوها منه فأبوا وبذل لهم جميع ملكه وهو سبعمائة دينار فأبوا عليه ضرارا وحسدا أن يكون مثلها في ملكه
فلما أبوا عليه بعثت إليه الجارية وكانت تحبه حبا شديدا مرني بأمرك فوالله لأطيعنك ولأنتهين إلى أمرك في كل ما أمرتني به فأرسل إليها عليك بطاعة (1/522)
الله فإن عليها المعول والسكون إليها وبطاعة من يملك رقك فإنها مضمومة إلى طاعة ربك عز و جل ودعى الفكر في أمري لعل الله ان يجعل لنا فرجا يوما من الدهر فوالله ما كنت بالذي تطيب نفسي بنيل شيء أحبه أبدا في ملكي فأمنعه أمد يدي إليه حراما بغير ثمن ولكن أستعين بالله على أمري فليكن هذا آخر رسلك إلى ولا تعودي فإني أكره والله أن يراني الله تعالى وأنا في قبضته ملتمسا أمرا يكرهه مني
فعليك بتقوى الله عز و جل فإنها عصمة لأهل طاعته وفيها سلو عن معصيته قال ثم لزم الاجتهاد الشديد ولبس الشعر وتوحد فكان لا يدخل منزله إلا من ليل إلى ليل وهو مع ذلك مشغول القلب بذكرها ما يكاد يفارقه
فوالله ما زال الأمر به حتى قطعه فهو الآن ذاهب العقل واله في منزله
قال ثم صرنا إلى الباب فاستأذنا فأذن لنا
قال علي فدخلت إلى دار قوراء سرية وإذا أنا بشاب في وسط الدار على حصير متزر بإزار مرتد بآخر
قال فسلمنا عليه فلم يرد علينا السلام فجلسنا إلى جنبه فإذا هو من أجمل من رأيت وجها وهو مطرق ينكت في الأرض ثم ينظر إلى ساعده ثم يتنفس الصعداء حتى أقول قد خرجت نفسه وهو مع ذلك كالخلال من شدة الضر الذي به
قال فالتفت فإذا أنا بوردة حمراء مشدودة في عضده قال فقلت لصاحبي ما هذه فوالله ما رأيت العام وردا قبل هذه فقال أظن فلانة سماها بعثت بها إليه فلما سماها رفع رأسه فنظر إلينا ثم قال
جعلت من وردتها ... تميمة في عضدي
أشمها من حبها ... إذا علاني كمدي (1/523)
فمن رأى مثلي فتى ... بالحزن أضحى مرتدي
أسقمه الحب فقد ... صار حليف الأود
وصار سهوا دهره ... مقارنا للكمد
قال ثم أطرق فقلت الساعة والله يموت
قال علي بن عاصم وورد على من أمره مالم أتمالك وقمت أجر ردائي فوالله ما بلغت الباب حتى سمعت الصراخ فقلت ما هذا فقالوا مات والله
قال على فقلت والله لا أبرح حتى أشهده
قال وتسامع الناس فجاءوا بطبيب فقال خذوا في أمر صاحبكم فقد مضى لسبيله فغسلوه وكفنوه ودفنوه وانصرف الناس فقال لي صاحبي امض بنا فقلت امض أنت فإني أريد الجلوس ها هنا ساعة فمضى فما زلت أبكي وأعتبر به وأذكر أهل محبة الله عز و جل وما هم فيه
قال فبينا أنا على ذلك إذا أنا بجارية قد أقبلت كأنها مهاة وهي تكثر الالتفات فقالت لي يا هذا أين دفن هذا الفتى قال علي فرأيت وجهها ما رأيت قبله مثله فأومأت إلى قبره
قال فذهبت إليه فوالله ماتركت على الأرض كثير تراب إلا ألقته على وجهها وجعلت تتمرغ فيه حتى ظننت أنها ستموت فما كان أسرع من أن طلع القوم يسعون حتى جاءوا إليها وأخذوها فجعلوا يضربونها فقمت إليهم فقلت رفقا بها رحمكم الله قالت دعهم أيها الرجل يبلغوا همتهم فوالله لا انتفعوا بي أبدا بعده أيام حياتي فليصنعوا بي ما شاءوا
فإذا هي التي كان يحبها الفتى فانصرفت (1/524)
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا التنوخي قال حدثنا ابن حيويه قال أنبأنا ابن المرزبان قال ذكر بعض الرواة عن محمد بن معاوية قال حدثني إبراهيم بن عثمان العذري وكا ينزل الكوفة قال رأيت عمر بن ميسرة وكان كهيئة الخيال وكأنه صبغ بالورس لا يكاد يكلم أحدا ولا يجالسه وكانوا يرون أنه عاشق فكانوا يسألوه عن قصته فيقول
يسائلني ذو اللب عن طول علتي ... وما أنا بالمبدي لذا الناس علتي
سأكتمها صبرا على حر جمرها ... وأكتمها إذ كان في السر راحتي
إذا كنت قد أبصرت موضع علتي ... وكان دوائي في مواضع لذتي
صبرت على دائي احتسابا ورغبة ... ولم أك أحدوثات أهلي وخلتي
قال فما أظهر أمره ولا علم أحد بقصته حتى كان عند الموت فإنه قال إن العلة التي كانت بي من أجل فلانة ابنة عمي والله ما حجبني عنها وألزمني الضر إلا خوف الله عز و جل لا غير فمن بلي في هذه الدنيا بشيء فلا يكن أحد أوثق عنده بسره من نفسه ولولا أن الموت نازل بي الساعة ما حدثتكم فأقرءوها مني السلام ومات
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال وجدت بخط ابن حيويه ونقلته منه قال حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال أخبرني صالح بن يوسف قال أخبرني أبو عثمان المازني قال أنبأنا العتبي عن شبابة بن الوليد العذرى أن فتى من عذرة يقال له أبو مالك بن النضر كان عاشقا لابنة عم له عشقا شديدا فلم يزل على ذلك مدة ثم إنه قعد بضع عشرة سنة لا يحس له خبر (1/525)
قال شبابة فاضتللت إبلا لي فخرجت في طلبها فبينا أنا أسير في الرمال إذا بهاتف يهتف بصوت ضعيف
يا بن الوليد ألا تحمون جاركم ... وتحفظون له حق القرابات
عهدي إذا جار قوم نابه حدث ... وقوة من كل مفروج الملمات
هذا أبو مالك الممسي ببلقعة ... مع الضباع وآسادج وغابات
طليح شوق بنار الحب محترق ... تعتاده زفرات إثر لوعات
أما النهار فيضنيه تذكره ... والليل مرتقب للصبح هل يأتي
يهذي بجارية من عذرة اختلست ... فؤاده فهو منها في بليات
فقلت دلني عليه رحمك الله قال نعم اقصد الصوت فلما قصدت سمعت أنينا من خباء فإذا قائل يقول
يا رسيس الهوى أذبت فؤادي ... وحشوت الحشا عذابا أليما
فدنوت فقلت أبو مالك قال نعم فقلت ما بلغ بت ما ارى قال حبي سعاد ابنة أبي الهيذام العذرى شكوت يوما ما أجد من حبها إلى ابن عم لنا فاحتملني إلى هذا الوادي منذ بضع عشرة سنة يأتيني كل يوم بخبرها ويقوتني من عنده
فقلت إني أصير إلى أهلها فأخبرهم بما رأيت قال أنت وذلك فانصرفت فأخبرتهم فرقوا له فزوجوه بحضرتي فرجعت إليه أفرج عنه فلما أخبرته الخبر حدد النظر إلى ثم تأوه تأوها شديدا بلغ من قلبي ثم قال
الآن إذ حشرجت نفسي وحاضرها ... فراق دنيا وناداها مناديها (1/526)
ثم زفر زفرة فمات فدفنته في موضعه ثم انصرفت فأخبرتهم الخبر فأقامت الجارية بعده ثلاثا لا تطعم ثم ماتت
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا أبو الفضل الربعي قال حدثنا محمد بن عبيد الله العتبي عن من حدثه قال رأيت امرأة منحطة على قبر وهي تقول
فيا قبر لو شفعتني فيه مرة ... فأخرجته من ظلمة القبر واللحد
فكنت أرى هل غير الترب وجهه ... وهل عاث دود اللحد في ذلك اللحد
فقلت لها من صاحب القبر منك قالت ابن عم لي تزوجني فطفق لا يروى مني ولا أنهل منه حتى كان العام الماضي وغزتنا سليم وليس في الحي غيري وغيره فخرج يحمى وهو يقول
نعتني زبيد إن شكوت حليلتي ... طعاني وكرى ما إذا الخيل كرت
فإن مت فأغزى كل يوم وليلة ... بذكرى ولا تنسي أميمة خلتي
فوالله ما برح يقاتل حتى قتل
قلت فكم سنة كانت له قالت أنا أكبر منه ولي تسع عشر سنة والله لا شممت روح الدنيا أكثر من هذه الساعة فظننتها هازئة فلما أصبحت رأيت جنازة فسألت عنها فقيل لي هذه الجارية التي كانت تحدثك بالأمس عند القبر عن بعلها والله لقد وفت لبعلها وصدقت في نفسها
وبالإسناد قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا علي بن الفضل العمري عن الربيع بن زياد قال رأيت جارية عند قبر وهي تقول
بنفسي فتى أوفى البرية كلها ... وأقواهم في الموت صبرا على الحب (1/527)
فقلت بم صار أقواهم وأوفاهم قالت هوى فكان أهلي إذا جاهر بحبي لأموه وإذا كتمه عنفوه فلما أخذه الأمر قال بيتين من الشعر ولم يزل يرددهما إلى أن مات قلت وما هما قالت قوله
يقولون إن جاهرت قد عضك الهوى ... وإن لم أبح بالحب قالوا تصبرا
فما للذي يهوى ويكتم حبه ... من الأمر إلا أن يموت فيعذرا
والله يا هذا لا أبرح أو يتصل قبرانا
ثم شهقت شهقة فصاح النساء وقلن قضت والذي أختار لها الوفاة
فما رأيت أسرع ولا أوحى من أمرها
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف قال أنبأنا عمر بن أحمد بن شاهين قال حدثنا جعفر بن محمد الصوفي قال أنبأنا أحمد بن محمد الطوسي قال حدثني القاسم بن يزيد قال حدثني محمد بن سلام قال حدثني جلاد بن يزيد الأرقط قال كان عويمر العقيلي مشغوفا بابنة عم له وكان يقال لها ريا فزوجت برجل فحملها إلى بلاده فاشتد وجده واعتل علة وأخذه الهلاس فدعوا له طبيبا لينظر إليه فقال له أخبرني بالذي تجد فرفع عقيرته فقال
عطفت على أسراركم فكسوتها ... فميصا من الكتمان لا يتخرق
ولي عبرتان ما يفيقان عبرة ... تفيض وأخرى للصبابة تخنق
وأكثر حظي منك أني إذا جرت ... لي الريح من تلقائكم أتنشق
ثم ذهب عقله فما مكث إلا ليالي يسيرة حتى قضى (1/528)
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا محمد بن خلف قال أخبرني أبو بكر العامري عن مصعب بن عبد الله الزبيري قال تزوج مالك بن عمرو الغساني بنت عم النعمان بن بشير فشغف كل واحد منهما بصاحبه وكان مالك شجاعا مسبعا فاشترطت عليه أن لا يقاتل إذا لقي شفقا عليه وضنا به وإنه غزا حيا من لخم فباشر القتال فأصابته جراح فقال وهو مثقل منها
ألا ليت شعري عن غزال تركته ... إذا ما أتاه مصرعي كيف يصنع
فلو أنني كنت المؤخر بعده ... لما برحت نفسي عليه تطلع
وإنه مكث يوما وليلة ثم مات من جراحه فلما وصل خبره إلى زوجته بكت سنة ثم اعتقل لسانها فامتنعت عن الكلام وكثر خطابها فقال عمومتها وولاة أمرها تزوجها فلعل لسانها ينطلق ويذهب حزنها فإنما هي من النساء فزوجوها بعض أبناء الملوك فساق إليها ألف بعير فلما كانت الليلة التي أهديت إليه فيها قامت على باب القبة فقالت
يقول رجال زوجوها لعلها ... تقر وترضى بعده بحليل
فأخفيت في النفس التي ليس بعدها ... رجاء لهم والصدق أفضل قيل
أبعد ابن عمي فارس القوم مالك ... أزف إلى بعل بهضب كليل
وحدثني أصحابه أن مالكا ... أقام ونادى صحبه برحيل
وحدثني أصحابه أن مالكا ... ضروب بنصل السيف غير نكول
وحدثني أصحابه أن مالكا ... جواد بما في الرحل غير بخيل
وحدثني أصحابه أن مالكا ... خفيف على الحداث غير ثقيل
وحدثني أصحابه أن مالكا ... صروم كماضي الشفرتين صقيل (1/529)
قال أبو بكر العامري وحدثني مشكدانة قال حدثني عمرو بن محمد العبقري قال أخبرني شيخ أثق به وذكر الحديث وزاد فيه فلما فرغت من الشعر شهقت شهقة فماتت
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد بن السراج قال أنبأنا أبو الحسين محمد بن محمد الوراق قال حكى لي أبو الحسين علي بن الحسين الصوفي المعروف برباح قال حدثني بعض أصدقائي أنه دخل بعض المارستانات ببغداد فرأى شابا حسن الوجه نظيف الثياب جالسا على حصير نظيف وعن يساره مخدة نظيفة وفي يده مروحة وإلى جانبه كرار فيه ماء قال فسلمت عليه فرد السلام أحسن رد فقلت له هل لك من حاجة قال نعم أريد قرصين وعليهما فالوذج فمضيت فجئته بذلك وجلست مقابله حتى أكل ثم قلت له بقي لك حاجة قال نعم وأظنك تقدر عليها فقلت اذكرها فلعل الله عز و جل أن ييسرها فقال تمضي إلى نهر الدجاج درب أحمد الدهقان إلى دار على باب زقاق الغفلة فاطرق الباب وقل إن فلانا قال لي
مر بالحبيب وقل له ... مجنونكم من يحله قال فمضيت وسألت عن الدرب والزقاق فدللت عليه فطرقت الباب فخرجت إلى عجوز فأبلغتها الرسالة فدخلت وغابت عني ساعة ثم خرجت وقالت
ارجع إليه وقل له ... عليكم من أعله
فرجعت إلى الفتى فأخبرته بالجواب فشهق شهقة فمات وعدت إلى القوم أخبرهم بذلك فوجدت الصراخ في الدار وقد ماتت الجارية أو كما قال
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا أبو علي محمد بن محمد المهدي قال أنبأنا أبو الحسن أحمد بن العتيقي قال أنبأنا أبو بكر بن شاذان قال حدثنا (1/530)
أبو بكر بن أبي الأزهر قال قال الرياشي قال ابن عائشة أحب رجل ابنة عم له فقالت إن الناس قد اكثروا علينا فلو خرجت بنا من هذه البلدة قال فخرج بها وخرج في إثرهما أخ له فجعل لا يترك منزلا إلا قيل له قد نزلا وارتحلا حتى أتى منزلا فقيل له نزلا بهذا الماء فمرضت فماتت فدفناها ثم كان يأتي الرجل قبرها فيبكي وينصرف فلم يزل كذلك حتى مات ودفن إلى جانبها وهذان هما
فأنشأ يقول
أفق مر إن الود شر لصيق ... وإلا فمت إن كنت غير مطيق
فقد ساق ليلى الحب حتى أحلها ... براذان قبرا غير جد عميق
فمن بين موتانا دفنت غريبة ... فلا تبعدي من ذي هوى ومشوق
أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال أنبأنا أحمد بن الحسن بن خيرون قال أنبأنا أبو الطيب الطبري قال أنبأنا المعافى بن زكريا
وأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو طاهر بن العلاف قال أنبأنا عمر بن أحمد بن شاهين قالا حدثنا جعفر بن محمد الخواص قال حدثنا أبو العباس بن مسروق قال حدثني فضل اليزيدي قال حدثني إسحاق بن إبراهيم أن المهدي بن عمرو الهلالي قال شهدت أبا يحيى التيمي يقول كان يختلف معنا فتى من النساك يقال له أبو الحسن إلى مسعر بن كدام وكان يختلف معه فتى حسن الوجه يفتن الناس إذا رأوه فأكثر الناس القول فيه وفي صحبته إياه ومنعه أهله أن يصحبه وأن يكلمه فذهل عقله حتى خشي عليه التلف فبلغ ذلك مسعرا فقال قولوا له لا يقربني ولا يأتي مجلسي فإني له كاره فلقيته فأخبرته بذلك فتنفس الصعداء ثم أنشأيقول (1/531)
يا من بدائع حسن صورته ... تثني إليه أعنة الحدق
لي منك ما للناس كلهم ... نظر وتسليم على الطرق
لكنهم سعدوا بأمنهم ... وشقيت حين أراك بالفرق
ثم صرخ صرخة وشخص بصره نحو السماء وسقط فحركته فإذا هو ميت
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن قال أنبأنا أبو عمر بن حيويه قال أنبأنا محمد بن خلف قال أخبرني أبو بكر العامري قال أخبرني سليمان بن الربيع الكادحي قال حدثنا عبد العزيز بن الماجشون عن أيوب عن ابن سيرين قال عبد الله بن عجلان هو صاحب هند بنت كعب بن عمرو وإنه عشقها فمرض مرضا شديدا حتى ضني فلم يدر أهله ما به فدخلت عليه عجوز فقالت إن صاحبكم عاشق فاذبحوا له شاة وائتوه بها وغيبوا فؤادها ففعلوا وأتوه بها فجعل يرفع بضعة ويضع أخرى ثم قال أما لشاتكم قلب
فقال أخوه ألا أراك عاشقا ولم تخبرنا
فبلغني والله أعلم أنه قال لهم بعد ذلك آه ومات
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال ذكر أبو عمر بن حيويه فيما نقلته من خطه قال حدثنا محمد بن خلف قال حدثنا الحسين بن جعفر قال حدثني عبد الله بن أحمد العبدي قال حدثني سليمان ابن علي الهاشمي أن علي بن صالح بن داود ذكر عن جارية من جواري القيان أنها كانت تميل إليه محبة وكلفا وكانت موصوفة بالأدب شاعرة فحضر يوما عند بعض أهل البصرة فلما رأته قالت طاب عيشنا في يومنا هذا فلم يلتفت إليها فكتبت على منديل (1/532)
لعل الذي أبلى بحبك يا فتى ... يردك لي يوما إلى أحسن العهد
ثم تغافلت أهل المجلس وألقت إليه المنديل
قال فما هو إلا أن قرأت الشعر حتى وجدت في قلبي من أمرها مثل النار فقمت وانصرفت خوفا من الفضيحة ثم لم أزل أعمل الحيلة في ابتياعها من حيث لا تعلم فعسر ذلك فعرفتها ما قد عزمت عليه من ابتياعها فأعانتني على ذلك حتى ملكتها فلم أوثر عليها أحدا من حرمي وأهلي ولا كان عندي شيء يعدلها فتوفيت فأنا لا عيش لي ولا سرور فوالله ما لبث بعد هذا الكلام إلا أياما يسيرة حتى مات أسفا عليها وكمدا فدفن إلى جانبها
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد بن السراج وأنبأنا ابن الحصين قالا أنبأنا أبو محمد الحسن بن عيسى بن المقتدر بالله قال أنبأنا أبو العباس أحمد بن منصور اليشكري قال أنبأنا أبو القاسم الصائغ بإسناد له عن ابن الأشدق قال كنت أطوف بالبيت فرأيت شابا تحت الميزاب قد أدخل رأسه في كسائه يئن كالمحموم فسلمت فرد ثم قال من أين قلت من البصرة قال وراجع إليها قلت نعم قال إذا دخلت النباج فأخرج إلى الحي ثم ناد يا هلال تخرج إليك جارية تنشدها هذا البيت
وقد كنت أهوى أن تكون منيتي ... بعينيك حتى تنظري ميت الحب ومات مكانه
فلما دخلت النباج أتيت الحي فناديت يا هلال يا هلال فخرجت إلي جارية لم أر أحسن منها قالت ما وراءك قلت شاب بمكة أنشدني هذا البيت قالت وما صنع قلت مات فخرت مكانها ميتة (1/533)
أنبأنا محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو القاسم التنوخي وأبو محمد الجوهري كلاهما عن أبي عبد الله المرزباني قال أنبأنا ابن دريد قال أنبأنا العباس بن الفرج الرياشي عن محمد بن سلام قال حدثني بعض أهل الكوفة قال حججت فرأيت امرأة قبيل فيد وهي تقول
فإن تضربوا ظهري وبطني كليهما ... فليس لقلب بين جنبي ضارب
فسألت عنها فقيل عاشق
ثم عدت من العام المقبل فإذا بها قد حال لونها مع حسنة وهي تقول
فإن يك عيسى قد أطاع بي العدا ... فلا وأبيه ما أطعت الأعاديا
يقولون لي مولى فلا تقربنه ... وعيش أبي إني أحب المواليا
ثم رجعت من العام الثالث فإذا هي مقيدة فاقدةعقلها وهي تقول
أيا طلحة الرعيان ظلك بارد ... وماؤك عذب يستسيغ لشارب
ثم سألت عنها بعد ذلك فأخبرت أنها ماتت
أخبرتنا شهدة بنت أحمد الإبري قالت أنبأنا أبو محمد جعفر بن أحمد القارئ قال أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد الأردستاني بقراءتي عليه بمكة باب الندوة قال أنبأنا أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب قال حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد بنسف قال حدثنا أبو يعلى محمد بن مالك الرقى قال حدثنا عبد الله بن عبد العزيز السامري قال مررت بدير هزقل أنا وصديق لي فقال هل لك أن تدخل فترى من فيه من ملاح المجانين قلت ذاك إليك فدخلنا فإذا بشاب حسن الوجه مرجل الشعر مكحول العين أزج الحواجب كأن شعر أجفانه مقاديم النسور وعليه طلاوة تعلوه حلاوة مشدود بسلسلة إلى جدار
فلما بصر بنا قال مرحبا بالوفد قرب الله ما نأي منكم بأبي أنتم
قلنا (1/534)
وأنت فأمتع الله الخاصة والعامة بقربك وآنس جماعة ذوي المروءة بشخصك وجعلنا وسائر من يحبك فداك
فقال أحسن الله عن جميل القول جزاء كما وتولى عني مكافأتكما
قلنا وما تصنع في هذا المكان الذي أنت لغيره أهل
فقال
الله يعلم أنني كمد ... لا أستطيع أبث ما أجد
روحان لي روح تضمنها ... بلد وأخرى حازها بلد
أما المقيمة ليس ينفعها ... صبر وليس بقربها جلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكانها تجد الذي أجد
ثم التفت إلينا فقال أحسنت قلنا نعم وولينا فقال بأبي أنتم ما أسرع مللكم بالله أعيروني أفهامكم وأذهانكم قلنا هات فقال لما أناخوا قبيل الصبح عيرهم ... ورحلوها فسارت بالهوى الإبل
وقلبت من خلال السجف ناظرها ... ترنو إلي ودمع العين منهمل
فودعت ببنان عقده عنم ... ناديت لا حملت رجلاك يا جمل
ويلي من البين ماذا حل بي وبها ... يا نازح الدار حل البين فارتحلوا
يا راحل العيس عرج كي أودعها ... يا راحل العيس في ترحالك الأجل
إني على العهد لم أنقض مودتكم ... فليت شعري وطال العهد ما فعلوا
فقلنا ولم نعلم بحقيقة ما وصف مجونا ماتوا فقال أقسمت عليكم ماتوا فقلنا انظر ما تصنع نعم ماتوا قال إني والله ميت في إثرهم ثم جذب نفسه في السلسلة جذبة دلع منها لسانه وندرت لها عيناه وانبعثت شفتاه بالدماء فتلبط ساعة ثم مات (1/535)
فلا أنسى ندامتنا على ما صنعنا
وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر
فأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو علي الحسن ابن محمد بن عيسى قال أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن القاسم بن مرزوق قال أنبأنا إبراهيم بن علي البغدادي قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثني المبرد قال خرجت أنا وجماعة من أصحابي مع المأمون فلما قربنا من نحو الرقة إذا نحن بدير كبير فأقبل إلي بعض أصحابي فقال مل بنا إلى هذا الدير لننظر من فيه ونحمد الله سبحانه على ما رزقنا من السلامة فلما دخلنا إلى الدير رأينا مجانين مغلغلين وهم في نهاية القذارة فإذا منهم شاب عليه ثياب ناعمة فلما بصر بنا قال من أين أتيتم يا فتيان حياكم الله فقلنا نحن من العراق فقال بأبي العراق وأهلها بالله أنشدوني أو أنشدكم فقال المبرد والله إن الشعر من هذا لظريف فقلنا أنشدنا فأنشأ يقول
الله يعلم أنني كمد ... لا أستطيع أبث ما أجد
روحان لي روح تضمنها ... بلد وأخرى حازها بلد
وأرى المقيمة ليس ينفعها ... صبر ولا يقوى بها جلد
وأظن غائبتي كشاهدتي ... بمكانها تجد الذي أجد
قال المبرد إن هذا لظريف والله زدنا فأنشا يقول
لما أناخوا قبيل الصبح عيرهم ... ورحلوها فثارت بالهوى الإبل
وأمررت من خلال السجف ناظرها ... ترنو إلي ودمع العين منهمل (1/536)
وودعت ببنان عقدها عنم ... ناديت لا حملت رجلاك يا جمل
ويلي من البين ماذا حل بي وبها ... من نازل البين حان البين وارتحلوا
يا راحل العيس عرج حتى نودعها ... يا راحل العيس في ترحالك الأجل
إني على العهد لم أنقض مودتهم ... فليت شعري لطول العهد ما فعلوا
فقال رجل من البغضاء الذين كانوا معي ماتوا قال إذن فأموت فقال له إن شئت فتمطى واستند إلى السارية التي كان مشدودا فيها فما برحنا حتى دفناه
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا القاضي أبو الحسين أحمد بن علي التوزي قال أنبأنا عبيد الله بن أحمد الجرادي قال أنبأنا جعفر
وأنبأنا الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال أنبأنا أبو الحسن أحمد بن محمد ابن المكتفي بالله قالا حدثنا ابن دريد قال أنبأنا عبد الرحمن عن عمه عن يونس قال انصرفت من الحج فممرت بماويه وكان لي فيها صديق من بني عامر بن صعصعة فصرت إليه مسلما فأنزلني فبينا أنا عنده ونحن قاعدان بفنائه إذا نساء مستبشرات وهن يقلن تكلم تكلم فقلت ما هذا فقالوا فتى منا كان يعشق ابنة عم له فتزوجت وحملت إلى ناحية الحجاز فإنه لعلى فراشه مذ حول ما تكلم (1/537)
فقلت أحب أن أراه فقام وقمت معه فمشينا غير بعيد وإذا فتى مضطجع بفناء بيت من تلك البيوت لم يبق منه إلا خيال فأكب الشيخ عليه فسأله وأمه واقفة فقالت يا مالك هذا عمك أبو فلان يعودك ففتح عينه وأنشأ يقول
ليبكني اليوم أهل الود والشفق ... لم يبق من مهجتي شيء سوى رمقي
اليوم آخر عهدي بالحياة فقد ... أطلقت من ربقة الأحزان والقلق
ثم تنفس الصعداء فإذا هو ميت فقام الشيخ وقمت فانصرفت إلى خبائه وإذا امرأة بضة تبكي وتفجع فقال الشيخ ما يبكيك فأنشأت تقول
ألا أبكي لصب شف مهجته ... طول السقام وأضني جسمه الكمد
يا ليت من خلف القلب المهيم به ... عندي فأشكو إليه بعض ما أجد
أنشر تربك أسرى لي النسيم به ... أم أنت حيث يناط السحر والكبد
ثم أنكبت على كبدها وشهقت فإذا هي ميتة
قال يونس فقمت من عند الشيخ وأنا وقيذ
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال ذكر أبو الحسين المدائني عن محمد بن صالح الثقفي أن بعض الأعراب عشق جارية من حيه فكان يتحدث إليها فلما علم أهلها بمكانه ومجلسه منها تحملوا بها فتبعهم ينظر إليهم ففطن به فلما علم أنه قد فطن به انصرف وهو يقول
بان الخليط فأوجعوا قلبي ... حسبي بما قد أورثوا حسبي
إن تكتبوا نكتب وإن لا تكتبوا ... تأتيكم بمكانكم كتبي (1/538)
جد الرحيل وكان فرقة بيننا ... لا شك أني منقض نحبي
قال ثم وقف على جبل ينظر إليهم ماضين فلما غابوا من عينه خر ميتا
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن احمد قال حدث أبو علي بن شاذان قال حدثني أحمد قال حدثنا أحمد بن سليمان الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني هارون أبو موسى قال حدثني موسى بن جعفر وعبد الملك ابن الماجشون أن يزيد بن عبد الملك لما دفن حبابة رجع فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه
وفي رواية أخرى أن يزيد بن عبد الملك قال إن قوما زعموا أنه لا يصفو لأحد عيشه يوما إلى الليل لا يكدره شيء سأجرب ذلك
ثم قال لمن معه إذا كان غدا فلا تخبروني بشيء ولا يأتيني كتاب
وخلا هو وحبابة فأتيا بما يأكلان فأكلت رمانة فشرقت بحبة منها فماتت فأقام لا يدفنها حتى تغيرت وأنتنت وهو يشمها ويلثمها فعاتبوه على ذلك فأذن في غسلها وخرج معها فلما دفنت قال صاحبت والله كما قال كثير
فإن تسل عنك النفس او تدع الصبا ...
فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد ...
فما أقام إلا خمس عشرة ليلة حتى دفن إلى جانبها
وفي رواية بقي أربعين يوما وخرج يوما فقال انبشوها حتى أنظر إليها فقيل له تصير حديثا فسكت
وحكى الأصبهاني عن المدائني أنه أمر بنبشها بعد ثلاث فنبشت وكشف له عن وجهها وقد تغيرت تغيرا قبيحا فقيل له ألا تراها كيف صارت (1/539)
فقال ما رأيتها قط أحسن منها اليوم أخرجوها
فما زالوا به حتى سكت
ثم مات عقيب ذلك
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو الحسين بن التوزي قال أنبأنا أحمد بن محمد الرصافي قال حدثنا أحمد بن كامل قال حدثنا موسى بن حماد قال حدثني أبو عبد الله العدوي قال حدثني الحسين قال سمعت أبي يقول سمعت مصعبا يقول قرأت على لوحين مكتوبا عليهما على قبرين
أمغطي مني على بصري في الحب أم أنت أكمل الناس حسنا
وحديث ألذه هو مما ... ينعت الناعتون يوزن وزنا
ورأيت امرأة عند القبرين تقول بأبي لم تمتعك الدنيا من لذاتها استودعتك من وهبك لي ثم سلبك أسر ما كنت بك فقلت لها من هذا قالت ابني وهذه ابنة عمه كان مسمى بها فليلة زفت إليه أخذها وجع أتى على نفسها فقضت فانصدع قلب ابني فلحقت روحه روحها فدفنتهما في ساعة واحدة
قلت فمن كتب هذين البيتيتن قالت أنا كان كثيرا ما يتمثل بهما قلت ممن أنت قالت فزارية قلت ومن قائلهما قالت مالك بن أسماء بن خارجة ابن حصن يقولهما في امرأته حبيبة بنت أبي جندب الأنصاري
ثم قالت وهو الذي يقول
يا منزل الغيث بعدما قنطوا ... ويا ولي الإنعام والمنن (1/540)
يكون ما شئت أن يكون وما ... قدرت أن لا يكون لم يكن
لو شئت إذ كان حبها عرضا ... لم ترني وجهها ولم ترني
يا جارة الحي كنت لي سكنا ... إذ ليس بعض الجيران بالسكن
أذكر من جارتي محاسنها ... طرائقا من حديثها الحسن
ومن حديث يزيدني مقة ... ما لحديث الموموق من ثمن
قال فكتبتها ثم قامت مولية
بلغني عن الهيثم بن عدي أنه حدث عن رجل من بني نهد قال كان رجل منا يقال له مرة زوج ابنة عم له جميلة يقال لها ليلى وكان مستهاما بها فضرب عليه البعث إلى خراسان فكره فراقها واشتد عليه ولم يجد من ذلك بدا فخلفها عند رجل من قومه براذان فغزا ثم تعجل فلما صار براذان جلس قريبا من القصر وكره أن يدخل نهارا فخرجت من القصر جارية فقال لها ما فعلت المرأة التي خلفتها عندكم قالت أما ترى ذلك القبر الجديد فإنه قبرها فلم يصدق حتى خرجت أخرى فسألها فقالت مثل ذلك فأتى القبر فجعل يبكي ويتمرغ عليه ويقول
فيا قبر ليلى لو شهدناك أعولت ... عليك نساء من فصيح ومن عجم
ويا قبر ليلى ما تضمنت مثلها ... شبيها لليلى في عفاف وفي كرم
ويا قبر ليلى أكرمن محلها ... تكن لك ما عشنا علينا بها نعم
ويا قبر ليلى إن ليلى غريبة ... براذان لم يشهدك خال ولا ابن عم (1/541)
ولم يزل يبكي حتى مات فدفن إلى جانبها
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي قال أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن قال أنبأنا أبو عمر بن حيويه قال أنبأنا محمد بن خلف قال أخبرني محمد بن موسى عن سعيد بن عبد الله بن ميسرة قال حدثني شيخ من أهل الشام قال صحبني فتى في بعض أسفاري فكنت كثيرا أسمعه ينشد هذه الأبيات
ألا إنما التقوى ركائب أدلجت ... وأدركت الساري بليل فلم ينم
وفي صحبة التقوى غناء وثروة ... وفي صحبة الأهواء ذل مع الندم
فلا تصحب الأهواء واهجر محبها وكن للتقى إلفا وكن في التقى علم
فقلت له يوما ما هذه الأبيات التي اسمعك كثيرا تنشدها فضحك وقال كيف سألتني عنها فقلت لأني أراك كثيرا ما تنشدها فأردت أن أعلم من قولك هي قال لا ولكنها من قول أخ لي وله حديث عجيب فقلت له حدثني فقال نعم
كان لي أخ وكنت أحبه الحب الذي لا شيء بعده فمكثنا بذلك حينا فلزم الحديث والفقه والأدب وما رأيت فتى مع التقوى أمزح منه
قال ثم تغير عن بعض ما كنت أعهد منه من المزاح والسرور وحسن الحديث فلما رأيت ذلك منه غمني وأنكرته فخلوت به يوما فقلت يا أخي ما قصتك وما حالك وما الذي نزل بك أخبرني فإن كان من أمر الآخرة سررت به وإن كان من أمر الدنيا أعنتك عليه (1/542)
قال والله يا أخي ما هو من امر الآخرة ولكنه من أمر الدنيا ولست أبديه حتى يبلغ الأمر آخره ويخرج من يدي ولا أستطيع رده قال ولهج بهذه الأبيات
ألا إنما التقوى ركائب أدلجت ...
قال فعظم على ما نزل به وشغل قلبي وأخذه شبيه بالسهو ويقول في بعض الساعات رب لا تسلبني ديني ولا تفتني بعد إذ هديتني
فقلت في نفسي ما أراه إلا وقد غلبت عليه وسوسة من الشيطان فهو يخاف ومكث بذلك حينا ما يزداد إلا ضني وجعل أهله يسألونني فأقول والله ما علمي به إلا كعلمكم ولقد سألته عن حاله فما يخبرني بشيء
واشتد عليه الأمر فسقط على الفراش وكان الناس يعودونه ودخل الأطباء عليه فبعضهم يقول سل وبعضهم يقول غم واختلفت في أمره علينا الأقاويل وكان لا يتكلم بشيء أكثر من قوله
ألا إنما التقوى ركائب أدلجت ... فأدركت الساري بليل فلم ينم
قال ولم يزل به الأمر حتى غلب على عقله وضاق به مكانه فأدخلناه بيتا فكان يصرخ الليل كله فإذا مل من الصراخ أن كما يئن المدنف من علته فأشاروا علينا بتخليته وقالوا إنكم إن خليتموه تفرح واستراح فخليناه فكان إذا أصبح خرج فقعد على باب داره فكل من مر به سأله أين تريد فيقول أريد موضع كذا وكذا فيقول اذهب محفوظا لو كان طريقك على بغيتنا أو دعناك كلاما
قال فمر به بعض إخوانه فقال أين تريد قال أريد حيث تحب فهل لك من حاجة قال نعم قال ما هي فقال (1/543)
تقرا السلام على الحبيب تحية ... وتبثه بمطاول الأسقام
وتقل له إن التقى زم الهوى ... لما سما مستعجلا بزمام
فقال أفعل إن شاء الله قال فمضى فما كان بأسرع من أن رجع فقال قد بلغت القوم رسالتك قال فما قالوا قال قالوا
لئن كان تقوى الله زمك أن تنل ... أمورا نهى عنها فهن حرام
فزرنا لنقضي من حديث لبانة ... ونشفى نفوسا آذنت بسقام
قال فوثب قائما ثم أنشأ يقول
لا قل من هذا وفيه لذي الهوى ... شفاء وقد يسلوا الفتى جد وامق
إذا اليأس حل القلب لم ينفع البكا ... وهل ينفع المعشوق دمعه عاشق
قال ومضى فقمت خلفه فقلت لأهله لا يتبعني أحد منكم وتبعته حتى أتى منزل رجل من أهل الفضل والرأي والدين وكانت له ابنة من أجمل النساء فوقف على الباب فقال
فهأنذا قد جئت أشكو صبابتي ... وأخبركم عما لقيت من الحب
وأظهر تسليما عليكم لتعلموا ... بأني وصول ثم ذا منكم حسبي
قال فلما فهمت القصة وخشيت أن يلحقني أحد أو يراه بعض من يعرفه أو يفهم قصته خرجت عليه فقلت ما جلوسك على باب القوم ولم يأذنوا لك قال بلى فقلت كيف وهم يقولون
بالله ربك لا تمر ببابنا ... إنا نخاف مقالة الحساد (1/544)
ودع التعتب والتذكر إنه ... ينقله عنك أجلة العواد
قال يا صالح وقد قالوا هذا قلت نعم فجعل يهذي ويقول
إن كان قد كرهوا زيارة عاشق ... فلرب معشوق يزور العاشقا
فلما رجعت سألوني عن قصته فقلت ما أخطأ الجبان
ولم بيته فلم يزل زائل العقل حتى مات
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد القارىء قال أنبأنا المحسن بن حمزة بن عبيد الله الوراق قال حدثنا أبو علي الحسين بن علي الديبلي قال حدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا عبيد النعالي غلام أبي الهذيل قال انصرفت من جنازة وقت الهاجرة فتوخيت سكة ظليلة فاضطجعت على باب دار فسمعت ترنما يجذب القلب فطرقت الباب واستسقيت ماء فإذا فتى ابتهرت بجماله إلا أن آثار العلة والسقم عليه بينة فأدخلني إلى خيش نظيف وفرش سرى وجاءت وصيفة معها طست ومنديل فغسلت رجلي وجاءت أخرى بطست فغسلت يدي للطعام وأقبل الفتى ضاحكا ليؤنسني وأنا أعرف العبرة في عينيه وأقبل يأكل كأنه يغص بما يأكله وهو في ذلك ينشطني فلما انقضى أكلنا أتينا بشراب فشرب قدحا وشربت آخر ثم زفر زفرة ظننت أن أعضاءه قد انتقضت وقال لي يا أخي إن لي نديما فقم بنا إليه
فقمت وتقدمني فدخل مجلسا فإذا قبر عليه ثوب أخضر وفي البيت رمل مصبوب فقعد على الرمل وطرح لي مصلى فقلت والله لا قعدت إلا كما تقعد وأقبل يردد العبرات ثم شرب كأسا وشربت وأنشأ يقول
أطأ التراب وأنت رهن حفيرة ... هالت يداي على صداك ترابها
إني لأغدر من مشى إن لم أطأ ... بجفون عيني ما حييت جنابها (1/545)
لو أن جمر جوانحي متلبس ... بالنار أطفأحرها وأذابها
ثم أكب على القبر مغشيا عليه فجاءه غلام بماء فصبه على وجهه فأفاق فشرب وأنشأ يقول
اليوم ثاب لي السرور لأنني ... أيقنت أن عاجلا بك لاحق
فغدا أقاسمك البلى ويسوقني ... طوعا إليك من المنية سائق
ثم قال لي قد وجب حقي عليك فاحضر غدا جنازتي قلت يطيل الله عمرك
قال إني ميت لا محالة فدعوت له بالبقاء فقال لقد عققتني ألا قلت
جاور خليلك مسعدا في رمسه ... كيما ينالك في البلى ما ناله
فانصرفت وطالت على ليلتي وغدوت فإذا هو قد مات
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي قال أنبأنا يوسف بن يعقوب بن حرزاد قال أنبأنا جعفر ابن شاذان القمى قال كان عمرو بن يوحنا النصراني يسكن في دار الروم ببغداد من الجانب الشرقي وكان من أحسن الناس صورة وأجملهم وكان مدرك بن علي الشيباني يهواه ثم خرج إلى الوسواس وسل جسمه وذهل عقله فلزم الفراش فحضره جماعة فقال لهم ألست صديقكم القديم العشرة لكم أما فيكم أحد يسعدني بالنظر إلى وجه عمرو
فمضوا بأجمعهم إليه وقالوا له إن كان قتل هذا الفتى دينا إن إحياءه لمروءة
قال وما فعل قالوا قد صار إلى حال ما أظنك تلحقه
فلبس ثيابه ونهض معهم فلما دخلوا عليه سلم عليه عمرو وأخذ بيده وقال كيف تجدك يا سيدي فنظر إليه فأغمى عليه ساعة ثم أفاق وفتح عينيه وهو يقول (1/546)
أنا في عافية إلا ... من الشوق إليكا
أيها العائد ما بي ... منك لا يخفى عليكا
لا تعد جسما وعد قلبا رهينا في يديكا
كيف لا يهلك مرشو ... اق بسهمي مقلتيكا
ثم شهق شهقة فارق فيها الدنيا فما برحنا حتى دفنوه
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال وجدت بخط أبي عمرو بن حيويه يقول حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال أخبرني أبو جعفر أحمد ابن الحارث قال أنبأنا أبو الحسن المدائني عن بعض رجاله قال حج ابن أبي العنبس الثقفي فجاور ومعه ابن ابنه وإلى جانبه قوم من آل أبي الحكم مجاورون
وكان الفتى يجلس مجلسا يشرف منه على جارية منهم فعشقها فأرسل إليها فأجابته فكان يأتيها فيتحدث إليها فلما أراد جده الرحيل جعل الفتى يتأبى فقال له جده ما يبكيك يا بني لعلك ذكرت مصر وكانوا من أهل مصر فقال نعم وأنشأ يقول
يسائلني غداة البين جدي ... وقد بلت دموع العين نحري
أمن جزع بكيت ذكرت مصرا ... فقلت نعم ومابي ذكر مصر
ولكن للتي خلفت خلفي ... بكت عيني وقل اليوم صبري
فمن ذا إن هلكت وحان يومي ... يخبر والدي دائي وخبري
فيحفظ أهل مكة في هواي ... وإن كانوا إلى قتلي وضري (1/547)
قال فارتحلوا فلما خرجوا عن أبيات مكة أنشأ يقول
رحلوا وكلهم يحن صبابة ... شوقا إلى مصر وداري بالحرم
ليت الركاب غداة حان فراقنا ... كانت لحوما قسمت فوق الوضم
راحوا سراعا يعملون مطيهم ... قدما وبت من الصبابة لم أنم
طوبي لهم يسعون قصد سبيلهم والقلب مرتهن ببيت أبي الحكم
ثم إن الفتى اعتل واشتدت علته فلما وردوا أطراف الشام مات الفتى فدفنه جده ووجد عليه وجدا شديدا وقال يرثيه
يا صاحب القبر الغريب ... بالشام من طرف الكثيب
لما سمعت أنينه ... ونداءه عند المغيب
أقبلت أطلب طبه ... والموت يعضل بالطبيب
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال وذكر أبو عمرو بن حيويه ونقلته من خطه قال أنبأنا أبو بكر محمد بن خلف قال أخبرني أبو بكر العامري قال أخبرني رياح بن قطيب الأسدي عن قريبة ابنة أباق الدبيرية قالت كان عبد المخبل وهو كعب بن مالك يهوى ابنة عم له يقال لها أم عمرو وكانت أحب الناس إليه فخلا بها ذات يوم فنظر إليها وهي واضعة ثيابها فقال لها يا أم عمرو هل ترين أن أحدا من النساء أحسن منك قالت نعم أختي ميلاء أحسن مني قال فكيف لي بأن ترينيها قالت إن علمت بك لم تخرج إليك ولكن أخبأك في الستر وأبعث إليها ففعلت فجاءت ميلاء فلما نظر إليها عشقها فلما تروحت من عند أختها عارضها من مكان لا تحتسبه فشكا إليها حبها وأعلمها أنه قد رآها فقالت والله يا بن عم (1/548)
ما وجدت بي من شيء إلا قد وجدت بك مثله وظنت أم عمرو أنه قد عشق أختها فتبعتهما حتى رأتهما قاعدين جميعا فمضت قصد إخوتها وكانوا سبعة فقالت إما أن تزوجوا كعبا من ميلاء وإما أن تغيبوها عني فلما بلغه أن ذلك قد بلغ إخوتها هرب فرمى بنفسه نحو الشام وقال
أفي كل يوم أنت من بارح الهوى ... إلى الشم من أعلام ميلاء تنظر
فروى هذا البيت رجل من أهل الشام ثم خرج يريد مكة فمر على أم عمرو وأختها ميلاء وقد ضل الطريق فسلم عليهما وسألهما عن الطريق فقالت أم عمرو يا ميلاء صفي له الطريق فتمثل الرجل بالبيت فعرفت الشعر فقالت يا عبد الله من أين أنت قال من الشام
قالت فمن أين رويت هذا الشعر قال رويته عن أعرابي بالشام قالت أو تدري ما اسمه قال كعب قالت فأقسمت عليك أن لا تبرح حتى يراك إخوتنا فيكرموك ويدلوك على الطريق
فنزل الرجل فجاء إخوتهما فأخبراهم الخبر وكانوا مهتمين بكعب لأنه كان ابن عمهم فخرجوا يطلبون كعبا بالشام فوجدوه فأقبلوا به حتى إذا صار إلى بلدهم نزل في بيت ناحية من الحي فرأى ناسا قد اجتمعوا عند البيوت فقال كعب لغلام قائم وكان قد ترك بنيا له صغيرا يا غلام من أبوك قال كعب قال فعلام يجتمع هؤلاء قال على خالتي ميلاء ماتت الساعة
فزفر زفرة خر منها ميتا فدفن إلى جانب قبرها
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال أنبأنا الأمير أبو الحسن أحمد بن محمد بن المكتفي بالله قال حدثنا ابن دريد قال أخبرني الرياشي عن الأصمعي عن جبر بن حبيب قال أقبلت من مكة أريد اليمامة فنزلت (1/549)
بحي من عامر فأكرموا مثواي فإذا فتى حسن الهيئة قد جاءني فسلم علي فقال أين تريد أيها الراكب قلت اليمامة
قال أتأذن في صحبتك إلى اليمامة قلت أحب مصحوب
فقام فما لبث أن جاء بناقة كأنها قلعة بيضاء وعليها أداة حسنة فأناخها قريبا من مبيتي وتوسد ذراعها فلما هممت بالرحيل أيقظته فكأنه لم يكن نائما فقام فأصلح رحله فركب وركبت فقصر علي يومي بصحبته وهو لا ينشدني إلا بيتا معجبا في الهوى فلما قربنا من اليمامة مال عن الطريق إلى أبيات قريبة منا ثم قال هل أنت موف حق الصحبة قلت أفعل قال مل معي فملت معه فلما رآه أهل الصرم ابتدروه وأظهروا السرور ثم قال قوموا إن شئتم فصرنا إلى قبر حديث التطيين فألقى نفسه عليه وأنشأ يقول
لئن منعوني في حياتي زيارة ... أحامي بها نفسا ترشفها الحب
فلن يمنعوني أن أجاور لحدها ... فيجمع جسمينا التجاور والترب
ثم أن أنات فمات
فأقمت مع الفتيان حتى دفناه فسألت عنه فقالوا ابن سيد هذا الغائط وهذه ابنة عمه وكان بها مغرما فماتت منذ ثلاث
فركبت والله وكأني قد ثكلت حميما
قال ابن دريد وحدثنا السكن بن سعيد عن العباس بن هشام عن أبيه عن جده قال حدثني مصدع بن غلاب الحميري وكان مخضرما قال وأدركته وهو ابن ثمان عشرة ومائة سنة وما في وفرته ولحيته بيضاء (1/550)
قال حدثني أبي غلاب قال كان بذمار فتى من حمير يقال له زرعة بن رقيم وكان جميلا شاعرا لا تراه إمرأة إلا صبت إليه وكان في ظهر ذمار شيخ كثير المال له بنت تسمى مفداة بارعة الجمال حصيفة اللب وكان زرعة يتحدث إليها وإنه خامره من حبها ما غلب على عقله واحتجبت المفداة عنه فامتنع من الحركة والطعام فغبر بذلك حولا ثم مات عظيم من عظماء القبائل فبلغ زرعة أن المفداة في مأتم من ذلك المأتم فاحتمل حتى علا نشزا ثم شهق فمات
فبلغ المفداة خبره فجاءت حتى وقفت عليه فهمت أن تلقي نفسها عليه ثم تماسكت وبادرت خباءها فسقطت تائهة العقل تكلم فلا تجيب فلما جن عليها الليل رفعت عقيرتها فقالت
بنفسي يا زرع بن أرقم لوعة ... طويت عليها القلب والسر كاتم
لئن لم أمت حزنا عليه فإنني ... لألأم من نيطت عليه التمائم
لئن فتني حيا فليس بفائتي ... جوارك ميتا حيث تبلى الرمائم
ثم تنفست نفسا أنبه من حولها فإذا هي ميتة فدفنت إلى جنبه
فقالت إمرأة من حمير
وفيت لابن مالك بن أرطاه ... كما وفت لزرعة المفداه
والله لاخست به أو ألقاه ... حيث يلاقي وامق من يهواه
أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز قال أنبأنا علي بن المحسن التنوخي قال أنبأنا أبو عمر بن حيويه قال أنبأنا محمد بن خلف قال وجدت في كتاب (1/551)
بعض إخواني من أهل العلم حدثنا زكريا بن إسحاق قال سمعت مالك بن سعيد يقول حدثني مشيخة من خزاعة أنه كان عندهم بالطائف جارية عفيفة صالحة وكانت لها أم من خيار النساء لها فضل ودين وكانت لهم بضاعة مع رجل من أهل الطائف وكان يتجر لهم بها ويعطيهم فضلها قال فبعث الرجل إليهم ذات يوم ابنه في حاجة وكان غلاما جميلا فدخل والجارية جالسة لم تعلم بدخوله فنظر إليها وكانت ذات جمال فوقعت بقلبه فخرج من عندهم وما يدري أين يسلك وجعل الأمر يتزايد عليه حتى تغير عقله ونحل جسمه ولزم الوحدة والفكر وكتم حاله وجعل لا يقره قرار
فلما رأى أهله ذلك حبسوه في بيت وأوثقوه فكان ربما أفلت فيجتمع عليه الصبيان فيقولون له مت عشقا مت عشقا
قال وكان يقول إذا كثروا عليه
أأفشي إليكم بعض ما قد أصابني ... أم الصبر أهيا بالفتى عندما يلقي
سلام علي من لا أسمي بإسمها ... ولو صرت مثل الطير في غيضة ملقى
ألا أيها الصبيان لو ذقتم الهوى ... لأيقنتم أني أحدثكم حقا
أحبكم من حبها وأراكم ... تقولون لي مت يا شجاع بها عشقا
فلم تنصفوني لا ولا هي أنصفت ... فرفقا قليلا بالفتى ويحكم رفقا
قال فلما صح ذلك عند أهله وعلموا أنه عاشق جعلوا يسألونه عن أمره فلا يخبرهم بقصته ولا يجيبهم فلما رأوا ذلك منه حبسوه في بيت وقيدوه فكان إذا جنه الليل هتف بصوت له حزين يقول
ياليل أنت رفيقي ... من بين أهلي ومالي
يا ليل أنت أنيسي ... من وحشتي واحتيالي (1/552)
ياليل إن شكاتي ... إليك طول اشتغالي
بمن برت جسم صب ... فصار مثل الخلال
فالجسم مني نحيل ... لم يبق إلا خيالي
والشوق قد شف جسمي ... وليس يخلق بالي
فلو رآني عدوي لرق لي ورثى لي
قال فلم يزل تلك حاله حتى مات
وقد رويت لنا هذه الحكاية أتم من هذا
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا أبو طاهر محمد بن علي بن العلاف قال حدثنا عمر بن أحمد بن شاهين قال حدثنا جعفر بن محمد الصوفي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا زكريا بن إسحاق قال سمعت مالك بن سعيد يقول حدثني مشيخة من خزاعة أنه كان عندهم بالطائف جارية متعبدة ذات يسار وورع وكان لها أم أشد عبادة منها وكانت مشهورة بالعبادة وكانتا قليلتي المخالطة للناس وكانت لهما بضاعة مع رجل من أهل الطائف فكان يبضعها فهما لهما رزقهما الله من شيء أتاهن به
قال فبعث يوما ابنه وكان فتى جميلا مسرفا على نفسه إليهن ببعض حوائجهن فقرع الباب فقالت أمها من هذا قال أنا ابن فلان قالت أدخل فدخل وابنتها في بيت لا تعلم بدخول الفتى فلما قعد معها خرجت ابنتها وهي تظن أنها بعض نسائهن حتى جلست بين يديه فلما نظرت إليه قامت مبادرة ونظر إليها فإذا هي من أجمل العرب
قال ووقع حبها في قلبه فخرج لا يدري أين يسلك فجعل ينحل ويذوب ولزم الوحدة والفكر حتى سقط مغشيا عليه على فراشه (1/553)
فدعا له أبوه الأطباء فجعل يصف كل دواء فلما طالت علته دعا أبوه فتيانا من الحي وإخوانه الذين كانوا له أنسا فقال اخلوا به وسلوه عن علته لعله يخبركم ببعض مايجده فأتوه فسألوه فقال والله ما بي علة أعرفها فأبينها لكم وأخبركم بما أجد منها فأقلوا الكلام
وكان الفتى ذا عقل فلما طال به الوجد دعا امرأة من أهله وقال إني ملق إليك حديثا ما ألقيته إلا عند اليأس من نفسي فإن ضمنت لي كتمانه أخبرتك وإلا صبرت حتى يحكم الله في أمري وبعد فوالله ما أخبرت به أحدا قبلك ولئن كتمت علي لا أخبر به أحدا بعدك وإن هذا البلاء الذي أرى لا شك قاتلي وإنه يجب علي في محبتي لمن أحب ان أكون له صائنا وعليه مشفقا من تزيد الناس وإكثارهم فالله الله في أمري واجعليه محرزا في صدرك
فقالت له المرأة قل يا بني فوالله لأكتمن أمرك ما بقيت
فقال إن من قصتي كذا وكذا قالت يا بني أفلا أخبرتنا فوالله ما رأيت كلمة تسكن القلب فلا تفارقه من كلمة عاشق أخبر من يحبه أن له وامق فتلك الكلمة تزرع في قلوب ذوي الألباب شجرا لا تدرك أصوله
فقال ومن لي بها وكيف السبيل إليها وقد بلغك حالها وشدة عبادتها
قالت يا بني علي أن آتيك بما تسر به
فلبست ثوبها وأتت منزل الجارية فدخلت فسلمت على أمها وحادثتها ساعة فسألتها أمها عن حاله وعن وجده فقالت والله لقد رأيت الأوجاع والآلام فما رأيت وجعا قط كوجعه وإنه ليزيد ويتراقى وهو في ذلك صابر غير شاك
قالت ألا تدعون له الأطباء
قالت والله ما وقع أحد منهم على دائه (1/554)
ثم قامت فدخلت على الجارية فسلمت عليها وحادثتها ساعة وقد كان وقع إلى الجارية خبره فعلمت أن ذلك من أجلها فقالت لها المرأة يا بنية أبليت شبابك وأفنيت أيامك على هذه الحال
قالت يا عمتاه أية حال سوء تريني عليها قالت لا يا بنية ولكن مثلك يفرح في الدنيا ويلذ ببعض ما أحل الله غير تاركة لطاعة ربك ولا مفارقة لخدمته فيجمع الله لك بذلك الدارين جميعا
قالت يا عمتاه وهذه الدار دار بقاء تثق به الجوارح فتجعل لله شطرها وللدنيا شطرها أم دار فناء قالت لا يا بنية بل دار فناء ولكن الله تعالى قد جعل لعباده فيها ساعات صدقة منه على النفوس تنال فيها ما أحل فقالت صدقت ولكن لله عبادا قد سكنت نفوسهم ورضيت بالصبر على الطاعة لتنال جملة الكرامة وإن كلامك ليدلني على أن تحته علة وهو الذي حملك على مناظرتك لي على مثل هذا
وقد كنت والله أظن قبل اليوم فيك أنك تأمرين بالحرص على طاعة الله عز و جل والتقرب إليه بالأعمال الزكية فقد أصبحت متغيرة عما عهدتك عليه فأخبريني بما عندك
فقالت يا بنية إن من قصة فلان كذا وكذا
قالت قد ظننت ذلك فأبلغيه مني السلام وقولي أي أخاه إني والله قد وهبت نفسي لمليك يكافئ من أقرضه بالعطايا الجزيلة ويعين من انقطع إليه وخدمه وليس إلى الرجوع بعد الهبة سبيل
فتوسل إلى مولاك بمحابة وأضرع إليه في غفران ما قدمت يداك من عمل لم تهبه فيه فهو أول ما يجب عليك أن تسأله وأول ما يجب علي أن أعظك به فإذا خدمته قدر ما عصيته طاب لك الفراغ عن سؤال شهوات القلوب وخطرات الصدور فإنه لا يحسن بعبد كان لمولاه عاصيا أن ينسى ذنوبه والاعتذار منها ويسأل الحوائج (1/555)
فاستنقذ نفسك يا أخي من مهلكات الذنوب ولست مؤيستك من فضله إن رآك متبتلا إليه أن يمن بي عليك وليكن ما أخبرتك به نصب عينيك ولا ترادني في المسئلة فلا أجيبك والسلام
فقامت المرأة فأخبرته بمقالتها فبكى بكاء شديدا فقالت العجوز والله يا بني ما رأيت امرأة الله عز و جل في صدرها مثل هذه المراة فاعمل بما أمرتك به فقد والله بالغت في النصحية فلا تلق نفسك لمهلكات الأمور فتندم حيث لا تغني الندامة ولو علمت يا بني أن حيلة تنفذ لاحتلتها ولكني رأيتها قد جعلت الله عز و جل نصب عينيها ومن فعل ذلك لهي عن زينة الدنيا فجعل يبكي ويقول كيف لي بالبلوغ إلى ما دعت إليه ومتى تكون آخر المدة التي نلتقي فيها
واشتد وجعه فلما رأى القوم أنه لا يقره قرار حبسوه في بيت وتوهموا أن الذي به من عشق
فكان ربما أفلت فيخرج من منزله فتجتمع إليه الصبيان فيقولون مت عشقا مت عشقا فكان يقول
أأفشي إليكم بعض ما قد يهجيني ... أم الصبر أولى بالفتى عندما يلقي
سلام على من لا أسمى بإسمه ... ولو صرت مثل الطير في غيضه ملقي
ألا أيها الصبيان لو ذقتم الهوى ... لأيقنتم أني محدثكم حقا
أحبكم من حبها وأراكم ... تقولون لي مت يا شجاع بها عشقا
فلم تنصفوني لا ولا هي أنصفت ... فرفقا رويدا ويحكم بالفتى رفقا
فلما صح ذلك عند أهله وعلموا أنه عاشق جعلوا يسألونه عن أمره فكان لا يجيبهم وكتمت العجوز قصته فأخذوه فحبسوه في بيت فلم يزل فيه حتى مات رحمه الله (1/556)
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن سعيد قال حدثنا ابو صالح السمرقندي قال حدثنا الحسين بن القاسم بن اليسع قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد ابن عمرو الدنيوري قال حدثنا أبو محمد جعفر بن عبد الله الصوفي الخياط قال قال أبو حمزة رأيت مع محمد بن قطن الصوفي غلاما جميلا فكانا لا يفترقان في سفر ولا حضر فمكثا بذلك زمانا طويلا فمات الغلام وكمد عليه محمد بن قطن حتى عاد جلدا وعظما فرأيته يوما وقد خرج إلى المقابر فأتبعته فوقف على قبره قائما يبكي وينظر إليه والسماء تمطر فما زال واقفا من وقت الضحى إلى أن غربت الشمس لم يبرح ولم يجلس ويده على خده فانصرفت عنه وهو كذلك واقف فلما كان الغد خرجت لأعرف خبره وما كان من أمره فصرت إلى القبر فإذا هو مكبوب لوجهه ميت فدعوت من كان بالحضرة فأعانوني على حملهفغسلته وكفنته في ثيابه ودفنته إلى جانب القبر
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال أنبأنا أبو عبد الله محمد بن أبي نصر الحميدي قال حدثني أبو محمد علي بن أحمد الفقيه الحافظ قال حدثني أبو عبد الله محمد بن الحسن المذحجي الأديب قال كنت أختلف في النحو إلى عبد الله محمد بن خطاب النحوي في جماعة أيام الحداثة وكان معنا أسلم بن أحمد بن سعيد بن قاضي قضاة الأندلس قال محمد بن الحسن وكان من أجمل من رأته العيون وكان معنا عند محمد بن خطاب أحمد بن كليب وكان من أهل الأدب والشعر فاشتد كلفه بأسلم وفارق صبره وصرف فيه القول مستترا بذلك إلى أن فشت أشعاره فيه وجرت على الألسنة وتنوشدت في المحافل فلعهدي بعرس في بعض الشوارع والنكوري الزامر في وسط المحافل يزمر بقول أحمد بن كليب في أسلم
أسلمني في هوا ... أسلم هذا الرشا (1/557)
غزال له مقلة ... يصيب بها من يشا
وشي بيننا حاسد ... سيسأل عما وشا
ولو شاء أن يرتشي ... على الوصل روحي ارتشى
ومغن محسن يسايره فلما بلغ هذا المبلغ انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب ولزم بيته والجلوس على بابه وكان أحمد بن كليب لا شغل له إلا المرور على باب دار أسلم سائرا أو مقبلا نهاره كله فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهارا فإذا صلى المغرب واختلط الظلام خرج مستروحا وجلس على باب داره فعيل صبر أحمد بن كليب فتحيل في بعض الليالي ولبس جبة صوف من جباب أهل البادية واعتم بمثل عمائمهم وأخذ بإحدى يديه دجاحا وباليد الأخرى قفصا فيه بيض كأنه قدم من بعض الضياع وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه فتقدم إليه وقبل يده وقال يا مولاي من يقبض هذا فقال له أسلم من أنت قال أجيرك في الضيعة الفلانية وقد كان تعرف أسماء ضياعه والعاملين فيها فأمر أسلم غلمانه بقبض ذلك منه على عادتهم في قبول هدايا العاملين في ضياعهم ثم جعل يسأله عن أحوال الضيعة فلما جاوبه أنكر الكلام فتأمله فعرفه فقال له يا أخي إلى ها هنا تتبعني أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب وعن الخروج جملة وعن القعود على بابي نهارا حتى قطعت علي جميع مالي فيه راحة فقد صرت في سجنك والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي ولا جلست بعدها على بابي لا ليلا ولا نهارا
ثم قام وانصرف أحمد بن كليب حزينا كئيبا
قال محمد واتصل ذلك بنا فقلنا لأحمد بن كليب خسرت دجاجك وبيضك فقال هات كل ليلة قبلة يده وأخسر أضعاف ذلك (1/558)
قال فلما يئس من رؤيته البتة نهكته العلة وأضجعه المرضى
قال محمد بن الحسن فأخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال فعدته فوجدته بأسوأ حال فقلت له ولم لا تتداوى فقال دوائي مرعوف وأما الأطباء فلا حيلة لهم في البتة فقلت له وما دواؤك قال نظرة من أسلم فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك بذلك وأجره
قال فرحمته وتقطعت نفسي له حسرة فنهضت إلى أسلم فاستأذنت عليه فأذن لي وتلقاني بما يجب فقلت له لي حاجة فقال وما هي قلت قد علمت ما جمعك مع أحمد بن كليب من ذمام الطلب عندي فقال نعم ولكن قد تعلم انه برج بي وشهر اسمي وآذاني فقلت له كل ذلك يغتفر في مثل هذه الحال التي هو فيها والرجل يموت فتفضل بعيادته فقال لي والله ما أقدر على ذلك فلا تكلفني هذا فقلت لا بد من ذلك فليس عليك فيه شيء وإنما هي عيادة مريض
قال ولم أزل به حتى أجاب فقلت له فقم الآن فقال لست والله أفعل ولكن غدا فقلت له ولا خلف قال نعم
فانصرفت إلى أحمد بن كليب فأخبرته بوعده بعد تأبيه فسر بذلك وارتاحت نفسه فلما كان من الغد بكرت إلى أسلم وقلت له الوعد قال فوجم وقال والله لقد تحملني على خطة صعبة علي وما أدري كيف أطيق ذلك قال فقلت له لا بد أن تقي بوعدك لي قال فأخذ رداءه ونهض معي راجلا قال فلما أتينا منزل أحمد بن كليب وكان يسكن في درب طويل وتوسط الزقاق وقف واحمر وخجل وقال لي يا سيدي الساعة والله أموت وما أستطيع نقل قدمي ولا أستطيع أن أعرض هذا على نفسي فقلت لا تفعل بعد أن بلغت المنزل تنصرف قال لا سبيل إلى ذلك والله البتة (1/559)
قال ورجع هاربا فاتبعته وأخذت بردائه فتمادى وتمزق الرداء وبقيت قطعة منه في يدي لشدة إمساكي له ومضى ولم أدركه
فرجعت ودخلت على أحمد بن كليب قال وقد كان غلامه دخل عليه إذ رآنا من أول الزقاق مبشرا قال فلما رآني تغير وجهه وقال وأين أبو الحسن قال فأخبرته بالقصة فاستحال من وقته واختلط وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثر من الاسترجاع فاستبشعت الحال وجعلت أتوجع وقمت قال فثاب إليه ذهنه وقال لي يا أبا عبد الله قلت نعم قال اسمع مني واحفظ عني ثم أنشأ يقول
أسلم يا راحة العليل ... رفقا على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل
قال فقلت له اتق الله ما هذه العظيمة فقال قد كان
قال فخرجت عنه فوالله ما توسطت الزقاق حتى سمعت الصراخ عليه وقد فارق الدنيا
قال الحميدي قال لنا أبو محمد وهذه قصة مشهورة عندنا ومحمد بن الحسن ثقة ومحمد بن خطاب ثقة وأسلم هذا من بني خالد وكانت فيهم وزارة وحجابة وهو صاحب الديوان المشهور في غناء زرياب وأبوه الآن في الحياة يكنى أبا الجعد قال أبو محمد ولقد ذكرت هذه الحكاية لأبي عبد الله بن سعيد الخولاني الكاتب فعرفها وقال لي لقد أخبرني الثقة أنه رأى أسلم هذا في يوم شديد المطر لا يكاد أحد يمشي في طريق وهو جالس على قبر أحمد بن كليب المذكور زائرا له قد تحين غفلة الناس في مثل ذلك اليوم
قال الحميدي وأنشدني أبو محمد علي بن أحمد قال أنشدني محمد بن عبد الرحمن بن أحمد التجيبي لأحمد بن كليب وقد أهدى إلي أسلم كتاب الفصيح لثعلب
هذا كتاب الفصيح ... بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعا ... كما وهبتك روحي (1/560)
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو الحسن محمد بن عبد الواحد قال أنبأنا أبو بكر بن شاذان قال أنبأنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال أنبأنا أحمد بن يحيى أن الزبير أخبرهم عن محمد بن إبراهيم الليثي قال حدثني محمد بن معن الغفاري قال أقحمت السنة المدينة ناسا من الأعراب فحل المذاد صرم من بني كلاب وكانوا يسمون عامهم ذلك الجراف فغدوت عليهم فإذا غلام منهم قد عاد جلدا وعظما ضيقة وضمانة ومرضا وإذا هو رافع عقيرته بأبيات قالها
ألا يا سنا برق على قلل الحمى ... لهنك من برق على كريم
فبت بحد المرفقين أشيمه ... كأني لبرق بالستار حميم
فهل من معيري طرف عين خلية ... فإنسان طرف العامري كليم
رمى قلبه البرق الملالي رمية ... بذكر الحمى وهنا فكاد يهيم
فقلت له دون ما أنت فيه لما أفحم عن قول الشعر قال صدقت ولكن البرق أيقظني فوالله ما لبث يومه حتى مات ما به داء غير الوجد
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا ابن السراج قال ذكر ابن حيويه قال حدثنا أبو بكر بن خلف قال حدثني إسحاق بن محمد الكوفي قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حفص عن أبيه قال كان مسافر بن أبي عمر بن أبي أمية يتعشق جارية من أهل مكة فنذر به أهلها فهرب فلحق بالنعمان بن المنذر فاعتل ثم قدم عليه رجل من أهل مكة فقال له ما فعلت فلانة قال تزوجت فشهق ومات في مكانه (1/561)
قال ابن خلف وحدثنا أبو عبيد الله التميمي قال أنبأنا زياد بن صالح قال كان العلاء بن عبد الرحمن التغلبي من أهل الأدب والظرف فواصلته جارية وكان يظهر لها ما ليس في قلبه وهي على غاية العشق له فماتت عشقا له فأسف على ما كان من جفائه لها وإعراضه عنها فرآها ليلة في منامه وهي تقول
أتبكي بعد قتلك لي عليا ... فهلا كان ذا إذ كنت حيا
سكبت دموع عينك لي عليا ... ومن قبل الممات تسي إليا
فيا قمرا برى جسمي وروحي ... ويقتلني وما أبقى عليا
أقل من النياحة والمرائي ... فإني ما أراك صنعت شيا
فزاد ما كان عليه من الأسف والغم والبكاء حتى فاضت نفسه فمات
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا أبو علي الحسن بن المظفر بن الحسن الهمذاني قال حدثنا أبي قال أنشدنا جدي قال أنشدني جعفر بن نصير قال أنشدني ابن مسروق قال أنشدني البرجلاني
ذكرت فتى فيما مضى كان عاشقا ... فغادره ريب الزمان فخانه
فعاش كئيبا مدنفا في حياته ... إلى أن مضى لم يعرف الناس شانه
بلى قال عند الموت واحسرتي على ... فتى لا أسميه وعض بنانه
وقلب طرفيه ونكس رأسه ... وأن بشهقات ومات مكانه
فيا أهل ودي هكذا الحب في الهوى ... ولكن ما هذا الزمان زمانه
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا أبو محمد عبد الله بن مالك النحوي قال حدثنا (1/562)
يحيى بن أبي حماد عن أبيه قال وصفت للمأمون جارية بكل ما يوصف به امرأة من الكمال والجمال فبعث في شرائها فأتي بها وقت خروجه إلى بلاد الروم فلما هم ليلبس درعه خطرت بباله فأمر فاخرجت إليه فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به فقالت ما هذا قال أريد الخروج إلى بلاد الروم قالت قتلتني والله يا سيدي وحدرت دموعها على خدها كنظام اللؤلؤ وأنشأت تقول
سأدعو دعوة المضطر ربا ... يثيب على الدعاء ويستجيب
لعل الله أن يكفيك حربا ... ويجمعنا كما تهوى القلوب
فضمها المأمون إلى صدره وأنشأ متمثلا يقول
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ... وإذ هي تذري الدمع منها الأنامل
صبيحة قالت في العتاب قتلتني ... وقتلي بما قالت هناك تحاول
ثم قال لخادمه يا مسرور احتفظ بها وأكرم محلها وأصلح لها كل ما تحتاج إليه من المقاصير والخدم والجواري إلى وقت رجوعي فلولا ما قال الأخطل
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... دون النساء ولو باتت بأطهار
ثم خرج فلم يزل يتعاهدها ويصلح ما أمر به فاعتلت الجارية علة شديدة أشفق عليها منها وورد نعي المأمون فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وماتت
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا القاضي أبو الطيب الطبري قال سمعت أبا جعفر الموسائي العلوي يقول حدثني محمد بن أحمد الرصافي قال قال لي عبد الملك بن محمد إني خرجت من البصرة أريد الحج وإذا أنا بفتى نضو قد نهكه السقام يقف على محمل محمل وهودج وهودج ويطلع فيه فتعجبت منه ومن فعله فقال (1/563)
أحجاج بيت الله في أي هودج ... وفي أي خدر من خدوركم قلبي
أأبقى أسير الحب في دار غربة ... وحاديكم يحدو بقلبي في الركب
فلم أزل أقف عليه حتى جاء المنزل فاستند إلى جدار ثم قال
خل فيض الدمع ينهمل ... بان من تهواه فارتحلوا
كل دمع صانه كلف ... فهو يوم البين مبتذل
قال ثم تنفس الصعداء وشهق شهقة فحركته فإذا هو ميت
أخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر قال حدث أبو عمر بن حيويه قال قال حدثنا ابن المرزبان قال حدثني العباس بن الفضل الأسدي قال حدثني محمد ابن زياد الأعرابي قال خرج الأحوص بن محمد إلى دمشق ومعه جارية له يقال لها بشرة وكان شديد الإعجاب بها لا يكاد يصبر عنها وكانت هي له من المحبة على أكثر من ذلك فاشتكى الأحوص ومات فجزعت عليه ولم تزل تندبه إلى أن شهقت شهقة فماتت فدفنت إلى جانب قبره
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال أنبأنا أبو الحسين بن عبدالجبار قال أنبأنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن محمد النصيبي قال أنبأنا إسماعيل بن سويد قال حدثنا أبو بكر الأنباري قال أنبأنا عبد الله بن خلف قال أخبرني أبو بكر العامري قال أخبرني دعبل بن عبد الله الخزاعي قال كان بالكوفة رجل من بني أسد مال إلى جارية لبعض أهل الكوفة فتعاظم أمره وأمرها فكان يقول فيها الشعر ويذكر بعض أهل الكوفة أنه مات من حبها وصنعوا له كتابا في ذلك مثل كتاب جميل وبثينة وعفراء وعروة وكثير (1/564)
وعزة فباعها مولاها لرجل من أهل بغداد من الهاشميين فيروى أنه مات حين أخرجت من الكوفة وأنه لما بلغها موته ماتت أسفا عليه فمن شعره عند فراقها
جد الرحيل وحثني صحبي ... قالوا الرحيل فطيروا لبي
واشتقت شوقا كاد يقتلني ... فالنفس مشرفة على نحبي
لم يلق عند البين ذو كلف ... يوما كما لاقيت من كرب
لا صبر لي عند الفراق على ... فقد الحبيب ولوعة الحب
أنبأنا عبد الخالق بن البدن قال أخبرنا أبو الحسين أحمد بن محمد السمناني قال حدثنا أحمد بن محمد بن موسى بن الصلت قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثني ابن المرزبان قال حدثنا محمد بن هارون المقرىء قال حدثنا سعيد بن راشد قال علقت فتاة من العرب فتى من قومها وكان الفتى عاقلا فاضلا فجعلت تكثر التردد إليه فتسأله عن أمور من أمور النساء وما بها إلا النظر إليه واستماع كلامه فلما طال ذلك عليها مرضت وتغيرت واحتالت في أن خلا لها وجهه فتعرضت له ببعض الأمر فدفعها عنه فتزايد المرض حتى سقطت على الفراش فقالت له أمه إن فلانة قد مرضت ولها علينا حق قال فعوديها وقولي لها يقول لك ما خبرك فمضت إليها أمه فقالت له ما بك قالت وجع في فؤادي هو أصل علتي قالت فإن ابني يقول لك ما علتك فتنفست الصعداء وقالت
يسائلني عن علتي وهو علتي ... عجيب من الأنباء جاء به الخبر
فانصرفت أمه إليه فأخبرته وقالت له قد كنت أحب أن تسألها المصير إلينا فنقضى حقها ونلي خدمتها قال فسليها ذلك قالت قد أردت أن أفعله (1/565)
ولكن أحببت أن يكون عن رأيك فمضت إليها فذكرت لها ذلك عنه فبكت وقالت يباعدني عن قربه ولقائه فلما أذاب الجسم مني تعطفا
فلست بآتي موضعا فيه قاتلي ... كف بي سقاما أن أموت كذا كفى
وترامت بها العلة وتزايد المرض عليها حتى ماتت
وقد روى أبو بكر بن الأنباري قال حدثني محمد بن المرزبان قال حدثني أحمد بن عبد الله بن محمد الكوفي قال علق بدر بن سعيد بن الوليد الهمداني نعم بنت حاجب بن عطارد وكان سبب علاقته أنه رآها تطوف بالبيت ففتنته فأنشأ يقول
ما كنت أحسب أن الحب يعرض لي ... عند الطواف ببيت الله ذي الستر
حتى بدت في طواف البيت جارية ... أظنها فتنة ليست من البشر
ثم عظم عليه الأمر في ليلته وامتنع النوم منه فلما بدا الصبح أنشأ يقول
يا صبح قد جئت على ياس ... من عشاق مات بوسواس
صبرا وتسليما لما قد قضى ... ذو المن والطول على رأسي
وكانت تنزل الكوفة فلما عزمت على الرحيل أنشأ يقول
جد الرحيل فكيف ويحك تصنع ... أتراك تصبر أم إخالك تجزع (1/566)
يا بدر إنك قد شقيت بما ترى ... كتب الإله عليك ما لا يدفع
أبصرت عند البيت خودا غادة ... ذهبت بعقلك فالرقى لا تنفع
ثم ارتحل معها إلى الكوفة فنزلت في قصر حاجب فكان يجلس بحذاء القصر ويقول
يا قصر حاجب قد أصبحت لي سجنا ... لم يبق من فيك لي سمعا ولا بصرا
يا قصر حاجب هل لي فيك من طمع ... أم ذاك منك فدتك النفس قد عسرا
الله يعلم أني ما ذكرتكم ... إلا ترقرق ماء العين فانحدرا
ونظر يوما إلى حمام على سطح القصر قد سقط إليه حمام فأنشأ يقول
قد بدا الصبح لي بشيء مليح ... فرج الكرب عن فؤاد قريح
من حمام رأيته حين أوفى ... فوق سطح يدعو بصوت فصيح
فأتته حمامة فدنت منه ... دنوا بغير أمر قبيح
فزجرت الحمام نفسي يقينا ... وزجرت الأخرى شقيقة روحي
فاتصل خبره بها وكثر من يعذله على ما يلزمه نفسه من أمر هذه المرأة فأنشأ يقول
أيها العاذلون بالله كفوا ... عن ملامي فقد خلعت العذارا
لست والله قابلا من عذول ... ما به في الهوى على أشارا
وكان بدر معروفا بالشجاعة والنجدة والعقل والبيان فأدخل على الحجاج فخاطبه فأعجب به وغلب على قلبه وأحسن رفده وأخرجه فيمن أخرج إلى قتال ابن الأشعث فعمل في الحرب عملا عجب منه فيه وأكثر القتل في أصحاب ابن الأشعث وعظمت الجراح به فقال وهو بآخر رمق احملوني إلى الكوفة فادفنوني بها ففعل ذلك به فاتصل خبره بنعم فأتت قبره وأنشأت تقول
يا من لعين بالدموع سكوب ... تبكي قتيلا ثاويا بقليب (1/567)
يا بدر قد أشجيتني وتركتني ... في كربة تعتادني ونحيب
بأبي وأمي من كريم سيد ... جزل العطايا للألوف وهوب
لهفي عليك إذا الحروب تسعرت ... وتضرمت وتلهبت بلهيب
فلأبكينك ما بقيت بلوعة ... وأشق من جزع عليك جيوبي
أبكيك يا بدرا بعين سحة ... وغليل قلب موجع مكروب
لا خير لي يا بدر بعدك في البقا ... ما خير عيش بعد هلك حبيب
ولم تزل مقيمة على قبره تقلب عليه وتبكي حتى ماتت فدفنت هناك إلى جانبه
وقال أبو بكر محمد بن داود الأصبهاني بلغني أن فتى من الأعراب يقال له امرؤ القيس هوى فتاة من الحي فلما وقفت على أنه يحبها هجرته فزال عقله وخولط وأشفى على التلف وصار رحمة للناس فلما بلغ المرأة حاله وما هو فيه أتت فأخذت بعضادتي الباب فقالت كيف تجدك يا امرؤ القيس فقال
دنت وظلال الموت بيني وبينها ... وأدلت بوصل حين لا ينفع الوصل
ثم لم يلبث إلا يسيرا حتى مات
وقال الريان بن علي الأديب عشق فتى من أبناء بعض أصدقائي جارية فأنحله العشق وتيمه فزال عقله وأخذ في الهجر والهذيان فمررت به ذات يوم في بعض الخرابات فقلت له أبا فلان ما حالك فقال أسوأ حال عقل هائم وغم لازم وفكر دائم ثم أنشأ يقول
تيمني حبها وأضناني ... وفي بحار الهموم ألقاني
كيف احتيالي وليس لي جلد ... في دفع ما بي وكشف أحزاني
يا رب فاعطف بقلبها فعسى ... ترحم ضعفي وطول أشجاني (1/568)
ثم مررت به بعد أيام وهو يبكي ويتمرغ في التراب فلما رآني قال يا عم إني ميت الليلة فقلت الله يشفيك فقبض في ليلته
وقال إسحاق الرافقي كنت في مجلس بالرافقة مع عدة من الظرفاء وجماعة من الفتيان ومعنا فتى كأهيأ ما رأيت من الفتيان وعليه أثر ذلة الهوى يديم الأنين والبكاء فغنت إحداهن
إني لأبغض كل مصطبر ... عن إلفه في الوصل والهجر
الصبر يحسن في مواطنه ... ما للفتى المحزون والصبر
قال فنظر الفتى إليها وتبادرت عبراته ثم وثب على قدميه ووضع يده على رأسه وقال
غدا يكثر الباكون منا ومنكم ... وتزداد داري من دياركم بعدا
ثم رمى بنفسه فسقط مجدلا من قامته فحملناه ميتا (1/569)
الباب الثامن والأربعون في ذكر أخبار من قتل نفسه بسبب العشق
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال حدثنا أبو عمر بن حيويه قال حدثنا أبو بكر ابن خلف قال حدثنا أبو سيعد بن شبيب قال حدثني العتبي قال كان عند خالد بن عبد الله ذات ليلة فقهاء من أهل الكوفة فيهم أبو حمزة الثمالي إذ قال خالد حدثونا بحديث عشق ليس فيه فحش
فقال أبو حمزة الثمالي أصلح الله الأمير زعموا أنه ذكر عند هشام بن عبد الملك غدر النساء وسرعة تزويجهن فقال هشام إنه ليبلغني من ذلك العجب فقال بعض جلسائه أحدثك عما بلغني من ذلك بلغني أن رجلا من بني يشكر يقال له غسان بن جهم بن العذافر كانت تحته ابنة عم له يقال لها أم عقبة بنت عمرو بن الأبجر وكان لها محبا وكانت له كذلك فلما حضره الموت وظن أنه مفارق الدنيا قال ثلاثة أبيات ثم قال يا أم عقبة اسمعي ما أقول وأجيبي بحق فقد تاقت نفسي إلى مسئلتك عن نفسك بعد ما يواريني التراب فقالت قل فوالله لا أجيبك بكذب ولا جعلته آخر حظك مني فقال وهو يبكي بكاء كاد يمنعه الكلام
أخبريني ماذا تريدين بعدي والذي تضمرين يا أم عقبة
تحفظيني بعد موتي لما قد ... كان من حسن خلق وصحبه
أم تريدين ذا جمال ومال ... وأنا في التراب في سجن غربه (1/570)
فأجابته ببكاء وانتحاب
قد سمعنا الذي تقول وما قد ... خفته يا غسان من أم عقبه
أنا من أحفظ النساء وأرعاه ... لما قد أوليت من حسن صحبة
سوف أبكيك ما حييت بشجو ... ومراث أقولها وبندبة
قال فلما قالت ذلك طابت نفسه وفي النفس ما فيها فقال
أنا والله واثق منك لكن ... ربما خفت منك غدر النساء
بعد موت الأزواج يا خير من عوشر ... فارعمى حقي بحسن الوفاء
إنني قد رجوت أن تحفظي العهد ... فكوني إن مت عند الرجاء
ثم اعتقل لسانه فلم ينطق حتى مات
فلم تلبث إلا قليلا حتى خطبت من كل جانب ورغبت فيها الأزواج لاجتماع الخصال الفاضلة فيها من العقل والجمال والعفاف والحسب فقالت مجيبة لهم
سأحفظ غسانا على بعد داره ... وأرعاه حتى نلتقي يوم نحشر
وإني لفي شغل عن الناس كلهم ... فكفوا فما مثلي بمن مات يغدر
سأبكي عليه ما حييت بعبرة ... تجول على الخدين مني فتكثر
فيئس الناس منها حينا فلما مرت بها الأيام نسيت عهده وقالت من مات فقد فات فأجابت بعض خطابها فتزوجها فلما كانت الليلة التي أراد الدخول بها جاءها غسان في النوم وقد أغفت فقال
غدرت ولم ترعي لبعلك حرمة ... ولم تعرفي حقا ولم تحفظي عهدا
ولم تصبري حولا حفاظا لصاحب ... حلفت له يوما ولم تنجزي وعدا
غدرت به لما ثوى في ضريحه ... كذلك ينسى كل من سكن اللحدا
فلما قال هذه الأبيات انتبهت مرتاعة مستحيية منه كأنه بات معها في جانب (1/571)
البيت وأنكر ذلك منها من حضرها من نسائها فقلن مالك وما حالك وما دهاك فقالت ما ترك غسان بعده في الحياة أربا ولا بعده في الحياة سرور ورغبة أتاني في منامي الساعة فأنشدني هذه الأبيات وأنشدتها وهي تبكي بدمع غزير وانتحاب شديد
فلما سمعن ذلك منها أخذن بها في حديث آخر لتنسى ما هي فيه فتغافلتهن ثم قامت فلم يدركنها حتى ذبحت نفسها حياء مما كادت تركب بعده من الغدر به والنسيان لعهده
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبد الملك ابن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال حدثنا محمد بن جعفر الخرائطي قال حدثنا العباس بن الفضل قال حدثنا إسحاق بن إبراهيم عن أبي مسكين قال ضلت ناقة لفتى من تميم فخرج إلى حي من بني شيبان ينشدها فإنه لكذلك إذ بصر بجارية كأنها الشمس حسنا وجمالا فعشقها عشقا مبرحا فرجع إلى قومه وقد ذهب عقله فما تمالك أن رجع إلى حيهم فلما هذأ الليل قال لعلي أسكن بالنظر إليها بعض ما بي فأتاها وهي جالسة وإخوتها نيام حولها فقال لها يا قرة عيني قد والله أذهب الشوق عقلي وكدر على عيشي فقالت امض إلى حالك وإلا نبهت إخوتي فقتلوك فقال لها إن القتل أهون علي من الذي أنا فيه قالت وهل يكون شيء أشد من القتل قال نعم ما أنا فيه من حبك قالت له فما تشاء قال أمكنيني من يدك حتى أضعها على قلبي ولك عهد الله عز و جل أني أرجع ففعلت فرجع فلما كانت القابلة عاد فوجدها على حالها فقالت له كقولها الأول فقال تمكنيني من شفتيك حتى أرشفها وأنصرف فلما فعلت ذلك وقع في قلبها منه كهيئة النار فأقبلت تلقاه كل ليلة فنذر به حيها وإخوتها فقالوا ما لهذا الكلب قد أطال المكث في هذا الجبل وهو يتخطانا (1/572)
فقعدوا لطلبه في ليلتهم تلك فأرسلت إليه أن القوم يريدونك فكن على حذر وإياك والغفلة فجاءت السماء بمطر حال بينهم وبين طلبه ثم انجلت السحاب وطلع القمر فتطيبت الجارية ونشرت شعرها وأعجبت بنفسها واشتهت أن يراها على تلك الحالة فقالت لترب لها قد كانت أطلعتها على شأنها يا فلانة أسعديني على المضي إليه فخرجتا تريدانه وهو على الجبل خائف من الطلب فبصر بشخصين يسيران في القمر فلم يشك أنهما من الطالبين فانتزع سهما فما أخطأ قلب صاحبته فسقطت لوجهها مضرجة بدمها فلم تزل تضطرب حتى ماتت فبهت شاخصا ينظر إليها ثم أنشأ يقول
نعب الغراب بما كرهت ... ولا إزالة للقدر
تبكي وأنت قتلتها ... فاصبر وإلا فانتحر
ثم جمع نبله فجعل يجأ بها أوداجه حتى قتل نفسه ... أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد قال أنبأنا عبد الملك قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم قال حدثنا أبو بكر الخرائطي قال حدثنا محمد بن جعفر الدولابي قال حدثنا علي بن عيسى عن عبد الرحمن بن إسحاق قال انحدرت من سر من رأي مع إسحاق بن إبراهيم فلما صرنا إلى موضع يقال له العلث دعى بالطعام فأكلنا وحول من الحراقة التي فيها الخدم جاريتين عوادة وطنبورية ومدت ستارة فغنت الطنبورية
يا رحمتا للعاشقينا ... ما إن أرى لهم معينا
كم يهجرون ويبعدون ... ويضربون فيصبرونا
فقالت لها العوادة فيصنعون ماذا إذا لم يصبروا فهتكت الستارة وقالت يصنعون هكذا وألقت بنفسها في دجلة فغرقت (1/573)
وكان على رأس إسحاق بن إبراهيم غلام من أحسن الناس وجها فلما رأى ما صنعت الجارية قال
أنت التي غرقتني ... بعد القضا لو تعلمينا
لا خير بعدك إن بقينا ... والموت زين العاشقينا
وألقى نفسه خلفها فغرق فاشتد على إسحاق وأمر بإخراجهما فاخرجا من الماء فدفنا
وقد رويت لنا هذه الحكاية على وجه آخر
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قال أنبأنا جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن العباس قال حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال حدثنا ميمون بن هرون الكاتب قال حدثني عبد الرحمن ابن إسحاق القاضي قال انحدرت من سر من رأى مع محمد بن إبراهيم أخي إسحاق ودجلة تزخر من كثرة مائها فلما أن سرنا ساعة قال أرفوا بنا ثم دعا بطعامه فأكلنا ثم قال ما ترى في النبيذ قلت له أعز الله الأمير هذه دجلة قد جاءت بمد عظيم يرعب مثله وبينك وبين منزلك مبيت ليلة فلو شئت أخرته قال لا بد لي من الشراب فضربت ستارة واندفعت مغنية فغنت ثم اندفعت أخرى فغنت
يا رحمتا للعاشقينا ... ما إن أرى لهم معينا
كم يشتمون ويضربون ... ويهجرون فيصبرونا
فقالت لها المغنية الأولى فيصنعون ماذا قالت يصنعون هكذا فرفعت الستارة وقذفت بنفسها في دجلة وكان بين يدي محمد غلام ذكر أن شراءه ألف دينار بيده مذبة لم أر أحسن منه فوضع المذبة وقذف بنفسه في دجلة وهو يقول (1/574)
أنت التي غرقتني ... بعد القضا لو تعلمينا
فأراد الملاحون أن يطرحوا أنفسهم خلفهما فصاح بهم محمد دعوهما يغرقا إلى لعنة الله
قال فرأيتهما قد خرجا من الماء معتنقين ثم غرقا
بلغني عن جميل بن معمر العذري أنه قال دخلت على عبد الملك بن مروان فقال يا جميل حدثني ببعض أحاديث بني عذرة فإنه قد بلغني أنهم أصحاب أدب وغزل
فقلت نعم يا أمير المؤمنين انتجعوا عن حيهم مرة فوجدوا النجعة بموضع نازح فقطنوه فخرجت أريدهم فبينا أنا أسير إذ غلطت الطريق وجن علي الليل ولاح لي باب فقصدته حتى وردت على راع في أصل جبل قد ألجأ غنمه إلى كهف في الجبل فسلمت عليه فرد السلام وقال أحسبك قد ضللت الطريق قلت قد كان ذلك فأرشدني قال بل إنزل حتى تريح ظهرك وتبيت ليلتك فإذا أصبحت وقفتك على القصد
فنزلت فرحب بي وأكرمني وعمد إلى شاة فذبحها وأجج نارا وجعل يشوي ويلقي بين يدي ويحدثني في خلال ذلك ثم قام إلى كساء كان معه فقطع به جانب الخباء ومهد لي جانبا وترك جانبا خاليا
فلما كان في الليل سمعته يبكي ويشكوا إلى شخص كان معه فأرقت ليلتي فلما أصبحت طلبت الإذن فأبى وقال الضيافة ثلاث فأقمت عنده وسألته عن اسمه ونسبه وحاله فانتسب لي فإذا هو من بني عذرة من أشرافهم فقلت يا هذا وما الذي أحلك هذا الموضع فأخبرني أنه كان يهوى ابنة عم له وتهواه وأنه خطبها إلى أبيها فأبى أن يزوجه منها لقلة ذات يده وأنه زوجها رجلا من بني (1/575)
كلاب فخرج بها عن الحي وأسكنها في موضعه ذلك وأنه تنكر ورضى أن يكون راعيا لتأتيه ابنة عمه ويراها
وجعل يشكو إلى صبابته بها وعشقه لها حتى إذا جننا الليل وحان وقت مجيئها جعل يتقلقل ويقوم ويقعد كالمتوقع لها فأبطأت عن الوقت وغلبه الشوق فوثب قائما وأنشأ يقول
ما بال مية لا تأتي كعادتها ... أهاجها طرب أم صدها شغل
لكن قلبي لا يلهيه غيركم ... حتى الممات ومالي غيركم أمل
لا تعلمين الذي بي من فراقكم ... لما اعتللت ولا طابت لك العلل
روحي فداءك قد هيجت لي سقما ... تكاد من حره الأعضاء تنفصل
لو أن عادية مني على جبل ... لزال وانهد عن أركانه الجبل
ثم قال يا أخا بني عذرة مكانك حتى أعود إليك فما أتوهم أن أمر ابنة عمي صحيح
ثم مضى فما لبث أن أقبل وعلى يده شيء محمول وقد علا شهيقه ونحيبه فقال يا أخا بني عذرة هذه ابنة عمي أرادت أن تأتيني فاعترضها الأسد فأكلها
ثم وضعها عن يده وقال على رسلك حتى أعود إليك ومضى فأبطأ حتى يئست من رجوعه ثم أقبل ورأس الأسد على يده فجعل ينكث على أسنان الأسد ويقول
ألا أيها الليث المخل بنفسه ... هبلت لقد جرت يداك لنا حزنا
وغادرتني فردا وقد كنت آلفا ... وصيرت بطن الأرض ثم لنا سجنا
أقول لدهر خانني بفراقه ... معاذ إلهي أن أكون له خدنا
ثم قال يا أخا بني عذرة إنك ستراني بين يديك ميتا فإذا مت فأعمد (1/576)
إلى وابنة عمي وأدرجنا في كفن واحد واحفر لنا جدثا واحدا فادفنا فيه واكتب على قبري هذين البيتين
كنا على ظهرها والعيش في مهل ... والشمل يجمعنا والدار والوطن
ففرق الدهر والتصريف ألفتنا ... فصار يجمعنا في بطنها الكفن
ورد الغنم على صاحبها وأعلمه بقصتنا
ثم عمد إلى خناق فطرحه في عنقه فناشدته الله ألا يفعل فأبى وجعل يخنق نفسه حتى سقط ميتا فكفنتهما ودفنتهما في قبر واحد كما أمرني وكتبت البيتيتن على قبرهما ورددت الغنم على صاحبها وأعلمته بقصتهما فحزن حزنا شديدا أشفقت منه على نفسه أسفا على ما فرط في اجتماعهما
أنبانا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال حدثنا القاضي أبو القاسم هبة الله بن الحسين الرحبي قال حدثنا علي بن أحمد بن محمد الحرمي قال حدثنا الحسين بن علي بن أحمد المهلبي قال حدثني أبو عبد الله القرشي قال رأيت رجلا يعاتب إلفا له على الجسر وكنت قريبا منهما بحيث أسمع ما كانا فيه جميعا فقال له ألم أفعل بك كذا ألم أصنع بك كذا فلم يزل يعدد عليه ما أولاه إياه فقال له المألوف هذا الذي فعلت في هواك أوفي هواي وخرج الكلام بينهما إلى أن قال له قد أضجرتني فما تحب أن أفعل بنفسي حتى تشتفي قال تطرح نفسك في هذا الماء إن كنت صادقا في دعواك
قال فعهدي به وعلى رأسه رداء وقد لف رأسه بردائه وزج نفسه في دجلة فداخلني من الأمر ما غلب على حتى صعقت صعقة غشي علي منها ولم أدر ما كان بعد ذلك (1/577)
وبلغنا عن سعيد بن أحمد قال رأيت بالبصرة في خان عطاء بن مسلم شابا وفي يده مدية وهو ينادي بأعلى صوته والناس حوله
يوم الفراق من القيامة أطول ... والموت من ألم التفرق أجمل
قالوا الرحيل فقلت لست براحل ... لكن مهجتي التي تترحل
ثم بقر بطنه بالمدية وخر ميتا فسألت عنه وعن أمره فقيل لي إنه كان يهوى فتى لبعض الملوك وحجب عنه يوما واحدا
وحكى أبو عبد الله الحسين بن محمد الدامغاني قال كان ببلاد فارس صوفي كبير فابتلى بحدث فلم يملك نفسه أن دعته إلى الفجور فراقب الله تعالى ثم ندم على هذه الهمة وكان منزله على مكان عال ووراء منزله بحر من الماء فلما أخذته الندامة صعد على السطح ورمى بنفسه إلى الماء وتلا فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم فغرق في الماء
وذكر أهل العلم بالسير أن شيرين ولدت بالمدائن وكانت يتيمة في منزل رجل من الأشراف في جوار هرمز أنو شراون وكان أبرويز صغيرا يدخل منزل هذا الرجل فيلاعب شيرين ويمازحها وتمازحه فأخذت في قلبه موضعا فنهاها الذي هي في منزله عن التعرض لأبرويز ثم رآها يوما قد أخذت من أبرويز خاتما كان في إصبعه فقال ألم آمرك بترك التعرض لهذا الصبي لا تعرضينا للهلكة ثم أمر بعض من يثق به أن يحملها إلى شاطيء الفرات ويغرقها فحملها إلى شاطيء الفرات ليغرقها فقالت له ما الذي ينفعك من غرقي فقال إني قد حلفت لمولاي ولا بد قالت فما عليك إلا أن تأتي بي موضعا من الفرات فيه ماء رقيق فتقذف بي فيه وتتركني وتمضي فإن نجوت لم أظهر ما دمت باقية وإن مت لم يكن عليك شيء قال أفعل ذلك (1/578)
فأتى موضعا فيه الماء إلى الركبة فزجها فيه وتركها تضطرب وولى عنها لا يلتفت ثم وافى مولاه فأخبره وحلف له أنه أغرقها ثم إنها تخلصت من الماء فأتت بعض الديارات التي على شاطيء الفرات فآوت إليه وأعلمت الرهبان أنها قد وهبت نفسها لله تعالى فأحسنوا إليها فلما استقر الملك لأبرويز بعد أبيه هرمز ووجه برسله إلى قيصر اجتاز الرسل بالدير فسألت شيرين عن ذلك فأعلمت أن القوم رسل أبرويز الملك ومعهم هدايا إلى قيصر وأخبروها بملكه وما آل إليه أمره فوجهت إلى رئيس الرسل منتصحة له تخبره أنها أمة للملك أبرويز وسألته إيفاد رسول إليه يخبره بمكانها ووجهت معه ذلك الخاتم فأنفذ الرجل رسولا قاصدا إلى الملك يعرفه خبر شيرين ومكانها والخاتم
فلما ورد الرسول على أبرويز أمر للرسول بمال عظيم وجعل له رتبة جليلة ببشارته ووجه معه بخدم ومراكب وهوادج وكسي وحلى وطيب ووصائف حتى أتوه بشيرين فورد عليه من الفرح بها ما لم يفرح بشيء مثله وكانت من أكمل النساء كمالا وجمالا وبراعة
وذكر أبرويز أنه ما جامعها قط إلا وجدها كالعذراء وكان قد شرط على نفسه أنه لا يأتي حرة ولا أمة مرة واحدة إلا أتاها قبل وعهد كل واحد لصاحبه أن لا يجتمع مع أحد لمباضعة فلما هلك أبرويز أرادها شيرويه فأبت وعرفته العهود فرماها بكل معضلة من الفجور وبعث الشعراء على ذمها فلما لج ولم تجد عنه محيدا بعد أن غصبها جميع مالها وضياعها قالت أفعل ما سألت بعد أن تقضي لي ثلاث حوائج ترد علي أموالي وضياعي وتسلم إلي قتلة زوجي وتدعو العلماء والأشراف وترقي المنبر فتبرئني مما قذفتني به من الفجور
ففعل ذلك فقتلت قتلة زوجها بأفحش قتل فقال لها هل بقيت لك حاجة قالت نعم إن الملك أودعني وديعة وجعلها أمانة في عنقي إن أنا تزوجت أن أردها إليه فتأمر بفتح الناووس حتى أدفع الوديعة إليه ففتح لها الناووس فدخلت (1/579)
وقلعت فص خاتم في يدها تحته سم ساعة فمصته ثم اعتنقت أبرويز ولفت عليه يديها ورجليها حتى ماتت
فلما أبطأت على الحواضن والخدم صاحوا بها فلم تجب فدخلوا فوجدوها ميتة معانقة لأبرويز فرجعوا فأخبروا شيرويه فندم ندامة لا توصف وجعل يأكل أصابعه على صنيعها
قلت وقد سبق في باب الحيل والمخاطرات ذكر جماعة قتلوا أنفسهم بسبب العشق فلم نر إعادة ذكرهم
فصل فانظر وفقك الله إلى ما صنع العشق بهؤلاء المغبونين من بين قاتل
لنفسه وقاتل لغيره
فأما قتل الغير فقد قال الله عز و جل ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما وقال ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه ذكر الموبقات فعد منهن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق
وأما قتل النفس فقد قال الله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم (1/580)
وقد أخبرنا هبة الله بن محمد بن الحصين قال أنبأنا أبو علي بن المذهب قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا وكيع قال حدثنا الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من تحسى سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين
وقوله خالدا مخلدا فيها أبدا محمول على من يستحل ذلك
وفي الصحيحين من حديث جندب بن عبد الله البجلي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فخر بها يده فما رقأ الدم حتى مات فقال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة (1/581)
الباب التاسع والأربعون في ذكر أدوية العشق
الحمية اللازمة في زمان الصحة لا ينبغي أن تترك
ومتى علمت أسباب مرض وجب اجتنابها
ومعلوم أن الطباع تتساوى في الميل إلى الهوى فينبغي للحازم اجتناب أسبابه فمتى أصابه شيء من ذلك المرض وجب عليه أن يبادر إلى الطبيب قبل أن يصعب التلافي أو يحل التلف
فصل ومن التفريط القبيح الذي جر أصعب الجنايات على النفس محادثة
النساء الأجانب والخلوة بهن
وقد كانت عادة لجماعة من العرب يرون أن ذلك ليس بعار ويثقون من أنفسهم بالامتناع من الزنا ويقنعون بالنظر والمحادثة وتلك الأشياء تعمل في الباطن وهم في غفلة عن ذلك إلى أن هلكوا
وهذا هو الذي جنى على مجنون ليلى وغيره ما أخرجهم به إلى الجنون والهلاك
وكان غلطهم من وجهين
أحدهما مخالفة الشرع الذي نهى عن النظر والخلوة
والثاني تعريض الطبع لما قد جبل على الميل إليه ثم معاناة كفه عن ذلك فالطبع يغلب فإن غلب وقعت المعاصي وإن غلب حصل التلف بمنع العطشان عن تناول الماء (1/582)
واعلم أن أمراض العشق تختلف فينبغي لذلك أن يختلف علاجها
فليس علاج من عنده بداية المرض كعلاج من انتهى به المرض نهايته
وإنما يعالج هذا المرض من لم يرتق إلى غايته فإنه إذا بلغ الغاية أحدث الجنون والذهول وتلك حالة لا تقبل العلاج
قال بقراط قصمت الأدواء بالعقاقير وأقمتها بإزاء العلل فأعياني دواء الحب بعد تمكنه أن أدركه
قال البحتري
ولقد قال طبيبي ... وطبيبي ذو احتيال
أشك ما شئت سوى الحب ... فإني لا أبالي
سقم الحب رخيص ... ودواء الحب غالي
وقال أبو غالب بن بشران
ومنتصح قال لي إذ رأى ... دموعي قد أقرحت مدمعي
متى تستفيق وتسلو الهوى ... فقلت إذا كان قلبي معي
وقال غيره
دخولك في باب الهوى إن أردته ... يسير ولكن الخروج شديد
فصل فإن قال قائل كيف يذكر للعشق أدوية وهو قلق لا سكون فيه وسكر
لا صحو معه فيقال لمن يهوى في الهواء أمسك نفسك
فالجواب من وجهين
أحدهما أنا قد قلنا إنما يداوي هذا المرض قبل بلوغ نهايته فإنها أحوال يمكن علاجها (1/583)
والثاني أن لكل شيء سببا يضعفه ويقويه
فأنا أعرفك السبب الذي يضعف العشق ويوهنه وأحذرك من السبب الذي يزيده قوة
فما قلت لك امنع النار أن تحرق وإنما قلت أطفئها ولا قلت ادفع الماء عن أن يغرق وإنما علمتك السباحة وهذا حين شروعنا في ذكر المرض والعلاج والله الموفق
فصل اعلم أن بداية العشق في الأغلب تكون عند النظر إلى المحاسن
ولحصول العشق بهذه النظر علامة وهي أنه إذا وقع النظر إلى المستحسن خفق القلب خفوقا يكاد يطير إليه فإذا رد الإنسان الطرف قلق القلب حتى يعود فإذا أطلق ثم رد فك اللجام قهرا وعاود النظر
فهذه علامة العشق لا تكاد تخطيء
إلا أن في الناس من يتعلق قلبه بالمنظور في بديهة النظر فإذا ردد نظره بان له من العيوب ما لم يكن بان فزال ما كان علق بقلبه لأن النفس تصورت في بداية النظر من الصورة معنى أعانها عليه تخيل الشهوة وتوهم اللذة فزادت الصفة عن مقدار العيان فإذا تكرر النظر وحقق أثبت حقيقة الصورة فزالت زيادات التخيل وبرخاشات التوهم فبرد قلب المحب لزوال التوهم (1/584)
ورب امرأة تستحسن في نقابها فإذا أسفرت لم تستحسن
أنبانا أبو بكر بن أبي طاهر قال أنبأنا أبو الطيب الطبري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن أحمد بن سهل الرازي قال حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله قال أنبأنا عمي قال حدثنا بعض أشياخ البصرة أن رجلا وامرأته اختصما إلى أمير من أمراء العراق وكانت المرأة حسنة المنتقب قبيحة المسفر وكان لها لسان فكأن العامل مال معها فقال يعمد أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها ثم يسيء إليها
فأهوى الرجل فألقى النقاب عن وجهها فقال العامل عليك اللعنة كلام مظلوم ووجه ظالم
فصل فأما إذا كان النظر عن تثبت وتحقيق وزاد بترداده المرض فذلك
العشق المتمكن
والواجب على من وقع بصره على مستحسن فوجد لذة تلك النظرة في قلبه أن يصرف بصره فمتى ما تثبت في تلك النظرة أو عاود وقع في اللوم شرعا وعقلا
فإن قيل فإن وقع العشق بأول نظرة فأي لوم على الناظر
فالجواب أنه إذا كانت النظرة لمحة لم تكد توجب عشقا إنما يوجبه جمهود العين على المنظور بقدر ما تثبت فيه وذلك ممنوع منه
ولو قدرنا وجوده باللمحة فأثر محبة سهل قمع ما حصل (1/585)
وقد أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن الجبار قال أنبأنا أبو محمد الجوهري عن أبي عمر بن حيويه عن ابن المرزبان قال حدثنا عبد الله ابن عمرو قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني عبد العزيز بن عمران عمن حدثه قال جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إني رأيت امرأة جميلة فعشقتها فقال عمر ذاك مالا يملك
فإن قيل فما علاج العشق إذا وقع بأول لمحة
قيل علاجه الإعراض عن النظر فإن النظر مثل الحبة تلقى في الأرض فإذا لم يلتفت إليها يبست وإن سقيت نبتت فكذلك النظرة إذا ألحقت بمثلها
فصل فإن جرى تفريط بإتباع نظرة لنظرة فإن الثانية هي التي تخاف
وتحذر فلا ينبغي أن تحقر هذه النظرة فربما أورثت صبابة صبت دم الصب
أنشدنا ابن ناصر قال أنشدنا أبو زكريا قال أنشدنا ابن نحريز البغدادي
تولع بالعشق حتى عشق ... فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة ... فلما تمكن منا غرق
ولما رأى أدمعا تستهل ... وأبصر أحشاءه تحترق
تمنى الإفاقة من سكره ... فلم يستطعها ولم يستفق
وعلاج هذه النظرة بالنظر فيما تقدم ذكره من الأمر بغض البصر والتحذير من شر النظر وخوف العقوبة من الله سبحانه عاجلا وآجلا والحذر من سوء عاقبتها وما تجر وتجني (1/586)
فيتجدد من العزم على الغض معنى يسمى اليأس وهو دواء حاسم
قال الحكماء اليأس أحد الراحتين
وقال الشاعر
حاولت أمرا فلم يجر القضاء به ... ولا أرى أحدا يعدي على القدر
فقد صبرت لأمر الله محتسبا ... واليأس من أشبه الأشياء بالظفر
وليكن لك في هذا الغض عن المشتهى نية تحتسب بها الأجر وتكتسب بها الفضل وتدخل في جملة من نهى النفس عن الهوى
وانظر في باب ثواب من غض بصره عن الحرام فقد تقدم
فصل فإن كان تكرار النظر قد نقش صورة المحبوب في القلب نقشا متمكنا
وعلامة ذلك امتلاء القلب بالحبيب فكأنه يراه حالا في الصدر وكأنه يضمه إليه عند النوم ويحادثه في الخلوة فاعلم أن سبب هذا الطمع في نيل المطلوب وكفى بالطمع مرضا وقل أن يقع الفسق إلا في المطموع فيه
فإن الإنسان لو رأى زوجة الملك فهويها لم يكد قلبه يتعلق بها لأجل اليأس من مثلها
فأما من طمع في شيء فإن الطمع يحمله على طلبه ويعذبه إن لم يدركه وقد قال الشاعر
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى ... فإن أطمعت تاقت وإلا تسلت
وقال آخر
فقلت لها يا عز كل مصيبة ... إذا وطنت يوما لها النفس ذلت (1/587)
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا نصر الطوسي يقول سمعت أبا مسلم الأصبهاني يقول قال علي بن سهل التمست الراحة فوجدتها في اليأس
وعلاج هذا المرض العزم القوي على البعد عن المحبوب والقطع الجزم علي غض البصر عنه وهجران الطمع فيه وتوطين النفس على اليأس منه والنظر فيما تقدم من ذم الهوى والتحذير من ذلك
فصل فإن كان تكرار النظر قد مكن نقش صورة المحبوب في القلب فأثر
ذلك قوة الفكر وزيادة الشهوة واشتداد القلق فسبب ذلك زيادة الطمع وقوته
وقد أعلمتك أن المحبة كشجرة وأن النظرات كماء يجري إليها فكلما سقاها عتت وعست وإنما دخلت هذه الآفات من باب إطلاق البصر فيما حظره الشرع فبذلك تمكن سلطان الهوى من القلب فبث جند الفساد في رستاق البدن وكم قد تمكن هذا المرض من شخص فلم يؤثر فيه عذل عاذل و ضرب ضارب
أنبأنا علي بن عبيد الله قال أنبأنا محمد بن أبي نصر قال أنبأنا منصور ابن النعمان قال أنبأنا أبو مسلم الكاتب قال حدثنا أبو بكر بن دريد قال أنبأنا أبو حاتم قال قال الأصمعي تزوج أعرابي إمرأة من بني عقيل فسمعها تتمثل ببيت غزل فقال لها ما هذا الذي تتمثلين به (1/588)
لعلك عاشق لئن سمعتك تعودين لمثل هذا لأضربن ظهرك وبطنك فأنشأت تقول
فإن يضربوا ظهري وبطني كليهما ... فليس لقلب بين جنبي ضارب فطلقها
وعلاج هذا المرض من جنس ما تقدم إلا أنه ينبغي أن يكون أقوى منه فإنه يفتقر إلى قوة شديدة في العزم على الغض وهجر المحبوب قطعا بتا ليعود بالغض غض نبات المحبة الذي سقى بمياه النظرات هشيما
وأنت تعلم انه إذا انقطعت مياه الوادي نسفته الرياح وأنشفته فعاد كأن لم يكن
ودوام البعد عن المحبوب يعمل في محو ما نقش في القلب فيمحو اليسير منه بعد اليسير من حيث لا يعلم كما أن مرور الزمان يمحو أثر المصيبة من القلب
ومتى اشتدت العزيمة فقطعت الطمع ومكنت اليأس ثم أجيل الفكر في خوف العواقب في الدنيا والعقوبة في الأخرى وكرر على النفس ما سبق من ذم الهوى وما فعل بأربابه فأضناهم وأمرضهم وأذهب دينهم ودنياهم وجاههم بين الناس فاستغاثوا بعد الفوت كما قال محمد بن مناذر
من فتى أصبح في الحب ... مسقاه الحب سما
كلما أخفى جوى الحب ... عليه الدمع نما
ساهر لا يطعم النوم ... إذا الليل ادلهما
كلما راقب نجما ... فهوى راقب نجما
يا ثقاتي خطم الحب ... لكم أنفي وزما (1/589)
يا أخي دائي جوى الحب ... وداء الناس جما
لا تلم مفتضحا في ... الحب إن الحب أعمى
فصل فإن قال قائل قد كبرت جنايتي على نفسي وكررت النظر وانتقشت
صورة المحبوب في قلبي وأورثت القلق الدائم ورأت النفسي أنها تستشفى من هذا المرض بتكرار النظر والزيارة للمحبوب فلما فعلت زاد الأمر بي وما أقدر أن أصبر عن الحبيب لحظة فهل لهذا من علاج أتلافى فيه أمري قبل التلف
فالجواب كيف آمرك بهجر من لا تصبر عنه لحظة وكيف لا آمرك وأنت على شفا هلكة قد لعبت ببدنك ودينك فأنت كما قال الشاعر
كثر فيك اللوم ... وأين سمعي وهم وقال الآخر
بكرت صبحا عواذله ... ورسيس الحب قاتله
هو في واد وليس به ... والهوى عنهن شاغله
يتمنين السلو له ... ومناه من يواصله
ومع هذا فلا بد لي من نصيحتك ما دام الكلام يصل إلى سمعك
إن كان التردد إلى محبوبك يتردد في قلبك
فلا تأتين إلى واعظ ... فلست بمنتفع بالعظات
إنما يوصف الدواء لمن يقبل فأما المخلط فإن الدواء يضيع عنده فإن صح عزمك على استعماله فاسمع أصف لك (1/590)
اعلم أن الخيال الذي وقع لك من أن التزاور والنظر يشفي بعض المرض خيال فاسد
فإن قلت فأراني أسكن في تلك الحالة
فالجواب أنه إنما يسكن الوجد لمكان القرب فإذا وقع البعد زادت نار الشوق اشتعالا فأنت في ضرب المثل كالعطشان شرب الخمر فإنه يجد رطوبة الري عند تجرعها ثم تلهبه فتزيد العطش
فكذلك قرب العاشق من معشوقه يضم جرحا إلى جرح وعقرا إلى عقر وكلما زادت الأسباب الظاهرة قويت المحبة في الآلات الباطنة فعملت سمومها في المقاتل والمقتول لا يرى القاتل كما قال الشاعر
قبلتها أشتفى بقبلتها ... فزادني ذاك ألما ألما
وسائلتني عن مبتدا سقمي ... مسقم جفنيك مسقمي بهما وقال الآخر
أعانقها والنفس بعد مشوقة ... إليها وهل بعد العناق تداني
وألثم فاها كي تزول صبابتي ... فيزداد ما ألقى من الهيمان
وقال محمد بن أبي أمية الكاتب
يقولون لو لاقيتها سكن الذي ... بقلبك يا مشتاق وانقطع الحزن
فها أنا قد لاقيتها مثل قولهم ... ليسكن قلبي باللقاء فما سكن
وقال ابن الرومي
نعمت بها عيني فطال عذابها ... ولكم عذاب قد جناه نعيم
نظرت فأقصدت الفؤاد بسهمها ... ثم انثنت نحوي فكدت أهيم
ويلاه إن نظرت وإن هي أعرضت ... وقع السهام ونزعهن أليم (1/591)
وقال أبو عبد الله بن الحجاج
أقر عيني ثم خلف لي ... قلبا بشوقي إليه قد جرحا
ويخسر القلب بعد غيبته ... ما كان طرفي عليه قد ربحا وقال غيره
وما في الأرض أشقي من محب ... وإن وجد الهوى عذب المذاق
تراه باكيا في كل حين ... مخافة فرقة أو لاشتياق
فيبكي إن نأوا شوقا إليهم ... ويبكي إن دنوا خوف الفراق
فتسخن عينه عند التنائي ... وتسخن عينه عند التلاقي
فإذا عرفت غرور الشيطان في زعمه أن القرب دواء وأن النظر شفاء بما أوضحت لك من أن قوله محال وأنه أمر تزيد به الحال مع ارتكاب المحظور الذي لا طاقة بعذابه ولا قوة على عقابه علمت حينئذ أنه لا علاج إلا بالهجر وحسم الطبع من غير تردد
أخبرنا إبراهيم بن دينار قال أنبأنا ابن نبهان قال أنبأنا ابن دوما قال أنبأنا أحمد بن نصر الذارع قال حدثنا صدقة بن موسى قال حدثنا الأصمعي قال قلت لأعرابي صف الحب فقال هو نبت بذره النظر وماؤه المزاورة ونماؤه الوصل وقلته الهجر وحصاده التجني
أخبرنا عمر بن ظفر قال أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا عبد العزيز بن علي قال أنبأنا ابن جهضم قال حدثنا محمد بن علي الوجيهي قال سئل أبو علي الروذباري لم يلحق الإنسان من التعذيب عند لقاء من يحبه أشد من وقت الفراق (1/592)
فقال أجيب عنه ببيت شعر
بكى عليها حتى إذا حصلت ... بكى عليها خوفا من الغير
فصل وتفكر في خطواتك إلى لقاء محبوبك فاعلم أنها مع ما بينا
من ضرر ألم الزيارة مكتوبة عليك وأنت مطالب بها
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا عبد القادر بن محمد بن يوسف قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا يحيى عن سفيان عن مسلم عن مسروق قال ما خطا رجل خطوة إلا كتبت عليه حسنة أو سيئة
قال أحمد وحدثنا حسين بن محمد قال حدثنا أبو معشر عن سعيد قال خطب مروان بن الحكم فقال
يا أيها الناس لو كان الله تعالى مغفلا شيئا من أعمالكم لأغفل هذا الأثر الذي تسفى عليه الرياح ثم قرأ إنا نحن نحي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم
فصل وتفكر في مكالمتك محبوبك فإنك مسئول عما تقول مع إلهاب
الكلام نار الحب (1/593)
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا قتيبة قال حدثنا بكر بن مضر عن يزيد بن الهاد عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن العبد يتكلم بالكلمة يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب أخرجاه في الصحيحين مسلم والبخاري
أخبرنا ابن عبد الواحد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أحمد بن جعفر قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده علقمة عن بلال بن الحارث قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله عز و جل ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز و جل بها عليه سخطه إلى يوم القيامة
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وكان الربيع بن خثيم يقول ما من شيء تتكلم به إلا كتب
قال مجاهد حتى أنين العبد في مرضه
أخبرنا يحيى بن علي المدير قال أنبأنا أبو بكر الخياط قال أنبأنا أبو علي بن حمكان قال حدثنا أبو علي السرخسي قال سمعت محمد بن الحسين يقول سمعت الحسن بن علي يقول سمعت حاتما يعني الأصم يقول لو أن صاحب خبر جلس إليك ليكتب كلام لاحترزت منه وكلامك يعرض على الله فلا تحترز
وهكذا حدثنا عن سفيان الثوري أنه قال أخبروني لو كان معكم من يرفع الحديث إلى السلطان أكنتم تتكلمون بشيء قالوا لا قال فإن معكم من يرفع الحديث إلى الله عز و جل (1/594)
فصل فإن قويت أسباب الهوى فحملتك على الخلوة بحبيبك فقد تعرضت
بالأسد في خيسه وبعيد سلامة مثلك
فالهرب الهرب فلا نجاة في غيره
فإن أمسكك الهوى فاجتذب نفسك من يده بخوف من يراك حين تقوم واستحيي من نظره إليك فإنه حاضر معك
أخبرنا ابن الحصين قال أنبأنا أبو علي التميمي قال أنبأنا ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا أبان بن إسحاق عن الصباح بن محمد عن مرة الهمذاني عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ذات يوم استحيوا من الله عز و جل حق الحياء
قال قلنا يا رسول الله إنا نستحيي والحمد لله
قال ليس ذاك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وليذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا فمن فعل ذلك فقط استحيي من الله حق الحياء
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا إبراهيم ابن عمر البرمكي قال أنبأنا عبد الله بن إبراهيم الزينبي إجازة قال حدثنا محمد بن المرزبان قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا القاسم بن هاشم قال حدثنا سعيدة بنت حكامة قالت حدثتني أمي حكامة بنت عثمان ابن دينار عن أمها عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك قال (1/595)
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم خشية الله رأس كل حكمة ومن لم يكن له ورع يصده عن معصية الله إذ خلا لم يعبأ الله بشيء من عمله
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت عبد الله بن علي الطوسي يقول سمعت أبا جعفر الرازي يقول سمعت يوسف بن الحسين يقول علم القوم أن الله يراهم فاستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه
قال السلمي وسمعت أبا الحسين الفارسي يقول قال محمد بن علي الترمذي اجعل مراقبتك لمن لا يغيب عن نظره إليك واجعل شكرك لمن لا تنقطع عنك نعمه واجعل خضوعك لمن لا تخرج عن ملكه وسلطانه
وقد ذكرنا في باب من ذكر ربه فترك ذنبه من هذا ما فيه بلاغ
فصل فأدر في تلذذك ذكر مرارة الموت الذي سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم هازم
اللذات وتذكر شدة النزع وتفكر في الموتى الذين حبسوا على أعمالهم ليجازوا بها فليس فيهم من يقدر على محو خطيئة ولا على زيادة حسنة فلا تعث يا مطلق
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا محمد بن علي بن الفتح قال أنبأنا ابن أخي ميمي قال حدثنا جعفر الخواص قال حدثنا ابن مسروق قال حدثنا محمد بن الحسين قال حدثنا حسن بن الربيع قال حدثنا مخلد بن الحسين قال عدت مريضا فقلت له كيف تجدك قال هو الموت قلت وكيف علمت (1/596)
أنه الموت قال أجدني أجتذب اجتذابا وكأن الخناجر مختلفة في جوفي وكأن جوفي تنور محمى يتلهب
قلت فاعهد قال أرى الأمر أعجل من ذلك
فدعا بدواة وصحيفة فوالله ما أتى بها حتى شخص بصره فمات
وقال إبراهيم بن يزيدالعبدي أتاني رياح القيسي فقال يا أبا إسحاق انطلق بنا إلى أهل الآخرة نحدث بقربهم عهدا فانطلقت معه فأتى إلى المقابر فجلسنا إلى بعض تلك القبور فقال يا أبا إسحاق ما ترى هذا متمنيا لو منى قلت أن يرد والله إلى الدنيا فيستمتع من طاعة الله ويصلح
قال فها نحن ثم نهض فجد واجتهد فلم يلبث إلا يسيرا حتى مات
فصل وصور لنفسك حين اعتراض الهوى عرضك على ربك وتخجيله إياك بمضيض
العتاب على فعل ما نهاك عنه
أخبرنا الكروخي قال أنبأنا الأزدي والغورجي قالا أنبأنا الجراحي قال حدثنا المحبوبي قال حدثنا الترمذي قال حدثنا هناد قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن خيثمة بن عدي ابن حاتم قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ما منكم من احد إلا سيكلمه ربه تبارك وتعالى ليس بينه وبينه ترجمان أخرجاه في الصحيحين
أخبرنا ابن عبد الواحد قال أنبأنا أبو علي التميمي قال أنبأنا أبو بكر (1/597)
ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عفان قال حدثنا همام قال حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال كنت آخذا بيد ابن عمر إذ عرض له رجل فقال كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول في النجوى يوم القيامة
فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول إن الله عز و جل يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس ويقرره بذنونه ويقول له أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم أخرجاه في الصحيحين
فصل وتخايل شهادة المكان الذي تعصي فيه عليك يوم القيامة أخبرنا
أبو القاسم الشيباني قال أنبأنا أبو علي التميمي قال أنبأنا أبو بكر القطيعي قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا إبراهيم قال حدثنا ابن المبارك عن سعيد بن أبي أيوب قال حدثني يحيى بن أبي سليمان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم يومئذ تحدث أخبارها فقال أتدرون ما أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها أن تقول عمل كذا وكذا في يوم كذا وكذا فهو أخبارها
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب (1/598)
فصل ومثل في نفسك عند بعض زللك كيف يؤمر بك إلى النار التي لا
طاقة لمخلوق بها وتصور نفاد اللذة وبقاء العار والعذاب فقد قال الشاعر
تفنى اللذاذة ممن نال شهوته ... من الحرام ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء في مغبتها ... لا خير في لذة من بعدها النار
أخبرنا هبة الله بن محمد قال أنبأنا الحسن بن علي قال أنبأنا أبو بكر ابن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا عبدالرزاق قال حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من حر جهنم
قالوا والله إن كانت لكافية
قال إنها فضلت عليها بتسعة وتسعين جزءا كلهن مثل حرها
أخرجاه في الصحيحين
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا ابن السراج قال أنبأنا ابن المذهب قال أنبأنا ابن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الوهاب قال حدثنا عوف عن قسامة بن زهير قال خطبنا أبو موسى فقال يا أيها الناس ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهل النار يبكون الدموع حتى تنقطع ثم يبكون الدماء حتى لو أرسلت فيها السفن لجرت (1/599)
قال أحمد وحدنثا إبراهيم بن خالد قال حدثنا رياح قال حدثت عن وهب بن منبه أنه قال إذا سيرت الجبال فسمعت حسيس النار وتغيظها وزفيرها وشهيقها صرخت الجبال كما تصرخ النساء ثم ترجع أوائلها على أواخرها يدق بعضها بعضا
أخبرنا عبد الله بن محمد البيضاوي قال أنبأنا أحمد بن محمد بن النقور قال أنبأنا عيسى بن علي قال حدثنا البغوي قال حدثنا داود بن عمرو العتبي قال حدثنا أبو الأحوص عن الأعمش عن مجاهد عن عبيد بن عمر قال إن أهون أهل النار عذابا رجل له نعلان من نار وشرا كان من نار أضراسه جمر ومسامعه جمر أشفار عينيه من لهيب النار تخرج أحشاؤه من قدميه وسائرهم كالحب القليل في الماء الكثير فهي بهم تفور
وكان بسر الحافي يقول ما ظنكم بأقوام وقفوا بين يدي الله تعالى مقدار خمسين ألف سنة لم يأكلوا ولم يشربوا حتى تقطعت أكبادهم من العطش وأجوافهم من الجوع وأعناقهم من التطاول ورجوا الفرج فأمر بهم إلى النار
فصل فإن قال قائل قد عرفت صحة ما ذكرت كله وعلمت أن لا
دواء كاليأس وقد عزمت على هجر المحبوب بالكلية وقطعت طمعي منه جزما إلا أنني في قلق لا يسكن وحرقة لا تخبو ولهيب لا يطفأ
فهل لذلك علاج
فالجواب أنه إن كان المحبوب مقدورا عليه مباحا كجارية يمكن شراؤها أو امرأة يمكن أن تتزوج فلا دواء لذلك كذلك (1/600)
فإن خلقا كثيرا أضناهم العشق فلما قدروا على المحبوب عاودتهم الصحة سريعا لأن النكاح يزيل العشق
أنبأنا عبد الوهاب بن المبارك قال حدثنا محمد بن المظفر بن بكران قال حدثنا أحمد بن محمد العتيقي قال أنبأنا يوسف بن أحمد بن الدخيل قال حدثنا أبو جعفر العقيلي قال حدثنا محمد بن خزيمة قال حدثنا عبد الله بن يوسف التنيسي قال حدثنا محمد بن مسلم الطائفي عن إبراهيم بن ميسرة عن طاووس عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لم ير للمتحابين مثل التزوج
أخبرنا محمد بن ناصر وابن أبي عمر قالا أنبأنا علي بن أيوب قال أنبأنا أبو علي بن شاذان قال حدثنا أبو الفوارس أحمد بن علي محتسب المصيصة قال حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا أحمد بن حرب قال حدثنا سفيان بن عيينة قال حدثنا عمرو بن دينار عن جابر قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله عندنا يتيمة قد خطبها رجلان موسر ومعسر هي تهوى المعسر ونحن نهوى الموسر فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم ير للمتحابين مثل النكاح
أنبأنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبدالجبار قال أنبأنا الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا ابن المرزبان إجازة وحدثنا محمد بن حريث عنه قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثني الهيثم بن عدي قال عن ابن شبرمة قال كنت أقعد إلى فلانة الترجمية وكانت جميلة برزة فخلا البيت يوما فقلت لها هل لك فيما أحل الله عز و جل وأمر به فقالت يعجبك قلت نعم قالت فلا ترده فإن الحب إذا نكح فسد
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا أحمد بن محمد البخاري وأخبرتنا شهدة (1/601)
قالت أنبانا أبو محمد بن السراج قالا أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا ابن حيويه قال حدثنا ابن خلف قال زعم ابن دأب أن معاذ ابن كليب كان يعشق ليلى الأعلمية من بني عقيل وكان قد أقعده حبها من رجليه فأتاه أخو ليلى بليلى فلما نظر إليها وكلمته تحلل ما كان به وانصرف وقد عوفي
فصل وإن كان حصول المحبوب ممكنا جائزا في الشرع إلا أنه تعسر
فليلجأ المحب إلى الله سبحانه في تسهيله وليعامله بالصبر على ما نهى عنه فربما عجل له مراده
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا عبدالملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا محمد ابن جعفر قال حدثني أخي قال حدثنا إسماعيل بن الحسن الجوهري قال حدثنا جعفر بن العباس بن الهيثم قال حدثني محمد بن عبيد الزاهد قال كانت عندي جارية فبعتها فتتبعتها نفسي فصرت إلا مولاها مع جماعة من إخواني فسألته أن يقيلني ويربح عشرين دينارا فأبى علي فانصرفت من عنده فرمت فطري فلم أقدر عليه فبت ساهرا لا أدري ما أصنع فخشى أن أعاوده في غد فأخرجها إلى المدائن فلما رأيت ما بي من الجهد كتبت اسمها في راحتي واستقبلت القبلة فكلما طرقني طارق من ذكرها رفعت يدي إلى السماء وقلت يا سيدي هذه قصتي
حتى حتى إذا كان في السحر من اليوم الثاني إذا أنا برجل يدق علي الباب (1/602)
فقلت من هذا فقال أنا مولى الجارية فنزلت فإذا أنا به فقال خذ الجارية بارك الله لك فيها فقلت خذ دنانيرك والربح فقال ما كنت لآخذ منك دينارا ولا درهما قلت ولم ذاك قال لأنه أتاني آت الليلة في منامي فقال لي رد الجارية على ابن عبيد ولك على الله الجنة
أنبأنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم الكندي قال أنبأنا الخرائطي قال حدثنا حماد بن الحسن قال حدثنا سيار بن حاتم قال حدثنا جعفر بن سليمان قال حدثنا ثابت البناني قال أخذ عبيد الله بن زياد ابن أخي صفوان بن محرز المازني فحبسه فتحمل صفوان عليه بالناس فلم يبق أحد إلا كلمه فلم ير لحاجته نجحا فأتاه آت في منامه فقال يا صفوان قم فاطلب حاجتك من وجهها فقام وتوضأ وصلى ودعا قال منبه عبيد الله بن زياد لحاجة صفوان في بعض الليل فقال علي بابن أخي صفوان قال فجاء الحرس والشرط والنيران وفتحت السجون حتى استخرج فجيء به إلى عبيد الله فقال أنت ابن أخي صفوان فقال نعم فأرسله فما شعر صفوان حتى ضرب عليه ابن أخيه الباب قال من هذا قال فلان نبه الأمير في بعض الليل فجاء الحرس والشرط وجيء بالنيران وفتحت السجون فجيء بي إليه فخلى عني بغير كفالة
قال الخرائطي وحدثنا أبو حفص النسائي قال حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال حدثنا أبو سلمة الطائي عن أبي عبد الله النباجي قال سمعت هاتفا يهتف عجبا لمن وجد حاجته عند مولاه فأنزلها بالعبيد (1/603)
سياق ذكر جماعة حصل لهم مرادهم من تزوج النساء المحبوبات أو ملك الجواري
أنبأنا محمد بن ناصر قال أنبأنا محمد بن الحسن الباقلاوي قال أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال حدثنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي قال حدثنا الحسن بن علي قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا أبو الأحوص عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال كان لعلي رضي الله عنه جارية وكان له مؤذن بالرحبة يؤذن بغلس وكانت الجارية تخرج تستعذب له الماء من الفرات فكانت كلما تمر بالمؤذن يقول لها أنا والله يا فلانة أحبك فلما أكثر عليها شكته إلى علي فقال لها إذا قال لك أنا والله أحبك فقولي له أنا والله أحبك فماذا فقالت له فقال نصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين
فجاءت إلي علي فأخبرته فقال اذهبي فائتني به فلما دخل عليه رحب به وأدناه وقال له يا فلان في قلبك من فلانة شيء قال نعم يا أمير المؤمنين قال فهل علم بذلك أحد من الناس قال لا والله
قال فناشده ثلاثا كل ذلك يحلف له قال فشأنك بها فخذ بيدها فهي لك فهذا من حكم الله وهو خير الحاكمين
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو محمد جعفر بن أحمد السراج قال أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري إن لم يكن سماعا فإجازة قال حدثنا المعافى بن زكريا الجريري قال حدثنا أبو النضر العقيلي قال حدثني عبد الله بن أحمد بن حمدون النديم عن أبي بكر العجلي عن جماعة من مشايخ قريش من أهل المدينة قالوا كانت عند عبد الله بن جعفر جارية مغنية يقال لها (1/604)
عمارة وكان يجد بها وجدا شديدا وكان لها مكان لم يكن لأحد من جواريه فلما وفد عبد الله بن جعفر علي معاوية خرج بها معه فزاره يزيد ذات يوم فأخرجها إليه فلما نظر إليها وسمع غناءها وقعت في نفسه فأخذه عليها ما لا يمكنه وجعل لا يمنعه من أن يبوح بما يجد بها إلا مكان أبيه مع اليأس من الظفر بها فلم يزل يكاتم الناس أمرها إلى أن مات معاوية وأفضى الأمر إليه
فاستشار بعض من قدم عليه من أهل المدينة وعامة من يثق به في أمرها وكيف الحيلة فيها فقيل له إن أمر عبد الله بن جعفر لا يرام ومنزلته من الخاصة والعامة ومنك ما قد علمت وأنت لا تستجيز إكراهه وهو لا يبيعها بشيء أبدا وليس يغني في هذا إلا الحيلة
فقال انظروا لي رجلا عراقيا له أدب وظرف ومعرفة فطلبوه فأتوه به فلما دخل رأى بيانا وحلاوة وفهما فقال يزيد إني دعوتك لأمر إن ظفرت به فهو حظك آخر الدهر ويد أكافئك عليها إن شاء الله
ثم أخبره بأمره فقال له إن عبد الله بن جعفر ليس يرام ما قبله إلا بالخديعة ولن يقدر أحد على ما سألت فأرجوا أن أكونه والقوة بالله فأعني بالمال
قال خذ ما أحببت فأخذ من طرف الشام وثياب مصر واشترى متاعا للتجارة من رقيق ودواب وغير ذلك ثم شخص إلى المدينة فأناخ بعرصة عبد الله بن جعفر واكترى منزلا إلى جانبه ثم توسل إليه وقال رجل من أهل العراق قدمت بتجارة وأحببت أن أكون في جوارك وكنفك إلى أن أبيع ما جئت به
فبعث عبد الله بن جعفر إلى قهرمانة أن أكرم الرجل ووسع عليه في نزله (1/605)
فلما اطمأن العراقي سلم عليه وعرفه نفسه وهيأ له بغلة فارهة وثيابا من ثياب العراق وألطافا فبعث بها إليه وكتب يا سيدي إني رجل تاجر ونعمة الله علي سابغة وقد بعثت إليك بشيء من لطف كذا وكذا من الثياب والعطر وبعثت ببغلة خفيفة العنان وطيئة الظهر وأنا أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا قبلت هديتي ولم توحشني بردها إني أدين الله تعالى بحبك وحب أهل بيتك وإن أعظم أملي في سفري هذه أن أستفيد الأنس بك والتحرم بمواصلتك فأمر عبد الله بقبض هديته وخرج إلى الصلاة فلما رجع مر بالعراق في منزله فقام إليه وقبل يده فرأى أدبا وظرفا وفصاحة فأعجب به وسر بنزوله عليه فجعل العراقي في كل يوم يبعث إلى عبد الله بلطف تطرفه فقال عبد الله جزى الله ضيفنا هذا خيرا قد ملأنا شكرا وما نقدر على مكافأته فإنه لكذلك إلى أن دعاه عبد الله ودعا بعمارة في جواريه فلما طاب لهما الملجس وسمع غناء عمارة تعجب وجعل يزيد في عجبه فلما رأى ذلك عبد الله سر به إلى أن قال هل رأيت مثل عمارة قال لا والله يا سيدي ما رأيت مثلها وما تصلح إلا لك وما ظننت أن يكون في الدنيا مثل هذه الجارية حسن وجه وحسن عمل
قال فكم تساوي عندك قال مالها ثمن إلا الخلافة قال تقول هذا لتزين لي رأيي فيها وتجتلب سروري قال له يا سيدي إني لأحب سرورك وما قلت لك إلا الجد وبعد فإني تاجرا أجمع الدرهم إلى الدرهم طلبا للربح ولو أعطيتنيها بعشرة آلاف دينار لأخذتها فقال له عبد الله عشرة آلاف قال نعم ولم يكن في ذلك الزمان جارية تعرف بهذا الثمن فقال له عبد الله (1/606)
أنا أبيعكها بعشرة آلاف دينار قال قد أخذتها قال هي لك قال قد وجب البيع وانصرف العراقي
فلما أصبح عبد الله لم يشعر إلا بالمال قد وافى به فقيل لعبد الله قد بعث العراقي بعشرة آلاف دينار وقال هذا ثمن عمارة فردها وكتب إليه إنما كنت أمزح معك ومما أعلمك أن مثلي لا يبيع مثلها فقال له جعلت فداك إن الجد والهزل في البيع سواء فقال له عبد الله ويحك ما أعلم جارية تساوي ما بذلت ولو كنت بائعها من أحد لآثرتك ولكني كنت مازحا وما أبيعها بملك الدنيا لحرمتها بي وموضعها من قلبي فقال العراقي إن كنت مازحا فإن كنت جادا وما أطلعت على ما في نفسك وقد ملكت الجارية وبعثت إليك بثمنها وليست تحل لك ومالي من أخذها بد
فمانعه إياها فقال له ليست لي بينة ولكني أستحلفك عند قبر رسول الله صلى الله عليه و سلم ومنبره
فلما رأى عبد الله الجد قال بئس الضيف أنت ما طرقنا طارق ولا نزل بنا فازل أعظم بلية منك أتحلفني فيقول الناس اضطهد عبد الله ضيفه وقهره فألجأه إلى أن استحلفه أما والله ليعلمن الله عز و جل أني سائله في هذا الأمر الصبر وحسن العزائم
ثم أمر قهرمانه بقبض المال فيه وتجهيز الجارية بما يشبهها من الخدم والثياب والطيب
فجهزت بنحو من ثلاثة آلاف دينار وقال هذا لك ولك عوضها مما ألطفتنا والله المستعان
فقبض العراقي الجارية وخرج بها فلما برز من المدينة قال لها يا عمارة إني (1/607)
والله ما ملكتك قط ولا أنت لي ولا مثلي يشتري جارية بعشرة آلاف دينار وما كنت لأقدم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأسلبه أحب الناس إليه لنفسي ولكني دسيس من يزيد بن معاوية وفي طلبك بعث بي فاستتري مني وإن داخلني الشيطان أو تاقت نفسي إليك فامتنعي
ثم مضى بها حتى ورد دمشق فتلقاه الناس بجنازة يزيد وقد استخلف ابنه معاوية بن يزيد فأقام الرجل أياما ثم تلطف للدخول عليه فشرح له القصة
ويروي أنه لم يكن أحد من بني أمية يعدل عدل معاوية بن يزيد في زمانه بتلا ونسكا فلما أخبره قال هي لك وكل ما دفعه إليك من أمرها فهو لك وارحل من يومك ولا أسمع بخبرك في شيء من بلاد الشام
فرحل العراقي ثم قال للجارية إني قلت لك ما قلت حين خرجت بك من المدينة فأخبرتك أنك ليزيد وقد صرت لي وأنا أشهد الله أنك لعبد الله ابن جعفر وأني قد رددتك عليه فاستتري مني
ثم خرج بها حتى قدم المدينة فنزل قريبا من عبد الله فدخل عليه بعض حرمه فقال له هذا العراقي ضيفك الذي صنع ما صنع وقد نزل العرصة لا حياه الله
فقال عبد الله مه أنزلوا الرجل وأكرموه
فلما استقر بعث إلى عبد الله جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أذنة خفيفة لأشافهك بشيء فعلت فأذن له فلما دخل عليه سلم عليه وقبل يده وقربه عبد الله ثم اقتص عليه القصة حتى فرغ قال والله قد وهبتها لك قبل أن أراها أو أضع يدي عليها فهي لك ومردودة عليك وقد علم الله تعالى أني ما رأيت لها وجها إلا عندك (1/608)
وبعث إليها فجاءت وجاء بما جهزها به موفرا فلما نظرت إلى عبد الله خرت مغشيا عليها فأهوى إليها عبد الله فضمها إليه وخرج العراقي وتصايح أهل الدار عمارة عمارة فجعل عبد الله يقول ودموعه تجري أحلم هذا أحق هذا ما أصدق بهذا
قال له العراقي جعلت فداك ردها عليك إيثارك الوفاء وصبرك على الحق وانقيادك له
فقال عبد الله الحمد لله اللهم إنك تعلم أني تصبرت عنها وآثرت الوفاء وأسلمت لأمرك فرددتها علي بمنك فلك الحمد
ثم قال يا أخا العراق ما في الأرض أعظم منة منك وسيجازيك الله تعالى
وأقام العراقي أياما وباع عبد الله غنما بثلاثة عشر ألف دينار وقال لقهرمانه احملها إليه وقال له اعذر واعلم أني لو وصلتك بكل ما أملك لرأيتك أهلا لأكثر منه وقفل العراقي محمودا وافر العرض والمال
وروى مصعب الزبيري عن محمد بن عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة عن أبيه عن جده قال دخل عبد الله ابن أبي عمار وهو يومئذ فقيه أهل الحجاز على نخاس فعلق فتاة فاشتهر بذكرها حتى مشى إليه عطاء وطاووس ومجاهد يعذلونه فكان جوابه
يلومني فيك أقوام أجالسهم ... فما أبالي أطار اللوم أم وقعا
فانتهى خبره إلى عبد الله بن جعفر فلم يكن له همة غيره فحج فبعث إلى مولى الجارية فاشتراها منه بأربعين ألفا وأمر قيمة جواريه أن تزينها وتجليها ففعلت وبلغ الناس قدومه فدخلوا عليه فقال مالي لا أرى ابن أبي عمار زائرنا (1/609)
فأخبر الشيخ فأتاه فلما أراد أن ينهض استجلسه فقعد فقال له ابن جعفر ما فعل حب فلانة فقال سيط به لحمى ودمي وعصبي ومخي وعظامي قال فتعرفها إن رأيتها قال وأعرف عيرها قال فإني قد اشتريتها ووالله ما نظرت إليها
وأمر بها فأخرجت فزفت في الحلى والحلل فقال أهي هذه قال نعم بأبي أنت وأمي قال فخذ بيدها فقد جعلها الله لك أرضيت قال إي والله بأبي أنت وأمي وفوق الرضا فقال له ابن جعفر ولكني والله لا أرضى أن أعطيكها صفرا احمل معه يا غلام مائة ألف درهم كيلا يهتم بمؤونتها
قال فراح بها وبالمال
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا طلحة بن محمد العاقولي قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال أنبأنا أبو عبد الله بن بطة قال حدثنا أبو بكر بن دريد قال حدثنا أبو عثمان المازني عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال كان بالحجاز رجل له ابنة جميلة فهويها ابن عم لها فبذل لأبيها أربعة آلاف درهم فأبى أن يزوجها منه فأجدبت الجارية وانقرض مال الرجل فتحول أبو الجارية بأهله من الشام فكثر خطابها فبلغ ذلك ابن عمها فصار إلى أبيها فشكى إليه فقال له قد كنت بذلت أربعة آلاف درهم فأعطيناها فهي أحب إلينا من قرابتك قال أجلني شهرا ولم يكن للأعرابي إلا ناقة فركبها ولحق بعبد الملك بن مروان فأصيب بناقته فحمل الحلس والقتب على عنقه ودخل على عبد الملك بن مروان فلما وضع الحلس والقتب بين يديه أنشأ يقول
ماذا يقول أمير المؤمنين لمن ... أدلى إليه بلا قرب ولا نسب
مدله عقله من حب جارية ... موصوفة بكمال الدل والأدب
خطبتها إذ رأيت الناس قد لهجوا ... بذكرها والهوى يدعو إلى العطب
فقلت لي حسب عال ولي شرف ... قالوا الدراهم خير من ذوي الحسب (1/610)
إنا نريد ألوفا منك أربعة ... ولست أملك غير الحلس والقتب
فالنفس تعجب لما رمت خطبتها ... مني ويضحك إفلاسي من العجب
لو كنت أملك مالا أو أحيط به ... أعطيتهم ألف قنطار من الذهب
فامنن على أمير المؤمنين بها ... واجمع بها شمل هذا البائس العزب
فما وراءك بعد الله مطلب ... أنت الرجاء ومنى غاية الطلب
فضحك عبد الملك وأمر له بأربعة آلاف قال أصدقها هذه وأربعة آلاف قال أو لم بهذه وأربعة آلاف قال اقتن هذه
فأخذها الفتى ورجع إلى الشيخ فزوجه ابنته
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا محفوظ بن أحمد قال أنبأنا أبو علي محمد بن الحسين الجازري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا محمد بن الحسن بن دريد قال أنبأنا العباس بن الفرج الرياشي قال أنبأنا محمد بن سلام قال كان بالمدينة فتى من بني أمية من ولد سعيد بن عثمان بن عفان وكان يختلف إلى قينة لبعض قريش وكان طريرا ظريفا وكانت الجارية تحبه ولا يعلم بحبها ويحبها ولا تعلم فأراد يوما أن يبلو ذلك منها فقال لبعض إخوانه امض بنا إلى فلانة فانطلقا فدخلا إليها فلما جلست مجلسها واحتجزت بمزهرها قال الأموي تغنين
أحبكم حبا بكل جوارحي ... فهل لكم علم بما لكم عندي وتجزون بالود المضاعف مثله ... فإن الكريم من جزى الود بالود
قالت نعم وأحسن منه وغنت (1/611)
للذي ودنا المودة بالضعف وفضل البادي به لا يجازى
لو بدا ما بنا لكم ملأ الأرض ... وأقطار شامها والحجازا
فعجب القوم من سرعته مع شغل قلبه ومن ذهنها وحسن جوابها فازداد كلفا وصرح عما في قلبه فقال
أنت عذر الفتى إذا هتك ... الستر وإن كان يوسف المعصوما
من يلم في هواك يقصر عن اللوم ... وإما رآك كان الملوما
وبلغ عمر بن عبد العزيز وهو على المدينة خبرها فاشتراها بعشر حدائق ووهبها له وما يصلحها فمكثت عنده حولا ثم ماتت فرثاها فقال
قد تمنيت جنة الخلد بالجهد ... وأدخلتها بلا استئهال
ثم أخرجت أن تطعمت بالنعمة منها والموت أحمد حال
فكرر هذا الشعر مرارا وقضى فدفنا معا
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا أبو محمد الجوهري قال حدثنا ابن حيويه قال حدثنا أبو بكر بن المرزبان قال أخبرني أبو محمد التميمي قال أخبرني محمد بن عمرو المؤدب عن محمد بن عبد الرحمن ابن القاسم المكي قال حدثني مطرف بن عبد الله أنه كان بالمدينة جارية قد قرأت القرآن وروت الأشعار وكانت أحسن الناس وجها وكان الأحوص وعبد الرحمن بن حسان يختلفان إليها يطارحانها الشعر فعلقاها وعلقت هي عبد الرحمن فكانت إذا حدثت أقبلت بحديثها على عبد الرحمن وإذا حدث أنصتت له فغاظ ذلك الأحوص فقال والله لأعرضن لها ببيت من شعر فقال (1/612)
أرى الإقبال منك على خليلي ... وما لي في حديثك من نصيب
فقالت الجارية تجيبه
لأن الله علقه فؤادي ... فأضحى الحب دونك والحبيب
فقال عبد الرحمن
خليلي لا تلمها في هواها ألذ العيش ما تهوى القلوب
فقال الأحوص والله لأجهدن أن أفرق بينكما
فخرج إلى يزيد بن عبد الملك وامتدحه فأجازه وأحسن صلته فقال يا أمير المؤمنين نصيحة قال وما هي قال جارية خلفتها بالمدينة جميلة قد قرأت القرآن وروت الأشعار وما تصلح إلا لمسامرة أمير المؤمنين
قال ويحك صفها في أبيات شعر فقال
كملت في الجمال والحسن والملح وتمت في عقلها والعفاف
غضة بضة فتاة كعوب ... هضمة الكشح وعثة الأرداف
هي شمس النهار في الحسن إلا ... أنها فضلت بعطف الظراف
ولها منظر ودل شهى ... وحديث مرتل غير جافي
خلقت فوق منية المتمني ... فاقبل النصح يابن عبد مناف
قال قد قبلت فبعث فاشتراها بمائة ألف درهم فلما صارت إلى الشام خرج الأحوص من الشام حتى قدم المدينة فمر بعبد الرحمن بن حسان وهو جالس بفناء داره يخط الأرض فوقف عليه فأنشأ يقول (1/613)
يا مبتلي بالحب مفدوحا ... لاقى من الحب التباريحا
ألجمه الحب فما ينثني ... إلا بفاس الحب مكبوحا
وصار ما يعجبه مغلقا ... عنه وما يكره مفتوحا
قد حازها من أصبحت عنده ... ينال منها الشم والريحا
خليفة الله فسل الهوى ... وعز قلبا منك مجروحا
فرفع عبد الرحمن رأسه إليه وهو يقول
لا صبر لي عن شادن طرفه ... يورث باللحظ التباريحا
لو تخلص الريح إلى جسمه ... ظل لمس الريح مجروحا
لا حظ لي منه سوى أنني ... من نحوه أستنشق الريحا
وكلما استنشقتها مرة ... عددتها غنما ومفروحا
ووافق ذلك خروج غلام من بني أمية إلى يزيد بن عبد الملك فقال لعبد الرحمن بن حسان ألك حاجة قال نعم هذا الكتاب تلطف في إيصاله إليها وكتب إليها يعلمها ما جرى بينه وبين الأحوص من الشعر وشماتته به فكتبت الجارية إليه
يا مشتكي الحب ولوعاته ... أصبح قلبي منك مقروحا
ما قرت العين بما نلته ... ولا عددت الملك مفروحا
شوقا إلى وجهك ذاك الذي ... لم يبق لي في يدي روحا
فلما قرأ كتابها استفزه ذلك حتى خرج إلى الشام فامتدحه فأحسن صلته وجائزته ثم مكث أياما وعلمت الجارية بقدومه فجعلت توجه إليه تستخبر (1/614)
خبره وكان الذي يختلف إليه خادم لها فقالت له يوما احتل في أن تدخله فأتى يزيد فأعلمه بالليلة التي يدخل فيها فجلس يزيد في موضع يراهم ولا يرونه ويسمع كلامهم فلما دخل قامت إليه فأخذت بيده ثم جلست ناحية يتحدثان ويبكيان إلى أن طلع الفجر فقام لينصرف فأنشأت تقول
من كان أضحى سلا باليأس عن سكن ... فإنني عنك ما أمسيت بالسالي
والله والله لا أنساك يا سكني ... حتى تفارق مني الروح أوصالي
فأجابها
أضحى المحبون بعد الوصل قد يئسوا ... وقد يئست وما أسلو على حال
قال فلما أصبح يزيد بعث إليه وبعث إليها وأقبل عليهما فقال حدثاني ما كان بينكما في هذه الليلة فقد خبرني بعض من حضر مجلسكما فأخبراه بما كان فأقبل على عبد الرحمن فقال أتحبها قال إي والله يا أمير المؤمنين حبا تالدا غير طارف ولا مستأنف
فأقبل عليها فقال أتحبينه قالت إي والله يا أمير المؤمنين حبا قد خرق شغاف قلبي
فقال خذ بيدها ثم قال مكانك إنها لا تنفعك بغير ما يصلحكما فأمر له بمائة ألف درهم
فقدم بها المدينة (1/615)
وروى أبو بكر بن دريد عن عبد الرحمن بن أخي الأصمعي عن عمه قال حج يزيد بن عبد الملك في خلافة أخيه سليمان فعرضت عليه جارية مغنية جميلة فأعجب بها غاية الإعجاب فاشتراها بأربعة آلاف دينار وكان اسمها العالية فسماها حبابة وكان يهواها الحارث بن خالد المخزومي فقال له بلغه خروج يزيد بها
ظعن الأمير بأحسن الخلق ... وغدا بلبك مطلع الشرق
وبلغ سليمان خبرها فقال لهممت أن أحجر على يزيد يبتاع جارية بأربعة آلاف دينار
وكان يزيد يهابه ويتقيه فتأدى إليه قوله فردها على مولاها واسترجع منه المال وباعها مولاها من رجل من أهل مصر بهذا الثمن ومكث يزيد آسفا متحسرا عليها فلم تمض إلا مديدة حتى تقلد يزيد الأمر فبينا هو في بعض الأيام مع إمرأته سعدة بنت عمرو بن عثمان إذ قالت له بقي في نفسك شيء من أمور الدنيا لم تنله قال نعم حبابة فأمسكت حتى إذا كان من الغد أرسلت بعض ثقاتها إلى مصر ودفعت إليه مالا وأمرته بابتياع حبابة فمضى فما كان بأسرع من أن ورد وهي معه قد اشتراها
فأمرت سعدة قيمة جواريها أن تصنعها وكستها من أحسن الثياب وصاغت لها أفخر الحلي وقالت لها أمير المؤمنين متحسر عليك وله اشتريتك فسرت ودعت لها فلبثت أياما تصنعها تلك القيمة حتى إذا ذهب عنها وعث السفر قالت سعدة ليزيد إني أحب أن تمضي معي إلى بستانك بالغوطة لنتتزه فيه قال أفعل فتقدميني إليه (1/616)
فمضت وضربت قبة وشى ونجدتها بالفرش وجعلت داخلها كلة قصب وأجسلت فيها حبابة
وجاء يزيد فأكلوا وجلسوا على شرابهم فأعادت سعدة عليه هل بقي في نفسك من الدنيا شيء لم تبلغه قال نعم حبابة
قالت فإني قد اشتريت جارية ذكرت أنها علمتها غناءها كله فهي تغني مثلها فتنشط لاستماعها قال إي والله
فجاءت به إلى القبة وجلسا قدامها وقالت غني يا جارية فغنت الصوت الذي عنته ليزيد لما اشتراها هو من شعر كثير
وبين التراقي والفؤاد حرارة ... مكان الشجالا تستقل فتبرد
فقال يزيد حبابة والله فقالت سعدة حبابة والله لك اشتريتها وقد أهديتها لك
فسر سرورا عظيما وشكرها غاية الشكر وانصرفت وتركته مع حبابة في البستان فلما كان بالعشى صعد معها إلى مستشرف في البستان وقال لها غني وبين التراقي والفؤاد حرارة فغنته فأهوى ليرمي بنفسه وقال أطير والله فتعلقت به وقالت الله الله يا أمير المؤمنين
وأقام معها ثلاثة أيام في البستان ثم انصرفا واقامت أياما ثم مرضت وماتت فحزن عليها حزنا شديدا وامتنع عن الطعام والشراب ومرض ومات (1/617)
أنبأنا هبة الله بن أحمد الحريري قال أنبأنا محمد بن علي بن الفتح العشاري قال أنبأنا أبو الحسين بن أخي ميمي قال حدثنا جعفر الخلدي قال حدثنا أحمد بن محمد بن مسروق قال حدثنا محمد بن الحسين البرجلاني قال حدثني أشرس بن النعمان قال حدثني الجزري قال حدثني موسى بن علقمة المكي قال كان عندنا ها هنا نخاس وكانت له جارية وكان يوصف من جمالها وكمالها أمر عجيب وكان يخرجها أيام الموسم وكان يبذل له فيها الرغائب فيمتنع عن بيعها ويطلب الزيادة في ثمنها
فما زال بذلك حينا وتسامع بها أهل الأمصار فكانوا يحجون عمدا للنظر إليها
قال وكان عندنا فتى من النساك قد نزع إلينا من بلده وكان مجاورا عندنا فرأى الجارية يوما في أيام العرض لها فوقعت في نفسه وكان يجيء طول أيام العرض ينظر إليها وينصرف فلما حجبت أحزنه ذلك وأمرضه مرضا شديدا وجعل يذوب جسمه وينحل واعتزل الناس فكان يقاسي البلاء طول سنته إلى أيام الموسم فإذا خرجت الجارية إلى العرض خرج فنظر إليها فسكن ما به حتى تحجب
فبقى على ذلك سنين ينحل ويذوب ولم أزل به وألح عليه إلى أن حدثني بحديثه وما يقاسيه وسأل أن لا أذيع عليه ذلك ولا يسمع به أحد
فرحمته لما يقاسي وما صار إليه فدخلت إلى مولى الجارية ولم أزل أحادثه إلى أن خرجت إليه بحديث الفتى وما يقاسي وما صار إليه وأنه صار على حالة الموت (1/618)
فقال قم بنا إليه حتى أشاهده وأنظر حاله فقمنا جميعا ودخلنا عليه فلما دخل مولى الجارية ورآه وشاهد ما هو عليه لم يتمالك أن رجع إلى داره فأخرج ثيابا حسنة سرية وقال أصلحوا فلانة ولبسوها هذه الثياب واصنعوا ما تصنعون بها أيام الموسم ففعلوا بها ذلك فأخذ بيدها وأخرجها إلى السوق ونادى في الناس فاجتمعوا فقال معاشر الناس اشهدوا أني قد وهبت جاريتي فلانة لهذا وما عليها ابتغاء ما عند الله
ثم قال للفتى تسلم هذه الجارية فهي هدية مني إليك بما عليها
فجعل الناس يعذلونه ويقولون ويحك ما صنعت قد بذل لك فيها الرغائب فلم تبعها ووهبتها لهذا فقال إليكم عني فإني أحييت كل من على وجه الأرض قال الله تعالى ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال أنبأنا المعافي بن زكريا الجريري قال أنبأنا محمد بن أبي الأزهر قال حدثنا حماد بن إسحاق الموصلي قال حدثني أبي قال حدثني بشر بن الوليد قال كنت عند أبي يوسف القاضي فحدثني قال بينا أنا البارحة قد أويت إلى فراشي فإذا داق يدق الباب دقا شديدا فأخذت علي إزاري وخرجت فإذا هرثمة بن أعين فسلمت عليه فقال أجب أمير المؤمنين فقلت يا أبا حاتم لي بك حرمة وهذا وقت كما ترى ولست آمن أن يكون أمير المؤمنين دعاني لأمر من الأمور فإن أمكنك (1/619)
أن تدفع بذلك إلى الغد فلعله أن يحدث له رأى فقال مالي إلى ذلك سبيل
قلت كيف كان السبب قال خرج إلي مسرور الخادم فأمرني أن آتي بك أمير المؤمنين
فقلت تأذن لي أن أصب على ماء وأتحنط فإن كان أمر من الأمور كنت قد أحكمت شأني وإن رزق الله العافية فلن يضر فأذن لي
فدخلت فلبست ثيابا جددا وتطيبت بما أمكن من الطيب ثم خرجنا فمضينا حتى أتينا دار أمير المؤمنين الرشيد فإذا مسرور واقفا
فقال له هرثمة قد جئت به
فقلت لمسرور يا أبا هاشم خدمتي وحرمتي وهذا وقت ضيق فتدري لم طلبني أمير المؤمنين قال لا
قلت فمن عنده قال عيسى بن جعفر
قلت ومن قال ما عنده ثالث
فقال مر فإذا صرت في الصحن فإنه في الرواق جالس فحرك رجلك بالأرض فإنه سيسألك فقل أنا فجئت ففعلت فقال من هذا قلت يعقوب قال ادخل فدخلت فإذا هو جالس وعن يمينه عيسى بن جعفر فسلمت فرد علي السلام وقال أظننا روعناك قلت إي والله وكذلك من خلفي قال اجلس فجلست حتى سكن روعي ثم التفت إلي فقال يا يعقوب تدري لم دعوتك قلت لا قال دعوتك لأشهدك على هذا إن عنده جارية سألته أن يهبها لي فامتنع وسألته أن يبيعها فأبى ووالله لئن لم يفعل لأقتلنه
قال فالتفت إلى عيسى فقلت وما بلغ الله بجارية تمنعها أمير المؤمنين وتترك نفسك عند هذه المنزلة
قال فقال لي عجلت علي في القول قبل أن تعرف ما عندي قلت (1/620)
وما في هذا من الجواب قال إن علي يمينا بالطلاق والعتاق وما أملك صدقة ان لا أبيع هذه الجارية ولا أهبها
فالتفت إلي الرشيد فقال هل في ذلك من مخرج قلت نعم قال وما هو قلت يهب لك نصفها ويبيعك نصفها فيكون لم يبع ولم يهب
قال عيسى ويجوز ذلك قلت نعم
قال فأشهدك أني قد بعته نصفها ووهبته النصف الباقي بمائة ألف دينار
فقال الجارية فأتى بالجارية وبالمال فقال خذها يا أمير المؤمنين بارك الله لك فيها
قال يا يعقوب بقيت لك واحدة قلت وما هي قال هي مملوكة ولا بد أن تستبرأ والله لئن لم أبت معها ليلتي إني لأظن أن نفسي ستخرج
قلت يا أمير المؤمنين تعتقها وتتزوجها فإن الحرة لا تستبرأ
قال فمن يزوجنيها قلت أنا
فدعا بمسرور وحسن فخطبت وحمدت الله وزوجته على عشرين ألف دينار
فدعا بالمال فدفعه إليها ثم قال لي يا يعقوب انصرف ورفع رأسه إلى مسرور فقال يا مسرور فقال لبيك يا أمير المؤمنين قال احمل إلى يعقوب مائتي ألف درهم وعشرين تختا ثيابا فحمل ذلك معي
قال بشر بن الوليد فالتفت إلي يعقوب فقال هل رأيت بأسا فيما فعلت قلت لا
قال فخذ منها حقك قلت وما حقي قال العشر
قال فشكرته ودعوت له وذهبت لأقوم فإذا بعجوز دخلت فقالت يا أبا يوسف بنتك تقرئك السلام وتقول لك والله ما وصل إلي في ليلتي هذه من أمير المؤمنين إلا المهر الذي قد عرفته وقد حملت إليك النصف منه وخلفت (1/621)
الباقي لما أحتاج إليه فقال رديه فوالله لا قبلته أخرجتها من الرق وزوجتها من أمير المؤمنين وترضى لي بهذا
فلم نزل نطلب إليه أنا وعمومتي حتى قبلها وأمر لي منها بألف دينار أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال أنبانا القاضي ابو الطيب الطبري قال حدثني المعافى بن زكريا قال حدثني محمد بن القاسم الأنباري قال حدثني أبي قال قال منصور البرمكي كان لهارون الرشيد جارية غلامية تصب على يده وتقف على رأسه وكان المأمون معجبا بها وهو أمرد فبينا هي تصب على هارون من إبريق معها والمأمون مع هارون الرشيد قد قابل بوجهه وجه الجارية إذ أشار إليها بقبلة فزبرتهبحاجبها وأبطأت عن الصب في مهلة ما بين ذلك
فنظر إليها هارون فقال ما هذا فتلكأت عليه فقال ضعي ما معك علي كذا إن لم تخبريني لأقتلنك فقالت أشار إلي عبد الله بقبلة
فالتفت إليه فإذا هو قد نزل به من الحياء والرعب ما رحمه منه
فاعتنقه وقال أتحبها قال نعم يا أمير المؤمنين
فقال قم فاخل بها في تلك القبة
فقام ففعل فقال له هارون قل في هذا شعرا
فأنشأ يقول
ظبي كتبت بطرفي ... عن الضمير إليه
قبلته من بعيد ... فاعتل من شفتيه
ورد احسن رد ... بالكسر من حاجبيه
فما برحت مكاني ... حتى قدرت عليه
أنبأنا علي بن عبد الله قال أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة قال أنبانا إسماعيل (1/622)
ابن سعيد بن سويد قال أنبأنا أبو علي الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا أبو الفضل الربعي عن أبيه قال كانت أم جعفر قد ربت جارية وأدبتها وكانت تختلف في مهم أمورها إلى كتابها وعمالها وديوانها وكان لأم جعفر موضع تشرف منه على الديوان ترى من فيه حيث لا يرونها
فقالت يوما لجاريتها تلك يا فلانة من أحسن من في الديوان قالت فلان مولاك
قالت كيف ذاك وهناك فلان الهاشمي وفلان الكاتب وفلان وفلان قالت هو والله أحسن القوم لأني أحبه
قالت وكيف علمت أنه يحبك قالت لأنني أخرج إلى الديوان في أمر من أمورك فإذا رآني مقبلة ترك عمله ثم لا يزال ناظرا إلي حتى أولى ثم لا يزال ينظر إلي مولية حتى أغيب عنه فعلمت أنه يحبني فأحببته
قالت فاذهبي إليه الساعة حتى تقبليه قبلة على فمه
فانطلقت فلما رآها مقبلة ألقى القرطاس والقلم من يده ثم بهت ينظر إليها فلما دنت منه ظن أنها جاءت برسالة أم جعفر فأقبل عليها كالمصغي إليها فقبلته ففزع لذلك ثم ثاب إليه عقله وعلم أنها لم تفعل هذا إلا عن أمر فدعاها ثم كتب رفعة فقال لها ارفعيها إلى أم جعفر فإذا فيها
قد وجدنا طعم الحرام لذيذا ... فأذيقي مولاك طعم الحلال
فكتبت أم جعفر في أسفل رقعته
ليس فيها مطمع لمحب ... إنما نقتني لغير الرجال
فيئس منها
ثم أمرت بتزويجه إياها وأمرت له بثلاثين ألف درهم وأحسنت جهازها (1/623)
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا أبو القاسم الأزهري قال حدثنا محمد بن العباس الخزاز قال حدثنا محمد بن خلف بن المرزبان قال حدثنا يعقوب النخعي قال حدثنا علي بن زيد كاتب العباس بن المأمون قال حدثني إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال حدثني أبي قال حج الرشيد ومعه جعفر بن يحيى البرمكي وكنت معهم فلما صرنا إلى مدينة الرسول صلى الله عليه و سلم قال لي جعفر بن يحيى أحب أن تنظر لي جارية ولا تبقي غاية في حذاقتها بالغناء والضرب والكمال في الظرف والآداب وجنبني قولهم صفراء
قال فأرشدت إلى جارية لرجل فدخلت عليه فرأيت رسوم النعمة وأخرجها إلي فلم أر أجمل منها ولا أصبح ولا آدب ثم تغنت أصواتا فأجادتها فقلت لصاحبها قل ما شئت قال أقول لك قولا لا أنقص منه درهما
قلت قل
قال أربعين ألف دينار
قلت قد أخذتها وأشترط عليك نظرة
قال ذاك له
قال فأتيت جعفر بن يحيى فقلت قد أصبت حاجتك على غاية الظرف والأدب والجمال ونقاء اللون وجودة الطرب والغناء وقد اشترطت نظرة فاحمل المال ومر بنا
فحمل المال على حمالين وجاء جعفر مستخفيا فدخلنا على الرجل فأخرجها فلما رآها جعفر أعجب بها وعرف أن قد صدقته ثم غنت فازداد بها عجبا فقال لي اقطع أمرها
فقلت لمولاها هذا المال قد وزناه ونقدناه فإن قنعت وإلا فوجه من شئت لتنقده
فقال لا بل أقنع بما قلتم
فقالت الجارية يا مولاي في أي شيء أنت قال قد عرفت ما كنا فيه من النعمة وما كنت فيه من انبساط اليد وقد انقبضت عن ذلك لتغير الزمان (1/624)
علينا فقدرت أن تصيري إلى هذا الملك لتنبسطي في شهواتك وإراداتك
فقالت الجارية والله يا مولاي لو ملكت منك ما ملكت مني ما بعتك بالدنيا وما فيها وبعد فاذكر العهد وقد كان حلف لها ألا يأكل لها ثمنا
قال فتغرغرت عين المولى وقال اشهدوا أنها حرة لوجه الله واني تزوجتها وأمهرتها داري
فقال لي جعفر انهض بنا
قال فدعوت الحمالين ليحملوا المال
قال جعفر لا والله يصحبنا منه درهم
قال ثم أقبل على مولاها فقال هو لك مبارك لك فيه أنفقه عليها وعليك وقمنا فخرجنا
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قال أنبأنا علي ابن أبي على المعدل قال حدثني أبي قال روى أبو روق الهزاني عن الرياشي أن بعض أهل البصرة اشترى صبية فأحسن تأديبها وتعليمها وأحبها كل المحبة وأنفق عليها حتى أملق وحتى مسها الضر الشديد فقالت الجارية إني لأرثى لك يا مولاي مما ارى بك من سوء الحال فلو بعتني واتسعت بثمني فلعل الله أن يصنع لك وأقع انا بحيث يحسن حالي فيكون ذلك أصلح لكل واحد منا
قال فحملها إلى السوق فعرضت على عمر بن عبيد الله بن معمر التيمي وهو أمير البصرة يؤمئذ فأعجبته فاشتراها بمائة ألف درهم
فلما قبض المولى الثمن وأراد الانصراف استعبر كل واحد إلى صاحبه باكيا وأنشأت الجارية تقول (1/625)
هنيئا لك المال الذي قد حويته ... ولم يبق في كفى غير التذكر
أقول لنفسي وهي في غشي كربة ... أقلى فقد بان الحبيب أو اكثري
إذا لم يكن للأمر عندك حيلة ... ولم تجدي شيئا سوى الصبر فاصبري
فاشتد بكاء المولى ثم أنشا يقول
فلولا قعود الدهر بي عنك لم يكن ... يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري
أروح بهم في الفؤاد مبرح ... أناجي به قلبا شديد التفكر
عليك سلام لا زيارة بيننا ... ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر
فقال ابن معمر قد شئت خذها ولك المال وانصرفا راشدين فوالله لا كنت سببا لفرقة محبين
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا أبو القاسم الأزهري قال أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن عرفة قال حدثنا محمد بن الحسين عن هشام قال حدثنا علي بن الجهم عن أبيه قال أصبحت ذات يوم وأنا في غاية الضيق فطلبت الخادم فلم أجده ثم جاء فقلت أين كنت قال كنت في احتيال شيء لك وعلف لدابتك فوالله ما قدرت عليه قلت أسرج لي وركبت فلما صرت في سوق يحيى إذا (1/626)
000000 أنا بموكب عظيم وإذا الفضل بن يحيى بن خالد فلم بصر بي قال سر فسرنا قليلا وحجز بيني وبينه غلام يحمل طبقا على باب يصيح بجارية فوقف الفضل طويلا ثم قال سر ثم قال تدري سبب وقوفي قلت إن رأيت ان تعلمني قال كانت لأختي جارية وكنت أحبها حبا شديدا وأستحيي من أختي أن أطلبها منها ففطنت أختي لذلك فلما كان في هذا اليوم لبستها وزينتها وبعثت بها إلي فما كان من عمري يوم أطيب من يومي هذا فلما كان في هذا الوقت جاءني رسول أمير المؤمنين فأزعجني وقطع على لذتي فلما صرت إلى هذا المكان دعا هذا الغلام صاحب الطبق باسم تلك الجارية فارتحت لندائه ووقفت
فقلت أصابك ما أصاب أخا بني عامر حيث يقول
وداع دعا إذ نحن بالخيف من مني ... فهيج اطراف الفؤاد وما يدري
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
فقال لي اكتب هذين البيتين فعدلنا أطلب ورقة أكتب له فيها فلم أجد فرهنت خاتمي عند بقال وأخذت ورقة فكتبتهما فيها وأدركته بهما
فقال لي ارجع إلى منزلك فرجعت فقال لي الخادم أعطني خاتمك أرهنه على قوتك
فقلت قد رهنته
فما أمسيت حتى بعث إلي ثلاثين ألف درهم جائزة وعشرة آلاف درهم سلفا من رزق أجراه إلي
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت انبأنا ابو محمد بن السراج قال أنبأنا أبو القاسم عبدالعزيز بن بندار الشيرازي قال أنبأنا أحمد بن علي بن ألال قال أخبرني أحمد بن علي بن حرب عن بعض مشايخه قال اختفى إبراهيم (1/627)
ابن المهدي زمن المأمون عند عمته وكانت تكرمه غاية الكرامة ووكلت به جارية قد أدبتها وأنفقت عليها الأموال وكانت حاذقة راوية للشعر وكانت قد طلبت منها بخمسين ومائة ألف درهم وكانت تلي خدم إبراهيم وتقوم على رأسه فهويها وكره طلبها من عمته فلما اشتد وجده بها وسكر أخذ عودا وغنى بشعر له فيها وهي واقفة على رأسه
يا غزالا لي إليه ... شافع من مقلتيه
والذي أجللت خديه فقبلت يديه
بأبى وجهك ما ... أكثر حسادي عليه
أنا ضيف وجزءا الضيف ... إحسان إليه
فسمعت الجارية الشعر وفطنت لمعناه لرقتها وظرفها وكانت مولاتها تسألها عن حالها وحاله كل يوم فأخبرتها في ذلك اليوم بما في قلبه منها وبما سمعت منه من الشعر والغناء فقالت لها مولاتها أذهبي فقد وهبتك له
فعادت إليه فلا رآها أعاد الصوت فأكبت عليه الجارية فقبلت رأسه فقال لها كفى فقالت قد وهبتني مولاتي لك وأنا الرسول فقال أما الآن فنعم
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا القاضي أبو الطيب الطبري قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا عبد الله ابن منصور الحارثي قال حدثنا ابو إسحاق الطلحي قال حدثني عبيد الله ابن القاسم قال عشق التيمي وهو عبد الله بن أيوب أو محمد التيمي الشاعر جارية عند بعض النخاسين فشكى وجده بها إلى أبي عيسى بن الرشيد فقال أبو عيسى للمأمون يا أمير المؤمنين إن التيمي يجد بجارية لبعض النخاسين وقد كتب إلي بيتين يسألني فيهما فقال له ما كتب به إليك فأنشده
يا أبا عيسى إليك المشتكى ... وأخو الصبر إذا عيل اشتكى (1/628)
ليس لي صبر على هجرانها ... وأعاف المشرب المشتركا
فأمر له بثلاثين ألف درهم فاشتراها
وبلغنا عن المهلب بن أي صفرة أنه نظر إلى فتى يكلم جارية من جواريه فدعا بالجارية فقال لها ما حملك على كلام من رأيت فقالت يا سيدي
لأن له من محض قلبي مودة ... لها تحت أحناء الضلوع خفوق
إلى غير سوء فاعلمن كلامنا ... ولكن لشوق والمحب مشوق فدعا بالفتى فقال له ما حملك على كلام هذه فقال
لأن لها في القلب مني محبة ... وفي طي صدري لوعة وحريق
وإني لأهواها على كل حالة ... وإني إليها ما حييت أتوق
فقال المهلب
لعمري إني للمحبين راحم ... وإني بحفظ العاشقين حقيق
سأجمع منكم شمل ود مبدد ... فإني بما قد ترجوان خليق
ثم وهبها له وأمر له بخمسة آلاف دينار
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال حدثني عبيد الله بن أبي الفتح قال حدثنا أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني من حفظه مذاكرة قال كان أبو داود حامد المروروذي قليل الدخول على ابن أبي حامد صاحب بيت المال وكان في مجلسه رجل من المتفقهة فغاب عنه أياما فسأل عنه فأخبر أنه متشاغل يأمر قد قطعه عن حضور المجلس (1/629)
فأحضره وسأله عن حاله فذكر أنه كان قد اشترى جارية لنفسه وأنه انقطعت به النفقة وضاقت يده في تلك السنة لانقطاع المادة عنه من بلده وكان عليه دين لجماعة من السوقة فلم يجد قضاء لذلك جون أن باع الجارية فلما قبض الثمن تذكرها وتشوق إليها واستوحش من بعدها عنه حتى لم يمكنه التشاغل بفقه ولا بغيره من شدة تعلق قلبه بها وذكر أن ابن أبي حامد قد اشتراها فأوجبت الحال مضي أبي حامد الفقيه إلى ابن أبي حامد يسأله الإقالة وأخذ المال من البائع فمضى ومعه الرجل فحين استأذن علي ابن أبي حامد أذن له في الحال فلما دخل عليه استقبله وقام إليه وأكرمه غاية الإكرام وسأله عن حاله وما جرى به فأخبره أبو حامد بخبر الفقيه وبيع الجارية وسأله قبض المال ورد الجارية على صاحبها
فلم يعرف ابن أبي حامد للجارية خبرا ولا كان عنده علم من أمرها
وذاك أن أمراته كانت اشترتها ولم يعلم بذلك فورد عليه من ذلك مورد تبين في وجهه
ثم قام ودخل على امرأته فسألها عن جارية اشتريت من سوق النخاسين على الصفة والنعت فصادف ذلك أن امرأته كانت جالسة والجارية حاضرة وهم يصلحون وجهها وقد زينت بالثياب الحسان والحلى وما جرى مجرى ذلك من الزينة فقالت يا سيدي هذه الجارية التي التمست فسر بذلك سرورا تاما إذ كانت عنده رغبة في قضاء حاجة أبي حامد وإنجاز ما قصد له فعاد إلى أبي حامد وقال له خفت ألا تكون الجارية في داري والآن فهي بحمد الله تعالى عندنا والأمر للشيخ أعزه الله تعالى في بابها (1/630)
وأمر بإخراج الجارية إلى الجماعة فحين أخرجت تغير وجه الفتى تغيرا شديدا فعلم بذلك أن الأمر كما ذكره الفقيه من حبه لها وصبابته إليها فقال له ابن أبي حامد هذه جاريتك فقال نعم هذه جاريتي واضطرب كلامه من شدة ما نزل به عند رؤيتها فقال له خذها بارك الله لك فيها فجزاه أبو حامد خيرا وتشكر له وسأله قبض المال فإنه كان قدره ثلاثة آلاف درهم فأبى أن يأخذه وطال الكلام في بابه فقال له أبو حامد إنما قصدنا نسأل الإقالة لم نقصد لأخذها على هذا الوجه
فقال له ابن أبي حامد هذا رجل فقيه وقد باعها لأجل حاجته وقلة ذات يده ومتى أخذ المال منه خيف عليه من أن يبيعها ممن لا يردها عليه فالمال يكون في ذمته فإذا جاءه نفقة من بلده جاز أن يرد ذلك
فوهب المال له وكان عليها من الحلي والثياب شيء له قدر كثير فقال له أبو حامد إن رأى أيده الله أن يتفضل وينفذ مع الجارية من يقبض هذه الثياب والحلي الذي عليها فما لهذا الفقيه أحد ينفذ به على يديه
فقال له يا سبحان الله هذا شيء أشغفناها به ووهبناه لها سواء كانت في ملكنا أو خرجت عن قبضتنا لسنا نرجع فيما وهبناه من ذلك ولا يجوز
فعرف أبو حامد أن الوجه ما قاله فلم يلح في ذلك بل حسن موقعه من قلبه وقلب صاحب الجارية فلما أراد أن ينهض ويودعه قال ابن أبي حامد أريد أسألها قبل إنصرافها عن شيء فقال لها يا جارية أيما أحب إليك نحن أو مولاك هذا الذي باعك وأنت الآن له فقالت يا سيدي أما أنتم فأحسن الله عونكم وفعل بكم وفعل فقد أحسنتم (1/631)
إلي وأعنتموني وأما مولاي هذا فلو ملكت منه ما ملكه مني ما بعته بالرغائب العظيمة
فاستحسن الجماعة ذلك منها وما هي عليه من العقل مع الصبا وودعوه ثم انصرفوا
ابن أبي حامد اسمه أحمد بن محمد بن موسى بن النضر كان صاحب بيت المال وكان ثقة جوادا روى عنه الدارقطني وغيره ومات في سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة
أنبأنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البارع قال حدثني أبو الجوائز الحسن بن علي الواسطي الكاتب قال حججت في سنة من بعض السنين فبينما أنا في الطواف لمحت جارية فلم أر كحسنها فعلقها قلبي فسألتها عن اسمها فقالت اسمي نعم وانتسابي إلى فهم
فلم أزل أستمتع بالنظر إليها مدة إقامتنا بمكة فلما فارقنا مكة لم أدر أي صوب سلكت فقلت
قل للظلوم ألا هلمي ... للحكم إن أنكرت ظلمي
ومن البلية أن يبيت ... حبيب جسمي وهو خصمي
أو أن يرى نجمي وقد ... ناديته مغرى برجمي
خود تصيب سواد قلبي ... وهي للجمرات ترمي
وكم التقت أنفسانا ... في حومة الحجر الأحم
عند استلام الركن آونة ... وسحب الدمع تهمي
فمحوت ما سطرت ملا ... ثمها على عمد بلثمي
أثبت يوم النفر ... سهمك في الفؤاد وطاش سهمي (1/632)
قال وازداد وجدي بها وكلفى بحسنها فقال لي بعض من آنس به لو تزوجت لسكن ما بك فتأبيت عليه ثم ملت إلى ما قال رجاء الإفاقة
فاستعنت بامرأة على ارتياد امراة أتزوجها فجاءتني بعد أيام فقالت قد حصلت لك امرأة تلائم مرادك حسنا وبيتا
فاستحضرت وليها وتزوجتها فلما زفت إلى تأملتها فإذا هي صاحبتي فقضيت العجب من حسن الاتفاق
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال كان أبو الجوائز أديبا شاعرا حسن الشعر في المديح والأوصاف والغزل وعلقت عنه أخبارا وحكايات وأناشيد وسمعته يقول ولدت في سنة اثنتين وخمس وثلاثمائة
فصل فإن قال قائل قد ذكرت علاج العاشق بتحصيل المعشوق إن كان مباحا ورجيته بأن ذلك يمكن وقد اتفق لجماعة فما تقول في عشق من لا سبيل إلى تحصيله كذات الزوج أو محرم على التأبيد كالأمرد فهل لهذا الأمر من علاج مع أنه قد أنحف الجسد وأدام السهر وقارب بصاحبه مرتبة الجنون
فالجواب أن العلاج الكلي في جميع أمراض العشق الحمية وإنما تقع الحمية بالعزم الجازم على هجر المحبوب فإن حصلت هذه الحمية حسنت المعالجة والعلاج حينئذ يقع للظاهر والباطن فليبتدئ المريض باللجوء إلى الله سبحانه وليكثر من الدعاء فإنه مضطر وهو يجيب المضطر إذا دعاه ثم ليتعالج فإن الأسباب لا تنافي التوكل والدعاء (1/633)
فصول في معالجة الظاهر فصل
اعلم أن بدن العاشق إذا نحف أسرعت فيه الحرارة إلهابا وإحراقا فينبغي أن يستعمل الترطيبات كشم البنفسج واللينوفر ودخول الحمام من غير طول مكث فيه والنوم الطويل والتغذي بالأغذية الرطبة ولينظر إلى الماء الصافي في الرياض النضيرة وليحدث بالنوادر المضحكة
فصل ومن المعالجات السفر فإنه بالسفر يتحقق البعد عن المحبوب وكل
بعيد عن البدن يؤثر بعده في القلب فليصبر على مضض الشوق في بداية السفر صبر المصاب في بداية مصيبته ثم إن مر الأيام يهون الأمر
قال زهير بن الحباب الكلبي
إذا ما شئت أن تسلو حبيبا ... فأكثر دونه عدد الليالي
فما سلى حبيبك غير نأي ... ولا أبلى جديدك كابتذال
وقال امرؤ القيس
وإنك لم تقطع لبانة عاشق ... بمثل غدو أو رواح مأوب
ومعنى مأوب انه غذ السير حتى يؤوب صاحبه عند الليل يقول تكون استراحته بالليل
فصل وكذلك كل ما يشغل القلب من المعاش والصناعة فإنه يسلي لأن العشق (1/634)
شغل الفارغ فهو يمثل صورة المعشوق في خلوته لشوقه إليها فيكون تمثيله لها إلقاء في باطنه فإذا تشاغل بما يوجب اشتغال القلب بغير المحبوب درس الحب ودثر العشق وحصل التناسي
فصل ومن ذلك استعراض النساء للتزويج والجواري للتسري وليطلب الحسن
الفائق فإنه يسلي وقد وصف الحكماء الحسن والملاحة فأنبأنا أحمد بن علي المجلي قال أنبأنا أبو الحسين ابن المهتدي قال أنبأنا أبو الفضل محمد بن الحسن بن المأمون قال حدثنا أبو بكر بن الأنباري قال حدثنا أحمد بن يحيى عن ابن الأعرابي قال قال أعرابي إذا حسن خفيا المرأة حسنت وخفياها كلامها ووطأتها على الأرض
قال ويقال أحسن ما تكون المرأة غب بنائها وغب نفاسها وغب المطر
قال وشباب المرأة ما بين ثلاثة عشرة إلى عشرين فإذا بلغت الثلاثين فقد كهلت فإذا بلغت الأربعين فقد شهلت فإذا بلغت الخمسين فطلق طلق
قال أحمد بن يحيى الشهلة العجوز
وقد قيل لا تكون المرأة حسناء حتى يبيض منها أربعة وهي اللون وبياض العين والأسنان والأظفار ويسود منها أربعة وهي شعر الرأس وشعر الحاجبين وأشفار العينين وسواد العين
ويحمر منها أربعة اللسان والشفتان والوجنات وثم ويتسع منها أربعة الجبهة والراحتان (1/635)
والوركان والصدر ويضيق منها أربعة خرق الأنف وخرق الأذنين وشق الفم وثم ويطول منها أربعة القامة والعنق والقصب والأصابع ويضخم منها أربعة الساقان والوركان والعجز والكرب وهو منبت العانة ويقصر منها أربعة خطاها وطرفها ولسانها وذكرها وكانت هند بنت عتبة تقول النساء أغلال فليتخير الرجل غلا ليده
فصل هذا ما ذكر فيما يتعلق بالحسن والحسن عند المحب ما يقع بقلبه
فليجهد في استعراض النساء والجواري فالغالب حصول ما يغلب على ما عنده
فإن لم يحصل له أدام التتبع فإن النفس لا تقف على شيء ولاتقيم على حال فرب ثان محا الأول
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار وأخبرتنا شهدة قالت أنبأنا جعفر بن أحمد قالا أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال أنبأنا أبو عمر ابن حيويه قال حدثنا ابن المرزبان قال أخبرني أبو بكر العامري قال حدثني الحسين بن علي مولى بني أمية عن أبيه قال خرجت إلى الشام فلما كنت بالشراة ودنا الليل إذا قصر فهويت إليه فإذا بين باب القصر امرأة لم أر مثلها قط هيبة وجمالا فسلمت عليها فردت ثم قالت من أنت قلت رجل من بني أمية من أهل الحجاز فقالت مرحبا بك وحياك الله أنزل فأنت في أهلك قلت ومن أنت عافاك الله قالت امرأة من قومك
فأمرت لي بمنزل وقرى وبت في خير مبيت فلم أصحبت أرسلت إلي كيف أصبحت وكيف كان مبيتك قلت خير مبيت والله ما رأيت أكرم منك ولا أشرف من فعالك قالت فإن لي إليك حاجة تمضي حتى تأتي ذلك (1/636)
الدير ديرا أشارت إليه فتجيء فائت ابن عمي فيه وهو زوجي قد غلبت عليه نصرانية في ذلك الدير فهجرني فلزمها فتنظر إليه فتخبره عن مبيتك وعما قلت لك فقلت أفعل ونعمى عين
فخرجت حتى انتهيت إلى الدير فإذا أنا برجل في فنائه جالس كأجمل ما يكون من الفتيان فسلمت فرد وساءلني فأخبرته من أنا وأين بت وما قالت لي المرأة فقال صدقت أنا رجل من قومك من آل الحارث بن حكيم ثم صاح ياقسطا فخرجت إليه نصرانية عليها ثياب حبر وزنانير ما رأيت قبلها مثلها ولا بعدها أحسن منها فقال هذه قسطا وتلك أروى وأنا الذي أقول
تبدلت قسطا بعد أروى وحبها ... كذاك لعمري الحب يذهب بالحب
وبالإسناد قال ابن خلف وحدثني يزيد بن محمد قال أخبرني محمد بن سلام الجمحي قال أرادت عزة أن تعرف مالها عند كثير فتنكرت له ومرت به متعرضة فقام فاتبعها فكلمها فقالت له وأين حبك لعزة فقال أنا الفداء لك لو أن عزة أمة لي لوهبتها لك قالت ويحك لا تفعل قد بلغني أنها لك في صدق المودة ومحض المحبة والهوى على حسب الذي كنت تبدي لها من ذلك وأكثر وبعد فأين قولك
إذا وصلتنا خلة كي نزيلها ... أبينا وقلنا الحاجية أول
فقال كثير بأبي أنت وأمي أقصري عن ذكرها واسمعي ما أقول لك
هل وصل عزة إلا وصل غانية ... في وصل غانية من وصلها بدل
قالت فهل لك في المخالة قال لها فكيف لي بذلك قالت له فكيف بما قلته في عزة وسيرته إليها قال أقلبه فيتحول إليك ويصير لك (1/637)
قال فسفرت عن وجهها عند ذلك وقالت أغدرا وانتكاثا يا فاسق وإنك لها هنا يا عدو الله قال فبهت وأبلس ولم ينطق وتحير وخجل
فقالت قاتل الله جميلا حيث يقول
لحى الله من لا ينفع الود عنده ... ومن حبله إن مد غير متين
ومن هو ذو وجهين لي بدائم ... على العهد حلاف بكل يمين
فأنشأ كثير بانخزال وحصر وإنكسار يعتذر إليها ويتنصل مما كان منه ويتمثل بقول جميل ويقال بل سرقه من جميل ونحله نفسه فقال
ألا ليتني قبل الذي قلت شيب لي ... من المذعف القاضي وسم الذرارح
فمت ولم تعلم علي خيانة ... ألا رب باغي الربح ليس برابح
فلا تحمليها واجعلهيا جناية ... تروحت منها في مياحة مائح
أبوء بذنبي إنني قد ظلمتها ... وإني بباقي سرها غير بائح
وروى الهيثم بن عدي عن ابن عباس قال طلق النمر بن تولب إمراة ثم جزع عليها حتى خيف على عقله ومكث أياما لا يطعم ولا ينام فلامه عشيرته وصبروه وذكروا له امرأة يقال لها دعد جميلة فتزوجها فشغلته عن ذكر امرأته الأولى وفيها يقول
أهيم بدعد ما حييت فإن أمت ... فياحرتا ممن يهيم بها بعدي
وبلغنا أن رجلا قصد عمر بن أبي ربيعة فقال له قد قلت بيتين فأجزهما
سألت المحبين الذين تجشموا ... أعاجيب هذا الحب في سالف الدهر (1/638)
فقلت لهم
ما يذهب الحب بعدما ... تمكن ما بين الجوانح والصدر
فمكث عمر أياما لا يقدر على إجازته فرأته وليدة له مهموما فسألته فأخبرها فخطرت ثم رجعت وهي تقول فقالوا
دواء الحب حب تفيده ... من آخر أو نأي بعيد على الهجر
وإلا فيأس تصبر النفس بعدما ... رجت أملا واليأس عون على الصبر
فقال فرجت عني
فصل ومن أدوية الظاهر كثرة الجماع وإن كان لغير المحبوب ووجه كونه
دواء أنه يقلل الحرارة التي منها ينتشر العشق وإذا ضعفت الحرارة الغريزية حصل الفتور وبرد القلب فحمد لهب العشق وقد قال ابن الرومي
وطأ من شيب يغنيك ... عن الحسناء في الذروه
فصل ومن الأدوية عيادة المرضى وتشييع الجنائز وزيارة القبور والنظر
إلى الموتى والتفكر في الموت وما بعده فإن ذلك يطفئ نيران الهوى كما أن سماع الغناء واللهو يقويه فما هو كالضد يضعفه وكذلك مواصلة مجالس التذكر ومجالسه الزهاد وسماع أخبار الصالحين والمواعظ
وكل ذلك يخرج الإنسان عن غلبة الشهوة إلى حيز الحزن والفكر وذلك يضاد العشق (1/639)
فصل وقد ذكر قوم أن المتنزهات المونقة والمسموعات المطربة تسلى وهذه
ربما زادت في عشق قوم فصول في معالجة الباطن
فصل أول علاج الباطن وأنجعه قطع الطمع باليأس وقوة العزم على قهر
الهوى فمتى تردد الأمر عند النفس أو ضعف العزم لم ينفع دواء أصلا
فصل ومن ذلك زجر الهمة الأبية عن مواقف الذل واكتساب الرذائل وحرمان
الفضائل فمن لم تكن له همة أبيه لم يكد يتخلص من هذه البلية فإن ذا الهمة يأنف أن يملك رقه شيء وما زال الهوى يذل أهل العز وقد سبق في كتابنا أن الرشيد عشق جارية وامتنعت عليه فقال
أرى ماء وبي عطش شديد ... ولكن لا سبيل إلى الورود
أما يكفيك أنك تملكيني ... وأن الناس كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي ... لقلت من الرضا أحسنت زيدي
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي قال أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني قال حدثنا محمد بن موسى بن حماد البربري قال حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن صالح قال حدثنا علي بن صالح قال قال هارون الرشيد في ثلاث جوار
ملك الثلاث الغانيات عناني ... وحللن من قلبي بكل مكان (1/640)
مالي تطاوعني البرية كلها ... وأطيعهن وهن في عصياني
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ... وبه قوين أعز من سلطاني
وقد كان الهوى غلب الرشيد في حب جارية لعيسى بن جعفر فاحتال له أبو يوسف في تلخيصها وقد ذكرنا القصة آنفا قبل أوراق وكان يحب جارية أسمها جنان فيقول فيها الشعر فأزعج ليلة العباس بن الأحنف في منزله لأجل بيت قاله فيها
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أبو بكر الحافظ قال أنبأنا أبو الحسن محمد بن عبدالواحد قال أنبأنا محمد بن عبد الرحيم المازني قال حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن أبي سعد قال حدثنا عبد الله بن الربيع قال حدثنا صاحب لنا قال قال هارون الرشيد في الليل بيتا ورام أن يشفعه بآخر فلم يقدر وامتنع القول عليه فقال علي بالعباس ابن الأحنف فلما طرق ذعر وفزع أهله فلما وقف بين يدي الرشيد قال وجهت إليك لبيت قلته ورمت أن أشفعه بمثله فامتنع القول علي فقال يا أمير المؤمنين دعني حتى ترجع إلى نفسي فإني قد تركت عيالي على حال من القلق عظيمة ونالني من الخوف ما يتجاوز الحد والوصف
فانتظر هنية ثم أنشده البيت
جنان قد رأيناها ... فلم نر مثلها بشرا
فقال العباس
يزيدك وجهها حسنا ... إذا ما زدته نظرا
فقال له الرشيد زدني فقال
إذ ما الليل مال ... عليك بالإظلام واعتكرا (1/641)
ودع فما ترى قمرا ... فأبرزها ترى القمرا
فقال له الرشيد قد ذعرناك وأفزعنا عيالك فالواجب أن نعطيك دينك فأمر له بعشرة آلاف درهم وصرفه
قال المصنف وقد روينا أن الرشيد عتب على بعض جواريه في أمر وكان يحبها حبا شديدا فحلف ألا يدخل حجرتها فلم تترضاه فقال
صدعني إذ رآني مفتتن ... وأطال الصد لما أن فطن
كان مملوكي فأضحى مالكي ... إن هذا من أعاجيب الزمن
ثم بعث إلى أبي العتاهية يأمره أن يجيزها فقال
عزة الحب أرته ذلتي ... في هواه وله وجه حسن
فلهذا صرت مملوكا له ... ولهذا شاع أمري وعلن
قال المصنف غفر الله له وهذا الذل لا يحتمله ذو أنفة فإن أهل الأنفة حملهم طلب علو القدر على قتل النفوس وإجهاد الأبدان في طلب المعالي ونحن نرى طالب العلم يسهر ويهجر اللذات أنفة من أن يقال له جاهل والمسافر يركب الأخطار لينال ما يرفع قدره من المال حتى إن رذالة الخلق ربما حملوا كثيرا من المشاق ليصير لهم قدر فهذا الساعي يتعب نفسه بالعدو ويصبر عن لذات الجماع لينال قدرا وقد قال القائل
وكل امرىء قاتل نفسه ... على ان يقال له إنه
فأما من لا يأنف من الذل وينقاد لموافقة هواه فذاك خارج عن التميزين
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا الجوهري (1/642)
والتنوخي والقزويني قالوا أنبأنا ابن حيويه قال أنبأنا ابن المرزبان قال أنبأنا أحمد بن الحارث قال حدثنا المدائني قال قال معاوية بن أبي سفيان لعمرو بن العاص ما ألذ الأشياء قال يا أمير المؤمنين مر أحذاق قريش فليقوموا فلما قاموا قال إسقاط المروءة يريد أن الرجل إذا لم تهمه مروءته فعل ما يهوى ولم يبال بلوم وهذه صفات البهائم فأما أرباب الأنفة فكما قال ابن المعتز
وإني وإن حنت إليك ضمائري ... فما قدر حبي أن يذل له قدري
وقال أبو فراس
لقد ضل من تحوى هواه خريدة ... وقد ذل من تقضي عليه كعاب
ولكنني والحمد لله حازم ... أعز إذا ذلت لهن رقاب
ولا تملك الحسناء قلبي كله ... ولو شملتها رقة وشباب
وأجرى ولا أعطى الهوى فضل مقودي ... وأهفو ولا يخفى علي صواب
صبور ولو لم تبق مني بقية ... قؤول ولو أن السيوف جواب
وقال عبد الواحد بن نصر الببغاء
سل الصبابة عني هل خلوت بمن ... أهوى مع الشوق إلا والعفاف معي
لا صاحبتني نفس لو هممت بأن ... أرمي بها لهوات الموات لم تطع (1/643)
تأبى الدناءة لي نفس نفاستها ... تسعى لغير الرضا بالري والشبع
بهمة ما أظن الحظ يدركها ... إلا وقد جاوزت بي كل ممتنع وله
وقد رام هذا الحب أن يسترقني ... فأنجدني صبر علي جميل وله
لا تحسبي أن نفسي كالنفوس إذا ... حملتها في هواك الضيم تحتمل
وربما بعث التذكار نحوكم ... دمعي فتنكره الأجفان والمقل
كوني كما شئت إن هجرا وإن صلة ... فليس تنكر صبر البازل الإبل
كم ذقت للدهر خطبا أنت أيسره ... فما ثنى عطف حلمي الحادث الجلل وله
سواي الذي ترمي المطامع نبله ... وغيره من بالحرص يسهل ذله
ولو كنت ممن تقبل الضيم نفسه ... لجنبت هجري من مني النفس وصله
هوى سمت قلبي أن يطاوع حكمه ... فبادرني قبل العواذل عذله
توهمني كالعاشقين يروعني ... تجنبه أو يغتال جدي هزله
وإني لألقاه بسلوة زاهد ... وفي يده عقد الفؤاد وحله
أصارف طرفي في تأمل حسنه ... وأسخط ما يرضى سواي أقله (1/644)
ولا خير فيمن يملك الحب رأيه ... وإن ملك القلب المتيم حبله
ولأبي علي بن الشبل
وآنف أن تعتاق قلبي خريدة ... بلحظ وأن يروى صداي رضاب
وللقلب مني زاجر من مروءة ... يجنبه طرق الهوى فيجاب
ولمنصور بن الهروي
خلقت أبي النفس لا أتبع الهوى ... ولا أستقي إلا من المشرب الأصفى
ولا أحمل الأثقال في طلب الغنى ... ولا أبتغي معروف من سامني خسفا
ولا أتحرى العز فميا يذلني ... ولا أخطب الأعمال كي لا أرى صرفا
ولست على طبع الذباب متى يذد ... عن الشيء يسقط فيه وهو يرى الحتفا
وله كفى حزنا أن زارني من أحبه ... فأعرضت عنه لا ملالا ولا بغضا
ولكن نفسي عنه نفس أبية ... إذا لم تنل كل المنى ردت البعضا
فصل ومما يذل العشاق تجني المحبوب والتجني يحصد المحبة في القلوب
التي لها أنفة قال الأعشى
أرى سفها بالمرء تعليق قلبه ... بغانية خود متى يدن تبعد
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أخبرني علي بن أيوب القمى قال أنبأنا أبو عبيد الله المرزباني قال أخبرني محمد بن يحيى قال حدثني علي بن محمد بن نصر بن بسام قال حدثني خالي أحمد بن (1/645)
حمدون الكاتب قال كان بين الواثق وبعض جواريه شر فخرج كسلان فلم أزل أنا والفتح بن خاقان نحتال لنشاطه فرآني أضاحك الفتح بن خاقان فقال قاتل الله العباس بن الأحنف حيث يقول
عدل من الله أبكاني وأضحككم ... فالحمد لله عدل كل ما صنعا
اليوم أبكى على قلبي وأندبه ... قلب ألح عليه الحب فانصدعا
للحب في كل عضو لي على حدة ... نوع تفرق عنه الصبر واجتمعا
وقال ابن الدمينة
أما والله ثم الله حقا ... يمينا ثم أتبعها يمينا
لقد نزلت أميمة من فؤادي ... تلاعا ما أبحن ولا رعينا
ولكن الخليل إذا جفانا ... وآثر بالمودة آخرينا
صددت تكرما عنه بنفسي ... وإن كان الفؤاد به ضنينا
فصل ومن الأنفة الأنفة من حب من طبعه الغدر وهذا أجل طباع النساء وقد
ذكرنا في غضون كتابنا من غدرهن طرفا ومن ذلك ما ذكرناه في باب الحيل والمخاطرات في قصة لقمان بن عاد وذكرناه في باب من قتل معشوقة وغير ذلك وقد قال الحكماء لا تثق بامرأة وقال الشاعر
إذا غدرت حسناء أوفت بعهدها ... ومن عهدها أن لا يدوم لها عهد
أنشدنا علي بن عبيد الله قال أنشدنا أبو محمد التميمي (1/646)
أفق يا فؤادي من غرامك واستمع ... مقالة محزون عليك شفيق
علقت فتاة قلبها متعلق ... بغيرك فاستوثقت غير وثيق
وأصبحت موثوقا وراحت طليقة ... فكم بين موثوق وبين طليق
فصل ومما يداوى به الباطن أن يعلم الإنسان أن زوجته المحبوبة إن مات
عنها مالت إلى غيره ونسيته أسرع شيء وإن كانت تحبه لأنه لا وفاء للنساء
أنبأنا الحسين بن محمد الدباس قال أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة قال أنبأنا أبو طاهر المخلص قال أنبأنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك الخزامي عن أبيه وأحمد بن عبيد الله عن عبد الله بن عاصم بن المنذر بن الزبير ويزيد أحدهما على صاحبه قال تزوج عبد الله بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما عاتكة بنت زيد بن عمرو ابن نفيل وكانت حسناء جملاء ذات خلق بارع فشغلته عن مغازيه فأمره أبوه بطلاقها وقال إنها قد شغلتك عن مغازيك فقال
يقولون طلقها وخيم مكانها ... مقيما عليك الهم أحلام نائم
وإن فراقي أهل بيت جمعتهم ... على كبر مني لإحدى العظائم
ثم طلقها فمر به أبوه وهو يقول
لم أر مثلي طلق العام مثلها ... ولا مثلها في غير جرم تطلق
لها خلق جزل ورأى ومنصب ... وخلق سوى في الحياة ومصدق
فرق له أبوه فراجعها ثم شهد مع النبي صلى الله عليه و سلم غزوة الطائف فأصابه سهم فمات بعد بالمدينة فقالت عاتكة تبكيه (1/647)
رزئت بخير الناس بعد نبيهم ... وبعد أبي بكر وما كان قصرا
فآليت لا تنفك عيني حزينة ... عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى ... أكر وأحمى في الهياج وأصبرا
إذا شرعت فيه الأسنة خاضها ... إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا
ثم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأولم وكان فيمن دعا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فقال يا أمير المؤمنين دعني أكلم عاتكة فقال كلمها يا أبا الحسن فأخذ علي عليه السلام بجانب الخدر ثم قال يا عدية نفسها
فآليت لا تنفك عيني قريرة ... عليك ولا ينفك جلدي أصفرا
فبكت فقال عمر ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن كل النساء يفعلن هذا ثم قتل عنها ثم تزوجها الزبير فكانت تخرج إلى المسجد وكان يكره خروجها ويتحرج من منعها فخرجت ليلة إلى المسجد وخرج الزبير فسبقها إلى مكان مظلم من طريقها فلما مرت به وضع يده على بعض جسدها فرجعت تنشج ثم لم تخرج بعد ذلك فقال لها الزبير مالك لا تخرجين إلى المسجد كما كنت تفعلين فقالت فسد الناس فقال أنا فعلت ذلك فقالت أليس غيرك يقدر أن يفعل مثله ولم تخرج حتى قتل عنها الزبير
وبالإسناد قال حدثنا الزبير بن بكار قال كان الحسن بن الحسن خطب إلى عمه الحسين بن علي فقال له الحسين يا ابن أخي قد انتظرت هذا منك انطلق معي
فخرج به حتى أدخله منزله ثم أخرج إليه ابنته فاطمة وسكينة رضي الله عنهما فقال اختر فاختار فاطمة فزوجه إياها فكان يقال فلما حضرت الحسن الوفاة قال لفاطمة إنك امرأة مرغوب فيك فكأني بعبد الله بن عمرو (1/648)
ابن عثمان إذا خرج بجنازتي قد جاء على فرس مرجلا جبينه لا بسا حلته يسير في جانب الناس يتعرض لك فانكحي من شئت سواه فإني لا أدع من الدنيا ورائي هما غيرك
فقالت له آمن من ذلك واثلجته بالأيمان من العتق والصدقة لا تتزوجه
ومات الحسن بن الحسن وخرج بجنازته فوافاه عبد الله بن عمرو بن عثمان في الحال التي وصف الحسن وكان يقال لعبد الله بن عمرو بن عثمان المطرف من حسنه فنظر إلى فاطمة حاسرة تضرب وجهها فأرسل إليها إن لنا في وجهك حاجة فارفقي به
فاسترخت يداها وعرف ذلك فيها وخمرت وجهها فلما حلت أرسل إليها فخطبها فقالت كيف يميني التي حلفت بها قال فأرسل إليها مكان كل مملوك مملوكين ومكان كل شيء فعوضها من يمينها فنكحته فولدت له محمدا الديباج والقاسم
قال الزبير وحدثني مصعب بن عبد الله قال زعموا أن حمزة بن عبد الله ابن الزبير نظر إلى فاطمة بنت القاسم تبكي عند رأسه وهو يموت فقال لها أما والله فكأني بالأعيرج طلحة بن عمر قد أرسل إليك إذا حللت فتزوجينه
قالت كل مملوك لها حرة وكل شيء لها في سبيل الله تعالى إن تزوجته أبدا
فلما حلت أرسل إليها طلحة بن عمر إني قد علمت يمينك ولك بكل شيء شيئان فأصدقها ثلاثمائة ألف درهم فتزوجته فولدت له إبراهيم ورملة
قال الزبير وحدثني عمر بن أبي بكر الموصلي عن إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري قال كانت أم هشام بنت عثمان بن عبد الله عند عبد الرحمن بن عمر بن سهل العامري وكان عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمن المخزومي صديقا له فقال (1/649)
فدخلت عليه وهو يموت فإذا هو شكع فقلت له ما يشكعك يا أخي أمن الموت تشكع قال والله ما ذاك يشكعني ولكني أخاف أن تزوج أم هشام عمر بن عبد العزيز وعمر إذ ذاك وال على المدينة
قال وستر في البيت فسمعت حركة فيه فما كان بأوشك من أن كشف الستر وإذا جوار قد قمن بين المرأة ثم قالت قد سمعت مقالتك يا بن عمر والذي يشغلك واستغلظت في اليمين بالنذر وكل شيء لها في سبيل الله عز و جل وعتق ما تملك إن تزوجته فطب نفسا فقال الحمد لله ما أبالي متى جاءني الموت
قال عبد الله بن عكرمة فخرجت إلى المنزل فوالله ما بلغت حتى سمعت الصياح وجاءني الرسول أن أدرك أخاك فقد مات
قال فجئته فقمنا إلى حاجته فرمح به الظهر وأم هشام في الناس ليس لي همة إلا أنظر كيف تصنع هي وعمر
فلما كنا على القبر التفت عمر إلى المأتم فإذا امرأة قد راقت النساء طولا وجمالا وهي تضرب على خديها ضربا شديدا فقال من هذه فقيل ابن خالتك أيها الأمير أم هشام بنت عثمان فأرسل أبقي في خديك فإن لنا فيهما حاجة
قال فأتى الخصى فكلمها فنظرت إلى يديها وقد استرختا فلم يكن إلا أن حلت فأخلف عليها ما حلفت به وأرغبها وتزوجها
وبلغني ذلك فكتبت إليها أذكرها ما كان بلغنا من غدر النساء وأنا كنا بين مصدق ومكذب حتى بان لي ذلك فيها وتمثلت لها (1/650)
إن لقيت خيرا فلا يهنها ... وإن عثرت فلليدين وللفم
فكتبت إلي قد فهمت كتابك وإني لم أجد لي مثلا إلا ما قال أرطاة ابن شهبة
كأين ترى من ذات شجو ولوعة ... طوت كشحها بعد الحنين المرجع
وقال المتوكل الليثي فيما يتعلق بالسلو عن النساء لغدرهن
وكنا ارتقينا في صعود من الهوى ... فلما ارتقيناه ثبت وزلت
وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... فلما تواثقنا عقدت وحلت
فإن سأل الواشون فيم صرمتها ... فقل نفس حر سليت فتسلت
وقد حكى أن جعفر بن قدامة قال كانت لموسى الهادي جارية يقال لها غادر من أحسن الناس وجها وعينا وكان يحبها حبا شديدا فبينا هي تغنيه يوما عرض له فكر وسهو وتغير لونه فسأله من حضر عن ذلك فقال وقع في فكري أني أموت وأن أخي هرون يلي مكاني ويتزوج جاريتي هذه فقيل له يعذك الله ويقدم الكل بين يديك قبلك فأمر بإحضار أخيه وعرفه ما خطر له فأجابه بما يوجب زوال الخاطر فقال لا أرضى حتى تحلف لي أني متى مت لم تتزوجها فاستوفى عليه الأيمان من الحج راجلا وطلاق الزوجات وعتق المماليك وتسبيل ما يملكه ثم نهض إليها فاحلفها بمثل ذلك فما لبث إلا نحو شهر حتى توفي فبعث هرون يخطب الجارية فقالت كيف يميني ويمينك فقال أكفر عن الكل وأحج راجلا
فتزوجها وزاد شغفه بها على شغف أخيه أنها كانت تضع رأسها في حجرة وتنام فلا يتحرك حتى تنتبه فبينا هي ذات يوم على ذلك انتبهت مرعوبة فزعة فسألها عن ذلك فقالت رأيت أخاك الساعة وهو يقول (1/651)
أخلفت وعدي بعدما ... جاورت سكان المقابر
ونسيتني وحنثت في ... أيمانك الكذب الفواجر
ونكحت غادرة أخي ... صدق الذي سماك غادر
أمسيت في أهل البلى ... وغدوت في الحور الغرائر
لا يهنك الإلف الجديد ... ولا تدر عنك الدوائر
ولحقت بي قبل الصباح ... وصرت حيث غدوت صائر
والله يا أمير المؤمنين لكأني أسمعهما وكأنما كتبتهما في قلبي فما أنسيت منهما كلمة فقال له الرشيد أضغاث أحلام فقالت كلا ثم لم تزل تضطرب بين يديه وترعد حتى ماتت
فصل ومما يداوى به الباطن أن تفكر فتعلم أن محبوبك ليس كما في نفسك
فأعمل فكرك في عيوبه تسل فإن الآدمي محشو بالأنجاس والأقذار وإنما يرى العاشق معشوقة في حال الكمال ولا يصور له الهوى عيبا لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال وسلطان الهوى حاكم جائر يغطي المعايب فيرى العاشق القبيح من معشوقه حسنا
أخبرنا أبو المعمر الأنصاري قال أنبأنا صاعد بن سيار قال أنبأنا أحمد بن أبي سهل الغورجي قال أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ إجازة قال حدثني علي بن أحمد الوزان قال حدثنا الحسن بن أبي الحسن قال حدثنا أبو بكر (1/652)
محمد بن يحيى الصولي قال حدثنا عبد الله بن محمد اليزيدي قال حدثنا عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي عن عمه قال قال لي الرشيد ما حد العشق وصفته فقلت أن تكون ريح البصل من المعشوق أطيب عند العاشق من ريح المسك مع غيره وقال الحكماء عين الهوى عوراء
بهذا السبب يعرض الإنسان عن زوجته ويؤثر عليها الأجنبية وقد تكون الزوجة أحسن والسبب في ذلك أن عيوب الأجنبية لم تبن له وقد تكشفها المخالطة ولهذا إذا خالط هذه المحبوبة الجديدة وكشفت له المخالطة ما كان مستورا مل وطلب أخرى إلى ما لا نهاية له
وقد بلغنا عن المتوكل أنه خرج يوما واجما فسأله وزيره عن حاله فقال في الدار عشرون ومائة جارية ما فيهن من تطلبها نفسي
قال المصنف فاستعمال الفكر في بدن الآدمي وما يحوي من القذارة وما تستر الثياب من المستقبح يهون العشق ولهذا قال ابن مسعود إذا أعجبت أحدكم أمراة فليذكر مناتنها
وقال بعض الحكماء من وجد ريحا كريهة من محبوبة سلاه وكفى بالفكر في هذا الأمر دفعا للعشق المقلق
ولقد بلغنا أن رجلا عشق امرأة فمد يده إليها مع طيش فقالت له تأمل أمرك أتدري ما تريد أن تصنع إنما تريد أن تبول في بالوعة لو شاهدت داخلها لوجدته أنتن من الكنيف فبرد وسكن ولم يعاود
وقال أبو نصر بن نباتة
ما كنت أعرف عيب من أحببته ... حتى سلوت فصرت لا أشتاق
وإذا أفاق الوجد واندمل الهوى ... رأت القلوب ولم تر الأحداق (1/653)
فصل ولهذا المعنى الذي أشرت إليه شكا خلق من العشاق معشوقهم وملوهم
وأعرضوا عنهم وما كان السبب إلا أن المخالطة أظهرت المعايب الآدمية فنفروا عنهم ومضى ما مضى من القلق ووهن الجاه مجانا
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبأنا أبو موسى السراج قال أنبأنا عبد الله بن عمر بن أحمد قال حدثنا أبي قال حدثنا الحسين بن أحمد بن صدقة قال حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال حدثنا ابو معمر قال أملي علينا سفيان بن عيينة عن يحيى بن يحيى الغساني قال سمعت عروة يحدث أن عبد الرحمن ابن أبي بكر خرج في نفر من قريش إلى الشام يمتارون منه فمروا بإمرأة يقال لها ليلى فذكر من جمالها فرجع وقد وقع منها في قلبه شيء وهو يشبب ويقول
تذكرت ليلى والسماوة بيننا ... وما لابنة الجودي ليلى وماليا
زادنا مصعب بيتين من الشعر ليس من حديث ابن عيينة
وأني تعاطى قلبه حارثية ... تدمن بصري أو تحل الجوانيا
وأني تلاقيها بلى ولعلها ... إن الناس حجوا قابلا أن تلاقيا
ثم رجع إلى حديث سفيان قال فلما كان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه افتتح خالد بن الوليد الشام فصارت إليه
أنبأنا الحسين بن محمد بن عبد الوهاب قال أنبأنا أبو جعفر بن المسلمة قال أنبأنا أبو طاهر المخلص قال أنبأنا أحمد بن سلمان بن داود قال أنبأنا الزبير بن بكار قال حدثني محمد بن الضحاك الخزامي عن أبيه أن عبد الرحمن ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قدم الشام في تجارة فرأى هناك امرأة يقال لها ابنة الجودي على طنفسة لها ولائد فأعجبته فقال فيها
تذكرت ليلى والسماوة بيننا ... وما لابنة الجودي ليلى وماليا
وأني تعاطى ذكره حارثية ... تدمن بصرى أو تحل الجوانيا (1/654)
وأنى تلاقيها بلى ولعلها ... إن الناس حجوا قابلا أن نلاقيا
قال فلما بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشه إلى الشام قال لصاحب الجيش إن ظفرت بليلى ابنة الجودي عنوة فادفعها إلى عبد الرحمن بن أبي بكر
فظفر بها فدفعها إلى عبد الرحمن فأعجب بها وآثرها على نسائه حتى شكونه إلى عائشة رضي الله عنها فعاتبته على ذلك فقال والله كأني أرشف بأنيابها حب الرمان فأصابها وجع سقط له فوها فجفاها حتى شكته إلى عائشة فقالت له عائشة رضي الله عنها لقد أحببت ليلى فأفرطت وأبغضتها فأفرطت فإما أن تنصفها وإما أن تجهزها إلى أهلها فجهزها إلى أهلها
قال وحدثني عبد الله بن نافع الصائغ عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفل عبدالرحمن ابن أبي بكر ليلى بنت الجودي حين فتح دمشق وكانت بنت مالك دمشق ومما يروى لعبد الرحمن في ليلى بنت الجودي
بابنة الجودي قلبي لبث ... مستهام عندها ما يؤوب
جاورت أخوا لها حي عك ... فلعلك من فؤادي نصيب
ولقد لاموا فقلت ذروني ... إن من تلحون فيها الحبيب
غصن بان ماخلا الخصر منها ... ثم ما أسفل ذاك كثيب
قالت عائشة رضي الله عنها كنت أعاتبه في كثرة محبته لها ثم صرت أعاتبه في إساءته إليها حتى ردها إلى أهلها
حدثني محمد بن أبي نعيم البلخي قل حدثني عبد الرحمن بن إبراهيم النحوي أن يزيد بن عبد الملك بعث إلى الضحاك عامل المدينة ابعث إلي الأحوص بن محمد الأنصاري ومعبدا المغنى فخرجا يقصدان المنازل ويقيمان فيها يستلذا حتى نزلا على غدير ماء وروضة خضراء ببلد أفيح وبه رجل من بني مخزوم في قصر له حتى نزلا البلقاء وهي أرض الشام فأصابهما مطر من الليل وأصبحت الغدر مملوءة فقال (1/655)
الأحوص لو أقمنا اليوم فتغدينا على هذه الغدر ففعلا ورفع لهما قصر فلما أكلا ووضعنا شرابهما فتح باب القصر فخرجت جارية بيضاء من أشد الناس بياضا وأحسنهم شعرا في يدها جرة فوردت الغدير بتلك الجرة فاستقت من ذلك الماء حتى إذا كانت على خمس أو نحوها ألقت الجرة فكسرتها وقعدت فاندفعت تغني بحذق
يا بيت عاتكة التي أتغزل ... حذر العدى وبه الفؤاد موكل
إني لأمنحك الصدود وإنني ... قسما إليك مع الصدود لأميل
فقال معبد غنائي والله وقال الأحوص شعري والله فلما سمعا ذلك منها قاما إليها فسلما عليها وسألاها إعادة الصوت فأعادته فقالا لها من أين أنت فقالت مكية كنت لآل الوليد فحج هذا المخزومي الذي أنا عنده فابتاعني من أهلي بخمسين ألف درهم فنزلت من قلبه أحسن منزلة إذا طرقت عليه ابنة عم له فنزلت أحسن المنازل وعلا مكانها فلم يزدها إلا ارتفاعا ولم يزدني إلا اتضاعا حتى بلغت منزلتها أن قالت لست براضية حتى تأمرها تستقي الماء من الغدير كل يوم جرتين ففعل فأنا إذا ذكرت ما كنت فيه من النعمة كسرت الجرة وإذا اعترفت بالملكة أديت إليهم جرتهم مملوءة
حدثني بعض إخواني عن صديق له أنه عشق أمراة كانت في نهاية الحسن والجمال وأنه كان يخاطر بنفسه ليجتمع بها
قال فقال لي يوما والله لو اجتمعت بها ثم قدمت فضربت عنقي ما باليت ثم إنه تزوجها فمضى عليه قليل ثم طلقها
قال فمررت يوما أنا وهو في بعض الطريق بحمأة منتنة فقال لي يا فلان والله إن فلانة اليوم أقبح عندي حالا من هذه الحمأة (1/656)
فصل وقد يقع السلو بالشيء الذي لا يظن مثل أن يحب الإنسان المرأة
فإذا بها نسبة لصديق من أصدقائه فيحتشم ذلك فيسلوها أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال أنبأنا محمد بن أبي نصر الحميدي قال أخبرنا أبو محمد علي بن أحمد قال أخبرني أبو بكر محمد بن إسحاق المهلبي عن بعض إخوانه وأظنه أبا الوليد ابن الفرضي عن أبي عمر يوسف بن هارون قال خرجت يوما لصلاة الجمعة فتجاوزت نهر قرطبة متفرجا إلى رياض بني مروان فإذ جارية لم أر أجمل منها فسلمت عليها فردت ثم جاريتها فرأيت أدبا بارعا فأخذت بمجامع قلبي فقلت سألتك بالله أحرة أم أمة فقالت بل أمة فقلت ما اسمك فقالت حلوة فلما قرب وقت الصلاة انصرفت فجعلت أقفو أثرها فلما بلغت رأس القنطرة قالت إما أن تتقدم وإما أن تتأخر فلست والله أخطو خطوة وأنت معي فقلت لها فما ثمنك إن باعك من أنت له قالت ثلاثمائة دينار
قال فخرجت جمعة أخرى فوجدتها على العادة فازداد كلفي بها فرحلت إلى عبد الرحمن التجيبي صاحب سرقسطة فمدحته بالقصيدة الميمية المشهورة فيه ن وذكرت في تشبيبها حلوة وحدثته مع ذلك بحديثي فوصلني بثلاثمائة دينار ذهبا سوى ما زودني من نفقة الطريق مقبلا وراجعا
وعدت إلى نهر قرطبة فلزمت الرياض جمعا لا أرى لها أثرا وقد انطبقت سمائي على أرضي وضاق صدري إلى أن دعاني يوما رجل من إخواني فدخلت داره وأجلسني في صدر مجلسه ثم قام إلى بعض شأنه فلم أشعر إلا بالستارة المقابلة لي وإذا بها قد رفعت وإذا بها فقلت حلوة فقالت نعم فقلت أنت مملوكته فقالت لا والله ولكني أخته (1/657)
قال فكأن الله تعالى محا حبها من قلبي وقمت من فوري فاعتذرت إلى صاحب المنزل بعارض طرقني وانصرفت وأول قصيدته
قفوا تشهدوا بثي وإنكار لائمي ... علي بكائي في الرسوم الطواسم
أيأمن أن يغدو حريقا تنفسي ... وإلا غريقا في الدموع السواجم
خذوا رأيه إن كان يتبع كل من ... ينوح على ألافه بالملاوم
فهذا حمام الأيك يبكي هديله ... بكائي فليفزع للوم الحمائم
وما هي إلا فرقة تبعث الأسى ... إذا نزلت بالناس أو بالبهائم
جلا ناظري من نومه بعد خلوه ... متى كان مني النوم ضربة لازم
ومن شعره
قالوا اصطبر وهو شيء لست أعرفه ... من ليس يعرف صبرا كيف يصطبر
أوص الخلى بأن يغضى الملاحظ عن ... غر الوجوه ففي إعمالها غرر
وفائق الحسن قتال الهوى نظرت ... عيني إليه فكان الموت والنظر
ثم انتصرت بعيني وهي قاتلتي ... ماذا تريد بقلبي حين تنتصر
يا شقة النفس وأصلها بشقتها ... فإنا أنفس الأعداء تهتجر
ظلمتني ثم إني جئت معتذرا ... يكفيك أني مظلوم ومعتذر
فصل ومما يداوي به الباطن تصوير فقد المحبوب إما بموته أو بفراق يحدث
عن غير اختيار أو بنوع ملل أو بتغير حليته فيزول ما أوجب المحن الزائدة على الحد التي خسر بها المحب جاه الدين والدنيا وكم ممن مات في تلك الحال
وقد حكى أن بعض الحكماء قال لغلام له وكان قد عشق جارية يا فلان لا بد من فراق هذه قال لا بد قال فاستعجله واربح ما بينهما (1/658)
وقال كثير
أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا الهوى واستمرت بالرجال المرائر
وهبها كشيء لم يكن أو كنازح ... به الدار أو من غيبته المقابر
ومتى صور الإنسان مثل هذه الأشياء وتلمح عواقبها بفكره سهل عليه علاج ما في قلبه ومتى مر على وجهه في استلذاذ عشقه هجم عليه من المحن ما يربى على لذته وربما كان سبب هلكته
أخبرنا المبارك بن علي قال أنبأنا ابن العلاف قال أنبأنا عبد الملك بن بشران قال حدثنا أحمد بن إبراهيم قال أنبأنا محمد بن جعفر قال حدثنا علي بن الأعرابي قال حدثنا علي بن عمروس أن يزيد بن عبد الملك دخل يوما بعد موت حبابة وكان لها عاشقا إلى خزانتها ومقاصيرها فطاف بها ومعه جارية من جواريها فتمثلت الجارية
كفي حزنا بالواله الصب أن يرى ... منازل من يهوى معطلة قفرا
فصاح صيحة وخر مغشيا عليه فلم يفق إلى أن مضى من الليل هوى فلم يزل باقي ليلته باكيا فلما كان اليوم الثاني وقد انفرد في بيت يبكي عليها جاءوا إليه فوجدوه ميتا
أخبرتنا شهدة بنت أحمد قالت أنبانا جعفر بن أحمد قال حدث أبو علي ابن شاذان قال حدثني أحمد بن سليمان الطوسي قال حدثنا الزبير بن بكار قال حدثني هرون بن موسى قال حدثني موسى بن جعفر أن يزيد بن عبد الملك بينا هو مع حبابة أسر الناس بها حذفها بحبة رمان أو بعنبة وهي تضحك فوقعت في فيها فشرقت فماتت فأقامت عنده في البيت حتى جيفت أو كادت تجيف ثم خرج فدفنها فأقام أياما ثم خرج حتى وقف على قبرها فقال
فإن تسل عنك النفس أو تدع الصبا ... فباليأس تسلو عنك لا بالتجلد
ثم رجع فما خرج من منزله حتى خرج بنعشه (1/659)
أنبأنا عبد الوهاب الحافظ قال أنبأنا أبو الحسين بن عبدالجبار قال أنبأنا أحمد بن علي التوزي قال أنبأنا عمر بن ثابت قال أنبأنا أبو الحسن بن أبي قيس قال حدثنا عبد الله بن محمد القرشي قال حدثني محمد بن صالح القرشي قال حدثني محمد بن الخطاب الأزدي قال أنبأنا الوليد بن سلمة القاضي عن أبي شراعة حميد بن هارون الكندي قال حدثني يحيى بن أسقوط الكندي قال ماتت حبابة فأحزنت يزيد بن عبد الملك فخرج في جنازتها فلم تقله رجلاه فأقام وأمر مسلمة فصلى عليها ثم لم يلبث بعدها إلا يسيرا حتى مات
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا علي بن أيوب القمى قال أنبأنا محمد بن عمران المرزباني قال حدثنا أبو عبد الله الحكيمي قال حدثنا يموت بن المزرع قال حدثنا أبو هفان قال كان لأبي دلف العجلي جارية تسمى جنان وكان يعشقها وكان لفرط فتونه وظرفه يسميها صديقتي فمن قوله فيها
أحبك يا جنان وأنت مني ... مكان الروح من جسد الجبان
ولو أني أقول مكان روحي ... خشيت عليك بادرة الزمان
وإقدامي إذا ما الخيل كرت ... وهاب كماتها حر الطعان
قال أبو هفان ثم ماتت فرثاها بمراث حسان
أخبرنا أبو منصور القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي الحافظ قال أنبأنا الحسن ابن علي الجوهري قال أنبأنا محمد بن عمران المرزباني قال أنبأنا أحمد بن محمد ابن عيسى المكي قال حدثنا محمد بن القاسم بن جلاد قال حدثنا الأصمعي قال كان الرشيد شديد الحب لهيلانة وكانت قبله ليحيى بن خالد فدخل يوما إلى يحيى قبل الخلافة فلقيته في ممر فأخذت بكمه فقالت نحن لا يصيبنا منك (1/660)
يوم فقال لها بلى فكيف السبيل إلى ذلك فقالت تأخذني من هذا الشيخ فقال ليحيى أحب أن تهب لي فلانة فوهبها له حتى غلبت عليه وكانت تكثر أن تقول هي الآنة فسماها هيلانة فأقامت عنده ثلاث سنين ثم ماتت فوجد عليها وجدا شديدا
وأنشد قد قلت لما ضمنوك الثرى ... وجالت الحسرة في صدري
اذهب فوالله ما سرني ... بعدك شيء آخر الدهر
أخبرنا أبو منصور قال أنبأنا أحمد بن علي قال أنبأنا محمد بن علي الأصبهاني قال أنبأنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله العسكري عن محمد بن أبي يحيى الصولي قال حدثنا الغلابي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن قال لما توفيت هيلانة جارية الرشيد أمر العباس بن الأحنف أن يرثيها فقال
يا من تباشرت القلوب بموتها ... قصد الزمان مساءتي فرماك
أبغي الأنيس فلا أرى لي مؤنسا ... إلا التردد حيث كنت أراك
ملك بكاك وطال بعدك حزنه ... لو يستطيع بملكه لفداك
يحمى الفؤاد عن النساء حفيظة ... كيلا يحل حمى الفؤاد سواك
فأمر له بأربعين ألف درهم لكل بيت عشرة آلاف درهم وقال لو زدتنا لزدناك
فصل ومن أدوية الباطن أن يصور الإنسان أنقضاء غرضه أو يمثل غيره في
مقامه ثم يتلمح عواقب الحال أفترى يوسف عليه السلام لو زل من كان يكون أو لم يبق مدحه لصبره أبد الدهر أفترى ما سمعت بما عز ولا شك أنه في القيمة معروف وإن كانت التوبة قد غمرت ذنبه (1/661)
ولكن تلمح أنت عواقب من صبر ومن لم يصبر وأعمل فكرك في الحالتين لعل هذه العبرة تخرق حجاب الهوى فتدخل على القلب بغير إذن فتكشف هذه الغمة فالعاقل من وزن ما يحتوي عليه العشق من لذة ونغصة فنغصه كثيرة وأذاه شديد وهو على الحقيقة يهين النفس التي لا قيمة لها وغالب لذاته محرم ثم هي مشوبة بالغموم والهموم وخوف الفراق وفضيحة الدنيا وحسرات الآخرة فيعلم الموازن بين الأمرين أن اللذة مغمورة في جنب الأذى قال الببغاء
وأفضل الناس من لم يرتكب سببا ... حتى يميز ما تجنى عواقبه
وقال المتنبي
مما أضر بأهل العشق أنهم ... هووا وما عرفوا الدنيا ولا فطنوا
تفنى عيونهم دمعا وأنفسهم ... في إثر كل قبيح وجهه حسن
تحملوا حملتكم كل ناجية ... فكل بين علي اليوم مؤتمن
ما في هوادجكم من مهجتي عوض ... إن مت شوقا ولا فيها لها ثمن
سهرت بعد رحيلي وحشة لكم ... ثم استمر مريري وارعوى الوسن
فصل ومن أدوية الباطن أن يعلم أن الابتلاء لظهور جواهر الرجال
فربما كان ابتلاؤك لينظر إلى صبرك فإن صبرت فربما نقلك إلى محبته (1/662)
قال أبو طالب المكي قال مريد لأستاذه قد طولعت بشيء من المحبة قالت يا بني هل ابتلاك بمحبوب سواه فآثرته عليه قال لا قال فلا تطمع في المحبة فإنه لا يعطيها عبدا حتى يبتليه وقد قال الشافعي لا يكون التمكين إلا بعد المحبة فإذا امتحن الإنسان فصبر مكن ألا ترى أن الله تعالى امتحن إبراهيم ثم مكنه وامتحن أيوب ثم مكن له فقال
وآتيناه أهله ومثلهم معهم وامتحن سليمان ثم آتاه ملكا وكذلك يوسف عليه السلام
قلت فمن نظر في هذا فليعلم أن مدة هذا البلاء خطوات في ميدان معاملة ويا قرب النهاية فليصابر هجير الصبر فما أسرع انقضاء اليوم وليحذر من الخسران في موسم البلاء فربما ذهب أصل البضاعة وليتخايل عند صبره خيلاء فخره فليزه بها فما يوازن صبره عمل عابد ولا زهد زاهد وربما نظر إليه في تلك الحالة نظرة رضا كانت غنى الأبد وهذا كله في الصدمة الأولى فإنه ربما وقع ملل أو سلو
فصل ومن أدوية الباطن أن يتفكر الإنسان فيما يفوته تشاغله بالمعشوق
من الفضائل فإن أرباب اليقظة عشقهم للفضائل من العلوم والفقة والصيانة والكرم وغير ذلك من الخلال الممدوحة أوفى من ميلهم إلى شهوات الحس لأن شهوات الحس حظ النفس وتلك الخلال حظ العقل والنفس الناطقة الفاضلة إلى ما يؤثره العقل أميل وإن جرها الطبع إلى الشهوات الحسيات
ومن أعجب ما نقل إلينا من ذلك ما أخبرنا به أبو منصور القزاز قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا القاضي أبو العلاء الواسطي قال قال محمد بن جعفر التميمي حدثت عن أبي بكر بن الأنباري أنه مضى يوما في النخاسين وجارية (1/663)
تعرض حسنة كاملة الوصف قال فوقعت في قلبي ثم مضيت إلى دار أمير المؤمنين الراضي فقال لي أين كنت إلى الساعة فعرفته فأمر بعض أسبابه فمضى فاشتراها وحملها إلى منزلي فجئت فوجدتها فعلمت الأمر كيف جرى فقلت لها كوني فوق إلى أن أستبرئك وكنت أطلب مسألة قد اختلت علي فاشتغل قلبي فقلت للخادم خذها وامض بها إلى النخاس فليس قدرها أن تشغل قلبي عن علمي
فأخذها الغلام فقالت دعني أكلمه بحرفين فقالت أنت رجل لك محل وعقل وغذا أخرجتني ولم تبين لي ذنبي لم آمن أن يظن الناس بي ظنا قبيحا فعرفنيه قبل أن تخرجني فقلت لها مالك عندي عيب غير أنك شغلتني عن علمي فقالت هذا أسهل عندي
قال فبلغ الراضي أمره فقال لا ينبغي أن يكون العلم في قلب أحد أحلى منه في صدر هذا الرجل قال محمد بن جعفر وحدثني عنه أبو الحسن العروضي قال اجتمعت أنا وهو عند الراضي على الطعام وكان قد غرف الطباخ ما يأكل أبو بكر فكان يشوي له قلية يابسة فأكلنا نحن من ألوان الطعام وأطيابه وهو يعالج تلك القلية ثم فرغنا وأتينا بحلواء فلم يأكل منها وقام وقمنا إلى الخيش فنام بين الخيشين ونمنا نحن في خيش ننافس فيه فلم يشرب ماء إلى العصر فلما كان بعد العصر قال لغلام الوظيفة فجاءه بماء من الحب وترك الماء المزمل بالثلج فغاظني أمره فصحت نصحية فأمر أمير المؤمنين بإحضاري وقال ما نصيحتك فأخبرته وقلت هذا يا أمير المؤمنين يحتاج أن يحال بينه وبين تدبير نفسه لأنه يقتلها ولا يحسن عشرتها فضحك وقال في هذا لذة وقد صار إلفا فلن يضره ثم قلت يا أبا بكر (1/664)
لم تفعل هذا بنفسك قال أبقى على حفظي قلت له قد أكثر الناس في حفظك فكم قال أحفظ ثلاثة عشر صندوقا
قال محمد بن جعفر ولما وقع في علة الموت أكل كل شيء كان يشتهي وقال هي علة الموت
قلت وفي هذا المعنى الذي ذكرناه قال أبو علي الحسن بن أحمد المنطقي
غيري يشوق فؤاده حدق المها ... ويروقه روض الخدود بورده
وإذا تثنى خوط بان لم أكن ... ممن يقد حشاه مرهف قده
لا أن طبعي مسه طبع ولا ... أني صفا ينبو الهوى عن صلده
لكن كنهي للمساعي عاقني ... عن عسف قلبي في الحسان وكده
وإذا ابن عزم لم يقم متجردا ... للحادثات فصارم في غمده
والسيف سمى في النوائب عدة ... لمضائه فيهن لا لفرنده
فصل ومن أدوية الباطن أنفة النفس الأبية أن تكون مقهورة فإن العاقل
ذليل مقهور وكل موافق للهوى يقع عليه قترة سببها أنه قهر وقد ذكرنا في باب الافتخار بالعفاف من هذا طرفا فليطالع من هناك
فصل ومن أعظم أدوية الباطن إعمال الفكر في قبح هذه الحال والإصغاء
إلى سماع العظة من واعظ القلب فإنه من لم يكن له من قلبه واعظ لم تنفعه المواعظ ومن الناس من يسمع موعظة فيرعوى ومنهم من يرى غيره فينتهي ومنهم من (1/665)
يرى طاقة شيب فينزع وقد قدمنا بابا فيمن ذكر ربه فترك ذنبه فليطالع ومنهم من ينبه بمنام فينتبه
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال أنبأنا أبو حنيفة المؤدب قال حدثنا المعافى بن زكريا قال حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال حدثنا عسل بن ذكوان قال حدثنا زياد عن حماد بن شفيق قال قال أبو سلمة الغنوي قلت لأبي العتاهية ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد
قال إذن والله أخبرك إني لما قلت
الله بيني وبين مولاتي ... أهدت لي الصدود والملالات
منحتها مهجتي وخالصتي ... فكان هجرانها مكافاتي
هيمني حبها وصيرني ... أحدوثة في جميع جاراتي
رأيت في المنام تلك الليلة كأن آتيا أتاني فقال ما أصبت أحدا تدخله بينك وبين عتبة يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله تعالى فانتبهت مذعورا وتبت إلى الله تعالى من ساعتي من قول الغزل
فصل فإن قال قائل فما تقول فيمن صبر عن حبيبه وبالغ في استعمال
الصبر غير أن خيال الحبيب في القلب لا يزول ووسواس النفس به لا ينقطع
فالجواب أنه إذا كففت جوارحك فقد قطعت مواد الماء الجاري وسينضب ما حصل في الوادي مع الزمان خصوصا إن طلعت عليه شمس صيف الخوف ومرت به سموم المراقبة لمن يرى الباطن فما أعجل ذهابه (1/666)
ثم استغث بمن صبرت لأجله وقل إلهي فعلت ما أطقت فاحفظ لي مالا طاقة لي بحفظه
أخبرنا موهوب بن أحمد قال أنبأنا علي بن أحمد البسري قال أنبأنا أبو طاهر المخلص قال حدثنا أحمد بن نصر قال حدثنا علي بن عثمان الحراني قال حدثنا القاسم بن معن عن مسعر عن قتادة عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن الله عز و جل تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تكلم به أو تعمل به أخرجاه في الصحيحين
أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال أنبأنا أبو بكر الخطيب قال أنبأنا أبو نعيم الحافظ قال سمعت أبا الحسن بن القاسم يقول سمعت أبا القاسم النقاش يقول سمعت الجنيد يقول الإنسان لا يعاب بما في طبعه إنما يعاب إذا فعل بما في طبعه (1/667)
الباب الخمسون فيه وصايا ومواعظ وزواجر
أخبرنا ابن أبي منصور قال أنبأنا جعفر بن احمد قال أنبأنا الحسن ابن علي قال أنبأنا أبو بكر بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد قال حدثني أبي قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى بن أبي كثير أن أبا بكر الصديق كان يقول في خطبته أين الوضاة الحسنة وجوههم أين المعجبون بشبابهم أين الملوك الذين بنوا المدائن وحصنوها بالحيطان أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب قد تضعضع بهم الدهر فأصبحوا في ظلمات القبور الوحا الوحا النجا النجا
قال أحمد وحدثنا عبد الله بن يزيد قال حدثنا سعيد قال حدثني عبيد الله بن الوليد قال سمعت ابن حجيرة يحدث عن أبيه عن ابن مسعود أنه كان يقول إنكم في ممر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة والموت يأتي بغتة فمن زرع خيرا فيوشك أن يحصد رغبة ومن زرع شرا فيوشك أن يحصد ندامة ولكل زارع ما زرع
أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال أنبأنا رزق الله بن عبد الوهاب قال أنبأنا أبو علي بن شاذان قال أنبأنا أبو جعفر بن بريه قال حدثنا أبو بكر القرشي قال حدثنا محمد بن إدريس عن أبي زكريا التيمي قال بينا سليمان بن عبد الملك في المسجد الحرام إذ أتى بحجر منقور فطلب من يقرأه فأتى بوهب بن منبه فقرأه فإذا فيه ابن آدم إنك لو رأيت قرب ما بقي من أجلك لزهدت في طويل أملك ولرغبت في الزيادة من عملك (1/668)
ولقصرت من حرصك وحيلك وإنما يلقاك ندمك لو قد زلت بك قدمك وأسلمك أهلك وحشمك فبان منك الوالد والقريب ورفضك الولد والنسيب فلا أنت إلى دنياك عائد ولا في حسناتك زائد فاعمل ليوم القيامة قبل الحسرة والندامة
أخبرنا محمد بن أبي منصور قال أنبأنا علي بن محمد بن العلاف قال أنبأنا علي بن أحمد الحمامي قال أنبأنا محمد بن الحسين الحريري قال حدثنا بشر بن موسى قال حدثنا عبد الله قال حدثنا يحيى بن عبد الملك قال كتب الأوزاعي إلى أخ له أما بعد فإنه قد أحيط بك من كل جانب وأعلم أنه يسار بك في كل يوم وليلة فاحذر الله والقيام بين يديه وأن يكون آخر عهدك به والسلام
أخبرنا المحمدان بن عبد الملك وابن ناصر قالا أنبأنا أحمد بن الحسن المعدل قال حدثنا عبد العزيز بن علي قال حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد الحافظ قال حدثنا إبراهيم بن نصر قال حدثني إبراهيم بن بشار قال سمعت الفضيل بن عياض يقول بلغني أن رجلا كتب إلى داود الطائي أن عظني بموعظة
قال فكتب إليه أما بعد فاجعل الدنيا كيوم صمته عن شهوتك واجعل فطرك الموت فكأن قد والسلام
قال فكتب إليه زدني فكتب إليه أما بعد فارض من الدنيا باليسير مع سلامة دينك كما رضى أقوام بالكثير مع ذهاب دينهم والسلام (1/669)
أخبرنا محمد بن ناصر قال أنبأنا المبارك بن عبد الجبار قال أنبأنا البرمكي قال أنبأنا أحمد بن جعفر بن سلم قال أنبأنا أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال حدثنا يعقوب بن يوسف السني قال حدثنا يحيى بن خالد البزاز قال حدثنا ابن عبد المجيد قال حدثني النعمان بن عبد السلام عن سفيان قال أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران إنه ليست عقوبتي لمن عرفني واجترأ علي كمن لم يعرفني
أخبرنا ابن ناصر قال أنبأنا أحمد بن علي بن خلف قال أنبأنا أبو عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا بكر محمد بن عبد الله الرازي يقول سمعت محمد ابن حاتم الترمذي يقول رأس مالك قلبك ووقتك وقد شغلت قلبك بهواجس الظنون وضيعت أوقاتك بارتكاب مالا يعنيك فمتى يربح من خسر رأس ماله
أخبرنا محمد بن أبي منصور والمبارك بن علي قالا أنبانا علي بن محمد العلاف قال أنبأنا علي بن أحمد الحمامي قال حدثنا جعفر بن محمد الخلدي قال حدثنا إبراهيم بن نصر قال سمعت إبراهيم بن بشار يقول مررت أنا وأبو يوسف الفسولي في طريق الشام فوثب إليه رجل فسلم عليه ثم قال يا أبا يوسف عظني بموعظة أحفظها عنك
قال فبكى ثم قال اعلم يا أخي أن اختلاف الليل والنهار وممرهما يسرعان في هدم بدنك وفناء عمرك وانقضاء أجلك
فينبغي لك يا أخي أن لاتطمئن حتى تعلم أين مستقرك ومصيرك وساخط ربك عليك بمعصيتك وغفلتك أو راض عنك بفضله ورحمته ابن آدم الضعيف (1/670)
نطفة بالأمس وجيفة غدا فإن كنت لا ترضى بهذا فسترد وتعلم وتندم في وقت لا ينفعك الندم
قال وبكى أبو يوسف وبكى الرجل وبكيت لبكائهما ووقعا مغشيا عليهما ووعظ أعرابي ولده فقال لا الدهر يعظك ولا الأيام تنذرك والساعات تعد عليك والأنفاس تعد منك وأحب أمريك إليك أعودهما بالضر عليك
وكتب بعض الحكماء إلى أخ له أما بعد فإن الدنيا حلم والآخرة يقظة والمتوسط بينهما الموت ونحن في أضغاث أحلام والسلام آخرون آخر الكتاب والحمد لله رب العالمين وصلواته على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم وحسبنا الله ونعم الوكيل سمع هذا الكتاب من لفظي سوى جزء من أوله فإنه قرأه على فتم له جميع الكتاب سماعا صاحبه الشيخ الأجل السيد العالم صلاح الدين أبو علي الحسن بن سيف بن الحسن الشهراباني وكتب عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن الجوزي في شعبان سنة ست وستين وخمسمائة حامدا الله ومصليا على رسوله محمد وآله الطاهرين
آخر س آخر الكتاب والحمد لله حق حمده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وفرغ من نسخه في يوم الجمعة الثاني من شهر الله المحرم سنة ست وأربعين وسبعمائة أحسن الله تقضيها وذلك بالمدرسة الكروسية رحم الله واقفها وحسبنا الله ونعم الوكيل (1/671)